إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

الوجيز في القانون الدولى العام - الجزء الثانى- أد محمد حافظ غانم

 

 

                      الوجيز في القانون الدولي

 

أ.د. محمد حافظ غانم

استاذ القانون الدولى بجامعه عين شمس

https://prabook.com/web/mohamed_hafez.ghanem/1346620

 

 

الجزء الثاني


اشخاص القانون الدولى العام

                              الباب الأول

                                الدولة

الدولة فى القنون الداخلى والقانون الدولى :

سنقوم فى هذا الباب بدراسة الدولة من وجهة نظر القانون الدولى، وهذه الدراسة تختلف فى موضوعاتها عن دراسة الدولة من وجهة نظر القانون الداخلى .

إذ أن القانون الدولى يهتم فقط بتحديد ما يميز الدولة كشخصية دولية عن غيرها من الجماعات والهيئات التى لاتعتبر دولا، وبيان كيفية اكتساب الدولة للشخصية الدولية وما يطرأ عليها من تغيرات، وبتحديد الاختصاصات التى تمارسها الدولة وفقاً لأحكام القانون الدولى .

 

                           ** الفصل الأول **

                     نظرية الدولة فى القانون الدولى العام

الدولة مرحلة من مراحل تطور البشرية فى طريق التنظيم، وهى ليست غاية فى ذاتها أنها هى وسيلة لتحقيق النظام السياسى والقانونى الذى يضمن أمن ورفاهية بنى الانسان . ويعترف القانون الدولى بوجود دول مستقلة تمارس اختصاصات وسلطات واسعة فى داخل أقاليمها المختلفة وفى ميدان العلاقات الدولية .

 

                           ** المبحث الأول **

                     عناصر الدولة والمعيار المميز لها 

 1- عناصر الدولة :

لاتنشأ الدولة فى القانون الدولى الا إذا استكملت  ثلاثة عناصر أساسية وهى :

( أ ) الشعب :

وأول عناصر الدولة هو العنصر الانسانى ويطلق عليه اصطلاح الشعب.           وشعب الدولة هو مجموعة الأفراد الذين يستقرون فى اقليماً ويحملون جنسيتها، والغالب أن يرتبط أفراد الشعب برابطة القومية المبنية على وحدة اللغة أو الاصل أو التاريخ المشترك، فيكونون أمة واحدة. ولكن ذلك ليس بالشرط الأساسى، فقد يحتوى الشعب على عناصر لا تشترك مع الاغلبية فى قومية واحدة وهنا تثور المشكلة التى اصطلح على تسميتها بالاقليات . والقانون الدولى يعنى بحالة الأقليات، ويتطلب حمايتهم والمساواة بينهم وبين سائر أفراد الشعب فى الحقوق كما سنبين ذلك عند الكلام على حقوق الانسان.

وسواء وجدت رابطة القومية أم توجد، فسائر أفراد الشعب يرتبطون برابطة سياسية وقانونية هى رابطة الجنسية . وهى العلاقة التى تربط مواطنى دولة ما بتلك الدولة، وبمقتضاها يكون للدولة اختصاص فى مواجهة هؤلاء المواطنين سواء كانوا على اقليمها أم خارج ذلك الاقليم .ويكون للمواطنين حقوق ويلتزمون بواجبات لا يتمتع بها أو يلتزم بها الأجانب كالحقوق السياسية والالتزام بالخدمة العسكرية . وتقوم كل دولة بتحديد شروط اكتساب جنسيتها وفقدها وهى تلتزم باحترام العرف الدولى والاتفاقات الدولية التى تكون طرفاً فيها .

ونلاحظ أن فكرة الأمة بمعنى الجماعة التى تربطها روابط مشتركة ترجع إلى وحدة اللغة أو الاصل أو التاريخ والتى يرغب إفرادها فى العيش سوياً، قد أثرت كثيراً فى تطور الدول وعلى الخصوص فى العصر الحديث . فقد نادى العالم الايطالى مانشينى فى سنة 1861 بوجوب اعطاء كل جماعة قومية حق تكوين دولة، وبأن تقسيم العالم إلى دول يجب أن يستند إلى القوميات، وكان هدفه من ذلك تحقيق الوحدة الايطالية.

ولقد لاقى هذا المذهب نجاحاً فى أواخر القرن التاسع وفى أوائل القرن العشرين، وأدى تطبيقه إلى تحرير كثير من الأمم كانت تحت حكم دول لا يرتبطها بها أية رابطة قومية. ويمكن أن نضرب مثلاً على ذلك تحرير اليونان ورومانيا وبلغاريا وبولونيا وتشيكوسلوفاكيا والدول العربية وفضلا عن ذلك فقد احتوت معاهدات الصلح التى أعقبت الحرب العالمية الأولى على نصوص تتعلق بحماية الاقليات القومية والدينية واللغوية، كما أكد ميثاق الامم المتحدة حق تقرير المصير كمبدأ أساسى يحكم العلاقات الدولية، وأشارت الجمعية العامة فى العديد من قرارتها إلى حق تقرير المصير وأهمها القرار الصادر فى 16 ديسمبر سنة 1952 والمتعلق بحق الشعوب والأمم فى تقدير مصيرها، كما ورد النص عليه فى ميثاق حقوق الانسان سنة 1966.

ومع أن معظم الدول الحديثة تقوم على أساس قومى الا أنه يجب عدم المغالاة فى تقرير أهمية الرابطة القومية فى تكوين الدول؛ لأن القانون الدولى لايزال يقرر امكان قيام الدولة ولو كان شعبها ينتمى إلى قوميات مختلفة، كما أنه يعترف بامكان انقسام واحدة إلى شعوب تابعة لدول مختلفة .

( ب ) الاقليم :

يقطن شعب الدولة أقليماً له حدود معينة، يشمل عادة رقعة من الارض ورقعة من الماء ومن فضاء جوى يعلو الأرض والماء . والأمة التى لاتمارس السيادة على اقليم معين، وكذلك القبائل الرحالة التى تنتقل من مكان إلى آخر لا تعد دولا .

ولا يشترط لوجود الدولة أن يكون أقليماً على درجة معينة من الاتساع أو أن يتسم بسمات معينة .

ويعيش الشعب فى حالة تفاعل مستمر مع اقليمه، على أن الشعوب الحديثة استطاعت التغلب على كثير من مشكلات البيئة الجغرافية التى كانت تتحكم فى الماضى فى نشاطها أوتعرقل انتاجها الزراعى والصناعى ومعاملات التجارية . وتحتفظ الدولة بشخصيتها ولو فقدت السيطرة على اقليماً مؤقتاً لظروف خارجة عن ارادتها، كما لو احتل اقليماً بواسطة عدو، فالدولة تبقى مادام تنظيمها السياسى لايزال متماسكاً يباشر اختصاصاتها على رعاياه المجودين خارج الاقليم، وكذلك على الارادات العامة الوطنية الموجودة فى الخارج . وهذا ما حدث فى الحرب العالمية الأولى بالنسبة لبلجيكا، وما حدث فى الحرب العالمية الثانية بالنسبة للنريج مثلاً .

( جـ ) السلطة العليا :

تتميز الدولة بوجود مؤسسات للحكم تتولى السلطة العليا فى اقليم الدولة وفى مواجهة رعاياها . والمؤسسات الحاكمة هى التى تؤكد وحدة الشعب المعنوية والاقتصادية، وتظهر الدولة فى مواجهة الدول الأخرى كوحدة متميزة لها شخصية دولية تبقى مهما تغير أشخاص الحكام .

وتتخذ المؤسسات الحاكمة أشكالها مختلفة : ملكيات أو جمهوريات، ديمقراطيات أو دكتاتوريات . ولا يهتم القانون الدولى بالشكل السياسى للمؤسسات الحاكمة طالما أن لها السيطرة على اقليمها وشعبها وتقوم بالوظائف الكفيلة ببقاء الدولة واستمرارها .

2- السيادة الوطنية كمعيار للدولة :

اهتم القانون الدولى بتحديد المعيار الذى يميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية التى لاتعد دولا كالأقليم غير المستقلة والمقاطعات ، والاتحادات الدولية التى لا تأخذ شكل الدولة . ولقد أزدادت أهمية هذا الموضوع نتيجة لظهور أشكال عديدة من الحكم الذاتى، ولنشوء أنواع مستحدثة من الاتحادات الدولية، ولظهور المشكلات المتعلقة بالدولة المقسمة مثل كوريا فى الوقت الحالى .

والمعيار التقليدى للدولة هو السيادة الوطنية، فالذى يميز الدولة عن غيرها من الجماعات هو تمتعها بالسيادة .

والسيادة نظرية قانونية ترتبط بنشأة الدول القومية فى أوربا فى العصر الحديث، ولقد ظهرت فى أول الأمر كمبدأ سياسى ينادى باعتبار الملك هو صاحب أعلى سلطة فى الدولة. وكان الهدف من ذلك القضاء على النظام الاقطاعى وتأكيد السلطة المركزية للدولة، وكذلك تقرير عدم خضوع الملك للسلطة الدينية التى كانت تمارسها الكنيسة الكاثوليكية .

وقد دخلت نظرية السيادة فى الفقة الفرنسى فى القرن السادس عشر بواسطة بودان الذى قرر أن السيادة هى السلطة العليا والمطلقة للملك التى لايقيدها الا الله والقانون الطبيعى .

وفى القرن السابع عشر أدخل هوبز نظرية السيادة فى الفقة الانجليزى وجعل السيادة للملك نتيجة لاتفاق الناس عن طريق العقد الاجتماعى .

ولقد تطورت نظرية السيادة فى أواخر القرن الثامن عشر وفى أعقاب الثورة الفرنسية حيث أصبحت السيادة لمجموع الشعب .

وكان أدخال نظرية السيادة فى المجال القانونى بداية لنشوء القانون الدولى التقليدى. فبعد أن كان الاتجاه القديم يرى أن للدولة سيادة مطلقة وأنها لا تتقيد باى شئ الا بارادتها وأن استعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية هو وسيلة الدول لتأكيد سيادتها الخارجية، اتجه الفقة إلى القول أن سيادة الدول مقيدة؛ إذ أن عليها احترام قواعد القانون الدولى العام، وهى قواعد ملزمة تعلو على ارادة الدول .

مظاهر السيادة فى الفقة التقليدى :

يتبين من مراجعة الدستور والدولى أن للسيادة مظاهر متعددة يتصل بعضها بعلاقة الدولة باقليمها وبرعاياها، ويتصل البعض الآخر بعلاقة الدولة مع غيرها من الدول . وفيما يلى أبرز هذه المظاهر .

1- السيادة الداخلية :

ومعناها حرية الدولة فى التصرف فى شئونها الداخلية، وفى تنظيم حكومتها ومرافقها العامة، وفى فرض سلطتها على كافة ما يوجد فى اقليمها من أشخاص وأشياء، ويترتب على السيادة الداخلية كذلك أنه لايجوز لأية دولة أو هيئة أخرى أن تباشر سلطاتها فى اقليم الدولة .

2- السيادةالخارجية :

ومعناها حرية الدولة فى ادارة علاقاتها الدولية وعدم خضوعها فى هذا الشأن لأية سلطة عليا. ويترتب على ذلك أن للدولة شخصية دولية كاملة وأن القانون الدولى ينشأ نتيجة لرضا الدول واتفاقها، وأنه لايمكن اكراه الدولة على عرض منازعاتها أمام محكمة دولية وأن للدولة أن تلجأ إلى الحرب لكى تدافع عن حقوقها بالقوة متى أرادت .

ونشيرفيما يلى إلى بعض المبادئ القانونية التى تترتب على عدم خضوع الدولة صاحبة السيادة لسلطة أعلى منها .

( أ ) الاستقلال :

الاستقلال مظهر لسيادة الدولة مبناه استبعاد سلطة أية دولة أو هيئة أجنبية. فالقول بأن الدولة هى أعلى سلطة فى اقليم معين يستتبع أنها مستقلة وأنها حرة فى ادارة شئونها الداخلية والخارجية، وأن لها فى هذا الشأن سلطة تقديرية مطلقة طالما أنها غير مقيدة بمعاهدة أو بقاعدة من قواعد القانون الدولى . وعلى ذلك فالدولة حرة فى اختيار شكل حكومتها وفى وضع تشريعاته، وهى حرة فى التعامل السلمى سياسياً واقتصادياً مع غيرها من الدول، وفى تبادل التمثيل الدبلوماسى وابرام المعاهدات، كما تستطيع أن تستبدل بارادتها حالة الحرب بحالة السلام .

ولما كان الاستقلال – فى حالة عدم وجود قاعدة دولية تنظم أمراً معيناً – صفة لازمة لكل الدول، فانه يجب على كل دولة احترام استقلال الدول الأخرى، ويعتبر تدخل دولة فى شئون دولى أخرى أمراً مخالفاً  للقانون الدولى .

( ب ) المساواة :

وهى مظهر آخر للسيادة مبناة أن جميع الدول متساوية أمام القانون الدولى تتمتع بالحقوق التى يقررها القانون وتلتزم بالتزاماته، وذلك بصرف النظر عن مساحتها أو عدد سكانها أو مقدار تقدمها .

 

( جـ ) الاجماع :

الاجماع نتيجة للسيادة، ومعناه أنه فى كل مؤتمر دولى يتخذ قرارات ملزمة أو ينشئ قواعد قانونية يكون لكل دولة عضو فى المؤتمر – الحق فى أن تقرر بنفسها ما إذا كانت تريد الالتزام بقرارات المؤتمر أم أنها ترفض ذلك، فالدول لا تلتزم بغير رضاها.

ويترتب على ذلك أن قرارت المؤتمرات الدولية يجب أن تصدر كقاعدة عامة باجماع الآراء .

 

تمييز السيادة عما يختلط بها :

السيادة هى السلطة السياسية القانونية العليا للدولة وبمقتضاها تتصرف بحرية, وتضع القواعد القانونية وتقوم بالزام الناس باحترامها . ويترتب على ذلك استقلالها عن أية دولة أخرى ومساواتها معها .

وتفقد الدولة سيادتها اذا ما سمحت لدولة أخرى بأن يكون لها سلطة عليا فيما يتعلق بمباشرة وظائف الدولة . كما قبلت دولة (أ) أن يكون لدولة (ب) سلطة نهائية فيما يتعلق بالاعتراض على تصرفاتها أو القواعد القانونية التى تصدرها .

ويكون للدولة سيادة ناقصة (1) اذا كانت لها السلطة العليا بالنسبة لبعض وظائف الدولة فقط, أما بالنسبة للبعض الآخر فيترك البت النهائى فيه لسلطة أجنبية أو لسلطة أعلى, ومثال ذلك الدولة المحمية والدول التى تشترك فى تكوين دولة اتحادية .

ويميز الفقهاء بين السيادة وبين بعض الأنظمة التى تختلط بها.

 

(أ‌)         التمييز بين السيادة وبين السلطة الفعلية :

السيادة لها مدلول قانونى معناه اعتبار الدولة أعلى سلطة فى داخل اقليمها, فمباشره الدولة للسلطة فى اقليمها مظهر لسيادتها على هذا الاقليم . ولكن من المهم التمييز بين السيادة وبين مباشرة السلطة الفعلية, لأنه من الجائز أن تباشر دولة أو هيئة دولية سلطة فعلية مؤقتة فى اقليم لا يخضع لسيادتها .

 

ويظهر ذلك فى الأنظمة الآتية :

1-  الايجار : وبمقتضاه تؤجر دولة جزءا من اقليمها لدولة أخرى, وتتولى الدولة المستأجرة ادارة الاقليم محل الايجار واستخدامه مقابل أجر معين تدفعه للدولة المؤجرة . ومن أمثلة ذلك استئجار الحكومة الأمريكية لمدة تسعة وتسعين عاما لبعض المناطق فى نيوفوند لندوبرمودا من انجلترا بموجب اتفاقية عقدت فى سنة 1941 .

2-  حوالة الادارة : وبمقتضاها تتنازل دولة عن ادارة جزء من اقليمها إلى دولة أخرى, وتتولى الدولة المديرة ادارة الاقليم نيابة عن الدولة الأولى ولمصلحة هذه الدولة . ومثال ذلك تنازل الحكومة المصرية بمقتضى اتفاقية سنة 1899 وبعض القرارات اللاحقة عن ادارة بعض الأراضى المصرية على الحدود للادارة فى السودان .

3-  الوصاية : ومن الامثلة الحديثة للتمييز بين السيادة والسلطة الفعلية نظام الوصايا الدولية, وبمقتضاه تباشر الدولة صاحبة الوصاية السلطة عن اقليم لا يخضع لسيادتها, وذلك لمصلحة سكان هذا الاقليم, وتحت اشراف الأمم المتحدة (1) .

4-  الاحتلال الحربى : لا ينتج عن احتلال دولة لاراضى دولة أخرى فى أعقاب عمليات حربية نقل حقوق السيادة على الاقليم من الدولة صاحبة الاقليم إلى الدولة المحتلة, وانما تمارس الدولة المحتلة فقط ادارة الاقليم وفقا لقانون الحرب .

 

(ب‌)   التمييز بين السيادة وبين الملكية :

يخلط بعض الفقهاء بين السيادة الاقليمية وبين الملكة فيصفون حق الدولة على اقليمها بأنه حق ملكية . ولهذا الخلط أسباب تاريخية ترجع إلى أن كثيرا من قواعد القانون الدولى استعير أصلا من قواعد القانون الداخلى وبصفة خاصة من قواعد القانون الرومانى .

وقد وجد الفقهاء تشابها كبيرا بين سيادة الدولة على اقليمها وبين الملكية, فالحق فى كليهما مقصور على صاحبه ويخول له سلطة التصرف فى المال موضوع الحق . ولقد ساعد على ايجاد هذا الخلط أن السيادة كانت فى أول الأمر للملك وكان اقليم الدولة يعتبر تابعا له . ولهذا فلقد طبق بعض الفقهاء القواعد الخاصة بالملكية على سيادة الدولة على اقليمها وبصفة خاصة فيما يتعلق بطرق اكتساب السيادة وطرق فقدها والقيود التى ترد عليها (1) .

والواقع أن هذا الخلط ليس له ما يبرره, فللسيادة فى القانون الدولى مدلول قانونى  مبناه اعتبار الدولة على أعلى سلطة فى داخل اقليمها واعتبار هذا الاقليم النطاق الذى تباشر الدولة سلطاتها فيه . ولا يمكن أن نشبه سلطات الدولة واختصاصاتها بالملكية الخاصة لفرد من الأفراد .

ولكن هذا لا ينفى أن مشتملات اقليم الدولة قد تكون قيما فى ذاتها, ولهذا يختص القانون الداخلى لكل دولة بتنظيم ملكية الأفراد أو ملكية الدولة لهذه القيم . وملكية الدولة لبعض الاموال والخاصة فى داخل اقليمها أو فى أقاليم دول أخرى شىء مختلف عن سيادة الأقليمية .

 

الانتقادات الموجهة لنظرية السيادة :

ولقد تعرضت نظرية السيادة فى العصر الحالى لانتقادات جوهرية, وهجرها البعض مطالبين باخضاع المجتمع الدولى لسلطة عليا أو لحكومة عالمية .

والواقع أن نظرية السيادة أسئ استخدام لتبريد الاستبداد الداخلى والفوضى الدولية. ولقد أدت هذه النظرية إلى أعاقة تطور القانون الدولى وإلى فشل كثير من المؤتمرات الدولية، وإلى تسلط الدول القوية على الدول الضعيفة بحيث أصبحت الحرب هى الحكم النهائى فى العلاقات بين الدول ذات السيادة .

ويقرر البعض أن معيار السيادة معيار خاطئ من النحية القانونية للأسباب الآتية :

( أ ) ففى داخل الدولة: نجد أنه مع التسليم بأن الدولة هى السلطة صاحبة الاختصاص العام وأنها لا تخضع لسلطة أعلى، لا يمكن القول بأنها مطلقة التصرف؛ فالدولة ليست غاية فى ذاتها وانما هى وسيلة لتحقيق غاية هى سعادة رعاياها، وكل تصرفات الدولة يجب أن تهدف إلى هذا الغرض .

 وفكرة السيادة المطلقة تتعارض مع مبدأ سيادة القانون . فالسلطات العامة الوطنية تباشر اختصاصاتها وفقاً لدستور الدولة وللمبادئ الدستورية العامة وللقوانين واللوائح.

ولهذا نجد أن كل تصرفات الدولة تخضع للرقابة الداخلية السياسية والقضائية والشعبية.

( ب ) أما فى ميدان العلاقات الدولية، فلا يمكن قبول النظرية لأنها تقرر شيئاً مستحيلاً وهو وجود دول ذات سيادة فى نظام قانونى ملزم هو القانون الدولى .

فالدولة ليست مطلقة التصرف فى ميدان العلاقات الدولية، إذ هى تخضع للقانون الدولى الذى هو مفروض على الدول بناء على اعتبارات تعلو على ارادتها والذى يورد قيودا على تصرفات الدول، ويحكم علاقاتها مع الدول الأخرى ومع الهيئات الدولية.

  ومن الثابت انه لا توجد دولة تقرر أنها ترفض الخضوع للقانون الدولى أو تدعى أنها تملك التصرف بحرية مطلقة فى ميدان العلاقات الدولية . وحتى فلا ألاحوال التى خولفت فيها قواعد القانون الدولى كانت الدولة المخالفة تحاول تبرير موقفها عن طريق الالتجاء إلى تفسير قواعد هذا القانون بما يلائم هذا الموقف .

( جـ ) لا تتفق نظرية السيادة مع التطور الجديد للقانون الدولى فى اتجاه اخضاع الدول لسلطة عليا، واقامة نظام للأمن الجماعى وآخر للتنمية الاقتصادية الدولية فى اطار الأمم المتحدة. وهى أيضاً لا تنسجم مع تدخل القانون الدولى – عن طريق حماية حقوق الانسان – فى علاقة الدولة برعاياها .

ولقد اتجه الفقهاء الذين يرفضون فكرة السيادة إلى البحث عن معايير حديثة تميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية .

فقال البعض ان ما يميز الدولة هو تملكه من قوة للجبر والقهر تباشرها على اشخاص آخرين، وهذه القوة هى حق خاص للدولة لم تستمد من سلطة أخرى. وقال البعض الآخر ان ما يميز الدولة هو كونها تملك اختصاص اعطاء الاختصاص فهى السلطة الوحيدة فى الاقاليم التى تملك حق وضع دستور ينظم الدولة ويحدد اختصاص سائر الاشخاص والهيئات الموجودين على اقليمها .

ومن راينا أن الدولة المعاصرة تتميز عن غيرها من الجماعات ومن الأقاليم بخصيصتين أساسيتين يجتمعان فيها وهما :

 1- عمومية اختصاص الدولة :

تتمتع الدولة باختصاص عام، ومعنى ذلك أنها فى حدود اقليمها تملك التدخل فى سائر مظاهر حياة البشرية لتنظيمها واقرار ما تراه أمنا وعدالة فهى تضع دستوراً للحكم وتملك سلطة التشريع والقمع، وتنظيم المرافق العامة وتتدخل فى الحياة الاقتصادية، بل وتستطيع التدخل فى الحياة الاجتماعية والثقافية للافراد وفقاً لما تقرره فى دستورها الوطنى .

فالاختصاص العام هو الذى يميز الدولة عن أشخاص القانون الداخلى الاخر كالاقاليم والمحافظات والمصالح مثلاً، وعن أشخاص القانون الدولى التى لا تعد دولا كالاتحادات الكونفدرالية والمنظمات الدولية . وذلك لأنه على خلاف الدولة، لا يمارس هؤلاء الاشخاص الا الاختصاصات التى منحت لهم على سبيل الحصر. وما دمنا نقول أن الدول تملك اختصاصات عاماً فمعنى ذلك أن هذا الاختصاص قد منح لغرض معين هو تحقيق مصالح شعب الدولة وأنه يجب أن يباشر فى حدود هذا الغرض .

2- أهلية الدخول فى علاقات دولية :

تتميز الدولة ثانياً بأنها تملك أهلية الدخول فى العلاقات التى تخضع مباشرة لقواعد القانون الدولى كابرام المعاهدات وتبادل التمثيل الدبلوماسى .

وهذه الأهلية لا تتوافر للجماعات الاقليمية الاخرى غير الدولة كالمستعمرات وأشخاص القانون الداخلى، فهذه تتبع أولاً دولة من الدول ولا تدخل فى علاقة مباشرة مع القانون الدولى العام .

وقد يتطلب القانون الدولى شروطاً خاصة فى الدولة بالنسبة لممارسة علاقة دولية معينة ومن ذلك أن ميثاق الأمم المتحدة يتطلب فى الدولة الراغبة فى الانضمام مجموعة من الشروط  .

مدلول السيادة الوطنية فى القانون الدولى المعاصر :

( أ ) القانون الدولى لايزال يؤكد ضرورة احترام السيادة الوطنية :

على الرغم من التيارات الحديثة التى هاجمت ولاتزال تهاجم، نظرية السيادة، ومهما اجتهد العلماء والفقهاء فى تفنيدها من الناحية النظرية، فان الاتفاقات الدولية العالمية والاقليمية لاتزال تجعل من احترام السيادة الوطنية قاعدة أساسية . فعهد عصبة الأمم لم يستطيع أن يضحى بفكرة السيادة وجاء ميثاق الامم المتحدة مؤكد وحاميا لسيادات الدول الاعضاء . فالمادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة تنص فقرتها الاولى على أن " تقوم الهيئة على مبدأ المساواة فى السيادة بين جميع أعضائها ".

غير أنه يجب الاعتراف بأنه قد حدث تطور هائل أدى إلى تضييق مدلول السيادة الوطنية , فميثاق الأمم المتحدة الذى انضمت إليه كل دول العالم تقريبا يفرض على الدول الاعضاء التزامات متعددة يتعارض بعضها تعارضا بينا مع المدلول القديم للسيادة . فلا جدال فى أن اختصاصات مجلس الأمن فى حالات تهديد السلم والاخلال به ووقوع العدوان ( الفصل السابع من الميثاق ) لا تتفق مع تأسيس الأمم المتحدة على فكرة السيادة, لان القرارات التى يصدرها مجلس الامن فى هذه الاحوال تلزم جميع الدول الاعضاء ولو لم يوافقوا عليها .

ولا شك فى أن منح الدول الخمس الكبرى حق الاعتراض على قرارات مجلس الأمن يحول دون الانتقاص من سيادة هذه الدول فقط دون غيرها من أعضاء الامم المتحدة الذين يلتزمون بتنفيذ قرارات مجلس الامن المتصلة بقمع العدوان دون اشتراط موافقتهم عليها, بل ان هذه القرارات يجوز تنفيذها بالقوة عن طريق جزاءات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية يأمر بها مجلس الأمن .

هذا فضلا عن قبول أعضاء الامم المتحدة للالتزامات المتعددة الواردة فى الميثاق ومنها عدم جواز اللجوء إلى القوة م 2/4, ووجوب حل المنازعات الدولية حلا سليما ( الفصل السادس من الميثاق ), ووجوب أتباع مبادئ معينة فيما يتعلق بادارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى ( الفصل الحادى عشر من الميثاق ), والاعتراف باختصاص الامم المتحدة فى الميدان الاقتصادى والاجتماعى ( الفصل التاسع من الميثاق ) . كل هذا يدفعنا إلى القول بأن أعضاء الامم المتحدة ليسوا مطلقى التصرف بل يخضعون لقيود ولا شراف ورقابة الأمم المتحدة . ولا يقلل من أهمية وجود الامم المتحدة أن قراراتها – كقاعدة عامة وفى غير الاحوال التى تتصل بتهديد الامن الدولى أو الاخلال به – هى مجرد توصيات للدول الأعضاء . وذلك لان صدور توصية من منظمة دولية عالمية كالامم المتحدة أمر له قيمته السياسية بحيث أن الدول كثيرا ما تتردد قبل مخالفة هذه التوصية .

وزيادة على ذلك فقد خرج ميثاق الامم المتحدة احيانا على فكرة المساواة بين الدول, اذا أنه منح للدول الخمس الكبرى مزايا لا يتمتع بها باقى الأعضاء, فقد جعل لها كراسى دائمة فى مجلس الامن ومنحها حق الاعتراض . ومن المعلوم أن المساواة مظهر من مظاهر السيادة, فالاخلال بها اخلال بالسيادة بالمعنى الذى كان مفهوما فى الماضى .

 

(ب)الدول لازالت تتمسك بسيادتها :

تؤكد الدساتير الوطنية تمتع الدولة أو الشعب بالسيادة, ومن هذا القبيل أن المادة الثالثة من دستور جمهورية مصر العربية سنة 1971 تنص على أن السيادة للشعب, وتقرر المادة 73 أن رئيس الجمهورية يسهر على تأكيد سيادة الشعب . كما تقرر المادة الثانية من دستور اتحاد الجمهوريات العربية سنة 1971 أن السيادة فى الاتحاد للشعب .

 

ومن ناحية أخرى تؤكد تصرفات الدول فى ميدان العلاقات الدولية الثنائية وفى المظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة تسكها بسيادتها .

ولفكرة السيادة أهمية خاصة لدى الدول التى استقلت حديثا والتى حصلت على سيادتها نتيجة لمجهودات ولتضحيات جسيمة, ويرجع ذلك إلى أنها تخشى أن يؤدى تنازلها عن سيادتها الى وقوعها فى براثن السيطرة الاجنبية ولا عتقادها – وهى محقة فى ذلك – بأن المنظمات الدولية قد تخضع لسيطرة الدول الكبرى .

كما أن الدول الشيوعية بصفة عامة تتمسك بنظرية السيادة وتجعلها أساسا لعلاقاتها الخارجية لأنها تخشى أن يؤدى تنازلها عن سيادتها للمظمات الدولية الى خضوعها بقرارات تصدير عن الاغلبية التى لاتعتنق النظام الشيوعى .

 

(جـ) مفهوم السيادة فى قضاء محكمة العدل الدولية :

ان تمسك الدول بسيادتها فى الوقت الحالى, ومطالبتها باحترام هذه السيادة ينصرف إلى معنى محدد هو استقلال الدولة الداخلى والخارجى, وتمتعها بالأهلية أى ممارستها لاختصاصاتها الاقليمية والدولية بحرية وذلك بشرط الخضوع للقانون الدولى العام والالتزام بميثاق الامم المتحدة . ويترتب على ذلك أن النظام القانونى الوطنى يخضع لنظام أعلى هو النظام الدولى, وأن ما يجرى الاصطلاح على تسميته بمظاهر سيادة الدولة عبارة عن سلطات واختصاصات تمارسها الدولة بالتطبيق لقواعد القانون الوطنى والقانون الدولى .

وتؤكد محكمة العدل الدولية فى أحكامها الحديثة هذا المفهوم لنظرية السيادة .

ففى قضية المصايد بين المملكة المتحدة والنرويج سنة 1951 ثار النزاع حول حق النرويج فى تحديد طريقة أحتساب بحرها الاقليمى . ولقد قررت المحكمة " أن تحديد المساحات البحرية كان له على الدوام صفة دولية, ولا يمكن أن يترك للارادة المطلقة للدولة المجاورة كما تظهر فى تشريعاتها . واذا كان المتبع أن تحديد اتساع البحر الاقليمى يتم بارادة دولة واحدة . فان نفاذ هذا التحديد فى مواجهة الدول الأخرى يتوقف على القانون الدولى العام " .

 

                                       المبحث الثانى

                                        أنواع الدول

                        أولا : الدول البسيطة والاتحادات الدولية  

 

الدولة البسيطة هى التى تنفرد بادارة شئونها الداخلية والخارجية سلطة واحدة كايطاليا واليونان والسويد . ولا يؤثر فى اعتبار الدولة بسيطة اتساع رقعتها, أو انها تتكون من عدة أقاليم أو مقاطعات تتمتع بالادارة المحلية, مادام أن هناك حكومة واحدة لها الكلمة العليا فى الداخل والخارج .

أما الاتحاد الدولى فيتكون من ارتباط أكثر من دولة برابطة الخضوع لسلطة مشتركة ويتميز الاتحاد الدولى بما يلى :

(أ‌)         وجود نظام قانونى داخلى لكل عضو فى الاتحاد مع وجود نظام قانونى مشترك يسرى فى حق جميع أعضاء الاتحاد .

(ب‌)   وجود حكومات لكل عضو الى جانب الاجهزة أو السلطات الاتحادية .

(جـ) وجود تقسيم للاختصاص بين حكومات الدول الاعضاء وبين الاجهزة أو السلطات الاتحادية . وهذا التقسيم مفروض على الجميع ويجب اتباعه, ولا يجوز تعديله الا بالاسلوب الذى يقرره أعضاء الاتحاد .

 

النظرية التقليدية فى الاتحادات الدولية :

انتشرت الانظمة الاتحادية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية انتشارا كبيرا وذلك بعد أن أحست الدول بما يحققه الاتحاد من مزايا وفوائد نتيجة لاتساع المجتمع السياسى والاقتصادى لمواطنى الاتحاد .

ويميز القانون الدولى التقليدى بين أنواع مختلفة من الاتحادات الدولية يتباين بعضعها عن بعض من حيث الشكل وطريقة التنظيم وذلك على النحو الآتى :

1-  الاتحاد الشخصى :

يقوم هذا النوع من الاتحادات بين دولتين أو أكثر تحتفظ كل منها بسيادتها الكاملة وبتنظيمها الداخلى المستقل, ولكنها تشترك جميعا فى شخص رئيس الدولة .

ولا يكون الاتحاد الشخصى دولة واحدة اذ أن الدول الداخلة فيه تحتفظ بشخصياتها الدولية كاملة وبكل اختصاصات الدولة .

وتتسبب الاتحادات الشخصية عادة عن قواعد وراثة العرش حينما يجتمع حق وراثة العرش فى دولتين فى أسرة ملكية واحدة . ومن أمثلة الاتحادات الشخصية – الاتحاد بين انجلترا وهانوفر الذى استمر من 1714 إلى 1848 , والاتحاد بين هولانده ولو كسمبرج الذى بدأ فى 1815 فى سنة 1890 .

ومن الواضح أن الاتحاد الشخصى لا ينشىء رابطة اتحادية حقيقة بين الدول الأعضاء حيث أنها تحتفظ بكامل اختصاصاتها الداخلية والخارجية, ويجمع بينها فقط الاشتراك فى شخص رئيس الدولة .

 

2-  الاتحاد الحقيقى :

أما الاتحاد الحقيقى فيخضع لنفس الرئيس الأعلى دولتين أو أكثر, لكل منها دستورها الداخلى وتشريعها الخاص وادارتها المستقلة, ولكنها تظهر جميعا فى العلاقات الدولية كدولة لها شخصية واحدة .

فالاتحاد الحقيقى يتختلف عن الاتحاد الشخصى من حيث أن الدول الداخلة فيه تفقد شخصياتها الدولية وسائر اختصاصاتها الخارجية, ويتشابه معه من حيث احتفاظ كل دولة داخلة فيه باستقلالها الداخلى .

ومن أمثلة الاتحاد الحقيقى الاتحاد بين الدانمراك وايسلند من 1918 إلى 1944 .

 

3-  الدول المتحدة أو الاتحاد الكونفدرالى :

تتكون الدول المتحدة من مجموعة من الدول تبرم فيما بينها معاهدة تنص على التزام الأعضاء بالعمل على تحقيق أهداف معينة وباحترام بعض المبادىء, كما تنشئ المعاهدة هيئات مشتركة تتكون من ممثلين عن الدول الاعضاء للاشراف على تنفيذها .

وتحتفظ كل دولة عضو فى الاتحاد بحقها فى مباشرة مظاهر سيادتها الخارجية والداخلية, وبنظام الحكم القائم فيها, ولكنها ترتبط مقدما بالتنازل للهيئات المشتركة عن قدر من حريتها فى التصرف . وتكلف الدول الأعضاء هيئات الاتحاد بالعمل على تحقيق الاهداف المحددة فى المعاهدة المنشئة له . وتتلخص هذه الاهداف عادة فى المحافظة على استقلال الدول الاعضاء ومنع الحروب بينها, والدفاع عن مصالحها السياسية والاقتصادية .

 

ولا تعتبر هيئات الاتحاد حكومة عليا يعلو سلطانها وتنفيذ كلمتها على جميع الدول الأعضاء وعلى رعايا هذه الدول, وانما يقتصر عملها على تكوين السياسة العامة للدول الاعضاء فى المسائل التى تدخل فى اختصاصها . وهى تصدر قراراتها بالاجماع كقاعدة عامة, ويجوز اصدار بعض القرارات بالأغلبية . ويقوم الاتحاد بتبليغ قراراته للدول الأعضاء لكى تقوم بتنفيذها بواسطة سلطاتها الوطنية, ولا يملك الاتحاد سلطة تنفيذ قراراته بواسطة أجهزة تابعة له, ولا تعتبر قراراته نافذة فى أقاليم الدول الأعضاء .

 

ويهمنا أن نحدد فيما يلى بعض النتائج التى يرتبها القانون الدولى على طبيعة العلاقات بين الدول المشتركة فى اتحاد كونفدرالى :

 

(أ‌)         تحتفظ كل دولة من الأعضاء بشخصيتها الدولية وبحقها فى مباشرة علاقاتها الدولية, والانضمام للمنظمات الدولية, ومع ذلك تتقيد هذه الدول فى علاقاتها الدولية بالسياسة العامة التى يرسمها الاتحاد .

(ب‌)   تملك كل دولة من الاعضاء حق الحرب مع احترام المبادئ العامة للقانون الدولى, وتعتبر الحرب التى تقوم بين دولتين من الدول الاعضاء حربا دولية وليست حربا أهلية .

(جـ) تظل كل دولة من الدول الأعضاء مسئولة عن تصرفاتها وعن مباشرة علاقاتها الدولية فهى تملك ارسال وتلقى المبعوثين الدبلوماسيين . وعقد المعاهدات الدولية، والانضمام للمنظمات الدولية، ومع ذلك تتقيد هذه الدول فى علاقاتها الدولية بالسياسة العامة التى يرسمها الاتحاد .

والتاريخ حافل بأمثلة للاتحادات الكونفدرالية فالولايات المتحدة الأمريكية كانت اتحاد كونفدراليا فى الفترة من 1781إلى 1789، وسويسرا كانت تكون اتحاداً كونفدراليا فى الفترة من 1648إلى 1848 والمانيا من 1815إلى 1866 .

والاتحاد الكونفدرالى اتحاد ضعيف يقتصر دوره على التنسيق والتوفيق بين ادول الاعضاء .

ومن الجائز اعتبار الاتحاد الكونفدرالى شخصاً من أشخاص القانون الدولى العام مستقلاً عن أشخاص الدول الأعضاء وذلك إذا ما تم الاعتراف الدولى بحقة فى تكوين ارادة ذاتية وفى ممارسة بعض الاختصاصات الدولية .

4- الدولة الاتحادية أوالاتحاد الفدرالى :

ان التفرقة بيت الكونفدرالية وبين الفدرالية تفرقة لها أهميتها فى القانون الدولى العام، فبينما تحتفظ الدول المتحدة اتحاد كونفدراليا بشخصياتها الدولية مع قيامها بانشاء هيئة تقوم بتنسيق بعض مظاهر سياستها العامة وبالدفاع عن مصالحها المشتركة، نجد أن الأتحاد الفدرالى أو الدولة الاتحادية تعتبر شخصية دولية واحدة لها حكومة اتحادية تباشر السلطة العليا على أعضاء الاتحاد .

وبينما تنشأ الدول المتحدة بمعاهدة لايجوز تعديلها الا بموافقة جميع الدول الاعضاء أو على الاقل يكون للعضو المخالف حق الانفصال عن الاتحاد، نجد أن الدول الاتحادية تنشأ بوثيقة ذات طبيعة دستورية بغض النظر عن أسمها – دستور أو نظام اساسى ................................. بالأغلبية العادية لاصوات الاعضاء أوبأغلبية ................

...... المخالف حق الانفصال .

فالدولة الاتحادية تتكون من مجموعة من الدول تخضع بمقتضى الدستور الاتحادى لحكومة عليا واحدة تباشر فى حدود اختصاصها سلطاتها على حكومات الدول الاعضاء وعلى رعايا تلك الدول .

وتعتبر الدولة الاتحادية نظاماًً قانونياً مركباً له خصائصة من وجهة نظر القانون الداخلى ومن وجهة نظر القانون الدولى .

1- ففى الناحية الداخلية : تتناول الدول الاعضاء عن جانب من سياتها الاقليمية للدول الاتحادية حكومة يطلق عليها اسم الحكومة الاتحادية لها سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولكن هذا لا ينفى أن الدول الاعضاء تحتفظ بحكوماتها. ويتولى الدستور الاتحادىتوزيع الاختصاصات بين الحكومات المحلية وبين الحكومة العليا التى تتبعها سائر الحكومات .

وهكذا يوجد ازدواج فى الانظمة القانونية لكل دولة اتحادية فمواطنو الاتحاد يتمتعون بجنسيتهم المحلية وبالجنسية الاتحادية . ولكل عضو فى الاتحاد اقليمه الخاص الذى يعتبر فى نفس الوقت جزاءاً من الاقاليم الاتحادى . ويحتفظ كل عضو بسلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية كما أن للاتحاد ايضاً سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية. وقرارات الحكومة الاتحادية تنفذ مباشرة فى أقاليم الدول الاعضاء.

2- أما من ناحية القانون الدولى : تعتبر الدولة الاتحادية شخصاً من أشخاص القانون الدولى العام بخلاف الدول الأعضاء التى لا يكون لها شخصية دولية . وتتولى الدول الاتحادية ادارة العلاقات الخارجية، ويترتب على ذلك ما يأتى :

( أ ) تتولى الدولة الاتحادية ...................... وعقد الصلح، وهى التى ...............

...........الاتحاد، وبهذه الطريقة تحتكر عملاً ...........

( ب ) تشرف الدولة الاتحادية اختصاص تبادل التمثيل الدبلوماسى، وتنضم للمنظمات الدولية، وتفقد الدول الأعضاء اختصاص ارسال وتلقى الممثلين الدبلوماسين، ولا يكون لها تمثيل مستقل فى المنظمات الدولية .

( جـ ) تتولى الدولة الاتحادية عقد المعاهدات، وتفقد الدول الأعضاء هذا الحق . فوفقاً للمادة الأولى من الفصل العاشر من دستور الولايات المتحدة لا يجوز للولايات عقد معاهدات فيما بينها أو مع الغير . وهذا الحكم مقرر أيضاً فى دستور الاتحاد السوفيتى وفى دستور المكسيك والارجنتين .

ومع ذلك تنص بعض الدساتير الاتحادية على حق الدول الأعضاء فى عقد بعض أنواع من المعاهدات وبصفة خاصة المعاهدات غير السياسية بشرط أن تكون متفقة مع السياسة العامة للاتحاد . فالمادة الثامنة من الدستور السويسرى مثلاً تجيز للدول الاعضاء أن تعقد المعاهدات المتعلقة بشئون الجوار والأمن .

ولما كان يترتب على تكوين الدولة الاتحادية انقضاء الشخصية الدولية للدول الأعضاء فانه من الواجب تقرير انقضاء المعاهدات التى سبق ارتباط هذه الدول بها قبل تكوين الدول الاتحادية . وهذه القاعدة ثابتة واكيدة بالنسبة لمعاهدات التحالف، فمن المقرر انقضاء معاهدات التحالف التى ترتبط بها الدول الأعضاء بمجرد قيام الدول الاتحادية، حيث أن السلطات الاتحادية وحدها هى التى تملك أعلان الحرب .

أما بالنسبة للمعاهدات والالتزامات الدولية الاخرى، فالغالب استمرار نفاذها طبقاً لقواعد الميراث الدولى التى سنوضحها فيما بعد .

( د ) ويثور البحث عن الموقف بالنسبة للمسئولية الدولية، ومن الطبيعى أن تسأل الدول الاتحادية عن الأعمال التى تصدر عنها . أما بالنسبة للأعمال التى تصدر عن الولايات فمن الواجب أيضاً اعتبار الدولة الاتحادية مسئولة عنها على اعتبار أن الولايات تخضع لهيمنتها ولاشرافها . فالدولة الاتحادية تسأل عن الأعمال غير المشروعة التى تصدر عن الولاية مع أنها لاتستطيع فى بعض الأحوال أن تمنع اصدارها، وهذا هو الحل الذى أخذت به محاكم التحكيم وأقره العرف الدبلوماسى .

أما إذا كان الفعل المولد للمسئولية الدولية مبناه اخلال احدى الدول الأعضاء بعقد أو بمعاهدة دولية فتلتزم التفرقة بين وضعين :

1-  اخلال ولاية بعقد أبرمته : وفى هذه الحالة لايمكن تقرير قاعدة عامة، ويمكن القول أن الدولة الاتحادية تسأل عن هذه العقود إذا كان لها اشراف وثيق على ابرامها . أما العقود التى تستقل الولاية بابرامها بدون اشراف ما من سلطات الدولة الاتحادية فلا تسأل عنها الأخيرة .

2-  اخلال ولاية بمعاهدة دولية، وهنا تفرقة بين فرضين :

( أ ) حالة اخلال ولاية بأحكام معاهدة عقدتها الحكومة الاتحادية وهنا تسأل الدولة الاتحادية عن أعمال الولاية .

( ب ) حالة اخلال ولاية بأحكام معاهدة أبرمتها بنفسها فى حدود اختصاصها الدستورى، وفى هذه الحالة أيضاً تترتب مسئولية الدولة الاتحادية .

أما إذا كانت الولاية قد أبرمت المعاهدة اخلالا بالدستور الاتحادى فيزيد الأمر صعوبة .

ومن الواضح أن الولاية تعتبر مسئولة أمام الدولة الاتحادية ولكن من الذى يسأل أمام الغير؟ يذهب الرأى الراجح إلى تقرير مسئولية الدولة  الاتحادية باعتبارها المهيمنة على العلاقات الخارجية، ونحن نميل إلى تقرير عدم مسئولية الدول الاتحادية فى مثل هذه الحالة لأن على الغير أن يتأكد من مدى اختصاص الولاية قبل أن تبرم معها معاهدة  ولكن هل يمكن مساءلةالولاية أيضاً رغم عدم اختصاصها بعقد المعاهدة؟ يقرر البعض مسئولية الولاية عن هذه المعاهدة لانفصال القانون الدولى عن القانون الداخلى . والراجح عدم امكان مساءلة الولاية دولياً لأن المسئولية علاقة تنشأ بين أشخاص القانون الدولى والولاية لاتتمتع بالشخصية الدولية .

تطور الاشكال التقليدية للاتحادات الدولية :

ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية أشكال مستحدثة من الاتحادات الدولية لا يمكن ادراجها فى التقسيمات التقليدية.

وإذا نظرنا إلى التجارب الاتحادية الحديثة وبصفة خاصة فى العالم العربى والاسلامى وفى أوربا نجد أنها تعطى أهمية خاصة للوحدة الاقتصادية والثقافية باعتبارها ركيزة أساسية للوحدة السياسية كما نلاحظ أنها تبتكر أنظمة مرنة تقوم على التوفيق بين مجموعتين من العناصر، الأولى موحدة والاخرى انفصالية، وهى عناصر توجد بالضرورة فى اطار كل اتحاد

( أ ) ونعنى بالعناصر الموحدة جميع العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تضغط لتحقيق التكامل بين مجموعة من الدول، ويتم ذلك عن طريق اخضاعها لقواعد وأجهزة مشتركة .

( ب ) ونشير بالعناصر الانفصالية إلى جميع العوامل المضادة التى تؤكد الذاتية الخاصة لكل دولة، وتعمل على تمييزها عن باقى الدول .

وحسبما يتم التفاعل بين هاتين المجموعتين من العوامل وفقاً لظروف الزمان والبيئة ويتميز كل اتحاد عن غيره، ويكون له شكله وأسلوبه الخاص فى التكامل وبصفة خاصة فى المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية .

السالفة الذكر عن طريق التوفيق بين الاختصاصات التى يحتفظ بها أعضاء الاتحاد وبين تلك التى تؤول إلى أجهزة اتحادية مشتركة .

وعلى هذا النحو ونتيجة للتوازن بين العوامل الموحدة والعوامل الانفصالية – ينشأ الاتحاد بالاتفاق الحكومى أو بالارادة الشعبية، وتتحدد اختصاصات وسلطات الاجهزة الاتحادية .

وتختلف درجة التوازن فى كل من الاتحادات الدولية تبعاً لاختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تحيط بأعضاء الاتحاد، وتدعوهم إلى التمسك باستقلالهم تارة، أو إلى التكامل مع غيرهم من الأعضاء تارة أخرى . فعندما تسود النزعة الانفصالية يكون الاتحاد ضعيفاً تحرص فيه الدول الأعضاء على الاحتفاظ بسيادتها الكاملة وبذاتيتها الاقتصادية والثقافية المستقلة وعلى النقيض من ذلك إذا تغلبت العوامل الاتحادية تنشأ دولة مركبة تختفى فيها الشخصيات الدولية للدول الأعضاء، أو على الاقل تفقد هذه الدول جانباً جوهرياً من سيادتها الوطنية .

ومن أمثلة الصراع بين العوامل الموحدة والعوامل الانفصالية ما يدور فى علاقات الدول العربيةمنذ استقلالها. فالقومية العربية، والتضامن فى مواجهة الخطر الخارجى، واحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعوب العربية – تدفع الشعوب العربية إلى التكامل أو الوحدة، وعلى النقيض من ذلك تعتبر الجنسيات المحلية، والمصالح الاقتصادية المحلية، والتمسك بأنظمة الحكم الخاصة عوامل انفصال تعمل على تأكيد السيادة الكاملة لكل دولة عربية. ولقد أدى ذلك إلى نشوء الجامعة العربية فى سنة 1945 كمنظمة اقليمية تقوم على احترام السيادة الكاملة للدول الأعضاء مع محاولة تحقيق تعاون اختيار فيما بينها. كما فشلت كل مشروعات الوحدة السياسية بين الدول العربية ومن بينها  الوحدة المصرية السورية سنة 1958 التى استمر حتى سنة 1961.

 

            ** ثانياً : الدول كاملة السيادة والدول ناقصة السيادة **

الوضع فى القانون الدولى التقليدى وفى ميثاق الأمم المتحدة :

جرى القانون الدولى التقليدى على التمييز بين الدول من حيث تمتعها بالسيادة على النحو الاتى :

( أ )الدولة كاملة السيادة :هى التى تملك مباشرة كافة الاختصاصات التى يعترف بها القانون الدولى العام للدولة، فهى تتصرف بحرية فى كافة شئونها الداخلية والخارجية دون أن تخضع لرقابة أو أشراف دولة أو دول أخرى . بعبارة أخرى هى الدولة المستقلة استقلالاً تاماً لا تشوبه شائبة فى الداخل أو الخارج .

وليس معنى سيادة دولة ما أنها تكون مطلقة التصرف فى ميدان العلاقات الدولية، بل يجب أن يكون مفهوما أن الدولة كاملة السيادة تخضع للقانون الدولى العام وللقيود الكثيرة التى يوردها ذلك القانون على حريتها فى التصرف . فلا تملك كاملة السيادة مثلاً القيام بحرب عدوانية ضد دولة أخرى، أو انتهاك الحقوق التى يعترف بها القانون الدولى للدول الأخرى.

( ب ) الدولة ناقصة السيادة : هى التى لاتتمتع بكافة اختصاصات الدولة الأساسية، ويكون ذلك فى العادة نتيجة تدخل دولة أو دول أجنبية فى شئونها ومباشرتها لبعض الاختصاصات . وتكون الدولة ناقصة السيادة فى حالة تبعية للدولة التى تشرف على بعض شئونها الداخلية أو الخارجية . وهكذا يدخل نظام نقص السيادة فى أطار الأنظمة الاستعمارية التى كان يعترف بها القانون الدولى التقليدى .

ونعتقد أن نقص سيادة دولة بسبب خضوعها لسيطرة أجنبية لايتمشى مع القانون الدولى المعاصر . فقد نصت المادة 2/1 من ميثاق الأمم المتحدة على المساواة فى السيادة بين الدول، ومعنى ذلك وجوب تصفية كل أوضاع نقص السيادة وكل مظاهر السيطرة الاجنبية . ومن الجدير بالذكر أن أكثر من نصف أعضاء الأمم المتحدة حصلوا على استقلالهم بعد الحرب العالمية الثانية ولهذا يحرصون على تأكيد مبدأ المساواة فى السيادة .

ومن هذا المنطق صدر قرار الجمعية العامة فى سنة 1960يدعو لتصفية الاستعمار بكل أشكاله وبمنح الاستقلال للشعوب والاقاليم التابعة . كما أكدت الجمعية العامة فى قرارها سنة 1971 بشأن برنامج العمل للتنفيذ الكامل لقرارها الصادر سنة 1960 أن السيطرة الاجنبية على الشعوب تهدد السلم والأمن الدولى، وتعرقل الودية بين الدول .

ويميز القانون الدولى التقليدى بين عدة أنظمة لنقص السيادة سنبينها فيما يلى :

 

1-   الحماية

 معنى الحماية وآثارها :

الحماية علاقة قانونية تربط دولة ضعيفة بدولة كبيرة، وتلتزم الدولة الحامية بالدفاع عن الدول المحمية، وفى مقابل ذلك يكون لها حق الاشراف على الشئون الخارجية للدولة المحمية، والتدخل فى ادارة اقليم تلك الدولة فى شئونها الاقتصادية . ويمكن التمييز بين شكلين من أشكال الحماية :

( أ ) الحماية الاتفاقية :

وهى تنشأ نتيجة اتفاق دولى بين الدولة الحامية وبين الدولة المحمية. ويحدد هذا الاتفاق – الذى يكون فى العادة نتيجة ضعط عسكرة للدولة الحامية على الدولة المحمية – مدى العلاقة بين الدولتين وحقوق والتزامات كل منهما . ومن أمثلة الحماية الاتفاقية خضوع

سان مارينو لحماية ايطاليا بموجب اتفاقيه ابرمت بين الدولتين فى 28 يونيو سنة 1898 وخضوع موناكو لحماية فرنسا بموجب اتفاقية ابرمت بينهما فى 17مايو سنة 1918 .

( ب ) الحماية المفروضة :

   هى الحماية التى تفرضها الدول الحامية على الأقليمن المحمية بدون اتفاق دولى صحيح.

وكانت تفرض فى العادة على الشعوب غير المسيحية التى لم تبلغ حظاً وافراً من المدنية .

ويتم فرض الحماية اما باعلان من الدولة الحامية أو باتفاق يتم بينها وبين رئيس قبيلة أو شيخ عشيرة، ولايمكن وصف هذا الاتفاق بأنه معاهدة دولية بالمعنى الصحيح لأن المعاهدات لاتكون الا بين الدول، والقبائل المشار إليها لا تعد دولا ولا تتمتع بالشخصية الدولية . وتلجأ الدولة إلى فرض حمايتها على الاقليم المحمى بدلا من أعلان ضمة إليها خوفاً من استثارة روح المقاومة الأهالى، ومن أمثلة الحمايات المفروضة الباقية حتى الآن الحماية البريطانية على جزر سولمان والحماية الهندية على سيكيم .

 

2- الدول والاقاليم التى تخضع لاشراف المنظمات الدولية :

 

نظام الانتداب فى عهد عصبة الأمم :

من أسس النظام الدولى الحالى اخضاع البلاد، التى لاتزال تحت السيطرة الاستعمارية ولم تصبح دولا مستقلة، لاشراف دولى، وأن هذا الاشراف الغرض منه النهوض بالاحوال الاقتصادية والاجتماعية للاقليم، والوصول به إلى الحكم الذاتى والاستقلال .

ولقد بدأت عصبة الأمم نظام الاشراف الدولى على المستعمرات بانشائها للانتدابات الدولية، ولكن نظام الانتداب لم يكن مقرراً لصالح كافة الأقليم والشعوب التى تخضع للسيطرة الاجنبية, بل اقتصر تطبيقه على مستعمرات الأعداء فى الحرب العالمية الاولى أى على الاقاليم التى انتزعت من تركيا . وهى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وشرق الاردن, وكذلك المستعمرات الالمانية وهى الكامرون وتوجو وتنجانيقا ورواندا أوروندى وجنوب غرب افريقيا وغينيا الجديدة وغرب ساموا وجزر ما ريانا وكارولينا ومارشال .

 

وقرر عهد عصبة الأمم أنه نظرا لان هذه البلاد مسكونة بشعوب غير أهل لان تحكم نفسها فى الظروف الحرجة التى كان يجتازها العالم بعهد الحرب الاولى, فانه يجب وضعها تحت اشراف بعض الدول المتقدمة التى يمكنها بحكم موقعها الجغرافى وتجاربها ومواردها أن تؤدى هذا الاشراف على الوجه الأكمل تحت رقابة عصبة الامم, وقرر العهد أن سعادة هذه الشعوب وتقدمها أمانة مقدسة فى عنق المدينة, وقام مجلس العصبة باختيار الدول التى تمارس الانتداب على كل اقليم . ومن الملاحظ أنه اختار الدول المنتصرة التى كانت تملك مستعمرات كانجلترا وفرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية وأضاف اليها استراليا ونيوزيلاند واليابان . وميز عهد عصبة الامم بين ثلاثة أنواع من الانتداب حسب درجة تقدم الاقليم ( انتدابات أ , ب , جـ ) . 

 

وحدد عهد عصبة الامم طريقة الرقابة على ادارة الدولة المنتدبة, فألزمها بتقديم تقرير سنوى لمجلس عصبة الامم, ويحيل المجلس هذا التقرير على لجنة خاصة هى لجنة الانتداب الدولية التى تقوم بفحصه وتبين المخالفات التى تكون قد أتتها الدول المنتدبة, و تشير بما تراه فى هذا الصدد . كما قرر مجلس العصبة فى سنة 1923 السماح لسكان الأقاليم الموضوعة تحت الانتداب بالتقدم بعرائض وشكاوى للجنة الانتداب .

 

ويحتفظ الاقليم الموضوع تحت الانتداب بكيانه المنفصل, فلا يخضع لسيادتها ولا يتجنس سكانه بجنسية تلك الدول الا اذا اختاروها بمطلق ارادتهم . وتقوم الدولة المنتدبة فقط بالاشراف على ادارة الاقليم أو بادارته فعلا تحت الاشراف الدلى الذى تمارسه عصبة الأمم.

 

الاشراف الدولى على الأقاليم غير المستقلة فى ميثاق الأمم المتحدة :

عالج ميثاق الامم المتحدة المشكلة الاستعمارية بأسلوب أكثر دقة من أسلوب عصبة الامم . ولقد ميز الميثاق بين نظامين وهما نظام الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى ونظام الاقاليم الموضوعة تحت الوصاية .

 

أولا : نظام الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى :

يشمل هذا النوع كافة المستعمرات التى تضمها دولة لأراضيها وتباشر عليها سيادتها المطلقة, وكذلك المحميات والاقاليم التابعة الاخرى عدا تلك الموضوعة تحت نظام الوصايا . ولقد كان القانون الدولى التقليدى لا يهتم بشئون الاقاليم التابعة الا من حيث تنظيم حركة الاستعمارية وتحديد قواعد الاستيلاء والفتح والضم والحماية .

 

 ولكن الاتجاه الحديث فى ميثاق الامم المتحدة يؤكد وجود التزامات دولية تتصل بادارة المستعمرات والاقاليم التابعة وبمستقبل شعوبها, فقد احتوى الفصل الحادى عشر من الميثاق على مجموعة من المبادئ فى هذا الشأن . فقررت المادة الثالثة والسبعون أن أعضاء الامم المتحدة الذين يتولون ادارة أقاليم لم تنل شعوبها الحكم الذاتى يعترفون بأن مصالح أهل هذه الاقاليم لها المقام الاول, ويقبلون الالتزام بالعمل على رفاهية أهلها .

 

كما بينت المادة الثالثة والسبعون أن الغرض من مباشرة الادارة فى الأقاليم التابعة يتلخص فيما يلى :

1-  كفالة تقدم شعوبها فى شئون السياسية والاقتصاد والاجتماع والتعليم مع مراعاة ثقافة الشعوب .

2-  انماء الحكم الذاتى, وتقدير الأمانى السياسية لشعوب تلك الاقليم ومعاونتها على انماء نظمها السياسية الحرة .

3-  توطيد السلم والأمن الدولى .

 

كما وافقت الدول الاعضاء فى المادة الرابعة والسبعين على أن تكون سياتهم ازاء هذه الاقاليم, مؤسسة على مبدأ حسن الجوار, مع مراعاة مصالح بقيمة أجزاء العالم .

ومع أن الميثاق وقف عند حد تقرير المبادئ ولم ينظم الرقابة على تصرفات الدول فى الأقاليم التابعة لها فيما عدا تلك الموضوعة تحت نظام الوصايا الا أن عرف الامم المتحدة أكد وجود هذه الرقابة .

وتمارس الأمم المتحدة رقابتها على الادارة فى المستعمرات والاقاليم التابعة بوسيلتين :

 

( أ ) رقابة مجلس الامن :

إذا ترتب على ادارة الدولة لاقليم تابع لها بطريقة تخالف مصالح سكانه أخلال بالسلم أو بالأمن الدولى كان لمجلس الأمن أن يتدخل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحدى الدول أو الجمعية العامة . ومن أمثلة ذلك تدخل مجلس الأمن لبحث الاحوال فى المستعمرات البرتغالية فى أفريقيا وهى أنجولا وموزمبيق وغينيا بيساو .

 

( ب ) رقابة الجمعية العامة :

1-  حماية مصالح سكان الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى :

ترسل الدول الأعضاء التى تتولى ادارة أقليم غير متمتعة بالحكم الذاتى إلى الأمين العام للأمم المتحدة معلومات عن الاحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاصة بالاقاليم التابعة لها ذلك بالتطبيق للمادة 73 ( هـ ) من الميثاق .

وقد أنشات الجمعية العامة لجنة المعلومات عن الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى لكى تقوم بدراسة المعلومات التى تصلها من الدول وتقدم تقريراً عنا للجمعية العامة .

ولقد نجحت الجمعية العامة فى فرض رقابة مستمرة على تصرفات الدول الاستعمارية فى مستعمراتها ، ورفضت الجمعية جميع الدفوع الخاصة باعتبار أن هذه التصرفات تتعلق بصميم الاختصاص الداخلى للدول الأعضاء وفقاً للمادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة . فأصدرت قرارات بشأت روديسيا رغم أدعاء بريطانيا بأن روديسيا تتمتع بالحكم الذاتى، كما أصدرت قرارات عديدة بشأن أنجولا وموزمبيق رغم ادعاء البرتغال بأنهما يعتبران من الاراضى البرتغالية .

 

2-  تصفية الاستعمار

حدث تحول كبير فى موقف الأمم المتحدة من الاستعمار منذ 1960، فلم يعد الأمر قاصراً على تطبيق أحكام الفصل الحادى عشر من الميثاق لضمان مصالح المستعمرات ولمنحهم الحكم الذاتى، بل اتجهت الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار بصورة شاملة . فلقد أصدرت  الجمعية العامة فى 14ديسمبر 1960 الأعلان الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة . وأكد الاعلان أن خضوع شعب للسيطرة الاجنبية والاستغلال يعتبر مخالف لحقوق الانسان وخطراً على سلام العالم وعلى التعاون الدولى. وطالبت الجمعية بوقف جميع اجراءات القمع الموجهة ضد الشعوب المستعمرات وضمان حقهم فى أن يتمتعوا بالاستقلال . كما طالبت الدول التى تدير المستعمرات بأن تتخذ الخطوات الازمة لتسليم السلطة لشعوب هذه المستعمرات . وأكدت الجمعية العامة فى قرار آخر فى سنة 1961 ضرورة تنفيذ الاعلان الصادر سنة 1960وأنشأت تصفية الاستعمار للعمل على تطبيق الاعلان عن طريق الاتصال بالدول القائمة بالادارة، وعن طريق قبول العرائض الشفوية والمكتوبة من سكان المستعمرات، بالاضافة إلى ترتيب زيارات لدراسة الاحوال فى كل اقليم .

  ولقد نجحت شعوب المستعمرات فى الحصول على استقلالها تدريجياً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتحطمت بذلك الامبراطوريات الاستعمارية الفرنسية والبريطانية والبرتغالية والبلجيكية والاسبانية .

ومع ذلك لاتزال بعض الاقاليم التى خضعت للاستعمار محرومة من حقها فى تقرير المصير وذلك على النحو التالى :

 

( أ ) روديسيا ( شعب زمبابوى ) :

فشلت بريطانيا فى الوفاء بالتزاماتها المقررة فى الفصل الحادى عشر ميثاق الأمم قبل شعب زمبابوى الافريقى . فقد استطاعت أقلية من المستوطنين البيض فى مستعمرة روديسيا البريطانية السيطرة السياسية والاقتصادية على الاغلبية الافريقية وأعلنت استقلال روديسيا فى سنة 1965 من جانب واحد وبدون موافقة بريطانيا . ولقد عارضت الجمعية العامة للأمم المتحدة استقلال روديسيا دون توافر حكم الاغلبية الافريقية وطلبت من الدول الاعضاء عدم الاعتراف باستقلال روديسيا, كما طلبت من المملكة المتحدة أن تتخذ اجراءات, لمنح هذا الاستقلال ولنقل السلطة لشعب زمبابوى .

 

وبناء على توصية من الجمعية العامة قام مجلس الأمن بفرض جزاءات اقتصادية على حكومة روديسيا العنصرية وقرر منع كل وسائل النقل من الذهاب اليها . كما أدانت منظمة الوحدة الافريقية حكومة روديسيا وطلبت من أعضائها تقديم المساعدات لحركات التحرير التى تقاوم الحكومة العنصرية وتطالب بتسليم السلطة الى حكومة تمثل الاغلبية السوداء .

 

(ب) الأقاليم الاخرى :

تطالب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصفية الاستعمار من باقى الاقاليم غير المستقلة وهى تنحصر الآن فى عدد من الجزر التابعة للولايات المتحدة الأمريكية فى المحيط الهادى والكاريبى . أما بالنسبة للوضع فى جنوب افريقية فان الجمعية العامة للأمم المتحدة تعالجه ضمن موضوعات التفرقة العنصرية رغم أوجه الشبه الكبيرة بينه وبين الوضع فى روديسيا .

 

ثانيا : نظام الوصاية :

خضعت بعض الاقاليم غير المستقلة لنظام الوصاية أنشأه الفصل الثانى عشر من ميثاق الأمم المتحدة بقصد العمل على ترقية أهالى الاقاليم المشمولة بالوصاية فى أمورالسياسة الاجتماعية والاقتصاد والتعليم, واطرد تقدمها نحو الحكم الذاتى أو الاستقلال .

 

وتنقسم الاقاليم التى ينطبق عليها نظام الوصاية إلى ثلاث فئات :

1-  الاقاليم التى كانت مشمولة بالانتداب وقت صدور ميثاق الامم المتحدة .

2-  الاقاليم التى اقتطعت من بعض الدول نتيجة للحرب العالمية الثانية .

3-  الاقاليم التى تضعها فى الوصاية بمحض اختيارها دول مسئولة عن ادارتها .

ويتم تحديد الاقاليم التى توضع تحت الوصاية بواسطة اتفاقات تعقد بموافقة الدول التى يعنيها الأمر . ويحدد اتفاق الوصاية الشروط التى يدار بمقتضاها الاقاليم ويعين السلطة التى تباشر الوصاية .

واذا كانت الوصاية تتعلق بأقاليم يعتبرها مجلس الأمن استراتيجية . فان مجلس الامن هو الذى يباشر جميع وظائف الامم المتحدة فيما يتعلق بها .

وتباشر الجمعية العامة وظائف الامم المتحدة فيما يختص باتفاقات الوصاية على الاقاليم الاخرى .

 

تطبيق الوصاية على الاقاليم التى كانت تخضع للانتداب :

قررت الجمعية العامة بتاريخ 9 فبراير سنة 1946 دعوة الدول التى تتولى ادارة أقاليم خاضعة لنظام الانتداب لكى تقدم مشروعات لاتفاقيات الوصاية التى ستحل محل الانتداب .

 

1-  عدم تطبيق الوصاية على الأقاليم التى كانت تخضع لانتداب (أ) :

ومن الثابت أن جميع الدول التى كانت تخضع لانتداب (ا) قد استقلت أو انتهى الانتداب عليها قبل أو بعد الحرب العالمية الثانية, فلم ينطبق عليها نظام الوصاية . وذلك على التفصيل الآتى :

 

(أ‌)         العراق : انتهى الانتداب البريطانى على العراق بموجب معاهدة التحالف التى عقدت بين الدولتين بتاريخ 30 يونيو سنة 1930, وأصبح العراق دولة مستقلة وانضمت إلى عصبة الأمم فى سنة 1932 .

(ب‌)   سوريا ولبنان : كانت سوريا ولبنان فى بداية الحرب العالمية الثانية تحت سيطرة حكومة فيشى المتعاونة مع ألمانيا . وفى 8 يونيو سنة 1941 دخلت قوات فرنسا الحرة والقوات البريطانية الأراضى السورية واللبنانية, وأصدر القائد الفرنسى الجنوال كاترو تصريحا باسم الجنرال ديجول بتاريخ 27 سبتمبر سنة 1941 أعلن فيه استقلال سوريا ولبنان .

وحينما انتهت الحرب العالمية الثانية سنة 1945 تبين أن فرنسا لم تكن جادة فى تصريحها فتأخرت فى سحب قواتها .

ولكن سوريا ولبنان كانتا قد انضمتا للأمم المتحدة, فرفعت الدولتان الأمر لمجلس الامن بتاريخ 14 فبراير سنة 1946 طالبتين جلاء القوات الاجنبية عن أراضيهما تؤيدهما فى ذلك دول جامعة الدول العربية, ويساعدهما التنافس الانجليزى والفرنسى الذى كان موجودا آنذاك .

لقد انتهى الامر بابرام اتفاق فرنسى انجليزى فى باريس فى 6 مارس سنة 1946 تم بمقتضاه جلاء قوات الدولتين عن سوريا ولبنان قبل آخر أغسطس سنة 1946 .

 

(جـ) شرق الأردن :انتهى الانتداب البريطانى على امارة شرق الاردن بمقتضى المعاهدة وقعت بين الدولتين بناريخ 15 مارس سنة 1948, وأصبح شرق الاردن مملكة مستقلة وأطلقت على نفسها اسم الاردن بعد أن ضمت لاقليمها جزءا من أرض فلسطين الواقعة غرب نهر الأردن ومدينة القدس القديمة .

 

(د) فلسطين : كان الانتداب البريطانى على فلسطين بداية لاضطراب خطير فى الشرق الاوسط .

فقد احتوى صك الانتداب على فلسطين الذى أقره مجلس عصبة الأمم فى سنة 1922 على نصوص متعارضة يصعب التوفيق بينها. فمن ناحية تقرر وضع فلسطين تحت انتداب حرف (أ) الذى يفترض أن الشعب الفلسطينى وصل الى مرحلة من التقدم تسمح بالاعتراف بوجوده كأمة مستقلة تقوم بريطانيا, بصورة مؤقتة, بمعاونتها فى مجال الادارة والحكم بالتطبيق لنص المادة 22 من عهد عصبة الأمم .

 

ومن ناحية أخرى تضمن صك الانتداب الموافقة على انشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين . وعلى أن تقوم بريطانيا بوضع البلاد فى أحوال سياسية واقتصادية تضمن انشاء الوطن القومى اليهودى وذلك بشرط عدم الحاق الضرر بحقوق ووضع جميع فئات الاهالى من غير اليهود . وهكذا تبنى صك الانتداب نصوص وعدم بلفور الذى أصدرته بريطانيا فى 2 نوفمبر سنة 1917 وأعلنت فيه أنها ستبذل أقصى جهودها لانشاء وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين . وهو أمر لا يتمشى مع التزامات عصبة الأمم قبل الشعب الفلسطينى بالتطبيق للمادة 22 فى عهد عصبة الامم .

 

وفى خلال فترة الانتداب مارست بريطانيا سياسة انشاء الوطن القومى اليهودى ومن أبرز مظاهرها السماح باهجرة اليهودية الى فلسطين,وتسهيل انتقال ملكية الأراضى للسكان اليهود, ودعم النفوذ السياسى للوكالة اليهودية فى فلسطين, كما لم تنشىء بريطانيا حكومة فلسطينية تتمتع بالحكم الذاتى وتجمع بين العرب واليهود فى اطار دولة واحدة .

 

ورغم المقاومة العربية والثورات الفلسطينية المتكررة فقد بدا واضحا أن بريطانيا تتجه  نحو تقسيم فلسطين الى دولتين احداهما عربية والاخرى اسرائيلية وأن السياسة تلقى تأييد الدول الخمس الكبرى باعتبار أنها تمثل من وجهة نظرها الحق الامثل للصراع العربى الاسرائيلى .

ولكن تخفف بريطانيا من مسئوليتها عن اتخاذ مثل هذا القرار طلبت فى 2 أبريل سنة 1947 دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لدورة غير عادية لمناقشة المشكلة الفلسطينية, وأعلنت أنها ستتنازل عن انتدابها على فلسطين فى 15 مايو سنة 1948 . وفى 29 نوفمبر سنة 1947 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار بتقسيم فلسطين الى دولتين احداهما عربية والاخرى يهودية مع اقامة نظام دولى خاص لمدينة القدس . وأعلنت اسرائيل وجودها كدولة حينما انتهى الانتداب البريطانى فى 15 مايو سنة 1948 . ولقد تدخلت مصر والدول العربية الاخرى عسكريا لمنع اقامة الدولة اليهودية ودار صراع مسلح انتهى بتدخل مجلس الأمن لوقف القتال فى 29 مايو سنة 1948, وفى 15 يوليو سنة 1948 . كما تم ابرام اتفاقيات الهدنة سنة 1949 تحت اشراف وسيط الأمم المتحدة المستر بانش بين اسرائيل وكل من مصر, والاردن, ولبنان, وسوريا .

 

ولكن هدنة رودس لم تؤد الى قيام السلام فقد رفضت الدول العربية قرار التقسيم واتخذت اسرائيل من ذلك ذريعة للتوسع الاقليمى . ونشبت حروب منذ ذلك التاريخ ثلاثة حروب أخرى فى 1956 وفى سنة 1967 وفى سنة 1973 بين مصر واسرائيل انتهت جميعها بقرارات من مجلس الأمن بوقف القتال وباقامة سلام عن طريق التفاوض بين الاطراف المتنازعة .

 

2-  تطبيق الوصاية على الأقاليم التى كانت تخضع لانتدابات ب , جـ :

 أما فيما يتعلق بالأقاليم التى كانت خاضعة للانتداب ب , جـ فقد تمت الموافقة على اتفاقات الوصاية التى وضعت كافة هذه الأقاليم تحت الوصاية فيما عدا اقليم جنوب غرب أفريقيا ناميبيا الذى سنتكلم عنه فيما يلى :

 

مشكلة ناميبيا ( اقليم جنوب غرب افريقيا ) :

1-  تعذر وضع ناميبيا تحت الوصاية :

خضع اقليم ناميبيا الذى كان يعرف فى الماضى باسم اقليم جنوب غرب افريقيا لانتداب حرفا (جـ), ووافق مجلس العصبة فى 17 ديسمبر سنة 1920 على أن يكون الانتداب على هذا الاقليم لاتحاد جنوب افريقا .

وقد أبدى وفد اتحاد جنوب افريقيا بعض التحفظات بخصوص حالة جنوب غرب افريقيا وذلك عند صياغة النصوص المتعلقة بنظام الوصاية فى مؤتمر سان فرنسيسكو سنة 1945 الذى أقر ميثاق الأمم المتحدة . وذكر الوفد أنه نظرا لكون هذا الاقليم قد أدير كجزء من اتحاد جنوب افريقيا لمدة خمسة وعشرين عاما, ولقلة عدد سكانه فلا أمل له فى أن يتمتع بكيان قانونى مستقل .

كما أبدى وفد اتحاد جنوب افريقيا, أثناء دورة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 1946 عزم بلاده على ضم جنوب غرب افريقيا لاقليمها . ولم تقبل الجمعية العامة هذا الطلب وأوصت باخضاع الاقليم للوصاية الدولية. ولكن اتحاد جنوب افريقيا رفض هذه التوصصية وامتنع عن وضع جنوب غرب افريقيا تحت وصاية الأمم المتحدة اذ اعتبره جزءا لا يتجزأ من جنوب افريقيا .

وتفاقم الخلاف بين الامم المتحدة واتحاد جنوب افريقيا بسبب امتناع اتحاد جنوب افريقيا عن تقديم أى تقرير عن ادارته لجنوب افريقيا, وامتداد سياسة التفرقة العنصرية الى هذا الاقليم .

وقررت الجمعية العامة فى سنة 1949 أن تطلب من محكمة العدل الدولية رأيا استثاريا فى النقط الآتية :

1-  عما إذا كانت الالتزامات – المفروضة على اتحاد جنوب اقريقيا بمقتضى الانتداب الممنوح له فى جنوب غرب افريقيا – قائمة ؟ وما مدى تلك الالتزامات؟

2-  هل تنطبق النصوص الخاصة بالوصايا فى ميثاق الأمم المتحدة على جنوب غرب أفريقيا ؟ وما طريقة تطبيقها ؟

3-  هل يستطيع اتحاد جنوب أفريقيا تغيير النظام الموضوع لجنوب غرب أفريقيا ؟ وإذا لم يكن ممكنا فمن صاحب الاختصاص فيما يتعلق بتعديل ذلك النظام ؟

وفى 11 يولية سنة1950 أصدرت المحكمة رأيا استشارياً أجابت فيع على الجمعية العامة للأمم المتحدة على الوجة الآتى :

1-  ذكرت المحكمة أن جنوب غرب أفريقيا لايزال يخضع لنظام دولى له أساس اقليمى هو نظام الانتداب الممنوح لاتحاد جنوب أفريقيا منذ 17 ديسمبر سنة 1920. فلجنوب غرب أفريقيا وضع دولى مستقل عن ارادة الدول وعن القوانين الوطنية، وتستمد أحكامه من النادة الثانية والعشرين من عهد عصبة الأمم ومن نصوص الانتداب .

ومقتضى استمرار هذا الوضع الدولى بقاء الالتزامات المتعلقة بادارة الاقليم وبالخضوع للرقابة الدولية رغم انتهاء عصبة الأمم .

وتباشر الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقابة بمقتضى نص المادة العاشرة من ميثاق الأمم المتحدة الذى يعطيها حق مناقشة أية مسألة أو أمر مما يدخل فى نطاق الميثاق أو يتصل بسلطات فروع الأمم المتحدة .

2-  انه من الممكن وضع اقليم جنوب غرب أفريقيا تحت نظام الوصاية الدولية، ولكن لا يوجد التزام دولى فى هذا الشأن، وللدولة صاحبة الانتداب الحرية فى ابقاء الانتداب أو احلال نظام الوصاية .

3-  ان اتحاد جنوب أفريقيا لا يملك بمفرده تعديل النظام الموضوع لجنوب غرب أفريقيا،أم الذى يملك هذا الحق فهو اتحاد جنوب أفريقيا بالاشتراك مع هيئة الأمم المتحدة .

وعقب ابلاغ الجمعية العامة بالرأى الاستشارى الذى أصدرته محكمة العدل الدولية، قررت الجمعية فى 31 ديسمبر سنة 1950 وجوب وضع اقليم جنوب غرب أفريقيا تحت الوصاية، ولكن جنوب أفريقيا استمر يرفض توصيات الجمعية العامة .

ومنذ انشاء لجنة تصفية الاستعمار سنة 1961، قامت اللجنة بمجهودات متواصلة لانهاء سيطرة جنوب أفريقيا على شعب ناميبيا .

كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات متكررة تؤيد فيها توصيات لجنة تصفية الاستعمار بالنسبة لشعب ناميبيا وتلفت نظر مجلس الأمن إلى خطورة الوضع فى أقليم جنوب غرب أفريقيا

2-  حكم محكمة العدل الدولية فى قضية جنوب غرب أفريقيا :

قرر مؤتمر الدول الافريقية المستقلة الذى عقد فى أديس أبابا سنة1960 أن تقوم أثيوبيا وليبريا وهما من الدول التى كانت أعضاء فى عصبة الأمم برفع دعوة على حكومة جنوب أقريقيا أمام محكمة العدل الدولية، على أساس أن المادة 7 من وثيقة الانتداب تعطى اختصاصاً الزامياً لمحكمة العدل الدولية الدائمة فى المنازعات المتعلقة بتطبيق نظام الانتداب، كما أن المادة 37 من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية تمنحها اختصاص نظر المسائل التى كانت تدخل فى اختصاص محكمة العدل الدولية الدائمة .

ورفعت الدولتان الدعوى على جنوب أفريقيا أمام المحكمة بتاريخ4 نوفمبر سنة 1960 على أساس أنه أخل بالتزاماته المتعلقة بالانتداب، وهى الالتزامات الواردة فى المادة 22 من عهد عصبة الأمم وفى قرار مجلس العصبة الصادر فى 31 يناير سنة 1923 بشأن قبول عرائض من الاقاليم الخاضعة للانتداب .

وذكرت الدولتان أن جنوب أفريقيا يمارس الأعمال الآتية المخالفة للانتداب؛ أتباع سياسة التفرقة العنصرية، اصدار قوانين تحكمية، مخالفة حقوق الانسان، الامتناع عن تقديم تقارير عن الأحوال فى الاقليم، تغيير الوضع الدولى للاقليم، منع سكان الاقليم من الشكوى للأمم المتحدة .

ولقد اعترضت جنوب أفريقيا على أختصاص المحكمة بنظر هذه الدعوى وذكرت أن وثيقة الانتداب ليست معاهدة دولية، وأن الاختصاص الالزامى للمحكمة لايمكن تقريره الا بموجب معاهدة دولية، كما بينت أن رفع الدعوى يجب أن يتم بواسطة أعضاء عصبة الأمم وأن هذه المنظمة قد انتهى وجودها، وأضافت أنه لا يوجد لأى من المدعين مصلحة مباشرة فى الدعوى، كما أنهم قاموا برفعها دون أن يستنفدوا الحلول الدبلوماسية التى تتطلب اجراء مفاوضات سابقة .

 ورفضت المحكمة الدفع بعدم اختصاصها بحكم صدر سنة 1962 .

أما بالنسبة للموضوع فقد رفضت المحكمة فى سنة 1966 دعوى أثيوبيا وليبريا على أساس أنهما لم يستطيعا اقامة الدليل على حقوق ومصالح قانونية مباشرة، وأن أعضاء عصبة ألأمم لا يملكون حق رفع دعاوى ضد السلطات القائمة بالانتداب دون وجود مثل هذه الحقوق .

وقد تعرض الحكم المذكور لنقد شديد نظرأ لأنه يتجاهل الآراء الاستشارية الصادرة من المحكمة، فضلاً عن أن المحكمة حينما رفضت الدعوى على أسس قانونية مشكوك فيها قد أعطت تأييداً غير مباشر لسياسة التفرقة العنصرية .

 2- انهاء انتداب جنوب أفريقيا على ناميبيا :

أصدرت الجمعية العامة قراراً فى 27 أكتوبر سنة 1966 أنهت فيه انتداب جنوب أفريقيا على ناميبيا، وبين القرار أن ممارسة جنوب أفريقيا لسياسة التفرقة العنصرية فى ناميبيا تعتبر اخلالاً بنظام الانتداب، وأن حقها فى ادارة الاقليم يكون قد انتهى، وتصبح ادارته من مسئولية الأمم المتحدة، وشكلت الجمعية مجلساً خاصاً ليتولى مسئولية الادارة .

واعترف مجلس الأمن بانتهاء انتداب جنوب أفريقيا فى عدد من القرارات أهمها قرار 30يناير سنة 1970وقام مجلس الأمن فى 29يوليو سنة 1970 بطلب رأى استشارى من محكمة العدل الدولية حول الآثار القانونية لاستمرار وجود جنوب أفريقيا فى ناميبيا رغم انهاء انتدابها بموجب قرار مجلس الأمن فى 30يناير 1970.

ولقد اعترفت محكمة العدل الدولية فى رأيها الاستشارى الصادر فى 21 يونيو سنة 1971بسلطة مجلس الأمن فى اصدار قرارات تلزم كل أعضاء الأمم المتحدة خارج نطاق الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، كما قررت المحكمة التزام أعضاء الأمم المتحدة بالامتناع عن أى عمل أو تعامل مع حكومة جنوب أفريقيا يتضمن الاعتراف بوجودها وادارتها لناميبيا أو يساعدها على ذلك .

وأكد مجلس الأمن فى قراره الصادر فى 4فبراير سنة 1972 خلال اجتماعه فى أفريقيا ضرورة استقلال ناميبيا، كما طالب مجلس الأمن ابتداء من سنة 1976 باجراء انتخابات حرة فى ناميبيا تحت اشراف الأمم المتحدة .

تطبيق الوصايا على مستعمرات الاعداء فى الحرب العالمية الثانية :

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر سنة 1949 قراراً أوصت فيه بالآتى بالنسبة للمستعمرات التى تم اقتطاعها من الاعداء فى الحرب العالمية الثانية .

 

1-  الصومال :

تقرر اعتبار الصومال دولة مستقلة ذات سيادة، على أن يصبح استقلاله فعلياً بعد مضى عشر سنوات من تاريخ موافق الجمعية العامة على اتفاق الوصاية، وفى أثناء فترة العشر سنوات يوضع الصومال تحت وصاية أيطاليا . ويساعد مجلس استشارى مكون من كولومبيا، ومصر، والفلبين، ويكون مقره مقاديشو . ولقد تم توقيع اتفاق الوصاية مع أيطاليا فى 2 ديسمبر سنة 1952 واستمرت وصاية ايطاليا عشر سنوات أصبح بعدها الصومال مستقلاً .

 

2-  ليبيا :

تقرر اعتبار ليبيا – وهى تتكون من برقة وطرابلس وفزان – دولة مستقلة ذات سيادة على أن يصبح استقلالها فعلياً فى تاريخ لا يتجاوز أول يناير سنة 1952 . ولمساعدة ليبيا على وضع دستور يحدد نظام الحكم، وعلى تكوين حكومة مستقلة، يعين فى ليبيا مندوب للأمم المتحدة ويعاونه مجلس مكون من مصر والولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وايطاليا والباكستان والمملكة المتحدة، وممثل عن كل منطقة من مناطق ليبيا وعن الأقليات .

وحينما استقلت ليبيا فى أول يناير سنة 1952 أبرمت معاهدة مع بريطانيا سمحت فيها باقامة قوات بريطانية فى برقة وطرابلس مقابل تقديم معونة سنوية بريطانية للحكومة الليبية 0

وأبرمت ليبيا معاهدة مع الولايات المتحدة فى سنة 1954، وبمقتضاها قدمت الولايات المتحدة معونة مالية لليبيا مقابل استخدام بعض القوات العسكرية فى برقة وطرابلس .

 

3- اريتريا :

أما فيما يتعلق بأريتريا فقد قررت الجمعية العامة تأليف لجنة مهمتها التعرف على آراء وأمانى سكان أريتريا، وعلى ضوء التقارير المقدمة من اللجنة قررت الجمعية العامة بتاريخ 2 ديسمبر سنة 1950 أن تكون أريتريا وحدة ذاتية تملك ادارة شئونها الداخلية، ولكنها تدخل مع أثيوبيا فى أتحاد وتخضع لسيادة أثيوبيا . ويعارض الارتريون هذا القرار.

 

رقابة الأمم المتحدة وحقوق السيادة فى الأقاليم الخاضعة للوصايه :

يقوم مجلس الوصاية بمساعدة الجمعية العامة أو مجلس الأمن فى القيام بوظائفها فيما يتعلق بالاقاليم الموضوعة تحت الوصاية . ويتألف هذا المجلس من أعضاء الأمم المتحدة الآتى بيانهم :

( أ ) الأعضاء الذين يتولون ادارة أقاليم مشمولة بالوصاية .

( ب ) من لا يتولى من الدول العظمى الخمس ادارة أقاليم مشمولة بالوصاية .

( جـ ) ويجوز تعيين أعضاء آخرين فى المجلس إذا كان ذلك ضرورياً لكى لا يقل عدد الدول التى لا تباشر وصاية عن عدد تلك التى تباشر الوصاية .

ويختص مجلس الوصاية بالنظر فى المسائل الآتية تحت اشراف الجمعية العامة أو مجلس الأمن :

( أ ) ينظر فى التقارير التى ترفعها السلطة القائمة بالادارة .

( ب ) يقبل العرائض من سكان الاقاليم ويفحصها بالتشاور مع السلطة القائمة بالادارة. ويعتبر حق سكان الاقاليم الموضوعة تحت الوصاية فى التقدم بالشكوى لمجلس الوصاية من أهم التطورات فى ميدان العلاقات الدولية . ولعل هذه الصور الوحيدة التى سمح فيها ميثاق الأمم المتحدة للأفراد بالاتصال بالأمم المتحدة وليس عن طريق دولة من الدول .

( جـ ) ينظم زيارات دورية للأقاليم المشمولة بالوصاية فى أوقات يتفق عليها مع السلطة القائمة بالادارة اقليم مشمول بالوصاية فى الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وتقوم السلطة القائمة بالوصاية بالرد على هذه الاسئلة فى تقريرها السنوى .

ولا يترتب على اخضاع اقليم لوصاية الأمم المتحدة منح السيادة عليه للدولة التى تباشر الوصاية . بل يكون لها فقط الحق فى ادارة الاقليم وفق شروط الوصاية وبدرجة تختلف تبعاً لدرجة تقدم سكان كل اقليم . كما أن الاقاليم المشمولة بالوصاية لا يخضع لسيادة الأمم المتحدة لان المنظمات الدولية لا تتمتع بسيادة اقليمية، وهى تمارس نوعاً من الاشراف على هذه الاقاليم لصالح شعوبها وهذه الشعوب هى صاحبة السيادة على تلك الاقاليم، على أن تظل هذه السيادة موقوفة لحين استقلال الاقليم

ولقد نجح نظام الوصاية فى تحقيق أهدافه، ولا أدل على ذلك من أن جميع الاقاليم التى خضعت لنظام الوصاية قد استقلت، فيما عدا بعض جزر المحيط الهادى الخاضعة لوصاية الولايات المتحدة الامريكية .

        

                                 3- الاقاليم التى تخضع لنظام التدويل

تخضع بعض الاقاليم لادارة دولية بموجب معاهدات جماعية . ولقد طبق نظام التدويل عقب الحرب العالمية الأولى على ميناء دانتزج وعلى أقليم السار . وسوف نكتفى بعرض أنظمة التدويل التى ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية فى كل من تريستا والقدس.

تريستا :

تم ضم تريستا لايطاليا بعد الحرب العالمية الأولى . ولما هزمت ايطاليا فى الحرب العالمية الثانية، قررت المواد 21،22 من معاهدة الصلح التى وقعت مع ايطاليا فى 10فبراير سنة 1948 أن تكون تريستا اقليماً حراً تحت ادارة دولية .

ولقد تعطل تنفيذ النظام الدولى نتيجة لتعذر اتفاق الدول الكبرى على حاكم لتريستا وللتنافس بين ايطاليا ويوجوسلافيا حول السيادة على تريستا .

وتم تعديل نظام تريستا باتفاق عقد فى لندن فى أكتوبر سنة 1954بين ممثلى حكومة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ويوجوسلافيا وايطاليا .

 

ويتضمن الاتفاق الاحكام الآتية :

1-  قسمة منطقة تريستا : أقر الاتفاق قسمة منطقة تريستا إلى قسمين، وقرر ضم المنطقة ( أ ) وهى التى تشمل مدينة تريستا إلى ايطاليا بعد انسحاب القوات البريطانية والأمريكية منها، وضم المنطقة ( ب ) إلى يوجوسلافيا .

2-  ميناء تريستا : وافقت حكومة ايطاليا على اعتبار ميناء تريستا ميناء حراً بمعنى عدم استطاعتها فرض رسوم جمركية على السلع التى تمر به، ولهذه الحرية أهمية بالنسبة ليوجوسلافيا .

3-  حماية الاقليات : تضمن الاتفاق الزام كل من ايطاليا ويوجوسلافيا باحترام حقوق الانسان وبعدم التمييز العنصرى وبحماية حقوق الأقليات، ولم يهمل الاتفاق رغبات الاهالى فأجاز هجرتهم إلى أى من القسمين حسب مشيئتهم فى خلال عام من توقيع الاتفاق ( م8 ) .

 

مشروع تدويل القدس :

بموجب قرار تقسيم فلسطين الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر سنة 1947 وقرارين لاحقين صدرا فى 11 ديسمبر سنة 1948 وفى 9 ديسمبر سنة 1949 تم وضع نظام للادارة الدولية لمدينة القدس نظراً لاحتوائها على الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحين واليهود . ويشمل النظام الدولى مدينة القدس بأكملها بما فيها من أحياء قديمة وحديثة والقرى المحيطة بها والتى تشكل معها وحدة واحدة .

لقد تقرر أن تكون القدس تحت السيادة الجماعية للأمم المتحدة، ويكون مجلس الوصاية مسئولا عن ادارتها، ويعين مجلس الأمن حاكماً للمدينة المقدسة يعاونة مجلس تشريعى يتكون من أربعين عضوا، وتوضع القدس فى حالة حياد دائم، ويكون لسكانها رعوية خاصة .

ولكن النظام الدولى للقدس لم ير الحياة، وبيان ذلك أن مجلس الوصاية قد قام بوضع مشروع لهذا النظام تمهيداً لعقد اتفاق دولى بشأنه، ولكن هذا المشروع تعذر اقراره بواسطة الجمعية العامة نتيجة لمعارضة كل من البلاد العربية واسرائيل لتدويل القدس .

وظل القسم القديم من القدس تابعاً للأردن وهو الجزء الذى يحتوى على الأماكن المقدسة، أما القسم الحديث فقد خضع لاسرائيل منذ نشوئها سنة 1948 . وفى 7يونيو سنة1967 احتلت اسرائيل مدينة القدس بأكملها فى أعقاب حرب سنة 1967 .

وفى 28يونيو سنة 1967 اتخذت اسرائيل تدابير لتوحيد القدس تحت الادارة الاسرائيلية ولاعلانها عاصمة لاسرائيل . ولقد اعترضت الجمعية العامة للأمم المتحدة على التدابير الاسرائيلية فى القدس، وقررت فى 4يوليو سنة 1967 وفى قرارات أخرى متعاقبة عدم مشروعية هذه التدابير .

 

                                 4- الدول الموضوعة فى حالة حياد دائم

يرتبط الحياد الدائم بقواعد القانون الدولى التقليدى التى كانت تجعل الحرب حقاً للدول . وتوضع الدولة فى حالة الحياد الدائم بناء على معاهدة تبرمها ويترتب عليها حرمانها من بعض اختصاصاتها الخارجية كالقيام بحرب أو عقد بعض أنواع المعاهدات وذلك مقابل ضمان سلامتها، والدولة التى تقبل أن تضع نفسها فى حالة الحياد الدائم تكون فى العادة من الدول الصغيرة ذات الموقع الاستراتيجى الهام والتى تفضل الابتعاد عن صراع القوى الدولى، وتقبل الدول الأخرى هذا الوضع محافظة على التوازن الدولى .

الالتزامات المترتبة على حالة الحياد الدائم :

( أ ) بالنسبة للدول الموضوعة فى حالة الحياد الدائم :

تلتزم هذه الدول بألا تدخل الحرب الا دفاعاً عن أراضيها ضد هجوم مباشر، وأن كان لها تتخذ الاستعدادات العسكرية اللازمة للدفاع .

ويحرم عليها عقد معاهدات قد تجرها إلى الحرب كمعاهدات التحالف أو المعاهدات الضمان المتبادل، أو أن تشترك فى اتحاد دولى يلزمها بالدخول فى حرب دفاعاً عن باقى الدول الأعضاء .

وكذلك لا تستطيع، وفقاً للرأى الراجح أن تتنازل عن جزء من اقليمها، أو تدخل فى اتحادات جمركية تجعلها تنحاز إلى جماعة من الدول دون سائر الدول. هذا فضلاً عن تقيدها بالالتزام العام المفروض على الدول المحايدة بالامتناع عن مساعدة الدول المتحاربة .

وقد اختلف الشراح حول حق الدولة الموضوعة فى حالة حياد دائم فى الانضمام إلى المنظمات الدولية السياسية .

وأيد البعض هذا الحق على أساس عدم وجود تعارض بين فكرة الحياد الدائم وفكرة التنظيم الدولى الذى يهدف للمحافظة على الأمن والسلام .

وهذا الرأى ليس سليماً على اطلاقة، فأعضاء المنظمات الدولية يضمنون سلامة أقاليمهم ضماناً متبادلا، ويلتزمون بالاشتراك فى التدابير العسكرية الجماعية . وكل هذا يتنافى مع واجب الدولة المحايدة بالامتناع عن كل ما يمكن أن يجرها إلى الحرب .

حتى ولو كان مصدره الدولة المحايدة نفسها . وذلك لأن الحياد لم يتقرر لمصلحتها فحسب بل لمصلحة الأمن الدولى بصفة عامة .

أمثلة لحالة الحياد الدائم :

( أ ) سويسرا تقرر وضع سويسرا فى حالة حياد دائم منذ مؤتمر فينا 1815 . وتأيد حياد سويسرا فى المادة 425 من معاهدة فرسايل سنة 1919 ولقد استقر وضع سويسرا الحيادى فى العرف الدولى، واعترفت به واحترمته الدول كافة فى الحربين العالمتين الأولى والثانية . وكانت سويسرا عضوا فى عصبة الأمم على أنها كانت معفاه من الاشتراك فى الجزاءات المنصوص عليها فى المادة 16 من عهد العصبة . وامتنعت سويسرا عن دخول الأمم المتحدة لاعتقادها بتعارض التزام أعضاء الأمم المتحدة بالاشتراك فى تدابير القمع مع حالة الحياد الدائم .

( ب ) النمسا : الاتفاق بين المعسكرين الشيوعى والغربى على وضع النمسا فى حالة حياد دائم، وتأكد ذلك فى معاهدة الصلح التى أبرمت معها سنة1955. وتمنع المادة الرابعة من المعاهدة المذكورة النمسا من الاتحاد سياسياً أو اقتصادياً مع ألمانيا، كما تمنعها من أتخاذ أية اجراءات تساعد على حدوث ذلك الاتحاد . كما تنظم المادة12من الاتفاقية وضع الجيش النمساوى وتحرم على النمسا صناعة الأسلحة الذرية. ولقد أكد دستور النمسا سنة 1956 أنها فى حالة حياد دائم، كما أعلنت النمسا وضعها الحيادى للدول الاجنبية .

ولم يمنع حياد النمسا من انضمامها للأمم المتحدة فى 14 ديسمبر سنة 1955، على أن حياد النمسا قد عرقل دخولها فى السوق الاوربية المشتركة على اعتبار أن ذلك قد يخل بحيادها .

                                 5- الدول المرتبطة بمعاهدات غير متكافئة

تعارض الاوضاع غير المتكافئة مع مبدأ المساواة فى السيادة :

يحدث أحياناً، أن ترتبط دولتان بمعاهدة ينتج عنها وضع قانونى وسياسى مقتضاه حرمان احدى الدولتين المتعاقدتين من بعض مظاهر استقلالها الخارجى أو اختصاصها الداخلى لصالح الدولة الأخرى، أو اخضاعها لسيطرة تلك الدولة فى بعض المسائل .

 وهذا الوضع القانونى والسياسى الذى يجعل الدولتين فى مركزين غير متكافئين، والذى يكون مصدره المعاهدة ةالاتفاق، ينشأ فى العادة نتيجة لتطور طرأ على العلاقة بين دول تابعة ودولة متبوعة، أو فى العلاقة بين دولة ومستعمراتها، ويقصد منه فى العادة ارضاء شعور الدولة التابعة للقومى وتمكين تلك الدولة من ممارسة نوع من الاستقلال المقيد بالالتزامات التى يرد النص عليها فى المعاهدات غير المتكافئة .

   ومن النماذج الشائعة للأوضاع غير المتكافئة الاحتفاظ بقواعد عسكرية وفرض أحلاف عسكرية على الدول الصغرى والاحتفاظ بمزايا اقتضصادية ومالية أو أوضاع تجارية لاتقوم على المساواة بين الدول الأطراف فيها .

ومن الواضح أن الأوضاع غير المتكافئة تتعارض مع مبدأ المساواة فى السيادة بين الدول الذى أقرته المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة .

ونشير فيما يلى إلى  بعض الأوضاع غير المتكافئة التى كانت شائعة فى الدول العربية .

( أ ) كان العراق يرتبط مع بريطانيا بمعاهدة 1930 التى حلت نظام الانتداب . وكانت المعاهدة تنص على أن حفظ وحماية المواصلات البريطانية فى العراق أمر يهم بريطانيا وعلى أن يحتفظ بريطانيا فى أراضيه بقواعد عسكرية وعلى أن يضع اقليميه تحت تصرف بريطانيا فى وقت الحرب .

وفى سنة 1955 نظمت العلاقات بين انجلترا والعراق على أساس الغاء معاهدة 1930 على أن يستعاض عنها بوثيقتين دوليتين وهما حلف بغداد المبرم فى 4 أبريل 1955والاتفاق الخاص المكمل له. وكان حلف بغداد يضم إلى جانب العراق وتركيا وايران والباكستان، والغرض منه التعاون بين أطرافه فى شئون الدفاع . أما الاتفاق الخاص سنة 1955 فكان ينص على تنمية السلم والصداقة بين العراق وبريطانيا، ويسمح لبريطانيا باستعمال بعض القواعد العسكرية فى الأراضى العراقية . وفى أعقاب ثورة سنة1958 أعلن العراق فى سنة 1959 انسحابه من حلف بغداد الذى سمى بعد ذلك بالحلف المركزى.

( ب ) كانت المعاهدة المصرية البريطانية 1936 تنص على ارتباط مصر بتحالف مع بريطانيا، وتقرر أنها مركز أساسى للمواصلات البريطانية وتسمح ببقاء قوات احتلال بريطانيا فى منطقة قناة السويس . ولقد أصدرت مصر قانوناً بتاريخ 16أكتوبر سنة 1954 يستفاد منه الغاء العمل بأحكام معاهدة سنة 1936، ولكن بريطانيا لم تعترف بهذا الالغاء. وفى 19 أكتوبر سنة 1954 أبرام اتفاق مصرى بريطانى ينص على انقضاء معاهدة سنة 1936، وعلى جلاء القوات البريطانية عن مصر مع الاحتفاظ بقاعدة قناة السويس فى حالة صلاحية للعمل لمدة سبع سنوات . وفى 31أكتوبر سنة 1956 قامت بريطانيا بالاشتراك مع فرنسا واسرائيل بعدوان عسكرى على مصر وذلك فى أعقاب تأميم قناة السويس . ولقد اعتبرت الحكومة المصرية هذا العدوان نقضاً لاتفاق سنة 1954، ولهذا أصدرت القانون رقم 1 لسنة 1957 بالغاء الاتفاق المذكور .

( جـ ) سبق أن أشرنا عند الكلام على نظام الوصاية أن ليبيا استقلت فى أول يناير سنة 1952، وارتبطت بعد ذلك بمعاهدتين مع بريطانيا ومع الولايات المتحدة تقرران وجود قواعد أمريكية وبريطانية فى الأراضى الليبية. وقد تخلصت ليبيا من هاتين المعاهدتين فى سنة 1969.

( د ) وكانت تونس تخضع للحماية الفرنسية بمقتضى معاهدة باردو المبرمة فى 12مايو سنة 1881 ومعاهدة المرسى المبرمة فى 8يونيو سنة 1883.

وفى 2يونيو 1955 ابرمت اتفاقات باريس التى نصت على منح تونس الحكم الذاتى. وفى 20مارس 1956 أعترفت فلانسا باستقلال تونس. وورد فى بروتوكول اعلان الاستقلال النص على الترابط بين فرنسا وتونس وبصفة خاصة فى ميادين الشئون الخارجية والدفاع، وعلى ضرورة ابرام اتفاقات لتنظيم التعاون بين الدولتين . وفى 15 مايو سنة 1956 تم تنظيم التعاون الفرنسى التونسى على أساس استقلال تونس الكامل

( هـ ) خضع المغرب لحماية فرنسا بمقتضى معاهدة فاس بتاريخ 30مارس سنة 1912. وزيادة على ذلك فلقد تمكنت أسباب من تكوين منطقة نفوذ فى الصحراء المغربية واعترفت فرنسا فى اتفاقية 1904 وكذلك فى اتفاقية سنة 1912 بالنفوذ الاسبانى .

ولقد أعاد الاتفاق المبرم بين فرنسا ومراكش فى 28 مايو سنة 1956 تنظيم روابط التعاون بين الدولتين على أساس التزامهما بالتشاور فى المسائل التى تمس مصالحها المشتركة وتنسيق السياسة الخارجية للدولتين .

وكذلك أقرت أسبانيا فى اتفاق أبرمتها مع المغرب فى أبريل سنة 1956 استقلال المغرب ووحدة أراضوأوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14 دجيسمبر يه، ومع ذلك استمرت السيطرة الأسبانية على منطقة الصحراء الاسبانية التى طالبت بها المغرب وموريتانيا . ولقد ترتب على تقسيم هذه المنطقة بين المغرب وموريتانيا ظهور خلاف بين هاتين الدولتين والجزائر التى تطالب باعتبار هذه المنطقة دولة مستقلة .

وأوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14 ديسمبر سنة 1970 بالاعتراف بحق شعب هذه الصحراء فى تقرير مصيره .

( و ) حصلت الجزائر على أستقلالها بموجب اتفاقيات ايفيان سنة 1962 بعد نجاح ثورتها التحريرية فى القضاء على أحلام المستعمرين الفرنسيين الذين عملوا على افناء الشخصية الجزائرية وعلى ادماج الجزائر فى الكيان الفرنسى .

( ز ) وكان الأردن يرتبط مع بريطانيا، بعد انتهاء الانتداب، بمعاهدة سنة 1956 التى أباحت للقوات البريطانية المرور فى أراضى الاردن واستعمال قواعده، ولقد تم الاتفاق بين الحكومتين الانجليزية والأردنية على الغاء هذه المعاهدة فى سنة 1956 .

 

                              الفصل الثانى

                        اكتساب الدولة للشخصية الدولية

 

ينظم القانون الدولى نشوء الدول واكتسابها للشخصية الدولية, ونظرا لعدم وجود سلطات دولية تختص بتطبيق القواعد المتصلة بالكتساب وبممارسة الدولة للشخصية الدولية, نجد أن الموضوع يثير صعوبات ومنازعات متعددة لأن البت فيه يتم عن طريق اعتراف الدول الاجنبية بالدولة وبما يطرأ عليها من تغيرات على أساس تقدير كل منها للوقائع السياسية والاجتماعية .

 

                                    المبحث الأول

                             الاعتراف بالدولة الجديدة

 

معنى الاعتراف فى القانون الدولى :

يشمل اصطلاح الاعتراف العديد من حالات الواقعية التى تنشأ فى المجتمع الدولى والتى تتطلب تسليم الدول بها, وقبولها لما يترتب عليها من نتائج قانونية . وأهم هذه الحالات نشوء دولة جديدة, وقيام ثورة داخلية أو حرب أهلية وتغير الحكومات, والتغييرات الاقليمية . 

ويجمع بين الحالات المتقدمة ادعاء سلطة حكومية معينة الحق فى ممارسة اختصاصها فى مواجهة شعب أو اقليم, وتقوم الدول الأجنبية بتجديد موقفها من هذا الادعاء عن طريق الاعتراف به أو رفضه .

والاعتراف عمل سياسى يدل على علم حكومة دولة أجنبية بوجود حالة واقعية من هذا النوع وتسليمها بوجود هذه الحالة, وقبولها للنتائج القانونية المترتبة على وجودها عن طريق الاعتراف بها .

فالعلم بوجود الحالة الواقعية والتسليم بوجودها لا يعتبر اعترافا قانونيا وانما يتم الاعتراف حينما تظهر نية الحكومة الاجنبية فى قبول النتائج القانونية التى يرتبها القانون الدولى على وجود هذه الحالة .

شروط الاعتراف بالدولة الجديدة :

يجب لكى تنشأ الدولة الجديدة أن تستكمل العناصر المكونة لها من اقليم وشعب وحكومة, وأن يتم الاعتراف الدولى بها .

1-  استكمال الدولة لعناصرها :

قد تنشأ الدولة من عناصر جديدة نتيجة لاستقرار مجتمع انسانى على اقليم لم يكن تابعا من قبل لدولة ما , وقيامها بتكوين حكومة مستقلة . وهذه ظاهرة تاريخية يمكن ارجاع نشوء أغلب الدول القديمة اليها, وتحققها نادر فى العصر الحديث وان كان أهم أمثله نشوء جمهورية ليبريا على شاطئ افريقيا الغربى سنة 1821 من الأرقاء المحررين الذين نقلوا اليها من أمريكا, ونشوء جمهورية الترنسفال فى جنوب افريقيا سنة 1837 من البوير وهم أحفاد المهاجرين الهولنديين الى أفريقيا . ويضيف البعض الى هذا نشوء اسرائيل فى سنة 1948 نتيجة لاستقرار مجموعات من المهاجرين كونوا لأنفسهم حكومة مستقلة فى جزء من فلسطين . وهذا مثل خاطىء لان فلسطين كانت دولة يسكنها شعب عربى معترف بوجوده من جانب عصبة الامم .

 

والغالب أن تنشأ الدولة الجديدة من عناصر قديمة ويتم ذلك فى الأحوال الآتية :

(أ) عندما تعلن ولاية أو مستعمرة استقلالها عن الاصل, كما حدث عند استقلال بنجالديتش عن الباكستان فى سنة 1972. وكما حدث فى الماضى عند استقلال ولايات أمريكا الشمالية عن انجلترا, وولايات أمريكا اللاتينية عن أسبانيا, والبلاد الافريقية والعربية من سيطرة انجلترا وفرنسا وايطاليا وبلجيكا .  

(ب) عندما تتفكك امبراطورية كبيرة الى عدة دول, أو تضعف الرابطة التى تربط بين أعضاء اتحاد دولى, ومن أمثلة ذلك تفكك امبراطورية النمسا والمجر سنة 1918 الى ثلاث دول هى النمسا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وظهور الشخصيات الدولية لبعض أعضاء اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية, كأوكرانيا وروسيا البيضاء ومونجوليا بعد الحرب العالمية الثانية .

(جـ) وقد تنشأ الدولة من عناصر قديمة تتخد فيما بينها لتنشئ دولة واحدة, كما لو اندمجت دولتان وأصبحت دولة موحدة أو دولة اتحادية, ومثال ذلك الحركات القومية التى أدت الى توحيد ايطاليا وألمانيا ونشوء الولايات المتحدة الأمريكية واتحاد الامارات العربية .

2-  شروط الاعتراف بالدولة الجديدة :

لما كان نشوء دولة جديدة يترتب عليه اخضاع اقليم وشعب لسلطة شخص دولى لم يكن موجودا من قبل ومباشرة الشخص الجديد لاختصاصات دولية, فقد استلزم القانون الدولى أن يعقب استكمال الدولة لعناصرها اجراء قانونى هو الاعتراف بالدولة . ويترتب على الاعتراف التسليم من جانب الدول القائمة باستكمال الدولة الجديدة لكل عناصر الدولة وقبول التعامل معها كشخص دولى .

ولقد عرف معهد القانون الدولى, فى دورة بروكسل سنة 1936 الاعتراف بأنه " عمل حر تقر بمقتضاه دولة أو مجموعة من الدول, وجود جماعة لها تنظم سياسى فى اقليم معين, مستقلة عن كل دولة أخرى, قادرة على الوفاء بالتزامات القانون الدولى العام . وتظهر الدول بالاعتراف نيتها فى اعتبار هذه الدولة عضوا فى الجماعة الدولية " .

 

كما عرفت المادة العاشرة من ميثاق بوجوتا سنة 1948, الذى يربط بين الدول الأمريكية, الاعتراف على الوجه الآتى " يستلزم الاعتراف أن تقبل الدولة التى منحته, شخصية الدولة الجديدة وحقوقها وواجباتها " .

ولما كان المجتمع الدولى مجتمعا ناقص التنظيم لا توجد به سلطة سياسية عليا منظمة, ولما كانت الدول لا تزال تتمسك بسيادتها, فقد كان من الطبيعى أن يكون الاعتراف الدولى عملا فرديا تختص به كل دولة على حدة. وتتولى كل دولة تقدير موقفها فى هذا الشأن .

 

ويدل العرف الدولى على أن الاعتبارات السياسية المتصلة بأهداف الدولة ومصالحها تؤثر فى تقدير موقفها من حيث الاعتراف . ويترتب على ذلك أن الدولة الجديدة قد يتم الاعتراف بها من جانب دول معينة وأن ترفض دول أخرى الاعتراف بها . ومن ثم تستطيع الدولة الجديدة ممارسة مظاهر اختصاصاتها الدولية فى مواجهة الدول التى اعترفت بها, ولا تستطيع ممارسة هذه الاختصاصات الدولية فى موجهة من لم يتعرف بها.

وتلتزم الدولة قبل أن تصدر الاعتراف بأن تتأكد من استكمال الدولة الجديدة لعناصرها وبصفة خاصة من أن هناك حكومة مستقلة تمارس السلطات العامة فى داخل اقليم معين .

ويرى البعض أن الدول تلتزم بالاعتراف بكل دولة جديدة متى توافرت فيها عناصر الدولة؛ وذلك لأن الاعتراف عمل قانونى يصدر حينما تتوافر شروطه, وعدم الاعتراف يعتبر اخلالا بحق الدولة فى أن تمارس اختصاصها بمجرد وجودها .

ولكن الرأى الراجح يقرر أن نشوء الدولة الجديدة ليس مسألة قانونية فقط, وأن هناك اعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية تحيط بهذا الموضوع . وعلى الاساس يكون لكل دولة حرية تقدير هذه الاعتبارات غير القانونية . ومن ثم تملك الدولة عدم الاعتراف بالدولة الجديدة اذا ما وجدت مثلا أن نشوءها لا يتفق مع الحقائق الاجتماعية أو الظروف الاقتصادية لمنطقة معينة, أو كان نشوء الدولة الجديدة اضرار بالحقوق المشروعة لدول أخرى, أو اذا كانت الدولة الجديدة أظهرت عدم استعدادها لاحترام الالتزامات الملقاة على عاتق الدول فى القانون الدولى . ومن أمثلة عدم الاعتراف, عدم اعتراف الدول العربية باسرائيل, وعدم اعتراف الدول الغربية بألمانيا الشرقية .

 

الاعتراف بالثورة وبحالة الحرب :

لايثير الاعتراف بالدولة الجديدة صعوبة فى حالة نشوئها بطريقة سليمة, ولكن تثور الصعوبة حين يكون نشوء الدولة الجديدة نتيجة لانفصال اقليم عن دولة معينة نتيجة لثورة أو لاعمال حربية . لانه فى كثير من الاحوال تفسر الدولة الاخيرة الاعتراف المبكر بأنه عمل عدائى موجه اليها . ولقد جرت العادة على التفرقة فى هذه الحالة بين ثلاثة أنواع من الاعترافات :

(أ) الاعتراف بالثورة : 

وهو يحصل اذا ما نشبت ثورة داخل دولة ما بقصد انفصال جزء من اقليمها أو احدى مستعمراتها عنها, ويقصد بالثورة العصيان المسلح الذى لا يبلغ فى الجسامة مبلغ الحرب الأهلية . ويجوز صدور الاعتراف بالثورة من دولة الاصل نفسها ويكون الغرض منه رفع مسئوليتها أعمال الثورة, ويترتب عليه أيضا عدم جواز معاملة الثورة كخونة أو مجرمية . وتنص اتفاقية جنيف الرابعة سنة 1949 على معاملتهم معاملة أسرى الحرب بشرط توافر بعض الشروط .

واذا صدر الاعتراف من دولة أجنبية فلا يترتب عليه اعطاء الثوار الحقوق المقررة فى القانون الدولى العام للمحاربين كحق زيارة وتفتيش السفن التابعة للدول الأخرى, كما لا ينتج عنه التزام الدولة المعترفة باتباع واجبات الحياد وأهمها الامتناع عن مساعدة دولة الأصل .

(ب) الاعتراف بحالة الحرب :

وهو يتم اذا أصبح للثوار حكومة منظمة تباشر سلطاتها على اقليم معين وجيش يتبع قواعد الحرب . ويترتب عليه اعتبار حالة الحرب قائمة بما يترتب على ذلك من آثار وعلى الخصوص فيما يتعلق بقواعد الحرب والحياد .

(جـ) الاعتراف بدولة مستقلة :

وهو يتم متى انتهت الثورة أو الحرب باستقلال الولاية أو الاقليم نهائيا عن دولة الأصل . ويجوز صدوره من دولة الاصل نفسها, وفى هذه الحالة لا يكون اعتراف الدول الاخرى بالدولة الجديدة عملا عدوانيا ضد دولة الأصل بل قد تساعد دولة الاصل على حصوله, كما نصت على ذلك المعاهدة بين انجلترا وبورما سنة 1947, والمعاهدة بين فرنسا وكامبودج سنة 1949 .

أما اذا صدر الاعتراف من الدول الأجنبية قبل دولة الاصل فيجب على هذه الدول التحقق من استقرار الامر للدولة الجديدة . وهذا لا يكون سهلا فى جميع الاحوال, وفيه مجال كبير لتقدير الأمور, وبصفة خاصة اذا كان الاقليم المنفصل قد تلقى مساعدة عسكرية أجنبية . ومن هذا القبيل أن الباكستان اعترضت على الاعتراف ببنجلاديتش فى سنة 1972 على أساس أن انفصالها قد تم بمساعدة عسكرية من الهند .

 

الاعتراف الجزئى أو بالأمر اواقع :

نظر لدقة مسألة الاعتراف بالدولة التى تنشأ نتيجة للعنف, فقد جرت عادة الدول على أن تباشر نحوها أحيانا نوعا من الاعتراف الجزئى أو بالأمر الواقع. والغرض من ذلك تفادى الاعتراف الكامل بدولة قد يثبت الواقع عدم استقرارها أو قد يؤدى الاعتراف بالأمر الواقع له بصفة مؤقتة, فهو ينتهى اذا تغيرت الظروف التى أدت لاصداره, وذلك يكون بسحبه أو بتحويله الى اعتراف كامل . والآثار التى تترتب على الاعتراف بالأمر الواقع جزئية تتصل بتنظيم عدد محدود من العلاقات بين الدول المعترفة والدولة الجديدة .

 

طبيعة الاعتراف بالدولة الجديدة :

اختلف الفقهاء طبيعة الاعتراف بالدولة الجديدة .

(أ) نظرية الاعتراف المنشئ :

يرى البعض أن الاعتراف هو الذى يخلق الدولة الجديدة ويعطيها صفة العنصرية فى الجماعة الدولية. ونظرية الاعتراف المنشئ تتمشى مع مبادئ المدرسة الارادية للقانون الدولى العام التى تقضى بأن ارادة الدول هى أساس الالتزام بقواعد القانون الدولى . ويترتب على ذلك أن تمتع الدولة الجديدة بالحقوق المقررة للدول فى القانون الدولى العام يتوقف على اعتراف الدول الأخرى بها .

ويخفف البعض من نتائج نظرية الاعتراف المنشئ عن طريق فرض التزام على الدول القائمة بالاعتراف بالدولة الجديدة بمجرد وجودها . ويميز البعض بين الوجود الطبيعى للدولة وتمتعها بالحقوق المترتبة على هذا الوجود وهو أمر لا يتوقف على الاعتراف بها, وبين الوجود القانونى للدولة وتمتعها بالشخصية الدولية وهو ما ينشئه الاعتراف .

 

(ب) نظرية الاعتراف المقرر :

لم تستطع نظرية الاعتراف المنشئ فى صورتها الأصلية الصمود فى مواجهة الانتقادات التى وجهت اليها, لانها تتعارض مع الوقائع التاريخية والاجتماعية ومع العرف الدولى. فالعامل الأساسى فى نشوء دولة ما هو العامل السياسى والاجتماعى , وفالدولة توجد نتيجة لتطور لتداخل فى الظروف الانسانية بالعوامل الجغرافية والاقتصادية, ويصاحب ذلك كله صراع كبير ينتهى بظهور سلطة سياسية مستقلة تمارس اختصاصات الدولة فى اقليم معين . وعلى ذلك فان الاعتراف لا يخلق الدولة, وانما هو عمل قانونى يعبر عن ارادة الدول الأخرى فى قبول التعامل مع دولة جديدة كعضو فى المجتمع الدولى .

 

ومن الثابت أن الاعتراف لا يكون له قيمة من الناحية الواقعة اذا لم تتوافر لدى الدولة محل الاعتراف جميع عناصر الدولة كما أن الاعتراف لا يمنح الدولة الجديدة صفة الدولة؛ فهى توجد وتباشر نشاطها من يوم نشوئها . وعدم الاعتراف بدولة ما من جانب بعض الدول لا يمنعها من مباشرة الحقوق التى تمنحها لشخصيتها الدولية اذا أنها تستطيع الدخول فى علاقات دولية مع الدول التى اعترفت بها, بل قد تستطيع التعامل مع الدول التى لم تعترف بها وفقا لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين .

 

ولقد أقر مجمع القانون الدولى فى دورة بروكسل سنة 1938 هذا الرأى مبينا أن " وجود الدولة الجديدة مع ما يتبع هذا الوجود من الآثار القانونية لا يتأثر برفض الاعتراف بها من جانب دولة أو أكثر " . كما أخذ بهذا الاتجاه ميثاق بوجوتا سنة 1948 لحل المنازعات بين أعضاء منظمة الدول الأمريكية, فقررت المادة التاسعة منه : " أن وجود الدولة السياسى مستقل عن اعتراف الدول الاخرى بها, وأن الدولة تملك حتى قبل الاعتراف بها حق الدفاع عن وجدتها واستقلالها, وحق المحافظة على بقائها ورخائها, وأن تنظم نفسها على الوجه الأكمل, وأن تشرع وتدبير مرافقها, وأن تحدد اختصاص وولاية محاكمها, كل هذا وفقا للقانون الدولى العام " .

ومع أنه لا يمكن القول بأن القضاء قد استقر على الأخذ بنظرية الاعتراف المقرر الا أن المحاكم الوطنية فى كثير من الدول وكذلك محاكم التحكيم أكدت أن للاعتراف صفة مقررة . ويمكن الاشارة فى هذا الشأن الى حكم صادر من المحكمة العليا للولايات المتحدة الامريكية فى سنة 1808 جاء فيه " ان سيادة الدولة الجديدة مستقلة عن معاهدات الاعتراف وتسبقها " . وكذلك نشير الى حكم صادر من محكمة تحكيم فى سنة 1932 فى قضية كولكو جاء فيه " أن تشيكوسلوفاكيا وجدت كدولة مستقلة ذات سيادة قبل توقيع معاهدة فرسايل التى أقرت هذا الوضع ".

 

ويترتب على الصفة الاقرارية للاعتراف, أن يكون ذا أثر رجعى, أى أن آثاره ترجع الى التاريخ الذى يتم التسليم فيه بوجود الدولة الجديدة . كما أنه لا يمكن تقييد الاعتراف بشروط, فللدولة تقدير ما اذا كانت الروقائع تسمح بالاعتراف بالدولة الجديدة, ومتى تم ذلك فلا تملك أن تفرض شروطا فى مقابل صدور اعترافها . ومع ذلك فقد جرت الدول فى بعض الظروف على تقييد اعترافها بدولة ما ببعض الشروط, كما حصل فى معاهدة برلين سنة 1878 من تقييد الاعتراف بالدول البلقانية بقبولها التزامات تتعلق بالمساواة بين رعاياها بصرف النظر عن اختلافات الدين .

والواقع أنه فى مثل هذه الأحوال لا يعد الاعتراف مقيدا بشروط, وانما تلتزم الدولة الجديدة فقط بمراعاة الشروط المفروضة, فاذا أخلت بها عدت مسئولة, ولكن لا يمكن القول بسقوط الاعتراف السابق بها . 

 

شروط الاعتراف بالدولة الجديدة :

لا يشترط القانون الدولى شكلا خاصا للاعتراف بالدولة الجديدة .

والاعتراف قد يكون صريحا, كما اذا ورد فى معاهدة تعقد بين الدولة المعترفة والدولة الجديدة تعترف فيها الدولة الأولى بوجود واستقلال الدولة الثانية, أو كان نتيجة لاعلان دبلوماسى من جانب الدولة المعترفة .

وقد يكون الاعتراف ضمنيا كما اذا دخلت الدولة القديمة فى علاقة دولية مع الدولة الجديدة من نوع العلاقات التى لا تقوم الا بين الدول المستقلة فتبادلت معها المبعوثين الدبلوماسين, أو عقدت مفها المعاهدات السياسية . على أنه يجب مراعاة منتهى الحذر فيما يتعلق بالاعتراف الضمنى بحيث لا ينسب لدولة اعتراف ضمنى اذا اتضح من تصرفاتها انصراف نيتها بطريقة لا شك فيها الى عدم الاعتراف بالدولة الجديدة, ومن هذا القبيل أن ارسال برقيات التهانى أو تبادل القناصل أو ابرام اتفاق دولى لا يعتبر بالضرورة اعترافا ضمنيا .

وقد يكون الاعتراف فرديا وذلك اذا ما صدر صراحة أو ضمنا من دولة واحدة تجاه الدولة الجديدة, وقد يكون جماعيا وذلك اذا صدر الاعتراف من مجموعة من الدول فى نفس الوقت .

ومن المفيد أن نبحث هنا مغزى القرار الصادر من منظمة دولية بقبول دولة جديدة عضواً بها . وهل يمكن اعتبار هذا القرار اعترافاً ضمنياً بالدولة الجديدة من قبل كافة أعضاء المنظمة ؟

ويرى الأستاذ جورج سل ويؤيدة فى ذلك الاستاذ روسو أن قبول دولة فى منظمة دولية يتضمن الاعتراف بها من كافة الدول أعضاء المنظمة، لانه من غير المعقول أن تكون الدولة الجديدة شريكة للدول الأعضاء فى المداولات وفى اتخاذ قرارات المنظمة مع عدم اعتراف بعض الأعضاء بصفتها كدولة .

ويستطرد الاستاذ روسو فيقول إن من تطبيقات هذه الفكرة ما ترتب على قبول دول جديدة فى الأمم المتحدة كأوكرانيا وروسيا البيضاء واسرائيل من حصول اعتراف جماعى بها من جانب كافة أعضاء الأمم المتحدة . ولهذا قرر ضعف مركز الدول العربية أعضاء الأمم المتحدة التى ترفض حتى الآن الاعتراف باسرائيل .

وترى " مدام " باستيد أن قبول دولة جديدة فى منظمة دولية يستلزم الاعتراف لها بصفة الدولة ، ولكن هذا لايعنى التزام من صوت ضد قبول الدولة الجديدة بمباشرة العلاقات الدبلوماسية معها، وضربت مثلاً لذلك بقبول اسرائيل فى الأمم المتحدة، وذكرت أن الدول أعضاء الأمم المتحدة التى عارضت قبول اسرائيل لن تستطيع أنكار صفة الدولة على اسرائيل، ولكن هذا لايلزمها بأنشاء علاقات دبلوماسية معها .

ونحن لانرى صواب ما ذهبت اليه هذه الآراء لأن الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية تقوم كقاعدة عامة على أساس احترام سيادة الدول الاعضاء، وفضلاً عن ذلك فان مسألة الاعتراف بالدولة الجديدة لا تدخل فى اختصاصها . وعلى ذلك تكون كل دولة عضو فى منظمة دولية حرة فى تقرير موقفها من حيث الاعتراف أو عدمة، وهى تستطيع أن ترفض الاعتراف بالدولة التى وافقت الاغلبية على قبولها فى المنظمة الدولية .

ويقتصر الأثر القانونى المترتب على قبول دولة جديدة فى منظمة دولية على اعتراف الاعضاء لها بصفة العضوية ومباشرتها لاختصاصات الأعضاء ولكن هذا الاعتراف لايسرى على العلاقات الثنائية بين العضو الجديد وأعضاء المنظمة ممن لا يوافقون على قبوله . ويؤيدنا فى هذا الاتجاه عرف عصبة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة .

 

هل هناك التزام بعدم الاعتراف بالدولة الجديدة فى بعض الظروف :

تقرر نظرية ستيمسون وجود التزام دولى بعدم الأعتراف بالدولة الجديدة إذا كان فى انشائها مخالفة لالتزامات دولية يقررها القانون الدولى أو الاتفاقات الدولية الخاصة .

ولقد أصدر وزير خارجية أمريكا هذه النظرية سنة 1931 بمناسبة غزو اليابان للصين، ومحاولتها تكون جمهورية مستقلة فى منشوريا بعد أن انتزعتها بالقوة من الصين. ولقد تأيدت نظرية ستيمسون بقرار صدر من الجمعية العامة لعصبة الأمم بتاريخ 11 مارس سنة 1933 جاء فيه " أن أعضاء عصبة الأمم يلتزمون بعدم الأعتراف بأية حالة أو معاهدة أو اتفاق يكون نتيجة لاستعمال وسائل ومخالفة لمعهد عصبة الأمم أو لميثاق بريان كيلوج الخاص بمنع الالتجاء إلى الحروب "

ويبدو أن الدول تنكر وجود مثل هذا الالتزام، وتقرر أن لها سلطة تقديرية مطلقة فى الاعتراف أو عدم الاعتراف بالدولة الجديدة وفى تحديد ميعاد الاعتراف. وهذا الاتجاه يتفق مع فكرة سيادة الدولة، ومع النظرة إلى الدولة على اعتبار أنها ظاهرة سياسية واجتماعية قبل أن تكون نظاماً قانونياً .

على أن عرف الأمم المتحدة يبين امكانية وجود التزام دولى بعدم الاعتراف بدولة جديدة . فلقد طلب مجلس الأمن بتاريخ 19نوفمبر سنة 1965، وبتاريخ 18 مارس سنة 1970من أعضاء الأمم المتحدة عدم الاعتراف بالوضع الذى ترتب على اعلان استقلال روديسيا الجنوبية من جانب واحد بواسطة حكومة الأقلية البيضاء لمخالفته لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعددة التى اشترطت أن يكون استقلال ذلك الاقليم فى ظل حكومة تمثل الأغلبية .

 

وضع الدولة غير المعترف بها :

سبق أن عرضنا للخلاف الفقهى حول طبيعة الاعتراف، ورأينا أنه وفقاً لنظرية الاعتراف المنشئ لا يكون للدولة أى وجود قانون قبل أن يتم الاعتراف بها . وأنه على العكس من ذلك يرى أصحاب نظرية الاعتراف المقررة أن الدولة الجديدة توجد من يوم استكمالها لعناصرها .

وإذا ما تركنا الخلاف الفقهى جانباً وأردنا أن نحدد مركز الدولة غير المعترف بها وفقاً لما جرت عليه الدول ولما استقر عليه العرف الدولى أمكننا استخلاص النتائج الآتية :

1-  تدخل الدولة الجديدة فى علاقات دولية طبيعة مع الدول التى تعترف بها .

2-  قد تدخل الدولة الجديدة فى علاقات قانونية وسياسية واقتصادية محدودة مع الدول التى لا تعترف بها، وذلك إذا وجدت هذه الدول أن هذه العلاقات ضرورية أو تحقق مصالح مشتركة. وتكشف هذه العلاقات عن تسليم هذه الدول بوجود الدولة الجديدة وقبولها لبعض النتائج القانونية التى تترتب على وجودها .

ومن قبيل ذلك أن الدولة الجديدة تستطيع أن تبرم بعض الاتفاقات الثنائية مع الدول التى لاتعترف بها، وتكون هذه الاتفاقات ملزمةلأطرافها. كما أنها تنضم إلى اتفاقيات دولية متعددة الاطراف . أو تشترك فى المؤتمرات الدولية وفى المنظمات الدولية رغم أنها غير معترف بها كدولة من جانب بعض أطراف الاتفاقية أو بعض أعضاء المؤتمر أو المنظمة .

 

                                 ** المبحث الثانى **

                     التغيرات السياسية والاقليمية التى تطرأ على الدولة

 مبدا استمرار الشخصية الدولية :

من الشائع أن تصادف الدولة أثناء حياتها بعض التغيرات السياسية أو الاقليمية، فتثور المشكلة الخاصة بتأثير هذه التغيرات على علاقات الدولة مع الدول الأخرى .

ويصادفنا هنا مبدأ هام يقضى باستمرار شخصية الدولة ومعناه أن الدولة متى نشأت واستقرت شخصيتها الدولية، فانها تحافظ على نفس الشخصية المعنوية رغم ما يطرأ عليها من تغيرات، ويظهر ذلك بصفة خاصة بالنسبة لنوعين من التغيرات وهما تغير نظام الحكم والتغيرات التى تلحق بأقليم الدولة .

 

                                 اولاً : تغير نظام الحكم

الأثر الدولى لتغير نظام الحكم :

لاتؤثر التطورات التى تعدل نظام الحكم الداخلى أو تؤدى إلى تغيير الحكومة فى شخصية الدولة، ولا فى وضعها القانونى بالنسبة للدولة الأخرى. فيستمر تمتعها بالحقوق المقررة لها، والتزامها بالمعاهدات وبجميع الاعباء التى أبرمتها الحكومة القديمة لان الدولة تستمر رغم تغير الاوضاع الداخلية وذلك على التفصيل الآتى :

( أ ) ممارسة الحكومة الجديدة لكل حقوق الدولة :

يترتب عل  مبدأ استمرار الدولة أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تمارس كل الحقوق والمزايا المقررة للدولة فى المعاهدات وفى العرف الدولى . كما يكون لها أن تتصرف بحرية فى كل الأموال المملوكة للدولة وأن تطالب بحقوقها وديونها .

ويجوز للحكومة الجديدة بعد الاعتراف أن تضع يدها على الأموال والممتلكات التابعة لدولتها والموجودة فى الدول الأجنبية بشرط أن تحترم الالتزامات التى تكون قد أبرامتها الحكومة القديمة .

وعلى المحاكم والأفراد اتباع ما تقرره الحكومة دولتهم فيما يتعلق بتحديد الحكومة التى تمثل الدولة الاجنبية والتى تستطيع أن تمارس حقوقها وتستوفى ديونها، وذلك على اعتبار أن ادارة العلاقات الدبلوماسية هى من اختصاص الحكومة .

ولقد استقرت هذه القاعدة فى العرف الدولى منذ زمن طويل، ومن أمثلة ذلك ما قررتة المحكمة العليا الأمريكية سنة 1871 فى قضية سافير، فقد ذكرت أن الدعوى التى رفعها نابليون أما المحاكم الامريكية – للحصول على تعويض عن غرق سفينة مملوكة له نتيجة خطأ منسوب لسفينة أمريكية- لا تسقط نتيجة لعزل نابليون، بل يكون من حق الحكومة التى تليه وتعترف بها الولايات المتحدة الاستمرار فى الدعوى، لأن نابليون كان يملك السفينة باعتباره ممثلاً لفرنسا .

 

( ب ) التزام الحكومة الجديدة بالتزامات الدولة :

تلتزم الحكومة الجديدة باحترام الالتزامات والتعهدات التى أبرمتها الحكومة السابقة، فعليها أن تحترم المعاهدات وأن توفى بالديون التى التزمت بها تلك الحكومة . كما تعتبر الدولة مسئولة دولياً إذا ما رفضت الحكومة الجديدة الاعتراف بالحقوق التى اكتسبها الأجانب فى ظل الحكومة القديمة .

ولم تعترف بعض الحكومات الثورية بهذه القاعدة، فقد قرر الاتحاد السوفيتى فى 8 فبراير سنة 1918 عدم اعترافه بالديون التى عقدتها الحكومة القيصرية .

ويمكن تفسير هذا الاتجاه برغبة هذه الحكومات فى قطع كل تضامن مع الأنظمة الدستورية والاجتماعية السابقة عليها لوجود خلاف جوهرى فى الاسس التى تقوم عليها. ويعتبر اتجاه الاتحاد السوفيتى فى نظر الفقهاء الغربيين خروجاً على مبدأ استمرار الدولة .

ونحن نعتقد أنه مع التزام الحكومة الجديدة كقاعدة عامة باحترام الالتزامات التى أبرمتها الحكومة السابقة يجب التسليم بأنه فى بعض صور التغيير الشامل لنظام الحكم يصبح من الضرورى مراجعة الالتزامات القديمة التى لا تنسجم مع الأوضاع الجديدة، أو التى تعرقل تقدم تقدم الدولة وتطورها الحيوى، ومثال ذلك أن تتحول دولة من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى، فيكون من الضرورى فى هذه الحالة سقوط الالتزامات الدولية التى روعى فى أبرامها أنها تربط بين دول ملكية أو التى عقدت فى ظلها هذه الالتزامات .

الاعتراف بالحكومة الجديدة :

ومن الضرورى فى حالة تغيير الحكومة القائمة بالعنف نتيجة لثورة أو لانقلاب الاعتراف بالحكومة الجديدة من جانب الدول الأخرى، ولا يكون محل هذا الاعتراف الشخصية الدولية الجديدة، بل يقتصر أثرة على تجديد الجهاز الذى يمثل تلك الدولة ويعبر عن رأيها فى ميدان العلاقات الخارجية .

والغرض من الاعتراف هنا تسهيل مهمة اتصال الحكومة الجديدة بالدول الأخرى والقضاء على حق الحكومة القديمة فى تمثيل الدولة، ولا يترتب على عدم صدوره انعدام الشخصية الدولية للدولة، لأن الدولة تستمر وتحافظ على شخصيتها المنعوية بغض النظر عن التغيرات التى تعدل من تكوينها الدستورى أو من حكومتها، وتعتبر هذه التغيرات من المسائل الداخلية التى لا يجوز للدول الأجنبية التدخل فيها .

 

وضع الحكومة غير المعترف بها :

 

يهتم الفقه ببحث المركز القانونى للحكومة الجديدة قبل اعتراف الدول بها، وتبدو أهمية هذا البحث إذا ما عرفنا أنه قد يتأخر الاعتراف بالحكومة الجديدة، ولا أدل على ذلك من أن الحكومة السوفيتية لم يعترف بها من جانب الولايات المتحدة الامريكية الا فى سنة 1933، وأنه كان من الواجب انتظار الحرب العالمية الثانية لكى تعترف بها الحكومة المصرية رسمياً، وتأخر الاعتراف كذلك ببعض الحكومات الجديدة التى نشأت فى وسط وشرق أوربا وفى آسيا عقب الحرب العالمية الثانية، وعلى الخصوص بالنسبة للحكومة الشعبية الصينية التى لم يعترف بها عدد من الدول حتى الآن .

 

وتسمى الحكومة غير المعترف بها أحياناً بالحكومة الواقعية .

 

( أ ) نفاذ التصرفات فى حق الحكومة اللاحقة :

 

والثابت أن أعمال الحكومات الواقعية تنفذ فى الحكومات التى تليها إذا كان ذلك ضرورياً للمحافظة على حقوق الأفراد، وعلى هذا إذا عقدت حكومة غير معترف بها عقداً مع أجانب حسنى ألنية يستمر هذا العقد صحيحاً حتى ولو تغيرت هذه الحكومة وتليها أخرى معترف بها، ولقد أخذت بهذا الرأى المحكمة الدائمة للتحكيم فى حكم صدر بتاريخ 11 نوفمبر سنة 1921فى نزاع بين فرنسا وبيرو، وذكرت" أن القوانين الصادرة من الحكومة البيروفية اللاحقة لايمكن أن تمس حقوق الأجانب الذين تعاملوا بحسن نية مع حكومة بيرو الواقعية " .

 

( ب ) المطالبة القضائية :

والراجح أن الحكومة غير المعترف بها تملك حق رفع الدعاوى أمام المحاكم الأجنبية، وبهذا أخذت المحاكم الاوربية بالنسبة للحكومة السوفيتية قبل الاعتراف بها، أما المحاكم الامريكية فقد ظلت مترددة إلى أن صدر حكم المحكمة العليا الامريكية فى سنة 1933 الذى سمح للحكومة السوفيتية برفع الدعاوى أمام المحاكم الامريكية بوصفها هيئة أجنبية .

 

( جـ ) الحصانة القضائية :

 

قام خلاف حول تمتع الحكومة الواقعية بالاعفاءات القضائية التى تتمتع بها الحكومات الشرعية للدول الاجنبية، والراجح أنها لا تتمتع بها، ولقد أكدت ذلك المحكمة العليا النروجية فى 9 نوفمبر سنة 1939 حينما رأت عدم تمتع حكومة الجنرال فرانكوا – وكان غير معترف بها فى ذلك الوقت – بالحصانة القضائية .

 

( د ) اثر تصرفات الحكومية غير المعترف بها فى مواجهة الدول الاجنبية :

 

وثار التساؤل حول أثر القوانين والقرارات التى تصدرها الحكومة غير المعترف بها، وكذلك الاحكام التى تصدر باسمها، وذلك بالنسبة للدول الاجنبية. ولقد عرضت المسألة أمام المحاكم الوطنية لبعض الدول بمناسبة اجراءات التأميم والمصادرة التى قامت بها الحكومة السوفيتية قبل الأعتراف بها . وذهبت المحاكم الانجليزية والامريكية فى أول الامر إلى القول بعدم جواز الاحتجاج بالتصرفات القانونية التى تأتيها الحكومات غير المعترف بها. وعندما طالت فترة عدم الاعتراف بالحكومة السوفيتية، ذهب القضاء الامريكى إلى جواز الاعتراف بالتصرفات التى تأتيها تلك الحكومة مالم تكن مخالفة للنظام العام الامريكى. ولقد قرر مجمع القانون الدولى عندما بحث هذه المسألة فى سنة 1936 " أن الآثار غير الاقليمية لاعمال حكومة غير معترف بها تسرى أمام الادارات والقضاء أصحاب الاختصاص إذا كانت لازمة لحسن سير القضاء أو الحماية مصالح الافراد " . ويمكن تبرير هذا الاتجاه إذا ما عرفنا أنه يصعب من الناحية العملية تجاهل تصرفات الحكومة الواقعية حيث انها تباشر السيطرة الفعلية على اقليمها أو على جزء منه .

( هـ ) العلاقات القنصلية والدبلوماسية :

 

والراجح أن القناصل يستمرون فى مباشرة وظائفهم رغم عدم اعتراف دولهم بالحكومة الجديدة للدولة التى يعملون فيها، وذلك لأنهم لا يتمتعون بالصفة التمثيلية، وتنحصر مهمتهم فى الاتصال بالسلطات المحلية .

أما العلاقات الدبلوماسية فانها تتوقف إلى ان يتم الاعتراف بالحكومة الجديدة، وأن كان من الممكن اجراء بعض الاتصالات الدبلوماسية بشأن المسائل العاجلة مع الحكومة غير المعترف بها .

 

( و ) الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية :

 

استقر العرف الدولى على أنه من الجائز اشتراك الدولة فى الاتفاقيات المتعددة الأطراف وفى المؤتمرات والمنظمات الدولية حتى ولو لم تكن معترفاً بحكومتها من جانب بعض أطراف الاتفاقية أو المؤتمر أو المنظمة .

 

ويخلص مما تقدم أن الحكومات غير المعترف بها تباشر من الاختصاصات والاعمال ما هو لازم فقط لادارة شئون الاقليم الذى تسيطر عليه، لحماية المصالح العاجلة، ويلزم لكى تتمتع بكافة الاختصاصات أن تعترف بها الدول الأخرى .

 

شروط الاعتراف بالحكومات الجديدة :

 

يشترط العرف الدولى للاعتراف بالحكومة الجديدة أن يتوافر فيها ما يلى :

 

( أ ) السيطرة الفعالة :

يجب أن يثبت الحكومة الجديدة تقوم بالسيطرة الادارية الفعالة على اقليمها، وأنها تباشر بالفعل اختصاصاتها المتعلقة بالحكم .

ويعتبر الاعتراف بالحكومة الجديدة قبل أن تستوفى شرط الفعالية عملاً غير مشروع لانه يكشف عن تدخل فى الشئون الداخلية للدولة التى يقوم فيها صراع حول السلطة .

على أن العرف الدول ليس واضخاً تماماً فى هذا الشأن، فلقد قام الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية بالاعتراف بحكومات فقدت السيطرة على اقليمها بسبب الغزو الأجنبى، وذلك على أساس أن الحكومات الموجودة فى المنفى خارج اقليمها تبذل جهداً فعال للسيطرة على شعبها ولاستعادة اقليمها، مما يدل على أن فقد الاقليم له صفة مؤقتة، ومن أمثلة ذلك الاعتراف بحكومات هولنده واليونان وتشيكوسلوفاكيا فى المنفى .

كما أنه من الملاحظ أن الدول تساع احياناً لأسباب سياسية وعقائدية بالاعتراف بالحكومات الجديدة بمجرد سيطرتها على جزء من الاقليم التابع لدولتها ودون انتظار لاتمام السيطرة على الاقليم، ومن قبيل ذلك اعترف انجلترا وأمريكا بحكومة فرنسا الحرة بمجرد تكوينها سنة 1940 على أساس أنها تسيطر على أقاليم فرنسية فيما وراء البحار .

 ( ب ) أهلية تحمل الالتزامات الدولية :

يجب أن تكون الحكومة الجديدة أهلا لتحمل التزاماتها الدولية، وترتبط هذه الاهلية بمدى رغبة أو استعداد الحكومة الجديدة للوفاء بالتزاماتها الدولية .

 

( جـ ) دستور الحكومة الجديدة :

تذهب بعض الدول إلى عدم جواز الاعتراف بالحكومة التى تقوم نتيجة ثورة أو انقلاب مسلح الا إذا أعطت لنفسها شكلاً شرعياً . فلقد أخذت دول أمريكا الوسطى بنظرية توبار ومقتضاها عدم جواز الاعتراف بالحكومة التى تقوم بطريقة دستورية الا عندما يقوم ممثلو الشعب المنتخبون انتخاباً حراً باعطاء الصفة الدستورية لتلك الحكومة . ونلاحظ أن نظرية توبار نشأت فى علاقات دول أمريكا الوسطى، ولاتعبر عن قاعدة من قواعد القانون الدولى المقبول بصفة عامة .

ومع ذلك أعلنت الولايات المتحدة سنة 1945 أنها سترفض الاعتراف بكل حكومة تفرضها دولة أجنبية بالقوة على شعب ما . كما أنها اشترطت فى بعض الاحوال اجراء انتخابات حرة، واكتفت فى أحوال أخرى بقبول الشعب الضمنى للحكومة الجديدة . وجرت بعض الدول كانجلترا وفرنسا على أن تؤجل الاعتراف بالحكومات الثورية لحين التأكد من قبول الشعب لها، أو أنها تقوم على أسس ديمقراطية . كما تقوم بعض الدول بوضع بعض الشروط كمقابل لاعتراف بالحكومة الجديدة، ومن هذه ما تطلبته انجليرا من حكومة المكسيك الثورية سنة 1918 لاموالها ولاموال رعاياها، وما تطلبتة الولايات المتجدة عند اعترافها بالحكومة السوفيتية سنة 1933 من احترام الحريات الدينية والحقوق القضائية لرعاياها .

ولقد قررت منظمة الدول الأمريكية فى مؤتمر ريودى جانيرو سنة 1965 ضرورة تشاور أعضائها قبل الاعتراف بالحكومات الواقعية، وذلك لبحث مدى استعداد هذه الحكومات لاجراء انتخابات ولتحمل التزاماتها الدولية .

 

هل يوجد التزام دولى باعتراف الحكومة الجديدة :

 

أدى عدم وضوح قواعد القانون الدولى العام الخاصة بالاعتراف إلى بقاء كثير من الحكومات بغير اعتراف خلال فترة طويلة رغم قيامها بالسيطرة الفعالة على أقليمها وشعبها، ولا أدل على ذلك من أن عدداً من الدول لايزال لا يعترف حتى الآن بحكومة الصين الشعبية . كما أن الحكومة المصرية تأخرت فى الاعتراف بالحكومة السوفيتية حتى سنة 1943. وكان ذلك الاعتراف ضمنياً بأن تبادلت مصر مع الاتحاد السوفيتى التمثيل الدبلوماسى .

 

ولذلك ذهب البعض كالأستاذ لو ترباشت إلى أن الحكومة الجديدة يجب الاعتراف بها فور التأكد من وجودها، كما بدأ الاعتراف بكثير من الاختصاصات للحكومة الواقعية .

 

شكل الاعتراف بالحكومة الجديدة :

ولا يشترط شكل خاص للاعتراف بالحكومة الجديدة، كما يكون هذا الاعتراف صريحاً فى المعاهدة أو وثيقة دبلوماسية، يكون ضمنياً بأن تدخل الولة مع الحكومة الجديدة للدولة الأخرى فى علاقات يستفاد منها أعترافها بتلك الحكومة، كما لو قبلت مبعوثيها الدبلوماسيين أو وقعت معها معاهدة . وتقرر نظرية استرادا أن الاعتراف بالحكومة يجب أن يكون صريحاً وأن يأخذ شكلاً رسمياً، وعلى ذلك فلا يعتبر استمرار العلاقات الدبلوماسية بمثابة دليل على الاعتراف. ولقد أقر اتفاق بوجاتا سنة 1948 هذا الاتجاه بالنسبة للدول الأمريكية، ومع ذلك فهو لا يمثل عرفاً دولياً له صفة عالمية .

  

                           ثانياً : التغيرات التى تطرأ على أقليم الدولة

الميراث الدولى :

 

قد يطرأ على الدولة أثناء حياتها بعض التطورات التى تؤدى إلى اتساع أو نقصه، ويكون ذلك عادة عن طريق الدولة لكل أو بعض أقليم دولة أخرى، أو انفصال جزء من أقليم الدولة واستقلاله بأمر نفسه أو ضمه للدولة أخرى .

 

وتصاحب هذه التغييرات الاقليمية بالضرورة نتائج قانونية مرجعها تغيير السلطة التى تباشر السيادة على أقليم معين، وما يستتبعة ذلك من تغيير فى الأنظمة القانونية وانتقال للحقوق والالتزامات التعلقة بالاقليم من دولة إلى أخرى .

ويطلق القانون الدولى العام على النتائج القانونية المترتبة على انتقال جزء من أقليم دولة من سيادة دولة الى سيادة دولة اخرىاصطلاح الميراث الدولى . ونلاحظ أن استعمال اصطلاح الميراث ليس دقيقاً تماماً، لأن معنى الميراث فى القانون الداخلى انتقال تركة شخص وما يتعلق بها من حقوق وواجبات إلى ورثته نتيجة لوفاة هذا الشخص، وهذا الوضع يختلف عما يتم فى القانون الدولى، وفى حالة تغيير السلطة صاحبة السيادة على الأقليم.

فالدولة الوارثة فى القانون الدولى لا تتلقى سيادتها عن الدولة المورثة، وانما 

تتلقى حقاً خاصاً بها مستقلاً عن حق الدولة التى كانت تمارس السيادة على الاقليم .

شروط الميراث الدولى :

 

1- تغيير السيادة على الاقليم :

( أ ) يشترط لكى تتم عملية الميراث الدولى انتقال كل أو بعض اقليم الدولة من سيادتها إلى سيادة دولة أخرى . وينقسم الميراث إلى كلى أو جزئى :

والميراث الكلى يكون فى حالة فناء الشخصية الدولية للدولة وانتقال أقليمها بأكمله للدولة أخرى، ومثال ذلك حالة اندماج دولتين فى دولة واحدة كما حدث عند اندماج سوريا ومصر ونشوء الجمهورية العربية المتحدة فى سنة 1958، وما حدث عند ادماج لانفيا ولتوانيا واستونيا فى اتحاد السوفيتى عقب الحرب العالمية الثانية .

ويكون الميراث جزئياً حينما تفقد الدولة بعض اقليمها فقط مع احتفاظها بشخصيتها الدولية، ومثال ذلك أن تتنازل دولة عن جزء من اقليمها لدولة أخرى أو أن يستقل جزء من أقليم الدولة فى صورة دولة جديدة، ومن أمثلة ذلك انفصال مصر عن الدولة العثمانية، ولقد اعترفت تركيا فى معاهدة لوزان بتاريخ 24 يوليو 1923 أن انفصال مصرعنها يرجع إلى يوم 5نوفمبر 1914، والتغييرات الاقليمية التى ترتبت الحرب العالمية الثانية وأهمها ضم بعض الأراضى التابعة لالمانيا إلى بولندة .

( ب ) ويجب أن يكون تغيير السيادة على الاقليم قد تم بطريقة مشروعة أى عن طريق الاتفاق بين الدولة التى تتنازل عن أقليم والدولة التى تكتسب السيادة عليه . ولا يجوز اكتساب السيادة على أقليم عن طريق استعمال القوة للمساس باقليم دولة أخرى لمخالفة ذلك للمادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة التى تنص على عدم جواز استعمال القوة ضد سلامة الاراضى أو الاستقلال السياسى لاية دولة، وإذا تم احتلال دولة لاقليم تابع لدولة أخرى، فأن الاحتلال يعتبر حالة فعلية مؤقتة لا يترتب عليها تغييرالسيادة على الاقليم .

3-  موافقة سكان الاقليم :

تساءل البعض عما إذا كان من اللازم الحصول على موافقة الشعب الذى يمسه الضم أو الانفصال، وهذه الموافقة تتم دستورياً عن طريق الاستفتاء ومعناه موافقة الشعب على الوضع الجديد . والاستفتاء اما أن يكون لاحقاً على قرار الضم او الانفصال والغرض منه المصادقة عليه، وأما أن يكون سابقاً عليه، ويقصد به فى هذه الحالة تقرير مستقبل الاقليم .

( أ ) ولقد تم تطبيق نظام الاسفتاء فى أحوال كثيرة منذ الحرب العالمية الأولى، فقد نظمت معاهدات الصلح سنة 1919 مجموعةمن الاستفتاءات أهمها ما نص عليه المادة 109 من معاهدات فرساى بخصوص استفتاء سكان شلفزنج وما نص عليه أيضاً فى هذه المعاهدات خاصأ باستفتاء أهالى السار .

على أن معاهدة الصلح التى تلت الحرب العالمية الثانية لم تأخذ بمبدأ الاستفتاء، ومع ذلك يكشف العرف الدولى عن اتجاه لتاكيد حق كل شعب فى تقرير مصيرة ولتأييد مبدأ الاستفتاء الشعبى .

( ب ) وقد أكد ميثاق الأمم المتحدة فى المادة 1/2حق تقرير المصير. وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى قرارتها المتعاقبة، ونصت عليه المادة الاولى من ميثاق الحقوق السياسية ومن ميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

ونص الفصل الثانى عشر من ميثاق الامم المتحدة المتعلق بنظام الوصاية على ضرورة مراعاة رغبات شعوب الأقاليم الموضوعة تحت الوصاية فيما يتعلق بمستقبلها السياسى كما قامت الأمم المتحدة باجراء عمليات للاستفتاء أو انتخابات عامة فى الاقاليم الموضوعة للوصاية، وقامت بارسال بعثات للاقاليم التابعة الأخرى للتعرف على رغبات سكانها فيما يتعلق بمستقبلها بالتطبيق لقرار تصفية الاستعمار سنة 1960.

 

( جـ ) ومن ناحية أخرى أقرت الدول فى دساتيرها وفى علاقاتها الدولية حق تقرير المصير. فلقد نص الدستور الفرنسى سنة 1946 على انه لايمكن ضم أقليم أو تنازل عن أقليم الا بعد استفتاء الأهالى أصحاب الشأن .

وتطبيقات لهذا النص قامت فرنسا باستفتاء سكان مقاطعتى بريج وتاند اللتين تنازلت عنهما ايطاليا لفرنسا بموجب معاهدات الصلح سنة 1947كما نص الدستور الفرنسى سنة 1958 على أستفتاء سكان أقاليم ما وراء البحار بشأن انفصالهم عن فرنسا أو بقائهم فى الجماعة الفرنسية . وتطبيفاً لهذا النص تمت عمليات الاستفتاء التى ترتب عليها استقلال المستعمرات الفرنسية وكذلك تم استفتاء الشعب الجزائرى سنة 1962 حول اتفاقيات افيان التى قررت استقلال الجزائر التى كانت تعتبرها فرنسا جزءاً من أقليمها .

ومن ذلك أيضاً ما نصت عليه اتفاقية سنة 1953 بين مصر وبريطانيا من منح الشعب السودانى حق تقرير المصير بعد فترة انتقال تصفى فيها الادارة الثنائية، ووافق البرلمان السودانى على استقلال السودان ابتداء من أول يناير سنة 1956. كما تم استفتاء الشعبين المصرى والسورى فى سنة 1958 على الاندماج فى أطار دولة واحدة عرفت باسم الجمهورية العربية المتحدة إلى أن سوريا انفصلت عن مصر سنة 1961.

ويخلص مما تقدم أن اشتراط موافقة سكان الأقاليم – عند انتقاله من سيادة دولة إلى سيادة دولة أخرى – يرتبط باحترام مبدأ حق الشعوب فى تقرير مصيرها . وقد أصبح هذا المبدأ معترفاً به فى ميثاق الأمم المتحدة .

4-  الاعتراف الدولى بالتغيرات الاقليمية : ( الميراث الدولى )

 

كانت الدول تسعى حتى الحرب العالمية الاولى للحصول على اعتراف دولى بتوسعها الاقليمى كلما تعلق الامر فقط باعتبارات التوازن الدولى، أو قامت الدول الاخرى بالمنازعة فى اتمام ضم اقليم معين . ومثال ذلك اعتراض الدول الكبرى على قيام بلجيكا بضم الكونجو سنة 1907.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الاولى أصبح للاعتراف هدف آخر هو احترام الالتزامات الدولية الخاصة باحترام سلامة أراضى الدول المستقلة . فقد أكدت عصبة الأمم وجود التزام بعدم الاعتراف بالتغييرات الاقليمية التى تتم بالقوة أو التى تتضمن اخلالا بالمعاهدات الدولية . وأكد مجلس عصبة الأمم وجود هذا الالتزام فى قرار بشأن منشورياً سنة 1932، كما أكد ذلك مؤتمر مونتفيديو للدول الأمريكية سنة 1933 وميثاق شابلتبك سنة 1945 الذى أنشأ منظمة الدول الامريكية .

ولم ينص ميثاق الأمم المتحدة صراحة على الالتزام بعدم الاعتراف بضم الأراضى بطريقة غير مشروعة، رغم أنه عدم مشروعية استعمال القوة ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لاية دولة . ويدل عرف الآمم المتحدة على أنها لجات لاستعمال الالتزام بعدم الاعتراف بالاوضاع غير المشروعة فى بعض الأحوال . ومن ذلك فى أن الجمعية العامة ومجلس الأمن طلبا سنة 1956 عدم الاعتراف بحكومة روديسيا الجنوبية . كما أن الجمعية العامة أعلنت فى سنة 1967 أنها تعتبر التدابير التى اتخذتها اسرائيل لتغيير مركز مدينة القدس غير صحيحة وطلبت اسرائيل الغاءها .

 

آثار الميراث الدولى :

يرتب القانون الدولى على تغير السيادة على الاقليم عدداً من الآثار القانونية وأهمها انتقال التزامات الدولة التى كانت تمارس السيادة أصلاً على الاقليم إلى الدولة الوارثة فى بعض الأحوال .

 

1-  أثر الميراث الدولى فى المعاهدات :

ينطبق مبدأ قابلية الوعاء الاقليمى للمعاهدات للتغير، مع مراعاة عدم تحميل أن نميز الدولة المستقلة حديثاً بالمعاهدات التى تم ابرامها خلال الحكم الاستعمارى والتى تكون ضارة بمصالحها . ولذلك يلزم التمييز من الأحوال الآتية :

 

( أ ) حالة التنازل أو الضم : لا يترتب على فقد الدولة لجزء من أقليمها تحللها من الالتزامات المقررة فى المعاهدات تكون طرفاً فيها، ويتحدد نطاق تطبيق المعاهدات وفقاً لما بقى تحت سيادة الدولة من اقليم، ويقف سريان هذه المعاهدات على الاقليم المنفصل، فيما عدا المعاهدات التى كانت تنصب مباشرة على هذا الاقليم كالمعاهدات الخاصة بتعيين الحدود، أو تلك التى تقرر حياد الاقليم أو تنظيم استخدام نهر أو مضيق أو تقرر حقوق ارتفاق على الاقليم، إذ تلتزم الدولة الوارثة باحترام هذه المعاهدات .

ومن ناحية أخرى يتسع نطاق تطبيق معاهدات الدولة الوارثة لكى تشمل الاقليم الذى انضم إليها الا اذا كانت ارادة أطراف معاهدة معينة قد انصرفت إلى قصر تطبيقها على الاقليم الخاضع لكل منها وقت إبرامها، أو إذا كانت قد روعيت فى ابرامها ظروف لا تتوافر فى الاقليم محل الضم .

 

( ب ) حالة الاستقلال ونشوء دولة جديدة: ترفض الدول التى نالت استقلالها حديثاً الالتزام بالمعاهدات التى أبرامتها الدول الاستعمارية حينما كانت تمارس السيادة على الأقاليم التابعة لها . وقد أعلنت بعض الدول الجديدة كالجزائر وفولتا العليا تحللها من المعاهدات التى أبرامتها فرنسا . وأعلنت دول أخرى كدول شرق أفريقيا استمرار نفاذ مثل هذه المعاهدات خلال فترة زمنية تلى الاستقلال على أن يعقب ذلك الغاؤها أو تأكيدها . على أن بعض الدول الجديدة الأخرى كالدولة الافريقية الاعضاء فى الجماعة الفرنسية التزمت باحترام المعاهدات التى أبرمتها فرنسا قبل استقلالها.

ويبين العرف الدولى أن الدولة الجديدة ترث المعاهدات التى كانت تنصب مباشرة على جزء من اقليمها كمعاهدات الحدود والمعاهدات التى تنظم الأنهار الدولية .

ولقد جرت عادة بعض الدول الاستعمارية على تحديد آثار استقلال المستعمرة على المعاهدات وقت اعلان الاستقلال وذلك باراداتها المنفردة أو باتفاق تبرمه مع مستعيرتها السابقة .

ومن الطبيعى ألا تتقيد الدولة الجديدة بالتحديد الذى تقرره الدولة الاستعمارية بارادتها المنفردة، وهى تكون أكثر استعدادا لقبول ما تتفق عليه بعد استقلالها . واذا ما تم تسجيل اتفاق من هذا النوع فى الأمانة العامة للأمم المتحدة فان الامانة العامة تعتبر الدولة الجديدة وريثة للدولة الاستعمارية بالنسبة للمعاهدات التى وردت فى الانفاق . وتتقيد الأمانة فيما عدا ذلك برأى الدولة الجديدة فيما يتعلق بالتزامها بمعاهدات الدولة الاستعماية .

ومن ناحية أخرى جرت عادة الأمانة العامة للأمم المتحدة على أن تبعث للدولةالجديدة بقائمة بأسماء المعاهدات المتعددة الاطراف المودعة لديها والتى تكون الدولة المورثة طرفا فيها لكى تحدد الدولة الجديدة موقفاً من حيث قبول هذه المعاهدات وذلك إذا كانت نصوص معاهدات ما تسمح بتطبيقها فى أقاليم المستعمرات .

ولقد أكدت اتفاقية فينا سنة 1978 الخاصة بالميراث الدولى فى المعاهدات عدم التزام الدولة الجديدة بالمعاهدات عدم التزام الدولة الجديدة بالمعاهدات التى ابرامتها الدولة الاستعمارية .

( جـ ) حالة الدخول فى وحدة أو اتحاد : من المقرر أن اندماج دولة فى دولة أخرى أو دخولها فى أطار دولة اتحادية لا يعد سبباً لتخلصها من المعاهدات الدولة إذ يجب احترام هذه المعاهدات بواسطة الدولة الموحدة أو الاتحادية . وتلزم مراجعة المعاهدات السياسية التى أبرمتها الدول الأعضاء قبل توحيدها أو اتحادها . أما بالنسبة للمعاهدات الاخرى فيتوقف نفاذها على طبيعة هذه المعاهدات وعلى اتفاق أطراف ومع ذلك فمن اللازم احترام المعاهدات التى تنصب مباشرة على الاقليم وكذلك المعاهدات التى تكون قابلة للانتقال بطبيعتها .

 

2-  أثر الميراث الدولى على الالتزامات الدولية بصفة عامة :

تنطبق المبادئ التى شرحناها فيما تقدم على كافة الحقوق والالتزامات الدولية التعاقدية كالحقوق والالتزامات التى تكون قد تقررت على الاقليم بناء على الرضا الضمنى كحدود الاقليم أو حقوق الارتفاق المقررة عليه .

 

ولا تنتقل إلى الدولة الوارثة الحقوق والالتزامات ذات الطابع الشخصى كالحقوق السياسية، وكالأوضاع الاقتصادية التى يكون الاعتبار الشخصى أساساً فيها .

كما لاتنتقل إلى الدولة الوارثة الحقوق والالتزامات غير التعاقدية كالحقوق المقررة للدول بمقتضى القانون الدولى، وكالحقوق والالتزامات المترتبة على المسئولية الدولية نتيجة ارتكاب فعل مخالف للقانون الدولى . فالدولة الوارثة لا تسأل عن الأعمال الضارة المنسوبة للدولة المورثة الا إذا أمكن نسبة خطأ ما للدولة الوارثة .

 

3-  أثر الميراث الدولى فى الاموال العامة :

إذا ترتب على الميراث الدولى اختفاء الدولة المورثة تبعاً لانتقال كافة اقليمها للدولة الواراثة فأن الدولة الأخيرة تمتلك جميع ما كانت تملكة الدولة المورثة من أموال عامة وخاصة، أى أن ذمة الدولة الأخيرة تنتقل بأكملها للدولة الأولى

أما إذا احتفظت الدولة المورثة بشخصيتها الدولية، واقتصر الأمر على انتقال جزء من اقليمها للدولة الوارثة؛ فان الدولة الأخيرة لا تتملك من أموال الدولة الا ما كان يدخل فى عداد الأموال العامة. والاموال العامة هى الادارات العامة والاموال التى تكون مخصصة لمرفق عام أو لمنفعة عامة، كالسكك الحديدية والكبارى والترع .

 

ولقد جرى العرف الدولى على أن الدولة الوارثة لا تلتزم بدفع أى تعويض عن استيلائها على هذه الاموال العامة. فلقد نص الملحق التاسع من معاهدة الصلح من ايطاليا فى 10فبراير سنة 1948 على أن الدولة الوارثة تتلقى أموال الدولة الايطالية والادارات العامة الايطالية والمنظمات الفاشية بدون أى مقابل .

أما بالنسبة للأموال الخاصة فتظل فى ملكية الدولة المورثة الا إذا ورد شرط مخالف فى المعاهدة التى ارتبطت بها مع الدولة الوارثة .

 

4-  اثر الميراث الدولى فى الديون العامة :

 

والراجح أنه فى حالة الميراث الكلى تنتقل كافة ديون الدولة المورثة من ذمتها إلى ذمة الدولة الوارثة، وهذا فى نظير استفادة الدولة الأخيرة من موارد الاقليم الذى ضمته، وتطبيقاً لقاعدة أن الوارث يأخذ التركة بما عليها من الديون .

 

أما فى حالة الميراث الجزئى فتجب التفرقة بين نوعين من الديون العامة :

( أ ) الديون المحلية : وهى التى تكون الدولة المورثة قد التزمت بها لمصلحة ذلك الجزء من الاقليم الذى انفصل عنها . ومثالها الديون التى عقدت لانشاء ترع وسكك حديدية خاصة بهذا الاقليم وتعود منفعتها عليه وحدة. وهذه الديون المحلية تنتقل بأكملها إلى الدولة التى انتقل إليها الاقليم، وعلى هذا جرى العرف الدولى .

( ب ) أما بالنسبة للديون غير المحلية : فلا توجد بشأنها قاعدة صريحة والواقع أننا إذا تمسكنا بالوجهة القانونى البحتة لوجب القول بأن فقد الدولة لجزء من اقليمها لا يترتب عليه اعفاؤها من ديونها وذلك لأن شخصيتها الدولية تبقى، وتستمر ذمتها مشغولة بهذه الديون فى مواجهة دائنى الدولة . وهذا ما أكده الاستاذ بوريل بصفتة محكماً دولياً بالنسبة لديون الدولة العثمانية فى 17 أبريل سنة 1925 .

 

ولكن اعتبارات العدالة والضرورات الاقتصادية تقضى بوجوب تحمل الدولة التى استفادت من ضم الاقليم لجزء من ديون الدولة المورثة لأن الدولة الاخيرة حينما افترضت فعلت ذلك فى سبيل الصالح العام لكل شعبها. كما أن فقدها الجزء من اقليمها يؤدى إلى حرمانها من جانب الموارد التى كانت تعتمد عليها لخدمة الدين . ولهذا نجد أن كثيراً من المعاهدات نصت على تحمل الدولة الوارثة لجانب من ديون الدولة المورثة . ولم تتبع المعاهدات قاعدة واحدة فيما يتعلق بتحديد نصيب الدولة من ديون الدولة المورثة .

 

ويمكن تصور عدة قواعد فى هذا الشأن كأن تكون العبرة بمساحة الاقليم المنفصل بالنسبة لمساحة الدولة المورثة، أو بنسبة الضرائب التى يدفعها ذلك الاقليم لمجموع الضرائب التى تجبييها الدولة المورثة، أو بنسبة عدد السكان فى هذا الاقليم إلى مجموع سكان الدولة المورثة . ولقد أخذت معاهدات الصلح 1919 بمبدأ مشاركة الدولة الوارثة للدولة المورثة فى أعباء القروض العامة . فنصت المادة 254 من معاهدة فرسايل على أن كل دولة انتقل إليها جزء اقليم الامبراطوية الألمانية تلتزم بدفع نصيب من ديونها بنسبة ايراد ذلك الاقليم إلى ايراد الامبراطورية كلها .

أما معاهدات الصلح مع أيطاليا سنة 1947 فأنها أعفت الدولة الوارثة من الاشتراك فى أعباء القروض العامة للدولة الايطالية .

 

5-  أثر الميراث الدولى فى النظام القانونى الداخلى وفى الحقوق المكتسبة :

( أ ) الجنسية : يفقد سكان الاقليم الذى حصل ضمه لدولة أخرى جنسيتهم الأصلية، ويكتسبون بالتالى جنسية الدولة الجديدة . ويلزم تحديد معنى سكان الاقليم الذين تتغير حنسيتهم، ولا تصادفنا هنا قاعدة صريحة . فبعض المعاهدات يعتد بمحل الاقامة فى تحديد معنى سكان الاقليم المضم، وبعضها يعتد بالأصل أو الجنس . والبعض الآخر يأخذ بمعيار مشترك فيشترط فيمن يكتسب جنسية الدولة الوارثة أن يكون منتمياً بحبسه إلى سكان الاقليم المنضم وأن يكون مقيماً فيه وقت الضم .

ولقد جرت العادة على أعطاء سكان الاقليم الذى تغيرت السيادة عليه حق الاختيار فيما يتعلق بتغير الجنسية. ومعنى ذلك أن يكون لهم حق البقاء على جنسيتهم القديمة ان أرادوا، ولكن حق الاختيار يقيد فى كثير من الأحوال باشتراط مغادرة من رفض جنسية الدولة الوارثة لاقليمها وتصفية لامواله فيها . ولقد نصت معاهدة الصلح التى عقدت بين الحلفاء وايطاليا فى سنة 1947 على ان الرعايا الايطاليين الذين كانوا يقيمون فى تاريخ 19 يونيو سنة1940فى اقليم حصل التنازل عنه وفقاً لهذه المعاهدة لاحدى دول الحلفاء، يكتسبون جنسية الدولة التى تضم إليها هذا الاقليم ويتمتعون بكامل الأهلية المدنية . كما أنها نصت على اعطائهم حق اختيار استبقاء جنسيتهم الايطالية، وفى هذه الحالة يكون للدولة التى ضمت الاقليم، مطالبتهم بمغادرته إلى ايطاليا .

( ب ) الحقوق المكتيبة : يخضع الاقليم بعد ضمة لدستور وتشريعات الدولة الوارثة . على أن العادة جرت على أنه فيما يتعلق بالتشريعات، عدا ما يعد داخلاً فى نطاق الدستور، لايكون تطبيق تشريعات الدولة الوارثة فوريا بل بعد فترة انتقال يتم خلالها اعلان نصوص وموعد سريان التشريعات التى تعتبر جديدة بالنسبة للاقليم المنضم .

 

ويجب المحافظة على الحقوق المكتسبة لرعاية الاقليم فى ظل القوانين القديمة, كما يلزم احترام الحقوق الخاصة أو الالتزامات التى تكون قد منحت بواسطة الدولة المورثة لبعض الأفراد والشركات الاجنبية على الاقليم المنضم . ولقد جرت المعاهدات على النص, على احترام الحقوق القانونية المكتسبة للأجانب بواسطة الدولة الوارثة بشرط أن يكون قد تم اكتسابها بطريقة مشروعة وفقا لقوانين الدولة المورثة وأن يتم اثباتها . كما صدرت عدة أحكام من الفضاء الدولى فى هذا الصدد, ونقتصر على الاشارة الى حكمين صدرا من محكمة العدل الدولية الدائمة .

 

وصدر الحكم الأول من المحكمة الأول من المحكمة بتاريخ 25 مايو سنة 1936 فى القضية المشهورة باسم ( بعض المصالح الالمانية فى سيليزيا العليا البولونية ) وتتلخص وقائع هذا النزاع الذى ثار بين ألمانيا وبولونيا فى أعقاب الحرب العالمية الاولى فى أن بولونيا, بعد أن بسطت سيادتها على بعض الأراضىالتى كانت خاضعة لالمانيا, استصدرت مرسوما حرمت بمقتضاه الرعاية الالمانية الذين كانوا يقيمون فى هذه الاراضى من بعض ممتلكاتهم التى كانت قد منحت اليهم من الدولة الالمانية . فلما عرض الأمر على المحكمة قررت بطلان ما ذهبت اليه بولونيا, ووجوب احترام الحقوق الخاصة للرعايا الألمان .

أما الحكم الثانى فقد صدر من المحكمة بتاريخ 8 أكتوبر سنة 1937 فى النزاع الفرنسى اليونانى بشأن الفنارات, ويتلخص هذا النزاع فى أن اليونان حاولت التخلص من بعض الالتزامات الممنوحة من الدولة العثمانية لشركة فرنسية لاضاءة شواطئ الدولة العثمانية فى البحر الأبيض المتوسط وفى الدردنيل وفى البحر الاسود, وذلك بالنسبة للشواطئ التى أعطيت لليونان نتيجة للحروب البلقانية . ولقد قررت المحكمة أن عقد الالتزام الممنوع للشركة الفرنسية بواسطة الدولة العثمانية يسرى فى مواجهة اليونان ( الدولة الوارثة ) فيجب عليها احترامه .

 

(جـ) القضاء : ويثور البحث عن وضع الدعاوى التى تكون منظورة أمام محاكم الاقليم قبل حصول الضم . وكذلك عن أثر الأحكام التى صدرت عن تلك المحاكم . وهنا تجب التفوقة بين الدعاوى المدنية والدعاوى الجنائية : 

1-  بالنسبة للدعاوى المدنية التى لم يصدر فيها حكم نهائى قبل حصول الضم فانها تنتقل بحالها الى محاكم الدولة الوارثة . ويجب على هذه المحاكم أن تستمر فى نظر هذه الدعاوى على أساس الاجراءات التى تكون قد تمت, كما أنها تلتزم بتطبيق القانون القديم كلما أدى عدم تطبيقة الى مساس بحق مكتسب للأفراد .

 

أما بالنسبة للأحكام النهائية التى تكون قد صدرت من محاكم الاقليم ولم يحصل تنفيذها قبل الضم, فانه لا يجوز المساس بها ويجب تنفيذها على التفصيل الآتى . اذا كان تنفيذها يتم على اقليم الدولة المورثة أو على الاقليم المنضم, فهو يحصل بدون حاجة لأى اجراء جديد, اما اذا كان التنفيذ يتم على أرض الدولة الوارثة, فليزم لامكان القيام به الحصول على اذن بالتنفيذ من تلك الدولة .

2-  بالنسبة للدعاوى الجنائية : ينتقل حق نظر هذه الدعاوى أيضا الى محاكم الدولة الوارثة, وتقوم هذه بتطبيق قانونها بشرط ألا يؤدى ذلك الى الحكم على المتهم بعقوبة أشد من العقوبة المقررة فى قانون الدول الوارثة .  وتثور صعوبة فى حالة ما إذا كان قانون الدولة الوارثة لا يعاقب على الفعل المسند للمتهم، والراجح أنه يمكن معاقبة الجانى فى مثل هذه الحالة تطبيقاً للقواعد العامة .

 

                                       المبحث الثالث

                               اختصاصات الدولة

1-       تمتع الدولة بالشخصية القانونية :

الدول هى الاشخاص الاساسية للقانون الدولى ، وهى أوسع أشخاص ذلك القانون اختصاصاً فى مجال العلاقات الدولية، كما يمارس كل منها اختصاص عاماً داخل اقليمة .

والشخصية القانونية للدولة هى التى تفسر استمرارها على الرغم من تغير الحكام كما تفسر التزامها بالأعمال التى يأتيها ممثلوها. فاذا قام أحد ممثلى الدولة بعمل قانونى باسم الدولة، فان آثار هذا العمل لا تنصرف إلى شخصه، وانما تترتب فى مواجهة الدولة التى يمثلها، وتلزم سلطاتها العامة وشعبها. كما توضح شخصية الدولة كيف أنها تتمتع بذمة مالية مستقلة عن ذمة حكامها ورعاياها .

 

1-  ولقد تعرضت نظرية شخصية الدولة لانتقادات فقهية. فقد أنكر العالم الفرنسى ديجى شخصية الدولة وانتقد آراء المدارس الوضعية التى تقرر أن الدولة لها ارادة ذاتية. وذكر ديجى أن الدولة عبارة فقط عن مجموعة من الحكام ومن المحكومين، وأن الحكام يمارسون السلطة باسم مجموع الشعب . وعلى ذلك فان التصرفات التى تنسب إلى الدولة تنبعث عن ارادة عدد معين من الحكام .

ولم ينظر كلسن، إلى الدولة كشخص قانونى بل مجموعة القواعد القانونية الآمرة، وذكر أن القواعد الداخلية التى تنظم الدولة وتحكم نشاطها تعتبر فى حالة تبعية لقواعد أعلى منها هى قواعد القانون الولى .

وأكد جورج سل، أن الفرد وحده هو الذى يملك ارادة ذاتية، ونفى وجود ارادة جماعية هى ارادة الدولة . وذكر أن الأعمال القانونية التى يأتيها عامل من عمال الدولة له اختصاصات محددة لمصلحة الجماعة ولتحقيق غرض اجتماعى- تلتزم الدولة، وأنه عند بحث هذه الأعمال لا تظهر لنا ارادة الدولة بل ارادة القائم بالعمل

وبين بريرلى أن الدولة لا شخصية لها، لانها ليست كائناً حياً، وهى لا تملك ارادة ذاتية، واعتبر الدولة مجرد مؤسسة يقيمها الأفراد لتحقيق أهداف معينة أهمها إقامة نظام يمكنمهم من مباشرة نشاطهم .

2-  وبالاضافة إلى هذه الاعتراضات الفقهية نجد أن محكمة نورمبرج التى شكلت لمحاكمة كبار مجرمى الحرب من الألمان أضعفت من فكرة الشخصية المعنوية حينما رأت عدم الاكتفاء ببحث المسئولية الدولية لالمانيا كشخص معنوى بل قررت وجوب البحث عن الأفراد الذين كانوا يملكون اختصاص تمثيل ألمانيا لمعاقبتهم كأفراد عن الاعمال المخالفة للقانون الدولى التى ارتكبتها المانيا . على أن العرف الدولى لايزال يتمسك بفكرة الشخصية القانونية، وذلك لأنها وسيلة هامة من وسائل الصياغة يترتب على الاخذ بها سهولة فى عرض الحلول التى يأخذ بها القانون الدولى. فانكار شخصية الدولة فى الظروف الحالية يعارض المبادئ المستقرة للقانون الدولى، ويجعل من الصعب تفسير كثير من القواعد التى يقررها ذلك القانون .

 

2-اختصاصات الدولة وحقوقها المستمدة من القانون الدولى :

يقصد باختصاص الدولة السلطات القانونية المستمدة من القانون الدولى، والتى يكون بمقتضاها حق مباشرة نشاط قانونى وفقاً لاحكام ذلك القانون .

اذا ما فهمنا الاختصاص الدولى على هذا النحو، تكشف لنا أنه يتفق مع التطور الحديث لقواعد القانون الدولى العام الذى جعل ممارسة الدولة لحقوق سيادتها أمراً يخضع للرقابة الدولية .

 وعلى ذلك فأنه يجب النظر إلى حقوق سيادة الدولة باعتبارها اختصاصات تستمدها الدولة من القانون الدولى، وتخضع الدول فى ممارستها لرقابة الدول الأخرى والمنظمات الدولية .

ومن الواضح أن الدولة لازالت تلعب فى الوقت الحالى – نظراً لضعف المنظمات الدولية، الدور الاساسى فى ميدان العلاقات الدولية، وتعتبر ممارسة الدولة لاختصاصاتها أو تمتعهاً بالحقوق المترتبة على سيادتها بالمعنى السابق نقطة البداية لفهم جميع مشاكل القانون الدولى .

وتباشر الدول فى الوقت الحالى اختصاصات واسعة النطاق، يرجع بعضها إلى قصور التنظيم الدولى مما أدى إلى حلول السلطات الدولية محل السلطات الوضعية فى القيام ببعض الوظائف، أما البعض الآخر فيعود إلى ما يستلزمه تكوين الدولة على أساس اقليمى من مزاولتها لاختصاصات فى داخل اقليمها .

 

2- نظرية الحقوق الاساسية للدولة :

سبق أن أشرنا إلى أن نظرية القانون الطبيعى تؤكد أن هناك حقوقاً أساسياً تثبت لكل دولة بمجرد وجودها، وهى مستمدة من القانون الطبيعى وسابقة على القانون الوضعى، وتتمتع كافة الدول بهذه الحقوق الأساسية، ولا يجوز الانتقاض منها أو تعديلها .

 

واختلف فقهاء القانون الطبيعى فى تحديد الحقوق الاساسية للدول فذكر بعضهم أنها ثلاثة وهى : الحق فى البقاء، والحق فى التمثيل الدبلوماسى، والحق الدفاع عن النفس .

 

ولقد اتجهت لجنة القانون الدولى التابعة للأمم المتحدة إلى الأخذ بفكرة الحقوق الاساسية لدول، وحددها مشروع اللجنة لاعلان حقوق وواجبات الدول سنة 1949- بانها الاستقلال والتضامن والساواة والدفاع 

ومن الممكن توجية النقد إلى فكرة الحقوق الاساسية للدول، وذلك لان الحقوق التى تتمتع بها الدول بموجب سيادتها تستند فى أساسها إلى المعاهدات الدولية والعرف الدولى؛ فهى حقوق مستمدة من القانون الوضعى، وتخضع الدول فى ممارستها لهذه الحقوق لرقابة المجتمع الدولى . فضلاً عن أن اعتبار الحقوق الأساسية للدول غير قابلة للتغير أو التعديل لا يتفق مع الواقع ولا مع الاتجاهات الحديثة للقانون الدولى، ولعل فى هذا البيان ما يوضح أسباب تفضيلها لاصطلاح اختصاص الدولة .

وسنتولى فيما يلى عرض الاختصاصات التى تمارسها الدول وفقاً لأحكام القانون الدولى مبتدئين بالاختصاصات التى تمارسها الدولة فى ميدان العلاقات الدولية ثم تنتقل الاختصاصات التى تمارسها الدولة فى داخل اقليمها .

 

                           ** المطلب الأول **

                              الاختصاصات الدولية للدولة

تتولى الدولة تنظيم وادارة علاقات الدولية، كما أنها تختص بالدفاع عن أمنها الخارجى وحقوقها وفقاً لقواعد القانون الدولى .

 

                        اولاً : الدولة تنظيم وتدير علاقاتها الدولية

      تختص كل دولة تنظيم وادارة علاقات الدولية، فهى تنظم وتدير العلاقات التى تنشأ بين الدولة كشخص معنوى وبين الدول الأخرى ورعايا تلك الدول .

وتمارس الدولة هذا الاختصاص عن طريق أعمال قانونية تصدر أما عن ارادتها المنفردة كما تظهر فى دستورها وفى التشريعات والقرارات الداخلية، أو اتفاقها مع دولة أو دول أخرى عن طريق المعاهدات والعرف الدولى وسائر الأوضاع الدولية بما فى ذلك المشاركة فى أعمال المنظمات الدولية .

ويترتب على اختصاص الدولة بتنظيم وادارة علاقاتها الدولية مجموعة من المبادئ القانونية الأساسية تحكم العلاقات الدولية، وهذه المبادئ هى :

 

1- استقلال الدولة وحريتها فى التصرف :

تتمتع الدولة بالاستقلال الداخلى والخارجى، وهى لاتخضع لسلطة أجنبية عنها .

وتحدد الدولة اختصاصها الدولى بنفسها مراعية فى ذلك قواعد القانون الدولى العام وميثاق الأمم المتحدة . فاذا لم تكن هناك قواعد دولية تفرض عليها التزامات معينة كانت الدولة حرة فى التصرف سواء فى شئونها الداخلية إو علاقاتها الدولية .

 

لقد أيد ذلك القضاء الدولى, وعلى الخصوص محكمة العدل الدولية الدائمة فى قضية اللوتس سنة 1927 وتتلخص وقائعها فيما يلى :

صدمت الباخرة الفرنسية ( اللوتس ) الباخرة التركية ( بوش كورت) وكان ذلك فى أعالى البحار, ولقد ترتب على التصادم قتل واصابة عدد من البحارة الأتراك وفقد السفينة التركية . وعندما وصلت اللوتس الى ميناء تركى احتجزتها السلطات التركية, وقدمت قبطان السفينة للمحاكمة مطبقة عليها قواعد القانون التركى الذى يقضى باختصاص المحاكم التركية بالمحاكمة على الأفعال التى تقع خارج اقليمها بواسطة شخص أجنبى اذا كان المجنى عليه تركيا. ولكن فرنسا عارضت فى اختصاص القضاء التركى, وعرضت الأمر على محكمة العدل الدولية الدائمة . وادعت فرنسا أنه لا يمكن لدولة ما أن تفرض اختصاصها بالنسبة لوقائع تمت فى البحار العامة على سفينة أجنبية بواسطة أحد ضباط تلك السفينة . ولقد أصدرت المحكمة حكمها بتاريخ 8 سبتمبر سنة 1927, وورد فيه أن لكل دولة بناء على سيادتها أن تحدد اختصاصها كما تشاء بشرط الخضوع للقيود التى يوردها القانون الدولى العام . وأنه لا يوجد قيد دولى على اختصاص تركيا بالنسبة للنزاع المعروض على المحكمة .

أما اذا كان القانون الدولى يورد بعض القيود على حرية الدولة, فيجب عليها أن تراعى هذه القيود حينما تمارس اختصاصاتها . ومن أمثلة هذه القيود تلك المتصلة تلك المتصلة بمركز الأجانب, وبالحصانات الدبلوماسية, وبالانهار الدولية, وبالمياه الاقليمية, وبوجوب عدم الاضرار بالدول الاخرى .

ولقد أكد ذلك حكم محكمة العدل الدولية فى قضية المصايد بين النرويج والمملكة المتحدة سنة 1951 الذى قرر أن تحديد المساحات البحرية أمر له صفة دولية ولا يمكن أن يترك للادارة المطلقة لكل دولة كما تظهر فى تشريعاتها .

 

ولقد أورد ميثاق الأمم المتحدة عددا من القيود الجديدة على حرية الدولة من بينها عدم استعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية, ووجوب حل المنازعات الدولية حلا سلميا, ووجوب مراعاة مبادئ معينة بالنسبة للأقاليم غير المستقلة, ووجوب احترام حقوق الانسان .

2- عدم التدخل :

يقرر القانون الدولى عدم مشروعية تدخل دولة بطريقة مباشر أو غير مباشر فى شئون دولة أخرى . ويتمتع على الدول الاجنبية استخدام القوة المسلحة أو التهديد أو الضغط السياسى أو الاقتصادى للتأثير فى سياسة الدولة أو للحصول على مزايا معينة . ولقد تأيد مبدأ عدم التدخل فى ميثاق الأمم المتحدة وفى مواثيق الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الدول الامريكية, كما أكدته مؤتمرات عدم الانحياز .

 

واهتمت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأكيد مبدأ عدم التدخل حيث قررت سنة 1966 أنه " لا يجوز لدولة التدخل بطريق مباشر أو غير مباشر, وبغض النظر عن الاسباب, فى الشئون الداخلية أو الخارجية لدول أخرى . وعلى ذلك فان التدخل المسلح وكل صور التدخل الأخرى للمساس بشخصية دولة أو بعناصرها السياسية والاقتصادية والثقافية – يعتبر أمرا غير مشروع " .

كما نصت الجمعية العامة على مبدأ عدم التدخل باعتباره من مبادئ القانون الدولى وذلك فى الاعلان الصادر عنها فى سنة 1970 بشأن المبادئ القانونية المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة . وأوضح الاعلان أنه " لا يجوز لدولة أن تستخدم أو تشجع استخدام التدابير الاقتصادية أو السياسية أو غيرها من الدابير لاكراه دولة أخرى على الخضوع لارادتها أو للحصول منها على مزايا . ولا يجوز لدولة أن تنظم أو تساعد أو تؤيد أو تمول أو تسمح بممارسة أنشطة هدامة أو ارهابية أو عسكرية لكى تغير بالقوة نظام الحكم فى دولة أخرى أو لكى تشترك فى صراع داخلى بتلك الدولة .

على أن الغموض لا يزال يحيط بمبدأ عدم التدخل فى النواحى الآتية :

(أ‌)         لا يزال الرأى منقسما حول مشروعية التدخل العسكرى لتأييد حكومة دولة أجنبية بناء على طلبها ضد ثورة داخلية؛ اذ يعتبر البعض أن ذلك الأمر لا يعتبر تدخلا ويعتبره آخرون من قبيل التدخل, وبصفة خاصة اذا فقدت الحكومة التأييد الشعبى كما هو الحال بالنسبة للتدخل الامريكى فى فيتنام .

(ب‌)   لا يعتبر تأييد ثورات المستعمرات من أجل التحرير من قبيل التدخل فى الشئون الداخلية, ولقد استقر على ذلك عرف الامم المتحدة رغم معارضة الدول الاستعمارية .

(جـ) ينفى الفقه السوفيتى صفة التدخل على حالة قيام دولة شيوعية بمساندة نظام الحكم فى دولة شيوعية أخرى باستعمال القوة المسلحة كما حدث فى المجر سنة 1956 وفى تشيكوسلوفاكيا سنة 1969 وتعارض ذلك الدول غير الشيوعية .

( د ) يعتبر البعض التدخل العسكرى لحماية أرواح الرعايا من خطر حال محدق بهم عملا مشروعا ويطلق عليه وصف التدخل الانسانى وهناك سوابق متعددة فى هذا الشأن.

ويعتبر ممارسة الحماية الدبلوماسية, أو اتخاذ اجراءات اقتصادية لحماية أرواح وأموال الرعايا عملا مشروعا باتفاق الآراء .

( هـ ) يذهب البعض الى مشروعية التدخل العسكرى فى جميع الاحوال التى تتصل بتطبيق أهداف وميثاق الامم المتحدة . ولقد لجأت انجلترا وفرنسا الى هذا الادعاء لتبرير عدوانها على مصر سنة 1956 على أننا نعتقد أنه لا يجوز التدخل المسلح الا لمواجهة عدوان يتضمن استخدام القوة المسلحة . أو اذا كان ذلك نتيجة لالتزام ثابت فى معاهدة صحيحة, أو كان تنفيذا لقرار صادر من مجلس الأمن أو الجمعية العامة . ولقد أكد اعلان الجمعية العامة سنة 1970 بشأن العلاقات الودية بين الدول عدم مشروعية التدخل مهما كانت أسبابه أو مبرراته .

( و ) يثور الجدل حول مشروعية قيام دولة بالتشويش على اذاعة لدولة أجنبية, ولقد أدانت اللجنة الفرعية لحرية الاعلام التابعة للأمم المتحدة هذا التصرف . ومع ذلك لا يمكن القول ان هذا التصرف يعتبر مخالفا للقانون الدولى اذ لم تحرمه الاتفاقية الدولية بشأن الاذاعة المبرمة سنة 1936 .

 

3-المساواة بين الدول :

يقرر القانون الدولى أن الدول متساوية فيما بينها . ويقصد بالمساواة هنا المساواة القانونية, أى أن الدول كلها سواء أمام القانون الدولى العام, وأنها تملك بلا تمييز التمتع بالاختصاصات الداخلية والدولية التى يمنحها ذلك القانون للدول, وأن لكل منها الحق فى أن يحترم استقلاله وسلامة اقليمه .

واذا كانت الدول تتساوى فى الخضوع للقانون, فهى لا تتساوى من الناحية القانونية ولا من ناحية الاهمية السياسية .

فالدول تختلف من حيث الحجم وعدد السكان والقوة المادية الاقتصادية كما أنها تتفاوت من حيث المركز السياسى, وأهمية اشتراكها فى العلاقات الدولية, ومدى نفوذها الدولى .

 مجلس الامن, وحق الاعتراض على قرارات ذلك المجلس , وضرورة موافقتها على تعديل ميثاق الأمم المتحدة .

 

4-عدم خضوع الدولة للقضاء الاجنبى ( حصانات الدول الاجنبية ):

يترتب على استقلال الدولة تمتعها بالحصانة القضائية, ومعنى ذلك أنه من غير الجائز اخضاع تصرفات الدولة لرقابة يباشرها قضاء دولة أجنبية الا اذا قبلت ذلك . وانما تكون الرقابة على تصرفات الدولة من اختصاص الهيئات القضائية الدولية . ويستتبع ذلك بالضرورة عدم جواز التنفيذ على الاموال المملوكة للدول الاجنبية الموجودة فى اقليم الدولة .

وينتج عن ذلك أنه لا يجوز مقاضاة دولة (أ) أمام محاكم دولة (ب), ولا يجوز الحجز على أموال دولة (أ) الموجودة فى دولة (ب) حجزا تحفظيا أو تنفيذيا, كما أنه يمتنع على دولة (أ) أن تطالب دولة ثالثة كدولة (جـ) مثلا بأن تنفذ حكما صدر من محاكم دولة (أ) ضد دولة (ب) على أموال دولة (ب) الموجودة فى اقليم دولة (جـ) .

ويذهب القضاء فى انجلترا وأمريكا وهولنده وبعض البلاد الاوروبية الاخرى, الى اعفاء الدولة من الخضوع للقضاء الاجنبيى مطلق يشمل جميع تصرفاتها .

أما القضاء البلجيكى والقضاء الايطالى - وتبعهما بعد تردد القضاء الفرنسى – فيرى وجوب التفرقة بين ما يدخل من تصرفات الدولة نطاق أعمال السلطة العامة وبين مالا يعد كذلك . فلا يجوز خضوع التصرفات الأولى لقضاء أجنبى, أما التصرفات الثانية وعلى الخصوص أعمال الدولة ذات الصفة التجارية فلا مانع من اخضاعها لرقابة القضاء الاجنبى .

وبهذا أخذ القضاء المصرى فى حكم من محكمة الاسكندرية التجارية بتاريخ 29مارس سنة 1943 . ولقد ورد فيه " أنه اذا عرض على القاضى فعل مما لايصدر بطبيعته الا عن الدولة أو باسمها, تعين عليه الحكم بعدم الاختصاص, أما اذا كانت طبيعة الفعل بحيث يستطيع أى شخص من أشخاص القانون الخاص أن يقوم به كعقد أو قرض أو ما شابه ذلك, كان للمحكمة الاجنبية حق النظر الفصل فيه ايا كان الدافع اليه أو الغرض الذى تم من أجله ".

كما أخذت بنفس المبدأ محكمة الاسكندرية المدنية فى حكم أصدرته فى 12 مايو سنة 1951 . ومجمل النزاع الذى عرض على المحكمة أن الجمهورية الشعبية الاتحادية اليوجوسلافية ممثلة بواسطة وزيرها المفوض فى القاهرة طعنت فى صحة حجز أوقعته احدى الشركات المصرية ( شركة كفر الزيات ) على أموال يوجوسلافيا فى مصلحة الجمارك وبنك باركليز والبنك الأهلى فرع  الاسكندرية . وكان الحجز مبنيا على أن الشركة المصرية تعاقدت مع احدى الشركات اليوجوسلافية المساهمة ( شركة همبرو للتجارة فى المواد الكيماوية ببلجراد ) على توريد 750 طنا من كربونات الصودا بسعر الطن 12 جنيها, وأن الشركة اليوجوسلافية قامت بتوريد 250 طنا فقط مما اضطر الشركة المصرية الى شراء الباقى من السوق بسعر يفوق كثيرا السعر المتعاقد عليه .

وانبنى دفاع يوجوسلافيا على أن شركة همبرو شركة مؤممة, ومن ثم فهى مملوكة ليوجوسلافيا وتعتبر جزءا منها, والدولة لا تخضع للقضاء الأجنبيى .

 

وقد وردت المبادئ الآتية فى حكم محكمة الاسكندرية :

(أ‌)         ان الحصانة القضائية التى تتمتع بها الدول الاجنبية مؤسسة على المبادئ التقليدية للقانون الدولى ومبناها احترام سيادة الدول , ويجب أن تكون الحصانة منحصرة فى حدود هذه المبادئ .

(ب‌)   وعلى ذلك فالأعمال التى تقوم بها دولة أجنبية وتكون لها الصفة المدنية أو التجارية تدخل فى اختصاص القضاء الوطنى .

(جـ) ومع ذلك تقضى قواعد المجاملات بأن الحجز التحفظى على أموال دول أجنبية بقصد منعها من تهريب هذه الأموال يعد عملا ماسا بسيادة تلك الدولة لأنه يثير فى نفوس الغير شكوكا حول شرفها .

 

ولقد أكدت محكمة الجيزة الابتدائية فى 10 مارس سنة 1960 عدم اختصاص القضاء المصرى بنظر دعوى رفعها مدرس مصرى على مدير عام التعليم والبعثات بالمملكة العربية السعودية بطلب تعويض عن فسخ عقد عمل يربط بينه وبين وزارة المعارف السعودية . وذكرت المحكمة أن مرفق التعليم من المرافق العامة التى تهيمن عليها الدولة, ومن ثم فانها تتمتع بشأن الحصانة القضائية . وبينت المحكمة أن الدولة الاجنبية لا تتمتع بالحصانة فى الاحوال الاستثنائية التى يكون موضوع الدعوى فيها يتصل بعمل قامت به الحكومة الاجنبية عن طريق أحد موظفيها وذلك بقصد أدارة شئونها الخاصة أو تحقيق غرض تجارى مختلف عن عملها بصفتها حكومة .  

   ونلاحظ أن التفرقة فيما يتعلق باعفاءات الدول الاجنبية بين تصرفات الدولة التى تأتيها كسلطة عامة, وبين تصرفاتها التجارية والمدنية أصبحت حتمية – حتى فى البلاد الانجلوسكسونية – منذ الوقت الذى أخذت فيه الدول تتدخل فى الميادين التجارية والصناعية, وهى التى كانت تترك أصلا للنشاط الفردى, فمن المشاهد أن بعض الدول احنكرت التجارة الخارجية, وأن البعض الآخر يملك كثيرا من الصناعات والمتاجر, ولا محل لتمتع الدول أو المؤسسات العامة والشركات العامة والمملوكة للدول بالاعفاء فى هذه الميادين .

 

ولقد أكدت اللجنة القانونية الاستشارية لدول آسيا وافريقيا – بتقرير مبدأ عدم تمتع الدول وكذلك المؤسسات العامة التابعة لها بالحصانة القضائية بالنسبة للأعمال التجارية .

وكان ذلك فى دور انعقادها الثانى فى القاهرة فى سنة 1958 . 

 

5- عدم خضوع الدولة للضرائب الاجنبية :

يقضى العرف الدولى كذلك بأنه لا يجوز اخضاع الاموال المملوكة للدول الاجنبية والموجودة فى اقليم الدولة للضرائب . وهنا أيضاً تبدو التفرقة بين أموال الدولة المخصصة لاغراض عامة وبين الأموال التى تستغلها الدولة فى الاغراض الصناعية والتجارية، إذ أنه من الجائز اخضاع النوع الاخير للضرائب .

 

                        ثانياً : الدولة تدافع عن نفسها عن حقوقها

 

ان عدم وجود سلطة دولية عليا قادرة على الدفاع عن أمن كل دولة وسلامتها وحقوقها، يجعل من الضرورى أن تختص الدولة بأن تتخذ من الوسائل ما يكفل المحافظة على وجودها وحماية نفسها وحقوقها من الأخطار التى تتهددها .

 

ومن أهم ما تقوم به الدول فى هذا الشأن – وفقاً للقواعد التقليدية للقانون الدولى – أعداد القوات المسلحة وتدريبها، وصناعة الأسلحة أو الحصول عليها وتخزينها، وانشاء القواعد العسكرية، والدخول فى أحلاف عسكرية . وزيادة على ذلك يكون من حق الدولة أن تستعمل القوة المسلحة للدفاع عن نفسها .

 

1- حق الدفاع الشرعى :

حدث تغيير جوهرى فى مجال استعمال القوة إذ أن ميثاق الامم المتحدة منع الدول من أستعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية، وأقامة نظاماً للأمن الجماعى يعمل تحت اشراف مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعطى للدول حق اللجوء إلى هذه الاجهزة الدولية إذا ما كانت مهددة بعدوان أو كانت ضحية لعدوان .

 

كما أباح ميثاق الامم المتحدة للدولة استعمال القوة لكى تدافع عن نفسها، الا أنه قيد حق الدفاع الشرعى بالقيود الآتية :

1-  يجوز للدولة أن تستعمل القوة المسلحة دفاعاً عن نفسها بطريقة فردية أو جماعية، وذلك بشرط أن تكون ضحية لعدوان مسلح، وذلك حتى يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى .

ولقد قام خلاف حول تحديد معنى العدوان المبرر للدفاع الشرعى .

ومن الاضح أن العدوان يجب أن يتضمن استعمالا للقوة المسلحة ضد اقليم الدولة، فلا يكفى العدوان الاقتصادى أو الفكرى. كما أن العدوان وفقاً للرأى الراجح يجب أن يكون هجوماً مسلحاً وقع بالفعل على الدولة فلا يوجد ما يسمى بالدفاع الشرعى الوقائى . على أن البعض يرى أن الحرب الوقائية قد تكون ضرورية فى حالة توقع هجوم ذرى.

2-  يجب أن تقوم الدولة بتبليغ مجلس الأمن بالتدابير التى اتخذتها دفاعاً عن نفسها، ولا تؤثر تلك التدابير بأى حال فيما للمجلس من الحق فى أن يتخذ فى أى وقت مايراه ضرورياً من الاعمال اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى أو لاعادته إلى نصابه .

ومن الضرورى لكى نأخذ صورة واضحة عن الموقف بالنسبة لحق الدولة فى الدفاع عن نفسها عن طريق استعمال القوة أن نبدى ملاحظتين أضافتين :

( أ ) أن سلطات مجلس الأمن للأمم المتحدة فيما يتعلق بقمع العدوان واتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على أمن كل دولة وسلامتها لا زالت غير كافية، وأنه من المتصور فى ظل نظام الأمم المتحدة الحالى ألا تتخذ مثل هذه التدابير أو يتعذر تنفيذها نتيجة لاستعمال حق الاعتراض من جانب احدى الدول الكبرى .

( ب ) ان الدول قد لجأت فى بعض الاحوال إلى استعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية متعللة بأسباب مختلفة . واليكم بعض الأسئلة :

1-  فى أكتوبر سنة 1956 اعتدت اسرائيل وفرنسا وانجلترا على مصر اعتداء مسلحاً مخالفة بذلك ميثاق الامم المتحدة . ولقد قامت مصر هذا العدوان، وأدانته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 2 نوفمبر سنة 1956 وانتهى الأمر بهزيمة العدوان .

2-  فى أكتوبر سنة 1962 فرضت الولايات المتحدة حصاراً بحرياً على شواطئ كوبا، ومارست تفتيش السفن المتجة إليها وذلك لمنع وصول الأسلحة الهجومية إليها. وكان هذا الاجراء الحربى فى أعقاب انشاء قاعدة صاروخية فى كوبا بواسطة الاتحاد السوفيتى . ولقد أخطرت الولايات المتحدة مجلس الأمن بهذا الاجراء وعللته بحقها فى الدفاع عن نفسها وبـأن منظمة الدول الأمريكية قد اقرت هذا التصرف . ولقد ثار الشك حول مشروعية الاجراء الامريكى نظراً لان مجلس الامن لم يأمر باتخاذ مثل هذا الاجراء وأنه لا يكفى فى هذا الشأن اخطاره بقرار الولايات المتحدة .

  كما أن المنظمات الاقليمية كمنظمة الدول الامريكية لا تستطيع استعمال القوة المسلحة الا باذن من مجلس الامن أو اذا كان أحد أعضائها ضحية لاعتداء، وزيادة على ذلك فانه لا يمكن ممارسة الدفاع الشرعى الا إذا كانت الدول ضحية الاعتداء قد تعرضت لهجوم مسلح وقع بالفعل، فلا يكفى مجرد توقع الاعتداء .

 

ولقد انتهت أزمة كوبا بموافقة الاتحاد السوفيتى على رفع قواعد الصواريخ من كوبا واعادتها للاتحاد السوفيتى .

3-  وفى سنة 1962 احتلت الصين بعض مناطق الحدودة المتنازع عليها مع الهند جنوب خط مكماهون . ولقد اعتبرت الهند أن الاحتلال الصينى لهذه المناطق اعتداء عليها؛ واستعملت القوة المسلحة لصد هذا العدوان ولقد طالبت مصر والدول غير المنحازة بوقف الاعمال الحربية وبانسحاب القوات المسلحة إلى مراكزها القديمة .

4-  فى شهر أكتوبر سنة 1963 قامت المملكة المغربية بهجوم على الأراضى الجزائرية بررته برغبتها فى استعادة بعض الاراضى التى تعتبرها جزءاً من اقليمها . ولقد أمكن لمجلس منظمة الوحدة الافريقية وقف هذا الاشتباك .

5-  وفى شهر سبتمبر سنة 1965 قامت اشتباكات مسلحة بين الهند والباكستان بسبب خلافها على وضع كشمير، ولقد أدت هذه الاشتباكات إلى دخول القوات المسلحة للدولتين فى أراضى الدولة الاخرى باضافة إلى غارات جوية متبادلة . ولقد أمكن لمجلس الأمن وقف هذه الاشتباكات .

6-  فى 5 يونيو سنة 1967 قامت اسرائيل بعدوان مسلح على أراضى ثلاثة دول عربية واحتلت بالقوة المسلحة أجزاء من أراضى كل من الأردن وسوريا والجهورية العربية المتحدة، ولقد قاومت الدول العربية هذا العدوان . كما أصدر مجلس الأمن القرار رقم 242 فى 22 نوفمبر سنة 1967 رفض فيه مبدأ احتلال الاراضى بالقوة، وأكد فيه على انسحاب القوات الاسرائيلية واقامة سلام عادل ودائم فى الشرق الاوسط .

7-  فى 4 ديسمبر سنة 1971 قامت القوات الهندية بالتدخل عسكرياً فى باكستان الغربية لتأييد انفصال بنجلاديش . ولما عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار بوقف القتال أحال الموضوع على الجمعية العامة فى 6ديسمبر سنة 1971 وقررت الجمعية فى ديسمبر وقف القتال ولم يتم ذلك الا بعد استسلام القوات الباكستانية .

 

2- تقييد حق الدولة فى التسلح :

 

تنبه الرأى العام العالمى منذ بداية القرن العشرين إلى اطلاق حرية الدول فى التسليح وتسابقها فى هذا المضمار ينطوى على خطرين وهما :

( أ ) ازدياد حدة التوتر فى العلاقات الدولية وازدياد احتمالات الحروب نتيجة لتكدس الأسلحة لدى الدول .

( ب ) أن التسابق على التسليح يلقى أثقل الأعباء على ميزانية كل دولة، ويعطل تنميتها الاقتصادية وسيرها فى طريق الرخاء .

وطالب الرأى العام العالمى بضرورة نزع السلاح وتخفيضه . ويدل التاريخ على أن اختلاف مصالح الدول واتجاهاتها السياسية وفقدان الثقة بينها أدى اخفاق المحاولات التى بذلت فى هذا الميدان .

( أ ) مجهودات عصبة الامم :

 

كان لمجلس الأمم اختصاص العمل على تخفيض التسليح إلى أقل حد يتفق مع أمن كل دولة .

ولقد فشلت مجهودات عصبة الامم فى هذا الشأن، ويرجع ذلك لسببين :

1-  احساس الدول بأنه من الضرورى انشاء نظام فعال للأمن الجماعى قبل الموافقة على تخفيض التسليح حتى لا يكون من شأن ذلك تهديد أمن الدول وسلامتها . ولقد تزعمت فرنسا هذا الاتجاه .

2-  احساس ألمانيا بأنها الدولة الوحيدة التى فرضت القيود على تسحيلها فى معاهدة فرسايل ومطالبتها بالمساواة مع باقى الدول .

ومع ذلك فلقد تم فى حياة عصبة الأمم ابرام بروتوكول جنيف فى 17 يونيو سنة 1925 الذى حرم استخدام الغازات الخانقة والسامة فى الحروب، كما منع البروتوكول استخدام الحرب البكتريولوجية .

( ب ) مجهودات الامم المتحدة فى ميدان خفض التسليح ونزع السلاح :

أهتم ميثاق الأمم المتحدة بموضوع تنظيم التسليح ونزع السلاح نظراً لان ميلاد الامم المتحدة عاصر استعمال القنابل الذرية لاول مرة .

 

1-  فقد نصت المادة الحادية عشر على اختصاص الجمعية العامة بالنظر فى المبادئ العامة للتعاون فى حفظ السلم والأمن الدولى، ويدخل فى ذلك المبادئ المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسليح .

كما نصت المادة السادسة والعشرون على أنه رغبة فى أقامة السلم والأمن الدوليين وتوطيدههما بأقل تحويل لموارد العالم الانسانية والاقتصادية إلى ناحية التسليح . يكون الأمن مسئول عن وضع خطط تعرض على أعضاء الأمم المتحدة لوضع منهاج لتنظيم التسليح .

2-  ونشطت الجمعية العامة لوضع مبادئ نزع السلاح وتخفيضة منذ دورتها الأولى سنة 1946، فقد شكلت فى تلك الدورة لجنة الطاقة الذرية لكى تضع مبادئ نزع الاسلحة الذرية، كما أنشات فى سنة 1947 لجنة الاسلحة العادية وهى تختص بالعمل على تخفيض حجم القوات المسلحة والاسلحة العادية . وحينما وجدت الجمعية العامة أن هناك ارتباط وثيقاً بين نزع السلاح الذرى وخفض الاسلحة العادية قررت فى سنة 1952 ادماج اللجنتين فى لجنة واحدة هى لجنة نزع السلاح التى تعدل تشكيلها فى سنة 1959 لكى تضم كل أعضاء الأمم المتحدة .

واستمر الجدل قائماً فى الجمعية العامة ولجان نزع السلاح حوالى خمسة عشر عاماً دون أية نتيجة أيجابية تقرب من هدف نزع السلاح، بل على العكس من ذلك ازداد سباق التسليح وانتشار الأسلحة الذرية فى تلك المرحلة .

3-  ولقد حدث تطور ايجابى فى نشاط الأمم المتحدة فى مجال نزع السلاح ابتداء من سنة 1960 نتيجة لتلاقى وجهات نظر الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الامريكية حول خطورة التسلح الذرى بدون ضوابط .

ولقد ترتب على ذلك أن وافقت الجمعية العامة فى 20سبتمبر سنة 1961 بالاجماع على تصريح مشترك سوفيتى أمريكى يتضمن الاتفاق على المبادئ العامة التى تتخذ أساسا للمفاوضات المستقلة المتعلقة بنزع السلاح الشامل الكامل تحت رقابة دولية فعالة، كما يتضمن قرار الجمعية العامة الموافقة على الاقتراح السوفيتى الامريكى بتشكيل لجنة جديدة لنزع السلاح تضم ممثلين لحلف الأطلنطى وممثلين لحلف وارسو وممثلين للدول غير المنحازة .

ولقد كان عدد أعضاء اللجنة فى بداية الامر 18 دولة ثم أصبح منذ سنة 1969: 26دولة وأصبح مؤتمر لجنة نزع السلاح .

ترتب على هذا التطور الايجابى ابرام معاهدات نزع السلاح الآتية التى دخلت جميعها فى دور التنفيذ :

اولاً – معاهدة الحظر الجزئى للتجارب الذرية: تم فى 5أغسطس سنة 1963 ابرام معاهدات تقرر منع اجراء تجارب ذرية فى الهواء وفى الفضاء الخارجى وتحت البحر. ولقد لاقت هذه المعاهدة ترحيباً كبيراً من الرأى العام الدولى وانضمت لها أكثر من مائة دولة من بينها مصر . على أنه يعاب عليها أنها تسمح باجراء التجارب الذرية تحت الارض مما يعطى ميزة للدول الكبرى التى تستطيع الاستمرار فى تطوير أسلحتها الذرية، كما أن فرنسا والصين لم تنضما للمعاهدة

 

ثانياً – معاهدة اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجى بما فيه القمر والاجرام السماوية الاخرى : تم اقرار هذه المعاهدة فى 14 ديسمبر سنة 1966، وقد ورد بها تحريم وضع الأسلحة الذرية وأسلحة الدمار الجماعى الأخرى فى الفضاء الخارجى كما نصت على نزع سلاح الاجرام السماوية .

 

ثالثاً : معاهدات تلاتلوكو : تم أبرام هذه المعاهدة فى 14 فبراير سنة 1967 وهى تنشئ منطقة مجردة من السلاح الذرى فى أمريكا اللاتينية .

 

رابعاً – معاهدة منع انتشار الأسلحة الذرية : تم اقرار هذه المعاهدة فى 12 يوليو سنة 1968 وهى تنص على تعهد الدول التى لا تملك أسلحة ذرية بعدم الحصول على هذه الاسلحة وعلى تعهد الدول الذرية بعدم تقديم مثل هذه الاسلحة للدول غير الذرية أو مساعدتها فى انتاجها . وأقامت المعاهدة نظاماً للرقابة الفنية الدائمة على منع انتشار الاسلحة الذرية تتولاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولقد قامت الوكالة باعداد اتفاقيات للضمانات تتمشى مع متطلبات تطبيق معاهدة منع الانتشار، ويتضمن نظام الضمانات نوعين من الرقابة وهما :

( أ ) رقابة مسبقة على أقامة المنشأت الذرية وعلى النووية وهى تتضمن أن تقوم الدول بأرسال التصميمات والبيانات للوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من الطابع السلمى للمشروع .

( ب ) رقابة لاحقة وهى تتم عن طريق التفتيش على المنشأت والمواد النووية بواسطة مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من عدم تحويل النشاط الذرى السلمى إلى نشاط عسكرى .

خامساً – معاهدة تحريم وضع الأسلحة الذرية وغيرها من أسلحة التدمير الجماعى فى قاع البحار: تم ابرام هذه المعاهدة فى سنة 1971، وهى تحرم وضع الاسلحة الذرية واسلحة التدمير الجماعى الأخرى فى قاع البحار والمحيطات وما تحت القاع . وأقامت المعاهدة نظاماً للتحقيق من تنفيذ أحكامها يتضمن اجراء مشاورات وتعاون الأطراف إذا ما خولفت هذه الأحكام .

سادساً – معاهدة منع الأسلحة البيولوجية : تم ابرام هذه المعاهدة سنة 1972 وهى تتضمن التزام الأطراف بعدم انتاج أو حيازة الاسلحة البكتريولوجية وأسلحة الجراثيم بمختلف أنواعها ( الاسلحة البيولوجية )، كما تحظر المعاهدة حيازة الوسائل والمعدات المخصصة لنقل هذه الأسلحة لاستخدامها فى الحرب .

 

ويتعهد أطراف الاتفاق بتدمير كافة ما لديهم من أسلحة بكتريولوجية وجرثومية خلال تسعة أشهر من نفاذ الاتفاقية . كما نصت على أن يقوم مجلس الأمن بالنظر فى الشكاوى التى تتعلق بمخافة أحكام المعاهدة .

4-  بالاضافة إلى ما تقدم قررت الجمعية العامة سنة 1970 أن يكون العقد القادم للأمم المتحدة هو عقد لنزع السلاح ويتم خلاله العمل أفقياً على منع انتشار الأسلحة الذرية ورأسياً على تحديد حجم الأسلحة الاستراتيجية النووية التى تملكها الدول .

ويقوم مؤتمر لجنة نزع السلاح فى الوقت الحالى بدراسة موضوع الحظر الشامل للتجارب الذرية، وابرام معاهدة لنزع السلاح الشامل الكامل بالعمل على ضم الصين وفرنسا إلى اتفاقيات نزع السلاح .

 

                                 ** المطلب الثانى **

                             الاختصاصات الداخلية للدولة 

ومن الأمور المقررة فى القانون الدولى أن الدول تملك فى داخل اقليمها اختصاصاً عاماً، ومعنى ذلك أنها تنظيم كافة مظاهر الحياة الانسانية فى داخل اقليمها، وذلك على النحو الآتى :

تنظيم الحكم :

لكل دولة أن تختار بحرية نظام الحكم الداخلى الذى يحقق لها الأمن والرخاء والذى يلائم ظروفها ويرضى عنه شعبها .

وتختلف أنظمة الحكم الداخلية، وتأخذ غالبية الدول فى الوقت الحالى بالنظام الجمهورى وأن كان جانب منها يحتفظ بأنظمة ملكية، وتميل الدول إلى الأخذ بأنظمة حكم ديمقراطية وأن اختلف أنواع الديمقراطيات وأشكالها اختلافاً كبيراً، على أن بعضها يحكم حكماً دكتاتورياً . ومن الشائع أن يقوم الحكم على أساس اقتصاد رأسمالى أو اقتصاد اشتراكى أو أقتصاد مختلط .

ولا يتدخل القانون الدولى لكى يفرض شكلا أو نظرية معينة للحكم على اعتبار أن هذا الأمر يتعلق بالاختصاص الداخلى للدولة، ومع ذلك فمن المتصور أن تتدخل الأمم المتحدة فى هذا الشأن إذا كان نظام الحكم المتبع فى دولة من الدول يخالف الالتزامات المقررة فى ميثاق الأمم المتحدة كما لو كان يعتبر العدوان وسيلة مشروعة لتنفيذ السياسة الوطنية، أو كان يهدر حقوق الانسان، ولقد سبق أن أشرنا إلى تدخل الأمم المتحدة لمناقشة أنظمة الحكم فى أسبانيا وفى تشيكوسلوفاكيا، وفى المجر، وفى روديسيا فى جنوب أفريقيا .

 

ومن الممكن أن يتغير نظام الحكم السائد فى دولة ما بالطريق الدستورى أو نتيجة لثورة أو انقلاب . وهذا الأمر يبرر تدخل الدول الاجنبية طالما أن نظام الحكم الجديد يستطيع تحمل التزاماته الدولية . ونشير فى هذا الشأن إلى أنه كان من المعتاد فى الماضى أن تتدخل الدول لحماية الانظمة القائمة من الانقلابات والثورات الداخلية ومن أمثلة ذلك ما كان يقوم به الملوك المشتركون فى التحالف الأوربى المقدس منذ سنة 1815 .         كما تدخلت الدول الاوربية فى سنة 1917 لمقاومة الحكم الشيوعى فى روسيا . غير أنه من الملاحظ أن الدول المتقاربة يهتم كل منها بنوع نظام الحكم القائم فى الدول الاخرى .

 

السيادة على الموارد الاقتصادية وتنظيم الاقتصاد القومى :

 

للدولة السيادة على ثرواتها الطبيعية ومواردها الاقتصادية . ولقد أكدت المادة الأولى من ميثاق حقوق الانسان سنة 1966 حق كل شعب فى التصرف فى موارده الطبيعية والاقتصادية بدون اخلال بالالتزامات الدولية المبينة على المصلحة المشتركة، وأنه لا يجوز حرمان شعب من موارده الطبيعية .

 

وتختص كل دولة بتنظيم اقتصادها القومى وفقاً لما تؤمن به من مبادئ سياسية واقتصادية واجتماعية . وللدولة أن تتخذ كل الاجراءات الكفيلة بحسن استغلال ثرواتها ومواردها الاقتصادية وبتحقيق ما يتفق مع الصالح العام لشعبها، وذلك مع مراعاتها لالتزاماتها الدولية فى هذا الشأن فى مواجهة الدول الاجنبية ورعايا تلك الدول . ولقد أكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر سنة 1962 بشأن السيادة الدائمة للشعوب على مواردها الطبيعية الآتية :

1-  وجوب ممارسة الشعوب لحق السيادة على مواردها لمصلحتها .

2-  أن يكون اكتشاف واستغلال الموارد الطبيعية واستيراد رؤوس الاموال الأجنبية وفقاً للشروط تضعها الشعوب بحرية .

3-  خضوع أرباح رؤوس الاموال الاجنبية للتشريع الوطنى والقانون الدولى .

4-  أن يتم التأميم ونزع الملكية مع مراعاة المصلحة القومية والأمن القومى ومع دفع تعويض مناسب وفقاً للقانون الوطنى وللقانون الدولى .

5-  أن يتم التعاون الدولى من أجل تنمية الدول الناميةعلى أساس احترام سيادتها على مواردها وثرواتها .

6-  وجوب احترام الاتفاقات الخاصة باستثمار الأموال الاجنبية والتى يتم ابرامها بالارادة الحرة وتكون متفقة مع ميثاق الأمم المتحدة وهذا القرار.

وتقوم الدولة بادارة المرافق الوطنية، فاذا ما قصرت فى ذلك مما أدى إلى الحاق أضرار بحقوق الأجانب، فانها تعد مسئولة دولياً، وذكر بعض الفقهاء أنه إذا ما تكرر تقصير الدولة فى تنظيم المرافق العامة مما سبب أخلالها المتكرر بقواعد القانون الدولى، فأنه من الجائز فى هذه الحالة أن تتدخل الدولة أو الدول التى أصيبت حقوقها لكى تدير مباشرة هذه المرافق، وأن التدخل فى هذه الحالة يعد حقاً بل هو واجب انسانى على الدول .

ونحن لا نقر هذا الرأى، ونعتقد أنه تكفى فى مثل هذه الأحوال المسئولية الدولية، لان التدخل المباشر يتضمن اعتداء واضحاً على فكرة الاختصاص الاقليمى وعلى اختصاص الأمم المتحدة بحماية حقوق الانسان. ويمكن للأجانب بطبيعة الحال أن يغادروا اقليم الدولة التى تسوء فيها الادارة العامة .

 

التشريع :

تقوم الدولة بالتشريع فى داخل اقليمها، ويمتد اختصاصها التشريعى كقاعدة عامة فى مواجهة كافة الاشياء التى توجد فى هذا الاقليم، والاعمال التى تتم فيه .

وتتقيد الدولة حينما تقوم بالتشريع فى المسائل المختلفة من مدنية وجنائية وادارية بضرورة احترام القواعد العامة للقانون الدولى والقواعد الواردة فى اتفاقات دولية ملزمة، كما أن عليها أن تراعى أحكام ميثاق الأمم المتحدة الذى يتمتع بالصدارة والسمو على سائر الالتزامات الدولية .

ولا يمكن للدولة أن تستند إلى تشريعها أو دستورها لكى تتحلل من الالتزامات الدولية المفروضة عليها. فلا يجوز للدولة مثلاً أصدار تشريع يترتب عليه انكار العدالة فى مواجهة الأجانب كما لو حرمتهم من حق اللجوء للقضاء، كما لايجوز لها أن تصادر بدون مبرر قانونى أموال الاجانب. ولا يمكنها بواسطة التشريع أن تمنع الاجانب بصفة عامة سواء أكانوا مقيمين فى اقليم الدولة أو خارجها من كل تعامل مع الدولة أو أفراد شعبها .

 

القضاء :

تباشر الدولة سلطة القضاء وحق استعمال وسائل القهر العادل الذى يتفق مع قواعد الضمير العالمى. ويطبق القضاء القوانين الوطنية، ويجب أن تكون هذه القوانين متفقة مع قواعد القانون الدولى .

ولقد أخذ التشريع فى جمهورية مصر العربية بقاعدة اقليمية القضاء، فتختص المحاكم الجنائية بكافة الجرائم التى تقع فى مصر من مصريين أو أجانب ( راجع المادة الأولى من قانون العقوبات المصرى ). وتختص المحاكم المدنية المصرية بالدعاوى المرفوعة على المصريين، وكذلك بالدعاوى المرفوعة على الأجانب الموجودين فى مصر . كما تختص المحاكم المصرية وفقاً للمادة الثالثة من قانون المرافعات المصرى بالدعاوى المرفوعة على أجانب غير موجودين بأشخاصهم فى مصر وذلك فى بعض الاحوال التى يتوافر فيها عنصر أقليمى آخر وهذه الاحوال هى :

 

1-  إذا كان للاجنبى موطن مختار فى مصر .

2-  إذا كانت الدعوى متعلقة بعقار أو بمنقول موجود فى مصر، أو كانت ناشئة عن عقد أبرم أو نفذ أو كان مشروطاً تنفيذه فى مصر، أو كانت الدوعوى ناشئة عن واقعة حثت فيه .

3-  إذا كانت الدعوى متعلقة بتركة افتتحت فى أو تفليس أشهر فيها .

4-  إذل كان لأحد المختصمين موطن فى مصر .

ويقرر فقهاء قانون المرافعات فى مصر اختصاص المحاكم المدنية إذا كان المدعى عليه مصرياً حتى ولو لم يكن موجوداً فى مصر، وسواء كانت الدعوى متعلقة بمال موجود فى مصر أم كانت متعلقة بمال موجود فى الخارج أم كانت ناشئة عن واقعة حدثت فيه . وواضح أن فى هذا خروجاً على قاعدة الاختصاص الاقليمى ليس له ما يبرره، فالمادة الثالثة من قانون المرافعات وهى التى تتكلم على اختصاص المبنى على الولاء الشخصى. ويستند الفقهاء فى تبرير رأيهم على أن القانون المدنى المختلط كان يقرر هذه القاعدة فى مادته الثالثة عشر، كما أنها مقررة فى القانون المدنى الفرنسى فى المادة الرابعة عشرة.

ونعتقد أنه من الأفضل – التمسك بقاعدةالاختصاص الاقليمى الافى الاحوال التى يخرج فيها المشرع صراحة على هذه القاعدة خصوصاً وان الفقه والقضاء فى فرنسا يقيدان اختصاص المحاكم الفرنسية فى الدعاوى المرفوعة على الفرنسيين ( حتى لو كان المدعى فرنسياً ) وذلك فى الدعاوى العينية العقاريةإذا كان العقار فى الخارج، وبالنسبة لاجراءات الحجز والتنفيذ إذا تمت فى الخارج .

 

أحوال الخروج على الاختصاص الاقليمى للدولة :

 

ويدخل على قاعدة الاختصاص الاقليمى للدولة عدد من الاستثناءات أهمها الاعفاءات التشريعية والقضائية، وغيرها من الاعفاءات المقررة لروساء الدول الاجنبية، وللممثلين الدبلوماسين والقناصل، وللمنظمات الدولية، وللموظفين الدوليين والدول الاجنبية ذاتها. ومقتضى هذه الاعفاءات أن الدولة لا تستطيع أن تباشر- فى مواجهة بعض الاشخاص الطبيعية والمعنوية – بعض مظاهر اختصاصها الايجابى، وسوف نقوم فى الجزء الثالث من هذا المؤلف بشرح مضمون الاعفاءات الدبلوماسية والقنصلية .

 

وتلزم الاشارة أيضاً إلى أن العرف الدولى جرى على استثناء القوات الحربية الاجنبية – أثناء وجودها فى اقليم الدولة بتصريح منها أو أثناء مرورها فيه – من الخضوع للقضاء الاقليمى بالنسبة لما يقع من أفراد هذه القوات من أفعال مخالفة للقانون فى الأماكن التى سمح لهم بالاقامة فيها أو فى خارج هذه الاماكن إذا وقع الفعل أثناء قيام لأفراد هذه القوات بعملهم الرسمى . ويسرى هذا الاعفاء سواء وجدت القوات الأجنبية فى اقليم الدولة فى زمن السلم أو فى زمن الحرب ما دام أن اقامة هذه القوات ومرورها ينتج عن تصريح من الدولة صاحبة الاقليم . كما أن الاعفاء يشمل أيضاً القوات البحرية الأجنبية فى أثناء وجودها فى المياه الاقليمية للدولة فلا تخضع السفن الحربية والسفن العامة للقضاء الاقليمى بالنسبة لكل ما يقع فوق ظهرها، كما أن بحارتها يعفون من القضاء الاقليمى إذا ما نزلوا إلى الأرض بتصريح من الدولة لاداء مهمة رسمية .

ويشمل الاعفاء كذلك الطائرات الحربية الاجنبية ورجالها بنفس الشروط المتطلبة فى حالة السفن الحربية .

ولقد طبق مبدأ أعفاء القوات الحربية الاجنبية من القضاء الاقليمى فى المعاهدة المصرية سنة 1936، وفى اتفاق الجلاء عن مصر سنة 1954، وفى المكتب المتبادلة بين وزير خارجية مصر وسكرتير عام الأمم المتحدة فى سنة 1957 وفى سنة 1973 بشأن وضع قوات الطوارئ الدولية .

 

أنفراد الدولة بممارسة الاختصاصات الاقليمية :

تنفرد الدولة بممارسة سائر مظاهر السلطة العامة فى اقليمها. وهى تحتكر استعمال وسائل القهر والتنفيذ وكذلك أقامة القضاء . ولا يجوز للدولة ممارسة مثل هذا النشاط فى أقاليم الدول الاخرى الا برضاء تلك الدول .

 

وتطبيقاً لذلك يمتنع على الدولة أن تقبض على أفراد مقيمين على اقليم دولة أخرى . وقررت المحاكم الفرنسية بطلان اجراءات القبض التى تمت بواسطة رجال بوليس فرنسى فى الاقليم البلجيكى، وذكرت أن " الدول لا تستطيع أتخاذ أعمال القوة فى دولة اجنبية " . ويترتب على ذلك أنه إذا ارتكب فرد جريمة فى اقليم دولته ثم فر إلى أقليم دولة أخرى فلا يجوز مطارته هناك بواسطة سلطات الأمن فى دولته . وهكذا يمكن القول أنه من الممكن للمجرم أن يجد الملجأ فى أقليم الدولة الاخرى ولكن العادة جرت على أن لدولة التى يفر إليها المجرم تقوم بالقبض عليه وتسلمة لسلطات الدولة صاحبة الاختصاص الاقليمى كما سنبين عند الكلام على تسليم المجرمين .

ويتمتع على الدولة أيضاً أن تباشر القضاء خارج اقليمها أو أن تمد اختصاص محاكمها الوطنية إلى أفعال لم تتم على اقليمها ولا تتصل به بصورة من الصور الا بالنسبة لمراكبها الموجودة فى عرض البحار، على أن العرف الدولى أباح للدول فى بعض الأحوال، أن تخضع لاختصاصها رعاياها الموجودين فى اقليم أجنبى، وكذلك الاجانب الموجودين خارج اقليمها ببعض الشروط .

 

1- بالنسبة لرعايا الدولة الموجودين فى أقليم دولى أخرى :

استقر العرف الدولى على السماح للدولة فى بعض الاحوال بممارسة اختصاص شخصى فى مواجهة رعاياها الموجودين فى الخارج . ومن ذلك اخضاعهم لتشريعاتها وبصفة خاصة مجال الاهلية وحقوق الاسرة والخدمة العسكرية والضرائب .

كما يجوز للدولة أن تباشر قضاءها على رعاياها المقيمين فى اقليم أجنبى وذلك عند عودتهم لاقليم دولتهم . وهذه الحالة نصت عليها القوانين العقابية للدولة المختلفة، وتفصيلها أن يرتكب أحد رعايا الدولة جريمة فى اقليم دولة أخرى أو على سفينة أجنبية ثم يفر إلى اقليم دولته .و لما كانت القاعدة هى عدم جواز تسليم الرعايا فقد يترتب على ذلك بقاء بعض الجرائم بلا عقاب إذا لم تعط الدولة التابع لها المتهم الحق فى محاكمته عند عودته أليها . ومن الجلى أن أساس الاختصاص هنا الرابطة الشخصية بين الدول ورعاياها .

 

2- بالنسبة للاجانب الموجودين خارج اقليم الدولة :

 

ذهب الفقة الأنجلو سكسونى إلى أنه لا يجوز لدولة ما أن تحاكم أشخاصاً من غير رعاياها على جريمة ارتكبوها فى الخارج مهما كان نوع الجريمة لانه فى هذه الحالة لا توجد علاقة اقليمية أو شخصية بين الدولة والمتهم . أما الفقه فى البلاد الاوربية فأخذ بامكان محاكمة الاجانب على جرائم ارتكبوها فى خارج الاقليم فى حالات خاصة . وأهمها حالة ما إذا كانت الجرائم موجهة ضد أمن الدولة أو اقتصادها أو الثقة فيها، وبهذا أخذ القانون الفرنسى وتبعة فى ذلك القانون المصرى، ومن هذه الحالات أيضاً ما تنص عليه قوانين بعض الدول من حق الدولة فى المعاقبة على جرائم ارتكبها أجانب فى الخارج متى كان المجنى عليه من رعاياها .

 

                                 ** الفصل الثالث **

                                          اقــــليـم الدولـــة

 

يشتمل اقليم الدولة عادة على مساحة من الأرض, وعلى ما يوجد فى تلك المساحة من أنهار ومياه داخلية, وعلى مساحات من البحار, وعلى مساحة من الجو .

 

طبيعة علاقة الدولة بأقليمها :

الاقليم ركن من أركان الدولة, ولا يتصور وجود الدولة ما لم يستقر شعبها على وجه الدوام فى اقليم محدد لكى يستغل ثروات الاقليم الطبيعية ومواردة الاقتصادية, ولكى يوفر الشعب لنفسه الظروف المعيشية الملائمة لبقائه ولتطوره .

ونظر لأن الرابطة الى تربط الدولة باقليمها رابطة وثيقة السيادة التى تتمتع بها الدولة بأنها سيادة اقليمية بمعنى أن تباشر فى اقليم معين .

 

ولقد اختلف الفقهاء فيما يتعلق بتحديد طبيعة علاقة الدولة باقليمها :

1-  نظرية الملكية :

كان هناك ميل فى الماضى للاستعانة بأحكام القانون المدنى لتفسير علاقة الدولة باقليمها, وكان الفقهاء يصفون حق الدولة على اقليمها بأنه حق ملكية . ويرجع ذلك الى أنه حينما نشأت القواعد التقليدية للقانون الدولى فى القرنين السادس عشر والسابع عشر كان الاقليم يعتبر جزءا من أملاك الملك أو الامير يحق له أن يتصرف فيه كما يتصرف فى سائر أملاكه .

فلما استقرت نظرية السيادة فى الفقه القانونى, تقرر اعتبار الاقليم خاضعا لسيادة الدولة وليس مملوكا للحاكم ومع ذلك وجد الفقهاء تشابها بين سيادة الدولة على اقليمها وبين الملكية, فالحق فى كليهما مقصور على صاحبه ويخول له سلطة التصرف فى موضوع الحق . ولهذا فقد طبقوا بعض القواعد الخاصة بالملكية على سيادة الدولة على اقليمها وبصفة خاصة فيما يتعلق بطرق اكتساب السيادة وفقدها, وبالقيود التى ترد عليها, ومن هنا نجد أن كثيرا من اصطلاحات القانون المدنى شائعة فى هذا الموضوع كوضع اليد والتقادم والارتفاق .

ولقد تعرضت هذه النظرية لنقد شديد لأنها تخلط بين الملكية وبين السيادة . ومن الواضح أن لسيادة الدولة مدلول قانونى وسياسى ينبعث عن فكرة المجتمع الدولى المقسم الى دول ينفرد كل منها بحكم اقليم معين, وعن اعتبار أن الدولة اعلى سلطة داخل اقليمها . ولا يمكن تشبيه سلطات الدولة السياسية واختصاصاتها فى ميادين الحكم والتشريع والقضاء بالملكية الخاصة لفرد من الأفراد . ولقد ساهم القضاء الدولى فى تأصيل فكرة السيادة الاقليمية مما جعل هذا الموضوع يتميز بأحكامه الدولية المستقلة عن أحكام الملكية .

 

2-  نظرية الاندماج :

تقرر هذه النظرية أن الدولة تندمج فى أقليمها وأن العلاقة بينهما تبلغ من القوة حدا يجعل من غير الممكن التمييز بينهما بحيث أصبح لهما بنفس المدلول .

ويعاب على هذه النظرية ان فكرة الاقليم سابقة على ظهور الدولة بمعناها الحديث, كما أن اقليم الدولة قد يزيد أو ينقص دون أن يؤثر ذلك فى شخصيتها القانونية .

 

3-  نظرية النطاق :

نقطة البداية فى هذه النظرية هى فكرة سيادة الدولة, ويعتبر اقليم الدولة النطاق التى تمارس داخله الدولة سيادتها . ولا ريب فى أن نظرية النطاق تفضل نظرية الملكية ونظرية الاندماج , لأنها تخلو من عيوب هاتين النظريتين .

ومع ذلك نلفت النظر الى أن مشتملات اقليم الدولة من أراض ومياه وهواء تكون قيما فى ذاتها, ولذا يقوم القانون الداخلى بحمايتها وتنظيم استغلالها . فينظم القانون المدنى الملكية الخاصة, وينظم القانون الادارى الملكية العامة للدولة . ومن الممكن أن تتملك الدولة بعض الأموال الموجودة فى اقليم يتبع دولة أخرى كما لو اشترت لنفسها مقرا لبعثتها . الدبلوماسية .

 

                                 المبحث الأول

                         أسباب اكتساب الدولة للاقليم

 

يعتبر البحث فى أسباب اكتساب الدولة للاقليم أمرا جوهريا لأن مباشرة الدولة لسيادتها الاقليمية تعتبر حجر الزاوية فى القانون الدولى .

ويتضح من مراجعة العرف الدولى وجود أسباب مختلفة لاكتساب الاقليم . ويمكن التمييز بين الأسباب الاصلية لاكتساب الاقليم, وبين أسباب اكتساب الاقليم نقلا عن الغير .

 

                           أولا : الاسباب الاصلية لاكتساب الاقليم

تكتب السيادة بصفة أصلية على اقليم معين اذا لم يكن هذا الاقليم خاضعا من قبل لسيادة دولة من الدول . ويوجد سببان أصليان لاكتساب الاقليم, هما . الاستيلاء والاضافة .

 

الاستيلاء :

هو مباشرة الدولة لمظاهر سيادتها على اقليم لا يتبع دولة ما بقصد ادخاله فى سيادتها . ولقد كان الاستيلاء أهم سبب لاكتساب الأقاليم القانون الدولى التقليدى, وعن طريقه استطاعت الدول الاوربية اكتشاف واستعمار الاقاليم المتختلفة فى قارات أمريكا وآسيا وافريقيا . وذلك لأنها اعتبرت هذه الاقاليم مباحة لانها غير مسكونة أو مسكنة بشعوب لاتكون دولا تعترف الدول الأوربية بسيادتها وبعضويتها فى المجتمع الدولى .

على أن أهمية الاستيلاء قد قلت بعد الانتهاء من اكتشاف ووضع اليد على مناطق العالم المختلفة, وتنحصر أهميته فى الوقت الحالى بالنسبة للمناطق القطبية الشمالية والجنوبية .

 

تطور القواعد الخاصة بالاستيلاء :

(أ‌)         الافكار الدينية :

أعطى البابا الكاثوليكى لنفسه سلطة توزيع الأراضى التى اكتشفتها الدول الاوربية منذ أواخر القرن الخامس عشر خارج أوربا باعتباره ممثلا للارادة الالهية . ولقد صدرت من الباب عدة قرارات منحت ملوك اسبانيا والبرتغال ملكية مساحة من البحار ومن الأراضى التى اكتشفت فيما وراء رأس الرجاء الصالح وفى امريكا . ومن أهم ما صدر فى هذا الشأن, قرار البابا اسكندر السادس فى 4 مايو 1493 الذى قسمت بمقتضاه الأراضى المكتشفة فى أمريكا بين أسبانيا والبرتغال وبواسطة خط طول وهمى يفصل بين أملاك الدولتين . ويلاحظ أن البابا كان يمنح الدول السلطة على الاقاليم حتى قبل أن يتم اكتشافها أو يحصل وضع يد رمزى أو فعلى عليها .

 

(ب‌)   اشتراط الاكتشاف المصحوب بوضع اليد الرمزى :

عارض كثير من الدول التى اشتركت فى حركة التوسع الأوربى كفرنسا وانجلترا وهولندة فى شرعية قرارات البابا وأنكرت حقه فى توزيع الأراضى التى يتم اكتشافها وبصفة خاصة الاراضى الامريكية . وبدأت هذه الدول ترسل الاشخاص والبعثات والحملات لاكتشاف الاراضى الجديدة والاستيلاء عليها .

 

واستقر العرف فى القرنين السابع عشر والثامن عشر على أن من حق أية دولة أوربية أن تقوم بالاستيلاء على الاقاليم غير الأوربية, وأنه يشترط لاستيلاء الدولة على اقليم ما أمران :

1-  ألا يكون الاقليم تابعا لدولة معترف بوجودها وبسيادتها, حتى ولو كان الاقليم مسكونا بشعب من الشعوب له تنظيمه السياسى الخاص .

2-  أن تقوم الدولة باكتشاف الاقليم, وأن يقترن الاكتشاف بعمل يدل على الحيازة المعنوية كرفع علم أو اقامة بناء أو قلعة أو تلاوة اعلان وقد تقوم سلطات الدولة بعملية الاكتشاف, أو يقوم بها أفراد او شركات بتصريح من الدولة أو باذن منها . ولا يعتد بأعمال الاستيلاء التى يقوم بها الأفراد العاديون الا كدليل على استغلال اقليم معين بواسطة دولة من الدول .

 

( جـ ) اشتراط وضع اليد الفعلى :

بدأت القواعد الخاصة بالاستيلاء تتطور منذ أواخر القرن الثامن عشر, و أصبح من المقرر فى القرن التاسع عشر أنه يشترط لاكتساب الاقليم عن طريق الاستيلاء أن يتم وضع اليد الرمزى عليه لا يعتبر استيلاء ؛ اذ أنه يلزم لاكتساب السيادة على الاقليم أن تقوم الدولة بمباشرة السلطة الفعلية بواسطة عمالها وموظفيها, وأن تقيم ادارة منظمة تشرف على الاقليم .

ولقد تأيد هذا المبدأ فى مؤتمر برلين سنة 1885 الخاص بالكونجو والشئون الافريقية . ولقد عقد ها المؤتمر بناء على دعوة بسمارك لتنظيم استعمار افريقيا والاستيلاء عليها بواسطة الدول الأوربية . وكانت افريقيا فى ذلك الوقت ميدانا للتنافس الاستعمارى وعلى الخصوص بين فرنسا وانجلترا وألمانيا وبلجيكا والبرتغال التى تسابقت على اكتشاف المناطق الافريقية والاستيلاء عليها .

 واشترط مؤتمر برلين وضع اليد الفعلى؛ كما أشترط أن تقوم الدولة واضعة اليد بالاعلان الدول الأخرى بوضع يدها على الاقليم. والحكمة من الاعلان، تنظيم عملية الاسيتلاء بطريقة علنية تمنع الاحتكاك الاستعمارى، بحيث لاتضع دولة يدها على أقليم سبق أن وضع دولة أخرى يدها عليه وقد تقوم الدولة التى اكتشفت الاقليم بوضع اليد الفعلى عليه مباشرة، وقد يتم ذلك على مراحل عن طريق ممارسة السلطة تدريجياً على أجزاء الاقليم المختلفة واستغلالها .

وقد أكدت المحاكم الدولية فى عدة مناسبات أهمية وضع اليد الفعلى، وأن الممارسة المستمرة للسلطة بشكل غير متنازع فيه شرط لاكتساب الاقليم بطريق الاستيلاء. ومن الاحكام الهامة فى هذا الشان حكم أحدى محاكم التحكيم التابعة لمحكمة التحكيم الدولية الدائمة فى قضية " بالماز " فى سنة 1918 . ولقد كان النزاع يدور حول السيادة على جزيرة بالماز بين الولايات النتحدة وهولندة . وكانت الولايات المتحدة تستند فى دعواها على أساس أنها ورثت حقوق أسبانيا على هذه الجزيرة بموجب معاهدة صلح باريس سنة 1856 التى نقلت للولايات المتحدة كافة حقوق أسبانيا على برزخ الفلبين . وذكرت الولايات المتحدة أن لأسبانيا السيادة على الجزيرة، لانها قامت باكتشافها فى القرن السادس عشر . ولقد رفضت هولندة أدعاء الولايات المتحدة على أساس أنها قامت بوضع يدها فعلاً على الجزيرة وباشرت سلطتها عليها مما يبرر اكتسابها للسيادة عليها، ولا يمنع من ذلك اكتشاف أسبانيا للجزيرة طالما أنها لم تتبع ذلك بوضع يدها فعلاً عليها. ولقد أيد قرار التحكيم وجهة نظر هولندة، وبين أن الاكتشاف لا يعتبر سنداً كاملاً للسيادة، فهو سند ناقص يجب أن يكمل بوضع اليد الفعلى . وهذا ما لم تقم به أسبانيا مورثة الولايات المتحدة، ومن ثم يجب الاعتراف بسيادة هولندة على جزيرة بالماز، لأنها باشرت عليها سيادتها بشكل مستمر وبدون منازعة .

امتداد السند الخاص بالاسيلاء إلى المناطق الجاورة :

بينما فيما تقدم أن وضع اليد الفعلى أصبح شرطاً لاكتساب الاقليم عن طريق الاستيلاء. على أن الدول الاستعمارية ذهبت إلى أن الاستيلاء على بعض المناطق الساحلية فى أمريكا أو اسيا أو أفريقيا يستتبع بالضرور.ة الاعتراف للدولة التى قامت بالاستيلاء بحقها فى الاستيلاء كذلك على المناطق الداخلية التى تعتبر من الناحية الجغرافية امتداد طبيعياً للمناطق الساحلية حيث أنه من المتوقع عادة أن تقوم الدولة مستقبلاً بممارسة وضع اليد الفعلى عليها .

ولقد تطور هذا الاتجاه فى القرن التاسع عشر. فظهرت نظرية مناطق النفوذ ومقتضاها أن تحتفظ كل دولة استعمارية بحقها فى المطالبة مستقبلاً بممارسة السلطة على مناطق واسعة تجاور المناطق التابعة لها . ولقد جرت عادة الدول الاستعمارية على تبادل الاعتراف بمناطق النفوذ .

ضرورة مراعاة ظروف الاقليم :

اتجهت المحاكم الدولية الى ضرورة مراعاة ظروف الاقليم المستولى عليه وطبيعته, فاذا كانت بعض مناطق هذا الاقليم شديدة البرودة تتعذر الاقامة فيها بصفة مستمرة ويصعب اقامة سلطة منظمة فيها, كان من الواجب التخفيف من معنى وضع اليد الفعلى فيما يتعلق بالاستيلاء على هذه المناطق .

وأهم حكم صدر فى هذا الموضوع حكم محكمة العدل الدولية الدائمة بتاريخ 5 أبريل سنة 1935 فى النزاع بين الدانمرك والنرويج حول جرينلاند الشرقية . ويتلخص موضوع النزاع فى أن الدانمارك كانت تضع يدها مساحات من جرينلاند منذ زمن طويل . وفى سنة سنة 1931 أعلنت النرويج عزمها على الاستيلاء على بعض مناطق جرينلاند, فاحتجت الدانمارك ورفعت الأمر لمحكمة العدل الدولية الدائمة التى أصدرت حكمها فى صالحها . ويبين من مراجعة هذا الحكم أن المحكمة تشترط لاكتساب السيادة بطريق الاستيلاء حصول وضع اليد الفعلى على الاقليم, وان كانت توسعت فى معنى وضع اليد الفعلى بالنسبة للنزاع المعروض نظرا لأنه يتعلق بمساحات هائلة فى مناطق شديدة البرودة وغير مأهولة فى الغالب, فعرفت وضع اليد الفعلى بأنه : " المباشرة المستمرة للسلطة ". وبينت أنه يستلزم ترافر ثلاثة شروط :

(أ‌)         مباشرة الدولة واضعة اليد لاختصاصات تشريعية معينة, كمنح ترخيص للصيد أو امتيازات للمناجم, أو تحديد المياه الاقليمية, أو تنظيم الملاحة, ولم تشترط المحكمة أن تقوم الدولة بانشاء محاكم أو بوليس .

(ب‌)   يجب أن تكون هذه الاختصاصات من النوع الذى تقوم به الدول عادة فلا يكفى أن تباشر الدولة واضحة اليد اختصاصا لا يقصد منه وضع نظام أو تحقيق أمن .

(جـ) يجب أن تباشر الاختصاصات المذكورة فى أثناء فترة معينة, وقد توسعت المحكمة فى شرط المدة بالنسبة للنزاع المعروض . فلم يشترط أن تكون الدانمارك باشرت هذه الاختصاصات فى أثناء فترة طويلة بل يكفى ان يثبت أنها باشرتها فى أثناء الفترة الحرجة التى سبقت النزاع .

 

الاستيلاء على الاقاليم القطبية :

أثار الاستيلاء على الاقاليم القطبية الشمالية والجنوبية بعض الصعوبات نظرا لان اشتراط وضع اليد الفعلى فى هذه الاحوال يكاد يكون مستحيلا . وتتنافس الدول على الاستيلاء على هذه المناطق نظرا لاهميتها للملاحة الجوية, وللأمن الدولى, ولكثرة الثروات الموجودة فيها .

( أ ) القطب الشمالى :

نشأت بالنسبة للاستيلاء على أقاليم القطب الشمالى نظرية تعرف باسم نظرية المناطق القضبية ومقتضاها اعتبار مناطق القطب الشمالى امتدادا طبيعيا لأقاليم الدول الواقعة حوله . وتقرر النظرية, أن كل دولة تتملك أراضى القطب الشمالى الموجودة فى منطقتها القطبية وهى على شكل مثلث تقع قاعدته فى الحدود الشمالية للدول المجاورة للقطب الشمالى, ورأسه فى القطب الشمالى .

وأول من نادى بهذه النظرية وطبقها كندا, وكان ذلك فى سنة 1907.

ثم اعتنقها الاتحاد السوفيتى وطبقها بمقتضى مرسوم سنة 1926 على المنطقة القضبية المجاورة لاقليمه . ويلاحظ أن نظرية المناطق لا تعترف بالاستيلاء كوسيلة للتملك فى المنطقة القطبية فلا يجوز لدولة ما أن تضع يدها على أقاليم واقعة فى المنطقة القضبية التابعة لدولة أخرى حتى ولو كانت هذه الاقاليم لم تكتشف بعد .

ولقد أوضح العالم الروسى لاكتين هذه النظرية وقرر زيادة على ذلك أن تملك المنطقة القطبية يتضمن أن تمتد سيادة الدولة على ما يوجد فى هذه المنطقة من أرض وبحار اقليمية وبحار عامة وثلاجات كذلك على الأجواء التى تمتد فوق كل هذه الاشياء .

 

ولبعض الدول الاخرى حقوق ومطالبات فى القطب الشمالى ؛ فالولايات المتحدة الامريكية تمارس السيادة على الاسكا؛ وتمارس الدانمارك سيادتها على جرينلاند, وتطالب النرويج بالسيادة على سبيتزبرجن . ولكن هذه الحقوق والمطالبات مبناها الاكتشاف ووضع اليد بالمعنى الواسع وليس تطبيق نظرية المناطق القطبية .

 

(ب) القطب الجنوبى :

تم تطبيق نظرية المناطق القطبية على نحو مختلف بالنسبة للقطب الجنوبى نظرا لبعده عن كافة القارات المعروفة, وانفصاله عن المناطق المأهولة بالسكان . وتشترط النظرية بالنسبة للاستيلاء على مناطق القطب الجنوبى ضرورة اكتشاف هذه المناطق بواسطة دولة ما, ووضع اليد الرمزى عليها أو على أجزاء تحيط بالمنطقة المكتشفة من الشرق ومن الغرب ومن الشمال . ولقد طبقت انجلترا هذه النظرية بقرار بتاريخ 14 فبراير سنة 1923 أعلنت فيه سيادتها على منطقة كبيرة من القطب الجنوبى تمتد حتى خط عرض 60 بين خطى طول 45 شرقا, 160 غربا باستثناء منطقة ( اديليا ) التى تركت لفرنسا . وكذلك طبقتها فرنسا بقانون 15 يناير سنة 1924 فيما يتعلق بالمنطقة الواقعة فى جنوب خط عرض 70 بين خطى طول 136 شرقا و 142 غربا واسمها منطقة اديليا. كما طبقتها شيلى بالنسبة لمنطقة تقع بين خطى طول 53 شرقا و 90 غربا, والأرجنتين بالنسبة لمنطقة تقع بين خطى طول 25و76 .

ولقد نازعت النرويج فى أول الامر فى شريعة هذه القاعدة, ولكنها عدلت عن معارضتها وطبقتها بقانون 14 يناير سنة 1938 بالنسبة لمنطقة خاصة بها .

وترتب على تطبيق نظرية المناطق بواسطة بعض الدول فى القطب الجنوبى نشوء تضارب فى ادعاءاتها, فلقد قام خلاف بين انجلترا وبين شيلى والارجنتين بشأن السيادة على بعض أقاليم المنطقة القطبية الجنوبية, واقترحت انجلترا فى 4 مايو سنة 1955 احالة هذا الخلاف على محكمة العدل الدولية, ولكن شيلى والارجنتين رفضتا اختصاص المحكمة .

 

ولم تقبل الولايات المتحدة الادعاءات المختلفة بالنسبة لمناطق القطب الجنوبى اذ أنها رفضت نظرية المناطق القطبية, واشترطت على الدوام لاكتساب السيادة على اقليم ما أن يعقب الاكتشاف الاستيلاء والاقامة فى المنطقة المكتشفة . كما رأت الولايات المتحدة ضرورة عقد مؤتمر لتحديد النظام القانونى للقطب الجنوبى وعلى الخصوص بالنسبة للصيد ولاقامة مراكز للمراقبة الجوية . ولقد تلقت الولايات المتحدة فى 7 يونيو سنة 1950 مذكرة سوفيتية جاء فيها أن الاتحاد السوفيتى لن يقبل أى وضع يتم الاتفاق عليه بالنسبة لمناطق القطب الجنوبى بدون اشتراكه وسائر الدول المهتمة بتلك المنطة ذات الأهمية الدولية .

 

وتم الاتفاق على تجميد مؤقت للخلافات المتعلقة بالقطب الجنوبى فى اتفاقية سنة 1959 بين الارجنتين وبلجيكا وشيلى وفرنسا واليابان والنرويج وجنوب افريقيا والاتحاد السوفيتى والمملكة المتحدة والويات المتحدة . وقررت الاتفاقية عدم تأييد أو نفى المطالبات القائمة بالنسبة للقطب الجنوبى وأنه لا يمكن لدولة أن تستند الى عمل يتم أثناء نفاذ هذه الاتفاقية لكى تقرر لنفسها حقوقها جديدة فى القطب الجنوبى أو لكى تزيد من حقوقها فى تلك المنطقة . كما نصت الاتفاقية على قصر استخدام القطب الجنوبى على الاغراض السليمة, وعلى تعاون أعضائها فى اكتشافه, وعلى حرية دخول المراقبين من الدول الاعضاء لكل أجزائه .

ومن الواضح أن موضوع الاستيلاء على القطب الجنوبى لايزال يفتقر الى قواعد قانونية مقبولة من الدول . ولقد طالب البعض بفرض اشراف دولى على هذه المناطق أو وضعها تحت الوصاية الدولية .

 

الاضافة :

يتم اكتساب الدولة للملحقات التى تضيفها الطبيعة لاقيمها وذلك دون حاجة الى أن تقوم بعمل أو اجراء خاص لادخالها فى اختصاصها, ومن أمثلة هذه الملحقات, الجزر التى تتكون تدريجيا فى البحار الاقليمية أو الانهار, والزيادات التدريجية أو الفجائية التى تتكون عند شاطئ الدولة, والدلتا التى تتكون عند مصب الأنهار .

وتتملك الدولة أيضا الاضافات الصناعية التى تتم فى اقليمها, كما لو بنت حاجزا للأمواج فى بحرها الاقليمى أو أقامت فيه منشآت لموانيها .

 

                            ثانيا : أسباب اكتساب الاقليم نقلا عن الغير

 

تكتسب الدولة اقليما ما نقلا عن الغير اذا كان الاقليم تابعا فى الأصل لدولة معينة ثم انتقل اليها بالتنازل أو الفتح .

 

التنازل :

(أ‌)         معنى التنازل :

يقصد بالتنازل تخلى دولة عن جزء من اقليمها لدولة أخرى ويكون هذا عادة نتيجة لمعاهدة أو لتصريح صادر من الدولة صاحبة الشأن . وتملك الدولة كاملة السيادة أن تتنازل عن أجزاء من أقليمها, وقد يكون التنازل بمقابل أو بغير مقابل . ومن الشائع أن تحتوى معاهدات الصلح على نصوص تتعلق بالتنازل الاقليمى, ومن أمثلة ذلك : تنازل ايطاليا فى المادة 23 من معاهدة الصلح سنة 1947 عن أجزاء من اقليمها لصالح فرنسا, وتنازلها عن مستعمراتها الافريقية ( ليبيا وأريتريا والصومال ) .

 

ويجب أن يفهم التنازل بأوسع معاونه بحيث لا يشمل فقط الاتفاق الصريح على انتقال اقليم من سيادة دولة الى دولة أخرى, بل ينصرف زيادة على ذلك الى التنازل الضمنى الذى يستفاد من تصرفات الدولة التى تقطع بأنها قد تخلت عن سيادتها اقليم معين .

 

ولقد ثار البحث عما اذا كان سكوت الدولة على وضع اقليمى معين دون أن تحتج عليه يعتبر قبولا منها لهذا الوضع, والراجح أن هذا السكوت اذا ما طال أمده يعتبر من قبيل الرضا الضمنى وخصوصا اذا ما كان الوضع محل قد تم استقراره بطريقة علنية .

 

( ب )التنازل والحيازة المفترضة :

وقد لا ينصب التنازل على الاقليم مباشرة وانما يتعلق بتخلى الدولة عن سبب من أسباب اكتساب الاقليم كالاستيلاء مثلا . ومن أمثلة ذلك القاعدة المتبعة فى بعض دول أمريكا الاتينية والمسماة بمبدأ الحيازة المفترضة .

وتقرر هذه القاعدة ان دول أمريكا الاتينية – التى كانت فى الماضى مستعمرات اسبانية – يتم تحديد حدودها الدولية على أساس الحدود الادارية الاستعمارية السابقة . ويفترض أن كل دولة من هذه الدول قد حازت فعلا الاقليم الذى كان يدخل فى هذه الحدود ولو لم تقم بذلك فعلا, وحتى فى حالة ما اذا كانت أسبانيا نفسها لم تضع يدها على هذه المناطق فى الماضى . ويترتب على هذا المبدأ تنازل الدولة الامريكية عن الاستيلاء أو عن الفتح كوسيلة من وسائل اكتساب الاقليم بالنسبة لهذه المناطق .

 

التقادم :

1-  معنى التقادم وشروطة :

 يقصد بالتقادم أكتساب الاقليم عن طريق مباشرة السيادة عليه على نحو مستمر وغير متنازع فيه خلال فترة من الزمن تكفى لتوليد الشعوب بأن الوضع القائم يتفق مع الحكم القانونى . ولقد عارض بعض الفقهاء فى أدخال مثل هذا النظام فى القانون الدولى، وقرروا أن قواعد القانون الدولى لا تنظم شروط التقادم ولا تحدد مدة له . ولكن أغلبية الفقهاء تأخذ بالتقادم على اعتبار أنه من المبادئ المستقرة فى كل الانظمة القانونية، فضلاً عن أنه يؤدى إلى استقرار الاوضاع الدولية . ويؤيدون رأيهم بأن معظم الحدود القائمة بين الدول تستند إلى مضى المدة الطويلة، وأنه مع الزمن تعجز الدول عن اثبات السند الأصلى لاكتسابها لاقليمها، ومن ثم يجب الاعتراف بالتقادم كسبب لاكتساب الاقليم

 

ويشترط فى التقادم وفقاً للعرف الدولى ما يلى :

( أ ) أن تضع الدولة يدها على الاقليم باعتبارها صاحبة السيادة، وأن تنبعث تصرفاتها على هذا الاقليم عن هذا الأساس .

وعلى ذلك فأن الدولة التى تتولى ادارة اقليم معين نيابة عن دولة أخرى – كما هو الحال فى ظل نظام الايجار وحوالة الادارة – لا يمكنها أن تكتسب السيادة عليه مهما طالت مدة الايجار أو حوالة الادارة . كما أن الدولة التى تدير الأقاليم الموضوعة تحت الوصاية لا يمكنها أن تكتسب هذه الاقاليم مهما طالت مدة الوصاية .

 

( ب ) أن يكون وضع اليد غير المتنازع فيه، فمن الضرورى أن يتم ذلك بطريقة علنية وألا يثير منازعة أو احتجاج من الدولة صاحبة الاقليم .

( جـ ) أن تمضى فترة من الزمن على مباشرة الدولة لوضع يدها على الاقليم . ولا توجد قاعدة زمنية موحدة فى هذا الشأن، وانما يترك الأمر لظروف كل نزاع، والحكمة من أشتراط مضى المدة أن يستقر الوضع الجديد ويصبح وضعاً مألوفاً لدى الدول الأخرى .

2-  الحقوق التاريخية :

يقصد بالحقوق التاريخية، الحقوق أو الاختصاصات التى تكسبها الدولة على خلاف القواعد العامة للقانون الدولى، ويكون ذلك عن طريق ممارسة هذه الحقوق او الاختصاصات على مر التاريخ بدون أعتراض من جانب الدول. ومع أنه يصعب التمييز بين أحكام التقادم والاحكام المتصلة بالحقوق التاريخية الا أن العرف الدولى والمحاكم الدولية يطبق نظرية الحقوق التاريخية فى مجالات معينة كأوضاع الخلجان التاريخية، وحقوق الصيد فى أجزاء من أعلى البحار والحقوق المتصلة بالامتداد القارى .

 

الفتح :

كان الفتح من أهم الوسائل التقليدية لاكتساب الاقاليم، ومعناه الاستيلاء عنوة على أقليم تابع لدولة أخرى واعلان ضمة للدولة الفاتحة، ولا يتوقف ذلك على موافقة دول ألاصل أو على اعتراف الدول الاخرى .

ولقد تشكك الفقهاء فى مشروعية الفتح منذ سنة 1919، وذلك على اعتبار أن عهد الامم منع الحرب التى يقصد منها الاعتداء على استقلال الدول أو سلامة أقاليمها، كما أن ميثاق بريان كيلوج سنة 1928 نص على استبعاد الحرب كوسيلة لتنفيذ السياسة القومية .

ولقد جاء ميثاق الأمم المتحدة قاطعاً فى تقرير عدم مشروعية الفتح وكذلك كافة الحقوق  التى يكون مبناها النصر العسكرى واستعمال القوة. اذ نصت الفقرة الرابعة من المادة الثانية على أن " يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً فى علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لاية دولة" . ولقد تم تطبيق هذا المبدأ فى قرار مجلس الامن رقم 242 سنة 1967 الذى صدر بعد الحرب العربية الاسرائيلية 1967 والذى نص على عدم جواز اكتساب الأراضى بالقوة .

 

ضرورة مراجعة القواعد الخاصة باكتساب الاقاليم :

تحتاج القواعد التقليدية المتعلقة بأسباب اكتساب الاقاليم إلى مراجعة شاملة على هدى المبادئ الجديدة التى دخلت فى ميدان العلاقات الدولية وتقترح ما يلى بالاضافة إلى تقرير عدم مشروعية الفتح .

 

( أ ) تنظيم الاستيلاء على الاقاليم المباحة لصالح المجتمع الدولى :

 

ومن الضرورى تنظيم عملية اكتشاف وتعمير الاقاليم المباحة – وهى تنحصر فى الوقت الحالى فى بعض المناطق القطبية وفى قاع البحار وفى القضاء الخارجى والاجرام السماوية – بطريقة تمنع التنافس بين الدول وتحقق مصلحة المجتمع الدولى . واذا ما وجد سكان فى هذه الاقاليم فيجب تأمين مستقبلهم ومصالحهم وحقهم فى تقرير مصيرهم . ومن الطبيعى أن تكون الامم المتحدة الجهاز الطبيعى لتنظيم هذه العملية تحت اشراف دولى، لأن هذه المناطق تهم المجتع الدولى بأسره .

 

( ب ) توفير بعض الضمانات عند انتقال الاقاليم من دولة لاخرى :

 

ومن الضرورى عدم الاعتراف بمشروعية انتقال الاقليم من سيادة إلى أخرى الا إذا ما تحقق أمران وهما :

( أ ) أن يكون التنازل عن الاقليم قد تم بالتراضى دون استعمال القوة أو التهديد باستعماها .

( ب ) أن يتم استفتاء سكان الاقليم بحرية فى مستقبلهم السياسى وذلك تطبيقاً لحق الشعوب فى تقرير المصير .

 

                                 ** المبحث الثانى **

                             الاقليم الارضى

مشتملات الاقليم الارضى :

( أ ) الأراضى وما فوقها :

الأرض هى العنصر الاول من أقليم كل دولة، وتمارس الدولة سيادتها على الأرض التى تقع فى داخل حدودها وكذلك على ما يوجد على الارض من معالم طبيعية كالتلال والجبال والبحيرات .

ولا يشترط القانون الدولى أتساعاً معيناً للاقليم الأرض، فقد تكون مساحة الاقليم ضئيلة كما هو الحال فى موناكو وسافادور؛ وقد تكون هذه المساحة شاسعة كما هو الحال فى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى والصين .

ولا يهم فى هذا الصدد أن يكون اقليم الدولة الأرضى وحدة قائمة بذاتها لا تنفصل بين أجزائها أراضى تابعة لدولة أخرى، أو يكون مكوناً من وحدات منفصلة يعتبر مجموعة أقليم الدولة الأرضى .

( ب ) ما تحت الأرض من مناجم وطبقات بترولية :

 

ويشمل اقليم الدولة أيضاً ما فى باطن الارض من محتويات ومن مناطق سفلى إلى   مالا نهاية . على ذلك يكون حق كل دولة استغلال المناجم والثروات الطبيعية الموجودة فى باطن الأرض الخاضعة لسيادتها . ولا يجوز للدولة أن تمد استغلالها إلى ما هو موجود فى باطن أراضى الدولة الأخرى .

ولا يثير هذا الأمر صعوبة فى حالة المناجم، إذ يمتنع على الدولة فى حالة المناجم الموجودة على الحدود أن يمتد حفرها تحت الارض إلى باطن أراضى الدولة المجاورة . أما فى حالة استغلال ما فى باطن الارض من بترول أو ماء أو غازات طبيعية فقد يؤدى قيام الدولة بسحب البترول أو المياة من أراضيها إلى الانتقاض من كميات البترول أو المياة الموجود فى أراضى الدول المجاورة . ومن الضرورى فى مثل هذه الاحوال اتفاق الدول المتجاورة على اقتسام المخزون من البترول ومن المياه بنسبة ما يوجد تحت أرض كل منها من الطبقات المحملة بالبترول أو المياة أو الغازات الطبيعية .

 

 الحدود الدولية :

لكل دولة حدود تعين نطاق اقليمها الأرضى، وللحدود الولية أهمية سياسية وقانونية كبرى لان الدولة تمارس سيادتها داخل حدودها، وعند الحدود تنتهى سيادة دولة وتبدأ عادة سيادة دولة أخرى .

والحدود قد تكون طبيعية كما لو وجدت حواجز طبيعية تحد اقليم الدولة كجبل أو نهر أو بحر. وقد تكون صناعية كما لو لجأت الدولة إلى وضع علامات ظاهرة عند حدودها كأعمدة أو ابراج أو أسوار أو أسلاك شائكة . وقد تكون الحدود عبارة عن خطوط وهمية كخط طول أو خط عرض كما الحال بالنسبة للحدود بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية .

ولقد استقرت الدول فى داخل حدودها الحالية نتيجة لأمور متعددة تداخلت فيها العوامل الجغرافية والاقتصادية مع العوامل الجنسية والسياسية والاجتماعية والحربية .

ولقد تغلبت الاعتبارات المتعلقة بالجنس على الحدود التى رسمتها معاهدات الصلح التى أعقبت الحلاب العالمية الأولى، ومع ذلك فلقد روعيت بعض الاعتبار الحربية والتاريخية .

أما الحدود التى رسمت بعد الحرب العالمية الثانية فلقد تغلبت بشأنها الاعتبارات السياسية والعسكرية دون الاهتمام بالاعتبارات الجنسية . ومن ذلك أن حدود بولونيا اتسعت نحو الغرب إلى مناطق ماهولة بسكان من أصل ألمانى، كما أن مؤتمر جنيف سنة 1945 قسم فيتنام إلى شطرين يفصل بينها خط عرض 17.

ونود أن نلفت النظر إلى ظاهرة بالغة الأهمية بالنسبة للحدود فى أمريكا وفى آسيا وأفريقيا، وهى ظاهرة تحول الحدود الادارية السابقة التى رسمتها الدول الاستعمارية بناء على اعتبارات تتعلق بالادارة، وبالرغبة فى التجزئة، وبظروف التنافس الاستعمارى – إلى حدود سياسية، وذلك بعد تحرير المستعمرات . وهذه الظاهرة واضحة تماماً بالنسبة للحدود بين الدول العربية، وللحدود بين دول أمريكا اللاتينية، ولحدود بعض الدول الافريقية الأخرى .

 وترجع أهمية هذه الظاهرة بصفة خاصة إلى ما تتسم به هذه الحدود فى الوطن العربى وفى أفريقيا من عدم الاعتداد بروابط الجنس أو اللغة أو الدين أو بالظروف الاقتصادية والاجتماعية . وعلى الرغم من كل ذلك فلقد بذلت الشعوب العربية والافريقية رغم خضوعها للسيطرة الاجنبية جهوداً جبارة لكى تكون فى داخل الحدود التحكيمية التى فرضها الاستعمار دولاً جديرة بالحصول على الاستقلال . بيد أن هذا لا ينفى أن مثل هذه الأوضاع قد تكون عرضة لتطورات مختلفة، فضلاً عما تثير من مشاكل وتعقيدات .

 

تعيين الحدود :

بيما فيما تقدم أنه من الضرورى أن تكون للدولة حدود معروفة، ومن الجائز أن تكون بعض حدود الدولة غير معينة أو محل نزاع. وهذا هو الوضع بالنسبة للحدود بين الهند والصين، وبين الهند والباكستان، والحدود بين المملكة العربية السعودية وبين اليمن، والحدود بين نيكاراجوا وهندوراس، والحدود بين ايران والعراق .

وإذا ما قام خلاف على حدود بين دولتين وجب على كل منهما أن تثبت سند اكتسابها للاقليم. ومن الملاحظ أن معظم الحدود القائمة ترتكز فى سندها القانونى إلى ممارسة السيادة بصورة مستمرة منذ قديم الزمان بدون اعتراض من جانب الدول الأخرى، أو إلى معاهدة تعين حدود الدول المتجاورة. وقد تشترك بعض الدول الأخرى أو منظمة دولية فى المعاهدة على اعتبار أنها اشتراكت فى المفاوضات بابرامها، أو أنها تضمن الدود التى عينتها المعاهدة .

ولقد سبق أن أشرنا إلى أن الغزو لا يعتبرسنداً لاكتساب الاقليم . كما أن المطالبات التاريخية التى لا تستند إلى ممارسة فعلية للسيادة على الاقليم بدون اعتراض فى الفترة السابقة على نشوء النزاع لا تصلح سنداً لاكتساب الاقليم .

 

وعند عدم وجود اتفاق يبين الحدود بين دولتين – يرشدنا العرف الدولى إلى مجموعة من القواعد تتبع فى تحديد النقط التى يبدأ أو ينتهى عندها أقليماً دولتين متجاورتين بينهما حد طبيعى . وأهم هذه القواعد ما يلى :

1-  إذا كانت الحدود عبارة عن سلسلة جبال كان خط الحدود بين الاقليمين عبارة أما عن الخط الممتد بين أعلا قمم هذه الجبال، أو عن خط تقسيم المياه .

2-  إذا كانت الحدود عبارة عن نهر يجرى بين الدولتين وجبت التفرقة بين حالتين :

( أ ) إذا كان نهر الحدود صالحاً للملاحة، كان خط الحدود عبارة عن منتصف مجرى النهر وهو الخط الممتد فى وسط أعمق جزء فى النهر، ويسمى بخط الثلوج .

( ب ) إذا لم يكن نهر الحدود صالحاً للملاحة، اعتبر وسط النهر حداً بين الدولتين .

وإذا كان هناك جسر أو كوبرى فوق نهر الحدود أو نفق يجرى تحتة كان الحد فى منتصف الكوبرى أو النفق .

3-  إذا ما وجدت بحيرة تفصل بين أراضى دولتين أو أكثر فانها تقسم عادلاً فيما بينها .

ويجوز طبعاً الاتفاق على ما يخالف القواعد العرفية السابقة، فقد يتم الاتفاق على أن يدخل مجرى النهر بأكمله فى اقليم دولة من الدول، أو قد يتم الاتفاق على مراعاة عمق البحيرة وأوضاعها الجغرافية والتاريخية، عند تقسيمها بين الدول المجاورة .

 

حل منازعات الحدود :

أن منازعات الحدود تكون لها أهمية خاصة، الأمر الذى يخشى منه تطورها إلى اشتباكات مسلحة، كما حدث مثلاً فى أكتوبر سنة 1961 حينما قامت الصين باحتلال بعض مناطق الحدود بينها وبين الهند وقاومتها الهند بالقوة المسلحة، وكما حدث فى سنة 1963حينما حاول المغرب غزو بعض الاراضى الجزائرية المتاخمة له، وفى سنة 1965 حينما قام نزاع مسلح بين الهند والباكستان حول كشمير. وكما حدث فى سنة 1969 حينما ألغت ايران معاهدة الحدود المبرمة بينها وبين العراق سنة 1937.

ولقد ظهر اتجاه منذ أوائل القرن العشرين مبناه ضرورة العمل على تسوية منازعات الحدود بالطرق السلمية من مفاوضات ووساطة وتحكيم. ومن منازعات الحدود الشهيرة التى تم تسويتها عن طريق التحكيم – النزاع بين الولايات المتحدة وبريطانيا باعتبارها ممثلة لكندا الذى سوى فى سنة 1903 . ومن ذلك أيضاً أن معاهدات الصلح التى أعقبت الحرب العالمية الاولى أنشأت لجاناً مختلطة للتحكيم، للفصل فى المنازعات المتعلقة بالحدود التى رسمتها هذه المعاهدات .

ولما كان ميثاق الأمم المتحدة يمنع استعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية ويفرض التزاماً بحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ولهذا فأن منازعات الحدود يجب تسويتها فى الوقت الحالى عن طريق: المفاوضات أو التحقيق، أو الوساطة، أو التوفيق، أو التحكيم، أو التسوية القضائية، أو العرض على المنظمات الاقليمية، أو العرض على مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة . ولقد أيدت قرارات منظمة الوحدة الافريقية هذا الاتجاه الدولى بالنسبة للحدود الافريقية .

 

الحدود الجمركية والادارية :

يجب التمييز بين الحدود الدولية – وهى التى تكلمنا عنها فيما سبق – وبين أنواع أخرى من الحدود .

 

( أ ) الحدود الجمركية ( المناطق الحرة والاتحادات الجمركية )

الحدود الجمركية عبارة عن خط عبارة  من المكاتب ومن نقط التفتيش، الغرض منه مراقبة دخول البضائع والاموال وخروجها من اقليم الدولة . والحدود الجمركية قد لا تتفق مع الحدود الدولية؛ فقد تكون أضيق اتساعاً منها كما هو الحال إذا ما اتبعت دولة نظام المناطق الجمركية والتجارية الحرة بالنسبة لمدينة أو لجزء من اقليمها . وقد تكون أوسع منها كما لو ضمت دولة اقليماً لا يتبعها سياسياً لرقابتها الاقتصادية والجمركية، ومن أمثلة ذلك ما ذهبت إليه فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية من ضم اقليم السار اقتصادياً وجمركياً لاقليمها، وذلك تقرير ضمة سياسياً إلى فرنسا .

كما يظهر التباين بين الحدود السياسية وبين الحدود الجمركية فى الاتحادات الجمركية، حيث يقوم أعضاء الاتحاد بالغاء الفواصل الجمركية فيما بينهم مع ابقاء الحدود السياسية . ومن امثلة الاتحادات الجمركية اتخاذ البنلوكس الذى يجمع بين بلجيكا وهولنده ولوكسمبرج منذ أكتوبر سنة 1947، والسوق الأوربية المشتركة .

 

( ب ) الحدود الادارية :

وقد تحيل الدولة ادارة جزء من اقليمها إلى دولة أخرى بمقابل أو بغير مقابل . وفى هذه الحالة لا يكون هناك تطابق بين الحدود الدولية وبين الحدود الادارية . ومن أمثلة ذلك أن الحدود الدولية بين الاقليم المصرى وبين السودان تعينت فى وفاق سنة 1899 بخط عرض22. ومع ذلك فقد نص وفاق سنة 1899 على أن يتولى السودان ادارة منطقة حلفا . ثم جاء قرار وزير الداخلية المصرى فى سنة 1899، فحدد مناطق وادى حلفا التى تدار بواسطة السودان، كما أن قرار وزير الداخلية المصرى فى سنة 1902 قد أحال ادارة منطقة حلايب المصرية إلى السودان .

 

القيود التى ترد على الاقليم الأرضى وفكرة حقوق الارتفاق :

تمارس الدولة حقوق سيادتها على الأرض التى تقع داخل حدودها .

ولا تتقيد الدولة فى ممارستها لحقوقها واختصاصاتها الا بوجوب احترام قواعد القانون الدولى كالقواعد الخاصة بحصانات الدول الأجنبية ومبعوثيها, والقواعد الخاصة بمركز الاجانب .

 وسوف نبين عند الكلام على المسئولية الدولية أنه لا يجوز للدولة أن تمارس حقوقها بطريقة تعسفية, وأن عليها فى حالة قيامها بنشاط يتسم بخطورة غير عادية أن تتحمل المسئولية عن الاضرار التى تمتد الى خارج اقليمها .

وبالاضافة الى ما تقدم قد تتقيد الدولة باتفاق صريح أو ضمنى بالامتناع عن استعمال جزء من اقليمها على نحو معين, أو بالسماح لدولة أجنبية بأن تستعمل جانبا من اقليمها . ويطلق الفقهاء على هذه القيود الاتفاقية التى تنصب مباشرة على الاقليم لصالح دولة أجنبية اسم حقوق الارتفاق .

ومن أمثلة هذه الحقوق على الاقليم الأرضى ما تعهدت به ايطاليا فى مواجهة مبنى الفاتيكان فى معاهدة سنة 1929 بعدم اقامة منشآت فى مواجهة مبنى الفاتيكان تعلو عليه, وما تعهدت به ألمانيا والنمسا فى معاهدة فرسايل سنة 1919 بالسماح بمرور الأشخاص والبضائع التابعة لاطراف المعاهدة فى أراضيها .

 

                                   المبحث الثالث

                                    الأنهار

النهر الوطنى والنهر الدولى :

يشمل النهر فى القانون الدولى المجرى الرئيس وكافة المجارى الفرعية والبحيرات التى تتصل فيما بينها وتسير فى منطقة تكون حوضا طبيعيا .

ويدخل فى حوض النهر كذلك مجارى المياه التى تسير تحت الأرض وتكون متصلة بالنهر.

 

واذا كان حوض النهر واقعا بأكمله فى اقليم دولة واحدة فهو يخضع لسيادة تلك الدولة, ويكون النهر فى هذه الحالة نهرا وطنيا . ولكل دولة الحق فى تنظيم استغلال موارد نهرها الوطنى, وفى أن تقصر الملاحة فيه على بواخرها وحدها, ومن أمثلة الأنهار الوطنية نهر التايمز فى بريطانيا .

أما اذا كان النهر دوليا أى كان حوضه يمر فى أقليم دول مختلفة أو يفصل بين اقليمى دولتين, أصبح له حكم مختلف . فكل دولة تباشر سيادتها على ما يمر فى اقليمها من النهر أو ما يجاوره من مجراه, ولكنها تتقيد بأن تراعى مصالح الدول الأخرى التى يمر بها حوض النهر وبصفة خاصة فيما يتعلق بالانتفاع المشترك بمياه النهر لاغراض الزراعة والصناعة, وبالملاحة النهرية الدولية . ومن أمثلة الانهار من هذا النوع : نهر النيل ونهر الكونجو ونهر الدانوب .

 

الاستغلال الزراعى والصناعى للأنهار الدولية :

 

( أ ) تطور الفقة الدولى :

ازداد الاهتمام ببحث مدى حقوق الدول المشتركة فى نهر دولى فى استغلاله للأغراض الزراعية والصناعية منذ أن وضع العلم الحديث تحت يد الدول امكانيات هائلة فى هذا الشأن ؛ فقد تؤدى مشروعات استغلال النهر بواسطة دولة من الدول الى الاضرار بحقوق الدول الاخرى المشتركة فى النهر . ومن ذلك أن تقوم دولة بتحويل مجرى نهر دول أو أن تقوم ببناء سدود تنقص من كمية المياه التى تصل للدول الأخرى .

ولقد كان الاتجاه القديم يميل إلى تقرير سيادة الدولة الكاملة على ما يمر فى اقليمها من مجرى النهر وإلى تأكيد حريتها فى أستغلال مجرى النهر بالطريقة التى تراها مناسبة . وكان هذا الرأى يلائم مصالح الدول التى تقع فيها منابع النهر . ثم ظهرت نظريات أخرى يقرر بعضها أن النهر الدولى يخضع للسيادة المشتركة للدول التى يمر فى أقليمها، وعلى ذلك لا يجوز لدولة أن تقوم بمشروع فى النهر الدولى يمس حقوق الدول الاخرى دون موافقتها . ويقرر البعض الآخر أن سيادة الدولة على مجرى النهر مقيدة بالاوضاع الطبيعية والتاريخية وبضرورة أحترام حق كل دولة مشتركة فى النهر الحصول على ما كانت تحصل عليه دائماً من انتفاع بمياه النهر. ويقرر الرأى الراجح ضرورة توزيع مياه بطريقة عادلة بين الدول المشتركة فيه .

 

( ب ) العرف الدولى :

استقر العرف الدولى على الاعتراف للدولة بالسيادة على ذلك الجزء من النهر الدولى الذى يمر فى اقليمها، ومع ذلك تلتزم الدولة عند ممارستها لسيادتها بعدم المساس بالاوضاع الطبيعية والجغرافية للنهر بالحقوق المكتسبة للدولة الاخرى . كما تلتزم كل دولة بالاعتراف بحقوق الدول المشتركة فى النهر فى الاستفادة منه بالقدر العادل والمعقول .

وتسأول الدولة عن الاعمال التى تصدر عنها أو عن رعاياها التى يترتب عليها أحداث تعديلات فى مجرى نهر معين أو اعاقة اندفاع مياهه، أو استغلال مياهه بطريقة تعسفية مما يؤدى إلى الاضرار بدولة مجاورة أو الحيلولة دون انتفاعها بمياه النهر بشكل ملائم .

ومن المعتاد أن تدخل الدول فى اتفاقات تنظم طريقة استغلال الانهار الدولية كما هو الحال بالنسبة لنهر النيل ولنهر الهندوس ولنهر كولومبيا.

وكثيراً ما تنشئ الاتفاقات ما يسمى باللجان المشتركة للاشراف على استغلال نهر معين .

 

وبمراجعة هذه الاتفاقات يكمننا القول أن الدول تراعى عادة المبادئ الآتية فى تنظيم استغلال مياه الانهار الدولية . ولقد تاكدت هذه المبادئ أيضا فى أعمال جماعة القانون الدولى وفى مؤتمراتها المختلفة، وبصفة خاصة فى نيورك سنة 1958، وفى هامبورج سنة 1960.

( أ ) يلزم الاعتداد بالقواعد التى اتفقت عليها من قبل الدول المشتركة فى نهر دولى .

( ب ) يجب مراعاة الحقوق الكتسبة أى كميات المياه التى كانت تحصل عليها كل دولة فى الماضى .

( جـ ) يجب مراعاة التوزيع العادل لمياه النهر، ويتم ذلك عن طريق تقدير حاجة الدولة للنهر ومدى اعتمادها عليه والفوائد التى تعود عليها وعلى الدول المشتركة فى النهر من المشروعات الجديدة .

( د ) على الدولة التى ترغب فى أدخل تعديلات فى طريقة الانتفاع بنهر معين كانشاء سد أو تحويل مجرى النهر، الدخول فى مفاوضات مع الدول المشتركة فى النهر للحصول على موافقتها، فاذا لم يتم الاتفاق يحسن عرض الأمر على التحكيم .

وإذا ما قامت الدولة بمثل هذه الاعمال بدون موافقة الدول الاخري . وبدون عرض النزاع على التحكيم فانها تكون مسئولة عن الاضرار التى تصيب تلك الدول .

 

استغلال مياه الانهار العربية :

( أ ) الدجلة والفرات واليرموك :

ومن الاتفاقات الدولية التى عقدت بشأن تنظيم الانتفاع بالانهار العربية: معاهدة الصداقة والجوار بين العراق وتركيا المبرمة فى 29/2/1946 التى نظمت انتفاع الدولتين بمياه نهر الفرات بقصد ادامة مورد منتظم من المياه، وازالة خطر الفيضانات، وتحديد أكثر الاماكن ملائمة لانشاء الخزانات، ولجعل الانشاءات المتعلقة بالرى وتوليد القوى الكهربائية المائية ملائمة لمصلحة الدولتين . ونشير كذلك إلى اتفاقية 4 يونيو سنة 1953بين الاردن وسوريا بقصد تنظيم الانتفاع المشترك بنهر اليرموك .

( ب ) الاردن :

ومن المشاكل الجديدة المتعلقة باستغلال الانهار العربية محاولات اسرائيل لاستغلال نهر الاردن الذى تنبع روافدة البانياس والحصبانى من سوريا ولبنان ثم يمد مجراه بين الاردن واسرائيل . وترى الدول العربية أن اسرائيل لا تملك أية سيادة على الاراضى التى يمر فيها نهر الاردن فى فلسطين لأن وجود اسرائيل فى هذه المناطق يستند إلى الغصب .

كما أن المشروعات التى تنفذها اسرائيل لا ستغلال مياه نهر الاردن تلحق أضرار اقتصادية وسياسية واسعة النطاق بالدولة العربية المجاورة .

 وزيادة على ذلك فأن اسرائيل باستغلال نهر الاردن لمصلحتها تخالف القواعد المتعلقة باستعمال الأنهار الدولية لانه يترتب عليه تغيير الاوضاع التاريخية للنهر، وحرمان الدول المشتركة فى النهر، وبصفة خاصة الاردن، من الاستفادة من مياه النهر بطريقة سليمة . فضلاً عن أن المشروعات الاسرائيلية تخالف اتفاق سنة 1932 بين فرنسا وانجلترا الذى اعترف بالحقوق المشتركة لسوريا ولبنان وفلسطين والاردن فى مياه نهر الاردن .

ويوجد مشروع أمريكى يسمى مشروع جونسون لتنظيم الانتفاع المشترك بنهر الاردن . ولكن الدول العربية رفضت ذلك المشروع، لانه يمكن اسرائيل من الحصول على كميات كبيرة من مياه الاردن على حساب مصالح الدول العربية . وقامت الدول العربية بتنفيذ مشروعات عربية مضادة للمشروع الاسرائيلى، ولقد توقفت هذه المشروعات نتيجة لعدوان سنة 1967 .

 

( جـ ) النيل :

أما تنظيم الانتفاع بمياه نهر النيل الذى يقع حوضه فى أقليم زائير ورواندا وبورندى وتنزانيا وكينيا وأوغندا والحبشة والسودان ومصر فهو مقرر فى عدد من الاتفاقات . فلقد قررت معاهدة 1902 التى أبرمت بين انجلترا باعتبارها ممثلة للسودان وبين الحبشة تعهد الحبشة بعدم القيام بأعمال على النيل الازرق أو بحيرة تانا أو السوباط يكون من شأنها التأثير على مياه النيل . كما قررت معاهدة سنة 1906 بين انجلترا والكونجو عدم قيام الكونجو بأعمال على النهر سمليكى تؤثر فى حجم مياه بحيرة ألبرت بدون موافقة السودان .

 

وكانت اتفاقية سنة 1929 بين انجلترا ومصر تنظم كيفية توزيع مياه النهر بين مصر والسودان . وفى 8 نوفمبر سنة 1959 أبرمت اتفاقية جديدة بين مصر والسودان لتنظيم انتفاع الدولتين بمياه نهر النيل . وسنتولى شرح أحكامها فيما يلى :

 

اولاً : أهمية اتفاق سنة 1959 :

يمكن أعتبار جمهورية مصر والسودان الدولتين اللتين تعتمدان أساساً على مياه نهر النيل.

ويعتبر الاتفاق الذى تم بين الدولتين فى سنة 1959 مثلاً صالحاً للاتفاقيات التى تعقد بين الدول المشتركة فى نهر دولى لتطبيق الاستغلال الزراعى والصناعى لهذا النهر . والاحكام التى وردت فيها تعتبر سابقة هامة فيما يتعلق بالعرف الدولى فى هذا الشأن .

ولقد بينت مقدمة الاتفاق أن نهر النيل فى حاجة إلى مشروعات لضبطه ضبطاً كاملاً، ولزيادة ايراده للانتفاع التام بمياهه لصالح جمهورية السودان ومصر على غير النظم الفنية المعمول بها الآن . كما بينت أن هذه الاعمال تحتاج فى أنشائها وادراتها إلى اتفاق وتعاون كامل بين الجمهورتين لتنظيم الافادة منها لاستخدام مياه النهر مما يضمن مطالبهما الحاضرة والمستقبلة .

كما ذكرت المقدمة أن اتفاقيات مياه النيل المفقودة فى سنة 1929 قد نظمت بعض قواعد الاستفادة بمياه النيل ولم يشمل مداها ضبطاً كاملاً لمياه النهر. وأنه لهذا السبب أبرمت الاتفاقيات الجديدة . وفيما يلى أهم المبادئ التى تضمنتها :

 

ثانياً : الحقوق المكتسبة الحاضرة لكل من جمهورية مصر والسودان :

 

اعترفت الاتفاقية بالحقوق المكتسبة لكل من جمهورية مصر والسودان فى مياه النيل وفقاً لاتفاقية سنة 1929، وقررت أن يكون ما تستخدمة جمهورية مصر من مياه النيل حتى توقيع هذا الاتفاق هو الحق المكتسب لها قبل الحصول على الفوائد التى ستحققها المشروعات الجديدة لضبط النهر وزيادة ايراده . ومقدار هذا الحق 48 ملياراً من الامتار المكعبة مقدرة سنوياً عند أسوان .

 

كما قررت أن يكون ما تستخدمه جمهورية السودان فى الوقت الحاضر هو حقها المكتسب قبل الحصول على فائدة المشروعات المشار إليها .

ومقدار هذا الحق أربعة مليارات من الأمتار المكعبة مقدرة عند أسوان سنوياً

 

ثالثاً : مشروعات ضبط مياه نهر النيل وتوزيع فوائدها بين الجمهورتين :

 

ولضبط مياه النيل والتحكم فى منع انسياب مياهه إلى البحر، وافقت الجمهوريتان على تنشئ مصر خزان السد العالى عند أسوان كأول حلقة من سلسلة مشروعات التخزين المستمر لمياه النيل

ولتمكن السودان من استغلال نصيبه وافقت الجمهوريتان على أن تنشئ جمهورية خزان الروصيرص على النيل الازرق وأى أعمال أخرى تراها جمهورية السودان لازمة لاستغلال نصيبها .

 

رابعاً : الانتفاع المشترك بالسد العالى :

قررت الاتفاقية مبدأ اشتراك جمهورية مصر والسودان فى الفوائد التى تترتب على بناء السد العالى

ويحسب صاغفى الفائدة من السد العالى على أساس متوسط ايراد النهر الطبيعى عند أسوان فى سنوات القران الحالى المقدر بنحو 48ملياراً سنوياً من الانتار المكعبة. ويستبعد من هذه الكمية الحقوق المكتسبة للجمهوريتين مقدرة عند أسوان، كما يستبعد منها متوسط فاقد التخزين المستمر فى السد العالى فينتج من ذلك صافى الفائدة التى توزع بين الجمهوريتين .

ويوزع صافى فائدة السد العالى بين الجمهوريتين بنسبة 14 للسودان إلى 7لجمهورية مصر متى ظل متوسط الايرادفى المستقبل فى حدود متوسط الايراد المنوه عنه . وهذا يعنى أن متوسط الايراد إذا ظل مساوياً لمتوسط السنوات الماضية من القرن الحاضر المقدار بــ 48ملياراً، وإذا ظلت فوائد التخزين المستمر على تقديرها الحالى بعشرة مليارات فان صافى فائدة السد العالى يصبح فى هذه الحالة 22ملياراً، ويكون نصيب جمهورية السودان منها 14ملياراً ونصيب جمهورية مصر 7ملياراً، وبضم هذين النصيبين إلى حقهما الكتسب فان نصيبهما من صافى ايراد النيل بعد تشغيل السد العالى الكامل يصبح 18 ملياراً لجمهورية السودان و55ملياراً لمصر .

فاذا زاد المتوسط فان الزيادة فى صافى الفائدة الناتجة عن زيادة الايراد تقسم مناصفة بين الجمهوريتين .

 

ولما كان صافى فائدة السد العالى يستخرج من متوسط ايراد النهر الطبيعى عند أسوان  فى سنوات القرن الحالى مستبعداً من هذه الكمية الحقوق المكتسبة للبلدين وفوائد التخزين المستمر فى السد العالى، فانه من المسلم به من الدولتين أن هذه الكمية ستكون محل مراجعة الطرفين بعد فترات كافية يتفقان عليها من بدء تشغيل خزان السد العالى الكامل .

كما قررت الاتفاقية مبدأ تعاون الدولتين فى سبيل ترحيل سكان المناطق التى سيغمرها السد وتعويضهم .

فوافقت حكومة مصر على أن تدفع لحكومة جمهورية السودان مبلغ خمسة عشر مليوناً من الجنيهات المصرية تعويضاً شاملاً عن الاضرار التى تلحق بالممتلكات السودانية الحاضرة نتيجة التخزين فى السد العالى لمنسوب 82 ( مساحة )

 

كما تعهدت حكومة جمهورية السودان بأن تتخذ أجراءت ترحيل سكان حلفا وغيرهم من السكان السودانيين الذين ستغمر أراضيهم بمياه التخزين بحيث يتم نزوجهم نهائياً قبل يوليو سنة 1963 .

وبينت الدولتان أن تشغيل السد العالى الكامل سوف ينتج عنه أستغناء مصر عن التخزين فى جبل الاولياء .

 

خامساً : مشروعات استغلال المياه الضائعة فى حوض النيل :

 

 قررت الاتفاقية مبدأ تعاون الدولتين فى استغلال المياه الضائعة فى حوض النيل واشتراكهما فى الفوائد والنفقات التى يتطلبها هذا الاستغلال .

وذكرت أنه نظرا لأنه تضيع الآن كميات من مياه حوض النيل فى مستنقعات بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال ونهر السوباط يكون من المحتم العمل على عدم ضياعها بقصد زيادة ايراد النهر الصالح للتوسع الزراعى فى البلدين . ولقد وافقت الدولتين على ما يأتى:

1- تتولى جمهورية السودان – بالاتفاق مع جمهورية مصر – انشاء مشروعات زيادة ايراد النيل بمنع الضائع من مياه حوض النيل فى مستنقعات الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال زفروعه ونهر السوباط وفروعة وحوض النيل الابيض . ويكون صافى فائدة هذه المشروعات من نصيب الجمهوريتين بحيث يوزع بينهما مناصفة ويساهم كل منهم فى جملة التكاليف بهذه النسبة ايضاً .

وتتولى جمهورية السودان الاتفاق على المشروعات المنوة عنها من مالها، وتدفع مصر نصيبها فى التكاليف بنفس نسبة النصف المقرر لها فى فائدة هذه المشروعات . وتطبيقاً لهذا النص بدأت السودان حفر قناة جونجلى فى جنوب السودان .

2-إذا دعت حاجة جمهورية مصر – بناء على تقدم برامج التوسع الزراعى الموضوعة – إلى البدء فى أحد مشروعات زيادة ايراد النيل المنوه عنها فى الفقرة السابقة بعد أقراره من الحكومتين فى وقت لا تكون حاجة جمهورية السودان قد دعت إلى ذلك، فان جمهورية مصر تخطر جمهورية السودان بالميعاد الذى يناسبها للبدء فى المشروع. وفى خلال سنتين من تاريخ هذا الاخطار تتقدم كل من الجمهوريتين ببرامج للانتفاع بنصيبها فى المياه التى يدبرها المشروع فى التواريخ التى يحددها لهذا الانتفاع . ويكون هذا االبرنامج ملزماً للطرفين . وعند انتهاء السنتين فان مصر تبدأ فى التنفيذ بتكاليف من عندها . وعندما تتهيأ جمهورية السودان لاستغلال نصيبها طبقاً للبرامج المتفق عليها فانها تدفع لمصر نسبة من التكاليف تتفق مع النسبة التى حصلت عليها صافى فائدة مشروع على ألا تتجاوز حصة أى من الجمهوريتين نصف الفائدة الكامل للمشروع .

 

سادساً : التعاون الفنى بين الجمهوريتين :

لتحقيق التعاون الفنى بين حكومتى الجمهوريتين، وللسير فى البحوث والدراسات اللازمة لمشروعات ضبط النهر وزيادة ايراده، وكذلك لاستمرار الأرصاد المائية على النهر فى أحباسه العليا وافقت الجمهوريتان على أن تنشأ هيئة فنية دائمة من جمهورية السودان ومن مصر، بعدد متساو من كل منهما وتحدد أختصاصها كالآتى :

( أ ) تعمل على رسم الخطوط الاساسية للمشروعات التى تهدف إلى زيادة ايراد النيل والاشراف على البحوث اللازمة لوضع المشروعات فى صورة كاملة تتقدم بها إلى حكومتى الجمهوريتين لاقرارها .

( ب ) تقوم بالاشراف على تنفيذ المشروعات التى تقررها الحكومتان .

( جـ ) تضع نظم تشغيل الاعمال التى تقام على النيل داخل حدود السودان، كما تضع نظم التشغيل للأعمال التى تقام خارج حدود السودان بالاتفاق مع المختصين فى البلاد التى تقام فيها هذه المشروعات .

( د ) تراقب تنفيذ جميع نظم التشغيل المشار إليها بواسطة المهندسين الذين يناط بهم هذا العمل من موظفى الجمهوريتين فيما يتعلق بالاعمال المقامة داخل حدود السودان، وكذلك خزان السد العالى وسد أسوان، وطبقاً لما يبرم من اتفاقات مع البلاد الاخرى عن مشروعات أعالى النيل المقامة داخل حدودها .

سابعاً : علاقة الجمهوريتين مع الدول الاخرى الواقعة على النيل :

قررت الاتفاقية أنه عندما تدعو الحاجة إلى اجراء أى بحث فى شئون مياه النيل مع أى بلد من البلاد الواقعة على النيل خارج حدود الجمهوريتين،فان حكومتى جمهورية السودان ومصر يتفقان على رأى موحد بشأنه بعد دراسته بمعرفة الهيئة الفنية المشار إليها، ويكون هذا الرأى هو الذى تجرى الهيئة الاتصال بشأنه مع البلاد المشار إليها .

 

إذا أسفر البحث عن الاتفاق على تنفيذ أعمال على النهر خارج حدود الجمهوريتين فانه يكون من عمل الهيئة الفنية المشتركة أن تضع – بالاتصال بالمختصين فى حكومات البلاد ذات الشأن – كل التفاصيل الفنية الخاصة بالتنفيذ ونظم التشغيل وما يلزم لصيانة هذه الاعمال، وبعد اقرار هذه التفاصيل واعتمادها من الحكومات المختصة يكون من عمل هذه الهيئة الاشراف على تنفيذ ما تنص عليه هذه الاتفاقات الفنية .

 

ونظراً إلى أن البلاد التى تقع على النيل غير الجمهوريتين المتعاقدتين تطالب بنصيب فى مياه النيل، فقد اتفقت الجمهوريتان على أن يبحثا سوياً مطالب هذه البلاد ويتفقان على رأى موحد بشأنها . وإذا أسفر البحث عن امكان قبول أية كمية من ايراد النهر تخصص لبلد منها أو لآخر، فان هذا القدر محسوباً عند أسوان، يخصم مناصفة بينهما .

وتنظم الهيئة الفنية المشتركة مع المختص فى البلاد الأخرى مراقبة عدم تجاوز هذه البلاد للكميات المتفق عليها .

 

استعمال الانهار الدولية فى الملاحة :

( أ ) ظهور مبدأ حرية الملاحة :

كانت الدولة التى يمر بها نهر دولى لا تسمح لغيرها من الدول المشتركة معها فى النهر بالملاحة فى الجزء التابع لها من النهر الا بناء على اتفاقات خاصة أو مقابل دفع رسوم.

وابتداء من أوخر القرن الثامن عشر بدأت الدول الاوربية تنظم الملاحة فى الانهار الاوربية على أساس الاعتراف بحرية الملاحة فيها للدول المشتركة فى مجرى النهر.

ولقد طبقت معاهدة باريس سنة 1856 مبدأ حرية الملاحة بالنسبة لنهر الدانوب، كما  طبقته اتفاقية مانهايم سنة 1866 بالنسبة لنهر الرين، واتفاقية برلين سنة 1885 بالنسبة لنهرى الكونجو والنيجر فى أفريقيا .

وأقرت بعض دول أمريكا اللاتينية مبدأ حرية الملاحة فى الانهار الدولية، فقررت البرازيل والارجنيتين فتح نهرى الامازون ولابلاتا للملاحة الدولية .

وخصصت معاهدات الصلح التى أعقبت الحرب العالمية الاولى بنوداً خاصة بالملاحة النهرية، وقررت أعتبار كلا من الرين والالب والاودر والنيمين والدانوب وفروع هذه الانهار القابلة للملاحة والتى تصل أكثر من دول بالبحر- أنهاراً دولية تكون الملاحة فيها حرة لمراكب جميع الدول سواء كانت هذه الدول تجاور مجرى النهر أو لا تجاوره، كما أوجبت المساواة فى المعاملة بين مراكب جميع الدول، وأوصت بوجوب عقد اتفاقية دولية عامة لتنظيم الملاحة فى الانهار .

 

( ب ) اتفاقية برشلونة سنة 1921 :

وفى سنة 1921 دعت عصبة الامم إلى عقد مؤتمر للمواصلات وللنقل واجتمع المؤتمر فى برشلونة سنة 1921، وحضره ممثلون لاربعين دولة أوربية وأمريكية وآسيوية . ولقد أسفر المؤتمر عن ابرام اتفاقية برشلونة التى وضعت نظام " مجارى المياه القابلة للملاحة ذات الاهمية الدولية "

وبينت المادة الاولى من الاتفاقية أنها تسرى على جميع المجارى ذات الاهمية الدولية . وهى ثلاثة أنواع :

1-  مجارى المياه الصالحة بطبيعتها للملاحة والتى تجرى فى أراضى أكثر من دولة أو تفصل بينها .

2-  مجارى المياه التى تعتبر ذات أهمية دولية بموجب قرارات فردية من الدول التى تجرى فيها، أو بمقتضى اتفاق دولى بين الدول أصحاب الشأن .

3-  مجارى المياه التى تشرف على الملاحة فيها لجان تحتوى على ممثلين لا تملك أجزاء من المجرى .

وقررت اتفاقية برشلونة حرية الملاحة فى المجارى السابقة لجميع السفن التابعة للدول الموقعة عليها والتى تنضم إليها فيما بعد . وعلى الدول التى يقع المجرى فى أقليمها أن تسوى فى المعاملة بين السفن التابعة للدول المختلفة . كما عليها أن تقوم بالاعمال اللازمة لصيانة مجرى النهر وبقائه صالحاً للملاحة، وليس للدول التى يمر بها النهر أن تفرض رسوماً على المرور أكثر مما يقابل نفقات صيانة وتحسين المجرى؛ أو الخدمات الفعلية التى تؤديها السلطات المحلية للسفن المارة . للدولة أن تخضع الملاحة فى الجزء الذى يمر فيها من مجرى النهر للوائح البوليس والجمارك والصحة الخاصة بها .

 

هل يوجد قاعدة قانونية تقرر حرية الملاحة فى الأنهار الدولية :

ذهب فريق من الشراح إلى القول بأن حرية الملاحة فى الانهار الدولية للمراكب التابعة لكل دول العالم - أصبحت قاعدة من قواعد العرف الدولى المقبول بصفة عامة من الدول، وأن هذه القاعدة قد تأيدت بمجموعة من الاتفاقيات الدولية .

ويذهب الرأى الراجح – إلى أن مبدأ حرية الملاحة فى الانهار الدولية الذى قررته بعض المعاهدات الدولية يعتبر استثناء من قواعد القانون الدولى التى تقرر السيادة الاقليمية للدول على ما يمر فى اقليمها من مجرى النهر. وعلى ذلك فاذا لم توجد معاهدة تفرض التزاما على الدولة بأن تفتح ذلك الجزء من مجرى النهر الذى يمر فى أقليمها – تكون الدولة حرة فى منع السفن الاجنبية من استعمال للملاحة .

 

                                 ** المبحث الرابع **

                                    *المياه الداخلية *

تعريف المياه الداخلية :

يقصد بالمياه الداخلية المياه التى تخترق أو تتغلغل فى أراضى دولة معينة، ولقد عرفتها المادة الرابعة من اتفاقية جنيف سنة 1958 لقانون البحار بأنها " المياه التى تقع داخل الخط الذى يقاس ابتداء منه البحر الاقليمى " . وينطبق هذا التعريف على كل أنواع المياه العذبة والمالحة . التى تقع داخل الخط المشار إليه مثل الانهار والبحيرات و القنوات والموانى والخلجان المضايق .

وتمارس الدولة سيادتها على المياه الداخلية، فلها أن تمنع دخول السفن الاجنبية فيها، كما أنها تمارس سيادتها على ما يوجد فى هذه المياه من سفن وأشخاص ومع ذلك فقد ترد بعض القيود على سيادة الدولة مصدرها العرف والاتفاقات الدولية، كما سنوضح ذلك بالنسبة لكل نوع من أنواع المياه الداخلية .

 

ونشير بصفة مبدئية إلى النظام القانونى للمياه الداخلية يختلف عن النظام القانونى للبحر الاقليمى :

ولم يتعرض مؤتمر جنيف سنة 1958 للنظام القانونى للمياه الداخلية، ومع ذلك فقد نصت المادة الخامسة من اتفاقية البحر الاقليمى على أنه إذا ترتب على اتباع طريقة الخطوط المستقيمة لقياس البحر الاقليمى اعتبار بعض مناطق البحر الاقليمى أو أعالى البحار من المياه الداخلية للدولة، ففى هذه الحالة تلتزم الدولة الساحلية بالاعتراف بحق المرور البرئ فى تلك المياه إذا كانت تستعمل بصفة عادية للمرور الدولى .

 

وسنتولى فيما يلى عرض اختصاص الدولة على كل نوع من أنواع المياه الداخلية .

 

                           اولاً : البحيرات والبحار المغلقة

تعريفات :

يقصد بها البحار والبحيرات التى تحيط بها أراضى دولة أو أكثر ولا يكون لها اتصال بالبحار العامة، أو يكون أتصالها بها عن طريق مضيق أو غاز . وإذا كان البحر أو البحيرة، يقع بأكمله فى أراضى دولة واحدة فهو يعتبر جزءاً من اقليمها ويخضع لاختصاصها شأنه فى ذلك شان اقليم الدولة الارضى .

أما إذا كان البحر أو البحيرة، واقعاً فى اقليم أكثر من دولة، فهناك خلاف بين الفقهاء، فالاكثرية ترى اعتبار البحر هنا داخلاً فى سيادة الدول المحيطة به . وتذهب أقلية الشراح إلى اعتبار البحر فى هذه الحالة جزءا من أعالى البحار، ولا يمتد اختصاص الدولة الا على ما يعد داخلاً فى مياهها الاقليمية .

ويؤيد العرف الدولى رأى الاغلبية لان المعاهدات التى أبرمتها الدول المشتركة فى بحيرات أو بحار مغلقة أخذت بمبدأ اقتسام السيادة وتولت تحديد ما يدخل فى اقليم كل منها من هذه البحيرات . ومن أمثلة ذلك بحيرة كونستانس وهى مقسمة بين ألمانيا والنمسا وسويسرا، وبحيرة جنيف وهى مقسمة بين سويسرا وفرنسا . كما أن كندا والولايات المتحدة يمارس سيادته على ما يدخل فى حدوده من البحيرات الامريكية الكبرى كسوبيرور وأونتاريو . كما تمارس كل من تنزانيا وكينيا وأوغندا سيادتها على ما يدخل فى حدودها من بحيرة فكتوريا فى أفريقيا .

ولا تكون الملاحة فى البحيرات والبحار المغلقة حرة لسفن جميع الدول الا إذا كانت تقع فى أقليم أكثر من دولة، وكانت متصلة بأعالى البحار ومستعملة للملاحة الدولية كالبحر الاسود الذى سنتولى عرض نظامه فيما يلى :

 

البحر الأسود :

البحرالاسود بحر مغلق – كان واقعاً برمته فى اقليم تركيا، وبالتالى كان جزءاً من اقليمها . وكانت تركيا لا تسمح بالملاحة فيه لمراكب السفن الاجنبية الا بتصريح منها . ولكن الامور تغيرت بعد أن تملكت روسيا ورومانيا وبلغاريا مساحة من شواطئ البحر الاسود فأصبح من الازم تقرير مبدأ حرية الملاحقة لسفن جميع الدول .

 

وقررت معاهدة باريس سنة 1856 أن الملاحة فى البحر الاسود حرة للسفن التجارية للدول جميعاً، مع تحريمة على السفن الحربية. كما نصت المعاهدة على وضع البحر الاسود فى حالة حياد، وعلى منع الدول المجاورة له من أقامة تحصينات أو ترسانات على شواطئه أو ايجاد سفن حربية فيه .

ولقد ظل حياد البحر الاسود محترما حتى سنة 1870 حين نشبت الحرب بين ألمانيا وفرنسا, فأعلنت روسيا فى ذلك الوقت عزمها على عدم التقيد بما ورد فى صلح باريس سنة 1856 بشأن البحر الاسود, وتم الاتفاق فى معاهدة لندن سنة 1871 على الغاء حياد البحر الاسود, وبالتالى على ازالة القيود الخاصة بالسفن الحربية والتحصينات, ولكن هذه المعاهدة أكدت حق تركيا فى قفل مضيقى البوسفور والدردنيل فى وجه السفن الحربية الاجنبية, كما قررت مبدأ حرية الملاحة بما فى ذلك المرور فى المضيقين للمراكب التجارية .

وقد أكدت معاهدة مونتريه سنة 1936 مبدأ حرية الملاحة فى البحر الاسود ووضعت نظاما للمرور فى مضايق البوسفور والدردنيل سنتكلم عنه عند الكلام على نظام المضايق.

 

                                 ثانيا : الموانى البحرية

تعريف الموانى :

الموانى البحرية عبارة عن مواقع بحرية تعدها الدولة على شواطئها وتجهزها بالمنشآت لاستقبال السفن البحرية. وتعتبر الموانى جزءا من اقليم الدولة, وبالتالى تخضع لسيادتها ولقد حددت اتفاقية جنيف الموقع عليها فى 9 ديسمبر سنة 1923 النظام الخاص بالموانى البحرية والمقصود منه تأييد العرف الدولى الخاص بحماية وتشجيع الملاحة البحرية عن طريق فتح الموانى للسفن الاجنبية. وتجب التفرقة فيما يتعلق باستعمال موانى الدولة بواسطة السفن البحرية الاجنبية بين السفن الخاصة والسفن العامة .

 

حق السفن الخاصة الاجنبية فى دخول موانى الدولة :

كانت القاعدة المستقرة هى أن الدولة لا تلتزم بفتح موانيها للسفن التابعة للدول الاخرى مالم تكن قد التزمت بذلك بموجب معاهدة . ولقد اتجه العرف الدولى منذ أوائل القرن العشرين الى السماح, كقاعدة عامة, للسفن الخاصة الاجنبية بالتردد على موانى الدولة, وذلك سواء كانت تجارية أم سفن صيد أم سفن نزهة ( يخوت) . ولكن الدولة تستطيع أن تغلق بعض موانيها بصفة دائمة, أو بصفة دائمة ويكون الاغلاق الدائم فى حالة ما اذا كان الميناء مخصصا فقط للأغراض الحربية .

 

ولقد أيدت اتفاقية جنيف لسنة 1923 وجوب فتح الموانى أمام السفن التجارية الاجنبية, ووجوب المساواة فى المعاملة بينها, وبينت أنه اذا قررت دولة ما اغلاق ميناء بصفة دائمة فيجب أن يطبق هذا القرار على السفن الاجنبية وعلى سفن الدولة الوطنية التى تقوم بالتجارة الخارجية .

وينكر عدد من الفقهاء وبصفة خاصة فى الولايات المتحدة الامريكية وجود التزام بالسماح للسفن الاجنبية باستعمال موانى الدولة الا بالنسبة للسفن التى تتعرض لمحنة تهديدها بالغرق .

 

وضع السفن الخاصة الاجنبية الموجودة فى موانى الدولة :

تخضع السفن الخاصة الاجنبية الموجودة فى موانى الدولة للاختصاص الاقليمى . ومع ذلك جرى العرف الدولى على ألا تتمسك الدولة بمباشرة كافة مظاهر سيادتها على السفن الاجنبية الموجودة فى موانيها على اعتبار ان وجود هذه السفن مؤقت ومن مستلزمات التجارة الدولية .

ويمكن تلخيص العرف الدولى الخاص بمعاملة السفن الخاصة الاجنبية الموجودة فى موانى الدولة على الوجه الآتى :

1-  تطبق عليها جميع اللوائح الخاصة بالملاحة والجمارك والبوليس, وذلك محافظة على أمن الدولة وسلامتها .

2-  أما عن خضوع السفن الخاصة الاجنبية لقضاء الدولة المدنى, فهو أمر مقرر متى كان النزاع يهم شخصا من غير رجال طاقم السفن, أما اذا انحصر النزاع المدنى داخل رجال طاقم السفينة كما لو تعلق بأجر بحار مثلا, فلا تختص الدولة صاحبة الميناء بنظر مثل هذا النزاع .

ومما هو جدير بالذكر أن التشريعات البحرية لبعض الدول تضع أحكاما خاصة بالحجز على السفن الاجنبية مراعاة لطبيعتها ومنعا لتعطيل السفن المتأهبة للسفر . ولقد أيدت معاهدة بروكسل المبرمة فى 10 مايو سنة 1952 جواز الحجز التحفظى على السفن لكل من يتمسك بدين بحرى ولو كانت السفينة على أهبة السفر, ولا يجوز توقيع الحجز التحفظى بسبب الديون غير البحرية .

3-  أما بالنسبة للقضاء الجنائى فالقاعدة العامة أن الاختصاص هنا اقليمى, فللدولة أن تتعقب أية جريمة تقع فى موانيها وأن توقع العقوبة على مرتكبها . ولقد تأيدت هذه القاعدة فى معاهدة بروكسيل سنة 1952 الخاصة بالاختصاص الجنائى فى حالة التصادم وحوادث الملاحة الاخرى .

ولكن العرف الدولى جرى على ألا تباشر الدولة كامل اختصاصها العقابى بالنسبة للسفن الموجود فى موانيها, فهى تتنازل عن بعض هذا الاختصاص لسلطات الدولة التى ترفع السفينة  علمها . على أنه فى تطبيق هذا العرف يوجد مذهبان :

(أ‌)         المذهب الفرنسى : وهو يوجد توزيعها محددا للاختصاص بين دولة الاقليم ودولة العلم, فتختص دولة علم السفينة بالمحاكمة على الجرائم التى ترتكب على ظهر السفينة الاجنبية من أحد أفراد طاقمها ضد فرد آخر من الطاقم, مالم يترتب على هذه الجرائم اخلال بالأمن فى الميناء فتختص دولة الاقليم فى الحالة الاخيرة . وتختص دولة الاقليم أيضا بالمحاكمة فى حالة الجرائم التى تقع على ظهر السفينة من أحد طاقمها اذا كان المجنى عليه من غير افراد الطاقم, وكذلك الحال اذا استغاث قبطان السفينة بسلطات الميناء .

على أن المحاكم الفرنسية توسعت بعد ذلك فى تفسير ما يعتبر اخلالا بأمن الميناء؛ فقررت اختصاصها بالمحاكمة على الجرائم المتصلة بمخالفة لوائح الميناء, وعلى بيع الخمور بواسطة بحارة فرنسيين على ظهر السفن الاجنبية, وعلى أعمال العنف وجرائم القتل حتى لو كان المجنى عليه أحد أفراد طاقم السفينة .

والمذهب الفرنسى متبع كذلك فى كثير من الدول كايطاليا وبلجيكا واليونان والنرويج والبرتغال ويوجوسلافيا والمكسيك والبرازيل .

 

(ب)المذهب الأنجلو أمريكى : وهو يخضع للقضاء الاقليمى بصفة مطلقة جميع السفن الاجنبية الموجودة فى موانى الدولة . الا أن القضاء فى انجلترا جرى على عدم النظر فى الاعمال التى تقع على السفينة اذا كانت متعلقة باجراءات تأديبية أو بنظام السفينة مادام أنه لم تقع أية مخالفة لقواعد القانون الانجليزى . ولقد كثر خروج القضاء الانجليزى على قاعدة الاقليمية مما قرب النظام الانجليزى فى العمل من النظام الفرنسى وجعله أكثر مرونة من الوضع فى الولايات المتحدة الامريكية . ولا أدل على ذلك من أنه ورد فى رد الحكومة الانجليزية على استفسار مؤتمر لاهاى سنة 1930 " أن انجلترا لن تستعمل اختصاصها الاقليمى بالنسبة للسفن الاجنبية الموجودة فى موانيها الا اذا طلب ذلك الممثل المحلى لدولة العلم أو كان هناك تهديد للأمن " .

كما نلاحظ أن النظام الانجلو أمريكى يقرر اختصاص المحاكم الاقليمية بنظر الجرائم التى ترتكب على سفينة انجليزية ولو كانت فى المياه الانجليزية لدولة أجنبية . ولقد فسر هذا النص على أنه لا يمنح المحاكم الانجليزية اختصاصا ألزاميا بنظر هذه الجرائم ولكنه

يمنحها اختصاصا احتياطيا فى حالة عدم قيام المحاكم الاقليمية بالمحاكم على هذه الجرائم .

 

 ويجرى العمل فى مصر على خضوع السفن الخاصة الاجنبية للاختصاص الاقليمى, وعلى أنه من الجائز القاء القبض على أشخاص موجودين على ظهر هذه السفن, وعلى اختصاص المحاكم المصرية بالنسبة لكل الجرائم التى تتضمن مخالفة لنظام الموانى أو تهدد أمن الميناء أو تتعدى آثارها طاقم السفينة .

 

أما بالنسبة للسفن المصرية الموجودة فى موانى أجنبية فنجد المادة 25 من القانون رقم 67 لسنة 1961 تنص على أن الجنايات والجنح التى تقع على ظهر باخرة ترفع علم مصر تعد أنها ارتكبت فى أراضى تلك الجمهورية .

وينبغى أن يفسر هذه النص على ضوء النص المشابه فى القانون الانجليزى بمعنى أن يفهم على أنه يعطى القضاء المصرى اختصاصا احتياطيا فى حالة عدم قيام القضاء الاقليمى بالمعاقبة على الجنايات والجنح التى ارتكبت على ظهر السفينة المصرية .

 

حصانات السفن العامة الاجنبية فى الموانى :

من المقرر أن السفن العامة تشمل السفن الحربية وسفن الدولة المخصصة لخدمة عامة . أما السفن المملوكة لدولة أجنبية والمخصصة لاغراض تجارية فتأخذ كقاعدة عامة حكم السفن الخاصة . ولكل دولة الحق فى تنظيم دخول السفن العامة الاجنبية وعلى الخصوص السفن الحربية الاجنبية فى موانيها . فلها أن تمنع دخولها, أو تقيد مدة بقائها فى الموانى. والمعتاد أن تسمح الدول للسفن الحربية الاجنبية بالدخول فى موانيها اذا ما طلبت ذلك الدولة التابعة لها السفينة بالطريق الدبلوماسى كما تسمح بدخول السفن التى تضطرها الظروف الى دخول الميناء .

 

وعلى خلاف السفن التجارية لا تخضع السفن العامة الاجنبية للاختصاص الاقليمى . ويترتب على ذلك أنه لا يصح التعرض لسفينة عامة أجنبية أو تفتيشها أو اخضاعها لقضاء غير قضاء الدولة التى ترفع علمها سواء المسائل المدنية أو الجنائية .

والواقع أن هذه القاعدة على اطلاقها تؤدى الى مضايقات كثيرة وعلى الخصوص فيما يتعلق بالعلاقات التى تقوم بين هذه السفن وبين التجار والموردين من سكان الموانى الاجنبية . ولهذا نصت معاهدة بروكسيل سنة 1936 الخاصة باعفاءات السفن العامة على أنه من اللازم نظرا لعدم جواز الحجز على السفن العامة أو التنفيذ عليها بواسطة قضاء أجنبى أن تسهل الدول التجاء ذوى المصالح الى قضاء الدولة التى ترفع السفينة العامة علمها للمطالبة بحقوقهم .

ويفسر بعض الفقهاء قاعدة عدم خضوع السفن العامة الاجنبية للقضاء الاقليمى واستمرار خضوعها لقضاء دولتا – بأنها تعتبر جزءا من اقليم الدولة التابعة لها, فكل تعرض لها بعد اعتداء على الدولة نفسها. ونحن لا نقر فكرة امتداد الاقليم كأساس الاعفاء بالنسبة للسفن العامة . ونعتقد أن أساس الاعفاء هو الصفة الرسمية, وأن العرف الدولى قد جرى على اعفاء القوات الرسمية .

ويثور البحث عن الحكم اذا ارتكب شخص جريمة ثم لجأ الى سفينة عامة أجنبية ترسو فى ميناء الدولة . وهنا ايضا نجد أنه على خلاف ما هو مقرر بالنسبة للسفن التجارية الاجنبية التى يجوز دخولها وتفتيشها والقبض على من يكون قد لجأ من مجرمين, لا يجوز للسلطات الاقليمية أن تدخل السفن العامة الاجنبية الموجودة فى موانيها أو أن تفتشها ان هى آوت مجرما . وانما تملك هذه السلطات مطالبة ربان السفينة بتسليم المجرمين العادين الفارين . ويلتزم الربان باجابة الطلب والا فان دولته تكون مسئولة دوليا فى مواجهة الدولة صاحبة الميناء . ولكن العرف الدولى جرى على امكان لجوء المجرمين السياسيين للسفن العامة الاجنبية ولا يوجد التزام دولى بتسليمهم فى هذه الحالة .

 

                              ثالثا – الخلجان 

تعريف الخليج :

الخليج عبارة عن مساحة من البحر تتغلغل فى اقليم الدولة, وينتج عن عمق هذا التغلغل بالنسبة لاتساع فتحته وجود مساحة مائية تكاد تكون محاطة بالارض .

ولا تعتبر من قبيل الخلجان – تعرجات الشاطئ أو انحناءته العامة, بل يلزم لاعتبار تعرج ما خليجا أن تكون مساحته مساوية أو تزيد عن نصف دائرة ترسم فى مدخل ذلك التعرج ( راجع المادة السابعة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة سنة 1958 ).

 

 وتنقسم الخلجان الى خلجان وطنية وخلجان دولية :

(أ‌)         الخلجان الوطنية :

الخليج الوطنى هو الذى يقع كله فى اقليم دولة واحدة وتكون الفتحة التى تصله بأعالى البحار لا تزيد عن اتساع معين. ولقد حدد البعض اتساع فتحة الخليج الوطنى بما لا يزيد عن ضعف عرض البحر الاقليمى, وذلك على أساس أن أتساع البحر الاقليمى فى هذا الرأى هو ثلاثة أميال بحرية .

وحدد الرأى الغالب فتحة الخليج الوطنى بعشرة أميال بحرية على أن بعض الدول توسعت فى تحديد معنى الخليج الوطنى بناء على اعتبارات جغرافية أو اقتصادية أو اعتبارات تتعلق بالأمن مما حدا بمحكمة العدل الدولية الى أن تقرر فى حكمها فى قضية المصايد بين النرويج وانجلترا فى سنة 1951 أن قاعدة العشرة أميال لا يمكن اعتبارها قاعدة مستقرة من قواعد القانون الدولى .

 

ولقد توسعت اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة سنة 1958 فى تحديد الخلجان الوطنية . وكان رأى الدول الانجلوسكسونية أن الخليج الوطنى يجب ألا تزيد فتحته عن عشرة أميال لأن هناك اعتبارات بحرية تحكم الموضوع ومبناها ضرورة تمكن السفينة التى تقف فى منتصف الخليج من رؤية جانبية . على أن تلك النزعة عورضت بشدة من جانب دول الكتلة الشرقية وبعض الدول اللاتينية التى أصرت على أن تكون هذه الفتحة أربعة وعشرين ميلا . ولقد أخذت الاتفاقية بوجهة النظر الاخيرة, فقررت المادة 7/4 أن الفتحة الخليج الوطنى هى أربعة وعشرون ميلا وأن المياه داخل هذه الفتحة تعتبر مياها داخلية .

وإذا كان للخليج عدة فتحات بسبب وجود جزيرة أو جزر فى مدخله تكون العبرة بمجموع اتساع فتحات الخليج الذى يجب الا يزيد عن أربعة وعشرين ميلاً .

والخليج الوطنى يعد جزءاً من المياه الداخلية للدول الساحلية، فلها أن تمنع السفن الاجنبية من المرورفيه، كما أن لها أن تقصر الصيد فيه على مواطنيها وهى تمارس اختصاصها الاقليمى كاملاً على ما يدخل فيه من سفن وأشخاص .

 

( ب ) الخلجان الدولية :

وهى تشمل الخلجان التى تقع فى أراضى دولة واحدة ولكن تزيد فتحتها الموصلة بالبحر العام عن أربعة وعشرين ميلاً

وأما بالنسبة للخلجان التى تقع فى أراضى أكثر من دولة فلا توجد قاعدة مستقرة .

ولقد عجزت لجنة القانون الدولى عن ايراد أحكام تتعلق بهذا النوع من الخلجان، كما أن المادة السابعة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة نصت على أن أحكامها تنصرف فقط إلى الخلجان التى توجد فى أراضى دولة واحدة .

ويقرر البعض أن الخليج هنا يعتبر دولياً . ويستحسن عدم ايراد قواعد عامة بصدد هذا النوع من الخلجان، والنظر إلى ظروف كل خليج وأهميته للملاحة الدولية . ويدل العرف الدولى على امكان خضوع بعض الخلجان التى تقع فى أقاليم أكثر من دولة للسيادة المشتركة للدول المحيطة بها كما هو الحال بالنسبة لخليج فونسكا فى أمريكا الوسطى .

والخلجان الدولية تلحق بأعالى البحار، فيما عدا المساحة التى تخضع للاختصاص الاقليمى للدول المجاورة لها باعتبارها مياهاً اقليمية .

 

( جـ ) الخلجان التاريخية :

جرى العرف الدولى على الاعتراف بسيادة الدولة على بعض الخلجان التى تزيد الفتحة التى تصلها بالبحار العامة عن أربعة وعشرين ميلاً، وهذه هى الخلجان التاريخية أو الحيوية . وهى عبارة عن خلجان استمر وضع يد الدولة الساحلية عليها واختصاصها بها مدة طويلة دون أعتراض من جانب الدول الاخرى . ويتجة العرف الدولى إلى اطلاق وصف الخليج التاريخى كذلك على بعض الخلجان التى تقرر الدولة الساحلية اخضاعها لسيادتها إذا ما كانت هناك مصالح حيوية اقتصادية أو دفاعية تدعو إلى ذلك .

ومن أمثلة الخلجان التاريخية التى تخضع للسيادة الاقليمية: خليج كانكال فى فرنسا، وخليج ميراميتشى فى كندا، وخليج دولاوار فى الولايات المتحدة الامريكية، وخليج بريستو فى انجلترا .

ومع أن المادة السابعة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة أخذت بفكرة الخلجان التاريخية وأخرجتها من نطاق الخلجان الوطنية الا  أنها لم تورد تعريفاً لمثل هذه الخلجان.

 

الخلجان فى جمهورية مصر العربية :

ورد النص على نظام الخلجان فى المرسوم الذى صدر فى 15 يناير سنة 1951 لينظم الاقليمية المصرية . ولقد جاء نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من المرسوم المذكور متسماً بالغموض حين تكلم عن الخلجان . ويفهم منه أن الخليج يعتبر وطنياً ما دام أن راسية يقعان فى الاراضى المصرية، ومهما كان اتساع الفتحة التى تصلة بالبحر العام، ويجب أن يفسر هذا النص على ضوء قواعد القانون الدولى المعمول بها

 

ومن المعمول أن الشواطئ المصرية تحتوى على كثير من الخلجان يقع بعضها على البحر الابيض المتوسط كخلجان السلام ورأس الحكمة والعرب وابو قير وتينا، ويقع بعضها على البحر الاحمر كخلجان السويس والعقبة والغردقة والفول ورأس بناس .

وبعض هذه الخلجان كخليج السلام وخليج تينا وخليج الفول وتزيد فتحتها عن أربعة وعشرين ميلاً . ومع أنه من الممكن اعتبارها خلجاناً وطنية على أساس عمومية نص المادة السادسة من مرسوم سنة 1951 الا أنه من الافضل أن تصدر الحكومة المصرية قرارات تفيد اعتبارها خلجاناً تاريخية تخضع للسيادة المصرية منعاً لأى لبس .

 

خليج العقبة :

تتوسط شبة جزيرة سيناء الذراعين الشماليين للبحر الاحمر، ويكون خليج العقبة الذراع الشرقى، وأما الذراع الغربى فهو خليج السويس الذى يصل إلى قناة السويس . وتحيط ثلاث دول عربية بخليج العقبة وهى مصر فى الغرب، والمملكة العربية السعودية فى الشرق، والاردن فى رأس الخليج . أما اسرائيل فقد تمكنت فى 10مارس سنة 1959 من الاستيلاء على مساحة فى شمال خليج العقبة طولها خمسة أميال أنشأت بها ميناء أيلات الذى كان يعرف من قبل باسم ميناء رشرش . ولم تعترف الدول العربية بشرعية الوجود الاسرائيلى على خليج العقبة .

ويبلغ طول خليج العقبة حوالى مائة ميل . ويختلف اتساعه ما بين 3 أميال فى أضيق مناطقه فى الشمال الــ 18 ميلاً فى أوسع مناطقه . ويبلغ اتساع مدخل الخليج بين شبة الجزيرة العربية وبين للاقليم المصرى حوالى تسعة أميال، ولكن بعض الجزر والصخور فى مدخل الخليج وتجعل المساحة البحرية الصالحة للملاحة أقل من ذلك بكثير . فتقع جزيرة تيران فى المدخل وهى بهذا تجعل للخليج فتحتين : والفتحة الاساسية تقع بين تيران وبين الاقليم المصرى ويبلغ اتساعها حوالى أربعة أميال، وبهذه الفتحة ممران صالحان للملاحة تفصل بينها مجموعة من الصخور، والممر القريب من ألاقليم المصرى وهو الممر الرئيسى الذى يمكن للسفن الكبيرة الملاحة فيه . وتقع جزيرة صنافير فى مدخل الخليج على بعد ميلين شرق جزيرة تيران، والمنطقة الواقعة بين الجزيرتين قليلة الاستعمال . ويصدق هذا أيضاً على المنطقة الواقعة بين تيران والساحل السعودى بسبب وجود بعض الصخور التى تعوق الملاحة .

 

ولقد طالبت الدول العربية باعتبار خليج العقبة خليجاً عربياً يخضع للسيادة المشتركة لمصر والسعودية والاردن التى تستند إلى حجج تاريخية مبناها أن الدول العربية قد باشرت سيادتها على الخليج بدون منازعة لمدة أكثر من ألف عام . فلقد باشر العرب سيادتهم على الخليج حتى القرن السادس عشر وهو تاريخ خضوعها للدولة العثمانية . ثم باشرت الدولة العثمانية بصفتها صاحبة السيادة على البلاد العربية سيادتها عليه حتى نهاية الحرب العالمية الاولى، ثم ورثت الدول العربية بعد انفصالها عن الدولة العثمانية السيادة على الخليج ومارستها بصفة مستمرة .

 

وفضلاً عن ذلك فلخليج العقبة أهمية حربية واستراتيجية للعالم العربى، وهو زيادة على ذلك يعتبر ممراً له أهميتة الكبرى للعالم الاسلامى لأنه الطريق التاريخى للحج إلى بيت الله الحرام . ولكل هذه الاسباب كان خليج العقبة فى العصور المختلفة بحراً مغلقاً .

 

ادعاءات اسرائيل :

تعارض اسرائيل والدول البحرية الكبرى وجهة نظر الدول العربية. وتقرر أن خليج العقبة يعتبر من أعالى البحار نظراً لوجود أكثر من دولة على شواطئه ولان حرية الملاحة فيه صوب ميناء ايلات أمر يهم الاقتصاد الاسرائيلى . ولقد حدث بعد العدوان الاسرائيلى على مصر فى سنة 1956 أن رفضت اسرائيل الانسحاب من شبة جزيرة سيناء ومن شرم الشيخ تنفيذاً لقرارات الامم المتحدة فى 7نوفمبر سنة 1956 قبل أن تحصل على وعد بأن تقوم قوات الطوارئ الدولية بضمان حرية الملاحة فى خليج العقبة .

ولقد أصدرت الولايات المتحدة وكذلك فرنسا تصريحات تفيد حرية الملاحة فى خليج العقبة، ثم انسحب القوات الاسرائيلية .

كما استندت اسرائيل على مطالبة الخاصه بحماية الملاحة البحرية حينما أعادت احتلالها لسيناء فى سنة 1967.

ومن الواضح أن المشكلة الرئيسية فيما يتعلق بخليج العقبة لا تتعلق بحرية الملاحة الدولية، بل تتصل بطبيعة الصراع العربى الاسرائيلى الذىاستمر منذ انشاء اسرائيل سنة 1948. ومن مظاهر هذا الصراع ممارسة الدول العربية لحقوق المحاربين فى البحار فى مواجهة اسرائيل .

ولقد نص قرار مجلس الامن رقم 242 لسنة 1967 على مبدأ حرية الملاحة فى الممرات المائية الدولية كأحد بنود تسوية مشكلة الحرب العربية الاسرائيلية .

 

                              ** رابعاً – القنوات البحرية **

القناة البحرية هى ممر مائى يحفر فى أرض دولة ليصل بين بحرين حرين .

والثابت أن القناة البحرية تعد جزءاً من أقليم الدولة التى تخترق أرضها وبالتالى تخضع لكافة مظاهر اختصاصها الاقليمى . ولكن لما كانت هذه القنوات فى العادة من طرق المواصلات الدولية التى تؤدى إلى تسهيل الملاحة الدولية وتخفيض تكاليفها، وكانت منفعتها لا تعود على الدولة التى تمر فى أراضها فحسب بل على التجارة الدولية بأسرها، فقد عقدت معاهدات دولية بخصوص أهم هذه القنوات البحرية الغرض منها ضمان حرية الملاحة فيها .

وتخضع الملاحة فى ثلاث قنوات بحرية وهى قناة السويس وقناة بناما وقناة كييل لأنظمة مقررة فى اتفاقات دولية . وتتشابه هذه الاتفاقات فى تقريرها لمبدأ حرية الملاحة فى القناة البحرية للسفن التجارية التابعة لكل دول لعالم وذلك فى وقت السلم، أما فى وقت الحرب فيجوز اغلاق القناة فى مواجهة سفن العدو . وتحتفظ الدول التى تمر القنوات فى أراضيها بكل مظاهر سيادتها التى لا تتعارض مع حرية الملاحة . وعلى ذلك يكون من حق هذه الدول تطبيق تشريعاتها . وممارسة اختصاصاتها التنفيذية والقضائية فى مواجهة السفن الاجنبية الموجودة فى القناة بنفس الطريقة التى تتبعها بالنسبة للسفن الاجنبية الموجودة فى موانيها . كما تعتبر القناة وما يوجد فيها من مياه جزءا من أقليم الدولة التى تمر فيها .

 

وسنتولى فيما يلى بحث الوضع المقرر لكل من هذه القنوات الثلاث :

قناة السويس :

تقع قناة السويس بأكمالها فى أرض مصر، وهى تصل البحر الابيض المتوسط بالبحر الاحمر .

وتم حفر قناة السويس بمقتضى فرمان خديوى صدر فى 30نوفمبر سنة 1854 . ومنح الفرمان امتياز حفر القناة واستغلالها لشركة مساهمة على رأسها المنهدس الفرنسى فرديناند دلسبس . ونص الفرمان على أن تكون الملاحة فى القناة حرة لجميع السفن بلا استثناء أو تمييز، وعلى أن تقوم الشركة بفرض رسوم على مرور السفن بالاتفاق مع الحكومة المصرية وعلى أن مدة الامتياز 99عاماً .

ولما كانت مصر تابعة للباب العالى فى ذلك الوقت، فقد استدعى الأمر أن يصدر الباب العالى فى 19 مارس سنة 1866 فرماناً يقر فيه الامتياز الممنوح من الحكومة المصرية لشركة قناة السويس . ولقد أكد هذا الفرمان سيادة مصر على القناة مع كونها للملاحة الدولية لسفن جميع الدول . واعترف للحكومة المصرية بصفتها صاحبة السيادة على القناة بحق تنظيم الملاحة فيها وفى ملحقاتها بشرط أحترام مبدأ الحرية، وبحقها فى استيراد القناة بعد انتهاء مدة امتياز الشركة، وفى الحصول على نسبة معينة من الارباح أثناء فترة الامتياز . كما أكد الفرمان حق الشركة فى فرض الرسوم على السفن المارة بالقناة دون تمييز .

ولما احتلت انجلترا مصر عام 1882 فى اعقاب الثورة العربية واستعملت القناة لخدمة أغراضها العسكرية، ومرت أساطيلها دون دفع الرسوم احتج دى لسبس لدى الدول مبيناً أن انجلترا قد اعتدت على النظام الموضوع للقناة مطالباً بوضع نظام دولى لحمايته .

 

ثم صدر بعد ذلك تصريح بريطانى فى سنة 1883يؤكد مبدأ حرية المرور فى قناة السويس للسفن بجميع أنواعها مع المساواة فى المعاملة بين جميع الدول .

وأعقب ذلك صدور تصريح فى لندن فى 17مارس سنة 1885 الذى وقعت عليه كل من ألمانيا، والنمسا، وأسبانيا، وبريطانيا، وايطاليا، وروسيا، وتركيا وورد فيه أن هذه الدول " متفقة على ضرورة التفاوض لتقرير النظام النهائى الذى يضمن حرية استخدام قناة السويس فى كل وقت لجميع الدول بمقتضى اتفاق دولى .

 

ولقد انتهى الأمر بعد مفاوضات طويلة وشاقة بين الدول الكبرى إلى ابرام اتفاقية القسطنطينية فى 29أكتوبر سنة 1888بين كل من تركيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والنمسا وايطاليا وروسيا وهولنده، وهى الاتفاقية التى وضعت نظام الملاحة فى قناة السويس .

 

النظام القانونى لقناة السويس وفقاً لاتفاقية سنة 1888:

 

تحكم اتفاقية القسطنطينية سنة 1888 نظام قناة السويس، ولم تكن مصر من بين الدول الموقعة على اتفاقية القسطنطينية حيث أنها كانت فى ذلك الوقت تابعة للسيادة العثمانية .

ولقد ترتب على زوال السيادة العثمانية عن مصر باستقلالها وبتنازل تركيا عن هذه السيادة فى معاهدة لوزان سنة 1923 ( المادة السابعة عشرة ) أن انتقلت لمصر سائر الحقوق والالتزامات التى كانت مقررة لتركيا فى  اتفاقية القسطنطينية . كما ترتب على تركيا والجمهورية العربية المتحدة فى سنة 1958 انتقال تلك الحقوق والالتزامات إليها . ولا شك فى أن جمهورية مصر العربية لازالت تتمسك حتى الآن بحقوقها والتزاماتها فى هذه الاتفاقية كما سنوضح ذلك فيما بعد .

ويمكن تلخيص النظام القانونى الذى وضعته اتفاقية القسطنطينية على النحو الآتى :

 

1-  حرية الملاحة فى قناة السويس :

الملاحة فى قناة السويس حرة لسفن جميع الدول بلا تمييز . فيجب أن تفتح القناة لمرور السفن التجارية والسفن الحربية أيا كانت الدولة التى ترفع السفينة علمها وسواء وقت السلم أو فى وقت الحرب، ولا يجوز التمييز فى المعاملة بين السفن التابعة للدول المختلفة، كما يمتنع على أى من الدول المتعاقدة أن تسعى للحصول على أمتياز فيما يتعلق باستعمال القناة .

2-  حياد القناة :

وضعت الاتفاقية ضمانات القصد منها تحقيق مبدأ حرية المرور فى القناة للسفن التجارية والحربية فى وقت السلم ووقت الحرب . فنصت على أن يمتنع على الدول المتعاقدة اتيان أى عمل من شأنه عرقلة حرية استعمال القناة . وتعهدت الدول المتعاقدة بعدم اجراء حصر ضد القناة ( المادة الاولى )، وبألا تتعرض بسوء للمهمات أو المبانى أو المنشأت أو سائر متعلقات القناة ( المادة الثالثة ). وفى وقت الحرب لا يجوز للدول المحاربة القيام بأعمال حربية أو عدوانية فى القناة أو ضدها، أو اتيان أعمال من شأنها عرقلة الملاحة فيها أو احدى فتحتيها حتى مسافة ثلاثة أميال بحرية ( أنظر المادة الرابعة ) . ويحرم على الدول المحاربة أخذ أو انزال أى ذخائر أو مهمات حربية أو جنود فى القناة أو أحد موانيها .

وكذلك منعت الاتفاقية الدول فى وقت السلم وفى وقت الحرب من ايجاد سفن حربية داخل مياه القناة بما فيها بحيرة التمساح والبحيرات المرة وأن أعطتها باستثناء الدول المحاربة، الحق فى ايجاد سفينتين حربيتين على الاكثر فى مينائى بور سعيد والسويس ( أنظر المادة السابعة ). وفى وقت الحرب لا يجوز للسفن الحربية التابعة للدول المحاربة أخذ تموين من القناة الا إلى الحد الضرورى . ويكون مرورها فى أقصر وقت ممكن وليس لها أن تمكث فى مينائى بورسعيد أو السويس أكثر من 21ساعة الا فى حالة الضرورة الملحة، ويراعى مرور 24ساعة بين خروج سفينة حربية تابعة لدولة محاربة وخروج سفينة حربية معادية .

 

3-  القناة جزء من جمهورية مصر العربية :

تمر قناة السويس بأكملها فى ألاراضى المصرية، والالتزامات الواردة فى اتفاقية القسطنطينية الخاصة بحرية مرور السفن فى القناة لا تؤثر فى قواعد الاختصاص الاقليمى . كما أن منح امتياز استغلال القناة للشركة العالمية لقناة السويس – التى كانت تستمد وجودها من التشريع الداخلى ومن ثم كانت شركة مصرية – لا يؤثر فى سيادة مصر على القناة أو فى اعتبارها مرفقاً عاماً مصرياً .

 

ولقد نصت على ذلك المادة الثالثة عشرة من الاتفاقية حيث ورد فيها " وفيما عدا الالتزامات الموضحة صراحة فى الاتفاق، لا تمس حقوق السلطان ( سلطان تركيا ) و لا الحقوق والحصانات والضمانات التى للخديو ( خديو مصر ) بمقتضى الفرمانات " .

 

واعترفت بهذه القاعدة معاهدة سنة 1936 بين مصر وبريطانيا إذ ورد فى مادتها الثامنة " بما أن قناة السويس – الذى هو جزء لا يتجزأ من مصر .. "، كما ورد النص على ذلك أيضاً فى المادة الثامنة من اتفاق القاهرة فى 19أكتوبر سنة 1954 .

ويترتب على ما تقدم أن السيادة الاقليمية تباشر فى القناة وفى الاراضى المحيطة بها بواسطة جمهورية مصر . ويهمنا أن نبرز فيما يلى أمرين يتعلق أولهما بطبيعة القناة، أما الثانى فيرتبط باختصاص الدفاع عنها .

 

( أ ) مياه قناة السويس داخلية :

قناة السويس تقع برمتها فى أرض مصر، وتعتبر جزءاً منها، ومياهها مياه داخلية وليست مياه اقليمية .

 

وأفتى مجلس الدولة المصرى فى 10مايو سنة 1953 بأن " قناة السويس قناة اقليمها صرفة تقع برمتها فى ارض مصرية وتعتبر جزءاً منها، وهى باعتبارها وحدة مستقلة وقائمة بذاتها عن البحرين اللذين تربط كلا منهما بالآخر لايمكن اعتبارها بحراً . فالملاحة فيها ملاحة داخلية فى مياه داخلية مادامت المراكب التى تقوم بالملاحة لا تخرج منها إلى البحر أو إلى خليج السويس .

وقد رتب مجلس الدولة على هذه المقدمة أن السفن التى تعمل فى قناة السويس فقط، أو فى القناة والبحيرات المتصلة بها دون الخروج إلى البحار لا تقوم بملاحة بحرية . ومن ثم لاتخضع لأحكام القانونين فى 21لسنة 1940 الخاصة بسلامة السفن و84لسنة 1949 بشأن تسجيل السفن التجارية، بل تخضع لاحكام القانون رقم 71لسنة 1941 الخاص بالملاحة الداخلية " .

 

( ب ) اختصاص الدفاع عن قناة السويس :

تختص جمهورية مصر العربية وفقاً لاتفاقية القسطنطينية باتخاذ الوسائل اللازمة للدفاع عن الأمن العام، أو للدفاع عن مصر بما فى ذلك الأراضى الواقعة شرقى قناة السويس، على شرط ألا يؤدىذلك إلى عرقلة الملاحة فى القناة . كما أن الاتفاقية ألقت على عاتق حكومة مصر أن تتخذ فى حدود سلطاتها التدابير اللازمة لاحترام تنفيذ نصوصها . وفى حالة ما إذا لم يكن لدى تلك الحكومة الوسائل الكافية فعليها أن تطلب معاونة الحكومة العثمانية التى عليها أن تتخذ الوسائل الكفيلة وأن تخبر بذلك الدول الموقعة على تصريح لندن 1885.

ولقد أدت ظروف الاحتلال البريطانى لمصر منذ سنة 1882 إلى ادعاء انجلترا أن القناة

طريق حيوى لمواصلاتها الامبراطورية، وإلى مباشرتها بالفعل اقامة تحصينات واسكان جنود بجواد القناة . ولم يترتب على انهاء الحماية البريطانية على مصر فى تصريح 28فبراير سنة 1922 أى تغيير فى الوضع الفعلى، إذ احتفظت انجلترا بحق حماية المواصلات البريطانية وحماية المواصلات الاجنبية . ولقد نصت المعاهدة المصرية البريطانية سنة 1936 التى عقدت فى ظل الاحتلال البريطانى على الترخيص لانجلترا بأن تضع بجوار القناة قوات بريطانية قوامها عشرة الاف جندى كى تتعاون مع قوات الجيش المصرى فى الدفاع عنها، كما نصت المعاهدة على الا يكون لوجود تلك القوات صفة الاحتلال وأنها لا تخل بوجه من الوجوه بحقوق السيادة المصرية على قناة السويس .

هذا الوضع الممتاز الذى كان لبريطانيا فى قناة السويس كان يتضمن مخالفة صريحة للنظام الموضوع للقناة فى سنة 1888 لما يأتى :

1-  تمنع المادة 7فقرة أ من اتفاقية القسطنطينية الدول المتعاقدة والدول الاخرى من ابقاء سفينة حربية فى القناة بما فى ذلك بحيرة التمساح والبحيرات المرة، ولكن الحكومة البريطانية كانت تصر على ابقاء عدد من السفن الحربية وليس فقط فى مينائى دخول القناة – بورسعيد والسويس بل فى مياه القناة ذاتها والبحيرات المذكورة .

2-  تنص المادة 12 من اتفاقية القسطنطينية على تعهد الدول المتعاقدة بأن لا يسعى أى منها للحصول لنفسه فيما يتعلق بالقناة على مزايا اقليمية أو على أمتياز أخرى، ولكن انجلترا انتهزت فرصة احتلالها لمصر لكى تحشد قوات بريطانية فى منطقة القناة وعلى طول هذا الطريق البحرى للمواصلات، وفى هذا خرق فى المبنى والمعنى لاتفاقية القسطنطينية .

والواقع أن قناة السويس وهى طريق للملاحة ذو أهمية دولية كان خاضعاً فى ظل      الاحتلال البريطانى للسيطرة الكاملة لدولة اجنبية واحدة هى انجلترا التى كانت تستطيع بحكم ما لها من قوات زيدت زيادة عظيمة أن تغلق القناة كما نشاء فى وجه أية دولة وفى أية ظروف .

وقد خلا اتفاق القاهرة فى 19أكتوبر سنة 1954 من النص على ادعاء بريطانيا الخاص بأن قناة السويس طريق حيوى لمواصلاتها ( راجع المادة الثامنة ) . وقد ورد به " أن قناة السويس طريق مائى له أهميتة الدولية من النواحى الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية " . وأعربت مصر وبريطانيا عن تصميمهما على احترام الاتفاقية التى تكفل حرية الملاحة فى القناة الموقع عليها فى القسطنطينية فى التاسع والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1888. كما نص الاتفاق على جلاء القوات البريطانية جلاء تاماًً. وبجلاء القوات البريطانية عن منطقة القناة أصبحت مصر هى الدولة المسئولة عن الدفاع عن القناة وهى تتحمل وحدها مسئولية المحافظة على سلامتها .

 

تطبيق مبدأ حرية الملاحة فى قناة السويس :

 

أكدت مصر فى فرمان 1854 مبدأ حرية الملاحة فى قناة السويس لجميع السفن بلا استثناء أو تمييز، ثم جاءت اتفاقية القسطنطينية سنة 1888فأكدت هذا المبدأ بطريقة دولية . ووضعت ضمانات لكفالة استمرار الملاحة فى القناة وحيادها . ومع أن الاصل أن اتفاقية القسطنطينية بما أوردته من حقوق والتزامات بين أطرافها لا تنطلق فى مواجهة غير أعضائها الا أنه من المفهوم أن مبدأ حرية الملاحة الواردة فيها مقرر لمصلحة كل دول العالم وفقاً لفرمان سنة 1854 ولما جرى عليه العمل قبل سنة 1888 وبعدها .

ولم تثير الملاحة فى قناة السويس مشكلات دولية فى الماضى الا فيما يتعلق بوضعها فى أثناء الحرب .

فحينما نشبت الحرب العالميى الاولى أصدرت مصر فى 5أغسطس سنة 1914 أعلاناً قررت فيه استمرار الملاحة الحرة فى قناة السويس للسفن التابعة لكل دول العالم، وبين الاعلان أن السفن الحربية البريطانية لن تعوق حرية الملاحة . على أن هذا الاعلان لم يكن محل احترام بريطانيا التى استطاعت – بفضل احتلالها لمصر – اغلاق القناة فى مواجهة ألمانيا وحلفائها .

ولما قامت الحرب العالمية الثانية فى سنة 1939 أقامت مصر، وكانت تلتزم حالة الحياد، نظاماً لتفتيش السفن التى تعبر قناة السويس، وقامت السلطات البريطانية باغلاق القناة فى مواجهة دول المحور، كما أن السفن الحربية البريطانية استعملت القناة وموانيها للتزويد بالمياه والتموين ولانزال وأخذ الجنود، كما أن الطائرات الألمانية والايطالية هاجمت القوات البريطانية الموجودة فى منطقة القناة .

واتخذت الحكومة المصرية ابتداء من حرب فلسطين سنة 1948 التدابير اللازمة للدفاع عن مصر وعن الاراضى الواقعة شرق قناة السويس، فباشرت فى القناة حقوق الدولة المحاربة من زيادة التفتيش . ومنعت مرور السفن الاسرائيلية والسفن الاخرى لها . كما أنها تصادر البضائع الصادرة من اسرائيل أو التى تكون متجهة إليها مهما كانت جنسية السفن التى تحملها .

 

واستمرت مصر فى مباشرة هذه الحقوق بعد توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر واسرائيل فى سنة 1949. ولقد عارضت دول متعددة من بينهما اسرائيل وانجلترا وفرنسا وأمريكا هذا التصرف .

وفى سنة 1951 لجأت اسرائيل إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتشكو مصر للقيود التى تفرضها على الملاحة فى قناة السويس، وبصفة خاصة لمنعها السفن الاسرائيلية من المرور . ولممارستها حق الزيارة والتفتيش للتأكد من عدم قيام السفن المحايدة بالتهريب الحربى لاسرائيل .

وكانت وجهة نظر اسرائيل أن اتفاقيات الهدنة بين الدول العربية واسرائيل قد أنهت من الناحية الواقعية حالة الحرب، أما وجهة نظر مصر فتتلخص فى أن الهدنة لا تنهى حالة الحرب، وأن القيود التى تفرضها لها أساسها القانونى المترتب على حالة الحرب، وعلى حق مصر فى الدفاع عن نفسها وفقاً للمواد 10،11 من اتفاقية القسطنطينية .

 

وفى أول سبتمبر سنة 1951 صدر قرار من مجلس الأمن أعلن فيه أن استمرار أعمال منع السفن المتوجهة إلى اسرائيل عبر قناة السويس يتنافى مع ما ورد فى اتفاقية الهدنة مع وضع نظام لسلام دائم فى فلسطين .

ودعا مجلس الأمن إلى رفع قيود الملاحة التى فرضتها مصر ضد اسرائيل عبر قناة السويس .

 

ولم تقم مصر بتنفيذ القرار المذكور، وأكدت أن الغرض من قرار مجلس الأمن وهو سلطة سياسية مكلفة بحفظ اللأمن – كان ملافاة حالة واقعية تهدد الأمن الدولى، ولم يقصد منه تغيير قاعدة مستقرة من قواعد القانون الدولى العام، وهى قاعدة أن الهدنة لاتنتهى حالة الحرب، ومن ثم تحتفظ مصر بحقها فى ممارسة حقوق المحاربين طالما لم تتم تسوية سلمية للنزاع العربى الاسرائيلى .

 

ولقد نتج عن ظروف الصراع العربى الاسرائيلى أغلاق قناة السويس مرتين احداهما لفترة قصيرة نتيجة لحرب سنة 1956 والاخرى لمدة ثمانية سنوات فى أعقاب حرب 1967.

ولقد أصدر مجلس الأمن فى 22نوفمبر سنة 1967 قراره رقم 242 لتسوية مشكلة الشرق الاوسط . ويتضمن القرار ما يلى :

اولاً : أكد المجلس أن مبادئ ميثاق الامم المتحدة تتطلب إقامة سلام عادل ودائم فى الشرق الاوسط ينطوى على تطبيق المبدأين التاليين :

( أ ) انسحاب القوات الاسرائيلية المسلحة من الاراضى التى احتلتها فى الصراع الاخير .

( ب ) انهاء جميع أدعاءات أو حالات الحرب، واحترام السيادة والتسليم بها وبسلامة الاراضى والاستقلال السياسى لكل دول المنطقة . وبحقها فى الحياة فى سلام داخل حدود أمنة معترف بها خالية من التهديد أو ةأعمال القوة

 

ثانياً : أكد المجلس ضرورة ما يلى :

( أ ) ضمان حرية الملاحة فى الممرات الدولية فى المنطقة .

( ب ) تحقيق حل عادل لمشكلة الاجئين .

( جـ ) ضمان عدم المساس بالاراضى أو بالاستقلال السياسى لكل دولة فى المنطقة عن طريق اجراءات تشمل انشاء منطقة منزوعة السلاح .

 

وتحتفظ مصر بحقها فى أن تتخذ فى قناة السويس الوسائل اللازمة للدفاع عن الأمن العام وللدفاع عن مصر بالتطبيق للمادة العاشرة من اتفاقية القسطنطينية سنة 1888 . ويجوز لمصر اللجوء لهذه الوسائل فى حالة الحرب أو السلم .

 

النظام القانونى لقناة السويس بعد تاميمها :

( أ ) الادارة المصرية لمرفق الملاحة فى قناة السويس :

فى 26يوليو 1956 صدر القانون رقم 285 لسنة 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس على أن تتولى ادارة مرفق المرور فيها هيئة مصرية مستقلة، كما يتم تعويض أصحاب الاسهم وحصص التأسيس فى الشركة المؤممة . ولقد عارضت بعض الدول وعلى رأسها فرنسا وانجلترا فى حق مصر فى تأميم شركة قناة السويس مدعين أن قرار التأميم الصادر من جانب واحد يجعل القناة تحت سلطة الحكومة المصرية مما يهدد حرية الملاحة فيها، وأن ذلك يخالف أحكام اتفاقية القسطنطينية وعقد الامتياز الممنوح للشركة، وهذه الادعاءات لا سند لها من القانون نظراً لان الحكومة المصرية لها السيادةعلى ثرواتها الطبيعية ومرافقها الاقتصادية وهى قد قامت بعملية التأميم لتحقيق مصلحة قومية عامة ومقابل تعويض.  فضلاً أن تأميم شركة قناة السويس لا يتعارض مع الالتزامات الواردة فى اتفاقية القسطنطينية فيما يتعلق بحرية الملاحة فى قناة السويس، لأن الحكومة المصرية سوف تكفل هذه الحرية وتطبق أحكام الاتفاقية المذكورة .

وقام نزاع دولى بين مصر وانجلترا وفرنسا بصفة خاصة، فقد اقترحت الدولتان المذكورتان انشاء مجلس دولى لادارة القناة . ولقد رفضت مصر هذه الاقتراحات لمساسها بسيادتها . وأعقب ذلك العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956 الذى بدأ بهجوم اسرائيل فى 29أكتوبر سنة 1956 الذى تبعة هجوم انجلترا وفرنسا فى 31أكتوبر . ولما فشل مجلس الأمن فى وقف العدوان تم عرض الموضوع على الجمعية العامة للأمم المتحدة فى جلسة طوارئ مستعجلة، ولقد أصدرت الجمعية العامة فى 2نوفمبر سنة 1956 قراراً بوقف القتال وانسحاب المعتدين، كما أصدرت فى 5 نوفمبر قراراً بتشكيل قوة طوارئ دولية للعمل على تنفيذ القرار المذكور .

 

( ب ) تصريح الحكومة المصرية فى 24 أبريل سنة 1957 بشأن النظام القانونى لقناة السويس :

حينما انتهى العدوان الثلاثى بالفشل، وزالت آثاره بمعاونة الامم المتحدة فى تطهير القناة أصدرت الحكومة المصرية تصريحاً فى 24أبريل سنة 1957 كتعبير غن رغبتها الحرة فى احترام اتفاقية القسطنطينية سنة 1888، وعن عزمها أن تجعل من قناة السويس ممراً مائياً صالحاً يربط شعوب العالم ويخدم قضية السلام والرخاء.

 

ولقد أبلغت الحكومة المصرية تصريحها هذا إلى السكرتير العام للأمم المتحدة . وطلبت منه أن يقوم بتسجيلة فى الامم المتحدة باعتباره وثيقة دولية . ولا جدال فى أن القواعد الواردة فى هذا التصريح وان كانت قد صدرت عن الارادة المنفردة للدولة صاحبة السيادة على قناة السويس الا أن لها طبيعة ملزمة لانها وهت إلى الامم المتحدة وقبلها أعضاؤها بدون منازعة باعتباره القواعد التى ستحكم الملاحة فى قناة السويس .

ويمكن تلخيص القواعد الواردة فى التصريح على النحو الآتى :

1-    احترام اتفاقية القسطنطينية سنة 1888فيما يتعلق بحرية الملاحة فى قناة السويس .

2-    تستمر رسوم المرور فى قناة السويس على ما كانت عليه فى سنة 1936. وإذا حدثت زيادة فى الرسوم فلن تتجاوز هذه الزيادة 1% خلال اثنى عشر شهراً . أما أية زيادة أكثر من ذلك فتتم بطريق المفاوضات، زإذا تعذر الوصول إلى اتفاق يلجأ الاطراف إلى التحكم .

3-    تتعهد الحكومة المصرية بصيانة القناة وتطويرها وفقاً لمقتضيات الملاحة الحديثة .

4-    تدار القناة بواسطة هيئة قناة السويس المستقلة التى أنشاتها الحكومة المصرية فى 26يوليو سنة 1956، وترحب الحكومة المصرية بالتعاون بين الهيئة وممثلى شركات الملاحة والتجارة . وتدفع رسوم المرور مقدماً لحساب هيئة قناة السويس . وتقوم الهيئة بدفع 5% من مجموع الايرادات كاتاوه للحكومة . ولقد جمعت القواعد التى تحكم القناة بما فيها من تفصيلات ادارتها فى لائحة وقواعد المرور .

 

    ولا تستطيع الهيئة أن تمنح أية سفينة أو شركة أو جماعة أى امتياز أو رعاية لا      يمنح للسفن أو الشركات أو الجماعات الاخرى فى الظروف ذاتها

 

5-    ترفع الشكاوى المتعلقة بالتفرقة فى المعاملة أو بلائحة القناة إلى هيئة قناة السويس، وفى حالة عدم الوصول إلى تسوية للشكوى يمكن عرض المسألة حسب رغبة الطرف الشاكى أو هيئة قناة السويس على محكمة للتحكيم . وتؤلف هذه من عضو يعينة الشاكى وعضو تعينة الهيئة وعضو ثالث يختارة الاثنان . وفى حالة عدم الاتفاق على العضو الثالث ويقوم رئيس محكمة العدل الدولية باختيار هذا العضو بناء على طلب أى من الطرفين، وتصدر قرارات محكمة التحكيم بأغلبية أعضائها وتكون ملزمة للأطراف .

6-    تسوى المنازعات والخلافات التى تنشأ بخصوص اتفاقية القسطنطينة سنة 1888أو تصريح سنة 1957 طبقاً لميثاق الامم المتحدة وتعرض الخلافات التى تنشأ حول تفسير أو تطبيق نصوص اتفاقية سنة 1878 على محكمة العدل الدولية اذا لم تحل بطريقة آخر . وقد قبلت الحكومة المصرية اختصاص محكمة العدل الدولية الالزامى فى هذا الشأن, فأصدرت فى 18يوليو سنة 1957 تصريحا وفقا للمادة 36فقرة 2 من نظام محكمة العدل الدولية قبلت بمقتضاه الولاية الالزامية لمحكمة العدل الدولية فى كل المنازعات القانونية التى تنشأ عن تطبيق الفقرة ( ب) من تصريح 24 ابريل سنة 1957 بشرط المعاملة بالمثل ودون حاجة لاتفاق خاص .

 

قناة بناما :

تصل قناة بناما المحيط الاطلسى بالمحيط الهادى, وتفصل أمريكا الشمالية عن أمريكا الجنوبية, وقد افتتحت للملاحة سنة 1941 . وتمر قناة بناما فى أراضى جمهورية بناما التى أعلنت انفصالها عن كولومبيا فى سنة 1903 .

ولقد تحدد نظام الملاحة فى قناة بناما فى معاهدتين : الاولى بين الولايات المتحدة وانجلترا وتاريخها 18 نوفمبر سنة 1901 وهى معاهدة هاى بونسفوت . والثانية بين الولايات المتحدة وبناما وتاريخها 18 نوفمبر سنة 1903 وهى معاهدة هاى فاريلا .

 

ونصت معاهدة هاى بونسفوت على أن تقوم الولايات المتحدة بانشاء القناة وبالاشراف عليها على أن تكون الملاحة فيها حرة للسفن الحربية والتجارية لجميع الدول, وعلى عدم جواز القيام بأعمال حربية فى قناة أو فى المياة الاقليمية المجاورة لها .

 

ونصت معاهدة هاى فاريلا على أن تمنح بناما الولايات المتحدة شقة من الارض تفتح فيها القناة مقابل عشرة ملايين دولارا مضافا اليها ايجار سنوى قدره ربع مليون دولار . وعلى أن تكون القناة وفتحتاها فى حالة حياد, وعلى أن الملاحة فيها حرة .

 

وتخضع منطقة قناة بناما لنظام قانونى خاص مقتضاه أن تؤجر بناما الشقة الضيقة من الارض التى تمر بها القناة الى الولايات المتحدة لمدة مائة عام . وفى الواقع كانت الولايات المتحدة تباشر جميع اختصاصات الدولة على هذه المنطقة .

 

ولقد قامت بناما فى 10 يناير سنة 1946 باعلان الغاء تأجير قناة بناما للولايات المتحدة, ولقد عارضت الاخيرة فى مشروعية هذا الاجراء وجرت مفاوضات بين الدولتين انتهت بتوقيع معاهدة جديدة فى سنة 1978 حلت محل معاهدة هاى فاريلا . وتعترف المعاهدة الجديدية بسيادة بناما على القناة, مع استمرار وجود قوات أمريكية لحماية القناة لمدة خمسين عاما .

 

قناة كييل :

تصل بحر البلطيق ببحر الشمال, وتقع برمتها فى اقليم ألمانيا, وافتتحت للملاحة فى سنة 1896, ولقد ظلت حتى انتهاء الحرب العالمية الاولى خاضعة للاختصاصا المطلق لالمانيا دون أى قيد دولى, ولم تكن المانيا تسمح بالمرور فيها للسفن الاجنبية الا بترخيص خاص.

 

ولقد وضعت المادة 380 من معاهدة فرسايل سنة 1939 نظاما دوليا لقناة كييل مقتضاه وجوب فتحها للملاحة, للسفن التجارية والسفن الحربية لجميع الدول التى فى حالة سلام مع ألمانيا, مع وجوب المساواة فى المعاملة بين سفن الدول المختلفة, وعدم اخضاعها للوائح تعرقل الملاحة الا ما كان ضروريا لاغراض بوليسية أو جمركية أو صحية . وتعهدت ألمانيا بالعمل على صيانة الملاحة فى القناة وبأن لا تفرض من الرسوم الا ما يكون لازما لدفع مصاريف صيانة الملاحة .

 

ولقد فسرت نصوص معاهدة فرسايل الخاصة بقناة كييل فى حكم صدر لمحكمة العدل الدولية الدائمة فى قضية السفينة ويميلدن . وتتلخص وقائع القضية فى أن الحكومة الالمانية منعت سفينة انجلتزية مؤجرة لشركة فرنسية من المرور فى القناة أثناء الحرب الروسية البولونية سنة 1920 بدعوى أن السفينة تحمل شحنة من الذخيرة لبولونيا . وقد عارضت فرنسا وبريطانيا فى هذا الاجراء ورفعنا النزاع لمحكمة العدل الدولية الدائمة فى سنة 1923. واحتجت ألمانيا أمام المحكمة بأن قناة كييل جزء من اقليمها وبأنها كانت فى حالة حياد بالنسبة للحرب الروسية البولونية فلم يكن من الممكن أن تسمح لسفينة تحمل مهربات حربية لاحدى الدول المتحاربة بالمرور دون أن تخرق قواعد الحياد . وقررت المحكمة عدم وجاهة حجج الحكومة الالمانية, وذكرت أن ألمانيا تتقيد لقناة كييل بنصوص معاهدة فرسايل هذه لا تبيح لها أن تمنع مرور السفن الاجنبية الا فى حالتين : وهما أن تكون السفينة تابعة لدول مشتبكة فى حرب مع ألمانيا نفسها, أو أن يكون المنع لضرورة بوليسية أو جمركية أو صحية . وحكمت المحكمة على ألمانيا بالتعويض .

 

ولقد قامت المانيا فى سنة 1936 بنقض المادة 380 من معاهدة فرسايل, ولما انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة ألمانيا عاد ذلك النظام مرة أخرى .

 

                             خامسا – المضايق

 

المضايق عبارة عن فتحات طبيعية ضيقة تصل بين بحرين, ويشترط لاعتبار الفتحة مضيقا, ألا يتجاوز اتساعها ضعف عرض البحر الاقليمى .

واذا كان المضيق واقعا برمته فى اقليم دولة واحدة. وكان لا يصل بين جزئين من أعالى البحار, عدت مياهه مياها داخلية وباشرت الدولة الساحلية عليه سائر مظاهر اختصاصها العام . واذا كان المضيق الذى لا يصل بين جزئين من أعالى البحار واقعا فى اراضى اكثر من دولة باشرت الدولة الساحلية اختصاصها الاقليمى على ما يدخل فى مياهها الاقليمية من مياه المضايق .

 

أما بالنسبة للمضيق الذى يصل بين جزئين من أعالى البحار, فلقد استقر العرف الدولى على ايراد تنظيم خاص لاستعماله ولو كان واقعا فى اقليم دولة واحدة, فأوجب تشجيعا للتجارة الدولية أن يفتح للملاحة الدولية. ولقد أكدت محكمة العدل الدولية فى حكم مضيق كورفو سنة 1949, أنه من المقرر بصفة عامة ومن الموافق للعرف الدولى, أن الدول تملك فى وقت السلم حق تمرير سفنها الحربية فى المضايق المخصصة للملاحة الدولية والتى تربط بين جزئين من البحار العامة دون حاجة للحصول على موافقة من الدول المجاورة للمضيق مادام المرور بريئا . ومن الملاحظ أن المحكمة جعلت الاعتبار الاساسى لاعتبار المضيق دوليا هو المعيار الجغرافى وهو أن المضيق يصل بين جزئين من أعالى البحار .

 

نظام المضايق فى اتفاقية جنيف 1958 :

ولقد أقرت المادة 16 من اتفاقية جنيف 1958 للبحر الاقليمى والمنطقة المجاورة, حرية الملاحة فى المضايق, وأوردت بعض القواعد الهامة التى ذهب بعضها الى مما استقر عليه العرف الدولى  ومما أوضحته محكمة العدل الدولية فى قضية مضيق كورفو . فطبقا للمادة المذكروة لا يقتصر استعمال حق المرور البرئ فى المضايق على تلك التى تصل بين جزئين من أعالى البحار, بل يشمل ايضا تلك التى تصل بين أعالى البحار وبين المياه الاقليمية لدولة من الدول .

ويبدو أن هذا الموقف من جانب مؤتمر جنيف قصد منه معارضة موقف الدول العربية من فرض سيادتها على مضايق تيران وصنافير وذلك لأن الدول العربية كانت لا تعتبر هذه المضايق دولية على أساس أنها تصل بين جزئين من أعالى البحار للدول العربية .

ومن الشائع أن تعقد اتفاقات دولية لتنظيم الملاحة فى المضايق, وأهم ما عقد منها كان خاصا بجبل طارق, وبالمضايق التركية, ومضيق ما جلان.

 

( أ ) جبل طارق :

تقرر مبدأ حرية المرور فى مضيق طارق بموجب اتفاقات عقدت بين فرنسا وانجلترا وأسبانيا . فقد اتفقت انجلترا - التى احتلت صخرة جبل طارق منذ سنة 1704 –  مع فرنسا فى الوفاق الذى عقد فى لندن فى 8 أبريل سنة 1904 والخاص بمصر ومراكش على ضمان الدولتين لحرية المرور فى مضيق جبل طارق . وأقرت أسبانيا هذا الوضع فى اتفاقها الذى عقد مع فرنسا سنة 1912 الخاص بمركز الدولتين فى مراكش . كما أكدت اتفاقية تدويل طنجة سنة 1923 هذا الوضع وجعلت طنجة فى حياد دائم .

 

(ب) البوسفور والدردنيل :

سبق أن أشرنا الى نظام المضايق التركية عند الكلام على البحر الاسود ورأينا أنه منذ الحظة التى أصبح فيها البحر الاسود بحرا حرا أصبح من اللازم تقرير مبدأ حرية الملاحة فى البوسفور والدردنيل . وهذا ما تأيد فى معاهدة باريس سنة 1956 وفى بعض المعاهدات اللاحقة وعلى الخصوص معاهدة لوزان سنة 1923 التى أقرت مبدأ حرية المرور فى المضايق التركية للسفن التجارية والحربية للدول المختلفة وذلك فى وقت السلم ووقت الحرب اذا كانت تركيا فى حالة حياد . كما منعت المعاهدة تركيا من تسليح المضايق مقابل تعهد الدول بضمان سلامتها من كل اعتداء . وشكلت معاهدة لوزان لجنة دولية سميت لجنة المضايق لمراقبة تنفيذ أحكامها وتبليغ المخالفات لعصبة الامم .

 

وفى سنة 1936 طلبت تركيا اعادة النظر فى معاهدة لوزان لتغير الظروف التى عقدت فى ظلها, وبالذات لتخرج الحالة الدولية فى البحر الابيض واحتمال نشوب حرب, فعقدت معاهدة مونترية فى 26 يوليو سنة 1936 التى أعادت لتركيا كثيرا من حقوقها على المضايق, ولقد قررت معاهدة مونتريه ابقاء مبدأ حرية الملاحة للسفن التجارية كما كان عليه فى معاهدة لوزان . أما بالنسبة للسفن الحربية, فقد تقرر قصر مرور السفن الحربية التابعة لغير دول البحر الاسود على السفن الخفيفة غير الغواصات وبشرط أن يكون المرور نهارا وبعد اخطار سابق وذلك فى وقت الحرب اذا لم تكن تركيا طرفا فيها . أما اذا كانت تركيا دولة محاربة أو كانت مهددة بالحرب, توقف مرور المراكب المحاربة على ارادة الحكومة التركية . كما أباحت معاهدة مونترية لتركيا تحصين المضايق, وألغت لجنة المضايق التركية وأعطت اختصاصها للحكومة التركية .

 

ولقد طبقت تركيا هذا النظام فى أثناء الحرب العالمية الثانية. فمنعت مرور السفن الحربية التابعة للدول المحاربة ومنها روسيا. ولما انتهت الحرب طالبت روسيا منذ 1945 باعادة النظر فى معاهدة مونتريه بما يصون لها مصالحها العسكرية, وبما يحقق اشرافا مشتركا لروسيا وتركيا على البوسفور والدردنيل, ولقد رفضت تركيا ما ذهبت اليه روسيا وأيدتها فى ذلك الدول الغربية .

( جـ ) مضيق ماجلان :

يقع هذا المضيق فى أمريكا الوسطى ويصل بين المحيطين الهادى والاطلسى . ولقد قررت اتفاقية 1881 المبرمة بين الارجنتين وشيلى حرية المرور فى المضيق ومنعت اقامة تحصينات عليه, على أن هذا النظام لم تحترمه الدول الكبرى فى الحربين العالمتين الاولى والثانية . وتشعر الولايات المتحدة بصفى خاصة بأهمية هذا المضيق باعتباره بديلا لقناة بناما فى حين أغلاقها .

 

                                        المبحث الخامس

                                          البحــــــــــار

                             أولا : البحر الاقليمى

تباشر الدولة سيادتها على بحرها الاقليمى أو كما يسميه البعض بحرها الساحلى . وهو عبارة عن مساحة من البحر ملاصقة لشواطئها وممتدة نحو أعالى البحار . ويطلق البعض على هذه المساحة اصطلاح المياه الاقليمية يبد أن التسمية الاخيرة قد توقع فى الخلط ؛ لأن البعض يستعملها بمعنى يشمل فى نفس الوقت المياه الداخلية والبحر الاقليمى, مع أن المياه الداخلية يختلف نظامها القانونى عن نظام البحر الاقليمى .

ولا يزال بعض الغموض يكتنف موضوع البحر الاقليمى, وذلك لأن الآراء لم تتفق حول مدى اتساعه . ومما زاد فى صعوبة البحث أن العرف الدولى فيما يتعلق بالبحر الاقليمى غير واضح, وأن التشريعات الداخلية تأخذ بحلول مختلفة ومتعارضة فى كثير من الاحوال, هذا فضلا عن فشل مؤتمرى جنيف 1958, 1960 فى تحديد اتساع البحر الاقليمى .

 

اتساع البحر الاقليمى :

1- تطور العرف الدولى :

لا توجد فى الوقت الحالى قاعدة من قواعد القانون الدولى العام تحدد بدقة اتساع البحر الاقليمى لكل دولة, وقد اختلفت الآراء فى هذا الشأن .

 

ولقد ذهب الفقيه الهولندى بنكر شكوك فى أوائل القرن الثامن عشر الى قصره على ذلك الجزء من البحار العامة الذى تستطيع الدولة الساحلية حمايته بواسطة المدافع التى تقيمها على شواطئها . ولما كان أقصى مرمى للمدافع فى ذلك الوقت ثلاثة أميال بحرية, فقد رأى العالم جاليانى فى سنة 1783 تحديد اتساع البحر الاقليمى بهذا القدر .

وقد استقرت قاعدة الاميال الثلاثة على ممر الزمن وأخذت بها التشريعات الداخلية لدول مختلفة, وأيدتها بعض الاتفاقات الدولية كاتفاقية القسطنطينية الخاصة بقناة السويس 1888, وكالاتفاقيات التى أبرمتها أمريكا مع انجلترا وهولندا وألمانيا سنة 1924, ومع الصين سنة 1926, ومع اليابان سنة 1928 .

ولقد رأى كثير من الدول فى العصر الحديث أن هذا التحديد ليس كافيا لتحقيق مصالحها الاقتصادية ولحماية أمنها وعلى الخصوص بعد زيادة مرمى المدافع وبعد ما طرأ من تقدم علمى وصناعى, فقامت بتوسيع بحرها الاقليمى .

 

وبمراجعة تشريعات الدول فى هذا الشأن حتى سنة 1972 يتضح الآتى :

( أ ) هناك دول لا تزال تتمسك بقاعدة الثلاثة اميال وهى :

استراليا والبحرين وباربادوس وبلجيكا والبرازيل والدانمراك وفرسنا وألمانيا الشرقية والغربية وايرلندة واليابان والاردن وهولنده ونيوزيلاند وعمان والفلبين وقطر وسنغافورة واتحاد الامارات العربيبة المملكة المتحدة والولايات المتحدة الامريكية .

 

(ب) وتحدد بعض الدول بحرها الاقليمى بأربعة أميال وهى :

فنلندة, السيلان, والنرويج, السويد .

 

( جـ ) وتحدد دول أخرى بحرها الاقليمى بسته أميال وهى :

كوبا, دومنكان, هايتى, اسرائيل, ايطاليا, ساحل العاج, مالطة, جنوب افريقيا, أسبانيا, تونس, تركيا .

 

( د ) وتحدد يوجوسلافيا بحرها الاقليمى بعشرة أميال .

 

(هـ) وتحدد الدول الآتية بحرها الاقليمى باثنى عشر ميلا : بلغاريا, بورما, كامبوديا, سيلان, الكونجو, قبرس, داهومى, مصر, غينيا, اثيوبيا, غانا, جواتيمالا, هندوارس, الهند, أندونيسيا, ايران, العراق, كينيا, كوريا, الكويت, ليبريا, ليبيا, مدغشقر, ماليزا, موريتانيا, موريشيوش, المكسيك, المغرب, الباكستان, رومانيا, السعودية, السنجال, الصومال, الاتحاد السوفيتى والسودان, سوريا, تانزانيا, تايلاند, توجو, الشارقة, فنزويلا, اليمن .

 

( و ) وتحدد دول أخرى بحرها الاقليمى بأكثر من اثنى عشر ميلا وذلك على النحو الآتى :

الكامرون 18ميلا, جابون 25ميلا, جامبيا 50 ميلا, غينيا 130 ميلا, نيجيريا 30 ميلا .

أما الدول الآتية فتحدد بحرها الاقليمى بمائتى ميل : الارجنتين, البرازيل, شيلى, أكوادور, سلفادور, بناما, بيرو, سيراليون, أوروجواى .

 

2- اتساع البحر الاقليمى المصرى :

كانت المادة الاولى من المرسوم الصادر فى 15 يناير سنة 1951 تحدد اتساع البحر الاقليمى المصرى بستة أميال بحرية فى اتجاه البحر وحددت المادة الاولى الميل البحرى بـ 1850 مترا .

ولقد احتجت بعض الدول على التحديد الوارد فى مرسوم المياه الاقليمية المصرى, وبصفة خاصة رفضت كل من انجلترا والولايات المتحدة الاعتراف بما ذهب اليه المرسوم المصرى من تحديد اتساع البحر الاقليمى بستة أميال بحرية .

وفى سنة 1958 واستجابة للاعتبارات الاقتصادية ولاعتبارات الأمن وسعت مصر مرة أخرى اتساع بحرها الاقليمى . فلقد صدر قرار رئيس الجمهورية فى 17 فبراير سنة 1958 الذى حدد اتساع البحر الاقليمى باثنى عشر بحريا .

 

3- اتفاقية جنيف 1958 لا تحدد اتساع البحر الاقليمى :

يعتبر تحديد اتساع البحر الاقليمى أهم عقبة صادفت مؤتمر جنيف سنة 1958 لقانون البحار . ولقد كان مشروع لجنة القانون الدولى المعروض على المؤتمر يخلو من مثل هذا التحديد, وان اكتفت المادة الثالثة منه بالنص على  أن لكل دولة أن تحدد بحرها الاقليمى بما لايزيد عن اثنى عشر ميلا بحريا. ويمكن تلخيص الاتجاهات التى ظهرت فى مؤتمر جنيف على النحو الآتى :

( أ ) كانت الدول البحرية الكبرى, وعلى رأسها الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا واليابان وبلجيكا, ترغب فى التمسك بالنزعة التقليدية ومقتضاها اعتبار اتساع البحر الاقليمى ثلاثة أميال , ومن هذا الفريق أيضا بعض الدول الاسكندنافية التى تحدد بحرها الاقليمى بأربعة أميال .

ومن الواضح أن القاعدة التقليدية تخدم مصالح الدول البحرية الكبرى الحربية والتجارية؛ لأن المحاولات التى تبذل لزيادة اتساع البحر الاقليمى أو المياة الداخلية للدول الساحلية تؤدى الى تقييد حرية الاساطيل الحربية لهذه الدول فى التحرك, كما تؤدى الى تضييق مساحات أعالى البحار التى تقوم سفنها التجارية وطائراتها بالملاحة الحرة فيها, فضلا عن أنها تقيد حريتها فى مد الاسلاك التليفونية والتلغرافية فى مناطق كانت تعتبر أصلا من أعالى البحار .

   

(ب‌)   أما بعض دول أمريكا اللاتينية فقد تبنت نزعة مبناها التوسع فى البحر الاقليمى حتى 200ميلا بحريا . وكان من بين هذه الدول بيرو التى اقترحت أن يكون لكل دولة مطلق الحرية فى تحديد بحرها الاقليمى بدون قيود . ووجهة نظر هذه الدول تتلخص فى ضرورة حماية أمن الدولة الساحلية ومصالحها فى الصيد وفى استغلال الثروات الطبيعية .

   (جـ) كما ظهرت نزعة توفيقية رفض أصحابها الاعتراف بقاعدة الثلاثة أميال, وطالبوا بأن يكون اتساع البحر الاقليمى اثنى عشر ميلا فقط .

ومن هذه الدول الاتحاد السوفيتى والدول العربية .

 

وقد فشل المؤتمر فى الوصول الى أى اتفاق فى هذا الشأن وجاءت اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة خالية من تحديد لاتساع البحر الاقليمى .

ومع ذلك يمكن القول , على ضوء مناقشات المؤتمر وتشريعات الدول المختلفة, أن قاعدة الثلاثة أميال أصبحت فى ذمة التاريخ كقاعدة ملزمة, وأن الاتجاهين الغالبين هما : الستة أميال والاثنى عشر ميلا . وعلى الدول وهى تحدد بحرها الاقليمى ألا تغالى فى هذا الشأن مما يؤدى الى المساس بمبدأ حرية الملاحة الدولية فى أعالى البحار والا كان من حق الدول الاخرى الاعتراض عليها وعدم الاعتراف بما قد يكون فيه تعسف .

ولما انعقد مؤتمر جنيف الثانى لقانون البحار فى ابريل سنة 1960 لبحث موضوع اتساع البحر الاقليمى لم تتفق الدول الاعضاء على قاعدة تحدد هذا الاتساع . ولقد تقدمت الولايات المتحدة وكندا باقتراح مقتضاه أن يكون اتساع البحر الاقليمى ستة أميال, وأن تكون للدولة حقوق الصيد فى ستة أميال تالية, وذلك اذا كانت سفن الدولة قد جرت على الصيد باستمرار فى تلك المنطقة. ولكن هذا الاقتراح لم يحصل على اغلبية ثلثى الاصوات.

 

طريقة قياس البحر الاقليمى :

من المهم أن نحدد بدقة الخط الذى يقاس ابتداء منه البحر الاقليمى لأن مايقع داخل هذا الخط يعتبر ضمن المياه الداخلية وما يقع خارجه يدخل فى البحر الاقليمى حتى نهاية اتساع هذا البحر.

 

1-  خط مياه الجذر الذى يتبع تعرجات الساحل :

استقر العرف الدولى على أن يقاس البحر الاقليمى من أدنى حد لانحسار الماء من الساحل . وأكدت هذه القاعدة المادة الثالثة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة، التى نصت على أن القاعدة التى يقاس منها عادة البحر الاقليمى هى خط مياه الجذر الممتد على طول الساحل والذى يتبع تعرجات كما هو موضوح بالخرائط ذات المقياس الكبير المعترف بها رسمياً من دولة الساحل.

 

2- الخطوط المستقيمة :

من الامور المعقدة والتى أثارت كثير من الخلافات الاتجاه الذى اتبعة بعض الدول ومقتضاه أنه من اللازم دائماً أن يقاس البحر الاقليمى من خط مياه الجذر الممتد على طول الساحل والذى يتبع تعرجات وانحناءاته، بل يجوز فى بعض الظروف أن تكون القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى عبارة عن خطوط مستقيمة ترسم من نقط على الساحل أو مجاورة له إلى نقطة أخرى توجد على ساحل أو بجواره .

ولقد أقرت محكمة العدل الدولية هذا الاتجاه فى قضية المصايد بين انجلترا والنرويج فى سنة 1951. وتتلخص وقائع النزاع فى أن النرويج صادرت سفينة صيد بريطانية فى منطقة بحرية تقع شمال النرويج تدعى السيادة عليها على اعتبار أنها تدخل فى بحرها الاقليمى . وكانت المياه محل النزاع تبعد عن شاطئ النرويج بأكثر من أربعة أميال ( وهو أتساع البحر الاقليمى وفقاً للتشريع النرويجى ) ومن ثم اعتبرتها بريطانيا من أعالى البحار، أما النرويج فدافعت عن وجهة نظرها بأنها تقيس بحرها الاقليمى فى هذه المنطقة من خطوط مستقيمة تبعد عن الشاطئ نظراً لكثرت تعرجات الشاطئ ومنحنيات العميقة، وأن المنطقة المتنازع عليها تدخل فى بحرها الاقليمى وفقاً لهذا القياس .

 

وأخذت المحكمة بوجهة نظر النرويج، وقررت أنه إذا كان الشاطئ كثير التعارج كشاطئ فينمارك فى شمال النرويج، أو محفوفاً بأخييل كشاطئ سكار جارد فى غرب النرويج، تكون القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى مستقلة عن خط مياه الجذر، ويصبح ومن غير الضرورى أن تتبع هذه القاعدة الشاطئ فى كل منحنياته وتعرجاته .

 

ومن الواضح أن المبادئ التى أقرتها المحكمة تمثل تحولا عن القواعد التقليدية لقياس البحر الاقليمى . ومن شأن هذا التحول امكانية الخروج على القاعدة التى كانت تقرر قياس البحر الاقليمى من خط يتبع تعرجات الشاطئ، كما أن شأنه القضاء نهائياً على القاعدة التى كانت تقرر أن فتحة الخليج لا تزيد على عشرة أميال

 

وقد أخذت المادة الرابعة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة بفكرة الخطوط المستقيمة، وأباحت للدولة الساحلية فى حالة ما إذا كان الشاطئ تكثر به التعرجات العميقة أو تحف به مجموعات من الجزر أن تجعل القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى عبارة عن خطوط مستقيمة ترسم نقط على الساحل أو مجاورة له نقط أخرى تقع على الساحل أو تكون مجاورة له .

 

كما يجوز أتباع طريقة الخطوط المستقيمة إذا وجد لذلك مبرر اقتصادى يؤيده الاستعمال الطويل، كما لو رغبت الدولة الساحلية فى أن تدخل فى بحرها الاقليمى منطقة من البحر تكون لها أهمية خاصة للصيادين على أعتبار أنهم كانوا ينفردون بالصيد فيها بصفة دائمة .

 

ولقد اشترطت المادة الرابعة ألا تبعد الخطوط المستقيمة بدرجة كبيرة عن الاتجاه العام للشاطئ، كما منعت رسم الخطوط المستقيمة من وإلى الضحاضيح التى تظهر فقط فى وقت الجذر الا إذا ما وجدت منارات أو منشآت ثابتة على هذه الضحاضيح تكون ظاهرة فوق سطح البحر .

 

واتباع طريقة الخطوط المستقيمة يخدم مصالح الدولة الساحلية إذ يترتب عليه ضم أجزاء من أعالى البحار إلى بحرها الاقليمى، كما يترتب عليه اعتبار بعض مناطق البحر الاقليمى التى توجد داخل الخطوط المستقيمة ضمن المياه الداخلية للدولة الساحلية .

وإذا ترتب على اتباع طريقة الخطوط المستقيمة، وفقاً للمادة الرابعة اعتبار بعض مناطق من أعالى البحار أو من البحر الاقليمى ضمن المياه الداخلية للدولة الساحلية، فأنه يجب فى هذه الحالة احترام حق المرور البرئ فى هذه المناطق ( المادة الخامسة ) .

 

3- قياس البحر الاقليمى فى حالة وجود الخليج :

على أنه فى حالة وجود خليج لاتزيد اتساع فتحته على أربعة وعشرين ميلاً، تكون القاعدة عبارة عن خط يرسم عبر فتحتة الخليج، أما إذا زادت فتحة الخليج عن أربعة وعشرين ميلاً تكون قاعدة البحر الاقليمى خطاً يرسم داخل الخليج حيث يضيق الاتساع إلى أربعة وعشرين ميلاً .

 

بعض قواعد القياس الأخرى :

وفى حالة وجود ميناء، تعتبر أبعد الاجزاء فى منشآته الدائمة جزءا من الساحل، وتعتبر الاحواض المخصصة للتحميل ولتفريغ السفن أو لرسوها التى توجد بأكمالها أو يوجد جزء منها خارج البحر الاقليمى للدولة الساحلية جزءا من بحرها الاقليمى .

وإذا وجدت ضحاضيح داخل البحر الاقليمى المقاس من الارض الرئيسية أو جزيرة تابعة لها، يقاس البحر الاقليمى من الحافة الخارجية للضحضاح .

ويقاس البحر الاقليمى لجزيرة ما بنفس الطرق التى يقاس بها البحر الاقليمى للأرض الرئيسية . وفى حالة وجود مجموعة من الجزر تكون أرخبيلا بحيث لا تزيد المسافة بين الجزر عن ضعف اتساع البحر الاقليمى – فان مياه الارخبيل تعتبر مياها داخلية، ويقاس البحر الاقليمى من الشاطئ الخارجى للجزر. على أن بعض الدول تعتبر مياه الارخبيل مياها داخلية فى جميع الاحوال، ومن أن اندونيسيا قررت اعتبار كل المياه الواقعة فى أرجبيل أندونيسيا مياها داخلية، كما قررت الفلبين اعتبار مياه خليج الفلبين مياها داخلية .

 

ويكون حد البحر الاقليمى بين دولتين، يقع شاطئ أحداهما فى مواجهة شاطئ الأخرى هو خط الوسط الذى تقع كل نقطة منه على أبعاد متساوية من أقرب النقط للقاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى لكل من الدولتين، ويجوز بالاتفاق تعيين حد آخر، كما يجوز مراعاة للحقوق التاريخية أو لظروف خاصة أخرى، تعيين الحد على نحو آخر .

 

طريقة قياس البحر الاقليمى لجمهورية مصر العربية :

حدد مرسوم 15يناير 1951 المعد بقرار رئيس الجمهورية فى 18فبراير سنة 1958اتساع البحر الاقليمى المصرى بأثنى عشر ميلاً بحرياً.

وبينت المادة السادسة من المرسوم المذكور، القاعدة التى يقاس منها اتساع البحر الاقليمى، وأقرت القاعدة الاساسية ومقتضاها أن البحر الاقليمى يقاس من أدنى حد لانحسار المياه على الساحل وذلك إذا كان البر أو شاطئ جزيرة ما مكشوفاً بأكمله للبحر .

ومع ذلك فقد أتبع مرسوم سنة 1951 طريقة الخطوط المستقيمة وبعض القواعد الاخرى لتحديد القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى وذلك على النحو الآتى :

1-  فى حالة وجود خليج مواجه البحر المفتوح، خطوط ترسم من أحد طرفى الارض من مدخل الخليج إلى الطرف الآخر .

2-  فى حالة وجود ميناء أو مرفأ فى مواجهة البحر المفتوحة، خطوط ترسم على طول الجانب المواجه للبحر من المنشآت الاكثر بروزاً من منشلآت الميناء أو المرفأ، وخطوط ترسم كذلك فيما بين أطراف تلك المنشآت .

3-  فى حالة وجود جزيرة لا تبعد عن البر بأكثر من أثنى عشر ميلاً بحرياً، خطوط ترسم من البر على الشواطئ الخارجية للجزيرة .

4-  فى حالة وجود مجموعة من الجزر يمكن وصلها ببعضها بخطوط لا يزيد طول الواحد منها على أثنى عشر ميلاً بحرياً، خطوط ترسم على طول الشواطئ الخارجية لجميع جزر المجموعة إذا كانت الجزر على هيئة سلسلة، أو ترسم على طول الشواطئ الخارجية للجزر الاكثر بروزاً من المجموعة إذا لم تكن الجزر على هيئة سلاسل .

5-  فى حالة وجود ضحضاح لا يبعد بأكثر من أثنى عشر ميلاً بحرياً عن البر أو عن جزيرة مصرية، خطوط ترسم من اليابس أو من الجزيرة على طول الحافة الخارجية للضحضاح .

 

كما نص المرسوم فى مادته السابعة على أنه إذا ترتب على قياس المياه الاقليمية عملاً بأحكامه أن تخلف حيز مما يعتبر من مياه أعالى البحار تحيط به المياه الاقليمية من جميع الجهات لا يتجاوز امتداده فى أى اتجاه عن أثنى عشر ميلاً بحرياً، فأن ذلك الحيز يكون جزءاً من المياه الاقليمية .

وينطبق الحكم نفسه على أى جيب متميز بوضوح من أعالى البحار يمكن أن تتم الاحاطة به برسم خط مستقيم واحد لا يزيد طوله على أثنى عشر ميلاً بحرياً . كما ذكر المرسوم المصرى فى المادة الثامنة أنه إذا حدث أن تداخلت مياه دولة أخرى فى المياه الاقليمية للدولة المصرية المحددة وفقاً لهذا المرسوم فتقوم الحكومة المصرية بتعيين الحدود بالاتفاق مع الدولة صاحبة الشأن وفقاً لمبادئ القانون الدولى العام .

 

النظام القانونى للبحر الاقليمى :

تثور هنا مشكلة أولية تتعلق بطبيعة حق الدول على بحرها الاقليمى، وتقرر أغلبية الشراح أن البحر الاقليمى يخضع لسيادة الدولة شأنه فى ذلك شأن الاقليم الارض . ويعاض آخرون هذا الرأى ويقررون أن البحر الاقليمى جزء من أعالى البحار تباشر الدولة عليه بعض الاختصاصات تحقيقاً لاغراض خاصة دفاعية وصحية واقتصادية . وقد جرى العرف الدولى على الاخذ بالرأى الاول .

وجاءت اتفاقية الطيران المدنى الدولى الموقعة بشيكاجو فى 7 ديسمبر سنة 1944مؤيدة للعرف الدولى فنصت مادتها الثامنة على أن يشمل أقليم الدولة الاراضى والمياه الاقليمية .

 

كما أكدت المادة الاولى من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة سنة 1958 سيادة الدولة على بحرها الاقليمى على أن تباشر هذه السيادة فى الحدود الواردة فى الاتفاقية وفى القانون الدولى . وبينت المادة الثانية من نفس الاتفاقية أن سيادة الدولة على بحرها الاقليمى تتضمن سيادتها على الفضاء الهوائى الذى يعلوه وعلى قاعة وما تحت القاع .

 

وبهذه القاعدة أخذ مرسوم سنة 1951، فنص فى مادته الثانية على أن " المياه الاقليمية المصرية وكذا الفضاء الجوى الذى فوقها والارض التى تحتها، وما تحتها من باطن الارض خاضعة لسيادة الدولة المصرية مع احترام أحكام القانون الدولى الخاصة بالمرور السلمى لسفن الدول الأخرى ".

ويترتب على خضوع البحر الاقليمى لسيادة الدولة الساحلية أنها تباشر كقاعدة عامة، كافة مظاهر اختصاصها الاقليمى فيه، فهى تقوم بوضع التشريعات واللوائح لتنظيم الملاحة والصيد والشئون الصحية والأمن الساحلية والصيد فى البحر الاقليمى على رعاياها .

ويخضع الفضاء الهوائى الواقع فوق البحر الاقليمى لسيادة الدولة الساحلية، ولا يجوز للطائرات الاجنبية أن تحلق فيه الا بترخيص من الدولة الساحلية .

وتحتكر الدولة الساحلية استغلال الثروات الطبيعية الموجودة فى قاع البحر الاقليمى وتحت قاعة .

 

حق المرور البرئ :

 

إذا كانت القاعدة هى أن البحر الاقليمى يخضع لسيادة الدولة الساحلية، فانه من المقرر أن مباشرة تلك الدولة لاختصاصها فى البحر الاقليمى يخضع لبعض القيود التى تقررت لصالح الملاحة الدولية وأهم قيد فى هذا الشأن هو حق المرور لبرئ .

فمن المتفق عليه أن السفن التابعة لجميع الدول تتمتع بحق المرور البرئ فى البحر الاقليمى دون أن يتوقف ذلك على موافقة الدولة الساحلية .

ويقصد بالمرور البرئ الملاحة عبر البحر الاقليمى بقصد اختراق ذلك البحر دون الوصول إلى المياه الداخلية، أو بقصد الوصول إلى المياه الداخلية، أو بقصد الخروج من هذه المياه إلى أعالى البحار .

ويتضمن المرور وقوف السفن الاجنبية أو رسوها بقدر ما يكون ذلك متصلاً بالملاحة العادية أو إذا كان ذلك ضرورياً بسبب ظروف قاهرة أو محنة تعرضت لها السفن .

ويكون المرور بريئاً إذا كان لا يضر بسلامة أو أمن أو أنظمة الدولة الساحلية . كما يجب أن يتم هذا المرور وفقاً للأوضاع والقيود المقررة فى القانون الدولى . كما لا يكون المرور بريئاً إذا خالفت السفينة اللوائح التى تضعها الدولة الساحلية بقصد تنظيم الصيد فى بحرها الاقليمى .

ويجب على الدولة الساحلية ألا تعوق المرور البرئ فى بحرها الاقليمى وعليها أن تعلن عن الاخطار الملاحية التى تصل إلى عملها .

ولقد حددت اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة، حقوق الدول الساحلية بالنسبة لاستعمال حق المرور البرئ على النحو الآتى :

( أ ) للدولة الساحلية أن تتخذ فى بحرها الاقليمى الاجراءات اللازمة لمنع المرور غير البرئ، وبعبارة أخرى يكون لها أن تتخذ الاجراءات اللازمة لحماية نفسها من أى عمل يضر بسلامتها أو بمصالحها وفقاً للقانون الدولى .

( ب )  يكون للدولة الساحلية بالنسبة للسفن التى تعبر بحرها الاقليمى لدخول مياهها الداخلية الحق فى أتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع الاخلال بالشروط التى يخضع لها دخول هذه السفن .

( ج ) للدولة الساحلية أن توقف مؤقتاً فى مساحات محدودة من بحرها الاقليمى ممارسة حق المرور البرئ إذا كان ذلك ضرورياً لمنع الاضرار بسلامتها، وبشرط لأن تعلن عن ذلك من قبل . ويجب ألا يكون هناك ايقاف للمرور البرئ فى المضايق التى تستعمل للملاحة الدولية بين جزئين من أعالى البحار أو بين أعالى البحر والمياه الاقليمية لدول أخرى .

( د ) تتمتع السفن التجارية بحق المرور البرئ، وكذلك السفن العامة من حربية وغيرها. ولقد عارض بعض الشراح فى تمتع السفن الحربية بحق المرور البرئ ولكن الرأى الراجح يؤيد تمتعها بهذا الحق بشرط مراعاة بعض القيود كاخطار سلفاً .

ولقد اعترفت اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة للسفن الحربية بحق المرور البرئ وأن كانت قد اشترطت أن يكون مرور الغواصات فوق سطح الماء، وأن تظهر عملها، وأن تغادر هذه السفن البحر الاقليمى متى طلبت منها ذلك الدولة الساحلية فى حالة مخالفة قواعد المرور .

 

ويعد التزام الدولة الساحلية بقبول المرور البرئ قيداً هاماً على اختصاصها الاقليمى لا يوجد له نظير فى حالة الاقليم الارض .

 

المركز القانونى للسفينة الاجنبية الموجودة فى البحر الاقليمى :

رأينا أن القاعدة تقضى باعتبار البحر الاقليمى جزءا من اقليم الدولة الساحلية يخضع لاختصاصها التشريعى والقضائى والتنفيذى . ولكن هذه القاعدة لاتطبق على اطلاقها مراعاة لمبدأ المرور البرئ للسفن الاجنبية، خصوصاً وأنه كثير من الاحوال لا يكون للدولة مصلحة ظاهرة فى مباشرة اختصاصها على السفن المارة فى بحرها الاقليمى، بل وكثيرا مالا يكون فى استطاعتها العلم بما يتم فى هذه السفن من أعمال وتصرفات .

 

ومن الواضح أنه يجب على السفن الاجنبية التى تمارس حق المرور البرئ أن تراعى القوانين والانظمة التى تسنها الدولة الساحلية لتنظيم النقل والملاحة .

ولا يجوز تحصيل رسوم على السفن الاجنبية لمجرد مرورها فقط فى البحر الاقليمى، وانما يجوز تحصيل الرسوم التى تكون مقابل خدمات خاصة تؤدة للسفينة على أن يكون ذلك بدون تمييز .

أما فيما يتعلق بالاختصاص الجنائى والمدنى للدولة الساحلية على السفن الاجنبية التى تمر فى بحرها الاقليمى فتجب التفرقة بين السفن العامة والسفن الخاصة .

فالسفن العامة الاجنبية – وهى السفن المملوكة لحكومة أجنبية ومخصصة لخدمة عامة كالسفن الحربية وسفن البريد والمستشفيات – لاتخضع للاختصاص الاقليمى، وإذا ما خالفت القواعد التى وضعتها الدولة الساحلية لمرورها البرئ جاز تكليفها بمغادرة اقليم الدولة .

أما بالنسبة للسفن الخاصة الاجنبية وهى السفن المملوكة لافراد أو لحكومة وتكون مخصصة لاغراض تجارية أو لاغراض خاصة أخرى، فتجب التفرقة بين الاختصاص الجنائى وبين الاختصاص المدنى .

( أ ) الاختصاص الجنائى : على الرغم من خضوع البحر الاقليمى لسيادة الدولة الساحلية استقر العرف الدولى على أنه لا يجوز للدولة الساحلية أن تتخذ أية اجراءات على ظهر سفينة أجنبية تمر فى بحرها الاقليمى بقصد القاء القبض على أى شخص أو القيام بتحريات بسبب أية جريمة ارتكبت على ظهر السفينة أثناء مرورها الا إذا امتدت آثار الجريمة إلى الدولة الساحلية أو كانت الجريمة من نوع يخل بأمن أو بنظام المرور فى البحر الاقليمى، أو إذا طلب ربان السفينة أو ممثل الدولة التى ترفع السفينة علمها مساعدة السطات المحلية، أو كان ضروريا لمكافحة المخدرات .

 

وللدولة الساحلية أن تتخذ الاجراءات التى يخولها لها قانونى بقصد القاء القبض أو القيام بتحريات على ظهر سفينة تمر فى بحرها الاقليمى إذا كانت هذه السفينة قادمة من المياه الداخلية وتم ارتكاب الجريمة فى تلك المياه . وعلى الدولة الساحلية بصفة عامة عند اتخاذ اجراءات القبض أن تراعى صالح الملاحة .

( ب ) الاختصاص المدنى : لا يجوز للدولة الساحلية أن تحجز أو تحول مجرى سفينة أجنبية تمر فى بحرها الاقليمى بقصد ممارسة ولايتها المدنية تجاه شخص موجود على ظهر السفينة كما لا يجوز للدولة الساحلية أن تباشر اجراءات التنفيذ ضد السفن الاجنبية، أو أن تحجزها بغرض مباشرة اجراءات مدنية الا فيما يتعلق بالتزامات التى ارتبطت بها السفينة وبالمسئوليات التى تحملتها أثناء أو بسبب مرورها فى البحر الاقليمى .

ولا يؤثر ذلك أيضاً فى حق الدولة فى أن تحتجز أو توقف السفينة الاجنبية لاتخاذ اجراءات مدنية ضدها إذا كانت هذه السفينة قادمة من مياه الدولة الساحلية، أو إذا كانت السفينة قد رست فى البحر الاقليمى .

 

                           ** ثانياً – المنطقة المجاورة **

هى منطقة من أعالى البحار تجاور مباشرة البحر الاقليمى، وتباشر الدولة الساحلية عليها بعض الاختصاصات فى الشئون الاقتصادية والمالية والجمركية والصحية، وفى مجال المحافظة على أمن الدولة، وعلى حيادها فى حالة الحرب .

 

اتساع المنطقة المجاورة :

عارضت بعض الدول فى حق الدولة الساحلية فى فرض نوع من الاشراف على منطقة مجاورة لبحرها الاقليمى . ولكن أغلبها جرى على الاعتراف بحق الدولة الساحلية فى مباشرة بعض الاختصاصات المتصلة بحماية ووقاية مصالحها المشروعة فى مسافة تتراوح بين 6أميال أو 12ميلاً تضاف للبحر الاقليمى .

 

ولقد حددت المادة التاسعة من المرسوم المصرى سنة 1951 الخاص بالمياه الاقليمية، اتساع المنطقة المجاورة بستة أميال بحرية أخرى تضاف إلى البحر الاقليمى .

وحددت المادة الرابعة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة اتساع المنطقة المجاورة بأنه يجب الا يتعدى أثنى عشر ميلاً من القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى، ومعنى هذا أن الاتفاقية أقرت فكرة المنطقة المجاورة، وأن كانت قد اشترطت ألا يزيد مجموع اتساع البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة عن أثنى عشر ميلاً .

ومن الواضح أن هذا التحديد ليس كافياً بالنظر إلى المطالبات المختلفة التى تقدمها الدول الساحلية بشان فرض اشرافها على المناطق التى تلى بحرها الاقليمى لمسافات تختلف بحسب الغرض من الاشراف

ونلاحظ أنه بعد  تعديل مرسوم سنة 1951 بالقرار الجمهورى الصادر فى17فبراير سنة 1958 أصبح اتساع البحر الاقليمى لجمهورية مصر العربية 12ميلاً، ولهذا السبب أمتنعت جمهورية مصر العربية عن التصويت على هذه المادة من الاتفاقية .

ويكون حد المنطقة المجاورة بين دولتين يقع شاطئ أحداهما فى مواجهة شاطئ الاخرى وعلى مقربة منه عبارة عن الخط المتوسط الذى يقع على أبعاد متساوية من القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى لكل منهما الا إذا وجد اتفاق على غير ذلك .

النظام القانونى للمنطقة المجاورة :

تعتبر المنطقة المجاورة جزءاً من أعالى البحار، فهى لا تخضع لسيادة الدولة الساحلية، ومع ذلك استقر العرف الدولى على أن تباشر تلك الدولة بعض الاختصاصات فى المنطقة المجاورة . ولقد حددت المادة 24من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة اختصاص الدولة الساحلية فى المنطقة المجاورة بصورة ضيقة، فقررت أن هذا الاختصاص يشمل ما يلى :

( أ ) العمل على منع الاخلال بالقوانين الجمركية والمالية والصحية وقوانين الهجرة فى اقليمها أو بحرها الاقليمى، ولم تشر الاتفاقية إلى الاختصاصات المتعلقة بالأمن أو الحياد فى حالة الحرب .

( ب ) المعاقبة على الأخلال بالقوانين المتقدمة إذا ما وقع هذا الاخلال فى اقليمها أو بحرها الاقليمى .

ولقد حددت المادة التاسعة من مرسوم سنة 1951 المعدل فى سنة 1958 اختصاصات مصر فى المنطقة المجاورة بأنه يتناول الاشراف البحرى لتنفيذ القوانين واللوائح الخاصة بالأمن والملاحة والاغراض المالية والصحية . ونلاحظ أن المادة المذكرة منحت مصر حق اتخاذ الاجراءات اللازمة للمحافظة على أمنها فى المنطقة المجاورة، وفى حين أن المادة 24من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة استبعدت الأمن من بين المصالح التى يجوز حمايتها فى المنطقة المجاورة .

 

                           ** ثالثاً – الامتداد القارى

يقصد بالامتداد القارى الطبقات الارضية المنحدرة الواقعة فى قاع أعالى البحار بجوار مياه الدولة الاقليمية . ويرجع اهتمام الدول بالامتداد القارى إلى رغبتها فى استغلال الثروات الطبيعية كالبترول مثلاً – الموجودة فى قاع البحر الممتد خارج البحر الاقليمى، ولا جدال فى أن تقدم وسائل العلم الحديث جعل هذه الموارد أمراً ممكنا .

ولقد بدأت الدول تهتم بالامتداد القارى منذ سنة 1945 حينما حينما أعلنت الولايات المتحدة عزمها على أعتبار الموارد الطبيعية الموجودة تحت قاع البحر فى الامتداد القارى لشواطئ الولايات المتحدة، مملوكة لها وخاضعة لولايتها ورقابتها. وصدرت تصريحات مماثلة من المكسيك سنة 1945 ومن الارجنتين سنة 1946 وشيلى سنة 1947 وايران والسعودية والبحرين سنة 1949 .

كما أصدرت جمهورية مصر العربية تشريعاً يحفظ حقوق سيادتها على الامتداد القارى سنة 1958.

تحديد الامتداد القارى :

اتجهت غالبية الدول إلى تحديد الامتداد القارى على أساس عمق المياه الموجودة فوقة، واتجه البعض الآخر إلى تحديده على أساس مسافة تمتد خارج شواطئ الدولة فى اتجاه البحر .

وحددت المادة الاولى من اتفاقية جنيف للامتداد القارى سنة 1958 بأنه " قاع البحر تحته فى المناطق البحرية المجاورة للشاطئ الكائنة خارج منطقة البحر الاقليمى إلى حيث يصل عمق المياه إلى مائتى متر، أو إلى ما يجاوز هذا العمق إلى الخط الذى يمكن فى حدوده استغلال الموارد الطبيعية الموجودة فى القاع . ويحدد الامتداد القارى للجزر بنفس الطريقة السابقة ".

وحدد قرار رئيس الجمهورية رقم 1501لسنة 1958 الامتداد القارى لمصر بنفس الطريقة التى قررتها الاتفاقية .

 

ويحيط بعض الغموض بتعريف الامتداد القارى وفقاً لاتفاقية جنيف، فيرى البعض أن الاتفاقية لاتسمح بالامتداد الافقى للامتداد القارى تحت أعالى البحار إلى مالا نهاية؛ وذلك لانها أشارت إلى أن الامتداد القارى يوجد فى المناطق البحرية المجاورة للشاطئ . وقد قررت محكمة العدل الدولية فى قضية الامتداد القارى لبحر الشمال سنة 1969 أن كلمة المجاورة تقيد القرب بالمعنى الواسع .

ويترتب على ذلك أن التعريف يشير الى قرب الامتداد القارى من الدول الساحلية ولكنة لا يضع تحديا لامتداده الافقى تحت أعالى البحار, بل يقوم التحديد على أساس العمق فقط . ولقد كان هذا الموضوع محل دراسة المؤتمر الثالث لقانون البحار الذى بدأ أعماله سنة 1974 كما سنبين ذلك فيما بعد .

ويتم تعيين الحدود فى الامتداد القارى بين الدول المتقابلة أو المتجاورة بالاتفاق فيما بينها, فاذا لم يتم التوصل الى اتفاق فقد وضعت المادة السادسة من اتفاقية جنيف للامتداد القارى معيارا مزدوجا يتم تطبيقه, الا اذا وجدت ظروف خاصة تبرر تطبيق حد آخر .

( أ ) فاذا كان الامتداد القارى يتصل باقليمين تابعين لدولتين يقع شاطئ احداهما فى مواجهة شاطئ الدولة الاخرى, كان خط الحدود هو خط الوسط الذى تقع كل نقطة منه على أبعاد متساوية من أقرب النقط للقاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى لكل من الدولتين .

( ب ) واذا كان الامتداد القارى يتصل باقليمين تابعين لدولتين متجاورتين, فان خط الحدود يقع على مسافات متساوية من أقرب النقط على القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى .

ولقد بينت محكمة العدل الدولية فى قضية الامتداد القارى فى بحر الشمال أن ألمانيا الاتحادية ليست ملزمة باتباع قاعدة المسافات المتساوية فى رسم الحدود مع الدنمرك وهولندة فى الامتداد القارى فى بحر الشمال . وذكرت المحكمة أن تطبيق هذه القاعدة يؤدى الى مخالفة العدالة فى بعض الظروف الجغرافية كما لو كان شاطئ احدى الدولتين مسحوبا وشاطئ الدولة الاخرى مقعرا أو مستقيما . ورأت المحكمة أن من بين الاعتبارات التى يجب مراعاتها عند الاتفاق على الحدود فى الامتداد القارى فى مثل هذه الاحوال الاتجاه العام لشاطئ كل دولة وملامحه, وتكوين الامتداد القارى, وايجاد تناسق بين الحدود فى الامتداد القارى وبين طول شاطئ كل دولة .

 

النظام القانونى للامتداد القارى :

كان كثير من الغموض والابهام يكتنف هذا الموضوع, وكان هناك اتجاهان :

( أ ) الاتجاه الذى ظهر فى تصريح ترومان سنة 1945 وفى التصريحات العربية ومبناه, أن الامتداد القارى لا يعد جزءا من اقليم الدولة, وانما تباشر الدولة الساحلية عليه حق ملكية ورقابة . فهى تتملك الثروات الطبيعية الموجودة فيه وتقوم باستغلاله دون أن يؤثر ذلك فى وصف المياه التى تعلوه من حيث كونها من أعالى البحار. وقد تأيد هذا الاتجاه أحكام التحكيم بشأن قطر وابى ظبى .

( ب ) اتجاه بعض الدول الاخرى كما ظهر فى تصريح الارجنتين سنة 1946, وفى تصريح شيلى سنة 1947 ومبناه اخضاع الامتداد القارى والمياه التى تعلوه لسيادة الدولة الساحلية . ولقد كان هذا الاتجاه محل معارضة من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة .

ولقد قررت اتفاقية الامتداد القارى 1958 أن الدولة الساحلية تمارس حقوق السيادة على قاع البحر وما تحته فى الامتداد القارى, وأن هذه الحقوق تقتصر فقط على اكتشاف واستغلال الموارد الطبيعية . ولا يؤثر ذلك فى الوضع القانونى للمياه التى تعلو الامتداد القارى من حيث كونها من أعالى البحار, ولا فى الوضع القانونى للقضاء الهوائى الذى يعلو تلك المياه .

 

كما حددت الاتفاقية المواد الطبيعية التى تنفرد الدولة الساحلية باستغلالها فى الامتداد القارى بأنها الموارد الطبيعية المعدنية وغيرها من الموارد غير الحية, وكذلك الكائنات الحية التى تكون فى طور حصادها اما غير متحركة على قاع البحر واما غير قابلة للتحرك الا بطريق الاتصال الجسمانى المستمر بالقاع أو بما تحته . ويترتب على ذلك أن صيد الاسماك مثلا فى الامتداد القارى لا يكون مقصورا على الدولة الساحلية .

ويجب ألا يؤدى اكتشاف الامتداد القارى أو استغلاله الى عرقلة الملاحة أو الصيد أو المحافظة على الموارد الحية للبحر, ولا يتوقف ثبوت حقوق الدولة على الامتداد القارى أو ممارستها تلك الحقوق – على وضع اليد الفعلى أو الرمزى على هذه المناطق أو على صدور تصريحات خاصة .

وللدولة الساحلية الحق فى اقامة المنشآت اللازمة لاستغلال الامتداد القارى وصيانتها وتشغيلها, ولها أن تقيم حول هذه المنشآت – لمسافة خمسمائة متر – مناطق أمن تتخذ فيها الاجراءات الكفيلة بحمايتها .

 

ولقد أكد القرار الجمهورى رقم 1951 لسنة 1958 حقوق مصر على الامتداد القارى طبقا للأحكام الواردة فى اتفاقية جنيف . وجعل القرار من غير الجائز لأى شخص طبيعى أو اعتبارى أجنبى أن يقوم باستغلال الموارد الطبيعية فى الامتداد القارى الا بقرار من رئيس الجمهورية .

 

                           رابعا – أعالى البحار

يقصد بأعالى البحار كل أجزاء البحار والمحيطات التى لا تدخل فى البحر الاقليمى أو فى المياه الداخلية لدولة من الدول, والتى يكون لكل الدول الحق فى استعمالها على قدم المساواة .

 

حرية
أعالى البحار :

أعالى البحار حرة, ومعنى ذلك أن يكون لكافة الدول أن تنتفع بها على قدم المساواة, فهى مفتوحة للدول جميعا بدون تمييز, ولا يجوز لدولة من الدول أن تخضع جزءا من أعالى البحار لسيادتها . على أن مباشرة مبدأ حرية أعالى البحار يتم وفقا للقواعد المقررة فى القانون الدولى التى سنبينها فيما بعد .

وحرية أعالى البحار مبدأ حديث اذ أنه لم يستقر الا فى القرن الثامن عشر . وقبل هذا التاريخ كانت بعض الدول تفرض سيادتها الاقليمية على أجزاء واسعة من البحار . فادعت البندقية السيادة على بحر الادرياتيك, وطالبت الدنمرك والسويد بالسيادة على بحر البلطيق وادعت البرتغال السيادة على المحيط الهندى بصفة خاصة, كما طالبت أسبانيا بالسيادة على جنوب المحيط الاطلسى, وفرضت انجلترا سيطرتها على شمال المحيط الاطلسى وعلى بحر الشمال .

 

ولقد ازدادت أهمية هذه الادعاءات منذ اكتشاف أمريكا, ولكن الادعاءات المتضاربة كانت تبدو غير مشروعة فى نظر الدول الاخرى لما تؤدى اليه من عرقلة للتجارة الدولية, مما أسفر عن حصول مصادمات سياسية نتج عنها تخفيف هذه الادعاءات تدريجيا .

لقد صاحبت هذه المنازعات السياسية مناقشات فقهية بين أساتذة القانون الدولى . فطالب فتوريا منذ القرن الخامس عشر بحرية أعالى البحار كنتيجة لحق طبيعية لحق البشر فى الاتصال فيما بينهم .

وكتب جروسيوس كتابه الشهير عن ( حق الغنيمة ) الذى خصص فيه فصلا للكلام عن حرية أعالى البحار أسماه البحر الحر. وذكر جروسيوس أن كل أمة لها الحق فى أن تتصل بالأمم الاخرى وفى أن تتاجر معها, وأن المحيطات قد خلقتها الطبيعة وسيلة للاتصال التجارى . فحرية استعمالها يفرضها القانون السماوى, ولا يمكن للقوانين البشرية أن تخالف الطبيعة . واضاف جروسيوس الى ذلك قوله أنه يستجيل ماديا الاستيلاء الفعلى على المحيطات, وأن انتفاع أمة بها لا يمكن أن يعوق انتفاع الأمم الاخرى .

 

وقد انبرى فقهاء آخرون للرد على جروسيوس, وأهمهم الانجليزى سيلدن الذى نشر فى سنة 1825 كتابه المسمى " البحر المغلق " الذى دافع فيه عن فكرة تملك البحار العامة, كما أكد المبدأ المسلم به وهو سيادة الدولة على مياهما الاقليمية . ثم استند سلندن الى الوقائع التاريخية لكى يثبت أن دولا مختلفة باشرت حقوقا فعلية على مناطق أوسع من البحار, وبصفة خاصة, أن انجلترا باشرت على الدوام سيادتها على المياه المجاورة لها حتى الشواطئ الشرقية لاسبانيا, وأن الاسطول البريطانى جرى على القيام بمهمة البوليس فى هذه المياه باعتراف الدول الاخرى, ورتب على ذلك أن العرف الدولى يسمح بتملك مناطق من البحار العامة .

 

ولكن آراء جروسيوس هى التى انتصرت وكان لها أكبر الأثر فى أن الدول سلمت ابتداء من القرن الثامن عشر بمبدأ حرية الملاحة فى أعالى البحار, وبأنها لا يمكن أن تخضع لرقابة دولة أو مجموعة عن الدول .

 

ولقد تأكد هذا المبدأ فى مجموعة من الوثائق الدولية الحديثة . فقد اعترف تصريح برشلونه سنة 1921 لجميع الدول بحق الملاحة فى أعالى البحار. كما نص ميثاق الاطلسى الذى وقعه روزفلت وتشرشل فى أغسطس سنة 1941 على أن من بين المبادئ التى تحارب من أجلها الولايات المتحدة الامريكية وانجلترا أن يكون لكل الناس الحق فى أن يعبروا بأمان البحار والمحيطات .

كما نصت المادة الثانية من اتفاقية جنيف لاعالى البحار سنة 1958 على أن " أعالى البحار مفتوحة لجميع الامم ولا يجوز لأية دولة أن تسعى لاخضاع جزء منها لسيادتها " .

 

النتائج المترتبة على حرية أعالى البحار :

يترتب على الاعتراف بمبدأ حرية أعالى البحار مجموعة من النتائج القانونية مبناها حق كافة الدول فى الانتفاع بأعالى البحار على قدم المساواة .

وفيما يلى أهم هذه النتائج

1-  حرية الملاحة فى أعالى البحار .

2-  حرية الصيد فى أعالى البحار.

3-  حرية مد الاسلاك والانابيب البحرية فى أعالى البحار .

4-  حرية الطير فوق أعالى البحار .

وهذه الحريات الاساسية المقررة بمقتضى القانون الدولى فى أعالى البحار يلزم مباشرتها فى حدود القيود والقواعد المقررة فى العرف الدولى, وفى الاتفاقيات الدولية والتى تهدف الى المحافظة على المصالح المشتركة وعلى أمن الملاحة البحرية .

ولا جدال فى ان من مصلحة المجتمع الدولى تأييد قاعدة حرية أعالى البحار, لأن للملاحة البحرية دور هام فى حياة بنى الانسان, ولان الطيران فوق أعالى البحار أصبح من أهم وسائل الاتصال بين الامم .

 

ويترتب على ذلك أنه مما يتفق مع صالح المجتمع الدولى عدم خضوع أعالى البحار لسيادة دولة أو مجموعة من الدول . ويمتنع على الدول أن تباشر فى أعالى البحار أعمالا من شأنها عرقلة استعمال الدول الاخرى لحقوقها المقررة فى القانون الدولى أو الاضرار بالدول الاخرى .

ومما يتصل بهذا الامر ضرورة الحرص على عدم تلويث البحار بالمواد الضارة بصورة تهدد الصيد أو تعرقل استعمالها للملاحة أو تضر بالدول الساحلية . وتشمل هذه المواد المخلفات الصناعية والزراعية للدول الساحلية, ومخلفات وقود السفن, والمخلفات الاشعاعية . وتبذل الدول جهدها لفرض اشراف دولى الهدف منه منع تلوث البحار, ولقد أبرمت فى لندن فى سنة 1954 اتفاقية خاصة بالقاء المواد الضارة وبصفة خاصة الزيت فى البحار . وتطالب الدول ومؤتمر البيئة الذى عقد فى سنة 1972 تحت رعاية الامم المتحدة بابرام اتفاقيات عالمية لمنع تلوث البحار .

 

وقد حرمت اتفاقية موسكو 1963 اجراء التجارب الذرية فى أعالى البحار, ومنعت اتفاقية سنة 1971 وضع الاسلحة الذرية وغيرها من أسلحة الدمار الجماعى فى قاع البحار .

كما يعارض البعض أيضا العرف الذى جرت عليه بعض الدول من اقامة مناطق خطر فى أعالى البحار لاجراء التمرينات الحربية كالتجارب على الصواريخ .

 

حرية أعالى البحار على ضوء أعمال المؤتمر الثالث لقانون البحار 1974 -1978.

كان من آثار التقدم العلمى والتكنولوجى أن استطاعت الدول القيام بالصيد وباستغلال الثروات الطبيعية الموجودة فى قاع البحار خارج المناطق البحرية التى تخضع للسيادة الوطنية . وقد اهتمت الجمعية العامة منذ سنة 1969 بموضوع قاع البحار والمحيطات وشكلت لجنة فرعية لدراسته .

وكان من ثمرة اعمال هذه اللجنة أن صدرت الجمعية العامة فى سنة 1970 " اعلان المبادئ التى تسرى على قاع البحار والمحيطات والتربة التحتية خارج حدود السلطة القومية " وينص الاعلان على أن هذه المناطق تعتبر ملكا مشتركا للانسانية .

كما تمت الدعوة الى عقد المؤتمر الثالث لقانون البحار الذى بدأ أعماله فى سنة 1974 فى كاراكاس, كما عقد المؤتمر دورات أخرى فى جنيف سنة 1975, وفى نيويورك عامى 1976, 1977 وفى جنيف سنة 1978.

 

وانتهت دورات المؤتمر بالاتفاق على عدد من الاتجاهات القانونية وهى :

1-  ان يكون الحد الاقصى لاتساع البحر الاقليمى 12 ميلا .

2-  حق جميع الدول فى العبور فى المضايق التى تستخدم فى الملاحة الدولية .

3-  يكون للدول الساحلية حقوق الصيد واستغلال موارد البحر الحية فى المنطقة الاقتصادية الخالصة التى تمتد الى مسافة مائتى ميل فى اتجاه البحر من الخطوط الاساسية التى يقاس منها البحر الاقليمى .

4-  يتكون الامتداد القارى لاية دولة ساحلية من قاع البحر وما تحته والمناطق المغمورة التى تمتد فى جميع انحاء الامتداد الطبيعى لاقليم الدولة البرى حتى الحد الخارجى للحافة القارية أو الى مسافة مائتى ميل بحرى من الخطوط الاساسية التى يقاس منها البحر الاقليمى .

5-  انشاء هيئة دولية لضمان أن ثروات قاع أعالى البحار تستخدم كتراث مشترك للانسانية بحيث لا يجوز لاية دولة أو فرد أن يتملك هذه المساحات التى يجب استخدامها للاغراض السليمة ولصالح البشر جميعا .

 

حق الدول الحبيسة فى أستعمال أعالى البحار :

لا يقتصر الحق فى استعمال أعالى البحار على الدول التى تملك شواطئ, بل يكون أيضا الحبيسة التى لا تقع على البحر الحق فى أن تستعمل أعالى البحار على قدم المساواة مع الدول الاخرى .

ويترتب على ذلك الاعتراف للدول الحبيسة بحقها فى الوصول بحرية الى البحر .

 

ولقد أقرت هذه القاعدة اتفاقية جنيف لاعالى البحار سنة 1958, وقررت أن على الدول التى تقع بين البحر, ودولة لاتملك شواطئ, أن كسهل اتصال الدولة الاخيرة بالبحر وذلك عن طريق الاتفاقات التى تبرم بين الدول فى هذا الشأن, وتتضمن الاتفاقات عادة ما يلى :

 

( أ ) منح الدول الحبيسة على أساس التبادل حق العبور فى أقاليم الدول التى تفصل بينها وبين البحر .

( ب ) معاملة السفن التى تحمل جنسية دولة حبيسة معاملة مماثلة للمعاملة التى تمنحها الدول البحرية لسفنها أو لسفن الدول الاخرى البحرية فيما يتعلق بدخول الموانى واستعمالها .

وفى حالة عدم وجود اتفاقات تربط بين الدول المعنية, تقوم هذه الدول بمعاملة المسائل المتعلقة بحرية عبور الدول الحبيسة وبحقها فى التمتع بمعاملة متماثلة مع الدول الاخرى فيما يتعلق باستعمال الموانى – وذلك عن طريق التفاهم فيما بينها .

 

النظام القانونى للسفينة فى أعالى البحار :

بينا من حق كل دولة أن تسير السفن التى تحمل علمها فى أعالى البحار وذلك سواء أكانت هذه الدول تملك شواطئ أم كانت دولا حبيسة .

ويتولى القانون الداخلى لكل دولة تحديد الشروط التى تلزم لمنح جنسيتها للسفن ولتسجيل هذه السفن فى اقليمها . ولكل سفينة علم يدل على جنسيتها .

 

وتختلف شروط منح الجنسية للسفن باختلاف الدول, ومن الواضح أن لهذا الموضوع أهمية كبرى نظرا لأن جنسية السفينة هى الاساس المقرر فى القانون الدولى لمعرفة الاختصاص التشريعى والقضائى بالنسبة لما يتم عليها من أعمال . وهى التى تحدد نظامها القانونى فى وقت السلم وفى الحرب وما اذا كانت وطنية أم أجنبية, من سفن الاعداء أم من السفن المحايدة, كما تبين مدى ما تتمتع به السفينة من حقوق بموجب التشريع الوطنى والاتفاقيات الدولية والعرف الدولى .

 

ومن المعتاد أن تتطلب تشريعات الدول المختلفة لمنح جنسسيتها للسفينة بعض الشروط المتعلقة بملكية كل او جانب من السفينة لمواطنى الدولة, وبأن تكون السفينة مبنية فى الدولة, وأن تكون مسجلة فيها, وبأن يعمل عليها طاقم وطنى . وقد لا تتطلب دولة من الدول بعض هذه الشروط أو تخفف منها . ويمكن القول ان الشرط الاساسى المطلوب فى كافة الدول هو أن تكون السفينة مسجلة فى الدولة التى تحمل جنسيتها .

ولقد كان القانون الدولى لا يتدخل فيما يتعلق بشروط منح الدولة لجنسيتها للسفن . ولكن اتفاقية جنيف سنة 1958 لأعالى البحار أدخلت قاعدة جديدة مقتضاها وجوب وجود صلة حقيقية بين السفينة وبين الدولة التى تحمل جنسيتها .

 

وأساس هذه القاعدة الجديدة، الرغبة فى مقاومة العرف الذى سارت عليه بعض الدول، ومقتضاه تسهيل منح جنسيتها لسفن مملوكة لاجانب أو يعمل عليها طاقم أجنبى وذلك لاسباب متعددة ترجع أساساً إلى الرغبة فى تعديل القانون الذى كان من الواجب أن تخضع له أصلاً السفينة .

ولقد لاقى تقرير هذه القاعدة بعض الاعتراضات من جانب بعض الدول كبناما، ولكن هذه الاعتراضات باءت بالفشل . وقررت المادة الخامسة من اتفاقية جنيف لأعالى البحار أنه من الضرورى وجود صلة حقيقية بين السفينة وبين الدولة التى تحمل السفينة جنسيتها . ومعنى ذلك اشترط وجود حد أدنى من الصالح الوطنى فى السفينة، كما أشترطت المادة المذكورة أن تباشر الدولة بصورة فعلية اختصاصها وسلطتها على المسائل الادارية والفنية والاجتماعية المتعلقة بالسفن التى ترفع علمها .

ونأمل أن تؤدى هذه القاعدة الجديدة الى القضاء على أحوال التحايل على القانون الذى تخضع له السفينة .

ويعتبر علم السفينة قرينة على جنسيتها، وهو قرينة ظاهرة لانه عبارة عن علامة مرفوعة يمكن ملاحظتها بواسطة الغير . وقد يسجل العلم لاغراض أخرى كاعطاء أشارة الاستغاثة أو أداء التحية .

وإذا رفعت سفينة علماً لاحق لها فى رفعة فانها تعاقب بمقتضى قوانين دولتها وكذلك قوانين الدول التى رفعت السفينة علمها بدون وجه حق .

وقد تخصص الدولة علماً تحمله سفنها التجارية ولعماً آخر تحمله السفن الحربية، ومع ذلك فمن الجائز وجود علم واحد لكافة السفن التابعة للدولة .

ولا تثبت جنسيتة السفينة الا بمقتضى الاوراق التى تحملها والتى تدل على تسجيلها فى ميناء تابع لدولة معينة .

ومن المقرر أن المحاكم المختصة بالفصل فى جنسية السفينة هى محاكم الدولة التى تدعى السفينة جنسيتها .

وتسافر السفينة تحت علم دولة واحدة فقط، ولايجوز لها أن تغير علمها أثناء الرحلة أو فى أحد الموانى الا فى حالة حصول نقل فعلى للملكية أو تغيير التسجيل .

وإذا سافرت السفينة تحت علمين لدولتين مختلفتين، تستعملها وفقاً لمشيئتها، فلا يجوز أن تدعى تبعيتها لجنسية دولة ما، وتعامل السفينة معاملة السفينة عديمة الجنسية .

ولقد أجازت المادة السابعة من اتفاقية جنيف لأعالى البحار أن ترفع السفينة علم منظمة دولية حكومية، وذلك إذا كانت تعمل فى خدمة أغراض هذه المنظمة، وفى هذه الحالة تتمتع السفينة بالحصانات المقررة للمنظمات الدولية . ولا ريب فى أنه قد تنشأ بعض الصعوبات فى حالة تبعية السفن لمنظمة دولية وبصفة خاصة فيما يتعلق بمعرفة القانون الواجب التطبيق بالنسبة للعلاقات القانونية المتعلقة بالسفينة . ولتلافى هذه الصعوبات يجوز بالاتفاق أن ترفع علم دولة معينة إلى جانب علم المنظمة الدولية .

 ومن الامثلة على ذلك أن الاتفاقية المبرمة فى 8يناير سنة1957 بين الحكومة المصرية وبين الامم المتحدة منحت السفن المستخدمة فى عملية تطهير قناة السويس عقب العدوان الثلاثى حق رفع علم الامم المتحدة وليس علم الدولة التى تتبعها، وأن كان العمل قد جرى على أن ترفع السفينة علمها إلى جانب علم الامم المتحدة .

ومن المقرر فى العرف الدولى أن كل سفينة تحمل مستندات معينة وهى : أوراق التسجيل، وسند الملكية، ودفتر أسماء الملاحين، ودفتر سندات الشحن، وتذكرة الصحة، وترخيص الملاحة .

 

قانون العلم يحدد الاختصاص التشريعى والفضائى فى أعالى البحار :

أن المبدأ الاساسى المقرر فى القانون الدولى وهو أن السفينة الموجودة فى أعالى البحار لا تخضع كقاعدة عامة الا لاختصاص الدولة التى ترفع السفينة علمها . ومقتضى ذلك أن الاختصاص فى اعالى البحار يكون وطنياً تباشر كل دولة على السفن التى تتبعها .

ويستثنى من هذا المبدأ العام بعض الاحوال التى تخضع فيها السفينة لاختصاص دولة غير دولة العلم وذلك بناء على اعتبارات تتعلق بوجود صالح دولى يبرر تدخل دول أخرى غير دولة العلم .

وفى غير هذه الاحوال الاستثنائية يكون الاختصاص لقانون العلم ولمحاكم دولة العلم بالنسبة لكل ما يتم على ظهر السفينة . وفى حالة الدول الاتحادية يكون المقصود بقانون العلم قانون الولاية التى سجلت السفينة فيها الا إذا كانت المسألة منظمة بقانون اتحادى .

ومجال تطبيق قانون العلم واسع؛ فهو الذى يرجع إليه فى مسائل الجنسية، ولحكم سائر العلاقات التى تتم على السفينة سواء أكانت هذه العلاقات تدخل فى نطاق القانون الخاص أو القانون الادارى .

ولما كان أعالى البحار لا يخضع لسيادة دولة من الدول، فقد كان من الضرورى البحث عن الاساس القانون لتطبيق قانون العلم .

ويلجأ بعض الفقهاء لتبرير تطبيق قانون العلم إلى افتراض قانونى مبناه :

اعتبار السفينة جزءا من اقليم دولتها، ومن ثم ينطبق قانون العلم باعتباره القانون الاقليمى . ولكن هذا الافتراض فضلاً عن كونه لا ينطبق على الواقع، فهو لاينسجم مع ما سبق أن قلناه من أن السفينة إذا ما اخترقت المياه الاقليمية لدولة أجنبية خضعت للقوانين الاقليمية لتلك الدولة .

والافضل أن يؤسس الاختصاص بالنسبة للسفن فى أعالى البحار على اعتبارات الاختصاص الشخصى؛ لأن السفينة شخص قانونى يشمل مجموعة من الاشخاص والاموال وهو ملحق بدولة معينة . فقانون تلك الدولة هو الذى ينطبق على السفينة كقاعدة عامة على أساس أنه القانون الشخصى .

 

وفيما يلى بيان بأهم مظاهر تطبيق قانون العلم :

1- فى المسائل الادارية :

تمنح قوانين غالبية الدول لربان السفينة سلطة حفظ النظام عليها وحماية أرواح وأموال من يكون عليها من أشخاص . وله فى سبيل تحقيق هذا الغرض أن يأمر بحجز الاشخاص المتهمين بارتكاب جرائم وباجراء التحقيق معهم، كما يوقع العقاب على من يخالف النظام . وعليه أن يقيد فى دفتر السفينة كل الوقائع التى استلزمت مباشرته لسلطاته الادارية وأن يقدم تقريراً عن هذه الوقائع للبعثات القنصليه التابعة لدولته الموجودة فى أقرب ميناء يرسو فيه، أو للسلطات المختصة فى دولته.

ولقد حددت المادة الثانية من القانون رقم 167لسنة 1960، بشأن الأمن والنظام والتأديب فى سفن جمهورية مصر العربية، المخالفات التى ترتكب ضد النظام . وقررت المادة الثالثة من القانون المذكور أن الذى يختص بتوقيع الجزاءات المقررة لهذه المخالفات هو مدير أدارة التفتيش البحرى إذا كانت السفينة رأسية فى بعض موانى الجمهورية، أو القنصل المصرى إذا كانت السفينة فى ميناء أجنبى، أو الربان إذا كانت السفينة فى عرض البحر أو فى ميناء أجنبى ليس فيه قنصل مصرى.

وعلى الربان أن يقوم بتسجيل المواليد والوفيات وبتوثيق عقود الزواج والعقود الرسمية الاخرى، وعليه أن يقدم صوراً من هذه المحررات إلى السلطات المختصة فى دولته .

ويعتبر الربان فى مباشرته لهذه الاختصاصات مفوضاً لسلطة عامة، ويتمتع بحماية خاصة تقررها التشريعات الوطنية .

2- فى المسائل الجنائية : 

 يطبق قانون العلم على كافة الجرائم التى تتم على ظهر السفينة، ويجب على كافة الاشخاص الموجودين على ظهر السفينة احترام القانون الجنائى لدولة العلم .

ولا تثور صعوبة ما إذا كان الجانى من رعايا دولة العلم السفينة، أما إذا كان الجانى أجنبياً فمن الطبيعى أن يكون الاختصاص مشتركاً بين قانون العلم وقانون جنسية الجانى .

فاذا ما ارتكب أحد رعايا جمهورية مصر العربية جريمة فوق ظهر سفينة تحمل جنسية جمهورية مصر العربية ومسجلة فى الاقليم المصرى وكان ذلك فى أعالى البحار، يكون الاختصاص التشريعى والقضائى للقانون المصرى. أما إذا كان الجانى فى هذه الحالة غير مصرى فان الاختصاص يكون مشتركاً بين القانون المصرى وبين قانون دولة الجانى .

ومن الواضح أن الجانى إذا كان أجنبياً وارتكب جريمة فى أعالى البحار فوق ظهر سفينة أجنبية فلا يمكن أن ينشأ اختصاص جنائى لسلطات الدولة . فاذا ما تضمنت العلاقة عنصراً أجنبياً كما لو أحد أطرافها من غير رعايا دولة العلم وجب الرجوع إلى أحكام القانون الدولى الخاص لدولة العلم، وقد تأمر هذه بتطبيق قانون أجنبى . ومع ذلك فمن المسلم به أن قانون العلم يحكم كقاعدة عامة شكل التصرفات التى تتم على ظهر السفينة فى أعالى البحار؛ وذلك لأن الشكل يخضع كقاعدة عامة لقانون البلد الذى تم فيه .

 

ويحكم قانون العلم كذلك المسئولية المدنية عن الافعال الضارة التى تقع على ظهر السفينة، وذلك على اعتبار أن المسئولية المدنية تخضع للقانون الاقليمى وهو قانون علم السفينة .

وإذا ما ولد شخص على ظهر سفينة فى أعالى البحار يعتبر كأنه ولد فى دولة علم السفينة وكذلك الحال ما توفى أحد الاشخاص على ظهر السفينة .

 

الاختصاص التشريعى والقضائى فى التصادم البحرى :

( أ ) الاختصاص الجنائى والتأديبى :

 

وفى حالة التصادم البحرى أو حادثة بحرية أخرى تستوجب المسئولية الجنائية أو التاديبية يكون الاختصاص القضائى أو التاديبى لمحاكم وسلطات الدولة التى يتبعها الشخص المسئول . ونلاحظ أن هذه القاعدة كانت محل خلاف فى الماضى . ولم يترتب على حكم محكمة العدل الدولية الدائمة فى قضية اللوتس فى سبتمبرسنة 1928 فض هذا الخلاف؛ إذ أن المحكمة قررت فى الحكم المذكور أن القانون الدولى يخلو من قاعدة تحدد الاختصاص الجنائى فى حالة التصادم البحرى، ومن ثم يكون من حق كل دولة أن تقرر ما تشاء من قواعد فى هذا الشأن .

وقد اثار هذا الحكم جدلاً كبيراً فى الفقة الدولى، كما أن شركات الملاحة لم تقابله بارتياح؛ لأن المبدأ الوارد فيه يعرض سفنها للخضوع إلى القضاء الاجنبى بالنسبة لاعمال تمت فى أعالى البحار مما يؤدى إلى حدوث أشكالات فى نطاق الملاحة البحرية .

ولما أنعقد مؤتمر بروكسل فى الفترة من 2إلى 10مايو سنة 1952وافق على معاهدة تتعلق بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالاختصاص الجنائى فى مادة التصادم وحوادث الملاحة الاخرى، وعلى معاهدة أخرى تتعلق بتوحيد بعض القواعد الخاصة بالاختصاص المدنى فى مسائل التصادم .

وتنص المادة الاولى من المعاهدة المتعلقة بالاختصاص الجنائى على أن يكون الاختصاص الجنائى والتأديبى لمحاكم دولة علم السفينة التى يتبعها الربان أو الضباط أو أى شخص آخر يكون فى خدمة السفينة فى ألاحوال التى فيها مسئولية هؤلاء الجنائية أو التاديبية . كما قررت الاتفاقية أنه لا يجوز فى هذه الاحوال القبض على أشخاص أو حجز السفينة ولو كاجراء من اجراءت التحقيق الا بواسطة سلطات الدولة التى ترفع علم السفينة التى يكون عليها الجانى علمها، ومع ذلك يجوز لكل دولة أن تحاكم رعاياها عن الجرائم التى ارتكبوا على ظهر سفينة تحمل علم دولة أخرى، كما يجوز لها أن تقوم باتخاذ الاجراءت لسحب التراخيص والشهادات التى منحت بواسطتها إذا ما ارتكب حامل هذا الترخيص جريمة فوق ظهر سفينة أجنبية .

أما اتفاقية جنيف لأعالى البحار فقد نصت فى المادة 11على أنه فى حالة التصادم البحرى لايجوز اتخاذ اجراءات جنائية أو تاديبية ضد الربان أو أى شخص آخر فى خدمة السفينة الا أمام السلطات القضائية الادارية لدولة علم السفينة أو للدولة التى يحمل الشخص المسئول جنسيتها . وهذا النص يفيد فى حالة وجود أجانب يعملون على ظهر سفينة تابعة لدولة أخرى، فيجوز محاكمة هؤلاء أما أمام محاكم الدولة التى ترفع السفينة علمها أو أمام محاكم الدولة التى يتبعها هؤلاء بجنسيتهم .

ولا يجوز لأية سلطة غير سلطات دولة العلم أن تأمر بالقاء القبض، أو أن تحجز السفينة حتى ولو كان ذلك جزءاً من اجراءت التحقيق .

كما قررت المادة 11من اتفاقية أعالى البحار أنه فى المسائل التأديبية تختص فقط الدولة التى منحت براءة القيادة أو شهادة الاهلية للعمل بسحبها أو وقفها حتى ولو كان من يحمل هذه الشهادة من غير رعاياها .

( ب ) الاختصاص المدنى : ٍ

أما بالنسبة للاختصاص المدنى فلقد منحت اتفاقية بروكسل – الخاصة بتوحيد الاختصاص المدنى فى مسائل التصادم – للمدعى الحق فى أن يرفع الدعوى الناشئة عن تصادم تم فى أعالى البحار أمام محكمتين بحسب اختياره وهما :

1-  المحكمة التى يقع فى دائرتها محل اقامة المدعى عليه المعتاد أو أحد مراكز اعماله .

2-  المحكمة التى أوقع فى دائرتها الحجز على السفينة المدعى عليها أو على أيه سفينة أخرى مملوكة لنفس المدعى عليه فى حالة الاذن بهذا الحجز، أو التى كان يمكن توقع الحجز فى دائرتها والتى قدم المدعى فى دائرتها كفالة أو أى ضمان آخر .

اما فيما يتعلق بمعرفة القانون الواجب التطبيق فيما يتعلق بالمسئولية المدنية عن حوادث التصادم فالامر يحتاج إلى بعض التفصيل . فاذا كانت السفينتان من جنسية واحدة طبق قانون العلم المشترك، أما فى حالة اختلاف جنسية السفينتين فيكون هناك مجال لتنازع القوانين . ولقد ذهب البعض إلى تطبيق قانون علم السفينة المسئولة، أما البعض الاخر فيرى تطبيق قانون القاضى .

 

ولقد اتجهت الدول إلى توحيد القواعد القانونية التى تحكم المسئولية المدنية فأبرمت اتفاقية بروكسل سنة1910 التى وافقت عليها مصر وأصدرتها فى سنة1944، وهى تحتوى على تحديد موضوعى للقواعد التى تحكم المسئولية المدنية فى حالة التصادم البحرى بين سفن مختلفة الجنسية .

كما احتوت اتفاقية بروكسل سنة1962على تنظيم موضوعى لقواعد المسئولية المدنية عن السفن الذرية .

ويظل حطام السفينة فى حماية دولة العلم ويخضع لما تقرره تشريعاتها .

 

مباشرة بعض الاختصاصات فى أعالى البحار بواسطة دولة غير دولة العلم :

يتضمن القانون الدولى النص على بعض الاحوال الاستثنائية التى يجوز فيها لغير دولة العلم مباشرة الاختصاصات فى أعالى البحار، وفيما يلى بيان بهذه الاحوال :

( أ ) المطاردة المستمرة :

تتم المطاردة المستمرة إذا كان لدى السلطات المختصة للدولة الساحلية سبب معقول للاعتقاد بأن سفينة أجنبية خرقت قوانين وأنظمة هذه الدولة .

ويجب أن تبدأ المطاردة عندما تكون السفينة الاجنبية فى المياه الداخلية أو فى البحر الاقليمى أو فى المنطقة المجاورة للدولة المطاردة . ولا يجوز الاستمرار فى المطاردة إلى خارج البحر الاقليمى الا إذا كانت المطاردة متصلة .

وإذا كانت السفينة المطاردة موجودة فى المنطقة المجاورة فتجوز المطاردة فقط فى حالة الاعتداء على المصالح التى أنشئت المنطقة المجاورة لحمايتها .

ولا تبدأ المطاردة الا إذا اقتنعت الدولة بالوسائل التى لديها بأن السفينة المطاردة أو أحد الزوراق الملحقة بها واقعة فعلاً فى بحرها الاقليمى أو فى المنطقة المجاورة . ويجب أن تتم المطاردة بواسطة السفن الحربية أو الطائرات الحربية أو السفن والطائرات الحكومية التى يؤذن لها بذلك .

وفى حالة المطاردة بواسطة طائرة يجب أن تستمر الطائرة فى المطاردة حتى تصل سفينة تابعة للدولة الساحلية لمتابعة المطاردة مالم تكن الطائرة قادرة بنفسها على ايقاف السفينة، ولا يجوز ايقاف السفينة فى أعالى البحار بواسطة طائرة بدعوى ارتكابها لمخالفة ما لم تكن قد أمرت بالوقوف من قبل بواسطة الطائرات وتمت مطاردتها .

ويقف الحق فى المطاردة بمجرد دخول السفينة فى المياه الاقليمية لدولتها أو لدولة أخرى .

ويعقب المطاردة ضبط السفينة المخالفة وافتيادها لموانى الدولة الساحلية لمحاكمتها .

( ب ) القرصنة :

يقصد بالقرصنة اعتداء مسلح تقوم به سفينة فى أعالى البحار، دون أن تكون مصرحا لها بذلك من جانب دولة من الدول، ويكون الغرض منه الحصول على مكسب باغتصاب السفن أو البضائع أو الاشخاص .

ولقد حددت المادة15من اتفاقية جنيف لأعالى البحار أعمال القرصنة .

وقررت أنها تتكون من الافعال الاتية :

1-  أى عمل من أعمال العنف غير المشروع أو الاستيلاء أو النهب إذا ارتكب العمل لاغراض خاصة بواسطة طاقم أو ركاب سفينة خاصة، أو طائرة خاصة وكان موجهاً ضد سفينة أخرى أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهرها، وذلك إذا كان العمل واقعاً فى أعالى البحار أو فى مكان لا يخضع لاختصاص دولة من الدول .

2-  أى اشتراك اختيارى فى تيسيير سفينة أو طائرة مع العلم بوقائع القرصنة .

3-  أى عمل من أعمال التحريض أو المساعدة فى أرتكاب أفعال القرصنة .    

وقررت المادة 16من اتفاقية اعالى البحار أنه إذا وقعت أعمال القرصنة من سفينة عامة أو طائرة عامة، تمرد بحارتها واستولوا على السفينة أو الطائرة، فان هذه الأعمال تعتبر مماثلة للأعمال التى ترتكبها سفينة خاصة .

ولما كانت القرصنة تهدد الملاحة تهديداً خطيراً فقد وضع العرف الدولى مجموعة  من القواعد، الغرض منها تحقيق التعاون بين الدول لقمع القرصنة، ومن ثم اعتبرت جريمة دولية. ويجوز لأية دولة أن تقبض على سفينة أو طائرة تعمل بالقرصنة بغض النظر عن جنسيتها، وأن تقبض على ألاشخاص الموجودين عليها بشرط أن يتم ذلك فى أعالى البحار أو فى أى مكان آخر يخضع لاختصاص دولة من الدول . ويجب أن يتم القبض والاستيلاء بواسطة السفن الحربية أو الطائرات الحربية، أو بواسطة السفن والطائرات الحكومية المخصصة لذلك .

ويكون لمحاكم الدولة التى قامت باستيلاء اختصاص المعاقبة على أفعال القرصنة والأمر بالاجراءات التى تتخذ بالنسبة إلى السفن أو الطائرات او الممتلكات بدون أجحاف بحقوق الغير . وحين يكون الاستيلاء على سفينة أو طائرة مشكوك فى قرصنتها قد أجرى دون توفر الاسباب الكافية، تلتزم الدولة التى قامت بالاستيلاء بتعويض الدولة التى تنتمى إليها السفينة أو الطائرة عن أى ضرر ترتب عليه .

 

( جـ ) مكافحة الرق :

على كل دولة أن تتخذ الاجراءات الفعالة لمنع نقل الرقيق فى السفن التى ترفع علمها وللمعاقبة على ذلك .

وقد جرى العرف الدولى منذ أوائل القرن التاسع عشر على محاربة الاتجاز بالرقيق وعلى اعتبار السفن المشتغلة به مرتكبة لجريمة دولية تختص السفن الحربية لكل الدول بضبطها . ولقد تأيد هذا العرف فى اتفاقية عقدت سنة 1841أعطت السفن الحربية لكل من الدول المتعاقدة، الحق فى تفتيش وضبط أية سفينة تشتغل بالرقيق . ومنحت الاتفاقية اختصاص المحاكمه على جريمة الاتجار بالرقيق لسلطات الدولة التى ترفع السفينة المتهمة علمها . ولكن بعض الدول، وعلى الخصوص انجلترا، تمادت فى تفتيش السفن وضبطها بحجة الاشتباه فى اشتغالها بتجارة الرقيق؛ مما أدى إلى امتناع بعض الدول كفرنسا عن التصديق على اتفاقية سنة 1841 ومطالبتها بتعديل أحكامها . وقد تم ذلك فى معاهدة بروكسل سنة 1890التى نصت على عدم جواز وقف وتفتيش وضبط أية سفينة على أساس الاتجار بالرقيق الا إذا كانت حمولتها لا تتجاوز خمسمائة طن ووجدت فى منطقة من المناطق المشتبه فيها .

وحددت الاتفاقية الاخيرة، المناطق المشتبة فيها بمساحة من المحيط الهندى تمتد من مدغشقر شرقى افريقيا إلى بلوخستان، كما اتفق على أن يكون اختصاص المحاكمة على الاتجار بالرقيق لسلطات الدولة التى تتبعها السفينة المتهمة . وقد عدلت هذه المعاهدة بمقتضى اتفاقية سان جرمان سنة 1919 التى اكتفت بالنص على التزام الدولة التى تباشر السيادة على بعض الاقاليم الافريقية بالعمل على منع تجارة الرقيق فى البر والبحر، ,اهملت تقرير الحق الذى كانت مخولاً لسائر السفن الحربية والخاص بتفيش وضبط السفن المتعاملة بالرق .

ولقد أعادت اتفاقية جنيف لأعالى البحار سنة 1958 احياء أحكام معاهدة بروكسل سنة 1890؛ فقررت أباحة زيارة السفن التجارية الاجنبية فى أعالى البحار إذا ما كان هناك مبرر قوى يدعو إلى الاعتقاد بأنها تقوم بممارسة تجارة الرقيق فى المناطق البحرية المشتبة فيها طبقاً لاتفاقية بروكسل سنة 1890. على أن تكون المحاكمة على هذا الفعل من اختصاص سلطات الدولة التى  ترفع السفينة علمها .

 

ويلاحظ أن اباحة الزيارة للتحقق من عدم الاتجار بالرقيق يمكن أن يؤدى فى العمل إلى اساءة استعمال هذا الحق فى عصر أصبح من النادر فيه وجود تجارة الرقيق يتم تنظيمها عبر أعالى البحار، كما يؤدى إلى تحكم الدول البحرية الكبرى فى تجارة الدول الاخرى، ولذلك أعترضت بعض الدول على ايراد حكم للاتجار بالرقيق فى اتفاقية أعالى البحار .

 

ولما كانت جمهورية مصر العربية فى سبيل انشاء أسطول تجارى يساعد على تنمية مواردها الاقتصادية، ولما كانت لها علاقات طيبة ومصالح فى كثير من المناطق الافريقية وبصفة خاصة فى شمال أفريقيا وشرقها، لذلك كان من الطبيعى أن تعترض على هذا النص؛ لأنه يتيح للغير اعتراض طريق السفن التابعة لها تحت ستار محاربة الاتجار بالرقيق، ولأنه مشوب بروح التفريق فى المعاملة بين مناطق العالم المختلفة .

 

( د ) حق الزيارة :

 

يعطى العرف الدولى للسفن الحربية فى أعالى البحار، الحق فى أن توقف السفن التجارية الاجنبية للتحقق من العلم ومن المستندات . وذلك فى بعض الاحوال الاستثنائية .

ولقد قررت المادة 23 من اتفاقية جنيف سنة 1958 أنه يجوز ممارسة حق الزيارة إذا كان هناك مبرر قوى يدعو إلى الاعتقاد بأن السفينة فى حالة من الحالات الآتية :

1-  تمارس القرصنة .

2-  تقوم بتجارة الرقيق فى المناطق البحرية المشتبة فيها طبقاً لاتفاقية بروكسل سنة 1890 الخاصة بمنع تجارة الرقيق .

3-  أن تكون السفينة فى الحقيقة من جنسية السفينة الحربية ولو أنها ترفع علماً أجنبياً أو ترفض اظهار علمها .

وفى الحالات السابقة يمكن للسفينة الحربية أن تتخذ الاجراءات للتأكد من حق السفينة فى رفع العلم، ولهذا الغرض يمكنها ارسال زورق تحت قيادة ضابط من السفينة إلى السفينة المشتبة فيها، وإذا استمر الاشتباه بعد مراجعة المستندات فيمكن للسفن الحربية أن تباشر الفحص على ظهر السفينة  الذى يجب أن يتم مع مراعاة جميع الاعتبارات المناسبة .

أما إذا ثبت أن السفينة التى فتشت لم ترتكب أى عمل من الاعمال السابقة فيجب أن تعوض عن أى خسارة تلحق بها .

التنظيم المشترك المبنى على الصالح العام :

سبق أن أشرنا إلى أن الدول أبرمت اتفاقيات متعددة تتضمن تنظيماً مشتركاً ينفذ فى أعالى البحار لصالح الملاحة الدولية، ولكفالة الاستعمال المشترك لأعالى البحار على أكمل وجة .

ويتم الاشراف على احترام هذه الاحكام المشتركة، كقاعدة عامة . بواسطة سلطات الدولة التى ترفع السفينة علمها، وذلك فى مياهها الداخلية أو فى بحرها الاقليمى أو فى أعالى البحار .

ونعرض فيما يلى لأهم الموضوعات التى كانت محل تنظيم مشترك :

1- سلامة الملاحة :

توجد عدة اتفاقيات دولية تنظم سلامة الملاحة البحرية، وذلك بقصد منع حصول الحوادث البحرية، وهى حوادث كبيرة الاخطار يترتب عليها فقد ثروات كبيرة وارواح متعددة . وبصفة خاصة بعد أن زاداد حجم الملاحة البحرية، وتضاعفت حمولة السفن مما يترتب عليه أن يعتبر غرق سفينة فى أعالى البخار كارثة كبيرة .

ومنذ زمن طويل انضمت الدول إلى مجموعة من القواعد الاختيارية لتنظيم مرور السفن فى البحار، ولاستعمال الاشارات البحرية، ولحماية النفس الانسانية فى البحار، ولم تكن لهذه القواعد صفة الالزام فى أول الأمر . كما أبرمت اتفاقيات دولية فى هذا الشأن منها : اتفاقية لندن سنة 1947 بشأن سلامة الارواح فى البحار، وقواعد لندن سنة 1948 المتفرعة عنها والخاصة بتلافى حوادث التصادم البحرى، وفى سنة 1960انعقد فى لندن مؤتمر دولى آخر لسلامة الارواح فى البحار قرر تعديل الاتفاقية المذكورة والقواعد المتفرعة عنها . ولقد انضمت جمهورية مصر العربية فى سنة 1963 للقواعد الخاصة بمنع التصادم فى البحار التى أقرها المؤتمر المذكور .

وخط الدفاع الاول لمنع الحوادث البحرية هو السفينة والطاقم الذى يعمل عليها . فيجب أن يحاط بناء السفن بضمانات للتحقق من صلاحية السفن للملاحة . كما يلزم أن يعمل على السفينة طاقم مدرب يحمل التراخيص اللازمة لممارسة المهنة.

أما خط الدفاع الثانى إذا ما حصلت الكارثة البحرية فهو استعمال اشارات الاستغاثة واستخدام قوارب النجاة وادوات اطفاء الحرائق .

ولقد تناول اتفاقية لندن سنة 1948 و 1960 هذه المسائل بالتنظيم، واحتوت على قواعد تتعلق ببناء السفن، وبالتراخيص البحرية، وبالاجهزة الكهربائية، وبوسائل الوقاية ضد الحريق، وبوسائل الانقاذ، وبالراديو، وبالتلغراف، وبحمل البضائع الخطرة .

أما اتفاقية جنيف سنة 1948 لأعالى البحار فقد نصت على أنه يجب على كل دولة أن تتخذ الاجراءات فيما يتعلق بالسفن التى ترفع علمها لضمان السلامة فى البحر فيما يتصل بالشئون الآتية :

( أ ) استعمال الاشارات وتامين المواصلات ومنع المصادمات .

( ب ) اختيار طاقم السفينة وتحديد شروط العمل عليها مع مراعاة اتفاقات العمل الدولية .

( جـ ) بناء السفن واعدادها وصلاحيتها للملاحة .

وعلى الدولة أن تراعى فى وضعها لهذه الاجراءت، القواعد والمعايير المتفق عليها دولياً، وأن تتخذ الاجراءات والخطوات الضرورية لتاكد احترامها .

 

2- المساعدة البحرية :

تفرض التشريعات الوطنية للدول المختلفة، التزام تقديم المساعدة البحرية على ربابنة السفن التى تحمل علمها فى حالة اصطدام سفينة بسفينة أخرى، أو فى حالة وجود أشخاص فى البحر، متى كان هؤلاء الاشخاص معرضين للهلاك .

وأصبح واجب تقديم المساعدة البحرية، التزاماً دولياً حينما أبرمت الدول أتفاقية بروكسل الخاصة بتوحيد القواعد المتعلقة بالمساعدات والانقاذ فى 23سبتمبر سنة 1910. ولقد فرضت الاتفاقية المذكورة على ربانية سفن الدول المتعاقدة، تقديم المساعدة لكل شخص يوجد بالبحر تحت خطر الهلاك ولو كان من الاعداء . ولم تجعل اتفاقية بروكسل سنة 1910 المساعدة الزامية الا فى حالة وجود شخص فى البحر تحت خطر الهلاك .

وهى تكون اختيار بالنسبة للاموال التى تكون عرضة للهلاك فى البحر .

كما أنها اشترطت لوجود التزامات بتقديم المساعدة للشخص الذى يوجد فى البحر تحت خطر الهلاك، أن يكون ذلك فى استطاعة الربان بدون أن يعرض سفينته أو طاقمها أو ركابها لخطر جدى .

ولقد توسعت اتفاقية جنيف لأعالى البحار فى الالتزام بالمساعدة البحرية، وقررت أنه يجب على كل دولة أن تطلب من ربان كل سفينة ترفع علمها – بالقدر الذى تسمح به أمكانياته ودون أن يكون فى ذلك خطر جدى على السفينة أو الطاقم أو الركاب – أن يقدم المساعدة البحرية وهى تشمل :

( أ ) مساعدة أى شخص يعثر عليه فى البحر ويكون عرضة للغرق .

( ب ) أن يبادر الربان بأقصى سرعة إلى انقاذ أشخاص فى محنة إذا ما أبلغ بحاجتهم إلى المساعدة، وذلك بالقدر المعقول المتوقع منه .

( جـ ) وفى حالة التصادم يجب على الربان تقديم المساعدة للسفينة الأخرى ولطاقمها وركابها وأن يخطر السفينة الاخرى باسم سفينته وميناء تسجيلها وبأقرب ميناء سيتجه إليه .

وعلى الدول الساحلية أن تنظيم خدمات مختصة بالبحث والانقاذ لضمان السلامة فى البحر، وعليها أن تتعاون مع الدول المجاورة لها فى هذا الخصوص .

وتطبق القواعد الخاصة بالمساعدة البحرية أيضاً على تقديم المساعدة إلى ركاب طائرة تسقط فى البحر .

ويوجد التزام مسائل على عاتق ربان طائرة تطير فوق البحر بالنسبة للاشخاص الذين يوجدون فى البحر فى حالة هلاك .

 

( جـ ) جماية الاسلاك والانابيب البحرية :

لكل دولة الحق فى فى أن تضع فوق قاع أعالى البحار، والاسلاك البحرية أو الانابيب . ومع الاحتفاظ بحق كل دولة ساحلية فى اتخاذ التدابير المعقولة لاكتشاف امتداد القارى ولاستغلال، فلا يجوز لها أن تعوق وضع أو صيانة تلك الاسلاك أو الانابيب بواسطة الغير .

وحينما تقوم الدولة بمد الاسلاك والانابيب فى قاع أعالى البحار يجب عليها أحترام ما يكون مملوكاً للدول الاخرى بالفعل من هذه الاسلاك أو الانابيب .

وعلى كل دولة أن تتخذ التدابير التشريعية اللازمة لجعل قطع أو اتلاف هذه الاسلاك أو الانابيب عمداً أو بأهمال جرائم معاقباً عليها، وعليها أيضاً أن تتخذ التدابير التشريعية لتحميل الاشخاص التابعين لها مصاريف أصلاح الاسلاك والانابيب التابعة لاشخاص آخرين إذا ما تسببوا فى أتلافها أثناء وضعهم الاسلاك أو الانابيب التى يملكونها، ولالزام ملاك الاسلاك أو الانابيب بتعويض أصحاب السفن الذين يقيمون الدليل على أنهم ضحوا بمرساة أو شبكة أو ببعض معدات الصيد لتفادى الاضرار بالاسلاك أو الانابيب بشرط أن يكونوا قد اتخذوا الاحتياطات المعقولة .

ولقد أبرمت اتفاقية خاصة بحماية الاسلاك التلغرافية فى باريس سنة1884 وأعطت الاتفاقية المذكور سلطة بوليسية للسفن الحربية للدول المتعاقدة بقصد التحقق من جنسية السفن التى ترتكب مخالفة لاحكامها، وعلى أن يكون الاختصاص بالمعاقبة على الاعتداء على الاسلاك التلغرافية البحرية للسلطات التى تتبعها السفينة المتهمة .

( د ) حماية مصايد أعالى البحار :

عقدت الدول المتهمة بالصيد مجموعة من الاتفاقات بغرض تنظيم الصيد فى مناطق معينة من البحار، ومن أمثلة ذلك الاتفاقية التى عقدت فى سنة 1911بين الولايات المتحدة وانجلترا وروسيا واليابان لتنظيم صيد سبع البحر فى بحر بهرنج، واتفاقية سنة 1953 الخاصة بصيد أسماك الهاليبوت فى شمال المحيط الاطلنطى .

كما عقدت اتفاقات خاصة بتنظيم بعض أعمال البوليس فى مناطق الصيد أهمها اتفاقية لاهاى سنة 1882 الخاصة بالمعاقبة على الملاهى العائمة فى بحر الشمال، ويقصد بهذه الملاهى بعض السفن التى توجد فى مواقع الصيد لبيع الكحول للصيادين . وأعطت اتفاقية لاهاى لسفن الدولة المجاورة لبحر الشمال بعض الحقوق الخاصة للتحقق من شخصية هذه السفن وتفتيشها، مع الاحتفاظ باختصاص المحاكمة لسلطات الدولة التى ترفع السفينة علمها .

وبالاضافة إلى الاتفاقات الدولية، أعلنت بعض الدول كأيسلندة والدول الامريكية عن حقها فى اتخاذ تدابير فردية للمحافظة على مصادر الثروة الحية فى أعالى البحار .

ولما كانت القواعد الخاصة بحماية المصايد غير كافية إذا ما وضعنا فى الاعتبار تقدم وسائل صيد السمك، فقد تم ابرام اتفاقية جنيف سنة 1958 للصيد وللمحافظة على الموارد الحية فى أعالى البحار .

واعترفت الاتفاقية لكل دولة بالحق فى أن يقوم رعاياها بالصيد فى أعالى البحار مع مراعاة التزامات التعاقدية، والقواعد المتعلقة بالمحافظة على الموارد الحية فى أعالى البحار . وعلى الدول أن تتعاون فيما بينها لتحقيق هذا الغرض حتى يمكن الحصول على أقصى انتاج ممكن من هذه الموارد . ولقد نظمت الاتفاقية التعاون على النحو الآتى :

1-  إذا كان رعايا دولة معينة يعملون بالصيد فى منطقة من اعالى البحار لا يعمل فيها رعايا دولة أخرى، فيجب على هذه الدولة أن تتخذ التدابير للمحافظة على الموارد الحية فى هذه المنطقة .

2-  أما إذا عمل رعايا دولتين أو أكثر فى صيد نفس الموارد من السمك أو من الانواع البحرية الاخرى، فعلى تلك الدول بناء على طلب احدها أن تدخل فى مفاوضات تستهدف الاتفاق على تحديد التدابير اللازمة للمحافظة على موارد البحر وفى حالة عدم الوصول إلى اتفاقية بينها يعرض الامر على التحكيم .

3-  إذا حدث بعد اتخاذ التدابير المشار إليها أن عمل رعايا دول أخرى بصيد نفس الموارد من السمك أو من الانواع البحرية الاخرى فى نفس المنطقة من أعالى البحار فان التدابير التى سبق اتخاذها تسرى فى حق هذه الدول، وإذا لم توافق هذه الدول الاخرى على التدابير المتبعة ولن يمكن الوصول إلى اتفاق يعرض الامر على التحكيم .

4-  لكل دولة ساحلية مصلحة خاصة فى المحافظة على انتاج الموارد الحية فى أية منطقة متاخمة لبحرها الاقليمى . ومن ثم يكون من حقها أن تشترك على قدم المساواة فى أية طريقة للبحث أو التنظيم فى تلك المنطقة حتى ولو كان رعاياها لا يمارسون الصيد فيها . وإذا لم تصل الدول المعنية إلى اتفاق يعرض الامر على التحكيم . كما أنه يجوز فى حالة عدم الاتفاق حتى صدور قرار التحكيم أن تنفرد الدولة الساحلية باتخاذ التدابير الملائمة لحفظ الموارد البحرية المجاورة لبحرها الاقليمى .

5-  لكل دولة – حتى ولو لم يكن رعاياها يعملون بالصيد فى منطقة من أعالى البحار غير متاخمة لاقليمها – إذا ما كان لها مع ذلك مصلحة خاصة فى المحافظة على الموارد الحية للبحار فى تلك المنطقة أن تطالب الدول التى يعمل رعاياها بالصيد فى تلك المنطقة باتخاذ التدابير الملائمة للمحافظة على الموارد الحية، وإذا لم يتم الاتفاق بين هذه الدول يعرض الأمر على التحكيم .

6-                   نظمت الاتفاقية التحكم بشأن الخلافات المتعلقة بالصيد وبالمحافظة على الموارد البحرية . وقررت أن أى خلاف فى هذا النوع يعرض بقصد تسوية على لجنة تحيك مشكلة من 7 أعضاء, وذلك اذا لم يتفق الاطراف على ايجاد حل للنزاع بطريقة أخرى من الطريق السليمة .

 

ويقوم كل طرف من أطراف النزاع ( سواء كان هذا الطرف دولة أو أكثر بتعيين عضوين من أعضاء اللجنة, ويختار الثلاثة الباقون بالاتفاق بين أطراف النزاع) . وفى حالة عدم الاتفاق يكون تعيينهم بواسطة السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة بعد التشاور مع رئيس محكمة العدل الدولية ومدير منظمة التغذية والزراعة التابعة الامم المتحدة, وفى حالة وجود أكثر من طرف فى النزاع يتم تعيين لجنة التحيكم بواسطة السكرتير العام لهيئة الامم المتحدة .

 

حصانات السفن العامة فى أعالى البحار :

تتمتع السفينة الحربية الحصانة الكاملة فى أعالى البحار تجاه اختصاص أية دولة عدا دولة العلم الذى ترفعه السفينة .

 

والسفينة الحربية هى السفينة التى تتبع القوات البحرية لدولة ما, وهى تحمل العلامات المميزة الخارجية للسفن الحربية من ذات جنسيتها, وتكون تحت قيادة ضابط مفوض من حكومته يدرج اسمه فى سجل البحرية . ويكون بحارتها خاضعين لنظام القوات البحرية .

كما تتمتع السفن الحكومية المملوكة لدولة والمختصصة لاغراض غير تجارية بالحصانة الكاملة فى أعالى البحار . ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية بروكسيل سنة 1962 الخاصة بمسئولية مستغلى السفن الذرية نصت على عدم تمتع السفن العامة بالحصانة لتطبيق تلك الاتفاقية مما أدى الى امتناع الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة عن الانضمام للاتفاقية المذكورة .

أما السفن التجارية المملوكة للدولة فلا تتمتع بالحصانات .

 

                             المبحث السادس

                             الهواء والفضاء

 

ذكرنا أن اقليم الدولة يشمل الطبقات الهوائية التى تعلو اقليمها الأراضى والمائى .

ولقد قفزت المشاكل المتعلقة بالهواء الى مقدمة مشاكل القانون الدولى العام ابتداء من الحرب العالمية الاولى حينما زاد استعمال الطائرات كوسيلة لنقل الاشخاص والبضائع وكسلاح مقاتل وقت الحرب . وقد اطردت هذه الزيادة عقب الحرب العالمية الثانية فأصبحت الطائرات عنصرا أساسيا فى الحياة الانسانية .

وأدى اكتشاف الاقمار الصناعية والصواريخ بعيدة المدى الى امكان الوصول والتحليق فى مناطق لا يوجد فيها هواء ولا تخضع للجاذبية الارضية, ومن ثم بدأ الاهتمام بتحديد النظام القانونى للقضاء الخارجى وللأجرام السماوية .

 

النظام القانونى للهواء :

تباينت آراء الفقهاء حول النظام القانونى الذى يقع فوق اقليم الدولة ومن الممكن التمييز بين ثلاث نظريات فى هذا الموضوع :

1-  تنفى النظرية الاولى سيادة الدولة على الهواء الذى يعلو اقليمها, وتقرر أن الهواء حر لا يخضع لسيادة من الدول, ومن ثم تكون الملاحة الجوية حرة لطائرات جميع الدول. ويؤيد أصحاب هذه النظرية رايهم بالقول بأن الدولة لا يمكنها ممارسةالسيادة على الهواء نظراً لاستحالة ممارستها لسيطرة فعلية عليه، فضلاً عن أن مبدأ الحرية قد طبقته الدول بالنسبة لآعالى البحار تشجيعاً للملاحة البحرية، وأن تطبيقه على الهواء يؤدى إلى تشجيع الملاحة الجوية .

ولقد قرر كثيرون من أنصار نظرية حرية الهواء أن هذه الحرية لايمكن أن تكون مطلقة، وأن الدولة تستطيع تنظيم المرور فى الطبقات الهوائية بما يتفق مع حقها فى الدفاع عن نفسها ومصالحها .

ولكن هذه النظرية لاقت نقداً مريراً على اعتبار أن الاخذ بها يهدد سلامة الدول التى تفقد كل رقابة على الطائرات التى تمر بأنه يكون على الدوام لصالح الملاحة الجوية، لأنه من الثابت أنه من اللازم حفظاً للأمن وللسلامة، وضع قواعد وأنظمة خاصة بالهواء .

2-  أما النظرية الثابتة فتقرر أن سيادة الدولة تمتد إلى طبقات الهواء الواقعة حتى ارتفاع معين من اقليمها وأن ما عدا ذلك يعد حراً لجميع الدول .

وهذا الاتجاه يسترشد بنظام البحر حيث تمارس الدولة سيادتها على المنطقة البحرية المجاورة لاقليمها .

3-  وتقرر النظرية الثالثة أن سيادة الدولة تمتد على طبقات الهواء التى تعلو اقليمها . ويترتب على ذلك أنها تستطيع أن تسمح بالطيران فوق اقليمها أو تمنعة حسبما يتراءى لها . وترفض هذه النظرية قياس الهواء على البحار، لان الامتداد الافقى فى البحر يعتبر أقل خطورة بالنسبة لصالح الدولة من الامتداد الرأسى فوق اقليمها، فضلاً عن أنه لا يشترط لمارسة السيادة السيطرة الفعلية على الهواء بل تكفى امكانية السيطرة عليه بواسطة المدافع والطائرات .

وتستند هذه النظرية على العرف الدولى الذى استقر على أن للدولة سيادة كاملة على المنطقة الهوائية التى تعلو اقليمها . وينصرف معنى الاقليم هنا الى اقليم الدولة الاصلى والى المياة الاقليمية . ويترتب على ذلك أنه لا يجوز مرور الطائرات الاجنبية فوق الدولة أو هبوطها فى أراضيها بغير الحصول على ترخيص بذلك .

 

ولهذا كان من اللازم لجعل الملاحة الجوية الدولية ممكنة عقد اتفاقات ثنائية أو جماعية تنظم شروط مرور الطائرات فى الفضاء الهوائى التابع لدولة أجنبية . وقد عقدت مجموعة كبيرة من هذه الاتفاقات, وسنكتفى بالاشارة الى أهم الاتفاقيات الجماعية .

 

الاتفاقيات الدولية المتصلة بالسيادة على الهواء وتنظيم الملاحة الهوائية :

1- اتفاقية شيكاجو سنة 1944 الخاصة بالطيران الدولى :

أثرت الحرب العالمية تأثيرا كبيرا فى تقدم الطيران كوسيلة لنقل الاشخاص والاشياء . ولقد فكرت الولايات المتحدة الأمريكية فى ضرورة وضع تنظيم جديد فدعت الى مؤتمر عقد فى شيكاغو فى سنة 1944, ومثلت فيه خمسون دولة تقريبا . وأدت أعمال المؤتمر الى وضع اتفاقية جماعية انضمت اليها أكثر من مائة دولة من بينها مصر . والمبدأ الاساسى الذى تقوم عليه هو الاعتراف بسيادة الدولة الكاملة على طبقات الهواء الواقعة فوق اقليمها .

 

واعترفت الاتفاقية لطائرات الدول المتعاقدة – غير الطائرات المستعملة فى خطوط جوية دولية منظمة – بمجموعة من الحريات, فقد وافقت كل من الدول المتعاقدة بأن لهذه الطائرات أن تطير فوق اقليمها سواء لدخوله, أو لعبوره بغير هبوط أو للهبوط عليه لأغراض غير تجارية – دون حاجة الى الحصول على ترخيص مقدما . ولهذه الطائرات – اذا كانت تستعمل فى نقل الركاب أو البريد أو البضائع بمقابل فى غير خطوط جوية دولية منتظمة – الحق فى أخذ أو انزال ركاب أو بريد أو بضائع, ويكون من حق الدولة أن تقيد ذلك بما تراه من شروط ( المادة الخامسة ) .

 

وقد اعترفت اتفاقية شيكاجو بأن للدولة أن تخضع الملاحة الجوية لكل تنظيم لا يتنافى مع هذه الحقوق, فلما أن تمنع التحليق فى بعض المناطق, ولها أن تكلف بعض الطائرات بالهبوط بقصد الرقابة الجمركية, ولها أن تحتفظ بالملاحة الجوية الداخلية لطائراتها فقط ( المادة السابعة ) .

وتجب ملاحظة أن هذه الاتفاقية خاصة بالطائرات المدنية. أما بالنسبة للطائرات العامة – وقد عرفتها الاتفاقية بأنها الطائرات الحربية وطائرات الجمارك والبوليس – فمن اللازم حصولها على تصريح للتحليق فى جو الدولة أو الهبوط فى أراضيها .

 

كما أن الحريات المبينة بالاتفاقية تسرى فى مواجهة الدول الاطراف فيها فقط, أما بالنسبة للدول غير الاطراف, فيشترط حصول الطائرات على تصريح خاص للتحلق فوق أراضيها .

كما أنه – بالنسبة للخطوط الجوية المنتظمة – فلا يجوز لأى خط جوى دولى منتظم أن يطير فوق اقليم دولة متعاقدة أو يهبط فى داخلة الا اذا كان يحمل اذنا أو ترخيصا من تلك الدولة وبشرط مراعاة أحكام الاذن أو الترخيص, وتدخل الدول عادة فى اتفاقات ثنائية أو جماعية تنظم النقل الجوى الدولى المنتظم بين الدول الاطراف فيها.

2- اتفاقية عبور الطائرات المستعملة فى خطوط جوية دولية منتظمة ( اتفاقية الترانزيت ) :

أسفر مؤتمر شيكاجو سنة 1944 عن ابرام اتفاقية تنظيم عبور الطائرات المستعملة فى خطوط جوية منتظمة, وقد منحت الاتفاقية هذا النوع من الطائرات حريتين وهما : حرية الطيران فوق اقليم الدولة بدون هبوط, وحرية الهبوط فوق الاقليم لاغراض غير تجارية, كما أوردت الاتفاقية بعض القيود على ممارسة هاتين الحريتين . ولقد انضمت مصر الى هذه الاتفاقية بالقانون رقم 16 لسنة 1947 .

 

3- اتفاقية النقل الجوى المنتظم :

أبرمت فى 7 ديسمبر سنة 1944 فى شيكاغو اتفاقية خاصة بالخطوط الجوية الدولية المنتظمة سميت " اتفاق النقل الجوى الدولى " . وانضم اليها عدد محدود من الدول لم يكن من بينها مصر التى رأت بدلا من الانضمام اليها أن تلجأ الى اتفاقات النقل الثنائية .

وقد اعترف الاتفاق للخطوط الجوية الدولية المنتظمة بمجموعة من الحريات سميت حريات الهواء وبيانها كالآتى :

( أ ) حرية التحليق فوق أراضى الدولة دون الهبوط فى اقليمها .

( ب ) حرية الهبوط فى اقليم الدولة لاغراض غير تجارية .

( جـ ) حرية انزال الركاب والبضائع والبريد فى اقليم الدولة, بشرط أن يكون مصدر الاشخاص والاشياء اقليم الدولة التى ترفع الطائرة علمها .

( د ) حرية أخذ الركاب والبضائع والبريد من اقليم الدولة بقصد نقلهم الى اقليم دولة الطائرة .

( هـ ) حرية نقل الركاب والبضائع والبريد بين دولتين أجنبيتين .

ونلاحظ أنه وجدت معارضة فى الاعتراف بهذه الحرية الخامسة من جانب بعض الدول مما أدى الى عدم ادراجها فى الاتفاقية العامة كالتزام على كافة الدول الاعضاء . ولذلك يشترط فيما يتعلق بها الحصول على ترخيص من الدولة .

 

4-  اتفاقية مقاومة خطف الطائرات أو التدخل فى الملاحة الجوية المدنية :

تعددت فى السنوات الاخيرة حوادث خطف الطائرات أو تغيير مسارها بالقوة, ولقد اهتمت الدول والمنظمات الدولية بهذا الموضوع لأنه يفقد الطائرات ميزتها فيما يتعلق بالسرعة والامان .

ولقد تم ابرام اتفاقية طوكيو سنة  1963 التى أصبحت نافذة فى سنة 1969 بناء على مبادرة منظمة الطيران المدنى الدولية, وهى تتعلق بالجرائم والاعمال الاخرى التى تقع على الطائرات, وعرفت اتفاقية طوكيو خطف الطائرات بأنه يتوافر اذا استخدم شخص – على متن طائرة القوة أو هدد باستخدامها بطريقة غير مشروعة لعرقلة استغلال الطائرات أو للاستيلاء عليها أو فرض رقابته عليها أثناء الطيران أو كان مثل هذا العمل على وشك الوقع . ولا تنطبق الاتفاقية على الاعمال الحربية, كما لا تسرى على الطيران الداخلى .

 

ويلزم أطراف الاتفاقية فى حالة خطف الطائرة باتخاذ جميع التدابير الملائمة لاعادة السيطرة على الطائرة لقائدها الشرعى, كما تقوم بالقبض على المتهم وحبسه احتياطيا والتحقيق معه, كما يجوز للدولة التى هبطت فيها الطائرة المخطوفة محاكمة المتهم وفق قرانينها أو تقوم بتسليمه وفقا لقواعد تسليم المجرمين أو بابعاده عن اقليمها .

ولما كانت نصوص اتفاقية طوكيو لا تغطى كل أحوال خطف الطائرات ولا تفرض التزامات على أطرافها بمحاكمة الخاطفين, فقد أعدت منظمة الطيران المدنى الدولية فى سنة 1969 مشروع اتفاقية تغطى القصور الحالى .

كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت فى 25 نوفمبر سنة 1970 قرارا أدانت كافة أعمال خطف الطائرات والاعمال الاخرى التى تعتبر تدخلا فى الملاحة الجوية المدنية, ودعا القرار الدول الاعضاء لاتخاذ كافة الاجراءات لمنع ومقاومة هذه الاعمال وللتمكين من معاقبة المسئولين . كما أدانت الجمعية الحصول على رهائن من بين ركاب أو طاقم الطائرة أثناء الرحلة. وطالبت الجمعية الدول التى تهبط الطائرة المخطوفة فى اقليمها بتقديم الرعاية والمساعدات لركاب وطاقم الطائرة وبتمكينهم من مواصلة رحلتهم وباعادة الطائرة وحمولتها لاصحاب الحق فيها .

 

منظمة الطيران المدنى الدولية :

أنشأت اتفاقية شيكاغو سنة 1944 هيئة دولية هى منظمة الطيران المدنى الدولية والغرض منها العمل على اناء المبادئ والقواعد الفنية الخاصة بالملاحة الهوائية الدولية, وتشجيع ايجاد نقل جوى دولى, والعمل على تخفيف القيود الادارية التى تعطله وعلى تحقيق أمنه وسلامته وعلى وضع نماذج دولية تتعلق بالمسائل الفنية للطيران كشهادات الطيران والملاحين, وشروط صلاحية الطائرات وجنسية الطائرات وتسجيلها, وقواعد الجمارك والهجرة والصحة والأرصاد . كما تقوم المنظمة بتقديم المساعدات الفنية والمالية لخدمات الملاحة الجوية .

 

الفضاء الخارجى :

يتميز العصر الذى نعيش فيه بغزو الفضاء, فقد تمكنت الدول عن طريق اطلاق الاقمار الصناعية والصواريخ من الوصول الى مناطق تعلو الطبقات الهوائية التى تحيط بالكرة الارضية .

واستعمالات الفضاء السليمة والعسكرية متعددة ولا يمكن حصرها من الآن . وتكفى الاشارة الى الاستعمالات السليمة المتعلقة بالراديو والتليفزيون والتصوير والارصاد ونقل الاشخاص والاشياء .

ولقد ثار جدل كبير حول تعيين الحد الفاصل بين الفضاء الهوائى وبين الفضاء الخارجى, وحول النظام القانونى للفضاء الخارجى .

 

الحد الفاصل بين الهواء وبين الفضاء الخارجى :

من المؤسف أنه لم يتم الاتفاق بين الدول حول تحديد الفاصل بين الهواء الخاضع لسيادة الدولة وبين الفضاء الخارجى الذى يذهب الاتجاه الغالب الى تقرير عدم خضوعه للسيادة الوطنية . ومن الواضح أن وضع مثل هذا الحد يحتاج الى معلومات علمية دقيقة؛ ولقد قررت لجنة الفضاء الخارجى منذ سنة 1958 أن هذا الموضوع ليست له صفة الاستعجال, ولم تنته من بحثه حتى الآن .

وهذا الوضع يخدم مصالح الدول الكبرى التى تستطيع مركباتها الفضائية أن تحلق بحرية على ارتفاعات كبيرة فوق أقاليم الدول المختلفة وذلك بادعاء أنها تحلق فى الفضاء الذى لا يخضع للسيادة طالما ظل الحد الفاصل بين الهواء والفضاء غير معروف .

ومما يضاعف فى خطورة الامر أن مركبات الفضاء والاقمار الصناعية والاجهزة الفضائية المختلفة تحلق فعلا على أبعاد قريبة من كوكب الأرض, بل ان بعضها كان يحلق عن ارتفاعات تدخل ضمن الغلاف الهوائى بالمعنى الواسع. ومع التقدم العلمى تزيد قدرة الاجهزة الفضائية على مقاومة الجاذبية الارضية, ومن ثم على الاقتراب من سطح الأرض .

ونشير فيما يلى الى أهم الآراء فيما يتعلق بالحد الفاصل بين الهواء والفضاء .

 

1- معيار معهد دافيد دافيز التذكارى للدراسات الدولية :

أوصى المعهد المذكور فى مشروعة الخاص بتجميع القواعد القانونية الخاصة باكتشاف واستخدام الفضاء الذى أقره سنة  1963 بالاخذ بمعيار مقتضاه أن يمتد الهواء الخاضع للسيادة الى ارتفاع خمسين ميلا فوق سطح البحر, وأن ما يعلو ذلك يعتبر من الفضاء الخارجى. ويتفق هذا الحد مع ما يعرف باسم خط كارمان وهو الخط الذى يفقد فيه الشئ الذى يسير بسرعة 25,000 قدم فى الثانية وزنه نتيجة تعادل القوة الطاردة المركزية مع الجاذبية الارضية .

 

2- معيار الفقيه كوبر :

يقترح الفقية الامريكى كوبر أن تمتد سيادة الدولة إلى ارتفاع 75ميلاً فوق سطح البحر، وفى حدود هذا الارتفاع يميز الفقية بين منطقتين :

( أ ) المطقة الاولى : وهى تمتد حتى ارتفاع 25ميلاً، وتمارس الدولة فيها السيادة المطلقة .

( ب ) المنطقة الثانية : وهى تمتد من أرتفاع 25 ميلاً إلى 75 فوق سطح البحر، وهى تخضع لسيادة الدولة ولكنها سيادة مقيدة بضرورة السماح بعبور الاجهزة الفضائية .

ويعلل كوبر رأيه بأن ارتفاع 25ميلاً يمثل المسافة التى يمكن فيها الطيران بقوة رد فعل الهواء، وأما ما علا ذلك من ارتفاع حتى 75ميلاً فهل يمثل طبقات هوائية عليا يصعب الطيران فيها ولهذا يمكن تقييد سيادة الدولة عليها .

 

3- معيار الفقية كوادرى :

ينكر البعض فكرة تنظيم استخدام الفضاء على أساس وجود حد يفصل بين الهواء الخاضع للسيادة الوطنية وبين الفضاء الحر . فيقرر الفقية الايطالى كواردى أن العبرة هى بطبيعة النشاط بغض النظر عن النطاق الذى يمارس فيه، والنشاط الفضائى حر منذ بدايته على سطح الارض وهو حر كذلك فى الطبقات الهوائية وما يعلوها من الفضاء .

ونلاحظ أن كل هذه الآراء تمثل اتجاهات فقهية ولا تعبر عن أى اتفاق دولى، ونعتقد أن أى اتفاق دولى سوف يتأثر حتماً باعتبارات سياسية إلى جانب اعتمادات العلمية، ومن أهم الاعتبارات السياسية فى هذا الشأن المحافظة على أمن الدول وسلامتها، وتحقيق التوازن بين مصالح مستخدمى الفضاء ومن يتعرضون لاخطار ذلك الاستخدام .

ويمكن أن أشير إلى أمرين على سبيل الاسترشاد عند وضع اتفاق دولى فى هذا الشأن :

1-  تمتد سيادة الدولة بلا جدال فى الهواء حتى أقصى ارتفاع يمكن للطائرات التحليق فيه معتمد على قوة رد فعل الهواء .

2-  من مصلحة الدول الوسطى والصغرى – التى تتعرض لاخطار استعمال الفضاء دون المشاركة فى استخدامه – أن تمتد سيادتها إلى حيث توجد أية كميات من الهواء تساعد بصفة ما على التحليق أو تعرقل اتخاذ مركبات الفضاء لمدار حول الارض .

النظام القانونى للفضاء الخارجى فى الفقه الدولى :

( أ ) ذهب البعض إلى أن الدولة تباشر سيادتها على كل ما يعلو أقليمها من فضاء هوائى أو فضاء خارجى، وذلك بالتطبيق لاحكام اتفاقية شيكاغو سنة 1944. وقرر هؤلاء أنه مع التسليم بأن نصوص هذه الاتفاقية تؤكد فقط سيادة الدولة على الفضاء الهوائى الا أنه يجب أن نتوسع فى تفسيرها حتى تشمل الفضاء الخارجى؛ لأنه من الواضح أن الاتفاقية لم تجد مبرراً للنص على الفضاء الخارجى وذلك لأنه فى الوقت ابرام الاتفاقية لم تكن ظهرت الحاجة إلى تنظيم هذا الفضاء .

ولا يمكن القول بأن عدم اعتراض الدول على تحليق الاقمار الصناعية السوفيتية والامريكية فوق أقليمها يكون عرفاً دولياً يؤيد حرية الفضاء الخارجى؛ وذلك لأنه من الواضح أن كافة الدول كانت لها مصلحة فى استكشاف أسرار الفضاء فكانت تسمح بذلك العبور مساعدة منها فى هذا العمل العلمى .

وينتهىهذا الرأى إلى لا يمكن القول بأن الفضاء الخارجى أصبح حراً، ولا يخضع لسيادة الدول التى تقع أقاليمها تحته؛ لأن مثل هذه القاعدة لايمكن تقريرها إلا بموجب اتفاقية دولية توافق بمقتضاها الدول على حرية تحليق القذائف والمركبات والاقمار الصناعية فى الفضاء الخارجى فوق أقليمها .

( ب ) وذهب عدد أكبر من الفقهاء إلى أن النصوص الخاصة بالهواء لا تنطبق على الفضاء الخارجى حيث لا يوجد هواء أو حيث يقل الهواء أوبحيث لا يمكن للطائرة الطيران برد فعل الهواء . وحجة هؤلاء أن اتفاقية شيكاجو سنة 1944 عرفت الطائرة بأنها كل ألة تطير بموجب رد فعل الهواء، ولا ينطبق هذا التعريف على الاقمار الصناعية أو مركبات الفضاء .

ويضاف إلى ذلك أن المادة 18 من اتفاقية شيكاجو قررت عدم تمتع الطائرات التى تطير بدون طيارين بالحقوق الواردة فيها .

ويضيف البعض مبررات أخرى مبناها أن الاقمار الصناعية لا تطير فى أقاليم الدول، بل أن الكرة الارضية تبدو كما لو كانت تمر تحتها، كما أن الدولة لا يمكنها أن تمارس اشرافاً فعلياً على الفضاء الذى يعلو اقليمها.

ويخلص هذا الرأى إلى أن المنطقة الخاضعة لسيادة الدول هى المنطقة المقاربة للأرض التى يوجد فيها الهواء بكمية كافية تسمح للطائرات أو للبالونات بالتحليق . ومن ثم لا تنطبق القواعد الخاصة بالطائرات على الاقمار الصناعية أو القذائف، ويصبح استعمال الفضاء الخارجى حراً لجميع الدول . ويضيف أصحاب هذا الرأى أن الدولة لم تعترض على تحليق الاقمار الصناعية فوق أقاليمها مما يؤدى حرية هذه المناطق .

الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالفضاء الخارجى :

شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجى . ولقد أسفرت أعمال هذه اللجنة وقررات الجمعية عن الموافقة على الاتفاقيات التالية :

1-  معاهدة الاستخدام السلمى للفضاء الخارجى :

 وافقت الجمعية العامة بالاجماع على هذه المعاهدة فى 19ديسمبر سنة 1966، وتم توقيعها فى نفس الوقت فى كل من موسكو ولندن وواشنطن فى 27 يناير سنة 1967. وتتضمن الاتفاقية الاحكام الآتية التى تحكم نشاط الدول فى مجال اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجى .

( أ ) يكون اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجى لصالح الانسانية .

( ب ) تكون جميع الدول حرة فى اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجى على أساس من المساواة .

( جـ ) لا يجوز أدعاء امتساب السيادة الوطنية على الفضاء الخارجى .

( د ) تقوم الدولة بنشاطها الخاص باكتشاف الفضاء الخارجى طبقاً لأحكام القانون الدولى بما فى ذلك ميثاق الأمم المتحدة .

( هـ ) تحتفظ الدولة بسلطتها ورقابتها على الاجهزة الفضائية التى تطلقها وعلى الاشخاص الموجودين فيها طالما أنها مسجلة فيها ولا تتاثر ملكية الدول لها نتيجة لاطلاقها فى الفضاء .

( و ) يعتبر رواد الفضاء مبعوثين للانسانية، وتجب مساعدتمهم بكل الوسائل .

ونلاحظ أن بعض الغموض يحيط بأحكام الاتفاقية وبصفة خاصة فيما يتعلق بتحديد معنى الاستخدام السلمى للفضاء واستخدامه لصالح الانسانية .

ويرى الاتحاد السوفيتى أن الاستخدام السلمى هو الاستخدام غير العسكرى بينما ترى الدول العربية أن الاستخدام العسكرى يكون سلمياً إذا كان غير عدوانى أى للدفاع عن النفس . ومن ناحية أخرى نجد أن بعض الاستخدامات غير العسكرية تخدم الأغراض العسكرية ومن ذلك أن أقمار الارصاد الجوية وأقمار الاستكشاف قد تستخدم للتجسس على الاهداف العسكرية للدول الأجنبية . وأخيراً فاننا نعتقد أنه من الضرورى تقرير مبدأ نزاع السلاح فى الفضاء .

 

2-  اتفاقية مساعدة واعادة رواد الفضاء ومركبات الفضاء إلى دولهم :

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الاتفاق فى 22أبريل سنة 1968 وينص الاتفاق على ما يلى :

( أ ) تتعاون الدول لانقاذ رواد الفضاء، ففى حالة هبوط رائد الفضاء خارج حدود الدولة التى أطلقت مركبة الفضاء، وتقوم تلك الدولة بأخطار الدول الآخرى . كما تلتزم الدولة التى هبط فيها الرائد بأخطار دولته بذلك . أما إذا هبط الرائد فى أعالى البحار فان الالتزام بالاخطار يقع على عاتق كافة أطراف الاتفاقية :

( ب ) تنطبق نفس الاحكام فى حالة هبوط أجسام فضائية إلى الارض .

( جـ ) يلتزم أطراف الاتفاقية بتقديم كل المساعدة إلى رواد الفضاء فى حالة الحوادث أو المخاطر أو الهبوط الاضطرارى، وتجب أعادة رواد الفضاء الذين يقومون بمثل هذا الهبوط سالمين بسرعة إلى الدولة التى تم تسجيل المركبة الفضائية فيها .

3-  اتفاقية المسئولية الدولة عن الاضرار التى تحدثها الاجهزة الفضائية :

وافقت الجمعية العامة على هذه الاتفاقية فة 29نوفمبر سنة 1971.

وهى تتضمن الاحكام الآتية :

( أ ) تتحمل الدولة مسئولية دولة مطلقة للتعويض عن الاضرار التى يحدثها جهاز فضائى تابع لها على سطح الارض أو لطائرة فى الجو – ولا تحتاج المسئولية المطلقة لاثبات وقوع خطأ ما .

( ب ) يشترط اثبات ألخطاء لتحمل الدولة المسئولية عن الاضرارالتى يحدثها جهاز فضائى تابع لها لجهاز فضائى آخر أو لاشياء أو أشخاص فى هذا الجهاز .

( جـ ) فى حالة أشتراك أكثر من دولة فى أطلاق جهاز فضائى، فانها تتحمل المسئولية بطريقة مشتركة كما يتحمل كل منها المسئولية .

( د ) لا تنطبق أحكام الاتفاقية على الاضرار التى تصيب مواطنى الدولة التى أطلقت الجهاز أو الأجانب الذين أشتركوا فى عملية الاطلاق .

( هـ ) تتقدم الدولة التى أصابها الضرر أو التى يتمتع الاشخاص المضارون بجنسيتها بطلب تعويض إلى الدولة التى أطلقت الجهاز الفضائى بالوسائل الدبلوماسية وفى خلال سنة على الاكثر من وقوع الضرر أو من علمها بوقوع الضرر . ولا يشترط أن يسبق ذلك استنفاذ طرق التقاضى الداخلية .

( و ) يتم تحديد التعويض وفقاً لاحكام القانون الدولى ومع مراعاة العدل والانصاف بحيث تعود حالة من أصابة الضرر إلى نفس الحالة التى يكون عليها لو لم يقع الضرر .

( ز ) إذا لم تتم تسوية مطالبات الدولة التى أصابها الضرر خلال سنة من تقديم المطالبة يتم تشكيل لجنة مختلطة . ويختار كل طرف عضو فيها، ويتم اختيار رئيسها باتفاق الطرفين فأذا لم لم يتفق الطرفان فى خلال أربعة شهور يقوم الأمين العام للأمم المتحدة باختيار الرئيس .وإذا امتنع عضو عن اختيار ممثلة فى اللجنة عملت بعضو واحد هو رئيسها .

وتقوم اللجنة بالبت فى موضوع النزاع وتحدد التعويض المستحق ويكون قرراها نهائياً وملزم .

4-  اتفاقية تسجيل الاجسام الفضائية :

أقرت الجمعية العامة هذه الاتفاقية سنة 1974 وهى تتضمن التزام الدول التى تطلق أجسامها فى الفضاء بأن تحتفظ بسجلات لهذه الاجسام وأن تقدم للأمم المتحدة المعلومات اللازمة عنها لادراجها فى سجل خاص، وتتضمن هذه المعلومات اسم الدولة أو الدول التى أطلقت الجسم الفضائى واسم ورقم تسجيل هذا الجسم، وتاريخ وموضع الاطلاق، وأطوال المحيط المدارى، ومهمة الجسم الفضائى .

تنظيم الاتصالات اللاسلكية فى الهواء والفضاء :

تتولى اتفاقية المواصلات اللاسلكية المبرمة سنة 1947 فى أتلانتك سيتى تنظيم الاتصالات اللاسلكية بين الدول .

وتقرر الاتفاقية أن لكل دولة الحق فى تنظيم اتصالاتها اللاسلكية ومع ذلك تهدف الاتفاقية إلى تنظيم توزيع الموجات الصوتية بين الاعضاء عن طريق منظمة تختص بتحقيق التعاون الدولى فى مجال المواصلات اللاسلكية وهى الاتحاد الدولى للمواصلات اللاسلكية الذى تم انشاؤة بموجب اتفاقية مدريد سنة 1932.

 

وتلتزم الدول الاعضاء بأخطار مكتب تسجيل الموجات التابع للاتحاد المشار إليه بالموجات التى تستخدمها . وللمكتب أن يشير على الدول الاعضاء فى هذا الشأن حتى يمكن لكافة الدول تشغيل أكبر عدد من الموجات دون تتداخل فيما بينها بطريقة ضارة . وللمكتب أن يقترح على الدولة استخدام موجة بديلة، على أن تقرير استخدام موجة معينة هو الحق للدولة صاحبة الاقليم التى تصدر عنه الموجة .

ومن غير المعقول أن يترتب على مبدأ سيادة الدولة على الهواء أن تمنع الدولة مرور الموجات الاذاعية الصادرة من الدول الأخرى فى الهواء الخاضع لسيادتها؛ لأن ذلك الامر ليس ممكناً . على أنه يجوز للدولة التشويش على هذه الموجات إذا كان من شأنها الاضرار باستعمالها الهواء الأغراض الاتصال أو الاساءة إليها بأية صورة .

وتنمع لوائح الاتحاد الدولى للمواصلات اللاسلكية اقامة أو استخدام محطات للبث الاذاعى فى السفن أو طائرات توجد خارج اقليم الدولة . ويجوز للدولة أن ترسل موجات اذاعية من اقليمها موجهة من الفضاء وأن تستقيل هذه الموجات الموجهة إليها من محطات فضائية .

 

 

                                 ** الباب الثانى ***

                           أشخاص القانون الدولى غير الدولة

تمهيد :

ذكرنا أن الدولة هى أهم الشخصيات الدولية وأوسعها اختصاص .

ولقد اسغرقت دراستها الجزء الاكبر من البحث فى أشخاص القانون الدولى؛ لأن قواعد القانون الدولى العام قد وضعت أصلاً لتحكم نشاط الدول فى ميدان العلاقات الدولية .

وإلى جانب الدول يخضع بابا الكاثوليكى وكذلك المنظمات الدولية لقواعد قانونية دولية مبناها العرف أو المعاهدات . ويعترف القانون الدولى للبابا الكاثوليكى وللمنظمات الدولية بالحق فى ممارسة بعض الاختصاصات الدولية فى المجتمع الدولى وفى مواجهة الدول ذاتها، ومن ثم يمكن اعتبارهم من أشخاص القانون الدولى العام .

ومن ناحية أخرى يثير مركز الفرد فى القانون الدولى اهتماماً واسع النطاق منذ اتجه ذلك القانون إلى تقرير حقوق للانسان، وإلى العمل على ضمان تلك الحقوق بطريقة دولية .

 

                           ** الفصل الاول **

                                  البابا والفاتيكان

تطور وضع البابا الكاثوليكى فى القانون الدولى :

كان البابا الكاثوليكى يباشر فى الماضى نوعين من السيادة : سيادة روحية على العالم الكاثوليكى وسيادة زمنية مبناها أنه كان يحكم بصفته ملكاً لمدينة روما وبعض المقاطعات الاخرى .

وفى سنة 1870 دخلت الجيوش الايطالية روما ونزعت عن البابا مملكته الصغيرة، ,ان كانت قد أبقت له صفته كرئيس للكنيسة الكاثوليكية، ولقد ظل بهذه الصفة الاخيرة يعتبر من أشخاص القانون الدولى

ولم تحاول ايطاليا عرقلة مباشرة البابا لاختصاصه الروحى، فأصدرت قانون الضمان فى سنة1871 الذى نص على اعتبار أن ذات البابا مصونة ولا تمس، واعترف بحقة فى تبادل المبعوثين الدبلوماسيين مع الدول الاجنبية، وبوجوب تمتع هؤلاء المبعوثين الحصانات الدبلوماسية .

ومن الواضح أن شخصية البابا الدولية لم تكن تستمد مصدرها من قانون الضمان الذى أصدرته الحكومة الايطالية، وانما كانت تستند على العرف الدولى الذى أعطاه بصفته رئيساً للكنيسة الكاثوليكية بعض الاختصاصات الدولية المحددة كتبادل المبعوثين أو عقد المعاهدات . وهويباشر هذه الاختصاصات بقصد رعايه المصالح الدينية الكاثوليكية، ومن ثم لم يملك البابا الاشتراك فى المؤتمرات التى تناقش فيها المصالح المادية فقط لأنه ليس رئيساً لدولة .

ولم يتغير هذا الوضع حتى بعد معاهدة لاتزان التى عقدت بين البابا وبين الحكومة الايطالية فى 11فبراير1929 والتى بمقتضاها تنازلت إيطاليا عن مدينة الفاتيكان وأخضعها لسلطانه .

 

وضع الفاتيكان فى القانون الدولى :

اعتقد بعض الفقهاء أن البابا قد استعاد بعد سنة 1929صفته كرئيس لدولة الفاتيكان. ولكن هذا الرأى لا يمكن التسليم به، فمدينة الفاتيكان لا يمكن اعتبارها دولة حيث ينقصها عناصرها . فمساحة اقليمها لا يتجاوز نصف كيلو متر. كما أنه ليس لها رعايا بالمعنى الصحيح ، فرعايها عباره عن موظفى الفاتيكان الرسميين الذين يفقدون رعويتهم ويعودون لجنسيتهم القديمة بمجرد تركهم لوظائفهم، وبالتالى تلزم مغادرتهم لمدينة الفاتيكان . ويبلغ عدد هؤلاء وأفرادها عائلاتهم 1000شخص

وزيادة على ذلك فأن الفاتيكان لا يباشر الاختصاص العام المعترف به للدول والذى يعد معيارها فيجب عليه التزام الحياد فى المنازعات السياسية، وهو لا يختص بالمعاقبة على الجرائم التى ترتكب فى مدينة الفاتيكان، وانما تتولى ذلك الحكومة الايطالية بناء على طلب من الفاتيكان . كما تباشر الحكومة الايطالية ادارة المرافق الخاصة بالفاتيكان من سكك حديدية وبريد وتلغراف وتليفون ومياه وكهرباء .

ويخلص مما تقدم أن السيادة الاقليمية التى تقررت للبابا على مدينة الفاتيكان بمقتضى معاهدات لاتزان، يقصد منها فقط تمكينه من مباشرة اختصاص كرئيس الكاثوليكية، ولا يترتب عليها اعتبار هذه المدينة دولة مستقلة .

والواقع أن شخصية البابا الدولية كانت ولا تزال تستمد مصدرها من صفته كرئيس دينى يملك السلطة الروحية على الكاثوليك فى العالم، وأنه خلافاً لأشخاص القانون الدولى من الدول لا يتمتع البابا باختصاصات عامة بل بأنواع معينة من الاختصاصات قصد منها المحافظة على مصالح الكنيسة الكاثوليكية التى يعتبر ممثلها فى المجتمع الدول .

ولم يتغير وضع البابا الدولى بعد الحرب العالمية الثانية، فقد أقره دستور الجمهورية الايطالية سنة 1948 الذى نص على وجوب احترام معاهدة لاتزان . ولم يشترك الفاتيكان فى مؤتمرات الصلح التى أعقبت تلك الحروب، ولا فى الأمم المتحدة؛ وذلك لأن المصالح التى تناقش فى هذه المؤتمرات وفى الأمم المتحدة مصالح دنيوية تخرج عن النطاق الذى يباشر فيه البابا شخصيتة الدولية .

ويتمتع مبعوثو الفاتيكان لدى الدول بالحصانات الدبلوماسية، ولقد جرى العرف الدولى على أن يتقدم مبعوثو البابا فى البلاد الكاثوليكية على مبعوثى الدول الكاثوليكية .

 

                                 ** الفــصل الثــانـــى **

                                     المنظمات الدوليــة

الاعتراف بالشخصية القانونية للمنظمات الدولية :

يقصد بالمنظمات الدولية هيئات تنشئها مجموعة من الدول بارادتها للاشراف على شأن من شئونها المشتركة، وتمنحها اختصاصات ذاتية تباشرها هذه الهيئات فى المجتمع الدولى، وفى مواجهة الاعضاء أنفسهم .

ولم يتم الاعتراف بالشخصية الدولية للاتحادات وللهيئات الدولية الا بعد مناقشات فقهية طويلة أدت إلى تطور الآراء الخاصة بالشخصية الدولية، وقد أنكر الفقهاء الاولون كيلنيك ولاباند، وبوريل شخصية الاتحادات الدولية . وذكروا أن الدولة هى شخص القانون الدولى الوحيد، أما الاتحاد الدولى فانه يعد فى نظرهم مجرد " علاقة قانونية " وليس شخصاً قانونياً .

ومنذ نهاية القرن التاسع عشر بدأ الفقهاء يعترفون بأن هناك جماعات وهيئات غير الدول تتمتع بالشخصية الدولية وتخضع للقانون الدولى العام. فقد بين ليفير أن فكرة الدولة وفكرة الشخصية الدولية فكرتان منفصلتان، واعترف بشخصية الاتحادات الدولية التى تباشر اختصاصاً ذاتياً، وذكر أنه من المستحيل انكار أن الدول تستطيع بدون أن تفقد سيادتها، أن تتنازل عن بعض حقوقها لهيئات تنشئها بأختيارها، فتمنحها بذلك الشخصية الدولية .

وقرر جيدل أن الاشخاص الدولية نوعان : أشخاص عادية وهى الدول، وأشخاص صناعية وهى كافة الوحدات الدولية التى تتولد عن ارادة الدول . وبين كافلجييرى أن نطاق القانون الدولى العام لا يقتصر على علاقات الدول فيما بينها بل يمتد أيضاً إلى العلاقات مع الهيئات .

ويخلص مما تقدم أن التطور الجديد فى القانون الدولى العام يميل إلى تأكيد شخصية المنظمات الدولية، وهذه المنظمات تستمد وجودها واختصاصاتها من أرادة الدول . ومن أمثلتها المنظمات الدولية العامة كعصبة الامم فى الماضى والامم المتحدة فى الوقت الحالى، والمنظمات الدولية الاقليمية كمنظمة الدول الأمريكية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الافريقية، والمنظمات المتخصصة كمنظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الطيران المدنى، كالوكالات المتخصصة التى أنشئت فى نطاق جامعة الدول العربية كمنظمة العمل العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم .

 

شروط تمتع المنظمات الدولية بالشخصية :

تنشأ شخصية المنظمات الدولية نتيجة لتنازل الدول لها اختيار عن بعض الاختصاصات، وهى لا تتعدى نطاق الغرض الذى وجدت المنظمة من أجله، وتستطيع المنظمة فى سبيل مباشرة الاختصاصات المعترف لها بها أن تدخل فى علاقات مع الدول ومع المنظمات الدولية الاخرى فتتبادل معها المبعوثين أو تعقد معها الاتفاقات .

وكيان هذه المنظمات متوقف على ارادة الدول التى أنشأتها، إذ أن هذه تملك على الدوام تعديل اختصاصها أو الغائها كلية .

على أنه يلزم لتمتع المنظمات الدولية بالشخصية الدولية توافر ثلاث شروط :

( أ ) أن يكون للمنظمة حق تكون ارادة ذاتية مستقلة عن ارادة الدول التى تدخل فى تكوينها، ويكون ذلك عن طريق مجالسها وجمعياتها التى تصدر قرارات بالاغلبية أو بالاجماع . ويرى البعض أنه يشترط لتمتع هذه المنظمات بالارادة الذاتية أن يكون لمجلسها حق اصدار القرارات بالاغلبية؛ لأنه إذا كان الاجماع لازماً ترتب على ذلك أن الارادة المنوبة للمنظمة تكون فى الحقيقة عبارة عن مجموع ارادت الدول الاعضاء،

والراجح أن تمتع المنظمة الدولية بالادارة الذاتية ليست بالحقيقة الواقعية وانما هو مجرد افتراض قصد منه أن ينسب للدول الاعضاء تصرفات تصدر من المنظمة نفسها، سواء صدرت بالاغلبية أو بالاجماع .

( ب ) أن يكون للمنظمة اختصاصات محددة لاتظهر شخصيتها الدولية الا فى حدودها . فليس معنى تمتع هيئة ما بالشخصية الدولية أن يكون لها حق مباشرة جميع ما للدولة من اختصاصات، وانما هى تباشر فقط الاختصاصات الى منحت لها فى الميثاق المنثئ لها وهى اختصاصات تقتصر فى العادة على بعض الأمور وبقصد تحقيق بعض الوظائف .

( جـ ) أن يحصل الاعتراف بشخصيتها من جانب الدول صراحة او ضمناً ويكون ذلك بقبول الدخول مع المنظمة فى علاقات دولية باعتبارها شخصية دولية مستقلة .

 

القانون الدولى يقر شخصية المنظمات الدولية :

يقر القانون الدولى فى الوقت الحالى تمتع المنظمات الدولية بالشخصية الدولية، وتنص المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية عادة على تمتعها بالشخصية القانونية . كما أنه قد تم ابرام عدة اتفاقيات دولية لتنظيم ممارسة هذه المنظمات الظاهرة شخصيتها، ولتحديد الحصانات التى يتمتع بها ممثلو الدولة لديها والموظفون الذين يعملون بها . ونشير فى هذا الصدد إلى الاتفاقات التى عقدت بشأن الامم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والوكالات الدولية المتخصصة .

 

نتائج الاعتراف بالشخصية القانونية :

يترتب على الاعتراف بالشخصية القانونية للمنظمات الدولية أن يكون لها وضع مستقل عن دولة المقر وعن الدول الاعضاء فيها، على أن تمتع المنظمات الدولية بالشخصية الدولية لا يترتب عليه الاعتراف لها بكل الحقوق التى يخولها القانون الدولى للدول ذات السيادة . وانما يترتب عليه تمتعها فقط بمظاهر الشخصية الدولية التى تتلاءم مع وظائفها وأهدافها كما تحددت فى الميثاق المنشئ لها .

ومن المقرر أن شخصية المنظمات الدولية تنتج آثارها فى مواجهة الدول الاعضاء، ولا تنتج هذه الآثار فى مواجهة الدول الآخرى الا إذا اعترفت بها . والسبب فى ذلك أن الدول غير الاعضاء تعتبر من الغير بالنسبة للاتفاقية المنشئة للمنظمة الدولية، ومن ثم لا تلتزم بأحكامها . كما أن سريان آثار الشخصية الدولية المنظمة فى غير حق أعضائها قد يضر بمصالح هذا الغير الذى قد يجد نفسه مضطراً لقبول ممارسة المنظمة لنشاط معين كان قاصرأ على الدول . وزيادة على ذلك ففى حالة أصابة الغير بأضرار نتيجة ممارسة المنظمة لنشاطها فانه قد يجد نفسه مضطراً لمساءلة المنظمة نفسها بدلا من الدول الاعضاء علماً بأن المنظمة قد تعجز عن تعويضه لضألة ميزانياتها. كما أنه يصعب اتخاذ اجراءات ثأرية فى مواجهة المنظمات الدولية، بينما يمكن اتخاذ مثل هذه الاجراءات فى مواجهة ممتلكات ورعايا الدول .

على أنه يستثنى مما تقدم الامم المتحدة التى استقر الرأى على تمتعها بالشخصية الدولية فى مواحهة كل دول العالم بما فى ذلك الدول غير الاعضاء . وهذا ماقررته محكمة العدل الدولية فى رأيها الخاص بالتعويض عن الأضرار التى تصيب شخصاً يعمل فى خدمة الامم المتحدة الصادر سنة 1949.

 

ولقد ذهب كثير من الفقهاء إلى القول بأن الوكالات المتخصصة العالمية المرتبطة بالامم المتحدة تعامل من حيث الشخصية القانون معاملة الامم المتحدة فتسرى شخصياتها القانونية فى مواجهة كل دول العالم دون حاجة إلى صدور اعتراف بها .

أما المنظمات المتخصصة الاقليمية فلا تتمتع بالشخصية القانونية فى مواجهة غير أعضائها الا إذا اعترفوا للمنظمة بذلك .

وتظهر الشخصية القانونية للمنظمات الدولية بصفة خاصة فى النواحى الآتية .

 

1-  الاهلية القانونية واهلية ابرام المعاهدات :

تملك المنظمات الدولية أهلية التعاقد والتملك . كما تستطيع ابرام الاتفاقيات الدولية . ولقد قرر بعض الفقهاء أن أهلية المنظمة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بميثاقها بمعنى أنها لا تمارس الا الأعمال والحقوق ولا تبرم الا الاتفاقات التى نص الميثاق المنشئ للمنظمة عليها ومنحها بذلك أهلية ممارستها . على أن الراجح هو الاعتراف للمنظمات الدولية بأهلية ممارسة كل عمل أو حق يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوظائف الممنوحة للمنظمة . وذلك على أساس أن المنظمات الدولية لها الحق فى ممارسة السلطات الممنوحة لها وكذلك السلطات اللصيقة بوظائفها .

 

2-  حق التقدم بمطالبات دولية :

يجوز للمنظمات الدولية أن تدخل فى علاقات مع الدول مع المنظمات الدولية الاخرى، وهى تملك الحق فى التقدم بمطالبات دولية . ومن أهم أمثلتها المطالبات المتصلة بالتعويضات عن الأضرار التى تصيب المنظمة أو تلحق بموظفيها .

 

3-  المسئولية الدولية :

يجوز مساءلة المنظمة الدولية عن الاضرار التى تصيب الغير نتيجة للمارسة المنظمة لنشاطها . ولقد سبق أن أوضحنا أن الغير الذى لم يعترف بالمنظمة قد يجد من مصلحته مساءلة الدول الاعضاء فى المنظمة بدلاً من مساءلة المنظمة نفسها .

 

4-  الحصانات والمزايا :

تتمتع المنظمة الدولية، ويتمتع ممثلو الدول الاعضاء فيها، كما يتمتع موظفوها بمجموعة من الحصانات والامتيازات القصد منها تسهيل ممارسة المنظمة لأعمالها، ويتم تحديد هذه الحصانات والامتيازات فى اتفاقيات تبرم مع دولة المقر ومع الدول الاعضاء فى المنظمة ومع الدول الاخرى التى تمارس المنظمة نشاطها فيها .

 

                                 ** الفصل الثالث **

                                 الـــفــــرد

تمهيد :

تقصد بالفرد فى هذا الفصل الانسان، وكذلك الاشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون الداخلى كالشركات والمؤسسات .

ومن اهم المشاكل القانونية فى الوقت الحالى المشكلة الخاصة بعلاقة الفرد بالقانون الدولى العام وبالمنظمات الدولية . ولايخفى أن القانون الدولى وأن كان يهدف مباشرة إلى تنظيم العلاقات بين الدول وإلى ايجاد حياة مشبعة بالأمن والرخاء فى كافة أرجاء الارض، فان الغرض والهدف الاخير من ذلك كله هو اسعاد بنى الانسان وتسهيل الحياة لهم فى اقامتهم وفى انتقالهم .

 

حقوق الافراد فى القانون الداخلى :

من الثابت أن الحقوق التى يتمتع بها الفرد الآن فى المجتمعات المتمدنة استخلصتها الشعوب من أيدى حكامها نتيجة لكفاح مرير، وتطور سياسى واجتماعى طويل المدى انتهى إلى الاعتراف للفرد بحقوق سياسية ومدنية واقتصادية تزيد أو تنقص وفقاً لمدى تطور كل مجتمع وظروفه الخاصة .

 

ولقد كان من نتائج سيادة المبادئ الديمقراطية أن نصت دساتير الدول المتمدنة على الاعتراف بحقوق أساسية للفرد تلتزم الدولة باحترامها .

ومع اختلاف فقهاء القانون الدستورى فى بيان أساس الحقوق الفردية، فقد اتفقوا على أنها سابقة على الدولة ومقيدة لها، وأنها تشمل الحقوق فى المساواة، والحريات العامة، والحقوق المدنية، وأنها حقوق سلبية؛ بمعنى أن الدولة تلتزم فقط بأحترامها وبأن تقوم بحمايتها وبمنع التعرض لها .

 

وابتداء من سنة 1919 حدث تطور فى مجال حقوق الانسان تحت تأثير تغير النظرة لوظيفة الدولة ولحقوق الافراد . وأصبحت الدول تلتزم بأن توفر لرعاياها، وعلى الخصوص للطبقات الضعيفة من السكان، مباشرة بعض الحقوق ذات الطابع الاقتصادى والاجتماعى كحق العمل، والحق فى الضمان الاجتماعى، والحق فى العلاج، مما يستتبع تدخل الدولة فى الميدان الاقتصادى والاجتماعى .

 

ويظهر هذا التطور واضحاً فى أحكام الدستور المصرى سنة 1971 الذى حدد فى المواد من 7إلى 72 حقوق المواطنين المصريين بما يجعلها تشتمل على حقوق اجتماعية وخلقية، وحقوق اقتصادية وحريات وحقوق عامة، وحقوق مدنية . وتتفق أحكام الدستور المصرى فى جملتها مع الاعلان العالمى لحقوق الانسان .

 

مركز الفرد فى القانون الدولى :

يثير مركز الفرد فى القانون الدولى جدلاً كبيراً، وسنعرض فيما يلى للآراء الفقهية ولاتجاهات العرف الدولى :

1-  موقف الفقة الدولى :

انقسم الفقة الدولى فيما يتعلق بهذا الموضوع وذلك على النحو الآتى :

( أ ) الفرد لا يعتبر من أشخاص القانون الدولى : يذهب الفقة التقليدى كما عبرت عنه المدرسة الوضعية إلى أن الدول هى أشخاص القانون الدولى، وأنها تتمتع بالسيادة، وهى تخلق قواعد القانون الدولى برضاها، وأن الفرد لا يتمتع بالشخصية الدولية . كما تقرر المدرسة الوضعية أن الفرد لايستطيع الاشتراك بطريقة ما فى العلاقات الدولية، وأن قواعد القانون الدولى العام لا يمكن أن تنطبق عليه مباشرة . وتنهى هذه المدرسة الى القول بأن الفرد يمكن اعتباره موضوعاً للقانون الدولى ولكنه لا يعتبر شخصاً من أشخاص ذلك القانون .

 

( ب ) الفرد هو الشخص الوحيد للقانون الدولى : تذهب بعض الاراء التى قال بها بعض أنصار المدرسة الاجتماعية والمدرسة الواقعية إلى انكار شخصية الدولة والى رفض نظرية السيادة الوطنية، وتقرر أن الأفراد هم الاشخاص الوحيدون للقانون الدولى، وأن الدولة ما هى الا وسيلة قانونية لادارة المصالح الجماعية لشعب معين . وعلى ذلك فكما تتكون الدولة من الافراد المنتمين لمجتمع وطنى، يتكون المجتمع الدولى من الافراد المنتمين للمجتمعات الوطنية المختلفة. وتخاطب قواعد القانون الدولى الافراد مباشرة سواء أكانوا حكاماً للدولة وهذا هو الوضع الشائع، كما أنها قد تخاطب المحكومين إذا ما تعلق الامر بحقوقهم ومصالحهم . ولقد لاقت هذه الاتجاهات تأييداً من محكمة نور مبرج حينما أكدت فى 1946 أن الجرائم التى ترتكب ضد القانون الدولى يرتكبها الافراد وليس الكيانات الاعتبارية .

 

( جـ ) الفرد له وضع خاص فيما يتعلق بالشخصية الدولية :

ذهب بعض الكتاب إلى الأخذ بموقف متوسط، ومن ذلك القول بأن الفرد ليس موضوعاً للقانون الدولى، وليس شخصاً من أشخاصه ولكنه يعتبر المستفيد النهائى من أحكامه . ومن ذلك أيضاً القول أن للفرد وضع الشخص الدولى، على أن أهلية لاكتساب الحقوق محددة، كما أنه لا يمارس هذه الحقوق بنفسه الا فى بعض الاحوال الاستثنائية .

 

2-  اتجاهات العرف الدولى :

لايزال القانون الدولى بعيدأ عن الاخذ باتجاهات المدارس الحديثة فيما يتعلق بمركز الفرد، فهو ينكر الشخصية الدولية للفرد، ومع ذلك فهو لا يستبعد تماماً من ميدان العلاقات الدولية . ويترتب على ذلك ما يلى :

1-  أن العلاقات الدولية علاقات بين الدول، وأن الفرد لا يمكنه أن يساهم فيها بصفته فرداً فهو لا يمكن أن يكون طرفاً فى معاهدة دولية، وهو لايساهم فى انشاء العرف الدولى، كما أن حماية حقوقة تتم عن طريق تبنى الدولة لمطالبات . وأخيراً فان الافراد لا يتحملون المسئولية الدولية ولا يشتركون فى المنظمات الدولية .

ولقد أكدت محكمة العدل الدولية الدائمة فى قضية مافروماتس أن مطالبات     الأفراد لا يمكن أن تدخل فى نطاق القانون الدولى الا حينما تتبناها دولة من الدول . وهذا الامر يعكس اتجاه المحكمة إلى الاخذ بالمدرسة التقليدية .

2-  على أن هذا لا يعنى أن القانون الدولى يستبعد الفرد نهائياً من ميدان العلاقات الدولية .

والسبب فى ذلك أنه على الرغم من عدم ظهور الفرد كطرف أصيل فى العلاقات الدولية، وعدم اشتراكه فى تكوين العرف الدولى وفى ابرام المعاهدات، فانه من المحتم أن تقوم علاقات متعددة ومتشعبة بين الافراد وبين أشخاص القانون الدولى . هذا فضلاً عن أن آثار العلاقات الدولية سواء فى وقت السلم أم فى الحرب تمس بطريقة غير مباشرة حقوق ومصالح الأفراد . ويترتب على ذلك أن الفرد كان محل اهتمام القانون الدولى، وأن اهتمام ذلك القانون به يتزايد فى كل يوم .

فقد أبرمت معاهدات دولية متعددة نصت على الأعتراف بحقوق معينة للفرد وللأقليات، ونشأ عرف دولى يحدد مركز الاجانب، وتعمل الامم المتحدة على ضمان حقوق الانسان، كما أصبح من المقرر جواز ارتكاب الفرد لجرائم دولية .

وسنتولى فيما يلى الكلام على مظاهر اهتمام القانون الدولى بالفرد .

 

                        اولاً : اكتساب الافراد للحقوق بمقتضى

                 اتفاقات الاقامة والاتفاقات الانسانية

 

من الشائع أن تبرم الدول فيما بينها ما يسمى باتفاقات الاقامة وهى تنظيم حقوق رعاياها فى الاقامة والعمل وفى ممارسة النشاط الاقتصادى فى أقاليم الدول الاطراف .

ومن ناحية أخرى تم ابرام العديد من الاتفاقيات ذات الطابع الانسانى, كالاتفاقات الخاصة بمنع الرق ومكافحة المخدرات, وبمنع الدعارة, والاتفاقات الخاصة بحماية العمال والمحافظة على حقوقهم المختلفة, والاتفاقيات الخاصة بحماية الانسانية فى البحار, ونصوص ميثاق الامم المتحدة التى فرضت التزامات لصالح الاقليم غير المستقلة بصفة عامة وشعوب الاقاليم الموضوعة تحت الوصاية .

 

ومن الواضح أن الاتفاقيات الدولية التى تقرر حقوقها للأفراد أو تضع أنظمة لحمايتهم لا تخلق عادة حقوقا مباشرة للافراد, وانما هى ترتب حقوقا والتزامات على الاطراف فيها, ويترتب على ذلك أن الافراد وان كانوا يستفيدون من الحقوق المقررة فى هذه الاتفاقيات, فانهم لا يمكنهم كفالة حماية هذه الحقوق لأنها لا تكون نافذة فى القانون الداخلى الا وفقا للقواعد المتعلقة بنفاذ المعاهدات فى داخل الدولة . وهذا ما قررته محكمة العدل الدولية الدائمة فى القضية باختصاص محاكم دانتزج حيث ذكرت " أنه وفقا لقاعدة مستقرة من قواعد القانون الدولى, لا تكون الاتفاقات الدولية بذاتها مصدرا لحقوق مباشرة للأفراد أو الالتزامات تقع على عاتقهم على أنه من الممكن أن تكون نية أطراف المعاهدة هى انشاء مثل هذه الحقوق أو الالتزامات بالنسبة للأفراد ونفاذها أمام المحاكم الداخلية " .

 

                       ثانيا : حماية الاقليات فى القانون الدولى

 

من الجائز أن يكون من بين رعايا الدولة جماعات تنتمى بجنسها أو بلغتها أو بدينها الى غير ما ينتمى اليه غالبية الرعايا, ومن هنا تنشأ مشكلة حماية الاقليات فى حالة تعرضها لاضطهاد من قبل الاغلبية .

 

وتقضى قواعد القانون الدولى العام التقليدى بأن الجماعة الدولية لا تستطيع التدخل فى العلاقة بين الدولة وبين فئة من رعاياها, الا اذا كان هناك التزام صريح على الدولة بمقتضى معاهدة دولية بأن تعامل فئة من رعاياها معاملة خاصة, وحالفت ذلك الالتزام .

ولقد نصت مجموعة من المعاهدات التى عقدتها الدول وبصفة خاصة منذ القرن الثامن عشر على بعض حقوق تتمتع بها الاقليات .

ومن ذلك أن الباب العالى التزام فى معاهدة باريس سنة 1856 وفى معاهدة برلين سنة 1878 بالمساواة فى المعاملة بين سائر رعاياه, وبحماية رعاياه المسيحيين من كل اعتداء . وعممت اتفاقية برلين الالتزامات الخاصة بالأقليات على الدول التى انفصلت عن تركيا فى ذلك الوقت وهى : رومانيا والصرب والجبل الاسود .

 

وقد وضع نظام خاص بحماية الاقليات فى معاهدات الصلح التى عقدت بعد الحرب العالمية الاولى مع كل من النمسا والمجر وبلغاريا وتركيا, وفى معاهدات الاقليات التى عقدت مع الدول التى نشأت حديثا كبولونيا وتشيكوسلوفاكيا ويوجوسلافيا ورومانيا واليونان, وفى تصريحات خاصة أبداها أمام مجلس عصبة الامم دول أخرى هى فنلندة والبانيا وليتوانيا واستونيا .

 

ويشمل النظام الخاص بحماية الاقليات الذى وضع بعد الحرب العالمية الاولى مجموعة من الالتزامات التى ألقيت على الدول المشتركة فى النظام لصالح الأقليات, كما كان يتضمن منح مجلس عصبة الامم سلطة الرقابة على تنفيذ هذه الالتزامات . ولقد اثار تطبيق النظام الخاص بالاقليات صعوبات كثيرة نظرا لتدخل الاعتبارات السياسية فى هذا الشأن, ولضعف سلطات عصبة الأمم . 

وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية, لم يوضع نظام خاص بحماية الاقليات فى معاهدات الصلح التى عقدت فى 10 فبراير سنة 1947 مع ايطاليا ومع غيرها من حلفاء ألمانيا. ومع ذلك نجد أنه قد نص فى هذه المعاهدات على التزام الدول التى كانت أعداء بأن تضمن لجميع الافراد الخاضعين لاختصاصها, بلا تمييز بسبب الاصل أو اللغة أو الدين أو الجنس – التمتع بحقوق الانسان وبالحريات الاساسية .

 

ولم يعط ميثاق الامم المتحدة اختصاصات معينة للأمم المتحدة فيما يتعلق بحماية الاقليات, وان وردت به نصوص أخرى تتعلق بحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية بصفة عامة كما سنشير لذلك فيما بعد . وهذه النصوص تستفيد منها الاقليات شأنها فى ذلك شأن باقى المواطنين .

 

                        ثالثا : مركز الاجانب فى القانون الدولى

 

الاجنبى هو كل شخص طبيعى أو اعتبارى لا يعتبره القانون المطبق فى الدولة من مواطنى الدولة أو من رعاياها .

والاجانب الموجودون فى اقليم الدولة يخضعون لسيادتها ولاختصاصها الاقليمى. ويحدد التشريع الداخلى لكل دولة النظام القانونى الذى يخضع له الاجانب . وحرية الدول فى هذا الشأن ليست مطلقة؛ اذ يجب عليها أن تراعى أحكام القانون الدولى الذى يلزم الدول بأن تعترف للأجنبى بمجموعة من الحقوق كما سنبين فيما بعد .

 

ولقد كان للأجانب وضع ممتاز فى الدول الشرقية التى خضعت لنظام الامتيازات الاجنبية كالدولة العثمانية والصين .  ولقد عاشت مصر زمنا طويلا تخضع للامتيازات الاجنبية, محرومة من ممارسة اختصاصها التشريعى والقضائى فى مواجهة الاجانب مما أدى الى تمتع الاجانب فى مصر بحقوق لا تتمشى مع المبادئ المقررة فى القانون الدولى لمعاملة الأجانب, واستردت مصر سيادتها فى مواجهة الاجانب بموجب اتفاقية مونتريه سنة 1937 التى حددت فترة انتقال انتهت فى 14 أكتوبر سنة 1949 . وينظم القانون رقم 26 لسنة 1975 الجنسية المصرية, من طريق تحديد المصريين الاصليين وأسباب اكتساب الجنسية المصرية . ويعتبر أجنبيا كل من لا يتمتع بالجنسية المصرية .

 

وابتداء من ذلك التاريخ بدأت مصر تصدر التشريعات التى تنظم مركز الأجانب وفقا لاحكام القانون الدولى .

 

دخول الاجانب الى الدولة :

( أ ) الجدل الفقهى :

اختلفت الآراء الفقهية حول حق الاجانب فى دخول اقليم الدولة والهجرة اليها .

ويقرر الرأى الأول ويتزعمه فيتوريا أن الدول لها الحق فى أن يتصل بعضها بالبعض الآخر؛ لانها تعيش فى المجتمع الدولى فى حالة تبعية متبادلة, يعتمد كل منها على الآخر . كما يقرر هذا الرأى أن الافراد لهم الحق فى التمتع بحرياتهم الشخصية بما فيما حرية الانتقال من مكان الى آخر .

ويترتب على ذلك أن يكون للأفراد الحق فى التنقل من دولة الى أخرى, وأن يوجد التزام على الدولة بعدم منع الهجرة الى اقليمها .

 

وعارض شراح آخرون وعلى رأسهم فانل هذا الرأى وقرروا أن الدولة تستطيع بما لها من سيادة اقليمية أن تمنع دخول الاجانب وهجرتهم الى اقليمها .

 

وذهبت بعض الآراء التوفيقية الى القول بأن الدولة لا تملك أن تمنع دخول الاجانب الى اقليمها منعا نهائيا, وأن هذا الأمر لا يمكن السماح به لانه يتعتبر مخالفا لميثاق الامم المتحدة وللاعلان العالمى لحقوق الانسان ( المادة 13/2 ) . ومع ذلك فان الدولة تملك بما لها من حق فى البقاء وفى الدفاع عن النفس أن تقيد الهجرة لاقليمها بما يتفق مع مصالحها, وأن تمنع دخول الاجانب غير المرغوب فيهم .

 

(ب) العرف الدولى :

من المقرر فى العرف الدولى أن الدولة – بما لها من سيادة – تستطيع تنظيم دخول الاجانب واقامتهم فى اقليمها . وترحب الدول عادة بقدوم الاجانب لاقليمها للسياحة أو بقصد عبوره الى دولة أخرى . وتختلف سياسة الدول فيما يتعلق بقبول هجرة الاجانب للتوطن فيها وفقا لظروفها السكانية ومدى احتياجها للعنصر الانسانى. وترحب بعض الدول غير المزدحمة بالسكان كالدول الامريكية واستراليا بهجرة الاجانب, على أنها تعمل على تنظيم هذه الهجرة عن طريق تحديد حجمها ووضع حصص مختلفة لطوائف المهاجرين .

وتمنع الدول دخول الاجانب غير المرغوب فى وجودهم على الاقليم.

وتعتبر الدول عادة من الاشخاص غير المرغوب فى دخولهم الافراد الذين يثيرون المتاعب ضدها, وكذلك المحكوم عليهم بعقوبات والمتشردين والعاطلين والمصابين بأمراض معدية . كما تتشدد الدول فى دخول الاجانب فى بلادها اذا كان دخولهم بقصد العمل أو الاشتغال بمهنة حرة وذلك حماية لمواطنيها .

 

وتشرط الدول عند السماح للأجانب بالدخول فى اقليمها اعطاء المعلومات الكافية عن أنفسهم, وتلزمهم عادة بالحصول على جواز سفر صادر من دولتهم, وعلى تأشيرة دخول صادرة منها, وتكلفهم بابلاغ السلطات المحلية عن محال اقامتهم, وكل تغيير يحصل فيها, وأن تمنعهم من الاقامة فى جهات معينة كالمناطق العسكرية وما أشبه ذلك .

وتمنح الدولة للأجنبى الحق فى الاقامة فى اقليمها خلال فترة معينة قد تطول أو تقصر بحسب مدى ارتباطه بها .

وينظم القانون رقم 89 لسنة 1960 دخول الاجانب واقامتهم فى مصر, وتعتبر أحكامه تطبيقا للقاعدة العامة بأن للدولة سلطة تقديرية فى قبول الاجانب فى اقليمها, وفى منحهم حق الاقامة المؤقتة أو العادية أو الدائمة .

 

حقوق الاجانب الموجودين فى اقليم الدولة :

كانت الدول فى العصور القديمة والوسطى تحتقر الاجانب كقاعدة عامة وتعاملهم وفق هواها. ولكن الوضع تغير بعد ذلك؛ اذ تبين أنه من الضرورى الاعتراف للأجانب بحقوق متنوعة, وذلك على اعتبار أن الاجنبى يدخل فى تكوين المجتمع الانسانى الذى يخضع لسيادة الدولة وأنه قد يساهم بعمله أو بماله فى نشاط ذلكح المجتمع .

( أ ) الحد الادنى لحقوق الاجانب :

استقر العرف الدولى على أن الاجانب يتمتعون فى مواجهة الدولة التى يوجدون فى اقليمها بحد أدنى من الحقوق لا يجوز حرمانهم منه, ويجوز للدولة أن تزيد من حقوقهم بموجب اتفاقات دولية أو تشريع داخلى .

ويميل بعض الفقهاء – وبصفة خاصة من أمريكا اللاتينية – إلى رفض مبدأ الحد الادنى ويطالبون بضرورة اقرار مبدأ المساواة فى المعاملة بين الاجانب وبين المواطنين . ويؤكدون أن مبدأ المساواة يمكن استنتاجه بمراجعة عدد كبير من المعاهدات الدولية الخاصة بالاجانب ومن أحكام القضاء الدولى، كما أنه قد تأيد فى الاعلان العالمى لحقوق الانسان .

وبمقتضى المبدأ السابق نجد أن الدولة تلتزم بحماية الاجنبى الموجود على اقليمها، وأن المركز القانونى للأجنبى يجب أن يكون مساوياً كقاعدة عامة للمركز القانونى الذى يتمتع به الوطنى، كما أن الاجنبى يجب ألا تزيد حقوقه على حقوق الوطنى .

ويعارض أنصار الحد الادنى لحقوق الاجانب مبدأ المساواة بين المواطنين والاجانب، ويقرون أنه من المتصور أن مواطنى دولة من الدول يكونون محرومين من التمتع بالحقوق المقررة للأفراد فى العالم المتمدن، ومن ثم يكون من الضرورى الاعتراف للأجانب الموجودين فى تلك الدولة بالحد الادنى من الحقوق المقررة لهم فى القانون الدولى . ومن ناحية أخرى نجد كثيراً من الدول تحرم الاجانب من التمتع ببعض الحقوق التى تجعلها قاصرة على المواطنين ولا تمنحهم الا الحد الادنى لحقوق الاجانب الموجودين فى تلك الدول يحتوى على حقوق أقل من حقوق المواطنين .

 

( ب ) حقوق الاجانب التى تدخل فى نطاق الحد الادنى :

اختلفت الفقهاء فى تحديد الحقوق التى تدخل فى نطاق الحد الأدنى لحقوق الاجانب وذلك بسبب غموض العرف الدولى وعدم تحديده بصفة قاطعة وتميل الدول المستقلة حديثاً إلى تحديد التزاماتها قبل الاجانب فى أضيق الحدود، لأن الاجانب كانوا يتمتعون فى ظل الحكم الاستعمارى بحقوق واسعة النطاق، وكانت هذه الحقوق تزيد أحياناً عن حقوق المواطنين .

ويمكننا على ضوء العرف الدولى المقبول بصفة عامة تحديد حقوق الاجانب على النحو الآنى :

 

1- تمتع الاجانب بالحقوق العامة :

يتمتع الاجنبى بالحقوق العامة كحقه فى احترام حريته وشخصيته، وكحرية الفكرية والعقيدة، كما أن له حق التمتع والانتفاع بالمرافق العامة الموجودة فى الدولة . للأجنبى كذلك الحق فى اللجوء إلى المحاكم وفى التمتع بحماية سلطات الدولة التى يقيم فيها، ولكن لا يجوز له أن يطالب بحماية أكثر من الحماية المقررة للوطنيين، وعلى الخصوص إذا ما ذهب إلى دولة يكثر فيها، بسبب بعض الظروف، والتعرض للمخاطر .

 

2- للأجنبى الحق فى أكتساب الاموال وفقاً للقوانين الداخلية، ويثير حق الملكية واستثمار الاموال الاجنبية بعض الصعوبات فى مجال تحديد الحد الادنى لحقوق الاجانب نظراً لارتباط هذا الموضوع بسيادة الدولة الدائمة على ثرواتها الطبيعية ومواردها الاقتصادية، ولاختلاف السياسات الوطنية والاجتماعية فيما يتعلق بحق الملكية .

ومن المقرر فى العرف الدولى أن للدولة أن تقيد ملكية الاجانب لبعض الاموال، ويظهر ذلك فى مجال الملكية العقارية وبصفة خاصة ملكية الأراضى الزراعية، وفى مجال ملكية الشركات التجارية والصناعية وملكية السفن والطائرات .

3- الاستثمار الاجنبية :

 ولكل دولة الحق فى تنظيم استثمار الاجانب لأموالهم بدون تمييز مجحف، فلها أن تحدد المجالات المفتوحة للاستثمار الاجنبى وأن تخضعه للأنظمة المحلية، ولها أن تفرض التزامات معينة لصالح الاقتصاد القومى كتشغيل المواطنين والاحتفاظ بجانب من الارباح فى الدولة التى يقوم فيها الاستثمار .

وتلتزم الدولة باحترام العقود التى تبرمها مع المستثمرين الاجانب والا تعرضت للمسئولية الدولية .

وتتجه الدول التى تحتاج لأموال أجنبية لاغراض التنمية إلى توضيح مضمون الحقوق التى تتمتع بها الاستثمارات الاجنبية، وقد تزيد عن الحد الادنى الدولى تشجيعاً للاستثمارات الاجنبية فى بعض المجالات التى تحتاج لمعدات وخبرات خارجية .

وينظم القانون رقم 43لسنة 1974المعدل بالقانون رقم 32لسنة 1977 فى شأن استثمار المال العربى والمناطق الحرة – الاستثمارات الاجنبية فى مصر . وتنطبق أحكامه على الاموال العربية والأجنبية التى توافق " الهيئة العامة لاستثمار المال العربى والمناطق " على استثمار فى مصر فى مجالات النشاط الاقتصادى التى حددها القانون .

وقد تضمن القانون الاحكام التالية :

1-  تعتبر المشروعات المنتفعة بأحكام هذا القانون من شركات القطاع الخاص بغض النظر عن طبيعة الاموال الوطنية المساهمة فيها، واستثناء من أحكام قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام سنة 1971.

2-  تعفى الارباح الناجمة عن حصة رأس المال الاجنبى من الضريبة على الارباح التجارية والصناعية لمدة خمس سنوات

3-  لاتخضع المبانى السكنية المنشأة بالاموال المستثمرة لتحديد القيمة الايجارية المنصوص عليه فى قانون ايجار المساكن 1969 أو فى أية قوانين لاحقة .

4-  يجوز تحويل صافى الربح إلى الخارج بذات العملة التى ورد بها بسعر السوق وقت التحويل، على أنه فيما يتعلق بايرادات المساكن يحدد مجلس الوزراء شروط ونسب التحويل . ويجوز تحويل حصة من أجور العاملين الاجانب إلى الخارج على ألا تتجاوز 50% من مجموع المرتبات والاجور التى يتقاضونها .

5-  يجوز بموافقة مجلس ادارة هيئة استثمار المال العربى والمناطق الحرة أعادة تصدير رأس المال الاجنبى الذى تم استثمار وفقاً لاحكام القانون .

6-  تتمتع الاموال المستثمرة فى المنطقة الحرة باعفاء ضريبى كامل، وباعفاء من قوانين الشركات المساهمة والنقد .

 

4- حقوق الاجانب فى حالة تأميم أموالهم :

للدولة السيادة الدائمة على مواردها الاقتصادية، وهى تملك أن تنزع ملكية الاموال المملوكة للأجانب للمنفعة العامة أو أن تقوم بتأميمها للصالح القومى .

ولقد قرر البعض أن للدولة مطلق التصرف فى هذا الشأن، على أن العرف الدولى يشترط لنزع ملكية الاموال الاجنبية أو تأميمها أن يكون ذلك تحقيقاً لمنفعة عامة أو لصالح قومى ومقابل دفع تعويض عادل .

ولقد استقر حق الدولة فى التأميم فى العرف الدولى وأقرته الجميعة العامة للأمم المتحدة، وذلك رغم الادعاءات القديمة التى كانت تقرر أن التزام الدولة بأحترام ملكية الاجانب للأموال التى يكتسبونها بالتطبيق للتشريع المحلى أو لعقد أبرمته الدولة مع الاجانب يجعل من غير المشروع الاستيلاء على هذه الاموال بدون موافقتهم .

وتتولى الدولة تقدير اعتبارات المصلحة العامة أو المنفعة العامة, ولا يجوز لها أن تلجأ لنزع الملكية أو لتأميم بدون وجود هذه المنفعة أو المصلحة العامة. ويجب أن يتم نزع الملكية أو التأميم وفقا للاجراءات القانونية السليمة التى يتطلبها التشريع المحلى وبدون تمييز بين الاجانب وفق جنسيتهم .

 

ويختلف الرأى حول معنى التعويض العادل فبينما تطالب الدول الغربية بأن يكون هذا التعويض كاملا وفوريا وقابلا للتحويل للخارج يبين العرف الدولى أن عدالة التعويض تتطلب مراعاة امكانيات الدولة التى قامت بالتأميم ومدى ما حصل عليه الاجانب من أرباح فى الماضى . ولقد قامت بعض الدول النامية على هذا الاساس بدفع تعويضات جزئية تدفع على اقساط وبالعملة المحلية كما اعتبر بعضها من قبيل التعويض العادل اعطاء المستثمر سندات بفائدة ثابتة . وعلى أن بعض الدول النامية كاندونيسيا رفضت فكرة التعويض أساس .

 

ولقد نصت المادة 35 من دستور جمهورية مصر العربية سنة 1971 على أنه " لا يجوز التأميم الا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض " .

كما وضع قانون الاستثمار العربى والمناطق الحرة سنة 1971 بعض الضمانات فيما يتعلق بتأميم الاستثمارات التى تم بمقتضاه . فلقد أعفت المادة 45 الاموال المستثمرة فى المناطق الحرة من أحكام قوانين التأميم وقررت المادة الثانية بالنسبة للأموال المستثمرة خارج المنطقة الحرة عدم جواز فرض الحراسة عليها أو تأميمها أو نزع ملكيتها الا لمصلحة عامة ومقابل تعويض عادل وبناء على القوانين السارية . ويراعى فى تقدير التعويض قيمة الاموال وقت الاستيلاء عليها, ويجب أن يتم التقويم خلال ستة أشهر, كما يتم تحويل التعويض بنفس العملة أو العملات التى ورد بها .

وفى حالة قيام نزاع على تقدير قيمة التعويض, يكون من حق المستثمر طلب عرض النزاع على لجنة تحكيم تشكل من عضو عن المستثمر, وعضو عن هيئة الاستثمار وعضو آخر تكون له الرئاسه ويختاره العضوان الآخران من بين المستشارين بالهيئات القضائية العليا فى مصر .

وتتشابة الاحكام الواردة فى القانون المصرى مع ما تجرى عليه التشريعات فى العراق وسوريا والسودان والجزائر, ومع الاحكام الواردة فى المادة السادسة من اتفاقية استثمار رؤوس الاموال وانتقالها بين الدول العربية الموافقة فى 29/8/1970 بين الدول الاعضاء فى اتفاقية الوحدة الاقتصادية العريبة .

 

5- العمل :

للأجنبى حق العمل فى اقليم الدولة التى يوجد فيها, على أن العرف الدولى وكذلك التشريع المصرى يجرى على أن من حق الدولة تقييد حرية مزاولة الاجانب لبعض الاعمال وذلك لاعتبارات خاصة كحماية عمالها مثلا . كما أن لها أن تقتصر بعض المهن – لما لها من خطورة اجتماعية أو اقتصادية على رعاياها كمهنة الطب أو المحاماة أو الصيدلة أو استغلال المناجم أو بناء السفن والطائرات أو التجارة أو أعمال البنوك أو التأمين او الاستيراد, أو المهن الضرورية لمعيشة فئات خاصة من السكان كالصيد الساحلى أو الملاحة الساحلية . كما قررت لائحة العاملين بالقطاع العام الصادرة بالقرار الجمهورى رقم 159سنة 1966أنه يشترط لتعيين الاجنبى أن تكون الدولة التى ينتمى إليها تقبل تعيين الرعايا المصريين بالمثل .

ولقد نص القانون رقم 89لسنة 1960 الخاص بأقامة الاجانب على التزام من يستخدم أجنبياً للعمل فى مصر بأن يقدم إلى مقر البوليس الذى يقع محل العمل فى دائرته أخطاراً بذلك .

ومن المعتاد أن تطلب الدولة من الاجنبى أن يحصل على ترخيص بالعمل قبل أن يتمكن من ممارسة أية عمل، وأن يكون مصرحاً له بالاقامة فى الدولة .

 

6- تمتع الاجانب بالحقوق الخاص أو المدنية :

يتمتع الاجانب بالحقوق الخاصة أو المدنية كالحقوق العائلية وكمباشرة العقود .

 

الالتزامات التى يتحملها الاجانب والقيود التى ترد على حقوقهم

يمكن تلخيص الالتزامات والقيود التى يتحملها الاجانب المقيمون فى أقليم الدولة على النحو الآتى :

1-  يلتزم الاجانب بأحترام كافة القوانين واللوائح المطبقة فى اقليم الدولة ويجب عليهم دفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة . ولا يلتزم الاجنبى بالالتزامات المبنية على الولاء كالخدمة العسكرية . على أنه يجوز تكليف الاجانب فى حالة الطوارىء أو الخطر الداهم بأداء بعض خدمات البوليس أو المطافىء لمقاومة الكوارث من حريق أو فيضان .

2-  للدولة أن تمنع الاجانب من مباشرة بعض الحريات كحرية الاجتماع، ويفسر ذلك بمقتضيات دفاع الدولة عن نفسها، كما يجوز لها أن تمنعهم من ممارسة بعض الشعائر الدينية علناً، أو من انشاء مؤسسات تعليمية أجنبية .

3-  ليس للأجانب حق مباشرة الحقوق السياسية لأنها تنبنى على علاقة وثيقة بين الوطنى ودولته، كما لايجوز للأجانب كقاعدة عامة تولى الوظائف العامة، أو الحصول على التزام بادارة مرفق عام، أو ممارسة أى حق يكون مقصوراً وفقاً للقانون المحلى على مواطنى الدولة .

4-  للدولة أن تحرم الاجانب من الانتفاع ببعض المرافق العامة التى تكون موجهة أساساً للوطنين كالتعليم مثلاً .

5-  يجوز أتخاذ اجراءات أمن خاصة فى مواجهة الاجانب مثل اشتراط أن يسجلوا أسماءهم فى مراكز الشرطة .

 

مغادرة الاجانب لاقليم الدولة :

للاجنبى الحق فى مغادرة اقليم الدولة طالما أنه ليس مدنياً لها بالتزامات وطالما أن حريته ليست مقيدة نتيجة لارتكابه لجريمة تستدعى توقيع العقاب عليه .

ويجوز للدولة تنظيم عملية خروج الاجانب من اقليمها، ومن هذا القبيل أن المادة السادسة من قانون سنة 1960تقرر أنه يجوز لوزير الداخلية أن يتطلب حصول الاجانب على تأشيرة خروج . ولقد صدر قرار وزير الداخلية رقم 29لسنة 1960 الذى اشترط حصول الاجنبى على تأشيرة خروج قبل مغادرة لاقليم الدولة الا إذا كانت اقامته لم تزد على ستة شهور أو كان من السائحين الذين حصلوا على تأشيرة دخول سياحية .

 

ابعاد الاجانب :

للدولة السيادة على اقليمها، وعليها واجب المحافظة على كيانها وهى تملك ابعاد أى أجنبى موجود على اقليمها إذا ظهرت خطورته على الأمن أو النظام أو الآداب أو الصحة العامة، أو الاقتصاد القومى، أو لغير ذلك من الاسباب التى تبرر استعمال هذا الحق دون مغالاة أو تحكم . أما رعايا الدولة فلهم بهذه الصفة حق الوجود على أرضها، فلا يمكن ابعادهم، وكذلك يستحسن عدم ابعاد عديمى الجنسية إذا لم توجد دولة أخرى تقبلهم على اقليمها . ويجب ألا يؤدى الابعاد إلى تسليم مستتر للمطاردين السياسيين للدولة التى تريد محاكمتهم .

ولقد قررت المادة 13 من الميثاق الدولى للحقوق المدنية والسياسية حق الاجنبى فى التظلم من قرار الابعاد ما لم تتطلب ذلك أسباب اضطرارية متعلقة بالأمن القومىغير ذلك .

ويقوم الاجنبى المبعد باختيار الدولة التى يريد الذهاب اليها, والا تولت الدولة التى أمرت بابعاده نقله الى دولته أو الى اية دولة تقبل دخوله اقليمها .

وينظم القانون رقم 89 لسنة 1960  ابعاد الاجانب من مصر .

ويقضى القانون المذكور بأن لوزير الداخلية بقرار منه ابعاد الاجانب ولا يجوز ابعاد الاجانب ذوى الاقامة الخاصة الا بشرطين :

 

أولا : أن يكون فى وجودهم ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها فى الداخل أو الخارج, أو اقتصادها القومى, او الصحة العامة, او الآداب العامة, أو السكنية العامة, أو ان يكون الاجنبى عالة على الدولة .

 

ثانيا : أن يأخذ رأى لجنة نص عليها القانون للنظر فى الابعاد .

أما الاجانب ذوو الاقامة العادية أو المؤقتة فتترخص الادارة فى ابعادهم حيث أن القانون لم يضع قيودا تتعلق بابعادهم .

وسلطة الادارة فيما يتعلق بالابعاد, تخضع لرقابة القضاء الادارى شأنها فى ذلك شأن كافة القرارات الادارية . ولقد حكم مجلس الدولة المصرى بأنه " وان كانت الدولة هى التى تقدر ما يصلح أو لا يصلح لأن يكون سببا لابعاد الاجنبى الا أنه يجب ألا نتعسف فى استعمال هذا الحق" . كما حكم المجلس بأن عدم أخذ رأى لجنة الابعاد يؤدى لبطلان قرار الابعاد .

ولقد تضمن القانون رقم 79 لسنة 1960 بيان بعض الاجراءات الخاصة بتنفيذ قرار الابعاد, فقد أجاز لوزير الداخلية أن يأمر بحجز يرى ابعاده (م 28 ) .

كما أنه يجوز لمدير مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية أن يفرض على الاجنبى – الذى صدر قرارا بابعاده وثبت استحالة تنفيذه – الاقامة فى جهة معينة والتقدم الى مقر الشرطة المختص فى المواعيد التى يعينها القرار وذلك الى حين امكان ابعاده ( المادة 17 ) .

ولا يسمح للأجنبى الذى سبق ابعاده بالعودة الى مصر الا بقرار من وزير الداخلية ( المادة 18 ) .

ويعاقب من امتنع عن تنفيذ قرار الابعاد أو خالفه بالحبس مع الشغل مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن سنتين, وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا يزيد عن مائتى جنيه .

 

تسليم المجرمين :

هو قيام الدولة التى يقيم فيها أجنبى – متهم بارتكاب جريمة أو محكوم عليه بعقوبة – بتسليمة الى الدولة صاحبة الاختصاص القضائى, لمحاكمته أو لتنفيذ العقوبة عليه .

1-  هل يوجد التزام بقبول طلب التسليم ؟ :

أقرت الدول فى تشريعاتها الداخلية وفى معاهداتها نظام تسليم المجرمين كما جرت على الأخذ به ولو لم توجد معاهدة, وذلك لانه يقوم على مبدأ التعاون الدولى فى ألا تبقى بعض الجرائم بدون عقاب نتيجة لهرب الحانى من اقليم الدولة صاحبة الاختصاص .

ولكن هل يفرض القانون الدولى التزاما على الدولة التى فر اليها المجرم الاجنبى بقبول طلب تسليمه الى الدولة صاحبة الاختصاص حتى اذا لم تكن هناك معاهدة بين الدولتين تقضى بذلك؟ ذهب البعض الى وجود التزاما من النوع يبنى على التضامن الدولى واعتبارات العدالة, وقال آخرون ان كل دولة تستطيع استنادا الى سيادتهم رفض طلب التسليم طالما أنها لا تربط بمعاهدة تسليم مجرمين مع الدولة طالبة التسليم . وهذا الرأى  الثانى هو الذى يتفق مع الوضع الراهن للقانون الدولى العام ومع ما تجرى عليه الدول .

 

2- شروط تسليم المجرمين :

(أ) تشترط الدول عادة لقبول طلب التسليم أن تكون الجريمة معاقبا عليها بمقتضى قوانين الدولة المطلوب اليها التسليم, وأن تكون على درجة من الجسامة, وأن تكون هناك أدلة كافية لمحاكمة المتهم أو لتبرير الحكم الصادر عليه . ويجب قبل اجابة طلب التسليم اجراء تحقيق للتأكيد من توافر شروط التسليم ومن أن الشخص المطلوب تسليمه قد ارتكب الجريمة أو اشتراك فيها, وأن هذه الجريمة تدخل فى الاختصاص القضائى للدولة طالبة التسليم .

 

(ب) وترفض بعض الدول وبصفة خاصة الدول الاوربية تسليم رعاياها, بينما يقبل البعض الآخر كالولايات المتحدة الامريكية وانجلترا تسليم الرعايا احتراما الاختصاص الاقليمى .

(جـ) ولا يجوز التسليم اذا كانت الجريمة عسكرية بحتة بحيث لا تعتبر من جرائم القانون العام .

( د ) ويقرر العرف الدولى عدم جواز تسليم المجرمين السياسيين, ومن الصعب وضع تعريف جامع للجريمة السياسية, فالقوانين والمعاهدات لم تحددها تحديدا واضحا . والمحاكم تكتفى فى أغلب الاحيان بافصل فيما اذا كانت الجريمة موضوع الاتهام سياسية أو غير سياسية دون أن تضع تعريفا للجريمة السياسية. وكذلك لم يتفق الشراح على تعريفها وان كانوا أجتمعوا على اعتبار بعض الجرائم المعينة سياسية كالجرائم التى تقع ضد سلامة الدولة أو أمن الحكومة فى الداخل أو الخارج ويتوسع البعض فيقرر أن الجريمة السياسية هى التى يكون الباعث على ارتكابها سياسيا ولو كانت تتكون من أفعال تعتبر فى الاصل جرائم عادية . وتأخذ البلاد الانجلوسكسونية بنظرية مؤداها أن الجريمة ذات الصفة السياسية هى التى تكون مرتبطة باضطراب سياسى وترتكب فى سبيل تحقيق الغابة منه . ويكون الفصل فيما اذا كانت الجريمة  سياسية أو غير سياسية للدولة المطلوب منها التسليم .

 

وأوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13 فبراير سنة 1946 باتخاذ كافة التدابير التى تؤدى للقبض على المسئولين عن جرائم الحرب والجرائم الموجهة ضد السلام وضد الانسانية, وتسليمهم للدول التى ارتكبوا فيها أعمالهم حتى يتسنى محاكمتهم ومعاقبتهم طبقا لقوانين هذه البلاد . ومعنى ذلك أن جرائم الحرب قد أخرجت من عدد الجرائم السياسية فيجوز فيها طلب التسليم استثناء من قواعد القانون الدولى العام . ولقد أفتى مجلس الدولة المصرى بتاريخ 11 يونيو سنة 1947, وكان ذلك بمناسبة طلبات قدمت للحكومة المصرية لتسليم المجرمين من هذا النوع, بأن توصية الجمعية العامة, لا تلزم الحكومة المصرية, لانها تولد التزاما لابد من عرضه على البرلمان للموافقة عليه حتى يمكن للحكومة المصرية تنفيذه, فضلا عن أن مصر لم تنضم الى الاتفاق الخاص بمحاكمة كبار مجرمى الحرب المبرم فى 7 أغسطس سنة 1945 .

 

(هـ) ونشير أخيرا الى أن العرف الدولى جرى على عدم جواز تسليم الاشخاص المتمتعين بالاعفاءات القضائية كرؤساء الدول ورجال السلك الدبلوماسى, فاذا ارتكب أحد هؤلاء جريمة فى اقليم دولة لا يخضع لقضائها ثم لجأ الى دولة أخرى فلا يجوز تسليمه للدولة التى ارتكب الجريمة على اقليمها . واذا ما زالت صفة هؤلاء الرسمية فيجوز تسليمهم, وانما يشترط حسب الرأى الراجح ان يكون طلب التسليم عن جرائم ارتكبوها بعد زوال صفتهم فلا يجوز تسليمهم عن جرائم أتوها فى أثناء تمتعهم بالاعفاءات .

 

أحكام تسليم المجرمين فى جمهورية مصر العربية : 

تنص المادة 52 من دستور جمهورية مصر العربية 1971 على أن " تسليم اللاجئين السياسيين محظور " .

ولا يحتوى نظامنا القانونى على تشريع خاص يبين أحكام تسليم المجرمين, ومع ذلك فقد ارتبطت جمهورية مصر العربية مع الحكومات العربية بمعاهدات لتسليم المجرمين , فضلا عن أنها تتبع قواعد العرف الدولى فيما يتعلق تسليم المجرمين التى تصل اليها من الدول التى لا ترتبط معها بمعاهدات من هذا النوع .

 

1- تسليم المجرمين فى علاقات جمهورية مصر العربية بدول الجامعة العربية :

دخلت دول الجامعة العربية فى اتفاقية لتسليم المجرمين أبرمت فى 9 يوينو سنة 1953 . وقبل هذا التاريخ أبرمت مصر الوفاق المصرى السودانى سنة 1902 , كما عقدت اتفاقا مع العراق فى سنة 1931 .

وقد تضمنت اتفاقية الجامعة العربية لتسليم المجرمين التزام الدول الموقعة على الاتفاقية بتسليم المجرمين الذين تطلب اليها احدى هذه الدول, ولا يكون التسليم واجبا الا اذا توافر شرطان :

 

1-  أن تكون الجريمة المطلوب التسليم من أجلها جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة سنة أو بعقوبة أشد فى قوانين كلتا الدولتين ( طالبة التسليم والمطلوب اليها التسليم ), أو يكون المطلوب تسليمه عن مثل هذه الجريمة محكوما عليه بالحبس لمدة شهرين على الاقل .

أما اذا كان الفعل غير معاقب عليه فى قوانين الدولة المطلوب اليها التسليم أو كانت العقوبة المقررة للجريمة فى الدولة طالبة التسليم لا نظير لها فى الدولة المطلوبة اليها التسليم – فلا يكون التسليم واجبا الا اذا كان الشخص المطلوب من رعايا الدولة طالبة التسليم أو من رعايا دولة أخرى تقرر نفس العقوبة .

2-  أن تكون الجريمة المطلوب التسليم من اجلها قد ارتكبت فى أرض الدولة طالبة التسليم . أما اذا كانت قد ارتكبت خارج أرض الدولتين – طالبة التسليم والمطلوب اليها – فلا يكون التسليم واجبا الا اذا كانت قوانين الدولتين تعاقب على ذات الفعل اذا وقع خارج أرضها .

كما قررت الاتفاقية بعض الاحكام العامة المتعلقة بتسليم المجرمين, ويمكن تلخيصها على النحو الآتى :

( أ ) لا يجوز التسليم اذا كان الشخص المطلوب تسليمه قد سبقت محاكمته عن الجريمة التى يطلب تسليمه من أجلها فبرئ أو استوفى العقاب أو كان قيد التحقيق أو المحاكمة عن ذات الجريمة المطلوب تسليمه من أجلها فى الدولة المطلوب اليها التسليم .

واذا كان الشخص المطلوب تسليمه قيد التحقيق أو المحاكمة عن جريمة أخرى فى الدولة المطلوبة اليها التسليم فان تسليمه يؤجل حتى ينتهى محاكمة وتنفيذ فيه العقوبة المحكوم بها .

(ب) لا يجرى التسليم اذا كانت الجريمة أو العقوبة قد سقطت بالتقادم وفقا لقانون احدى الدولتين طالبة التسليم أو المطلوب اليها التسليم الا اذا كانت الدولة طالبة التسيلم لا تأخذ بمبدأ السقوط بالتقادم, وكان الشخص المطلوب تسليمه من رعاياها أو من رعايا دولة أخرى لا تأخذ بهذا المبدأ .

(جـ) لايجرى التسليم فى الجرائم السياسية, وتقدير كون الجريمة سياسية متروك للدولة المطلوب اليها التسليم, على أن التسليم يكون واجبا فى الجرائم الآتية التى لا تعتبر جرائم سايسية فى حكم الاتفاقية :

1-  جرائم الاعتداء على الملوك ورؤساء الدول أو زوجاتهم أو أصولهم وفرعهم.

2-  جرائم الاعتداء على أولياء العهد .

3-  جرائم القتل العمد .

4-  الجرائم الارهابية .

( د ) لا يجوز تسليم الرعايا : يجوز للدولة المطلوب اليها التسليم الامتناع عنه اذا كان الشخص المطلوب تسليمه من رعاياها على أن تتولى هى محاكمته .

(هـ) واذا تقدمت للدولة المطلوب اليها التسليم عدة طلبات مختلفة بشأن متهم بذاته من أجل نفس الجريمة فتكون الاولوية فى التسليم للدولة التى أضرت الجريمة بمصالحها, ثم للدولة التى ارتكبت الجريمة فى أرضها, ثم للدولة التى يتمنى اليها المطلوب تسليمه .

أما اذا كانت طلبات لتسيلم خاصة بجرائم مختلفة فيكون الاولوية للدولة التى طلبت التسليم قبل غيرها .

( و ) لا يحاكم الشخص فى الدولة طالبة التسليم الا عن الجريمة التى قدم طلب تسليمه من أجلها, والافعال المرتبطة بها, والجرائم التى ارتكبها بعد تسليمه . على أنه اذا كان قد أتيحت له وسائل الخروج من أراضى الدولة المسلم اليها ولم يستفيد منه خلال ثلاثين يوما فانه تصبح محاكمته عن الجرائم الاخرى .

 

واذا تعارضت أحكام اتفاقية تسليم المجرمين لدول الجامعة العربية مع أحكام احدى الاتفاقات الثنائية التى ترتبط بها دولتان من الدول المتعاقدة تطبق هاتان الدولتان الاحكام الاكثر تيسرا لتسليم المجرم ( المادة 18 ).

 

3-  تسليم المجرمين فى علاقات مصر بباقى دول العالم :

تتبع مصر العرف الدولى فيما يتعلق بتسليم المجرمين وذلك فى علاقاتها بغير دول الجامعة العريبة المنضمة لاتفاقية تسليم المجرمين وتجرى الحكومة على أن تقبل طلبات تسليم المجرمين التى ترد من الحكومات الاجنبية بشرط ألا تتعارض هذه الطلبات مع قواعد القانون الدولى العام, وبشرط معاملة المثل بالمثل . ولقد أفتى مجلس الدولة المصرى بأن عدم وجود معاهدات لتبادل تسليم المجرمين بين مصر وبعض الدول لا يمنعها من اجراء تسليم الاجانب الى الدول التى تطالب بهذا التسليم وفقا للقواعد العامة فى هذا الشأن وعلى اساس المعاملة بالمثل . ولا تسلم حكومة جمهورية مصر العربية الأجنبى فى الجرائم التافهة, كما أنها لا تسلم رعاياها, ولا تسلم المجرمين السياسيين .

 

رابعا : مجهودات الامم المتحدة لاعلان حقوق الانسان وضمانها

تمهيد :

شهد العالم قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية أبشع الاعتداءات على الحقوق الاساسية للفرد, فلما انتهت الحرب طالب الرأى العام العالمى بمعاقبة المسئولين عن ذلك, وبالعمل على ايجاد الضمانات الدولية الكفيلة بحماية حقوق الانسان .

 

وقد نص ميثاق الأمم المتحدة فى ديباجته على " أن شعوب الامم المتحدة تؤكد ايمانها بالحقوق الاساسية للانسان وبكرامة الفرد" . ونص فى مادته الاولى على أن تعمل الامم المتحدة على احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس جميعا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين وبلا تفريق بين الرجال والنساء. ثم تكرر بعد ذلك النص على ضرورة احترام حقوق الانسان عند الكلام على المجلس الاقتصادى والاجتماعى, وعلى الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى, وعلى نظام الوصاية .

ووفقا لنصوص ميثاق الامم المتحدة يختص المجلس الاقتصادى والاجتماعى, وكذلك الجمعية العامة بتقديم التوصيات المتصلة بحماية حقوق الانسان, الا اذا ما كان هناك اخلال بالسلم والأمن الدولى أو تهديد له ففى هذه الحالة يختص مجلس الامن . ولقد أنشئت لجنة خاصة تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة تعمل فى ميدان حماية حقوق الانسان .

وكان من نتيجة هذه النصوص أن أصبح من المقرر أن المسائل المتصلة بحماية حقوق الانسان تخرج عن نطاق الامور المتصلة بصميم الاختصاص الداخلى وتخضع لاشراف دولى. ولقد مارست الأمم المتحدة نشاطا واسع النطاق لتحقيق هذا الاشراف .

ففى الميدان السياسى ناقشت العديد من المسائل المتصلة بحماية حقوق الانسان. وأدانت الجمعية العامة ومجلس الأمن فى مرات متعددة المخالفات التى ارتكبتها الحكومات ضد حقوق الانسان وبصفة خاصة فيما يتعلق بسياسة التفرقة العنصرية التى تمارسها حكومة جنوب افريقيا .

أما فى الميدان القانونى فلقد أقرت الجمعية العامة مجموعة من الوثائق المتصلة بحماية حقوق الانسان ومن بينها الاعلان العالمى لحقوق الانسان سنة 1948, واعلان حقوق الطفل سنة 1959, والاعلان الخاص بالقضاء على كل صورة التمييز العنصرى سنة 1963, والاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على التمييز العنصرى سنة 1965, واتفاقية الحقوق المدنية والسياسية سنة 1966واتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية سنة 1966, واعلان القضاء على التمييز ضد المرأة سنة 1967, واعلان حق اللجوء الاقليمى سنة 1967, واتفاقية جنسية المرأة المتزوجة سنة 1967.

على ان ميثاق الامم المتحدة لم يعط الانسان حقاً مباشراً فى أن يتولى بنفسه وعن غير طريق دولة من الدول حماية حقوق بطريقة دولية . فلقد حرمه الميثاق من أن يكون بذاته طرفاً فى شكوى معروضة على الامم المتحدة، كما حرمه من اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ولم ينشئ محكمة خاصة بحماية حقوق الانسان . وعلى هذا فقد استمرت حماية حقوق الانسان تتم فى الوقت الحالى عن طريق تبنى دولة من الدول لمطالبات الافراد، وبهذا تنتقل المطالبات إلى النطاق الدولى بالشروط التى سنوضحها عند الكلام على المسئولية الدولية .

و-نظراً لأهمية الاعلان العالمى لحقوق الانسان ومواثيق حقوق الانسان، فسنتكلم عنها فيما يلى :

 

الاعلان العالمى لحقوق الانسان :

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعلان العالمى لحقوق الانسان فى 10ديسمبرسنة 1948، ويشمل على ثلاثين مادة .

1-  وذكرت الجمعية بأنها تنادى بهذا الاعلان العالمى لحقوق الانسان على أعتبار أنه المثل الأعلى المشترك الذى ينبغى أن تصل إليه كافة الشعوب والامم حتى يسعى كل فرد وهيئة فى المجتمع فى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية، وأتخاذ اجراءات مطردة قومية وعالمية لضمان الاعتراف بها، ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الاعضاء نفسها وشعوب البلاد الخاضعة لسلطانها .

 وذكر الاعلان فى مادته الثانية أن لكل أنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة فيه . دون أى تمييز، من حيث الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو الراى السياسى أو أى رأى آخر، دون أى تفرقة بين الرجال والنساء، وفضلاً عن ذلك، يجب ألا يكون هناك تمييز أساسه الوضع السياسى أو القانونى أو الدولى للبلد الذى ينتمى إليه الفرد سواء كان هذا البلد مستقلاً، أو تحت الوصاية، أو غير متمتع بالحكم الذاتى أو كانت سيادته خاضعة لقيد ما .

وحدد الاعلان مضمون الحقوق المعترف بها للانسان، ولم يتبع منهج الاعلانات والدساتير التقليدية التى اعترفت للانسان بالحقوق السياسية فقط بل أضاف إليها حقوقاً اقتصادية واجتاعية وثقافية .

 

2-  وذهب البعض كالأستاذ برينيه إلى أن الاعلان العالمى لحقوق الانسان ملزم قانوناً لكافة الدول أعضاء الامم المتحدة باعتبار أنه مكمل لميثاق هذه الهيئة الذى فرض كما بينا احترام حقوق الانسان، وبهذا أخذت بعض المحاكم الأمريكية كمحكمة استئناف كاليفورنيا التى رفضت فى حكمها فى قضية ( شاى فيجى ) بتاريخ 24ابريل سنة 1950تطبيق قانون الولاية الخاص بملكية الاجانب للأراضى على اعتبار أنه يحرم اليابانيين من الملكية العقارية، وأن هذا التمييز فى المعاملة بين الاجانب مخالف للاعلان العالمى لحقوق الانسان .

ونحن لا نعتقد أن الاعلان العالمى لحقوق الانسان يكمل ميثاق الأمم المتحدة وذلك لانه لم تتبع بالنسبة لاصداره الاجراءات اللازمة لتعديل الميثاق, بل صدر على هيئة قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمعلوم أن قرارات الجمعية العامة تعتبر توصيات غير ملزمة . ولكن هذا لا ينفى أن لاعلان حقوق الانسان قيمة أدبية كبيرة باعتباره المثل الأعلى الذى يجب أن تصل إليه كافة الشعوب .

وبهذا الرأى أخذت المحكمة الدستورية النمسوية بتاريخ 5أكتوبر سنة 1950حين قررت أن الاعلان غير ملزم قانوناً .

 

الميثاق الدولى للحقوق المدنية والسياسية :

أقرت الجمعية العامة فى 16ديسمبر سنة 1966 الميثاق الدولى للحقوق المدنية والسياسية الذى دخل فى حيز التنفيذ سنة 1976.

 

ولم يفرض الميثاق حقوقاً أكثر من تلك التى استقرت فى الدساتير الحديثة كحق الفرد فى الحياة، وحقه فى الحرية وسلامة شخصه، وحقه فى الفكر والاعتقاد والدين، وحقه فى حرية التعبير، وحرية الاجتماع، وحقه فى الانتقال وحقه فى المساواة وحقه فى اللجوء إلى القضاء، وحقه فى تشكيل النقابات، وفى الزواج وتكوين الاسرة، وفى المشاركة فى الحياة العامة، وفى أن ينتخب ويرشح نفسه للانتخاب . كما نص الميثاق على حق الشعوب فى تقدير مصيرها .

 

وتلتزم الدولة التى تصدق على الميثاق بتنفيذ كافة أحكامه فور تصديقها عليه . ولقد أقام الميثاق نظاماً يختص بالاشراف على تطبيق نصوصه . فنص على انشاء لجنة تسمى " لجنة حقوق الانسان " مؤلفة من 18عضواً يختارون بناء على مستواهم الخلقى الرفيع وكفايتهم فى ميدان حقوق الانسان، كما يؤخذ فى الاعتبار أشراك بعض الاشخاص ذوى الخبرة القانونية . ويختار هؤلاء الأشخاص من بين مرشحى الدول الاطراف فى اجتماع عام لاطراف الميثاق . وتقوم الدول الاطراف فى الميثاق بتقديم تقرير إلى اللجنة فى خلال عام من نفاذ الاتفاقية عن الاجراءات التى اتخذتها لتنفيذ ما ورد بها . كما تقدم اللجنة ما تطلبه من تقاير .

ويجوز لاطراف الميثاق قبول اختصاص اللجنة بنظر المنازعات المتصلة باحترام أحكامها، وفى هذه الحالة يمكن للدولة التى قبلت اختصاص اللجنة إذا رأت أن دولة من الدول التى تقبل اختصاص اللجنة فى نظر المنازعات خالفت نصاً من نصوص الميثاق أن تلفت نظرها وتطلب منها احترام الميثاق .

فان لم يسو الأمر فى خلال ستة أشهر يكون لاى من الدولتين احالة الموضوع إلى لجنة حقوق الانسان . وتختص اللجنة بأن تتحرى عناصر النزاع وتتقدم بمساعيها الحميدة بغرض الوصول إلى حل ودى على أساس احترام حقوق الانسان، ويجب عليها أن تتأكد اولا من استنفاد جميع الحلول المحلية، فان لم تنجح مساعى اللجنة جاز لها أن تشكل لجنة توفيق خاصة، فاذا عجزت لجنة التوفيق عن الوصول إلى حل فى خلال سنة، قدمت تقريراً بالوقائع وبوجهة نظرها . وتقدم اللجنة تقريراً سنوياً للجمعية العامة بواسطة المجلس الاقتصادى والاجتماعى .

ميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية :

وافقت الجمعية العامة على الميثاق الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى 16ديسمبر سنة 1966الذى دخل فى حيز التنفيذ سنة 1976.

ويضمن الميثاق عددا من الحقوق للانسان بدون تمييز بسبب الاصل أو اللون أو الجنس أو الدين وهى الحق فى العمل وفى الاجر وفى الضمان الاجتماعى, وفى مستوى معيشى مناسب, وفى الصحة البدنية والعقلية, وفى الثقافة, وفى التعليم على أن يكون التعليم الابتدائى مجانيا والزاميا. ونص الميثاق على أن يتم ضمان هذه الحقوق تدريجيا وبدون تمييز .

ويلاحظ أن الميثاق لم ينشئ جهازا للرقابة على تنفيذ الدول الالتزاماتها فى ميدان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وانما اكتفى بالنص على أن تقدم الدول المنضمة للميثاق تقارير دورية عن مدى احترامها للحقوق الواردة فى الميثاق  للأمين العام للأمم المتحدة الذى يرسل نسخة منه للمجلس الاقتصادى والاجتماعى . ويجوز للمجلس الاقتصادى والاجتماعى أن يرسل هذه التقارير للجنة حقوق الانسان، كما يجوز له أن يقدم توصيات للجمعية العامة .

 

حق الملجا للاقليمى :

يقصد باللاجئين الاشخاص الذين يقيمون خارج أوطانهم الاصليه نتيجة الخوف من الاضطهاد بسبب الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو القومية أو لمقاومتهم للاستعمار .

ويهتم الرأى العام العالمى بوضع اللاجئين بناء على الاعتبارات الانسانية والاجتماعية، ولما قد يثيره وجود اللاجئين من مشاكل سياسية قد تؤدى إلى اضطراب الأمن الدولى .

ولقد ازداد الاهتمام بوضع اللاجئين منذ أن قرر ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمى لحقوق الانسان حق الاشخاص المضطهدين فى الحصول على ملجأ .

وأهم الاتفاقيات الدولية التى تنظم وضع اللاجئين الاتفاقية التى أبرمت سنة1952، ولقد حددت هذه الاتفاقية الحد الادنى للحقوق والتى يجب أن يتمتع بها اللاجئون بما فى ذلك الحق فى المحاكمة العادلة وفى العمل والتعليم والضمان الاجتماعى وحرية العقيدة . كما نظمت اكراههم على العودة إلى البلد الذى فروا منه، وأوصت بتسهيل تجنسهم .

كما انشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة هيئات للاشراف على شئون اللاجئين وأهمها مكتب المندوب السامى لشئون اللاجئين، ووكالة الأمم المتحدة لاغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم .

ولمواجهة المشكلات التى تواجهها الدولة مانحة الملجأ نتيجة لاعتراض الدولة التى يتبعها اللاجئ بجنسيته أو للنفقات المالية التى يستلزمها استيعاب عدد كبير من اللاجئين فقد أصدرت الجمعية العامة الاعلان الخاص باللجوء الاقليمى فى 14ديسمبر 1967. وهو يقرر وجوب احترام الملجأ الذى تمنحه احدى الدول للمضطهدين السياسيين، وضرورة التعاون لتخفيف أعباء الدولة مانحة الملجأ . كما قررت المادة53 من الدستور المصرى سنة 1971منح حق الالتجاء السياسى لكل أجنبى اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الانسان أو السلام أو العدالة .

 

خامساً : مساءلة الافراد جنائياً عن مخالفة أحكان القانون الدولى

 

أصبح من المقرر فى العرف الدولى أن الافراد يجوز محاكمتهم جنائياً عن الاخلال ببعض قواعد القانون الدولى . وأن هذه المحاكمة قد تتم أمام محاكم دولية يمثل أمامها الافراد بصفتهم الشخصية . ومن أمثلة الجرائم الدولية، جرائم الحرب، وجرائم القرصنة، والجرائم المرتكبة ضد أمن الانسانية كابادة الاجناس البشرية .

 

 

  

 

 

 

 

الوجيز في القانون الدولي

 

أ.د. محمد حافظ غانم

استاذ القانون الدولى بجامعه عين شمس

 

 

الجزء الثاني


اشخاص القانون الدولى العام

                              الباب الأول

                                الدولة

الدولة فى القنون الداخلى والقانون الدولى :

سنقوم فى هذا الباب بدراسة الدولة من وجهة نظر القانون الدولى، وهذه الدراسة تختلف فى موضوعاتها عن دراسة الدولة من وجهة نظر القانون الداخلى .

إذ أن القانون الدولى يهتم فقط بتحديد ما يميز الدولة كشخصية دولية عن غيرها من الجماعات والهيئات التى لاتعتبر دولا، وبيان كيفية اكتساب الدولة للشخصية الدولية وما يطرأ عليها من تغيرات، وبتحديد الاختصاصات التى تمارسها الدولة وفقاً لأحكام القانون الدولى .

 

                           ** الفصل الأول **

                     نظرية الدولة فى القانون الدولى العام

الدولة مرحلة من مراحل تطور البشرية فى طريق التنظيم، وهى ليست غاية فى ذاتها أنها هى وسيلة لتحقيق النظام السياسى والقانونى الذى يضمن أمن ورفاهية بنى الانسان . ويعترف القانون الدولى بوجود دول مستقلة تمارس اختصاصات وسلطات واسعة فى داخل أقاليمها المختلفة وفى ميدان العلاقات الدولية .

 

                           ** المبحث الأول **

                     عناصر الدولة والمعيار المميز لها 

 1- عناصر الدولة :

لاتنشأ الدولة فى القانون الدولى الا إذا استكملت  ثلاثة عناصر أساسية وهى :

( أ ) الشعب :

وأول عناصر الدولة هو العنصر الانسانى ويطلق عليه اصطلاح الشعب.           وشعب الدولة هو مجموعة الأفراد الذين يستقرون فى اقليماً ويحملون جنسيتها، والغالب أن يرتبط أفراد الشعب برابطة القومية المبنية على وحدة اللغة أو الاصل أو التاريخ المشترك، فيكونون أمة واحدة. ولكن ذلك ليس بالشرط الأساسى، فقد يحتوى الشعب على عناصر لا تشترك مع الاغلبية فى قومية واحدة وهنا تثور المشكلة التى اصطلح على تسميتها بالاقليات . والقانون الدولى يعنى بحالة الأقليات، ويتطلب حمايتهم والمساواة بينهم وبين سائر أفراد الشعب فى الحقوق كما سنبين ذلك عند الكلام على حقوق الانسان.

وسواء وجدت رابطة القومية أم توجد، فسائر أفراد الشعب يرتبطون برابطة سياسية وقانونية هى رابطة الجنسية . وهى العلاقة التى تربط مواطنى دولة ما بتلك الدولة، وبمقتضاها يكون للدولة اختصاص فى مواجهة هؤلاء المواطنين سواء كانوا على اقليمها أم خارج ذلك الاقليم .ويكون للمواطنين حقوق ويلتزمون بواجبات لا يتمتع بها أو يلتزم بها الأجانب كالحقوق السياسية والالتزام بالخدمة العسكرية . وتقوم كل دولة بتحديد شروط اكتساب جنسيتها وفقدها وهى تلتزم باحترام العرف الدولى والاتفاقات الدولية التى تكون طرفاً فيها .

ونلاحظ أن فكرة الأمة بمعنى الجماعة التى تربطها روابط مشتركة ترجع إلى وحدة اللغة أو الاصل أو التاريخ والتى يرغب إفرادها فى العيش سوياً، قد أثرت كثيراً فى تطور الدول وعلى الخصوص فى العصر الحديث . فقد نادى العالم الايطالى مانشينى فى سنة 1861 بوجوب اعطاء كل جماعة قومية حق تكوين دولة، وبأن تقسيم العالم إلى دول يجب أن يستند إلى القوميات، وكان هدفه من ذلك تحقيق الوحدة الايطالية.

ولقد لاقى هذا المذهب نجاحاً فى أواخر القرن التاسع وفى أوائل القرن العشرين، وأدى تطبيقه إلى تحرير كثير من الأمم كانت تحت حكم دول لا يرتبطها بها أية رابطة قومية. ويمكن أن نضرب مثلاً على ذلك تحرير اليونان ورومانيا وبلغاريا وبولونيا وتشيكوسلوفاكيا والدول العربية وفضلا عن ذلك فقد احتوت معاهدات الصلح التى أعقبت الحرب العالمية الأولى على نصوص تتعلق بحماية الاقليات القومية والدينية واللغوية، كما أكد ميثاق الامم المتحدة حق تقرير المصير كمبدأ أساسى يحكم العلاقات الدولية، وأشارت الجمعية العامة فى العديد من قرارتها إلى حق تقرير المصير وأهمها القرار الصادر فى 16 ديسمبر سنة 1952 والمتعلق بحق الشعوب والأمم فى تقدير مصيرها، كما ورد النص عليه فى ميثاق حقوق الانسان سنة 1966.

ومع أن معظم الدول الحديثة تقوم على أساس قومى الا أنه يجب عدم المغالاة فى تقرير أهمية الرابطة القومية فى تكوين الدول؛ لأن القانون الدولى لايزال يقرر امكان قيام الدولة ولو كان شعبها ينتمى إلى قوميات مختلفة، كما أنه يعترف بامكان انقسام واحدة إلى شعوب تابعة لدول مختلفة .

( ب ) الاقليم :

يقطن شعب الدولة أقليماً له حدود معينة، يشمل عادة رقعة من الارض ورقعة من الماء ومن فضاء جوى يعلو الأرض والماء . والأمة التى لاتمارس السيادة على اقليم معين، وكذلك القبائل الرحالة التى تنتقل من مكان إلى آخر لا تعد دولا .

ولا يشترط لوجود الدولة أن يكون أقليماً على درجة معينة من الاتساع أو أن يتسم بسمات معينة .

ويعيش الشعب فى حالة تفاعل مستمر مع اقليمه، على أن الشعوب الحديثة استطاعت التغلب على كثير من مشكلات البيئة الجغرافية التى كانت تتحكم فى الماضى فى نشاطها أوتعرقل انتاجها الزراعى والصناعى ومعاملات التجارية . وتحتفظ الدولة بشخصيتها ولو فقدت السيطرة على اقليماً مؤقتاً لظروف خارجة عن ارادتها، كما لو احتل اقليماً بواسطة عدو، فالدولة تبقى مادام تنظيمها السياسى لايزال متماسكاً يباشر اختصاصاتها على رعاياه المجودين خارج الاقليم، وكذلك على الارادات العامة الوطنية الموجودة فى الخارج . وهذا ما حدث فى الحرب العالمية الأولى بالنسبة لبلجيكا، وما حدث فى الحرب العالمية الثانية بالنسبة للنريج مثلاً .

( جـ ) السلطة العليا :

تتميز الدولة بوجود مؤسسات للحكم تتولى السلطة العليا فى اقليم الدولة وفى مواجهة رعاياها . والمؤسسات الحاكمة هى التى تؤكد وحدة الشعب المعنوية والاقتصادية، وتظهر الدولة فى مواجهة الدول الأخرى كوحدة متميزة لها شخصية دولية تبقى مهما تغير أشخاص الحكام .

وتتخذ المؤسسات الحاكمة أشكالها مختلفة : ملكيات أو جمهوريات، ديمقراطيات أو دكتاتوريات . ولا يهتم القانون الدولى بالشكل السياسى للمؤسسات الحاكمة طالما أن لها السيطرة على اقليمها وشعبها وتقوم بالوظائف الكفيلة ببقاء الدولة واستمرارها .

2- السيادة الوطنية كمعيار للدولة :

اهتم القانون الدولى بتحديد المعيار الذى يميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية التى لاتعد دولا كالأقليم غير المستقلة والمقاطعات ، والاتحادات الدولية التى لا تأخذ شكل الدولة . ولقد أزدادت أهمية هذا الموضوع نتيجة لظهور أشكال عديدة من الحكم الذاتى، ولنشوء أنواع مستحدثة من الاتحادات الدولية، ولظهور المشكلات المتعلقة بالدولة المقسمة مثل كوريا فى الوقت الحالى .

والمعيار التقليدى للدولة هو السيادة الوطنية، فالذى يميز الدولة عن غيرها من الجماعات هو تمتعها بالسيادة .

والسيادة نظرية قانونية ترتبط بنشأة الدول القومية فى أوربا فى العصر الحديث، ولقد ظهرت فى أول الأمر كمبدأ سياسى ينادى باعتبار الملك هو صاحب أعلى سلطة فى الدولة. وكان الهدف من ذلك القضاء على النظام الاقطاعى وتأكيد السلطة المركزية للدولة، وكذلك تقرير عدم خضوع الملك للسلطة الدينية التى كانت تمارسها الكنيسة الكاثوليكية .

وقد دخلت نظرية السيادة فى الفقة الفرنسى فى القرن السادس عشر بواسطة بودان الذى قرر أن السيادة هى السلطة العليا والمطلقة للملك التى لايقيدها الا الله والقانون الطبيعى .

وفى القرن السابع عشر أدخل هوبز نظرية السيادة فى الفقة الانجليزى وجعل السيادة للملك نتيجة لاتفاق الناس عن طريق العقد الاجتماعى .

ولقد تطورت نظرية السيادة فى أواخر القرن الثامن عشر وفى أعقاب الثورة الفرنسية حيث أصبحت السيادة لمجموع الشعب .

وكان أدخال نظرية السيادة فى المجال القانونى بداية لنشوء القانون الدولى التقليدى. فبعد أن كان الاتجاه القديم يرى أن للدولة سيادة مطلقة وأنها لا تتقيد باى شئ الا بارادتها وأن استعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية هو وسيلة الدول لتأكيد سيادتها الخارجية، اتجه الفقة إلى القول أن سيادة الدول مقيدة؛ إذ أن عليها احترام قواعد القانون الدولى العام، وهى قواعد ملزمة تعلو على ارادة الدول .

مظاهر السيادة فى الفقة التقليدى :

يتبين من مراجعة الدستور والدولى أن للسيادة مظاهر متعددة يتصل بعضها بعلاقة الدولة باقليمها وبرعاياها، ويتصل البعض الآخر بعلاقة الدولة مع غيرها من الدول . وفيما يلى أبرز هذه المظاهر .

1- السيادة الداخلية :

ومعناها حرية الدولة فى التصرف فى شئونها الداخلية، وفى تنظيم حكومتها ومرافقها العامة، وفى فرض سلطتها على كافة ما يوجد فى اقليمها من أشخاص وأشياء، ويترتب على السيادة الداخلية كذلك أنه لايجوز لأية دولة أو هيئة أخرى أن تباشر سلطاتها فى اقليم الدولة .

2- السيادةالخارجية :

ومعناها حرية الدولة فى ادارة علاقاتها الدولية وعدم خضوعها فى هذا الشأن لأية سلطة عليا. ويترتب على ذلك أن للدولة شخصية دولية كاملة وأن القانون الدولى ينشأ نتيجة لرضا الدول واتفاقها، وأنه لايمكن اكراه الدولة على عرض منازعاتها أمام محكمة دولية وأن للدولة أن تلجأ إلى الحرب لكى تدافع عن حقوقها بالقوة متى أرادت .

ونشيرفيما يلى إلى بعض المبادئ القانونية التى تترتب على عدم خضوع الدولة صاحبة السيادة لسلطة أعلى منها .

( أ ) الاستقلال :

الاستقلال مظهر لسيادة الدولة مبناه استبعاد سلطة أية دولة أو هيئة أجنبية. فالقول بأن الدولة هى أعلى سلطة فى اقليم معين يستتبع أنها مستقلة وأنها حرة فى ادارة شئونها الداخلية والخارجية، وأن لها فى هذا الشأن سلطة تقديرية مطلقة طالما أنها غير مقيدة بمعاهدة أو بقاعدة من قواعد القانون الدولى . وعلى ذلك فالدولة حرة فى اختيار شكل حكومتها وفى وضع تشريعاته، وهى حرة فى التعامل السلمى سياسياً واقتصادياً مع غيرها من الدول، وفى تبادل التمثيل الدبلوماسى وابرام المعاهدات، كما تستطيع أن تستبدل بارادتها حالة الحرب بحالة السلام .

ولما كان الاستقلال – فى حالة عدم وجود قاعدة دولية تنظم أمراً معيناً – صفة لازمة لكل الدول، فانه يجب على كل دولة احترام استقلال الدول الأخرى، ويعتبر تدخل دولة فى شئون دولى أخرى أمراً مخالفاً  للقانون الدولى .

( ب ) المساواة :

وهى مظهر آخر للسيادة مبناة أن جميع الدول متساوية أمام القانون الدولى تتمتع بالحقوق التى يقررها القانون وتلتزم بالتزاماته، وذلك بصرف النظر عن مساحتها أو عدد سكانها أو مقدار تقدمها .

 

( جـ ) الاجماع :

الاجماع نتيجة للسيادة، ومعناه أنه فى كل مؤتمر دولى يتخذ قرارات ملزمة أو ينشئ قواعد قانونية يكون لكل دولة عضو فى المؤتمر – الحق فى أن تقرر بنفسها ما إذا كانت تريد الالتزام بقرارات المؤتمر أم أنها ترفض ذلك، فالدول لا تلتزم بغير رضاها.

ويترتب على ذلك أن قرارت المؤتمرات الدولية يجب أن تصدر كقاعدة عامة باجماع الآراء .

 

تمييز السيادة عما يختلط بها :

السيادة هى السلطة السياسية القانونية العليا للدولة وبمقتضاها تتصرف بحرية, وتضع القواعد القانونية وتقوم بالزام الناس باحترامها . ويترتب على ذلك استقلالها عن أية دولة أخرى ومساواتها معها .

وتفقد الدولة سيادتها اذا ما سمحت لدولة أخرى بأن يكون لها سلطة عليا فيما يتعلق بمباشرة وظائف الدولة . كما قبلت دولة (أ) أن يكون لدولة (ب) سلطة نهائية فيما يتعلق بالاعتراض على تصرفاتها أو القواعد القانونية التى تصدرها .

ويكون للدولة سيادة ناقصة (1) اذا كانت لها السلطة العليا بالنسبة لبعض وظائف الدولة فقط, أما بالنسبة للبعض الآخر فيترك البت النهائى فيه لسلطة أجنبية أو لسلطة أعلى, ومثال ذلك الدولة المحمية والدول التى تشترك فى تكوين دولة اتحادية .

ويميز الفقهاء بين السيادة وبين بعض الأنظمة التى تختلط بها.

 

(أ‌)         التمييز بين السيادة وبين السلطة الفعلية :

السيادة لها مدلول قانونى معناه اعتبار الدولة أعلى سلطة فى داخل اقليمها, فمباشره الدولة للسلطة فى اقليمها مظهر لسيادتها على هذا الاقليم . ولكن من المهم التمييز بين السيادة وبين مباشرة السلطة الفعلية, لأنه من الجائز أن تباشر دولة أو هيئة دولية سلطة فعلية مؤقتة فى اقليم لا يخضع لسيادتها .

 

ويظهر ذلك فى الأنظمة الآتية :

1-  الايجار : وبمقتضاه تؤجر دولة جزءا من اقليمها لدولة أخرى, وتتولى الدولة المستأجرة ادارة الاقليم محل الايجار واستخدامه مقابل أجر معين تدفعه للدولة المؤجرة . ومن أمثلة ذلك استئجار الحكومة الأمريكية لمدة تسعة وتسعين عاما لبعض المناطق فى نيوفوند لندوبرمودا من انجلترا بموجب اتفاقية عقدت فى سنة 1941 .

2-  حوالة الادارة : وبمقتضاها تتنازل دولة عن ادارة جزء من اقليمها إلى دولة أخرى, وتتولى الدولة المديرة ادارة الاقليم نيابة عن الدولة الأولى ولمصلحة هذه الدولة . ومثال ذلك تنازل الحكومة المصرية بمقتضى اتفاقية سنة 1899 وبعض القرارات اللاحقة عن ادارة بعض الأراضى المصرية على الحدود للادارة فى السودان .

3-  الوصاية : ومن الامثلة الحديثة للتمييز بين السيادة والسلطة الفعلية نظام الوصايا الدولية, وبمقتضاه تباشر الدولة صاحبة الوصاية السلطة عن اقليم لا يخضع لسيادتها, وذلك لمصلحة سكان هذا الاقليم, وتحت اشراف الأمم المتحدة (1) .

4-  الاحتلال الحربى : لا ينتج عن احتلال دولة لاراضى دولة أخرى فى أعقاب عمليات حربية نقل حقوق السيادة على الاقليم من الدولة صاحبة الاقليم إلى الدولة المحتلة, وانما تمارس الدولة المحتلة فقط ادارة الاقليم وفقا لقانون الحرب .

 

(ب‌)   التمييز بين السيادة وبين الملكية :

يخلط بعض الفقهاء بين السيادة الاقليمية وبين الملكة فيصفون حق الدولة على اقليمها بأنه حق ملكية . ولهذا الخلط أسباب تاريخية ترجع إلى أن كثيرا من قواعد القانون الدولى استعير أصلا من قواعد القانون الداخلى وبصفة خاصة من قواعد القانون الرومانى .

وقد وجد الفقهاء تشابها كبيرا بين سيادة الدولة على اقليمها وبين الملكية, فالحق فى كليهما مقصور على صاحبه ويخول له سلطة التصرف فى المال موضوع الحق . ولقد ساعد على ايجاد هذا الخلط أن السيادة كانت فى أول الأمر للملك وكان اقليم الدولة يعتبر تابعا له . ولهذا فلقد طبق بعض الفقهاء القواعد الخاصة بالملكية على سيادة الدولة على اقليمها وبصفة خاصة فيما يتعلق بطرق اكتساب السيادة وطرق فقدها والقيود التى ترد عليها (1) .

والواقع أن هذا الخلط ليس له ما يبرره, فللسيادة فى القانون الدولى مدلول قانونى  مبناه اعتبار الدولة على أعلى سلطة فى داخل اقليمها واعتبار هذا الاقليم النطاق الذى تباشر الدولة سلطاتها فيه . ولا يمكن أن نشبه سلطات الدولة واختصاصاتها بالملكية الخاصة لفرد من الأفراد .

ولكن هذا لا ينفى أن مشتملات اقليم الدولة قد تكون قيما فى ذاتها, ولهذا يختص القانون الداخلى لكل دولة بتنظيم ملكية الأفراد أو ملكية الدولة لهذه القيم . وملكية الدولة لبعض الاموال والخاصة فى داخل اقليمها أو فى أقاليم دول أخرى شىء مختلف عن سيادة الأقليمية .

 

الانتقادات الموجهة لنظرية السيادة :

ولقد تعرضت نظرية السيادة فى العصر الحالى لانتقادات جوهرية, وهجرها البعض مطالبين باخضاع المجتمع الدولى لسلطة عليا أو لحكومة عالمية .

والواقع أن نظرية السيادة أسئ استخدام لتبريد الاستبداد الداخلى والفوضى الدولية. ولقد أدت هذه النظرية إلى أعاقة تطور القانون الدولى وإلى فشل كثير من المؤتمرات الدولية، وإلى تسلط الدول القوية على الدول الضعيفة بحيث أصبحت الحرب هى الحكم النهائى فى العلاقات بين الدول ذات السيادة .

ويقرر البعض أن معيار السيادة معيار خاطئ من النحية القانونية للأسباب الآتية :

( أ ) ففى داخل الدولة: نجد أنه مع التسليم بأن الدولة هى السلطة صاحبة الاختصاص العام وأنها لا تخضع لسلطة أعلى، لا يمكن القول بأنها مطلقة التصرف؛ فالدولة ليست غاية فى ذاتها وانما هى وسيلة لتحقيق غاية هى سعادة رعاياها، وكل تصرفات الدولة يجب أن تهدف إلى هذا الغرض .

 وفكرة السيادة المطلقة تتعارض مع مبدأ سيادة القانون . فالسلطات العامة الوطنية تباشر اختصاصاتها وفقاً لدستور الدولة وللمبادئ الدستورية العامة وللقوانين واللوائح.

ولهذا نجد أن كل تصرفات الدولة تخضع للرقابة الداخلية السياسية والقضائية والشعبية.

( ب ) أما فى ميدان العلاقات الدولية، فلا يمكن قبول النظرية لأنها تقرر شيئاً مستحيلاً وهو وجود دول ذات سيادة فى نظام قانونى ملزم هو القانون الدولى .

فالدولة ليست مطلقة التصرف فى ميدان العلاقات الدولية، إذ هى تخضع للقانون الدولى الذى هو مفروض على الدول بناء على اعتبارات تعلو على ارادتها والذى يورد قيودا على تصرفات الدول، ويحكم علاقاتها مع الدول الأخرى ومع الهيئات الدولية.

  ومن الثابت انه لا توجد دولة تقرر أنها ترفض الخضوع للقانون الدولى أو تدعى أنها تملك التصرف بحرية مطلقة فى ميدان العلاقات الدولية . وحتى فلا ألاحوال التى خولفت فيها قواعد القانون الدولى كانت الدولة المخالفة تحاول تبرير موقفها عن طريق الالتجاء إلى تفسير قواعد هذا القانون بما يلائم هذا الموقف .

( جـ ) لا تتفق نظرية السيادة مع التطور الجديد للقانون الدولى فى اتجاه اخضاع الدول لسلطة عليا، واقامة نظام للأمن الجماعى وآخر للتنمية الاقتصادية الدولية فى اطار الأمم المتحدة. وهى أيضاً لا تنسجم مع تدخل القانون الدولى – عن طريق حماية حقوق الانسان – فى علاقة الدولة برعاياها .

ولقد اتجه الفقهاء الذين يرفضون فكرة السيادة إلى البحث عن معايير حديثة تميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية .

فقال البعض ان ما يميز الدولة هو تملكه من قوة للجبر والقهر تباشرها على اشخاص آخرين، وهذه القوة هى حق خاص للدولة لم تستمد من سلطة أخرى. وقال البعض الآخر ان ما يميز الدولة هو كونها تملك اختصاص اعطاء الاختصاص فهى السلطة الوحيدة فى الاقاليم التى تملك حق وضع دستور ينظم الدولة ويحدد اختصاص سائر الاشخاص والهيئات الموجودين على اقليمها .

ومن راينا أن الدولة المعاصرة تتميز عن غيرها من الجماعات ومن الأقاليم بخصيصتين أساسيتين يجتمعان فيها وهما :

 1- عمومية اختصاص الدولة :

تتمتع الدولة باختصاص عام، ومعنى ذلك أنها فى حدود اقليمها تملك التدخل فى سائر مظاهر حياة البشرية لتنظيمها واقرار ما تراه أمنا وعدالة فهى تضع دستوراً للحكم وتملك سلطة التشريع والقمع، وتنظيم المرافق العامة وتتدخل فى الحياة الاقتصادية، بل وتستطيع التدخل فى الحياة الاجتماعية والثقافية للافراد وفقاً لما تقرره فى دستورها الوطنى .

فالاختصاص العام هو الذى يميز الدولة عن أشخاص القانون الداخلى الاخر كالاقاليم والمحافظات والمصالح مثلاً، وعن أشخاص القانون الدولى التى لا تعد دولا كالاتحادات الكونفدرالية والمنظمات الدولية . وذلك لأنه على خلاف الدولة، لا يمارس هؤلاء الاشخاص الا الاختصاصات التى منحت لهم على سبيل الحصر. وما دمنا نقول أن الدول تملك اختصاصات عاماً فمعنى ذلك أن هذا الاختصاص قد منح لغرض معين هو تحقيق مصالح شعب الدولة وأنه يجب أن يباشر فى حدود هذا الغرض .

2- أهلية الدخول فى علاقات دولية :

تتميز الدولة ثانياً بأنها تملك أهلية الدخول فى العلاقات التى تخضع مباشرة لقواعد القانون الدولى كابرام المعاهدات وتبادل التمثيل الدبلوماسى .

وهذه الأهلية لا تتوافر للجماعات الاقليمية الاخرى غير الدولة كالمستعمرات وأشخاص القانون الداخلى، فهذه تتبع أولاً دولة من الدول ولا تدخل فى علاقة مباشرة مع القانون الدولى العام .

وقد يتطلب القانون الدولى شروطاً خاصة فى الدولة بالنسبة لممارسة علاقة دولية معينة ومن ذلك أن ميثاق الأمم المتحدة يتطلب فى الدولة الراغبة فى الانضمام مجموعة من الشروط  .

مدلول السيادة الوطنية فى القانون الدولى المعاصر :

( أ ) القانون الدولى لايزال يؤكد ضرورة احترام السيادة الوطنية :

على الرغم من التيارات الحديثة التى هاجمت ولاتزال تهاجم، نظرية السيادة، ومهما اجتهد العلماء والفقهاء فى تفنيدها من الناحية النظرية، فان الاتفاقات الدولية العالمية والاقليمية لاتزال تجعل من احترام السيادة الوطنية قاعدة أساسية . فعهد عصبة الأمم لم يستطيع أن يضحى بفكرة السيادة وجاء ميثاق الامم المتحدة مؤكد وحاميا لسيادات الدول الاعضاء . فالمادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة تنص فقرتها الاولى على أن " تقوم الهيئة على مبدأ المساواة فى السيادة بين جميع أعضائها ".

غير أنه يجب الاعتراف بأنه قد حدث تطور هائل أدى إلى تضييق مدلول السيادة الوطنية , فميثاق الأمم المتحدة الذى انضمت إليه كل دول العالم تقريبا يفرض على الدول الاعضاء التزامات متعددة يتعارض بعضها تعارضا بينا مع المدلول القديم للسيادة . فلا جدال فى أن اختصاصات مجلس الأمن فى حالات تهديد السلم والاخلال به ووقوع العدوان ( الفصل السابع من الميثاق ) لا تتفق مع تأسيس الأمم المتحدة على فكرة السيادة, لان القرارات التى يصدرها مجلس الامن فى هذه الاحوال تلزم جميع الدول الاعضاء ولو لم يوافقوا عليها .

ولا شك فى أن منح الدول الخمس الكبرى حق الاعتراض على قرارات مجلس الأمن يحول دون الانتقاص من سيادة هذه الدول فقط دون غيرها من أعضاء الامم المتحدة الذين يلتزمون بتنفيذ قرارات مجلس الامن المتصلة بقمع العدوان دون اشتراط موافقتهم عليها, بل ان هذه القرارات يجوز تنفيذها بالقوة عن طريق جزاءات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية يأمر بها مجلس الأمن .

هذا فضلا عن قبول أعضاء الامم المتحدة للالتزامات المتعددة الواردة فى الميثاق ومنها عدم جواز اللجوء إلى القوة م 2/4, ووجوب حل المنازعات الدولية حلا سليما ( الفصل السادس من الميثاق ), ووجوب أتباع مبادئ معينة فيما يتعلق بادارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى ( الفصل الحادى عشر من الميثاق ), والاعتراف باختصاص الامم المتحدة فى الميدان الاقتصادى والاجتماعى ( الفصل التاسع من الميثاق ) . كل هذا يدفعنا إلى القول بأن أعضاء الامم المتحدة ليسوا مطلقى التصرف بل يخضعون لقيود ولا شراف ورقابة الأمم المتحدة . ولا يقلل من أهمية وجود الامم المتحدة أن قراراتها – كقاعدة عامة وفى غير الاحوال التى تتصل بتهديد الامن الدولى أو الاخلال به – هى مجرد توصيات للدول الأعضاء . وذلك لان صدور توصية من منظمة دولية عالمية كالامم المتحدة أمر له قيمته السياسية بحيث أن الدول كثيرا ما تتردد قبل مخالفة هذه التوصية .

وزيادة على ذلك فقد خرج ميثاق الامم المتحدة احيانا على فكرة المساواة بين الدول, اذا أنه منح للدول الخمس الكبرى مزايا لا يتمتع بها باقى الأعضاء, فقد جعل لها كراسى دائمة فى مجلس الامن ومنحها حق الاعتراض . ومن المعلوم أن المساواة مظهر من مظاهر السيادة, فالاخلال بها اخلال بالسيادة بالمعنى الذى كان مفهوما فى الماضى .

 

(ب)الدول لازالت تتمسك بسيادتها :

تؤكد الدساتير الوطنية تمتع الدولة أو الشعب بالسيادة, ومن هذا القبيل أن المادة الثالثة من دستور جمهورية مصر العربية سنة 1971 تنص على أن السيادة للشعب, وتقرر المادة 73 أن رئيس الجمهورية يسهر على تأكيد سيادة الشعب . كما تقرر المادة الثانية من دستور اتحاد الجمهوريات العربية سنة 1971 أن السيادة فى الاتحاد للشعب .

 

ومن ناحية أخرى تؤكد تصرفات الدول فى ميدان العلاقات الدولية الثنائية وفى المظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة تسكها بسيادتها .

ولفكرة السيادة أهمية خاصة لدى الدول التى استقلت حديثا والتى حصلت على سيادتها نتيجة لمجهودات ولتضحيات جسيمة, ويرجع ذلك إلى أنها تخشى أن يؤدى تنازلها عن سيادتها الى وقوعها فى براثن السيطرة الاجنبية ولا عتقادها – وهى محقة فى ذلك – بأن المنظمات الدولية قد تخضع لسيطرة الدول الكبرى .

كما أن الدول الشيوعية بصفة عامة تتمسك بنظرية السيادة وتجعلها أساسا لعلاقاتها الخارجية لأنها تخشى أن يؤدى تنازلها عن سيادتها للمظمات الدولية الى خضوعها بقرارات تصدير عن الاغلبية التى لاتعتنق النظام الشيوعى .

 

(جـ) مفهوم السيادة فى قضاء محكمة العدل الدولية :

ان تمسك الدول بسيادتها فى الوقت الحالى, ومطالبتها باحترام هذه السيادة ينصرف إلى معنى محدد هو استقلال الدولة الداخلى والخارجى, وتمتعها بالأهلية أى ممارستها لاختصاصاتها الاقليمية والدولية بحرية وذلك بشرط الخضوع للقانون الدولى العام والالتزام بميثاق الامم المتحدة . ويترتب على ذلك أن النظام القانونى الوطنى يخضع لنظام أعلى هو النظام الدولى, وأن ما يجرى الاصطلاح على تسميته بمظاهر سيادة الدولة عبارة عن سلطات واختصاصات تمارسها الدولة بالتطبيق لقواعد القانون الوطنى والقانون الدولى .

وتؤكد محكمة العدل الدولية فى أحكامها الحديثة هذا المفهوم لنظرية السيادة .

ففى قضية المصايد بين المملكة المتحدة والنرويج سنة 1951 ثار النزاع حول حق النرويج فى تحديد طريقة أحتساب بحرها الاقليمى . ولقد قررت المحكمة " أن تحديد المساحات البحرية كان له على الدوام صفة دولية, ولا يمكن أن يترك للارادة المطلقة للدولة المجاورة كما تظهر فى تشريعاتها . واذا كان المتبع أن تحديد اتساع البحر الاقليمى يتم بارادة دولة واحدة . فان نفاذ هذا التحديد فى مواجهة الدول الأخرى يتوقف على القانون الدولى العام " .

 

                                       المبحث الثانى

                                        أنواع الدول

                        أولا : الدول البسيطة والاتحادات الدولية  

 

الدولة البسيطة هى التى تنفرد بادارة شئونها الداخلية والخارجية سلطة واحدة كايطاليا واليونان والسويد . ولا يؤثر فى اعتبار الدولة بسيطة اتساع رقعتها, أو انها تتكون من عدة أقاليم أو مقاطعات تتمتع بالادارة المحلية, مادام أن هناك حكومة واحدة لها الكلمة العليا فى الداخل والخارج .

أما الاتحاد الدولى فيتكون من ارتباط أكثر من دولة برابطة الخضوع لسلطة مشتركة ويتميز الاتحاد الدولى بما يلى :

(أ‌)         وجود نظام قانونى داخلى لكل عضو فى الاتحاد مع وجود نظام قانونى مشترك يسرى فى حق جميع أعضاء الاتحاد .

(ب‌)   وجود حكومات لكل عضو الى جانب الاجهزة أو السلطات الاتحادية .

(جـ) وجود تقسيم للاختصاص بين حكومات الدول الاعضاء وبين الاجهزة أو السلطات الاتحادية . وهذا التقسيم مفروض على الجميع ويجب اتباعه, ولا يجوز تعديله الا بالاسلوب الذى يقرره أعضاء الاتحاد .

 

النظرية التقليدية فى الاتحادات الدولية :

انتشرت الانظمة الاتحادية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية انتشارا كبيرا وذلك بعد أن أحست الدول بما يحققه الاتحاد من مزايا وفوائد نتيجة لاتساع المجتمع السياسى والاقتصادى لمواطنى الاتحاد .

ويميز القانون الدولى التقليدى بين أنواع مختلفة من الاتحادات الدولية يتباين بعضعها عن بعض من حيث الشكل وطريقة التنظيم وذلك على النحو الآتى :

1-  الاتحاد الشخصى :

يقوم هذا النوع من الاتحادات بين دولتين أو أكثر تحتفظ كل منها بسيادتها الكاملة وبتنظيمها الداخلى المستقل, ولكنها تشترك جميعا فى شخص رئيس الدولة .

ولا يكون الاتحاد الشخصى دولة واحدة اذ أن الدول الداخلة فيه تحتفظ بشخصياتها الدولية كاملة وبكل اختصاصات الدولة .

وتتسبب الاتحادات الشخصية عادة عن قواعد وراثة العرش حينما يجتمع حق وراثة العرش فى دولتين فى أسرة ملكية واحدة . ومن أمثلة الاتحادات الشخصية – الاتحاد بين انجلترا وهانوفر الذى استمر من 1714 إلى 1848 , والاتحاد بين هولانده ولو كسمبرج الذى بدأ فى 1815 فى سنة 1890 .

ومن الواضح أن الاتحاد الشخصى لا ينشىء رابطة اتحادية حقيقة بين الدول الأعضاء حيث أنها تحتفظ بكامل اختصاصاتها الداخلية والخارجية, ويجمع بينها فقط الاشتراك فى شخص رئيس الدولة .

 

2-  الاتحاد الحقيقى :

أما الاتحاد الحقيقى فيخضع لنفس الرئيس الأعلى دولتين أو أكثر, لكل منها دستورها الداخلى وتشريعها الخاص وادارتها المستقلة, ولكنها تظهر جميعا فى العلاقات الدولية كدولة لها شخصية واحدة .

فالاتحاد الحقيقى يتختلف عن الاتحاد الشخصى من حيث أن الدول الداخلة فيه تفقد شخصياتها الدولية وسائر اختصاصاتها الخارجية, ويتشابه معه من حيث احتفاظ كل دولة داخلة فيه باستقلالها الداخلى .

ومن أمثلة الاتحاد الحقيقى الاتحاد بين الدانمراك وايسلند من 1918 إلى 1944 .

 

3-  الدول المتحدة أو الاتحاد الكونفدرالى :

تتكون الدول المتحدة من مجموعة من الدول تبرم فيما بينها معاهدة تنص على التزام الأعضاء بالعمل على تحقيق أهداف معينة وباحترام بعض المبادىء, كما تنشئ المعاهدة هيئات مشتركة تتكون من ممثلين عن الدول الاعضاء للاشراف على تنفيذها .

وتحتفظ كل دولة عضو فى الاتحاد بحقها فى مباشرة مظاهر سيادتها الخارجية والداخلية, وبنظام الحكم القائم فيها, ولكنها ترتبط مقدما بالتنازل للهيئات المشتركة عن قدر من حريتها فى التصرف . وتكلف الدول الأعضاء هيئات الاتحاد بالعمل على تحقيق الاهداف المحددة فى المعاهدة المنشئة له . وتتلخص هذه الاهداف عادة فى المحافظة على استقلال الدول الاعضاء ومنع الحروب بينها, والدفاع عن مصالحها السياسية والاقتصادية .

 

ولا تعتبر هيئات الاتحاد حكومة عليا يعلو سلطانها وتنفيذ كلمتها على جميع الدول الأعضاء وعلى رعايا هذه الدول, وانما يقتصر عملها على تكوين السياسة العامة للدول الاعضاء فى المسائل التى تدخل فى اختصاصها . وهى تصدر قراراتها بالاجماع كقاعدة عامة, ويجوز اصدار بعض القرارات بالأغلبية . ويقوم الاتحاد بتبليغ قراراته للدول الأعضاء لكى تقوم بتنفيذها بواسطة سلطاتها الوطنية, ولا يملك الاتحاد سلطة تنفيذ قراراته بواسطة أجهزة تابعة له, ولا تعتبر قراراته نافذة فى أقاليم الدول الأعضاء .

 

ويهمنا أن نحدد فيما يلى بعض النتائج التى يرتبها القانون الدولى على طبيعة العلاقات بين الدول المشتركة فى اتحاد كونفدرالى :

 

(أ‌)         تحتفظ كل دولة من الأعضاء بشخصيتها الدولية وبحقها فى مباشرة علاقاتها الدولية, والانضمام للمنظمات الدولية, ومع ذلك تتقيد هذه الدول فى علاقاتها الدولية بالسياسة العامة التى يرسمها الاتحاد .

(ب‌)   تملك كل دولة من الاعضاء حق الحرب مع احترام المبادئ العامة للقانون الدولى, وتعتبر الحرب التى تقوم بين دولتين من الدول الاعضاء حربا دولية وليست حربا أهلية .

(جـ) تظل كل دولة من الدول الأعضاء مسئولة عن تصرفاتها وعن مباشرة علاقاتها الدولية فهى تملك ارسال وتلقى المبعوثين الدبلوماسيين . وعقد المعاهدات الدولية، والانضمام للمنظمات الدولية، ومع ذلك تتقيد هذه الدول فى علاقاتها الدولية بالسياسة العامة التى يرسمها الاتحاد .

والتاريخ حافل بأمثلة للاتحادات الكونفدرالية فالولايات المتحدة الأمريكية كانت اتحاد كونفدراليا فى الفترة من 1781إلى 1789، وسويسرا كانت تكون اتحاداً كونفدراليا فى الفترة من 1648إلى 1848 والمانيا من 1815إلى 1866 .

والاتحاد الكونفدرالى اتحاد ضعيف يقتصر دوره على التنسيق والتوفيق بين ادول الاعضاء .

ومن الجائز اعتبار الاتحاد الكونفدرالى شخصاً من أشخاص القانون الدولى العام مستقلاً عن أشخاص الدول الأعضاء وذلك إذا ما تم الاعتراف الدولى بحقة فى تكوين ارادة ذاتية وفى ممارسة بعض الاختصاصات الدولية .

4- الدولة الاتحادية أوالاتحاد الفدرالى :

ان التفرقة بيت الكونفدرالية وبين الفدرالية تفرقة لها أهميتها فى القانون الدولى العام، فبينما تحتفظ الدول المتحدة اتحاد كونفدراليا بشخصياتها الدولية مع قيامها بانشاء هيئة تقوم بتنسيق بعض مظاهر سياستها العامة وبالدفاع عن مصالحها المشتركة، نجد أن الأتحاد الفدرالى أو الدولة الاتحادية تعتبر شخصية دولية واحدة لها حكومة اتحادية تباشر السلطة العليا على أعضاء الاتحاد .

وبينما تنشأ الدول المتحدة بمعاهدة لايجوز تعديلها الا بموافقة جميع الدول الاعضاء أو على الاقل يكون للعضو المخالف حق الانفصال عن الاتحاد، نجد أن الدول الاتحادية تنشأ بوثيقة ذات طبيعة دستورية بغض النظر عن أسمها – دستور أو نظام اساسى ................................. بالأغلبية العادية لاصوات الاعضاء أوبأغلبية ................

...... المخالف حق الانفصال .

فالدولة الاتحادية تتكون من مجموعة من الدول تخضع بمقتضى الدستور الاتحادى لحكومة عليا واحدة تباشر فى حدود اختصاصها سلطاتها على حكومات الدول الاعضاء وعلى رعايا تلك الدول .

وتعتبر الدولة الاتحادية نظاماًً قانونياً مركباً له خصائصة من وجهة نظر القانون الداخلى ومن وجهة نظر القانون الدولى .

1- ففى الناحية الداخلية : تتناول الدول الاعضاء عن جانب من سياتها الاقليمية للدول الاتحادية حكومة يطلق عليها اسم الحكومة الاتحادية لها سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولكن هذا لا ينفى أن الدول الاعضاء تحتفظ بحكوماتها. ويتولى الدستور الاتحادىتوزيع الاختصاصات بين الحكومات المحلية وبين الحكومة العليا التى تتبعها سائر الحكومات .

وهكذا يوجد ازدواج فى الانظمة القانونية لكل دولة اتحادية فمواطنو الاتحاد يتمتعون بجنسيتهم المحلية وبالجنسية الاتحادية . ولكل عضو فى الاتحاد اقليمه الخاص الذى يعتبر فى نفس الوقت جزاءاً من الاقاليم الاتحادى . ويحتفظ كل عضو بسلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية كما أن للاتحاد ايضاً سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية. وقرارات الحكومة الاتحادية تنفذ مباشرة فى أقاليم الدول الاعضاء.

2- أما من ناحية القانون الدولى : تعتبر الدولة الاتحادية شخصاً من أشخاص القانون الدولى العام بخلاف الدول الأعضاء التى لا يكون لها شخصية دولية . وتتولى الدول الاتحادية ادارة العلاقات الخارجية، ويترتب على ذلك ما يأتى :

( أ ) تتولى الدولة الاتحادية ...................... وعقد الصلح، وهى التى ...............

...........الاتحاد، وبهذه الطريقة تحتكر عملاً ...........

( ب ) تشرف الدولة الاتحادية اختصاص تبادل التمثيل الدبلوماسى، وتنضم للمنظمات الدولية، وتفقد الدول الأعضاء اختصاص ارسال وتلقى الممثلين الدبلوماسين، ولا يكون لها تمثيل مستقل فى المنظمات الدولية .

( جـ ) تتولى الدولة الاتحادية عقد المعاهدات، وتفقد الدول الأعضاء هذا الحق . فوفقاً للمادة الأولى من الفصل العاشر من دستور الولايات المتحدة لا يجوز للولايات عقد معاهدات فيما بينها أو مع الغير . وهذا الحكم مقرر أيضاً فى دستور الاتحاد السوفيتى وفى دستور المكسيك والارجنتين .

ومع ذلك تنص بعض الدساتير الاتحادية على حق الدول الأعضاء فى عقد بعض أنواع من المعاهدات وبصفة خاصة المعاهدات غير السياسية بشرط أن تكون متفقة مع السياسة العامة للاتحاد . فالمادة الثامنة من الدستور السويسرى مثلاً تجيز للدول الاعضاء أن تعقد المعاهدات المتعلقة بشئون الجوار والأمن .

ولما كان يترتب على تكوين الدولة الاتحادية انقضاء الشخصية الدولية للدول الأعضاء فانه من الواجب تقرير انقضاء المعاهدات التى سبق ارتباط هذه الدول بها قبل تكوين الدول الاتحادية . وهذه القاعدة ثابتة واكيدة بالنسبة لمعاهدات التحالف، فمن المقرر انقضاء معاهدات التحالف التى ترتبط بها الدول الأعضاء بمجرد قيام الدول الاتحادية، حيث أن السلطات الاتحادية وحدها هى التى تملك أعلان الحرب .

أما بالنسبة للمعاهدات والالتزامات الدولية الاخرى، فالغالب استمرار نفاذها طبقاً لقواعد الميراث الدولى التى سنوضحها فيما بعد .

( د ) ويثور البحث عن الموقف بالنسبة للمسئولية الدولية، ومن الطبيعى أن تسأل الدول الاتحادية عن الأعمال التى تصدر عنها . أما بالنسبة للأعمال التى تصدر عن الولايات فمن الواجب أيضاً اعتبار الدولة الاتحادية مسئولة عنها على اعتبار أن الولايات تخضع لهيمنتها ولاشرافها . فالدولة الاتحادية تسأل عن الأعمال غير المشروعة التى تصدر عن الولاية مع أنها لاتستطيع فى بعض الأحوال أن تمنع اصدارها، وهذا هو الحل الذى أخذت به محاكم التحكيم وأقره العرف الدبلوماسى .

أما إذا كان الفعل المولد للمسئولية الدولية مبناه اخلال احدى الدول الأعضاء بعقد أو بمعاهدة دولية فتلتزم التفرقة بين وضعين :

1-  اخلال ولاية بعقد أبرمته : وفى هذه الحالة لايمكن تقرير قاعدة عامة، ويمكن القول أن الدولة الاتحادية تسأل عن هذه العقود إذا كان لها اشراف وثيق على ابرامها . أما العقود التى تستقل الولاية بابرامها بدون اشراف ما من سلطات الدولة الاتحادية فلا تسأل عنها الأخيرة .

2-  اخلال ولاية بمعاهدة دولية، وهنا تفرقة بين فرضين :

( أ ) حالة اخلال ولاية بأحكام معاهدة عقدتها الحكومة الاتحادية وهنا تسأل الدولة الاتحادية عن أعمال الولاية .

( ب ) حالة اخلال ولاية بأحكام معاهدة أبرمتها بنفسها فى حدود اختصاصها الدستورى، وفى هذه الحالة أيضاً تترتب مسئولية الدولة الاتحادية .

أما إذا كانت الولاية قد أبرمت المعاهدة اخلالا بالدستور الاتحادى فيزيد الأمر صعوبة .

ومن الواضح أن الولاية تعتبر مسئولة أمام الدولة الاتحادية ولكن من الذى يسأل أمام الغير؟ يذهب الرأى الراجح إلى تقرير مسئولية الدولة  الاتحادية باعتبارها المهيمنة على العلاقات الخارجية، ونحن نميل إلى تقرير عدم مسئولية الدول الاتحادية فى مثل هذه الحالة لأن على الغير أن يتأكد من مدى اختصاص الولاية قبل أن تبرم معها معاهدة  ولكن هل يمكن مساءلةالولاية أيضاً رغم عدم اختصاصها بعقد المعاهدة؟ يقرر البعض مسئولية الولاية عن هذه المعاهدة لانفصال القانون الدولى عن القانون الداخلى . والراجح عدم امكان مساءلة الولاية دولياً لأن المسئولية علاقة تنشأ بين أشخاص القانون الدولى والولاية لاتتمتع بالشخصية الدولية .

تطور الاشكال التقليدية للاتحادات الدولية :

ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية أشكال مستحدثة من الاتحادات الدولية لا يمكن ادراجها فى التقسيمات التقليدية.

وإذا نظرنا إلى التجارب الاتحادية الحديثة وبصفة خاصة فى العالم العربى والاسلامى وفى أوربا نجد أنها تعطى أهمية خاصة للوحدة الاقتصادية والثقافية باعتبارها ركيزة أساسية للوحدة السياسية كما نلاحظ أنها تبتكر أنظمة مرنة تقوم على التوفيق بين مجموعتين من العناصر، الأولى موحدة والاخرى انفصالية، وهى عناصر توجد بالضرورة فى اطار كل اتحاد

( أ ) ونعنى بالعناصر الموحدة جميع العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تضغط لتحقيق التكامل بين مجموعة من الدول، ويتم ذلك عن طريق اخضاعها لقواعد وأجهزة مشتركة .

( ب ) ونشير بالعناصر الانفصالية إلى جميع العوامل المضادة التى تؤكد الذاتية الخاصة لكل دولة، وتعمل على تمييزها عن باقى الدول .

وحسبما يتم التفاعل بين هاتين المجموعتين من العوامل وفقاً لظروف الزمان والبيئة ويتميز كل اتحاد عن غيره، ويكون له شكله وأسلوبه الخاص فى التكامل وبصفة خاصة فى المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية .

السالفة الذكر عن طريق التوفيق بين الاختصاصات التى يحتفظ بها أعضاء الاتحاد وبين تلك التى تؤول إلى أجهزة اتحادية مشتركة .

وعلى هذا النحو ونتيجة للتوازن بين العوامل الموحدة والعوامل الانفصالية – ينشأ الاتحاد بالاتفاق الحكومى أو بالارادة الشعبية، وتتحدد اختصاصات وسلطات الاجهزة الاتحادية .

وتختلف درجة التوازن فى كل من الاتحادات الدولية تبعاً لاختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تحيط بأعضاء الاتحاد، وتدعوهم إلى التمسك باستقلالهم تارة، أو إلى التكامل مع غيرهم من الأعضاء تارة أخرى . فعندما تسود النزعة الانفصالية يكون الاتحاد ضعيفاً تحرص فيه الدول الأعضاء على الاحتفاظ بسيادتها الكاملة وبذاتيتها الاقتصادية والثقافية المستقلة وعلى النقيض من ذلك إذا تغلبت العوامل الاتحادية تنشأ دولة مركبة تختفى فيها الشخصيات الدولية للدول الأعضاء، أو على الاقل تفقد هذه الدول جانباً جوهرياً من سيادتها الوطنية .

ومن أمثلة الصراع بين العوامل الموحدة والعوامل الانفصالية ما يدور فى علاقات الدول العربيةمنذ استقلالها. فالقومية العربية، والتضامن فى مواجهة الخطر الخارجى، واحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعوب العربية – تدفع الشعوب العربية إلى التكامل أو الوحدة، وعلى النقيض من ذلك تعتبر الجنسيات المحلية، والمصالح الاقتصادية المحلية، والتمسك بأنظمة الحكم الخاصة عوامل انفصال تعمل على تأكيد السيادة الكاملة لكل دولة عربية. ولقد أدى ذلك إلى نشوء الجامعة العربية فى سنة 1945 كمنظمة اقليمية تقوم على احترام السيادة الكاملة للدول الأعضاء مع محاولة تحقيق تعاون اختيار فيما بينها. كما فشلت كل مشروعات الوحدة السياسية بين الدول العربية ومن بينها  الوحدة المصرية السورية سنة 1958 التى استمر حتى سنة 1961.

 

            ** ثانياً : الدول كاملة السيادة والدول ناقصة السيادة **

الوضع فى القانون الدولى التقليدى وفى ميثاق الأمم المتحدة :

جرى القانون الدولى التقليدى على التمييز بين الدول من حيث تمتعها بالسيادة على النحو الاتى :

( أ )الدولة كاملة السيادة :هى التى تملك مباشرة كافة الاختصاصات التى يعترف بها القانون الدولى العام للدولة، فهى تتصرف بحرية فى كافة شئونها الداخلية والخارجية دون أن تخضع لرقابة أو أشراف دولة أو دول أخرى . بعبارة أخرى هى الدولة المستقلة استقلالاً تاماً لا تشوبه شائبة فى الداخل أو الخارج .

وليس معنى سيادة دولة ما أنها تكون مطلقة التصرف فى ميدان العلاقات الدولية، بل يجب أن يكون مفهوما أن الدولة كاملة السيادة تخضع للقانون الدولى العام وللقيود الكثيرة التى يوردها ذلك القانون على حريتها فى التصرف . فلا تملك كاملة السيادة مثلاً القيام بحرب عدوانية ضد دولة أخرى، أو انتهاك الحقوق التى يعترف بها القانون الدولى للدول الأخرى.

( ب ) الدولة ناقصة السيادة : هى التى لاتتمتع بكافة اختصاصات الدولة الأساسية، ويكون ذلك فى العادة نتيجة تدخل دولة أو دول أجنبية فى شئونها ومباشرتها لبعض الاختصاصات . وتكون الدولة ناقصة السيادة فى حالة تبعية للدولة التى تشرف على بعض شئونها الداخلية أو الخارجية . وهكذا يدخل نظام نقص السيادة فى أطار الأنظمة الاستعمارية التى كان يعترف بها القانون الدولى التقليدى .

ونعتقد أن نقص سيادة دولة بسبب خضوعها لسيطرة أجنبية لايتمشى مع القانون الدولى المعاصر . فقد نصت المادة 2/1 من ميثاق الأمم المتحدة على المساواة فى السيادة بين الدول، ومعنى ذلك وجوب تصفية كل أوضاع نقص السيادة وكل مظاهر السيطرة الاجنبية . ومن الجدير بالذكر أن أكثر من نصف أعضاء الأمم المتحدة حصلوا على استقلالهم بعد الحرب العالمية الثانية ولهذا يحرصون على تأكيد مبدأ المساواة فى السيادة .

ومن هذا المنطق صدر قرار الجمعية العامة فى سنة 1960يدعو لتصفية الاستعمار بكل أشكاله وبمنح الاستقلال للشعوب والاقاليم التابعة . كما أكدت الجمعية العامة فى قرارها سنة 1971 بشأن برنامج العمل للتنفيذ الكامل لقرارها الصادر سنة 1960 أن السيطرة الاجنبية على الشعوب تهدد السلم والأمن الدولى، وتعرقل الودية بين الدول .

ويميز القانون الدولى التقليدى بين عدة أنظمة لنقص السيادة سنبينها فيما يلى :

 

1-   الحماية

 معنى الحماية وآثارها :

الحماية علاقة قانونية تربط دولة ضعيفة بدولة كبيرة، وتلتزم الدولة الحامية بالدفاع عن الدول المحمية، وفى مقابل ذلك يكون لها حق الاشراف على الشئون الخارجية للدولة المحمية، والتدخل فى ادارة اقليم تلك الدولة فى شئونها الاقتصادية . ويمكن التمييز بين شكلين من أشكال الحماية :

( أ ) الحماية الاتفاقية :

وهى تنشأ نتيجة اتفاق دولى بين الدولة الحامية وبين الدولة المحمية. ويحدد هذا الاتفاق – الذى يكون فى العادة نتيجة ضعط عسكرة للدولة الحامية على الدولة المحمية – مدى العلاقة بين الدولتين وحقوق والتزامات كل منهما . ومن أمثلة الحماية الاتفاقية خضوع

سان مارينو لحماية ايطاليا بموجب اتفاقيه ابرمت بين الدولتين فى 28 يونيو سنة 1898 وخضوع موناكو لحماية فرنسا بموجب اتفاقية ابرمت بينهما فى 17مايو سنة 1918 .

( ب ) الحماية المفروضة :

   هى الحماية التى تفرضها الدول الحامية على الأقليمن المحمية بدون اتفاق دولى صحيح.

وكانت تفرض فى العادة على الشعوب غير المسيحية التى لم تبلغ حظاً وافراً من المدنية .

ويتم فرض الحماية اما باعلان من الدولة الحامية أو باتفاق يتم بينها وبين رئيس قبيلة أو شيخ عشيرة، ولايمكن وصف هذا الاتفاق بأنه معاهدة دولية بالمعنى الصحيح لأن المعاهدات لاتكون الا بين الدول، والقبائل المشار إليها لا تعد دولا ولا تتمتع بالشخصية الدولية . وتلجأ الدولة إلى فرض حمايتها على الاقليم المحمى بدلا من أعلان ضمة إليها خوفاً من استثارة روح المقاومة الأهالى، ومن أمثلة الحمايات المفروضة الباقية حتى الآن الحماية البريطانية على جزر سولمان والحماية الهندية على سيكيم .

 

2- الدول والاقاليم التى تخضع لاشراف المنظمات الدولية :

 

نظام الانتداب فى عهد عصبة الأمم :

من أسس النظام الدولى الحالى اخضاع البلاد، التى لاتزال تحت السيطرة الاستعمارية ولم تصبح دولا مستقلة، لاشراف دولى، وأن هذا الاشراف الغرض منه النهوض بالاحوال الاقتصادية والاجتماعية للاقليم، والوصول به إلى الحكم الذاتى والاستقلال .

ولقد بدأت عصبة الأمم نظام الاشراف الدولى على المستعمرات بانشائها للانتدابات الدولية، ولكن نظام الانتداب لم يكن مقرراً لصالح كافة الأقليم والشعوب التى تخضع للسيطرة الاجنبية, بل اقتصر تطبيقه على مستعمرات الأعداء فى الحرب العالمية الاولى أى على الاقاليم التى انتزعت من تركيا . وهى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وشرق الاردن, وكذلك المستعمرات الالمانية وهى الكامرون وتوجو وتنجانيقا ورواندا أوروندى وجنوب غرب افريقيا وغينيا الجديدة وغرب ساموا وجزر ما ريانا وكارولينا ومارشال .

 

وقرر عهد عصبة الأمم أنه نظرا لان هذه البلاد مسكونة بشعوب غير أهل لان تحكم نفسها فى الظروف الحرجة التى كان يجتازها العالم بعهد الحرب الاولى, فانه يجب وضعها تحت اشراف بعض الدول المتقدمة التى يمكنها بحكم موقعها الجغرافى وتجاربها ومواردها أن تؤدى هذا الاشراف على الوجه الأكمل تحت رقابة عصبة الامم, وقرر العهد أن سعادة هذه الشعوب وتقدمها أمانة مقدسة فى عنق المدينة, وقام مجلس العصبة باختيار الدول التى تمارس الانتداب على كل اقليم . ومن الملاحظ أنه اختار الدول المنتصرة التى كانت تملك مستعمرات كانجلترا وفرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية وأضاف اليها استراليا ونيوزيلاند واليابان . وميز عهد عصبة الامم بين ثلاثة أنواع من الانتداب حسب درجة تقدم الاقليم ( انتدابات أ , ب , جـ ) . 

 

وحدد عهد عصبة الامم طريقة الرقابة على ادارة الدولة المنتدبة, فألزمها بتقديم تقرير سنوى لمجلس عصبة الامم, ويحيل المجلس هذا التقرير على لجنة خاصة هى لجنة الانتداب الدولية التى تقوم بفحصه وتبين المخالفات التى تكون قد أتتها الدول المنتدبة, و تشير بما تراه فى هذا الصدد . كما قرر مجلس العصبة فى سنة 1923 السماح لسكان الأقاليم الموضوعة تحت الانتداب بالتقدم بعرائض وشكاوى للجنة الانتداب .

 

ويحتفظ الاقليم الموضوع تحت الانتداب بكيانه المنفصل, فلا يخضع لسيادتها ولا يتجنس سكانه بجنسية تلك الدول الا اذا اختاروها بمطلق ارادتهم . وتقوم الدولة المنتدبة فقط بالاشراف على ادارة الاقليم أو بادارته فعلا تحت الاشراف الدلى الذى تمارسه عصبة الأمم.

 

الاشراف الدولى على الأقاليم غير المستقلة فى ميثاق الأمم المتحدة :

عالج ميثاق الامم المتحدة المشكلة الاستعمارية بأسلوب أكثر دقة من أسلوب عصبة الامم . ولقد ميز الميثاق بين نظامين وهما نظام الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى ونظام الاقاليم الموضوعة تحت الوصاية .

 

أولا : نظام الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى :

يشمل هذا النوع كافة المستعمرات التى تضمها دولة لأراضيها وتباشر عليها سيادتها المطلقة, وكذلك المحميات والاقاليم التابعة الاخرى عدا تلك الموضوعة تحت نظام الوصايا . ولقد كان القانون الدولى التقليدى لا يهتم بشئون الاقاليم التابعة الا من حيث تنظيم حركة الاستعمارية وتحديد قواعد الاستيلاء والفتح والضم والحماية .

 

 ولكن الاتجاه الحديث فى ميثاق الامم المتحدة يؤكد وجود التزامات دولية تتصل بادارة المستعمرات والاقاليم التابعة وبمستقبل شعوبها, فقد احتوى الفصل الحادى عشر من الميثاق على مجموعة من المبادئ فى هذا الشأن . فقررت المادة الثالثة والسبعون أن أعضاء الامم المتحدة الذين يتولون ادارة أقاليم لم تنل شعوبها الحكم الذاتى يعترفون بأن مصالح أهل هذه الاقاليم لها المقام الاول, ويقبلون الالتزام بالعمل على رفاهية أهلها .

 

كما بينت المادة الثالثة والسبعون أن الغرض من مباشرة الادارة فى الأقاليم التابعة يتلخص فيما يلى :

1-  كفالة تقدم شعوبها فى شئون السياسية والاقتصاد والاجتماع والتعليم مع مراعاة ثقافة الشعوب .

2-  انماء الحكم الذاتى, وتقدير الأمانى السياسية لشعوب تلك الاقليم ومعاونتها على انماء نظمها السياسية الحرة .

3-  توطيد السلم والأمن الدولى .

 

كما وافقت الدول الاعضاء فى المادة الرابعة والسبعين على أن تكون سياتهم ازاء هذه الاقاليم, مؤسسة على مبدأ حسن الجوار, مع مراعاة مصالح بقيمة أجزاء العالم .

ومع أن الميثاق وقف عند حد تقرير المبادئ ولم ينظم الرقابة على تصرفات الدول فى الأقاليم التابعة لها فيما عدا تلك الموضوعة تحت نظام الوصايا الا أن عرف الامم المتحدة أكد وجود هذه الرقابة .

وتمارس الأمم المتحدة رقابتها على الادارة فى المستعمرات والاقاليم التابعة بوسيلتين :

 

( أ ) رقابة مجلس الامن :

إذا ترتب على ادارة الدولة لاقليم تابع لها بطريقة تخالف مصالح سكانه أخلال بالسلم أو بالأمن الدولى كان لمجلس الأمن أن يتدخل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحدى الدول أو الجمعية العامة . ومن أمثلة ذلك تدخل مجلس الأمن لبحث الاحوال فى المستعمرات البرتغالية فى أفريقيا وهى أنجولا وموزمبيق وغينيا بيساو .

 

( ب ) رقابة الجمعية العامة :

1-  حماية مصالح سكان الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى :

ترسل الدول الأعضاء التى تتولى ادارة أقليم غير متمتعة بالحكم الذاتى إلى الأمين العام للأمم المتحدة معلومات عن الاحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاصة بالاقاليم التابعة لها ذلك بالتطبيق للمادة 73 ( هـ ) من الميثاق .

وقد أنشات الجمعية العامة لجنة المعلومات عن الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى لكى تقوم بدراسة المعلومات التى تصلها من الدول وتقدم تقريراً عنا للجمعية العامة .

ولقد نجحت الجمعية العامة فى فرض رقابة مستمرة على تصرفات الدول الاستعمارية فى مستعمراتها ، ورفضت الجمعية جميع الدفوع الخاصة باعتبار أن هذه التصرفات تتعلق بصميم الاختصاص الداخلى للدول الأعضاء وفقاً للمادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة . فأصدرت قرارات بشأت روديسيا رغم أدعاء بريطانيا بأن روديسيا تتمتع بالحكم الذاتى، كما أصدرت قرارات عديدة بشأن أنجولا وموزمبيق رغم ادعاء البرتغال بأنهما يعتبران من الاراضى البرتغالية .

 

2-  تصفية الاستعمار

حدث تحول كبير فى موقف الأمم المتحدة من الاستعمار منذ 1960، فلم يعد الأمر قاصراً على تطبيق أحكام الفصل الحادى عشر من الميثاق لضمان مصالح المستعمرات ولمنحهم الحكم الذاتى، بل اتجهت الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار بصورة شاملة . فلقد أصدرت  الجمعية العامة فى 14ديسمبر 1960 الأعلان الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة . وأكد الاعلان أن خضوع شعب للسيطرة الاجنبية والاستغلال يعتبر مخالف لحقوق الانسان وخطراً على سلام العالم وعلى التعاون الدولى. وطالبت الجمعية بوقف جميع اجراءات القمع الموجهة ضد الشعوب المستعمرات وضمان حقهم فى أن يتمتعوا بالاستقلال . كما طالبت الدول التى تدير المستعمرات بأن تتخذ الخطوات الازمة لتسليم السلطة لشعوب هذه المستعمرات . وأكدت الجمعية العامة فى قرار آخر فى سنة 1961 ضرورة تنفيذ الاعلان الصادر سنة 1960وأنشأت تصفية الاستعمار للعمل على تطبيق الاعلان عن طريق الاتصال بالدول القائمة بالادارة، وعن طريق قبول العرائض الشفوية والمكتوبة من سكان المستعمرات، بالاضافة إلى ترتيب زيارات لدراسة الاحوال فى كل اقليم .

  ولقد نجحت شعوب المستعمرات فى الحصول على استقلالها تدريجياً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتحطمت بذلك الامبراطوريات الاستعمارية الفرنسية والبريطانية والبرتغالية والبلجيكية والاسبانية .

ومع ذلك لاتزال بعض الاقاليم التى خضعت للاستعمار محرومة من حقها فى تقرير المصير وذلك على النحو التالى :

 

( أ ) روديسيا ( شعب زمبابوى ) :

فشلت بريطانيا فى الوفاء بالتزاماتها المقررة فى الفصل الحادى عشر ميثاق الأمم قبل شعب زمبابوى الافريقى . فقد استطاعت أقلية من المستوطنين البيض فى مستعمرة روديسيا البريطانية السيطرة السياسية والاقتصادية على الاغلبية الافريقية وأعلنت استقلال روديسيا فى سنة 1965 من جانب واحد وبدون موافقة بريطانيا . ولقد عارضت الجمعية العامة للأمم المتحدة استقلال روديسيا دون توافر حكم الاغلبية الافريقية وطلبت من الدول الاعضاء عدم الاعتراف باستقلال روديسيا, كما طلبت من المملكة المتحدة أن تتخذ اجراءات, لمنح هذا الاستقلال ولنقل السلطة لشعب زمبابوى .

 

وبناء على توصية من الجمعية العامة قام مجلس الأمن بفرض جزاءات اقتصادية على حكومة روديسيا العنصرية وقرر منع كل وسائل النقل من الذهاب اليها . كما أدانت منظمة الوحدة الافريقية حكومة روديسيا وطلبت من أعضائها تقديم المساعدات لحركات التحرير التى تقاوم الحكومة العنصرية وتطالب بتسليم السلطة الى حكومة تمثل الاغلبية السوداء .

 

(ب) الأقاليم الاخرى :

تطالب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصفية الاستعمار من باقى الاقاليم غير المستقلة وهى تنحصر الآن فى عدد من الجزر التابعة للولايات المتحدة الأمريكية فى المحيط الهادى والكاريبى . أما بالنسبة للوضع فى جنوب افريقية فان الجمعية العامة للأمم المتحدة تعالجه ضمن موضوعات التفرقة العنصرية رغم أوجه الشبه الكبيرة بينه وبين الوضع فى روديسيا .

 

ثانيا : نظام الوصاية :

خضعت بعض الاقاليم غير المستقلة لنظام الوصاية أنشأه الفصل الثانى عشر من ميثاق الأمم المتحدة بقصد العمل على ترقية أهالى الاقاليم المشمولة بالوصاية فى أمورالسياسة الاجتماعية والاقتصاد والتعليم, واطرد تقدمها نحو الحكم الذاتى أو الاستقلال .

 

وتنقسم الاقاليم التى ينطبق عليها نظام الوصاية إلى ثلاث فئات :

1-  الاقاليم التى كانت مشمولة بالانتداب وقت صدور ميثاق الامم المتحدة .

2-  الاقاليم التى اقتطعت من بعض الدول نتيجة للحرب العالمية الثانية .

3-  الاقاليم التى تضعها فى الوصاية بمحض اختيارها دول مسئولة عن ادارتها .

ويتم تحديد الاقاليم التى توضع تحت الوصاية بواسطة اتفاقات تعقد بموافقة الدول التى يعنيها الأمر . ويحدد اتفاق الوصاية الشروط التى يدار بمقتضاها الاقاليم ويعين السلطة التى تباشر الوصاية .

واذا كانت الوصاية تتعلق بأقاليم يعتبرها مجلس الأمن استراتيجية . فان مجلس الامن هو الذى يباشر جميع وظائف الامم المتحدة فيما يتعلق بها .

وتباشر الجمعية العامة وظائف الامم المتحدة فيما يختص باتفاقات الوصاية على الاقاليم الاخرى .

 

تطبيق الوصاية على الاقاليم التى كانت تخضع للانتداب :

قررت الجمعية العامة بتاريخ 9 فبراير سنة 1946 دعوة الدول التى تتولى ادارة أقاليم خاضعة لنظام الانتداب لكى تقدم مشروعات لاتفاقيات الوصاية التى ستحل محل الانتداب .

 

1-  عدم تطبيق الوصاية على الأقاليم التى كانت تخضع لانتداب (أ) :

ومن الثابت أن جميع الدول التى كانت تخضع لانتداب (ا) قد استقلت أو انتهى الانتداب عليها قبل أو بعد الحرب العالمية الثانية, فلم ينطبق عليها نظام الوصاية . وذلك على التفصيل الآتى :

 

(أ‌)         العراق : انتهى الانتداب البريطانى على العراق بموجب معاهدة التحالف التى عقدت بين الدولتين بتاريخ 30 يونيو سنة 1930, وأصبح العراق دولة مستقلة وانضمت إلى عصبة الأمم فى سنة 1932 .

(ب‌)   سوريا ولبنان : كانت سوريا ولبنان فى بداية الحرب العالمية الثانية تحت سيطرة حكومة فيشى المتعاونة مع ألمانيا . وفى 8 يونيو سنة 1941 دخلت قوات فرنسا الحرة والقوات البريطانية الأراضى السورية واللبنانية, وأصدر القائد الفرنسى الجنوال كاترو تصريحا باسم الجنرال ديجول بتاريخ 27 سبتمبر سنة 1941 أعلن فيه استقلال سوريا ولبنان .

وحينما انتهت الحرب العالمية الثانية سنة 1945 تبين أن فرنسا لم تكن جادة فى تصريحها فتأخرت فى سحب قواتها .

ولكن سوريا ولبنان كانتا قد انضمتا للأمم المتحدة, فرفعت الدولتان الأمر لمجلس الامن بتاريخ 14 فبراير سنة 1946 طالبتين جلاء القوات الاجنبية عن أراضيهما تؤيدهما فى ذلك دول جامعة الدول العربية, ويساعدهما التنافس الانجليزى والفرنسى الذى كان موجودا آنذاك .

لقد انتهى الامر بابرام اتفاق فرنسى انجليزى فى باريس فى 6 مارس سنة 1946 تم بمقتضاه جلاء قوات الدولتين عن سوريا ولبنان قبل آخر أغسطس سنة 1946 .

 

(جـ) شرق الأردن :انتهى الانتداب البريطانى على امارة شرق الاردن بمقتضى المعاهدة وقعت بين الدولتين بناريخ 15 مارس سنة 1948, وأصبح شرق الاردن مملكة مستقلة وأطلقت على نفسها اسم الاردن بعد أن ضمت لاقليمها جزءا من أرض فلسطين الواقعة غرب نهر الأردن ومدينة القدس القديمة .

 

(د) فلسطين : كان الانتداب البريطانى على فلسطين بداية لاضطراب خطير فى الشرق الاوسط .

فقد احتوى صك الانتداب على فلسطين الذى أقره مجلس عصبة الأمم فى سنة 1922 على نصوص متعارضة يصعب التوفيق بينها. فمن ناحية تقرر وضع فلسطين تحت انتداب حرف (أ) الذى يفترض أن الشعب الفلسطينى وصل الى مرحلة من التقدم تسمح بالاعتراف بوجوده كأمة مستقلة تقوم بريطانيا, بصورة مؤقتة, بمعاونتها فى مجال الادارة والحكم بالتطبيق لنص المادة 22 من عهد عصبة الأمم .

 

ومن ناحية أخرى تضمن صك الانتداب الموافقة على انشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين . وعلى أن تقوم بريطانيا بوضع البلاد فى أحوال سياسية واقتصادية تضمن انشاء الوطن القومى اليهودى وذلك بشرط عدم الحاق الضرر بحقوق ووضع جميع فئات الاهالى من غير اليهود . وهكذا تبنى صك الانتداب نصوص وعدم بلفور الذى أصدرته بريطانيا فى 2 نوفمبر سنة 1917 وأعلنت فيه أنها ستبذل أقصى جهودها لانشاء وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين . وهو أمر لا يتمشى مع التزامات عصبة الأمم قبل الشعب الفلسطينى بالتطبيق للمادة 22 فى عهد عصبة الامم .

 

وفى خلال فترة الانتداب مارست بريطانيا سياسة انشاء الوطن القومى اليهودى ومن أبرز مظاهرها السماح باهجرة اليهودية الى فلسطين,وتسهيل انتقال ملكية الأراضى للسكان اليهود, ودعم النفوذ السياسى للوكالة اليهودية فى فلسطين, كما لم تنشىء بريطانيا حكومة فلسطينية تتمتع بالحكم الذاتى وتجمع بين العرب واليهود فى اطار دولة واحدة .

 

ورغم المقاومة العربية والثورات الفلسطينية المتكررة فقد بدا واضحا أن بريطانيا تتجه  نحو تقسيم فلسطين الى دولتين احداهما عربية والاخرى اسرائيلية وأن السياسة تلقى تأييد الدول الخمس الكبرى باعتبار أنها تمثل من وجهة نظرها الحق الامثل للصراع العربى الاسرائيلى .

ولكن تخفف بريطانيا من مسئوليتها عن اتخاذ مثل هذا القرار طلبت فى 2 أبريل سنة 1947 دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لدورة غير عادية لمناقشة المشكلة الفلسطينية, وأعلنت أنها ستتنازل عن انتدابها على فلسطين فى 15 مايو سنة 1948 . وفى 29 نوفمبر سنة 1947 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار بتقسيم فلسطين الى دولتين احداهما عربية والاخرى يهودية مع اقامة نظام دولى خاص لمدينة القدس . وأعلنت اسرائيل وجودها كدولة حينما انتهى الانتداب البريطانى فى 15 مايو سنة 1948 . ولقد تدخلت مصر والدول العربية الاخرى عسكريا لمنع اقامة الدولة اليهودية ودار صراع مسلح انتهى بتدخل مجلس الأمن لوقف القتال فى 29 مايو سنة 1948, وفى 15 يوليو سنة 1948 . كما تم ابرام اتفاقيات الهدنة سنة 1949 تحت اشراف وسيط الأمم المتحدة المستر بانش بين اسرائيل وكل من مصر, والاردن, ولبنان, وسوريا .

 

ولكن هدنة رودس لم تؤد الى قيام السلام فقد رفضت الدول العربية قرار التقسيم واتخذت اسرائيل من ذلك ذريعة للتوسع الاقليمى . ونشبت حروب منذ ذلك التاريخ ثلاثة حروب أخرى فى 1956 وفى سنة 1967 وفى سنة 1973 بين مصر واسرائيل انتهت جميعها بقرارات من مجلس الأمن بوقف القتال وباقامة سلام عن طريق التفاوض بين الاطراف المتنازعة .

 

2-  تطبيق الوصاية على الأقاليم التى كانت تخضع لانتدابات ب , جـ :

 أما فيما يتعلق بالأقاليم التى كانت خاضعة للانتداب ب , جـ فقد تمت الموافقة على اتفاقات الوصاية التى وضعت كافة هذه الأقاليم تحت الوصاية فيما عدا اقليم جنوب غرب أفريقيا ناميبيا الذى سنتكلم عنه فيما يلى :

 

مشكلة ناميبيا ( اقليم جنوب غرب افريقيا ) :

1-  تعذر وضع ناميبيا تحت الوصاية :

خضع اقليم ناميبيا الذى كان يعرف فى الماضى باسم اقليم جنوب غرب افريقيا لانتداب حرفا (جـ), ووافق مجلس العصبة فى 17 ديسمبر سنة 1920 على أن يكون الانتداب على هذا الاقليم لاتحاد جنوب افريقا .

وقد أبدى وفد اتحاد جنوب افريقيا بعض التحفظات بخصوص حالة جنوب غرب افريقيا وذلك عند صياغة النصوص المتعلقة بنظام الوصاية فى مؤتمر سان فرنسيسكو سنة 1945 الذى أقر ميثاق الأمم المتحدة . وذكر الوفد أنه نظرا لكون هذا الاقليم قد أدير كجزء من اتحاد جنوب افريقيا لمدة خمسة وعشرين عاما, ولقلة عدد سكانه فلا أمل له فى أن يتمتع بكيان قانونى مستقل .

كما أبدى وفد اتحاد جنوب افريقيا, أثناء دورة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 1946 عزم بلاده على ضم جنوب غرب افريقيا لاقليمها . ولم تقبل الجمعية العامة هذا الطلب وأوصت باخضاع الاقليم للوصاية الدولية. ولكن اتحاد جنوب افريقيا رفض هذه التوصصية وامتنع عن وضع جنوب غرب افريقيا تحت وصاية الأمم المتحدة اذ اعتبره جزءا لا يتجزأ من جنوب افريقيا .

وتفاقم الخلاف بين الامم المتحدة واتحاد جنوب افريقيا بسبب امتناع اتحاد جنوب افريقيا عن تقديم أى تقرير عن ادارته لجنوب افريقيا, وامتداد سياسة التفرقة العنصرية الى هذا الاقليم .

وقررت الجمعية العامة فى سنة 1949 أن تطلب من محكمة العدل الدولية رأيا استثاريا فى النقط الآتية :

1-  عما إذا كانت الالتزامات – المفروضة على اتحاد جنوب اقريقيا بمقتضى الانتداب الممنوح له فى جنوب غرب افريقيا – قائمة ؟ وما مدى تلك الالتزامات؟

2-  هل تنطبق النصوص الخاصة بالوصايا فى ميثاق الأمم المتحدة على جنوب غرب أفريقيا ؟ وما طريقة تطبيقها ؟

3-  هل يستطيع اتحاد جنوب أفريقيا تغيير النظام الموضوع لجنوب غرب أفريقيا ؟ وإذا لم يكن ممكنا فمن صاحب الاختصاص فيما يتعلق بتعديل ذلك النظام ؟

وفى 11 يولية سنة1950 أصدرت المحكمة رأيا استشارياً أجابت فيع على الجمعية العامة للأمم المتحدة على الوجة الآتى :

1-  ذكرت المحكمة أن جنوب غرب أفريقيا لايزال يخضع لنظام دولى له أساس اقليمى هو نظام الانتداب الممنوح لاتحاد جنوب أفريقيا منذ 17 ديسمبر سنة 1920. فلجنوب غرب أفريقيا وضع دولى مستقل عن ارادة الدول وعن القوانين الوطنية، وتستمد أحكامه من النادة الثانية والعشرين من عهد عصبة الأمم ومن نصوص الانتداب .

ومقتضى استمرار هذا الوضع الدولى بقاء الالتزامات المتعلقة بادارة الاقليم وبالخضوع للرقابة الدولية رغم انتهاء عصبة الأمم .

وتباشر الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقابة بمقتضى نص المادة العاشرة من ميثاق الأمم المتحدة الذى يعطيها حق مناقشة أية مسألة أو أمر مما يدخل فى نطاق الميثاق أو يتصل بسلطات فروع الأمم المتحدة .

2-  انه من الممكن وضع اقليم جنوب غرب أفريقيا تحت نظام الوصاية الدولية، ولكن لا يوجد التزام دولى فى هذا الشأن، وللدولة صاحبة الانتداب الحرية فى ابقاء الانتداب أو احلال نظام الوصاية .

3-  ان اتحاد جنوب أفريقيا لا يملك بمفرده تعديل النظام الموضوع لجنوب غرب أفريقيا،أم الذى يملك هذا الحق فهو اتحاد جنوب أفريقيا بالاشتراك مع هيئة الأمم المتحدة .

وعقب ابلاغ الجمعية العامة بالرأى الاستشارى الذى أصدرته محكمة العدل الدولية، قررت الجمعية فى 31 ديسمبر سنة 1950 وجوب وضع اقليم جنوب غرب أفريقيا تحت الوصاية، ولكن جنوب أفريقيا استمر يرفض توصيات الجمعية العامة .

ومنذ انشاء لجنة تصفية الاستعمار سنة 1961، قامت اللجنة بمجهودات متواصلة لانهاء سيطرة جنوب أفريقيا على شعب ناميبيا .

كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات متكررة تؤيد فيها توصيات لجنة تصفية الاستعمار بالنسبة لشعب ناميبيا وتلفت نظر مجلس الأمن إلى خطورة الوضع فى أقليم جنوب غرب أفريقيا

2-  حكم محكمة العدل الدولية فى قضية جنوب غرب أفريقيا :

قرر مؤتمر الدول الافريقية المستقلة الذى عقد فى أديس أبابا سنة1960 أن تقوم أثيوبيا وليبريا وهما من الدول التى كانت أعضاء فى عصبة الأمم برفع دعوة على حكومة جنوب أقريقيا أمام محكمة العدل الدولية، على أساس أن المادة 7 من وثيقة الانتداب تعطى اختصاصاً الزامياً لمحكمة العدل الدولية الدائمة فى المنازعات المتعلقة بتطبيق نظام الانتداب، كما أن المادة 37 من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية تمنحها اختصاص نظر المسائل التى كانت تدخل فى اختصاص محكمة العدل الدولية الدائمة .

ورفعت الدولتان الدعوى على جنوب أفريقيا أمام المحكمة بتاريخ4 نوفمبر سنة 1960 على أساس أنه أخل بالتزاماته المتعلقة بالانتداب، وهى الالتزامات الواردة فى المادة 22 من عهد عصبة الأمم وفى قرار مجلس العصبة الصادر فى 31 يناير سنة 1923 بشأن قبول عرائض من الاقاليم الخاضعة للانتداب .

وذكرت الدولتان أن جنوب أفريقيا يمارس الأعمال الآتية المخالفة للانتداب؛ أتباع سياسة التفرقة العنصرية، اصدار قوانين تحكمية، مخالفة حقوق الانسان، الامتناع عن تقديم تقارير عن الأحوال فى الاقليم، تغيير الوضع الدولى للاقليم، منع سكان الاقليم من الشكوى للأمم المتحدة .

ولقد اعترضت جنوب أفريقيا على أختصاص المحكمة بنظر هذه الدعوى وذكرت أن وثيقة الانتداب ليست معاهدة دولية، وأن الاختصاص الالزامى للمحكمة لايمكن تقريره الا بموجب معاهدة دولية، كما بينت أن رفع الدعوى يجب أن يتم بواسطة أعضاء عصبة الأمم وأن هذه المنظمة قد انتهى وجودها، وأضافت أنه لا يوجد لأى من المدعين مصلحة مباشرة فى الدعوى، كما أنهم قاموا برفعها دون أن يستنفدوا الحلول الدبلوماسية التى تتطلب اجراء مفاوضات سابقة .

 ورفضت المحكمة الدفع بعدم اختصاصها بحكم صدر سنة 1962 .

أما بالنسبة للموضوع فقد رفضت المحكمة فى سنة 1966 دعوى أثيوبيا وليبريا على أساس أنهما لم يستطيعا اقامة الدليل على حقوق ومصالح قانونية مباشرة، وأن أعضاء عصبة ألأمم لا يملكون حق رفع دعاوى ضد السلطات القائمة بالانتداب دون وجود مثل هذه الحقوق .

وقد تعرض الحكم المذكور لنقد شديد نظرأ لأنه يتجاهل الآراء الاستشارية الصادرة من المحكمة، فضلاً عن أن المحكمة حينما رفضت الدعوى على أسس قانونية مشكوك فيها قد أعطت تأييداً غير مباشر لسياسة التفرقة العنصرية .

 2- انهاء انتداب جنوب أفريقيا على ناميبيا :

أصدرت الجمعية العامة قراراً فى 27 أكتوبر سنة 1966 أنهت فيه انتداب جنوب أفريقيا على ناميبيا، وبين القرار أن ممارسة جنوب أفريقيا لسياسة التفرقة العنصرية فى ناميبيا تعتبر اخلالاً بنظام الانتداب، وأن حقها فى ادارة الاقليم يكون قد انتهى، وتصبح ادارته من مسئولية الأمم المتحدة، وشكلت الجمعية مجلساً خاصاً ليتولى مسئولية الادارة .

واعترف مجلس الأمن بانتهاء انتداب جنوب أفريقيا فى عدد من القرارات أهمها قرار 30يناير سنة 1970وقام مجلس الأمن فى 29يوليو سنة 1970 بطلب رأى استشارى من محكمة العدل الدولية حول الآثار القانونية لاستمرار وجود جنوب أفريقيا فى ناميبيا رغم انهاء انتدابها بموجب قرار مجلس الأمن فى 30يناير 1970.

ولقد اعترفت محكمة العدل الدولية فى رأيها الاستشارى الصادر فى 21 يونيو سنة 1971بسلطة مجلس الأمن فى اصدار قرارات تلزم كل أعضاء الأمم المتحدة خارج نطاق الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، كما قررت المحكمة التزام أعضاء الأمم المتحدة بالامتناع عن أى عمل أو تعامل مع حكومة جنوب أفريقيا يتضمن الاعتراف بوجودها وادارتها لناميبيا أو يساعدها على ذلك .

وأكد مجلس الأمن فى قراره الصادر فى 4فبراير سنة 1972 خلال اجتماعه فى أفريقيا ضرورة استقلال ناميبيا، كما طالب مجلس الأمن ابتداء من سنة 1976 باجراء انتخابات حرة فى ناميبيا تحت اشراف الأمم المتحدة .

تطبيق الوصايا على مستعمرات الاعداء فى الحرب العالمية الثانية :

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر سنة 1949 قراراً أوصت فيه بالآتى بالنسبة للمستعمرات التى تم اقتطاعها من الاعداء فى الحرب العالمية الثانية .

 

1-  الصومال :

تقرر اعتبار الصومال دولة مستقلة ذات سيادة، على أن يصبح استقلاله فعلياً بعد مضى عشر سنوات من تاريخ موافق الجمعية العامة على اتفاق الوصاية، وفى أثناء فترة العشر سنوات يوضع الصومال تحت وصاية أيطاليا . ويساعد مجلس استشارى مكون من كولومبيا، ومصر، والفلبين، ويكون مقره مقاديشو . ولقد تم توقيع اتفاق الوصاية مع أيطاليا فى 2 ديسمبر سنة 1952 واستمرت وصاية ايطاليا عشر سنوات أصبح بعدها الصومال مستقلاً .

 

2-  ليبيا :

تقرر اعتبار ليبيا – وهى تتكون من برقة وطرابلس وفزان – دولة مستقلة ذات سيادة على أن يصبح استقلالها فعلياً فى تاريخ لا يتجاوز أول يناير سنة 1952 . ولمساعدة ليبيا على وضع دستور يحدد نظام الحكم، وعلى تكوين حكومة مستقلة، يعين فى ليبيا مندوب للأمم المتحدة ويعاونه مجلس مكون من مصر والولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وايطاليا والباكستان والمملكة المتحدة، وممثل عن كل منطقة من مناطق ليبيا وعن الأقليات .

وحينما استقلت ليبيا فى أول يناير سنة 1952 أبرمت معاهدة مع بريطانيا سمحت فيها باقامة قوات بريطانية فى برقة وطرابلس مقابل تقديم معونة سنوية بريطانية للحكومة الليبية 0

وأبرمت ليبيا معاهدة مع الولايات المتحدة فى سنة 1954، وبمقتضاها قدمت الولايات المتحدة معونة مالية لليبيا مقابل استخدام بعض القوات العسكرية فى برقة وطرابلس .

 

3- اريتريا :

أما فيما يتعلق بأريتريا فقد قررت الجمعية العامة تأليف لجنة مهمتها التعرف على آراء وأمانى سكان أريتريا، وعلى ضوء التقارير المقدمة من اللجنة قررت الجمعية العامة بتاريخ 2 ديسمبر سنة 1950 أن تكون أريتريا وحدة ذاتية تملك ادارة شئونها الداخلية، ولكنها تدخل مع أثيوبيا فى أتحاد وتخضع لسيادة أثيوبيا . ويعارض الارتريون هذا القرار.

 

رقابة الأمم المتحدة وحقوق السيادة فى الأقاليم الخاضعة للوصايه :

يقوم مجلس الوصاية بمساعدة الجمعية العامة أو مجلس الأمن فى القيام بوظائفها فيما يتعلق بالاقاليم الموضوعة تحت الوصاية . ويتألف هذا المجلس من أعضاء الأمم المتحدة الآتى بيانهم :

( أ ) الأعضاء الذين يتولون ادارة أقاليم مشمولة بالوصاية .

( ب ) من لا يتولى من الدول العظمى الخمس ادارة أقاليم مشمولة بالوصاية .

( جـ ) ويجوز تعيين أعضاء آخرين فى المجلس إذا كان ذلك ضرورياً لكى لا يقل عدد الدول التى لا تباشر وصاية عن عدد تلك التى تباشر الوصاية .

ويختص مجلس الوصاية بالنظر فى المسائل الآتية تحت اشراف الجمعية العامة أو مجلس الأمن :

( أ ) ينظر فى التقارير التى ترفعها السلطة القائمة بالادارة .

( ب ) يقبل العرائض من سكان الاقاليم ويفحصها بالتشاور مع السلطة القائمة بالادارة. ويعتبر حق سكان الاقاليم الموضوعة تحت الوصاية فى التقدم بالشكوى لمجلس الوصاية من أهم التطورات فى ميدان العلاقات الدولية . ولعل هذه الصور الوحيدة التى سمح فيها ميثاق الأمم المتحدة للأفراد بالاتصال بالأمم المتحدة وليس عن طريق دولة من الدول .

( جـ ) ينظم زيارات دورية للأقاليم المشمولة بالوصاية فى أوقات يتفق عليها مع السلطة القائمة بالادارة اقليم مشمول بالوصاية فى الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وتقوم السلطة القائمة بالوصاية بالرد على هذه الاسئلة فى تقريرها السنوى .

ولا يترتب على اخضاع اقليم لوصاية الأمم المتحدة منح السيادة عليه للدولة التى تباشر الوصاية . بل يكون لها فقط الحق فى ادارة الاقليم وفق شروط الوصاية وبدرجة تختلف تبعاً لدرجة تقدم سكان كل اقليم . كما أن الاقاليم المشمولة بالوصاية لا يخضع لسيادة الأمم المتحدة لان المنظمات الدولية لا تتمتع بسيادة اقليمية، وهى تمارس نوعاً من الاشراف على هذه الاقاليم لصالح شعوبها وهذه الشعوب هى صاحبة السيادة على تلك الاقاليم، على أن تظل هذه السيادة موقوفة لحين استقلال الاقليم

ولقد نجح نظام الوصاية فى تحقيق أهدافه، ولا أدل على ذلك من أن جميع الاقاليم التى خضعت لنظام الوصاية قد استقلت، فيما عدا بعض جزر المحيط الهادى الخاضعة لوصاية الولايات المتحدة الامريكية .

        

                                 3- الاقاليم التى تخضع لنظام التدويل

تخضع بعض الاقاليم لادارة دولية بموجب معاهدات جماعية . ولقد طبق نظام التدويل عقب الحرب العالمية الأولى على ميناء دانتزج وعلى أقليم السار . وسوف نكتفى بعرض أنظمة التدويل التى ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية فى كل من تريستا والقدس.

تريستا :

تم ضم تريستا لايطاليا بعد الحرب العالمية الأولى . ولما هزمت ايطاليا فى الحرب العالمية الثانية، قررت المواد 21،22 من معاهدة الصلح التى وقعت مع ايطاليا فى 10فبراير سنة 1948 أن تكون تريستا اقليماً حراً تحت ادارة دولية .

ولقد تعطل تنفيذ النظام الدولى نتيجة لتعذر اتفاق الدول الكبرى على حاكم لتريستا وللتنافس بين ايطاليا ويوجوسلافيا حول السيادة على تريستا .

وتم تعديل نظام تريستا باتفاق عقد فى لندن فى أكتوبر سنة 1954بين ممثلى حكومة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ويوجوسلافيا وايطاليا .

 

ويتضمن الاتفاق الاحكام الآتية :

1-  قسمة منطقة تريستا : أقر الاتفاق قسمة منطقة تريستا إلى قسمين، وقرر ضم المنطقة ( أ ) وهى التى تشمل مدينة تريستا إلى ايطاليا بعد انسحاب القوات البريطانية والأمريكية منها، وضم المنطقة ( ب ) إلى يوجوسلافيا .

2-  ميناء تريستا : وافقت حكومة ايطاليا على اعتبار ميناء تريستا ميناء حراً بمعنى عدم استطاعتها فرض رسوم جمركية على السلع التى تمر به، ولهذه الحرية أهمية بالنسبة ليوجوسلافيا .

3-  حماية الاقليات : تضمن الاتفاق الزام كل من ايطاليا ويوجوسلافيا باحترام حقوق الانسان وبعدم التمييز العنصرى وبحماية حقوق الأقليات، ولم يهمل الاتفاق رغبات الاهالى فأجاز هجرتهم إلى أى من القسمين حسب مشيئتهم فى خلال عام من توقيع الاتفاق ( م8 ) .

 

مشروع تدويل القدس :

بموجب قرار تقسيم فلسطين الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر سنة 1947 وقرارين لاحقين صدرا فى 11 ديسمبر سنة 1948 وفى 9 ديسمبر سنة 1949 تم وضع نظام للادارة الدولية لمدينة القدس نظراً لاحتوائها على الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحين واليهود . ويشمل النظام الدولى مدينة القدس بأكملها بما فيها من أحياء قديمة وحديثة والقرى المحيطة بها والتى تشكل معها وحدة واحدة .

لقد تقرر أن تكون القدس تحت السيادة الجماعية للأمم المتحدة، ويكون مجلس الوصاية مسئولا عن ادارتها، ويعين مجلس الأمن حاكماً للمدينة المقدسة يعاونة مجلس تشريعى يتكون من أربعين عضوا، وتوضع القدس فى حالة حياد دائم، ويكون لسكانها رعوية خاصة .

ولكن النظام الدولى للقدس لم ير الحياة، وبيان ذلك أن مجلس الوصاية قد قام بوضع مشروع لهذا النظام تمهيداً لعقد اتفاق دولى بشأنه، ولكن هذا المشروع تعذر اقراره بواسطة الجمعية العامة نتيجة لمعارضة كل من البلاد العربية واسرائيل لتدويل القدس .

وظل القسم القديم من القدس تابعاً للأردن وهو الجزء الذى يحتوى على الأماكن المقدسة، أما القسم الحديث فقد خضع لاسرائيل منذ نشوئها سنة 1948 . وفى 7يونيو سنة1967 احتلت اسرائيل مدينة القدس بأكملها فى أعقاب حرب سنة 1967 .

وفى 28يونيو سنة 1967 اتخذت اسرائيل تدابير لتوحيد القدس تحت الادارة الاسرائيلية ولاعلانها عاصمة لاسرائيل . ولقد اعترضت الجمعية العامة للأمم المتحدة على التدابير الاسرائيلية فى القدس، وقررت فى 4يوليو سنة 1967 وفى قرارات أخرى متعاقبة عدم مشروعية هذه التدابير .

 

                                 4- الدول الموضوعة فى حالة حياد دائم

يرتبط الحياد الدائم بقواعد القانون الدولى التقليدى التى كانت تجعل الحرب حقاً للدول . وتوضع الدولة فى حالة الحياد الدائم بناء على معاهدة تبرمها ويترتب عليها حرمانها من بعض اختصاصاتها الخارجية كالقيام بحرب أو عقد بعض أنواع المعاهدات وذلك مقابل ضمان سلامتها، والدولة التى تقبل أن تضع نفسها فى حالة الحياد الدائم تكون فى العادة من الدول الصغيرة ذات الموقع الاستراتيجى الهام والتى تفضل الابتعاد عن صراع القوى الدولى، وتقبل الدول الأخرى هذا الوضع محافظة على التوازن الدولى .

الالتزامات المترتبة على حالة الحياد الدائم :

( أ ) بالنسبة للدول الموضوعة فى حالة الحياد الدائم :

تلتزم هذه الدول بألا تدخل الحرب الا دفاعاً عن أراضيها ضد هجوم مباشر، وأن كان لها تتخذ الاستعدادات العسكرية اللازمة للدفاع .

ويحرم عليها عقد معاهدات قد تجرها إلى الحرب كمعاهدات التحالف أو المعاهدات الضمان المتبادل، أو أن تشترك فى اتحاد دولى يلزمها بالدخول فى حرب دفاعاً عن باقى الدول الأعضاء .

وكذلك لا تستطيع، وفقاً للرأى الراجح أن تتنازل عن جزء من اقليمها، أو تدخل فى اتحادات جمركية تجعلها تنحاز إلى جماعة من الدول دون سائر الدول. هذا فضلاً عن تقيدها بالالتزام العام المفروض على الدول المحايدة بالامتناع عن مساعدة الدول المتحاربة .

وقد اختلف الشراح حول حق الدولة الموضوعة فى حالة حياد دائم فى الانضمام إلى المنظمات الدولية السياسية .

وأيد البعض هذا الحق على أساس عدم وجود تعارض بين فكرة الحياد الدائم وفكرة التنظيم الدولى الذى يهدف للمحافظة على الأمن والسلام .

وهذا الرأى ليس سليماً على اطلاقة، فأعضاء المنظمات الدولية يضمنون سلامة أقاليمهم ضماناً متبادلا، ويلتزمون بالاشتراك فى التدابير العسكرية الجماعية . وكل هذا يتنافى مع واجب الدولة المحايدة بالامتناع عن كل ما يمكن أن يجرها إلى الحرب .

حتى ولو كان مصدره الدولة المحايدة نفسها . وذلك لأن الحياد لم يتقرر لمصلحتها فحسب بل لمصلحة الأمن الدولى بصفة عامة .

أمثلة لحالة الحياد الدائم :

( أ ) سويسرا تقرر وضع سويسرا فى حالة حياد دائم منذ مؤتمر فينا 1815 . وتأيد حياد سويسرا فى المادة 425 من معاهدة فرسايل سنة 1919 ولقد استقر وضع سويسرا الحيادى فى العرف الدولى، واعترفت به واحترمته الدول كافة فى الحربين العالمتين الأولى والثانية . وكانت سويسرا عضوا فى عصبة الأمم على أنها كانت معفاه من الاشتراك فى الجزاءات المنصوص عليها فى المادة 16 من عهد العصبة . وامتنعت سويسرا عن دخول الأمم المتحدة لاعتقادها بتعارض التزام أعضاء الأمم المتحدة بالاشتراك فى تدابير القمع مع حالة الحياد الدائم .

( ب ) النمسا : الاتفاق بين المعسكرين الشيوعى والغربى على وضع النمسا فى حالة حياد دائم، وتأكد ذلك فى معاهدة الصلح التى أبرمت معها سنة1955. وتمنع المادة الرابعة من المعاهدة المذكورة النمسا من الاتحاد سياسياً أو اقتصادياً مع ألمانيا، كما تمنعها من أتخاذ أية اجراءات تساعد على حدوث ذلك الاتحاد . كما تنظم المادة12من الاتفاقية وضع الجيش النمساوى وتحرم على النمسا صناعة الأسلحة الذرية. ولقد أكد دستور النمسا سنة 1956 أنها فى حالة حياد دائم، كما أعلنت النمسا وضعها الحيادى للدول الاجنبية .

ولم يمنع حياد النمسا من انضمامها للأمم المتحدة فى 14 ديسمبر سنة 1955، على أن حياد النمسا قد عرقل دخولها فى السوق الاوربية المشتركة على اعتبار أن ذلك قد يخل بحيادها .

                                 5- الدول المرتبطة بمعاهدات غير متكافئة

تعارض الاوضاع غير المتكافئة مع مبدأ المساواة فى السيادة :

يحدث أحياناً، أن ترتبط دولتان بمعاهدة ينتج عنها وضع قانونى وسياسى مقتضاه حرمان احدى الدولتين المتعاقدتين من بعض مظاهر استقلالها الخارجى أو اختصاصها الداخلى لصالح الدولة الأخرى، أو اخضاعها لسيطرة تلك الدولة فى بعض المسائل .

 وهذا الوضع القانونى والسياسى الذى يجعل الدولتين فى مركزين غير متكافئين، والذى يكون مصدره المعاهدة ةالاتفاق، ينشأ فى العادة نتيجة لتطور طرأ على العلاقة بين دول تابعة ودولة متبوعة، أو فى العلاقة بين دولة ومستعمراتها، ويقصد منه فى العادة ارضاء شعور الدولة التابعة للقومى وتمكين تلك الدولة من ممارسة نوع من الاستقلال المقيد بالالتزامات التى يرد النص عليها فى المعاهدات غير المتكافئة .

   ومن النماذج الشائعة للأوضاع غير المتكافئة الاحتفاظ بقواعد عسكرية وفرض أحلاف عسكرية على الدول الصغرى والاحتفاظ بمزايا اقتضصادية ومالية أو أوضاع تجارية لاتقوم على المساواة بين الدول الأطراف فيها .

ومن الواضح أن الأوضاع غير المتكافئة تتعارض مع مبدأ المساواة فى السيادة بين الدول الذى أقرته المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة .

ونشير فيما يلى إلى  بعض الأوضاع غير المتكافئة التى كانت شائعة فى الدول العربية .

( أ ) كان العراق يرتبط مع بريطانيا بمعاهدة 1930 التى حلت نظام الانتداب . وكانت المعاهدة تنص على أن حفظ وحماية المواصلات البريطانية فى العراق أمر يهم بريطانيا وعلى أن يحتفظ بريطانيا فى أراضيه بقواعد عسكرية وعلى أن يضع اقليميه تحت تصرف بريطانيا فى وقت الحرب .

وفى سنة 1955 نظمت العلاقات بين انجلترا والعراق على أساس الغاء معاهدة 1930 على أن يستعاض عنها بوثيقتين دوليتين وهما حلف بغداد المبرم فى 4 أبريل 1955والاتفاق الخاص المكمل له. وكان حلف بغداد يضم إلى جانب العراق وتركيا وايران والباكستان، والغرض منه التعاون بين أطرافه فى شئون الدفاع . أما الاتفاق الخاص سنة 1955 فكان ينص على تنمية السلم والصداقة بين العراق وبريطانيا، ويسمح لبريطانيا باستعمال بعض القواعد العسكرية فى الأراضى العراقية . وفى أعقاب ثورة سنة1958 أعلن العراق فى سنة 1959 انسحابه من حلف بغداد الذى سمى بعد ذلك بالحلف المركزى.

( ب ) كانت المعاهدة المصرية البريطانية 1936 تنص على ارتباط مصر بتحالف مع بريطانيا، وتقرر أنها مركز أساسى للمواصلات البريطانية وتسمح ببقاء قوات احتلال بريطانيا فى منطقة قناة السويس . ولقد أصدرت مصر قانوناً بتاريخ 16أكتوبر سنة 1954 يستفاد منه الغاء العمل بأحكام معاهدة سنة 1936، ولكن بريطانيا لم تعترف بهذا الالغاء. وفى 19 أكتوبر سنة 1954 أبرام اتفاق مصرى بريطانى ينص على انقضاء معاهدة سنة 1936، وعلى جلاء القوات البريطانية عن مصر مع الاحتفاظ بقاعدة قناة السويس فى حالة صلاحية للعمل لمدة سبع سنوات . وفى 31أكتوبر سنة 1956 قامت بريطانيا بالاشتراك مع فرنسا واسرائيل بعدوان عسكرى على مصر وذلك فى أعقاب تأميم قناة السويس . ولقد اعتبرت الحكومة المصرية هذا العدوان نقضاً لاتفاق سنة 1954، ولهذا أصدرت القانون رقم 1 لسنة 1957 بالغاء الاتفاق المذكور .

( جـ ) سبق أن أشرنا عند الكلام على نظام الوصاية أن ليبيا استقلت فى أول يناير سنة 1952، وارتبطت بعد ذلك بمعاهدتين مع بريطانيا ومع الولايات المتحدة تقرران وجود قواعد أمريكية وبريطانية فى الأراضى الليبية. وقد تخلصت ليبيا من هاتين المعاهدتين فى سنة 1969.

( د ) وكانت تونس تخضع للحماية الفرنسية بمقتضى معاهدة باردو المبرمة فى 12مايو سنة 1881 ومعاهدة المرسى المبرمة فى 8يونيو سنة 1883.

وفى 2يونيو 1955 ابرمت اتفاقات باريس التى نصت على منح تونس الحكم الذاتى. وفى 20مارس 1956 أعترفت فلانسا باستقلال تونس. وورد فى بروتوكول اعلان الاستقلال النص على الترابط بين فرنسا وتونس وبصفة خاصة فى ميادين الشئون الخارجية والدفاع، وعلى ضرورة ابرام اتفاقات لتنظيم التعاون بين الدولتين . وفى 15 مايو سنة 1956 تم تنظيم التعاون الفرنسى التونسى على أساس استقلال تونس الكامل

( هـ ) خضع المغرب لحماية فرنسا بمقتضى معاهدة فاس بتاريخ 30مارس سنة 1912. وزيادة على ذلك فلقد تمكنت أسباب من تكوين منطقة نفوذ فى الصحراء المغربية واعترفت فرنسا فى اتفاقية 1904 وكذلك فى اتفاقية سنة 1912 بالنفوذ الاسبانى .

ولقد أعاد الاتفاق المبرم بين فرنسا ومراكش فى 28 مايو سنة 1956 تنظيم روابط التعاون بين الدولتين على أساس التزامهما بالتشاور فى المسائل التى تمس مصالحها المشتركة وتنسيق السياسة الخارجية للدولتين .

وكذلك أقرت أسبانيا فى اتفاق أبرمتها مع المغرب فى أبريل سنة 1956 استقلال المغرب ووحدة أراضوأوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14 دجيسمبر يه، ومع ذلك استمرت السيطرة الأسبانية على منطقة الصحراء الاسبانية التى طالبت بها المغرب وموريتانيا . ولقد ترتب على تقسيم هذه المنطقة بين المغرب وموريتانيا ظهور خلاف بين هاتين الدولتين والجزائر التى تطالب باعتبار هذه المنطقة دولة مستقلة .

وأوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14 ديسمبر سنة 1970 بالاعتراف بحق شعب هذه الصحراء فى تقرير مصيره .

( و ) حصلت الجزائر على أستقلالها بموجب اتفاقيات ايفيان سنة 1962 بعد نجاح ثورتها التحريرية فى القضاء على أحلام المستعمرين الفرنسيين الذين عملوا على افناء الشخصية الجزائرية وعلى ادماج الجزائر فى الكيان الفرنسى .

( ز ) وكان الأردن يرتبط مع بريطانيا، بعد انتهاء الانتداب، بمعاهدة سنة 1956 التى أباحت للقوات البريطانية المرور فى أراضى الاردن واستعمال قواعده، ولقد تم الاتفاق بين الحكومتين الانجليزية والأردنية على الغاء هذه المعاهدة فى سنة 1956 .

 

                              الفصل الثانى

                        اكتساب الدولة للشخصية الدولية

 

ينظم القانون الدولى نشوء الدول واكتسابها للشخصية الدولية, ونظرا لعدم وجود سلطات دولية تختص بتطبيق القواعد المتصلة بالكتساب وبممارسة الدولة للشخصية الدولية, نجد أن الموضوع يثير صعوبات ومنازعات متعددة لأن البت فيه يتم عن طريق اعتراف الدول الاجنبية بالدولة وبما يطرأ عليها من تغيرات على أساس تقدير كل منها للوقائع السياسية والاجتماعية .

 

                                    المبحث الأول

                             الاعتراف بالدولة الجديدة

 

معنى الاعتراف فى القانون الدولى :

يشمل اصطلاح الاعتراف العديد من حالات الواقعية التى تنشأ فى المجتمع الدولى والتى تتطلب تسليم الدول بها, وقبولها لما يترتب عليها من نتائج قانونية . وأهم هذه الحالات نشوء دولة جديدة, وقيام ثورة داخلية أو حرب أهلية وتغير الحكومات, والتغييرات الاقليمية . 

ويجمع بين الحالات المتقدمة ادعاء سلطة حكومية معينة الحق فى ممارسة اختصاصها فى مواجهة شعب أو اقليم, وتقوم الدول الأجنبية بتجديد موقفها من هذا الادعاء عن طريق الاعتراف به أو رفضه .

والاعتراف عمل سياسى يدل على علم حكومة دولة أجنبية بوجود حالة واقعية من هذا النوع وتسليمها بوجود هذه الحالة, وقبولها للنتائج القانونية المترتبة على وجودها عن طريق الاعتراف بها .

فالعلم بوجود الحالة الواقعية والتسليم بوجودها لا يعتبر اعترافا قانونيا وانما يتم الاعتراف حينما تظهر نية الحكومة الاجنبية فى قبول النتائج القانونية التى يرتبها القانون الدولى على وجود هذه الحالة .

شروط الاعتراف بالدولة الجديدة :

يجب لكى تنشأ الدولة الجديدة أن تستكمل العناصر المكونة لها من اقليم وشعب وحكومة, وأن يتم الاعتراف الدولى بها .

1-  استكمال الدولة لعناصرها :

قد تنشأ الدولة من عناصر جديدة نتيجة لاستقرار مجتمع انسانى على اقليم لم يكن تابعا من قبل لدولة ما , وقيامها بتكوين حكومة مستقلة . وهذه ظاهرة تاريخية يمكن ارجاع نشوء أغلب الدول القديمة اليها, وتحققها نادر فى العصر الحديث وان كان أهم أمثله نشوء جمهورية ليبريا على شاطئ افريقيا الغربى سنة 1821 من الأرقاء المحررين الذين نقلوا اليها من أمريكا, ونشوء جمهورية الترنسفال فى جنوب افريقيا سنة 1837 من البوير وهم أحفاد المهاجرين الهولنديين الى أفريقيا . ويضيف البعض الى هذا نشوء اسرائيل فى سنة 1948 نتيجة لاستقرار مجموعات من المهاجرين كونوا لأنفسهم حكومة مستقلة فى جزء من فلسطين . وهذا مثل خاطىء لان فلسطين كانت دولة يسكنها شعب عربى معترف بوجوده من جانب عصبة الامم .

 

والغالب أن تنشأ الدولة الجديدة من عناصر قديمة ويتم ذلك فى الأحوال الآتية :

(أ) عندما تعلن ولاية أو مستعمرة استقلالها عن الاصل, كما حدث عند استقلال بنجالديتش عن الباكستان فى سنة 1972. وكما حدث فى الماضى عند استقلال ولايات أمريكا الشمالية عن انجلترا, وولايات أمريكا اللاتينية عن أسبانيا, والبلاد الافريقية والعربية من سيطرة انجلترا وفرنسا وايطاليا وبلجيكا .  

(ب) عندما تتفكك امبراطورية كبيرة الى عدة دول, أو تضعف الرابطة التى تربط بين أعضاء اتحاد دولى, ومن أمثلة ذلك تفكك امبراطورية النمسا والمجر سنة 1918 الى ثلاث دول هى النمسا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وظهور الشخصيات الدولية لبعض أعضاء اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية, كأوكرانيا وروسيا البيضاء ومونجوليا بعد الحرب العالمية الثانية .

(جـ) وقد تنشأ الدولة من عناصر قديمة تتخد فيما بينها لتنشئ دولة واحدة, كما لو اندمجت دولتان وأصبحت دولة موحدة أو دولة اتحادية, ومثال ذلك الحركات القومية التى أدت الى توحيد ايطاليا وألمانيا ونشوء الولايات المتحدة الأمريكية واتحاد الامارات العربية .

2-  شروط الاعتراف بالدولة الجديدة :

لما كان نشوء دولة جديدة يترتب عليه اخضاع اقليم وشعب لسلطة شخص دولى لم يكن موجودا من قبل ومباشرة الشخص الجديد لاختصاصات دولية, فقد استلزم القانون الدولى أن يعقب استكمال الدولة لعناصرها اجراء قانونى هو الاعتراف بالدولة . ويترتب على الاعتراف التسليم من جانب الدول القائمة باستكمال الدولة الجديدة لكل عناصر الدولة وقبول التعامل معها كشخص دولى .

ولقد عرف معهد القانون الدولى, فى دورة بروكسل سنة 1936 الاعتراف بأنه " عمل حر تقر بمقتضاه دولة أو مجموعة من الدول, وجود جماعة لها تنظم سياسى فى اقليم معين, مستقلة عن كل دولة أخرى, قادرة على الوفاء بالتزامات القانون الدولى العام . وتظهر الدول بالاعتراف نيتها فى اعتبار هذه الدولة عضوا فى الجماعة الدولية " .

 

كما عرفت المادة العاشرة من ميثاق بوجوتا سنة 1948, الذى يربط بين الدول الأمريكية, الاعتراف على الوجه الآتى " يستلزم الاعتراف أن تقبل الدولة التى منحته, شخصية الدولة الجديدة وحقوقها وواجباتها " .

ولما كان المجتمع الدولى مجتمعا ناقص التنظيم لا توجد به سلطة سياسية عليا منظمة, ولما كانت الدول لا تزال تتمسك بسيادتها, فقد كان من الطبيعى أن يكون الاعتراف الدولى عملا فرديا تختص به كل دولة على حدة. وتتولى كل دولة تقدير موقفها فى هذا الشأن .

 

ويدل العرف الدولى على أن الاعتبارات السياسية المتصلة بأهداف الدولة ومصالحها تؤثر فى تقدير موقفها من حيث الاعتراف . ويترتب على ذلك أن الدولة الجديدة قد يتم الاعتراف بها من جانب دول معينة وأن ترفض دول أخرى الاعتراف بها . ومن ثم تستطيع الدولة الجديدة ممارسة مظاهر اختصاصاتها الدولية فى مواجهة الدول التى اعترفت بها, ولا تستطيع ممارسة هذه الاختصاصات الدولية فى موجهة من لم يتعرف بها.

وتلتزم الدولة قبل أن تصدر الاعتراف بأن تتأكد من استكمال الدولة الجديدة لعناصرها وبصفة خاصة من أن هناك حكومة مستقلة تمارس السلطات العامة فى داخل اقليم معين .

ويرى البعض أن الدول تلتزم بالاعتراف بكل دولة جديدة متى توافرت فيها عناصر الدولة؛ وذلك لأن الاعتراف عمل قانونى يصدر حينما تتوافر شروطه, وعدم الاعتراف يعتبر اخلالا بحق الدولة فى أن تمارس اختصاصها بمجرد وجودها .

ولكن الرأى الراجح يقرر أن نشوء الدولة الجديدة ليس مسألة قانونية فقط, وأن هناك اعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية تحيط بهذا الموضوع . وعلى الاساس يكون لكل دولة حرية تقدير هذه الاعتبارات غير القانونية . ومن ثم تملك الدولة عدم الاعتراف بالدولة الجديدة اذا ما وجدت مثلا أن نشوءها لا يتفق مع الحقائق الاجتماعية أو الظروف الاقتصادية لمنطقة معينة, أو كان نشوء الدولة الجديدة اضرار بالحقوق المشروعة لدول أخرى, أو اذا كانت الدولة الجديدة أظهرت عدم استعدادها لاحترام الالتزامات الملقاة على عاتق الدول فى القانون الدولى . ومن أمثلة عدم الاعتراف, عدم اعتراف الدول العربية باسرائيل, وعدم اعتراف الدول الغربية بألمانيا الشرقية .

 

الاعتراف بالثورة وبحالة الحرب :

لايثير الاعتراف بالدولة الجديدة صعوبة فى حالة نشوئها بطريقة سليمة, ولكن تثور الصعوبة حين يكون نشوء الدولة الجديدة نتيجة لانفصال اقليم عن دولة معينة نتيجة لثورة أو لاعمال حربية . لانه فى كثير من الاحوال تفسر الدولة الاخيرة الاعتراف المبكر بأنه عمل عدائى موجه اليها . ولقد جرت العادة على التفرقة فى هذه الحالة بين ثلاثة أنواع من الاعترافات :

(أ) الاعتراف بالثورة : 

وهو يحصل اذا ما نشبت ثورة داخل دولة ما بقصد انفصال جزء من اقليمها أو احدى مستعمراتها عنها, ويقصد بالثورة العصيان المسلح الذى لا يبلغ فى الجسامة مبلغ الحرب الأهلية . ويجوز صدور الاعتراف بالثورة من دولة الاصل نفسها ويكون الغرض منه رفع مسئوليتها أعمال الثورة, ويترتب عليه أيضا عدم جواز معاملة الثورة كخونة أو مجرمية . وتنص اتفاقية جنيف الرابعة سنة 1949 على معاملتهم معاملة أسرى الحرب بشرط توافر بعض الشروط .

واذا صدر الاعتراف من دولة أجنبية فلا يترتب عليه اعطاء الثوار الحقوق المقررة فى القانون الدولى العام للمحاربين كحق زيارة وتفتيش السفن التابعة للدول الأخرى, كما لا ينتج عنه التزام الدولة المعترفة باتباع واجبات الحياد وأهمها الامتناع عن مساعدة دولة الأصل .

(ب) الاعتراف بحالة الحرب :

وهو يتم اذا أصبح للثوار حكومة منظمة تباشر سلطاتها على اقليم معين وجيش يتبع قواعد الحرب . ويترتب عليه اعتبار حالة الحرب قائمة بما يترتب على ذلك من آثار وعلى الخصوص فيما يتعلق بقواعد الحرب والحياد .

(جـ) الاعتراف بدولة مستقلة :

وهو يتم متى انتهت الثورة أو الحرب باستقلال الولاية أو الاقليم نهائيا عن دولة الأصل . ويجوز صدوره من دولة الاصل نفسها, وفى هذه الحالة لا يكون اعتراف الدول الاخرى بالدولة الجديدة عملا عدوانيا ضد دولة الأصل بل قد تساعد دولة الاصل على حصوله, كما نصت على ذلك المعاهدة بين انجلترا وبورما سنة 1947, والمعاهدة بين فرنسا وكامبودج سنة 1949 .

أما اذا صدر الاعتراف من الدول الأجنبية قبل دولة الاصل فيجب على هذه الدول التحقق من استقرار الامر للدولة الجديدة . وهذا لا يكون سهلا فى جميع الاحوال, وفيه مجال كبير لتقدير الأمور, وبصفة خاصة اذا كان الاقليم المنفصل قد تلقى مساعدة عسكرية أجنبية . ومن هذا القبيل أن الباكستان اعترضت على الاعتراف ببنجلاديتش فى سنة 1972 على أساس أن انفصالها قد تم بمساعدة عسكرية من الهند .

 

الاعتراف الجزئى أو بالأمر اواقع :

نظر لدقة مسألة الاعتراف بالدولة التى تنشأ نتيجة للعنف, فقد جرت عادة الدول على أن تباشر نحوها أحيانا نوعا من الاعتراف الجزئى أو بالأمر الواقع. والغرض من ذلك تفادى الاعتراف الكامل بدولة قد يثبت الواقع عدم استقرارها أو قد يؤدى الاعتراف بالأمر الواقع له بصفة مؤقتة, فهو ينتهى اذا تغيرت الظروف التى أدت لاصداره, وذلك يكون بسحبه أو بتحويله الى اعتراف كامل . والآثار التى تترتب على الاعتراف بالأمر الواقع جزئية تتصل بتنظيم عدد محدود من العلاقات بين الدول المعترفة والدولة الجديدة .

 

طبيعة الاعتراف بالدولة الجديدة :

اختلف الفقهاء طبيعة الاعتراف بالدولة الجديدة .

(أ) نظرية الاعتراف المنشئ :

يرى البعض أن الاعتراف هو الذى يخلق الدولة الجديدة ويعطيها صفة العنصرية فى الجماعة الدولية. ونظرية الاعتراف المنشئ تتمشى مع مبادئ المدرسة الارادية للقانون الدولى العام التى تقضى بأن ارادة الدول هى أساس الالتزام بقواعد القانون الدولى . ويترتب على ذلك أن تمتع الدولة الجديدة بالحقوق المقررة للدول فى القانون الدولى العام يتوقف على اعتراف الدول الأخرى بها .

ويخفف البعض من نتائج نظرية الاعتراف المنشئ عن طريق فرض التزام على الدول القائمة بالاعتراف بالدولة الجديدة بمجرد وجودها . ويميز البعض بين الوجود الطبيعى للدولة وتمتعها بالحقوق المترتبة على هذا الوجود وهو أمر لا يتوقف على الاعتراف بها, وبين الوجود القانونى للدولة وتمتعها بالشخصية الدولية وهو ما ينشئه الاعتراف .

 

(ب) نظرية الاعتراف المقرر :

لم تستطع نظرية الاعتراف المنشئ فى صورتها الأصلية الصمود فى مواجهة الانتقادات التى وجهت اليها, لانها تتعارض مع الوقائع التاريخية والاجتماعية ومع العرف الدولى. فالعامل الأساسى فى نشوء دولة ما هو العامل السياسى والاجتماعى , وفالدولة توجد نتيجة لتطور لتداخل فى الظروف الانسانية بالعوامل الجغرافية والاقتصادية, ويصاحب ذلك كله صراع كبير ينتهى بظهور سلطة سياسية مستقلة تمارس اختصاصات الدولة فى اقليم معين . وعلى ذلك فان الاعتراف لا يخلق الدولة, وانما هو عمل قانونى يعبر عن ارادة الدول الأخرى فى قبول التعامل مع دولة جديدة كعضو فى المجتمع الدولى .

 

ومن الثابت أن الاعتراف لا يكون له قيمة من الناحية الواقعة اذا لم تتوافر لدى الدولة محل الاعتراف جميع عناصر الدولة كما أن الاعتراف لا يمنح الدولة الجديدة صفة الدولة؛ فهى توجد وتباشر نشاطها من يوم نشوئها . وعدم الاعتراف بدولة ما من جانب بعض الدول لا يمنعها من مباشرة الحقوق التى تمنحها لشخصيتها الدولية اذا أنها تستطيع الدخول فى علاقات دولية مع الدول التى اعترفت بها, بل قد تستطيع التعامل مع الدول التى لم تعترف بها وفقا لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين .

 

ولقد أقر مجمع القانون الدولى فى دورة بروكسل سنة 1938 هذا الرأى مبينا أن " وجود الدولة الجديدة مع ما يتبع هذا الوجود من الآثار القانونية لا يتأثر برفض الاعتراف بها من جانب دولة أو أكثر " . كما أخذ بهذا الاتجاه ميثاق بوجوتا سنة 1948 لحل المنازعات بين أعضاء منظمة الدول الأمريكية, فقررت المادة التاسعة منه : " أن وجود الدولة السياسى مستقل عن اعتراف الدول الاخرى بها, وأن الدولة تملك حتى قبل الاعتراف بها حق الدفاع عن وجدتها واستقلالها, وحق المحافظة على بقائها ورخائها, وأن تنظم نفسها على الوجه الأكمل, وأن تشرع وتدبير مرافقها, وأن تحدد اختصاص وولاية محاكمها, كل هذا وفقا للقانون الدولى العام " .

ومع أنه لا يمكن القول بأن القضاء قد استقر على الأخذ بنظرية الاعتراف المقرر الا أن المحاكم الوطنية فى كثير من الدول وكذلك محاكم التحكيم أكدت أن للاعتراف صفة مقررة . ويمكن الاشارة فى هذا الشأن الى حكم صادر من المحكمة العليا للولايات المتحدة الامريكية فى سنة 1808 جاء فيه " ان سيادة الدولة الجديدة مستقلة عن معاهدات الاعتراف وتسبقها " . وكذلك نشير الى حكم صادر من محكمة تحكيم فى سنة 1932 فى قضية كولكو جاء فيه " أن تشيكوسلوفاكيا وجدت كدولة مستقلة ذات سيادة قبل توقيع معاهدة فرسايل التى أقرت هذا الوضع ".

 

ويترتب على الصفة الاقرارية للاعتراف, أن يكون ذا أثر رجعى, أى أن آثاره ترجع الى التاريخ الذى يتم التسليم فيه بوجود الدولة الجديدة . كما أنه لا يمكن تقييد الاعتراف بشروط, فللدولة تقدير ما اذا كانت الروقائع تسمح بالاعتراف بالدولة الجديدة, ومتى تم ذلك فلا تملك أن تفرض شروطا فى مقابل صدور اعترافها . ومع ذلك فقد جرت الدول فى بعض الظروف على تقييد اعترافها بدولة ما ببعض الشروط, كما حصل فى معاهدة برلين سنة 1878 من تقييد الاعتراف بالدول البلقانية بقبولها التزامات تتعلق بالمساواة بين رعاياها بصرف النظر عن اختلافات الدين .

والواقع أنه فى مثل هذه الأحوال لا يعد الاعتراف مقيدا بشروط, وانما تلتزم الدولة الجديدة فقط بمراعاة الشروط المفروضة, فاذا أخلت بها عدت مسئولة, ولكن لا يمكن القول بسقوط الاعتراف السابق بها . 

 

شروط الاعتراف بالدولة الجديدة :

لا يشترط القانون الدولى شكلا خاصا للاعتراف بالدولة الجديدة .

والاعتراف قد يكون صريحا, كما اذا ورد فى معاهدة تعقد بين الدولة المعترفة والدولة الجديدة تعترف فيها الدولة الأولى بوجود واستقلال الدولة الثانية, أو كان نتيجة لاعلان دبلوماسى من جانب الدولة المعترفة .

وقد يكون الاعتراف ضمنيا كما اذا دخلت الدولة القديمة فى علاقة دولية مع الدولة الجديدة من نوع العلاقات التى لا تقوم الا بين الدول المستقلة فتبادلت معها المبعوثين الدبلوماسين, أو عقدت مفها المعاهدات السياسية . على أنه يجب مراعاة منتهى الحذر فيما يتعلق بالاعتراف الضمنى بحيث لا ينسب لدولة اعتراف ضمنى اذا اتضح من تصرفاتها انصراف نيتها بطريقة لا شك فيها الى عدم الاعتراف بالدولة الجديدة, ومن هذا القبيل أن ارسال برقيات التهانى أو تبادل القناصل أو ابرام اتفاق دولى لا يعتبر بالضرورة اعترافا ضمنيا .

وقد يكون الاعتراف فرديا وذلك اذا ما صدر صراحة أو ضمنا من دولة واحدة تجاه الدولة الجديدة, وقد يكون جماعيا وذلك اذا صدر الاعتراف من مجموعة من الدول فى نفس الوقت .

ومن المفيد أن نبحث هنا مغزى القرار الصادر من منظمة دولية بقبول دولة جديدة عضواً بها . وهل يمكن اعتبار هذا القرار اعترافاً ضمنياً بالدولة الجديدة من قبل كافة أعضاء المنظمة ؟

ويرى الأستاذ جورج سل ويؤيدة فى ذلك الاستاذ روسو أن قبول دولة فى منظمة دولية يتضمن الاعتراف بها من كافة الدول أعضاء المنظمة، لانه من غير المعقول أن تكون الدولة الجديدة شريكة للدول الأعضاء فى المداولات وفى اتخاذ قرارات المنظمة مع عدم اعتراف بعض الأعضاء بصفتها كدولة .

ويستطرد الاستاذ روسو فيقول إن من تطبيقات هذه الفكرة ما ترتب على قبول دول جديدة فى الأمم المتحدة كأوكرانيا وروسيا البيضاء واسرائيل من حصول اعتراف جماعى بها من جانب كافة أعضاء الأمم المتحدة . ولهذا قرر ضعف مركز الدول العربية أعضاء الأمم المتحدة التى ترفض حتى الآن الاعتراف باسرائيل .

وترى " مدام " باستيد أن قبول دولة جديدة فى منظمة دولية يستلزم الاعتراف لها بصفة الدولة ، ولكن هذا لايعنى التزام من صوت ضد قبول الدولة الجديدة بمباشرة العلاقات الدبلوماسية معها، وضربت مثلاً لذلك بقبول اسرائيل فى الأمم المتحدة، وذكرت أن الدول أعضاء الأمم المتحدة التى عارضت قبول اسرائيل لن تستطيع أنكار صفة الدولة على اسرائيل، ولكن هذا لايلزمها بأنشاء علاقات دبلوماسية معها .

ونحن لانرى صواب ما ذهبت اليه هذه الآراء لأن الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية تقوم كقاعدة عامة على أساس احترام سيادة الدول الاعضاء، وفضلاً عن ذلك فان مسألة الاعتراف بالدولة الجديدة لا تدخل فى اختصاصها . وعلى ذلك تكون كل دولة عضو فى منظمة دولية حرة فى تقرير موقفها من حيث الاعتراف أو عدمة، وهى تستطيع أن ترفض الاعتراف بالدولة التى وافقت الاغلبية على قبولها فى المنظمة الدولية .

ويقتصر الأثر القانونى المترتب على قبول دولة جديدة فى منظمة دولية على اعتراف الاعضاء لها بصفة العضوية ومباشرتها لاختصاصات الأعضاء ولكن هذا الاعتراف لايسرى على العلاقات الثنائية بين العضو الجديد وأعضاء المنظمة ممن لا يوافقون على قبوله . ويؤيدنا فى هذا الاتجاه عرف عصبة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة .

 

هل هناك التزام بعدم الاعتراف بالدولة الجديدة فى بعض الظروف :

تقرر نظرية ستيمسون وجود التزام دولى بعدم الأعتراف بالدولة الجديدة إذا كان فى انشائها مخالفة لالتزامات دولية يقررها القانون الدولى أو الاتفاقات الدولية الخاصة .

ولقد أصدر وزير خارجية أمريكا هذه النظرية سنة 1931 بمناسبة غزو اليابان للصين، ومحاولتها تكون جمهورية مستقلة فى منشوريا بعد أن انتزعتها بالقوة من الصين. ولقد تأيدت نظرية ستيمسون بقرار صدر من الجمعية العامة لعصبة الأمم بتاريخ 11 مارس سنة 1933 جاء فيه " أن أعضاء عصبة الأمم يلتزمون بعدم الأعتراف بأية حالة أو معاهدة أو اتفاق يكون نتيجة لاستعمال وسائل ومخالفة لمعهد عصبة الأمم أو لميثاق بريان كيلوج الخاص بمنع الالتجاء إلى الحروب "

ويبدو أن الدول تنكر وجود مثل هذا الالتزام، وتقرر أن لها سلطة تقديرية مطلقة فى الاعتراف أو عدم الاعتراف بالدولة الجديدة وفى تحديد ميعاد الاعتراف. وهذا الاتجاه يتفق مع فكرة سيادة الدولة، ومع النظرة إلى الدولة على اعتبار أنها ظاهرة سياسية واجتماعية قبل أن تكون نظاماً قانونياً .

على أن عرف الأمم المتحدة يبين امكانية وجود التزام دولى بعدم الاعتراف بدولة جديدة . فلقد طلب مجلس الأمن بتاريخ 19نوفمبر سنة 1965، وبتاريخ 18 مارس سنة 1970من أعضاء الأمم المتحدة عدم الاعتراف بالوضع الذى ترتب على اعلان استقلال روديسيا الجنوبية من جانب واحد بواسطة حكومة الأقلية البيضاء لمخالفته لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعددة التى اشترطت أن يكون استقلال ذلك الاقليم فى ظل حكومة تمثل الأغلبية .

 

وضع الدولة غير المعترف بها :

سبق أن عرضنا للخلاف الفقهى حول طبيعة الاعتراف، ورأينا أنه وفقاً لنظرية الاعتراف المنشئ لا يكون للدولة أى وجود قانون قبل أن يتم الاعتراف بها . وأنه على العكس من ذلك يرى أصحاب نظرية الاعتراف المقررة أن الدولة الجديدة توجد من يوم استكمالها لعناصرها .

وإذا ما تركنا الخلاف الفقهى جانباً وأردنا أن نحدد مركز الدولة غير المعترف بها وفقاً لما جرت عليه الدول ولما استقر عليه العرف الدولى أمكننا استخلاص النتائج الآتية :

1-  تدخل الدولة الجديدة فى علاقات دولية طبيعة مع الدول التى تعترف بها .

2-  قد تدخل الدولة الجديدة فى علاقات قانونية وسياسية واقتصادية محدودة مع الدول التى لا تعترف بها، وذلك إذا وجدت هذه الدول أن هذه العلاقات ضرورية أو تحقق مصالح مشتركة. وتكشف هذه العلاقات عن تسليم هذه الدول بوجود الدولة الجديدة وقبولها لبعض النتائج القانونية التى تترتب على وجودها .

ومن قبيل ذلك أن الدولة الجديدة تستطيع أن تبرم بعض الاتفاقات الثنائية مع الدول التى لاتعترف بها، وتكون هذه الاتفاقات ملزمةلأطرافها. كما أنها تنضم إلى اتفاقيات دولية متعددة الاطراف . أو تشترك فى المؤتمرات الدولية وفى المنظمات الدولية رغم أنها غير معترف بها كدولة من جانب بعض أطراف الاتفاقية أو بعض أعضاء المؤتمر أو المنظمة .

 

                                 ** المبحث الثانى **

                     التغيرات السياسية والاقليمية التى تطرأ على الدولة

 مبدا استمرار الشخصية الدولية :

من الشائع أن تصادف الدولة أثناء حياتها بعض التغيرات السياسية أو الاقليمية، فتثور المشكلة الخاصة بتأثير هذه التغيرات على علاقات الدولة مع الدول الأخرى .

ويصادفنا هنا مبدأ هام يقضى باستمرار شخصية الدولة ومعناه أن الدولة متى نشأت واستقرت شخصيتها الدولية، فانها تحافظ على نفس الشخصية المعنوية رغم ما يطرأ عليها من تغيرات، ويظهر ذلك بصفة خاصة بالنسبة لنوعين من التغيرات وهما تغير نظام الحكم والتغيرات التى تلحق بأقليم الدولة .

 

                                 اولاً : تغير نظام الحكم

الأثر الدولى لتغير نظام الحكم :

لاتؤثر التطورات التى تعدل نظام الحكم الداخلى أو تؤدى إلى تغيير الحكومة فى شخصية الدولة، ولا فى وضعها القانونى بالنسبة للدولة الأخرى. فيستمر تمتعها بالحقوق المقررة لها، والتزامها بالمعاهدات وبجميع الاعباء التى أبرمتها الحكومة القديمة لان الدولة تستمر رغم تغير الاوضاع الداخلية وذلك على التفصيل الآتى :

( أ ) ممارسة الحكومة الجديدة لكل حقوق الدولة :

يترتب عل  مبدأ استمرار الدولة أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تمارس كل الحقوق والمزايا المقررة للدولة فى المعاهدات وفى العرف الدولى . كما يكون لها أن تتصرف بحرية فى كل الأموال المملوكة للدولة وأن تطالب بحقوقها وديونها .

ويجوز للحكومة الجديدة بعد الاعتراف أن تضع يدها على الأموال والممتلكات التابعة لدولتها والموجودة فى الدول الأجنبية بشرط أن تحترم الالتزامات التى تكون قد أبرامتها الحكومة القديمة .

وعلى المحاكم والأفراد اتباع ما تقرره الحكومة دولتهم فيما يتعلق بتحديد الحكومة التى تمثل الدولة الاجنبية والتى تستطيع أن تمارس حقوقها وتستوفى ديونها، وذلك على اعتبار أن ادارة العلاقات الدبلوماسية هى من اختصاص الحكومة .

ولقد استقرت هذه القاعدة فى العرف الدولى منذ زمن طويل، ومن أمثلة ذلك ما قررتة المحكمة العليا الأمريكية سنة 1871 فى قضية سافير، فقد ذكرت أن الدعوى التى رفعها نابليون أما المحاكم الامريكية – للحصول على تعويض عن غرق سفينة مملوكة له نتيجة خطأ منسوب لسفينة أمريكية- لا تسقط نتيجة لعزل نابليون، بل يكون من حق الحكومة التى تليه وتعترف بها الولايات المتحدة الاستمرار فى الدعوى، لأن نابليون كان يملك السفينة باعتباره ممثلاً لفرنسا .

 

( ب ) التزام الحكومة الجديدة بالتزامات الدولة :

تلتزم الحكومة الجديدة باحترام الالتزامات والتعهدات التى أبرمتها الحكومة السابقة، فعليها أن تحترم المعاهدات وأن توفى بالديون التى التزمت بها تلك الحكومة . كما تعتبر الدولة مسئولة دولياً إذا ما رفضت الحكومة الجديدة الاعتراف بالحقوق التى اكتسبها الأجانب فى ظل الحكومة القديمة .

ولم تعترف بعض الحكومات الثورية بهذه القاعدة، فقد قرر الاتحاد السوفيتى فى 8 فبراير سنة 1918 عدم اعترافه بالديون التى عقدتها الحكومة القيصرية .

ويمكن تفسير هذا الاتجاه برغبة هذه الحكومات فى قطع كل تضامن مع الأنظمة الدستورية والاجتماعية السابقة عليها لوجود خلاف جوهرى فى الاسس التى تقوم عليها. ويعتبر اتجاه الاتحاد السوفيتى فى نظر الفقهاء الغربيين خروجاً على مبدأ استمرار الدولة .

ونحن نعتقد أنه مع التزام الحكومة الجديدة كقاعدة عامة باحترام الالتزامات التى أبرمتها الحكومة السابقة يجب التسليم بأنه فى بعض صور التغيير الشامل لنظام الحكم يصبح من الضرورى مراجعة الالتزامات القديمة التى لا تنسجم مع الأوضاع الجديدة، أو التى تعرقل تقدم تقدم الدولة وتطورها الحيوى، ومثال ذلك أن تتحول دولة من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى، فيكون من الضرورى فى هذه الحالة سقوط الالتزامات الدولية التى روعى فى أبرامها أنها تربط بين دول ملكية أو التى عقدت فى ظلها هذه الالتزامات .

الاعتراف بالحكومة الجديدة :

ومن الضرورى فى حالة تغيير الحكومة القائمة بالعنف نتيجة لثورة أو لانقلاب الاعتراف بالحكومة الجديدة من جانب الدول الأخرى، ولا يكون محل هذا الاعتراف الشخصية الدولية الجديدة، بل يقتصر أثرة على تجديد الجهاز الذى يمثل تلك الدولة ويعبر عن رأيها فى ميدان العلاقات الخارجية .

والغرض من الاعتراف هنا تسهيل مهمة اتصال الحكومة الجديدة بالدول الأخرى والقضاء على حق الحكومة القديمة فى تمثيل الدولة، ولا يترتب على عدم صدوره انعدام الشخصية الدولية للدولة، لأن الدولة تستمر وتحافظ على شخصيتها المنعوية بغض النظر عن التغيرات التى تعدل من تكوينها الدستورى أو من حكومتها، وتعتبر هذه التغيرات من المسائل الداخلية التى لا يجوز للدول الأجنبية التدخل فيها .

 

وضع الحكومة غير المعترف بها :

 

يهتم الفقه ببحث المركز القانونى للحكومة الجديدة قبل اعتراف الدول بها، وتبدو أهمية هذا البحث إذا ما عرفنا أنه قد يتأخر الاعتراف بالحكومة الجديدة، ولا أدل على ذلك من أن الحكومة السوفيتية لم يعترف بها من جانب الولايات المتحدة الامريكية الا فى سنة 1933، وأنه كان من الواجب انتظار الحرب العالمية الثانية لكى تعترف بها الحكومة المصرية رسمياً، وتأخر الاعتراف كذلك ببعض الحكومات الجديدة التى نشأت فى وسط وشرق أوربا وفى آسيا عقب الحرب العالمية الثانية، وعلى الخصوص بالنسبة للحكومة الشعبية الصينية التى لم يعترف بها عدد من الدول حتى الآن .

 

وتسمى الحكومة غير المعترف بها أحياناً بالحكومة الواقعية .

 

( أ ) نفاذ التصرفات فى حق الحكومة اللاحقة :

 

والثابت أن أعمال الحكومات الواقعية تنفذ فى الحكومات التى تليها إذا كان ذلك ضرورياً للمحافظة على حقوق الأفراد، وعلى هذا إذا عقدت حكومة غير معترف بها عقداً مع أجانب حسنى ألنية يستمر هذا العقد صحيحاً حتى ولو تغيرت هذه الحكومة وتليها أخرى معترف بها، ولقد أخذت بهذا الرأى المحكمة الدائمة للتحكيم فى حكم صدر بتاريخ 11 نوفمبر سنة 1921فى نزاع بين فرنسا وبيرو، وذكرت" أن القوانين الصادرة من الحكومة البيروفية اللاحقة لايمكن أن تمس حقوق الأجانب الذين تعاملوا بحسن نية مع حكومة بيرو الواقعية " .

 

( ب ) المطالبة القضائية :

والراجح أن الحكومة غير المعترف بها تملك حق رفع الدعاوى أمام المحاكم الأجنبية، وبهذا أخذت المحاكم الاوربية بالنسبة للحكومة السوفيتية قبل الاعتراف بها، أما المحاكم الامريكية فقد ظلت مترددة إلى أن صدر حكم المحكمة العليا الامريكية فى سنة 1933 الذى سمح للحكومة السوفيتية برفع الدعاوى أمام المحاكم الامريكية بوصفها هيئة أجنبية .

 

( جـ ) الحصانة القضائية :

 

قام خلاف حول تمتع الحكومة الواقعية بالاعفاءات القضائية التى تتمتع بها الحكومات الشرعية للدول الاجنبية، والراجح أنها لا تتمتع بها، ولقد أكدت ذلك المحكمة العليا النروجية فى 9 نوفمبر سنة 1939 حينما رأت عدم تمتع حكومة الجنرال فرانكوا – وكان غير معترف بها فى ذلك الوقت – بالحصانة القضائية .

 

( د ) اثر تصرفات الحكومية غير المعترف بها فى مواجهة الدول الاجنبية :

 

وثار التساؤل حول أثر القوانين والقرارات التى تصدرها الحكومة غير المعترف بها، وكذلك الاحكام التى تصدر باسمها، وذلك بالنسبة للدول الاجنبية. ولقد عرضت المسألة أمام المحاكم الوطنية لبعض الدول بمناسبة اجراءات التأميم والمصادرة التى قامت بها الحكومة السوفيتية قبل الأعتراف بها . وذهبت المحاكم الانجليزية والامريكية فى أول الامر إلى القول بعدم جواز الاحتجاج بالتصرفات القانونية التى تأتيها الحكومات غير المعترف بها. وعندما طالت فترة عدم الاعتراف بالحكومة السوفيتية، ذهب القضاء الامريكى إلى جواز الاعتراف بالتصرفات التى تأتيها تلك الحكومة مالم تكن مخالفة للنظام العام الامريكى. ولقد قرر مجمع القانون الدولى عندما بحث هذه المسألة فى سنة 1936 " أن الآثار غير الاقليمية لاعمال حكومة غير معترف بها تسرى أمام الادارات والقضاء أصحاب الاختصاص إذا كانت لازمة لحسن سير القضاء أو الحماية مصالح الافراد " . ويمكن تبرير هذا الاتجاه إذا ما عرفنا أنه يصعب من الناحية العملية تجاهل تصرفات الحكومة الواقعية حيث انها تباشر السيطرة الفعلية على اقليمها أو على جزء منه .

( هـ ) العلاقات القنصلية والدبلوماسية :

 

والراجح أن القناصل يستمرون فى مباشرة وظائفهم رغم عدم اعتراف دولهم بالحكومة الجديدة للدولة التى يعملون فيها، وذلك لأنهم لا يتمتعون بالصفة التمثيلية، وتنحصر مهمتهم فى الاتصال بالسلطات المحلية .

أما العلاقات الدبلوماسية فانها تتوقف إلى ان يتم الاعتراف بالحكومة الجديدة، وأن كان من الممكن اجراء بعض الاتصالات الدبلوماسية بشأن المسائل العاجلة مع الحكومة غير المعترف بها .

 

( و ) الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية :

 

استقر العرف الدولى على أنه من الجائز اشتراك الدولة فى الاتفاقيات المتعددة الأطراف وفى المؤتمرات والمنظمات الدولية حتى ولو لم تكن معترفاً بحكومتها من جانب بعض أطراف الاتفاقية أو المؤتمر أو المنظمة .

 

ويخلص مما تقدم أن الحكومات غير المعترف بها تباشر من الاختصاصات والاعمال ما هو لازم فقط لادارة شئون الاقليم الذى تسيطر عليه، لحماية المصالح العاجلة، ويلزم لكى تتمتع بكافة الاختصاصات أن تعترف بها الدول الأخرى .

 

شروط الاعتراف بالحكومات الجديدة :

 

يشترط العرف الدولى للاعتراف بالحكومة الجديدة أن يتوافر فيها ما يلى :

 

( أ ) السيطرة الفعالة :

يجب أن يثبت الحكومة الجديدة تقوم بالسيطرة الادارية الفعالة على اقليمها، وأنها تباشر بالفعل اختصاصاتها المتعلقة بالحكم .

ويعتبر الاعتراف بالحكومة الجديدة قبل أن تستوفى شرط الفعالية عملاً غير مشروع لانه يكشف عن تدخل فى الشئون الداخلية للدولة التى يقوم فيها صراع حول السلطة .

على أن العرف الدول ليس واضخاً تماماً فى هذا الشأن، فلقد قام الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية بالاعتراف بحكومات فقدت السيطرة على اقليمها بسبب الغزو الأجنبى، وذلك على أساس أن الحكومات الموجودة فى المنفى خارج اقليمها تبذل جهداً فعال للسيطرة على شعبها ولاستعادة اقليمها، مما يدل على أن فقد الاقليم له صفة مؤقتة، ومن أمثلة ذلك الاعتراف بحكومات هولنده واليونان وتشيكوسلوفاكيا فى المنفى .

كما أنه من الملاحظ أن الدول تساع احياناً لأسباب سياسية وعقائدية بالاعتراف بالحكومات الجديدة بمجرد سيطرتها على جزء من الاقليم التابع لدولتها ودون انتظار لاتمام السيطرة على الاقليم، ومن قبيل ذلك اعترف انجلترا وأمريكا بحكومة فرنسا الحرة بمجرد تكوينها سنة 1940 على أساس أنها تسيطر على أقاليم فرنسية فيما وراء البحار .

 ( ب ) أهلية تحمل الالتزامات الدولية :

يجب أن تكون الحكومة الجديدة أهلا لتحمل التزاماتها الدولية، وترتبط هذه الاهلية بمدى رغبة أو استعداد الحكومة الجديدة للوفاء بالتزاماتها الدولية .

 

( جـ ) دستور الحكومة الجديدة :

تذهب بعض الدول إلى عدم جواز الاعتراف بالحكومة التى تقوم نتيجة ثورة أو انقلاب مسلح الا إذا أعطت لنفسها شكلاً شرعياً . فلقد أخذت دول أمريكا الوسطى بنظرية توبار ومقتضاها عدم جواز الاعتراف بالحكومة التى تقوم بطريقة دستورية الا عندما يقوم ممثلو الشعب المنتخبون انتخاباً حراً باعطاء الصفة الدستورية لتلك الحكومة . ونلاحظ أن نظرية توبار نشأت فى علاقات دول أمريكا الوسطى، ولاتعبر عن قاعدة من قواعد القانون الدولى المقبول بصفة عامة .

ومع ذلك أعلنت الولايات المتحدة سنة 1945 أنها سترفض الاعتراف بكل حكومة تفرضها دولة أجنبية بالقوة على شعب ما . كما أنها اشترطت فى بعض الاحوال اجراء انتخابات حرة، واكتفت فى أحوال أخرى بقبول الشعب الضمنى للحكومة الجديدة . وجرت بعض الدول كانجلترا وفرنسا على أن تؤجل الاعتراف بالحكومات الثورية لحين التأكد من قبول الشعب لها، أو أنها تقوم على أسس ديمقراطية . كما تقوم بعض الدول بوضع بعض الشروط كمقابل لاعتراف بالحكومة الجديدة، ومن هذه ما تطلبته انجليرا من حكومة المكسيك الثورية سنة 1918 لاموالها ولاموال رعاياها، وما تطلبتة الولايات المتجدة عند اعترافها بالحكومة السوفيتية سنة 1933 من احترام الحريات الدينية والحقوق القضائية لرعاياها .

ولقد قررت منظمة الدول الأمريكية فى مؤتمر ريودى جانيرو سنة 1965 ضرورة تشاور أعضائها قبل الاعتراف بالحكومات الواقعية، وذلك لبحث مدى استعداد هذه الحكومات لاجراء انتخابات ولتحمل التزاماتها الدولية .

 

هل يوجد التزام دولى باعتراف الحكومة الجديدة :

 

أدى عدم وضوح قواعد القانون الدولى العام الخاصة بالاعتراف إلى بقاء كثير من الحكومات بغير اعتراف خلال فترة طويلة رغم قيامها بالسيطرة الفعالة على أقليمها وشعبها، ولا أدل على ذلك من أن عدداً من الدول لايزال لا يعترف حتى الآن بحكومة الصين الشعبية . كما أن الحكومة المصرية تأخرت فى الاعتراف بالحكومة السوفيتية حتى سنة 1943. وكان ذلك الاعتراف ضمنياً بأن تبادلت مصر مع الاتحاد السوفيتى التمثيل الدبلوماسى .

 

ولذلك ذهب البعض كالأستاذ لو ترباشت إلى أن الحكومة الجديدة يجب الاعتراف بها فور التأكد من وجودها، كما بدأ الاعتراف بكثير من الاختصاصات للحكومة الواقعية .

 

شكل الاعتراف بالحكومة الجديدة :

ولا يشترط شكل خاص للاعتراف بالحكومة الجديدة، كما يكون هذا الاعتراف صريحاً فى المعاهدة أو وثيقة دبلوماسية، يكون ضمنياً بأن تدخل الولة مع الحكومة الجديدة للدولة الأخرى فى علاقات يستفاد منها أعترافها بتلك الحكومة، كما لو قبلت مبعوثيها الدبلوماسيين أو وقعت معها معاهدة . وتقرر نظرية استرادا أن الاعتراف بالحكومة يجب أن يكون صريحاً وأن يأخذ شكلاً رسمياً، وعلى ذلك فلا يعتبر استمرار العلاقات الدبلوماسية بمثابة دليل على الاعتراف. ولقد أقر اتفاق بوجاتا سنة 1948 هذا الاتجاه بالنسبة للدول الأمريكية، ومع ذلك فهو لا يمثل عرفاً دولياً له صفة عالمية .

  

                           ثانياً : التغيرات التى تطرأ على أقليم الدولة

الميراث الدولى :

 

قد يطرأ على الدولة أثناء حياتها بعض التطورات التى تؤدى إلى اتساع أو نقصه، ويكون ذلك عادة عن طريق الدولة لكل أو بعض أقليم دولة أخرى، أو انفصال جزء من أقليم الدولة واستقلاله بأمر نفسه أو ضمه للدولة أخرى .

 

وتصاحب هذه التغييرات الاقليمية بالضرورة نتائج قانونية مرجعها تغيير السلطة التى تباشر السيادة على أقليم معين، وما يستتبعة ذلك من تغيير فى الأنظمة القانونية وانتقال للحقوق والالتزامات التعلقة بالاقليم من دولة إلى أخرى .

ويطلق القانون الدولى العام على النتائج القانونية المترتبة على انتقال جزء من أقليم دولة من سيادة دولة الى سيادة دولة اخرىاصطلاح الميراث الدولى . ونلاحظ أن استعمال اصطلاح الميراث ليس دقيقاً تماماً، لأن معنى الميراث فى القانون الداخلى انتقال تركة شخص وما يتعلق بها من حقوق وواجبات إلى ورثته نتيجة لوفاة هذا الشخص، وهذا الوضع يختلف عما يتم فى القانون الدولى، وفى حالة تغيير السلطة صاحبة السيادة على الأقليم.

فالدولة الوارثة فى القانون الدولى لا تتلقى سيادتها عن الدولة المورثة، وانما 

تتلقى حقاً خاصاً بها مستقلاً عن حق الدولة التى كانت تمارس السيادة على الاقليم .

شروط الميراث الدولى :

 

1- تغيير السيادة على الاقليم :

( أ ) يشترط لكى تتم عملية الميراث الدولى انتقال كل أو بعض اقليم الدولة من سيادتها إلى سيادة دولة أخرى . وينقسم الميراث إلى كلى أو جزئى :

والميراث الكلى يكون فى حالة فناء الشخصية الدولية للدولة وانتقال أقليمها بأكمله للدولة أخرى، ومثال ذلك حالة اندماج دولتين فى دولة واحدة كما حدث عند اندماج سوريا ومصر ونشوء الجمهورية العربية المتحدة فى سنة 1958، وما حدث عند ادماج لانفيا ولتوانيا واستونيا فى اتحاد السوفيتى عقب الحرب العالمية الثانية .

ويكون الميراث جزئياً حينما تفقد الدولة بعض اقليمها فقط مع احتفاظها بشخصيتها الدولية، ومثال ذلك أن تتنازل دولة عن جزء من اقليمها لدولة أخرى أو أن يستقل جزء من أقليم الدولة فى صورة دولة جديدة، ومن أمثلة ذلك انفصال مصر عن الدولة العثمانية، ولقد اعترفت تركيا فى معاهدة لوزان بتاريخ 24 يوليو 1923 أن انفصال مصرعنها يرجع إلى يوم 5نوفمبر 1914، والتغييرات الاقليمية التى ترتبت الحرب العالمية الثانية وأهمها ضم بعض الأراضى التابعة لالمانيا إلى بولندة .

( ب ) ويجب أن يكون تغيير السيادة على الاقليم قد تم بطريقة مشروعة أى عن طريق الاتفاق بين الدولة التى تتنازل عن أقليم والدولة التى تكتسب السيادة عليه . ولا يجوز اكتساب السيادة على أقليم عن طريق استعمال القوة للمساس باقليم دولة أخرى لمخالفة ذلك للمادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة التى تنص على عدم جواز استعمال القوة ضد سلامة الاراضى أو الاستقلال السياسى لاية دولة، وإذا تم احتلال دولة لاقليم تابع لدولة أخرى، فأن الاحتلال يعتبر حالة فعلية مؤقتة لا يترتب عليها تغييرالسيادة على الاقليم .

3-  موافقة سكان الاقليم :

تساءل البعض عما إذا كان من اللازم الحصول على موافقة الشعب الذى يمسه الضم أو الانفصال، وهذه الموافقة تتم دستورياً عن طريق الاستفتاء ومعناه موافقة الشعب على الوضع الجديد . والاستفتاء اما أن يكون لاحقاً على قرار الضم او الانفصال والغرض منه المصادقة عليه، وأما أن يكون سابقاً عليه، ويقصد به فى هذه الحالة تقرير مستقبل الاقليم .

( أ ) ولقد تم تطبيق نظام الاسفتاء فى أحوال كثيرة منذ الحرب العالمية الأولى، فقد نظمت معاهدات الصلح سنة 1919 مجموعةمن الاستفتاءات أهمها ما نص عليه المادة 109 من معاهدات فرساى بخصوص استفتاء سكان شلفزنج وما نص عليه أيضاً فى هذه المعاهدات خاصأ باستفتاء أهالى السار .

على أن معاهدة الصلح التى تلت الحرب العالمية الثانية لم تأخذ بمبدأ الاستفتاء، ومع ذلك يكشف العرف الدولى عن اتجاه لتاكيد حق كل شعب فى تقرير مصيرة ولتأييد مبدأ الاستفتاء الشعبى .

( ب ) وقد أكد ميثاق الأمم المتحدة فى المادة 1/2حق تقرير المصير. وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى قرارتها المتعاقبة، ونصت عليه المادة الاولى من ميثاق الحقوق السياسية ومن ميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

ونص الفصل الثانى عشر من ميثاق الامم المتحدة المتعلق بنظام الوصاية على ضرورة مراعاة رغبات شعوب الأقاليم الموضوعة تحت الوصاية فيما يتعلق بمستقبلها السياسى كما قامت الأمم المتحدة باجراء عمليات للاستفتاء أو انتخابات عامة فى الاقاليم الموضوعة للوصاية، وقامت بارسال بعثات للاقاليم التابعة الأخرى للتعرف على رغبات سكانها فيما يتعلق بمستقبلها بالتطبيق لقرار تصفية الاستعمار سنة 1960.

 

( جـ ) ومن ناحية أخرى أقرت الدول فى دساتيرها وفى علاقاتها الدولية حق تقرير المصير. فلقد نص الدستور الفرنسى سنة 1946 على انه لايمكن ضم أقليم أو تنازل عن أقليم الا بعد استفتاء الأهالى أصحاب الشأن .

وتطبيقات لهذا النص قامت فرنسا باستفتاء سكان مقاطعتى بريج وتاند اللتين تنازلت عنهما ايطاليا لفرنسا بموجب معاهدات الصلح سنة 1947كما نص الدستور الفرنسى سنة 1958 على أستفتاء سكان أقاليم ما وراء البحار بشأن انفصالهم عن فرنسا أو بقائهم فى الجماعة الفرنسية . وتطبيفاً لهذا النص تمت عمليات الاستفتاء التى ترتب عليها استقلال المستعمرات الفرنسية وكذلك تم استفتاء الشعب الجزائرى سنة 1962 حول اتفاقيات افيان التى قررت استقلال الجزائر التى كانت تعتبرها فرنسا جزءاً من أقليمها .

ومن ذلك أيضاً ما نصت عليه اتفاقية سنة 1953 بين مصر وبريطانيا من منح الشعب السودانى حق تقرير المصير بعد فترة انتقال تصفى فيها الادارة الثنائية، ووافق البرلمان السودانى على استقلال السودان ابتداء من أول يناير سنة 1956. كما تم استفتاء الشعبين المصرى والسورى فى سنة 1958 على الاندماج فى أطار دولة واحدة عرفت باسم الجمهورية العربية المتحدة إلى أن سوريا انفصلت عن مصر سنة 1961.

ويخلص مما تقدم أن اشتراط موافقة سكان الأقاليم – عند انتقاله من سيادة دولة إلى سيادة دولة أخرى – يرتبط باحترام مبدأ حق الشعوب فى تقرير مصيرها . وقد أصبح هذا المبدأ معترفاً به فى ميثاق الأمم المتحدة .

4-  الاعتراف الدولى بالتغيرات الاقليمية : ( الميراث الدولى )

 

كانت الدول تسعى حتى الحرب العالمية الاولى للحصول على اعتراف دولى بتوسعها الاقليمى كلما تعلق الامر فقط باعتبارات التوازن الدولى، أو قامت الدول الاخرى بالمنازعة فى اتمام ضم اقليم معين . ومثال ذلك اعتراض الدول الكبرى على قيام بلجيكا بضم الكونجو سنة 1907.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الاولى أصبح للاعتراف هدف آخر هو احترام الالتزامات الدولية الخاصة باحترام سلامة أراضى الدول المستقلة . فقد أكدت عصبة الأمم وجود التزام بعدم الاعتراف بالتغييرات الاقليمية التى تتم بالقوة أو التى تتضمن اخلالا بالمعاهدات الدولية . وأكد مجلس عصبة الأمم وجود هذا الالتزام فى قرار بشأن منشورياً سنة 1932، كما أكد ذلك مؤتمر مونتفيديو للدول الأمريكية سنة 1933 وميثاق شابلتبك سنة 1945 الذى أنشأ منظمة الدول الامريكية .

ولم ينص ميثاق الأمم المتحدة صراحة على الالتزام بعدم الاعتراف بضم الأراضى بطريقة غير مشروعة، رغم أنه عدم مشروعية استعمال القوة ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لاية دولة . ويدل عرف الآمم المتحدة على أنها لجات لاستعمال الالتزام بعدم الاعتراف بالاوضاع غير المشروعة فى بعض الأحوال . ومن ذلك فى أن الجمعية العامة ومجلس الأمن طلبا سنة 1956 عدم الاعتراف بحكومة روديسيا الجنوبية . كما أن الجمعية العامة أعلنت فى سنة 1967 أنها تعتبر التدابير التى اتخذتها اسرائيل لتغيير مركز مدينة القدس غير صحيحة وطلبت اسرائيل الغاءها .

 

آثار الميراث الدولى :

يرتب القانون الدولى على تغير السيادة على الاقليم عدداً من الآثار القانونية وأهمها انتقال التزامات الدولة التى كانت تمارس السيادة أصلاً على الاقليم إلى الدولة الوارثة فى بعض الأحوال .

 

1-  أثر الميراث الدولى فى المعاهدات :

ينطبق مبدأ قابلية الوعاء الاقليمى للمعاهدات للتغير، مع مراعاة عدم تحميل أن نميز الدولة المستقلة حديثاً بالمعاهدات التى تم ابرامها خلال الحكم الاستعمارى والتى تكون ضارة بمصالحها . ولذلك يلزم التمييز من الأحوال الآتية :

 

( أ ) حالة التنازل أو الضم : لا يترتب على فقد الدولة لجزء من أقليمها تحللها من الالتزامات المقررة فى المعاهدات تكون طرفاً فيها، ويتحدد نطاق تطبيق المعاهدات وفقاً لما بقى تحت سيادة الدولة من اقليم، ويقف سريان هذه المعاهدات على الاقليم المنفصل، فيما عدا المعاهدات التى كانت تنصب مباشرة على هذا الاقليم كالمعاهدات الخاصة بتعيين الحدود، أو تلك التى تقرر حياد الاقليم أو تنظيم استخدام نهر أو مضيق أو تقرر حقوق ارتفاق على الاقليم، إذ تلتزم الدولة الوارثة باحترام هذه المعاهدات .

ومن ناحية أخرى يتسع نطاق تطبيق معاهدات الدولة الوارثة لكى تشمل الاقليم الذى انضم إليها الا اذا كانت ارادة أطراف معاهدة معينة قد انصرفت إلى قصر تطبيقها على الاقليم الخاضع لكل منها وقت إبرامها، أو إذا كانت قد روعيت فى ابرامها ظروف لا تتوافر فى الاقليم محل الضم .

 

( ب ) حالة الاستقلال ونشوء دولة جديدة: ترفض الدول التى نالت استقلالها حديثاً الالتزام بالمعاهدات التى أبرامتها الدول الاستعمارية حينما كانت تمارس السيادة على الأقاليم التابعة لها . وقد أعلنت بعض الدول الجديدة كالجزائر وفولتا العليا تحللها من المعاهدات التى أبرامتها فرنسا . وأعلنت دول أخرى كدول شرق أفريقيا استمرار نفاذ مثل هذه المعاهدات خلال فترة زمنية تلى الاستقلال على أن يعقب ذلك الغاؤها أو تأكيدها . على أن بعض الدول الجديدة الأخرى كالدولة الافريقية الاعضاء فى الجماعة الفرنسية التزمت باحترام المعاهدات التى أبرمتها فرنسا قبل استقلالها.

ويبين العرف الدولى أن الدولة الجديدة ترث المعاهدات التى كانت تنصب مباشرة على جزء من اقليمها كمعاهدات الحدود والمعاهدات التى تنظم الأنهار الدولية .

ولقد جرت عادة بعض الدول الاستعمارية على تحديد آثار استقلال المستعمرة على المعاهدات وقت اعلان الاستقلال وذلك باراداتها المنفردة أو باتفاق تبرمه مع مستعيرتها السابقة .

ومن الطبيعى ألا تتقيد الدولة الجديدة بالتحديد الذى تقرره الدولة الاستعمارية بارادتها المنفردة، وهى تكون أكثر استعدادا لقبول ما تتفق عليه بعد استقلالها . واذا ما تم تسجيل اتفاق من هذا النوع فى الأمانة العامة للأمم المتحدة فان الامانة العامة تعتبر الدولة الجديدة وريثة للدولة الاستعمارية بالنسبة للمعاهدات التى وردت فى الانفاق . وتتقيد الأمانة فيما عدا ذلك برأى الدولة الجديدة فيما يتعلق بالتزامها بمعاهدات الدولة الاستعماية .

ومن ناحية أخرى جرت عادة الأمانة العامة للأمم المتحدة على أن تبعث للدولةالجديدة بقائمة بأسماء المعاهدات المتعددة الاطراف المودعة لديها والتى تكون الدولة المورثة طرفا فيها لكى تحدد الدولة الجديدة موقفاً من حيث قبول هذه المعاهدات وذلك إذا كانت نصوص معاهدات ما تسمح بتطبيقها فى أقاليم المستعمرات .

ولقد أكدت اتفاقية فينا سنة 1978 الخاصة بالميراث الدولى فى المعاهدات عدم التزام الدولة الجديدة بالمعاهدات عدم التزام الدولة الجديدة بالمعاهدات التى ابرامتها الدولة الاستعمارية .

( جـ ) حالة الدخول فى وحدة أو اتحاد : من المقرر أن اندماج دولة فى دولة أخرى أو دخولها فى أطار دولة اتحادية لا يعد سبباً لتخلصها من المعاهدات الدولة إذ يجب احترام هذه المعاهدات بواسطة الدولة الموحدة أو الاتحادية . وتلزم مراجعة المعاهدات السياسية التى أبرمتها الدول الأعضاء قبل توحيدها أو اتحادها . أما بالنسبة للمعاهدات الاخرى فيتوقف نفاذها على طبيعة هذه المعاهدات وعلى اتفاق أطراف ومع ذلك فمن اللازم احترام المعاهدات التى تنصب مباشرة على الاقليم وكذلك المعاهدات التى تكون قابلة للانتقال بطبيعتها .

 

2-  أثر الميراث الدولى على الالتزامات الدولية بصفة عامة :

تنطبق المبادئ التى شرحناها فيما تقدم على كافة الحقوق والالتزامات الدولية التعاقدية كالحقوق والالتزامات التى تكون قد تقررت على الاقليم بناء على الرضا الضمنى كحدود الاقليم أو حقوق الارتفاق المقررة عليه .

 

ولا تنتقل إلى الدولة الوارثة الحقوق والالتزامات ذات الطابع الشخصى كالحقوق السياسية، وكالأوضاع الاقتصادية التى يكون الاعتبار الشخصى أساساً فيها .

كما لاتنتقل إلى الدولة الوارثة الحقوق والالتزامات غير التعاقدية كالحقوق المقررة للدول بمقتضى القانون الدولى، وكالحقوق والالتزامات المترتبة على المسئولية الدولية نتيجة ارتكاب فعل مخالف للقانون الدولى . فالدولة الوارثة لا تسأل عن الأعمال الضارة المنسوبة للدولة المورثة الا إذا أمكن نسبة خطأ ما للدولة الوارثة .

 

3-  أثر الميراث الدولى فى الاموال العامة :

إذا ترتب على الميراث الدولى اختفاء الدولة المورثة تبعاً لانتقال كافة اقليمها للدولة الواراثة فأن الدولة الأخيرة تمتلك جميع ما كانت تملكة الدولة المورثة من أموال عامة وخاصة، أى أن ذمة الدولة الأخيرة تنتقل بأكملها للدولة الأولى

أما إذا احتفظت الدولة المورثة بشخصيتها الدولية، واقتصر الأمر على انتقال جزء من اقليمها للدولة الوارثة؛ فان الدولة الأخيرة لا تتملك من أموال الدولة الا ما كان يدخل فى عداد الأموال العامة. والاموال العامة هى الادارات العامة والاموال التى تكون مخصصة لمرفق عام أو لمنفعة عامة، كالسكك الحديدية والكبارى والترع .

 

ولقد جرى العرف الدولى على أن الدولة الوارثة لا تلتزم بدفع أى تعويض عن استيلائها على هذه الاموال العامة. فلقد نص الملحق التاسع من معاهدة الصلح من ايطاليا فى 10فبراير سنة 1948 على أن الدولة الوارثة تتلقى أموال الدولة الايطالية والادارات العامة الايطالية والمنظمات الفاشية بدون أى مقابل .

أما بالنسبة للأموال الخاصة فتظل فى ملكية الدولة المورثة الا إذا ورد شرط مخالف فى المعاهدة التى ارتبطت بها مع الدولة الوارثة .

 

4-  اثر الميراث الدولى فى الديون العامة :

 

والراجح أنه فى حالة الميراث الكلى تنتقل كافة ديون الدولة المورثة من ذمتها إلى ذمة الدولة الوارثة، وهذا فى نظير استفادة الدولة الأخيرة من موارد الاقليم الذى ضمته، وتطبيقاً لقاعدة أن الوارث يأخذ التركة بما عليها من الديون .

 

أما فى حالة الميراث الجزئى فتجب التفرقة بين نوعين من الديون العامة :

( أ ) الديون المحلية : وهى التى تكون الدولة المورثة قد التزمت بها لمصلحة ذلك الجزء من الاقليم الذى انفصل عنها . ومثالها الديون التى عقدت لانشاء ترع وسكك حديدية خاصة بهذا الاقليم وتعود منفعتها عليه وحدة. وهذه الديون المحلية تنتقل بأكملها إلى الدولة التى انتقل إليها الاقليم، وعلى هذا جرى العرف الدولى .

( ب ) أما بالنسبة للديون غير المحلية : فلا توجد بشأنها قاعدة صريحة والواقع أننا إذا تمسكنا بالوجهة القانونى البحتة لوجب القول بأن فقد الدولة لجزء من اقليمها لا يترتب عليه اعفاؤها من ديونها وذلك لأن شخصيتها الدولية تبقى، وتستمر ذمتها مشغولة بهذه الديون فى مواجهة دائنى الدولة . وهذا ما أكده الاستاذ بوريل بصفتة محكماً دولياً بالنسبة لديون الدولة العثمانية فى 17 أبريل سنة 1925 .

 

ولكن اعتبارات العدالة والضرورات الاقتصادية تقضى بوجوب تحمل الدولة التى استفادت من ضم الاقليم لجزء من ديون الدولة المورثة لأن الدولة الاخيرة حينما افترضت فعلت ذلك فى سبيل الصالح العام لكل شعبها. كما أن فقدها الجزء من اقليمها يؤدى إلى حرمانها من جانب الموارد التى كانت تعتمد عليها لخدمة الدين . ولهذا نجد أن كثيراً من المعاهدات نصت على تحمل الدولة الوارثة لجانب من ديون الدولة المورثة . ولم تتبع المعاهدات قاعدة واحدة فيما يتعلق بتحديد نصيب الدولة من ديون الدولة المورثة .

 

ويمكن تصور عدة قواعد فى هذا الشأن كأن تكون العبرة بمساحة الاقليم المنفصل بالنسبة لمساحة الدولة المورثة، أو بنسبة الضرائب التى يدفعها ذلك الاقليم لمجموع الضرائب التى تجبييها الدولة المورثة، أو بنسبة عدد السكان فى هذا الاقليم إلى مجموع سكان الدولة المورثة . ولقد أخذت معاهدات الصلح 1919 بمبدأ مشاركة الدولة الوارثة للدولة المورثة فى أعباء القروض العامة . فنصت المادة 254 من معاهدة فرسايل على أن كل دولة انتقل إليها جزء اقليم الامبراطوية الألمانية تلتزم بدفع نصيب من ديونها بنسبة ايراد ذلك الاقليم إلى ايراد الامبراطورية كلها .

أما معاهدات الصلح مع أيطاليا سنة 1947 فأنها أعفت الدولة الوارثة من الاشتراك فى أعباء القروض العامة للدولة الايطالية .

 

5-  أثر الميراث الدولى فى النظام القانونى الداخلى وفى الحقوق المكتسبة :

( أ ) الجنسية : يفقد سكان الاقليم الذى حصل ضمه لدولة أخرى جنسيتهم الأصلية، ويكتسبون بالتالى جنسية الدولة الجديدة . ويلزم تحديد معنى سكان الاقليم الذين تتغير حنسيتهم، ولا تصادفنا هنا قاعدة صريحة . فبعض المعاهدات يعتد بمحل الاقامة فى تحديد معنى سكان الاقليم المضم، وبعضها يعتد بالأصل أو الجنس . والبعض الآخر يأخذ بمعيار مشترك فيشترط فيمن يكتسب جنسية الدولة الوارثة أن يكون منتمياً بحبسه إلى سكان الاقليم المنضم وأن يكون مقيماً فيه وقت الضم .

ولقد جرت العادة على أعطاء سكان الاقليم الذى تغيرت السيادة عليه حق الاختيار فيما يتعلق بتغير الجنسية. ومعنى ذلك أن يكون لهم حق البقاء على جنسيتهم القديمة ان أرادوا، ولكن حق الاختيار يقيد فى كثير من الأحوال باشتراط مغادرة من رفض جنسية الدولة الوارثة لاقليمها وتصفية لامواله فيها . ولقد نصت معاهدة الصلح التى عقدت بين الحلفاء وايطاليا فى سنة 1947 على ان الرعايا الايطاليين الذين كانوا يقيمون فى تاريخ 19 يونيو سنة1940فى اقليم حصل التنازل عنه وفقاً لهذه المعاهدة لاحدى دول الحلفاء، يكتسبون جنسية الدولة التى تضم إليها هذا الاقليم ويتمتعون بكامل الأهلية المدنية . كما أنها نصت على اعطائهم حق اختيار استبقاء جنسيتهم الايطالية، وفى هذه الحالة يكون للدولة التى ضمت الاقليم، مطالبتهم بمغادرته إلى ايطاليا .

( ب ) الحقوق المكتيبة : يخضع الاقليم بعد ضمة لدستور وتشريعات الدولة الوارثة . على أن العادة جرت على أنه فيما يتعلق بالتشريعات، عدا ما يعد داخلاً فى نطاق الدستور، لايكون تطبيق تشريعات الدولة الوارثة فوريا بل بعد فترة انتقال يتم خلالها اعلان نصوص وموعد سريان التشريعات التى تعتبر جديدة بالنسبة للاقليم المنضم .

 

ويجب المحافظة على الحقوق المكتسبة لرعاية الاقليم فى ظل القوانين القديمة, كما يلزم احترام الحقوق الخاصة أو الالتزامات التى تكون قد منحت بواسطة الدولة المورثة لبعض الأفراد والشركات الاجنبية على الاقليم المنضم . ولقد جرت المعاهدات على النص, على احترام الحقوق القانونية المكتسبة للأجانب بواسطة الدولة الوارثة بشرط أن يكون قد تم اكتسابها بطريقة مشروعة وفقا لقوانين الدولة المورثة وأن يتم اثباتها . كما صدرت عدة أحكام من الفضاء الدولى فى هذا الصدد, ونقتصر على الاشارة الى حكمين صدرا من محكمة العدل الدولية الدائمة .

 

وصدر الحكم الأول من المحكمة الأول من المحكمة بتاريخ 25 مايو سنة 1936 فى القضية المشهورة باسم ( بعض المصالح الالمانية فى سيليزيا العليا البولونية ) وتتلخص وقائع هذا النزاع الذى ثار بين ألمانيا وبولونيا فى أعقاب الحرب العالمية الاولى فى أن بولونيا, بعد أن بسطت سيادتها على بعض الأراضىالتى كانت خاضعة لالمانيا, استصدرت مرسوما حرمت بمقتضاه الرعاية الالمانية الذين كانوا يقيمون فى هذه الاراضى من بعض ممتلكاتهم التى كانت قد منحت اليهم من الدولة الالمانية . فلما عرض الأمر على المحكمة قررت بطلان ما ذهبت اليه بولونيا, ووجوب احترام الحقوق الخاصة للرعايا الألمان .

أما الحكم الثانى فقد صدر من المحكمة بتاريخ 8 أكتوبر سنة 1937 فى النزاع الفرنسى اليونانى بشأن الفنارات, ويتلخص هذا النزاع فى أن اليونان حاولت التخلص من بعض الالتزامات الممنوحة من الدولة العثمانية لشركة فرنسية لاضاءة شواطئ الدولة العثمانية فى البحر الأبيض المتوسط وفى الدردنيل وفى البحر الاسود, وذلك بالنسبة للشواطئ التى أعطيت لليونان نتيجة للحروب البلقانية . ولقد قررت المحكمة أن عقد الالتزام الممنوع للشركة الفرنسية بواسطة الدولة العثمانية يسرى فى مواجهة اليونان ( الدولة الوارثة ) فيجب عليها احترامه .

 

(جـ) القضاء : ويثور البحث عن وضع الدعاوى التى تكون منظورة أمام محاكم الاقليم قبل حصول الضم . وكذلك عن أثر الأحكام التى صدرت عن تلك المحاكم . وهنا تجب التفوقة بين الدعاوى المدنية والدعاوى الجنائية : 

1-  بالنسبة للدعاوى المدنية التى لم يصدر فيها حكم نهائى قبل حصول الضم فانها تنتقل بحالها الى محاكم الدولة الوارثة . ويجب على هذه المحاكم أن تستمر فى نظر هذه الدعاوى على أساس الاجراءات التى تكون قد تمت, كما أنها تلتزم بتطبيق القانون القديم كلما أدى عدم تطبيقة الى مساس بحق مكتسب للأفراد .

 

أما بالنسبة للأحكام النهائية التى تكون قد صدرت من محاكم الاقليم ولم يحصل تنفيذها قبل الضم, فانه لا يجوز المساس بها ويجب تنفيذها على التفصيل الآتى . اذا كان تنفيذها يتم على اقليم الدولة المورثة أو على الاقليم المنضم, فهو يحصل بدون حاجة لأى اجراء جديد, اما اذا كان التنفيذ يتم على أرض الدولة الوارثة, فليزم لامكان القيام به الحصول على اذن بالتنفيذ من تلك الدولة .

2-  بالنسبة للدعاوى الجنائية : ينتقل حق نظر هذه الدعاوى أيضا الى محاكم الدولة الوارثة, وتقوم هذه بتطبيق قانونها بشرط ألا يؤدى ذلك الى الحكم على المتهم بعقوبة أشد من العقوبة المقررة فى قانون الدول الوارثة .  وتثور صعوبة فى حالة ما إذا كان قانون الدولة الوارثة لا يعاقب على الفعل المسند للمتهم، والراجح أنه يمكن معاقبة الجانى فى مثل هذه الحالة تطبيقاً للقواعد العامة .

 

                                       المبحث الثالث

                               اختصاصات الدولة

1-       تمتع الدولة بالشخصية القانونية :

الدول هى الاشخاص الاساسية للقانون الدولى ، وهى أوسع أشخاص ذلك القانون اختصاصاً فى مجال العلاقات الدولية، كما يمارس كل منها اختصاص عاماً داخل اقليمة .

والشخصية القانونية للدولة هى التى تفسر استمرارها على الرغم من تغير الحكام كما تفسر التزامها بالأعمال التى يأتيها ممثلوها. فاذا قام أحد ممثلى الدولة بعمل قانونى باسم الدولة، فان آثار هذا العمل لا تنصرف إلى شخصه، وانما تترتب فى مواجهة الدولة التى يمثلها، وتلزم سلطاتها العامة وشعبها. كما توضح شخصية الدولة كيف أنها تتمتع بذمة مالية مستقلة عن ذمة حكامها ورعاياها .

 

1-  ولقد تعرضت نظرية شخصية الدولة لانتقادات فقهية. فقد أنكر العالم الفرنسى ديجى شخصية الدولة وانتقد آراء المدارس الوضعية التى تقرر أن الدولة لها ارادة ذاتية. وذكر ديجى أن الدولة عبارة فقط عن مجموعة من الحكام ومن المحكومين، وأن الحكام يمارسون السلطة باسم مجموع الشعب . وعلى ذلك فان التصرفات التى تنسب إلى الدولة تنبعث عن ارادة عدد معين من الحكام .

ولم ينظر كلسن، إلى الدولة كشخص قانونى بل مجموعة القواعد القانونية الآمرة، وذكر أن القواعد الداخلية التى تنظم الدولة وتحكم نشاطها تعتبر فى حالة تبعية لقواعد أعلى منها هى قواعد القانون الولى .

وأكد جورج سل، أن الفرد وحده هو الذى يملك ارادة ذاتية، ونفى وجود ارادة جماعية هى ارادة الدولة . وذكر أن الأعمال القانونية التى يأتيها عامل من عمال الدولة له اختصاصات محددة لمصلحة الجماعة ولتحقيق غرض اجتماعى- تلتزم الدولة، وأنه عند بحث هذه الأعمال لا تظهر لنا ارادة الدولة بل ارادة القائم بالعمل

وبين بريرلى أن الدولة لا شخصية لها، لانها ليست كائناً حياً، وهى لا تملك ارادة ذاتية، واعتبر الدولة مجرد مؤسسة يقيمها الأفراد لتحقيق أهداف معينة أهمها إقامة نظام يمكنمهم من مباشرة نشاطهم .

2-  وبالاضافة إلى هذه الاعتراضات الفقهية نجد أن محكمة نورمبرج التى شكلت لمحاكمة كبار مجرمى الحرب من الألمان أضعفت من فكرة الشخصية المعنوية حينما رأت عدم الاكتفاء ببحث المسئولية الدولية لالمانيا كشخص معنوى بل قررت وجوب البحث عن الأفراد الذين كانوا يملكون اختصاص تمثيل ألمانيا لمعاقبتهم كأفراد عن الاعمال المخالفة للقانون الدولى التى ارتكبتها المانيا . على أن العرف الدولى لايزال يتمسك بفكرة الشخصية القانونية، وذلك لأنها وسيلة هامة من وسائل الصياغة يترتب على الاخذ بها سهولة فى عرض الحلول التى يأخذ بها القانون الدولى. فانكار شخصية الدولة فى الظروف الحالية يعارض المبادئ المستقرة للقانون الدولى، ويجعل من الصعب تفسير كثير من القواعد التى يقررها ذلك القانون .

 

2-اختصاصات الدولة وحقوقها المستمدة من القانون الدولى :

يقصد باختصاص الدولة السلطات القانونية المستمدة من القانون الدولى، والتى يكون بمقتضاها حق مباشرة نشاط قانونى وفقاً لاحكام ذلك القانون .

اذا ما فهمنا الاختصاص الدولى على هذا النحو، تكشف لنا أنه يتفق مع التطور الحديث لقواعد القانون الدولى العام الذى جعل ممارسة الدولة لحقوق سيادتها أمراً يخضع للرقابة الدولية .

 وعلى ذلك فأنه يجب النظر إلى حقوق سيادة الدولة باعتبارها اختصاصات تستمدها الدولة من القانون الدولى، وتخضع الدول فى ممارستها لرقابة الدول الأخرى والمنظمات الدولية .

ومن الواضح أن الدولة لازالت تلعب فى الوقت الحالى – نظراً لضعف المنظمات الدولية، الدور الاساسى فى ميدان العلاقات الدولية، وتعتبر ممارسة الدولة لاختصاصاتها أو تمتعهاً بالحقوق المترتبة على سيادتها بالمعنى السابق نقطة البداية لفهم جميع مشاكل القانون الدولى .

وتباشر الدول فى الوقت الحالى اختصاصات واسعة النطاق، يرجع بعضها إلى قصور التنظيم الدولى مما أدى إلى حلول السلطات الدولية محل السلطات الوضعية فى القيام ببعض الوظائف، أما البعض الآخر فيعود إلى ما يستلزمه تكوين الدولة على أساس اقليمى من مزاولتها لاختصاصات فى داخل اقليمها .

 

2- نظرية الحقوق الاساسية للدولة :

سبق أن أشرنا إلى أن نظرية القانون الطبيعى تؤكد أن هناك حقوقاً أساسياً تثبت لكل دولة بمجرد وجودها، وهى مستمدة من القانون الطبيعى وسابقة على القانون الوضعى، وتتمتع كافة الدول بهذه الحقوق الأساسية، ولا يجوز الانتقاض منها أو تعديلها .

 

واختلف فقهاء القانون الطبيعى فى تحديد الحقوق الاساسية للدول فذكر بعضهم أنها ثلاثة وهى : الحق فى البقاء، والحق فى التمثيل الدبلوماسى، والحق الدفاع عن النفس .

 

ولقد اتجهت لجنة القانون الدولى التابعة للأمم المتحدة إلى الأخذ بفكرة الحقوق الاساسية لدول، وحددها مشروع اللجنة لاعلان حقوق وواجبات الدول سنة 1949- بانها الاستقلال والتضامن والساواة والدفاع 

ومن الممكن توجية النقد إلى فكرة الحقوق الاساسية للدول، وذلك لان الحقوق التى تتمتع بها الدول بموجب سيادتها تستند فى أساسها إلى المعاهدات الدولية والعرف الدولى؛ فهى حقوق مستمدة من القانون الوضعى، وتخضع الدول فى ممارستها لهذه الحقوق لرقابة المجتمع الدولى . فضلاً عن أن اعتبار الحقوق الأساسية للدول غير قابلة للتغير أو التعديل لا يتفق مع الواقع ولا مع الاتجاهات الحديثة للقانون الدولى، ولعل فى هذا البيان ما يوضح أسباب تفضيلها لاصطلاح اختصاص الدولة .

وسنتولى فيما يلى عرض الاختصاصات التى تمارسها الدول وفقاً لأحكام القانون الدولى مبتدئين بالاختصاصات التى تمارسها الدولة فى ميدان العلاقات الدولية ثم تنتقل الاختصاصات التى تمارسها الدولة فى داخل اقليمها .

 

                           ** المطلب الأول **

                              الاختصاصات الدولية للدولة

تتولى الدولة تنظيم وادارة علاقات الدولية، كما أنها تختص بالدفاع عن أمنها الخارجى وحقوقها وفقاً لقواعد القانون الدولى .

 

                        اولاً : الدولة تنظيم وتدير علاقاتها الدولية

      تختص كل دولة تنظيم وادارة علاقات الدولية، فهى تنظم وتدير العلاقات التى تنشأ بين الدولة كشخص معنوى وبين الدول الأخرى ورعايا تلك الدول .

وتمارس الدولة هذا الاختصاص عن طريق أعمال قانونية تصدر أما عن ارادتها المنفردة كما تظهر فى دستورها وفى التشريعات والقرارات الداخلية، أو اتفاقها مع دولة أو دول أخرى عن طريق المعاهدات والعرف الدولى وسائر الأوضاع الدولية بما فى ذلك المشاركة فى أعمال المنظمات الدولية .

ويترتب على اختصاص الدولة بتنظيم وادارة علاقاتها الدولية مجموعة من المبادئ القانونية الأساسية تحكم العلاقات الدولية، وهذه المبادئ هى :

 

1- استقلال الدولة وحريتها فى التصرف :

تتمتع الدولة بالاستقلال الداخلى والخارجى، وهى لاتخضع لسلطة أجنبية عنها .

وتحدد الدولة اختصاصها الدولى بنفسها مراعية فى ذلك قواعد القانون الدولى العام وميثاق الأمم المتحدة . فاذا لم تكن هناك قواعد دولية تفرض عليها التزامات معينة كانت الدولة حرة فى التصرف سواء فى شئونها الداخلية إو علاقاتها الدولية .

 

لقد أيد ذلك القضاء الدولى, وعلى الخصوص محكمة العدل الدولية الدائمة فى قضية اللوتس سنة 1927 وتتلخص وقائعها فيما يلى :

صدمت الباخرة الفرنسية ( اللوتس ) الباخرة التركية ( بوش كورت) وكان ذلك فى أعالى البحار, ولقد ترتب على التصادم قتل واصابة عدد من البحارة الأتراك وفقد السفينة التركية . وعندما وصلت اللوتس الى ميناء تركى احتجزتها السلطات التركية, وقدمت قبطان السفينة للمحاكمة مطبقة عليها قواعد القانون التركى الذى يقضى باختصاص المحاكم التركية بالمحاكمة على الأفعال التى تقع خارج اقليمها بواسطة شخص أجنبى اذا كان المجنى عليه تركيا. ولكن فرنسا عارضت فى اختصاص القضاء التركى, وعرضت الأمر على محكمة العدل الدولية الدائمة . وادعت فرنسا أنه لا يمكن لدولة ما أن تفرض اختصاصها بالنسبة لوقائع تمت فى البحار العامة على سفينة أجنبية بواسطة أحد ضباط تلك السفينة . ولقد أصدرت المحكمة حكمها بتاريخ 8 سبتمبر سنة 1927, وورد فيه أن لكل دولة بناء على سيادتها أن تحدد اختصاصها كما تشاء بشرط الخضوع للقيود التى يوردها القانون الدولى العام . وأنه لا يوجد قيد دولى على اختصاص تركيا بالنسبة للنزاع المعروض على المحكمة .

أما اذا كان القانون الدولى يورد بعض القيود على حرية الدولة, فيجب عليها أن تراعى هذه القيود حينما تمارس اختصاصاتها . ومن أمثلة هذه القيود تلك المتصلة تلك المتصلة بمركز الأجانب, وبالحصانات الدبلوماسية, وبالانهار الدولية, وبالمياه الاقليمية, وبوجوب عدم الاضرار بالدول الاخرى .

ولقد أكد ذلك حكم محكمة العدل الدولية فى قضية المصايد بين النرويج والمملكة المتحدة سنة 1951 الذى قرر أن تحديد المساحات البحرية أمر له صفة دولية ولا يمكن أن يترك للادارة المطلقة لكل دولة كما تظهر فى تشريعاتها .

 

ولقد أورد ميثاق الأمم المتحدة عددا من القيود الجديدة على حرية الدولة من بينها عدم استعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية, ووجوب حل المنازعات الدولية حلا سلميا, ووجوب مراعاة مبادئ معينة بالنسبة للأقاليم غير المستقلة, ووجوب احترام حقوق الانسان .

2- عدم التدخل :

يقرر القانون الدولى عدم مشروعية تدخل دولة بطريقة مباشر أو غير مباشر فى شئون دولة أخرى . ويتمتع على الدول الاجنبية استخدام القوة المسلحة أو التهديد أو الضغط السياسى أو الاقتصادى للتأثير فى سياسة الدولة أو للحصول على مزايا معينة . ولقد تأيد مبدأ عدم التدخل فى ميثاق الأمم المتحدة وفى مواثيق الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الدول الامريكية, كما أكدته مؤتمرات عدم الانحياز .

 

واهتمت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأكيد مبدأ عدم التدخل حيث قررت سنة 1966 أنه " لا يجوز لدولة التدخل بطريق مباشر أو غير مباشر, وبغض النظر عن الاسباب, فى الشئون الداخلية أو الخارجية لدول أخرى . وعلى ذلك فان التدخل المسلح وكل صور التدخل الأخرى للمساس بشخصية دولة أو بعناصرها السياسية والاقتصادية والثقافية – يعتبر أمرا غير مشروع " .

كما نصت الجمعية العامة على مبدأ عدم التدخل باعتباره من مبادئ القانون الدولى وذلك فى الاعلان الصادر عنها فى سنة 1970 بشأن المبادئ القانونية المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة . وأوضح الاعلان أنه " لا يجوز لدولة أن تستخدم أو تشجع استخدام التدابير الاقتصادية أو السياسية أو غيرها من الدابير لاكراه دولة أخرى على الخضوع لارادتها أو للحصول منها على مزايا . ولا يجوز لدولة أن تنظم أو تساعد أو تؤيد أو تمول أو تسمح بممارسة أنشطة هدامة أو ارهابية أو عسكرية لكى تغير بالقوة نظام الحكم فى دولة أخرى أو لكى تشترك فى صراع داخلى بتلك الدولة .

على أن الغموض لا يزال يحيط بمبدأ عدم التدخل فى النواحى الآتية :

(أ‌)         لا يزال الرأى منقسما حول مشروعية التدخل العسكرى لتأييد حكومة دولة أجنبية بناء على طلبها ضد ثورة داخلية؛ اذ يعتبر البعض أن ذلك الأمر لا يعتبر تدخلا ويعتبره آخرون من قبيل التدخل, وبصفة خاصة اذا فقدت الحكومة التأييد الشعبى كما هو الحال بالنسبة للتدخل الامريكى فى فيتنام .

(ب‌)   لا يعتبر تأييد ثورات المستعمرات من أجل التحرير من قبيل التدخل فى الشئون الداخلية, ولقد استقر على ذلك عرف الامم المتحدة رغم معارضة الدول الاستعمارية .

(جـ) ينفى الفقه السوفيتى صفة التدخل على حالة قيام دولة شيوعية بمساندة نظام الحكم فى دولة شيوعية أخرى باستعمال القوة المسلحة كما حدث فى المجر سنة 1956 وفى تشيكوسلوفاكيا سنة 1969 وتعارض ذلك الدول غير الشيوعية .

( د ) يعتبر البعض التدخل العسكرى لحماية أرواح الرعايا من خطر حال محدق بهم عملا مشروعا ويطلق عليه وصف التدخل الانسانى وهناك سوابق متعددة فى هذا الشأن.

ويعتبر ممارسة الحماية الدبلوماسية, أو اتخاذ اجراءات اقتصادية لحماية أرواح وأموال الرعايا عملا مشروعا باتفاق الآراء .

( هـ ) يذهب البعض الى مشروعية التدخل العسكرى فى جميع الاحوال التى تتصل بتطبيق أهداف وميثاق الامم المتحدة . ولقد لجأت انجلترا وفرنسا الى هذا الادعاء لتبرير عدوانها على مصر سنة 1956 على أننا نعتقد أنه لا يجوز التدخل المسلح الا لمواجهة عدوان يتضمن استخدام القوة المسلحة . أو اذا كان ذلك نتيجة لالتزام ثابت فى معاهدة صحيحة, أو كان تنفيذا لقرار صادر من مجلس الأمن أو الجمعية العامة . ولقد أكد اعلان الجمعية العامة سنة 1970 بشأن العلاقات الودية بين الدول عدم مشروعية التدخل مهما كانت أسبابه أو مبرراته .

( و ) يثور الجدل حول مشروعية قيام دولة بالتشويش على اذاعة لدولة أجنبية, ولقد أدانت اللجنة الفرعية لحرية الاعلام التابعة للأمم المتحدة هذا التصرف . ومع ذلك لا يمكن القول ان هذا التصرف يعتبر مخالفا للقانون الدولى اذ لم تحرمه الاتفاقية الدولية بشأن الاذاعة المبرمة سنة 1936 .

 

3-المساواة بين الدول :

يقرر القانون الدولى أن الدول متساوية فيما بينها . ويقصد بالمساواة هنا المساواة القانونية, أى أن الدول كلها سواء أمام القانون الدولى العام, وأنها تملك بلا تمييز التمتع بالاختصاصات الداخلية والدولية التى يمنحها ذلك القانون للدول, وأن لكل منها الحق فى أن يحترم استقلاله وسلامة اقليمه .

واذا كانت الدول تتساوى فى الخضوع للقانون, فهى لا تتساوى من الناحية القانونية ولا من ناحية الاهمية السياسية .

فالدول تختلف من حيث الحجم وعدد السكان والقوة المادية الاقتصادية كما أنها تتفاوت من حيث المركز السياسى, وأهمية اشتراكها فى العلاقات الدولية, ومدى نفوذها الدولى .

 مجلس الامن, وحق الاعتراض على قرارات ذلك المجلس , وضرورة موافقتها على تعديل ميثاق الأمم المتحدة .

 

4-عدم خضوع الدولة للقضاء الاجنبى ( حصانات الدول الاجنبية ):

يترتب على استقلال الدولة تمتعها بالحصانة القضائية, ومعنى ذلك أنه من غير الجائز اخضاع تصرفات الدولة لرقابة يباشرها قضاء دولة أجنبية الا اذا قبلت ذلك . وانما تكون الرقابة على تصرفات الدولة من اختصاص الهيئات القضائية الدولية . ويستتبع ذلك بالضرورة عدم جواز التنفيذ على الاموال المملوكة للدول الاجنبية الموجودة فى اقليم الدولة .

وينتج عن ذلك أنه لا يجوز مقاضاة دولة (أ) أمام محاكم دولة (ب), ولا يجوز الحجز على أموال دولة (أ) الموجودة فى دولة (ب) حجزا تحفظيا أو تنفيذيا, كما أنه يمتنع على دولة (أ) أن تطالب دولة ثالثة كدولة (جـ) مثلا بأن تنفذ حكما صدر من محاكم دولة (أ) ضد دولة (ب) على أموال دولة (ب) الموجودة فى اقليم دولة (جـ) .

ويذهب القضاء فى انجلترا وأمريكا وهولنده وبعض البلاد الاوروبية الاخرى, الى اعفاء الدولة من الخضوع للقضاء الاجنبيى مطلق يشمل جميع تصرفاتها .

أما القضاء البلجيكى والقضاء الايطالى - وتبعهما بعد تردد القضاء الفرنسى – فيرى وجوب التفرقة بين ما يدخل من تصرفات الدولة نطاق أعمال السلطة العامة وبين مالا يعد كذلك . فلا يجوز خضوع التصرفات الأولى لقضاء أجنبى, أما التصرفات الثانية وعلى الخصوص أعمال الدولة ذات الصفة التجارية فلا مانع من اخضاعها لرقابة القضاء الاجنبى .

وبهذا أخذ القضاء المصرى فى حكم من محكمة الاسكندرية التجارية بتاريخ 29مارس سنة 1943 . ولقد ورد فيه " أنه اذا عرض على القاضى فعل مما لايصدر بطبيعته الا عن الدولة أو باسمها, تعين عليه الحكم بعدم الاختصاص, أما اذا كانت طبيعة الفعل بحيث يستطيع أى شخص من أشخاص القانون الخاص أن يقوم به كعقد أو قرض أو ما شابه ذلك, كان للمحكمة الاجنبية حق النظر الفصل فيه ايا كان الدافع اليه أو الغرض الذى تم من أجله ".

كما أخذت بنفس المبدأ محكمة الاسكندرية المدنية فى حكم أصدرته فى 12 مايو سنة 1951 . ومجمل النزاع الذى عرض على المحكمة أن الجمهورية الشعبية الاتحادية اليوجوسلافية ممثلة بواسطة وزيرها المفوض فى القاهرة طعنت فى صحة حجز أوقعته احدى الشركات المصرية ( شركة كفر الزيات ) على أموال يوجوسلافيا فى مصلحة الجمارك وبنك باركليز والبنك الأهلى فرع  الاسكندرية . وكان الحجز مبنيا على أن الشركة المصرية تعاقدت مع احدى الشركات اليوجوسلافية المساهمة ( شركة همبرو للتجارة فى المواد الكيماوية ببلجراد ) على توريد 750 طنا من كربونات الصودا بسعر الطن 12 جنيها, وأن الشركة اليوجوسلافية قامت بتوريد 250 طنا فقط مما اضطر الشركة المصرية الى شراء الباقى من السوق بسعر يفوق كثيرا السعر المتعاقد عليه .

وانبنى دفاع يوجوسلافيا على أن شركة همبرو شركة مؤممة, ومن ثم فهى مملوكة ليوجوسلافيا وتعتبر جزءا منها, والدولة لا تخضع للقضاء الأجنبيى .

 

وقد وردت المبادئ الآتية فى حكم محكمة الاسكندرية :

(أ‌)         ان الحصانة القضائية التى تتمتع بها الدول الاجنبية مؤسسة على المبادئ التقليدية للقانون الدولى ومبناها احترام سيادة الدول , ويجب أن تكون الحصانة منحصرة فى حدود هذه المبادئ .

(ب‌)   وعلى ذلك فالأعمال التى تقوم بها دولة أجنبية وتكون لها الصفة المدنية أو التجارية تدخل فى اختصاص القضاء الوطنى .

(جـ) ومع ذلك تقضى قواعد المجاملات بأن الحجز التحفظى على أموال دول أجنبية بقصد منعها من تهريب هذه الأموال يعد عملا ماسا بسيادة تلك الدولة لأنه يثير فى نفوس الغير شكوكا حول شرفها .

 

ولقد أكدت محكمة الجيزة الابتدائية فى 10 مارس سنة 1960 عدم اختصاص القضاء المصرى بنظر دعوى رفعها مدرس مصرى على مدير عام التعليم والبعثات بالمملكة العربية السعودية بطلب تعويض عن فسخ عقد عمل يربط بينه وبين وزارة المعارف السعودية . وذكرت المحكمة أن مرفق التعليم من المرافق العامة التى تهيمن عليها الدولة, ومن ثم فانها تتمتع بشأن الحصانة القضائية . وبينت المحكمة أن الدولة الاجنبية لا تتمتع بالحصانة فى الاحوال الاستثنائية التى يكون موضوع الدعوى فيها يتصل بعمل قامت به الحكومة الاجنبية عن طريق أحد موظفيها وذلك بقصد أدارة شئونها الخاصة أو تحقيق غرض تجارى مختلف عن عملها بصفتها حكومة .  

   ونلاحظ أن التفرقة فيما يتعلق باعفاءات الدول الاجنبية بين تصرفات الدولة التى تأتيها كسلطة عامة, وبين تصرفاتها التجارية والمدنية أصبحت حتمية – حتى فى البلاد الانجلوسكسونية – منذ الوقت الذى أخذت فيه الدول تتدخل فى الميادين التجارية والصناعية, وهى التى كانت تترك أصلا للنشاط الفردى, فمن المشاهد أن بعض الدول احنكرت التجارة الخارجية, وأن البعض الآخر يملك كثيرا من الصناعات والمتاجر, ولا محل لتمتع الدول أو المؤسسات العامة والشركات العامة والمملوكة للدول بالاعفاء فى هذه الميادين .

 

ولقد أكدت اللجنة القانونية الاستشارية لدول آسيا وافريقيا – بتقرير مبدأ عدم تمتع الدول وكذلك المؤسسات العامة التابعة لها بالحصانة القضائية بالنسبة للأعمال التجارية .

وكان ذلك فى دور انعقادها الثانى فى القاهرة فى سنة 1958 . 

 

5- عدم خضوع الدولة للضرائب الاجنبية :

يقضى العرف الدولى كذلك بأنه لا يجوز اخضاع الاموال المملوكة للدول الاجنبية والموجودة فى اقليم الدولة للضرائب . وهنا أيضاً تبدو التفرقة بين أموال الدولة المخصصة لاغراض عامة وبين الأموال التى تستغلها الدولة فى الاغراض الصناعية والتجارية، إذ أنه من الجائز اخضاع النوع الاخير للضرائب .

 

                        ثانياً : الدولة تدافع عن نفسها عن حقوقها

 

ان عدم وجود سلطة دولية عليا قادرة على الدفاع عن أمن كل دولة وسلامتها وحقوقها، يجعل من الضرورى أن تختص الدولة بأن تتخذ من الوسائل ما يكفل المحافظة على وجودها وحماية نفسها وحقوقها من الأخطار التى تتهددها .

 

ومن أهم ما تقوم به الدول فى هذا الشأن – وفقاً للقواعد التقليدية للقانون الدولى – أعداد القوات المسلحة وتدريبها، وصناعة الأسلحة أو الحصول عليها وتخزينها، وانشاء القواعد العسكرية، والدخول فى أحلاف عسكرية . وزيادة على ذلك يكون من حق الدولة أن تستعمل القوة المسلحة للدفاع عن نفسها .

 

1- حق الدفاع الشرعى :

حدث تغيير جوهرى فى مجال استعمال القوة إذ أن ميثاق الامم المتحدة منع الدول من أستعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية، وأقامة نظاماً للأمن الجماعى يعمل تحت اشراف مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعطى للدول حق اللجوء إلى هذه الاجهزة الدولية إذا ما كانت مهددة بعدوان أو كانت ضحية لعدوان .

 

كما أباح ميثاق الامم المتحدة للدولة استعمال القوة لكى تدافع عن نفسها، الا أنه قيد حق الدفاع الشرعى بالقيود الآتية :

1-  يجوز للدولة أن تستعمل القوة المسلحة دفاعاً عن نفسها بطريقة فردية أو جماعية، وذلك بشرط أن تكون ضحية لعدوان مسلح، وذلك حتى يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى .

ولقد قام خلاف حول تحديد معنى العدوان المبرر للدفاع الشرعى .

ومن الاضح أن العدوان يجب أن يتضمن استعمالا للقوة المسلحة ضد اقليم الدولة، فلا يكفى العدوان الاقتصادى أو الفكرى. كما أن العدوان وفقاً للرأى الراجح يجب أن يكون هجوماً مسلحاً وقع بالفعل على الدولة فلا يوجد ما يسمى بالدفاع الشرعى الوقائى . على أن البعض يرى أن الحرب الوقائية قد تكون ضرورية فى حالة توقع هجوم ذرى.

2-  يجب أن تقوم الدولة بتبليغ مجلس الأمن بالتدابير التى اتخذتها دفاعاً عن نفسها، ولا تؤثر تلك التدابير بأى حال فيما للمجلس من الحق فى أن يتخذ فى أى وقت مايراه ضرورياً من الاعمال اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى أو لاعادته إلى نصابه .

ومن الضرورى لكى نأخذ صورة واضحة عن الموقف بالنسبة لحق الدولة فى الدفاع عن نفسها عن طريق استعمال القوة أن نبدى ملاحظتين أضافتين :

( أ ) أن سلطات مجلس الأمن للأمم المتحدة فيما يتعلق بقمع العدوان واتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على أمن كل دولة وسلامتها لا زالت غير كافية، وأنه من المتصور فى ظل نظام الأمم المتحدة الحالى ألا تتخذ مثل هذه التدابير أو يتعذر تنفيذها نتيجة لاستعمال حق الاعتراض من جانب احدى الدول الكبرى .

( ب ) ان الدول قد لجأت فى بعض الاحوال إلى استعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية متعللة بأسباب مختلفة . واليكم بعض الأسئلة :

1-  فى أكتوبر سنة 1956 اعتدت اسرائيل وفرنسا وانجلترا على مصر اعتداء مسلحاً مخالفة بذلك ميثاق الامم المتحدة . ولقد قامت مصر هذا العدوان، وأدانته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 2 نوفمبر سنة 1956 وانتهى الأمر بهزيمة العدوان .

2-  فى أكتوبر سنة 1962 فرضت الولايات المتحدة حصاراً بحرياً على شواطئ كوبا، ومارست تفتيش السفن المتجة إليها وذلك لمنع وصول الأسلحة الهجومية إليها. وكان هذا الاجراء الحربى فى أعقاب انشاء قاعدة صاروخية فى كوبا بواسطة الاتحاد السوفيتى . ولقد أخطرت الولايات المتحدة مجلس الأمن بهذا الاجراء وعللته بحقها فى الدفاع عن نفسها وبـأن منظمة الدول الأمريكية قد اقرت هذا التصرف . ولقد ثار الشك حول مشروعية الاجراء الامريكى نظراً لان مجلس الامن لم يأمر باتخاذ مثل هذا الاجراء وأنه لا يكفى فى هذا الشأن اخطاره بقرار الولايات المتحدة .

  كما أن المنظمات الاقليمية كمنظمة الدول الامريكية لا تستطيع استعمال القوة المسلحة الا باذن من مجلس الامن أو اذا كان أحد أعضائها ضحية لاعتداء، وزيادة على ذلك فانه لا يمكن ممارسة الدفاع الشرعى الا إذا كانت الدول ضحية الاعتداء قد تعرضت لهجوم مسلح وقع بالفعل، فلا يكفى مجرد توقع الاعتداء .

 

ولقد انتهت أزمة كوبا بموافقة الاتحاد السوفيتى على رفع قواعد الصواريخ من كوبا واعادتها للاتحاد السوفيتى .

3-  وفى سنة 1962 احتلت الصين بعض مناطق الحدودة المتنازع عليها مع الهند جنوب خط مكماهون . ولقد اعتبرت الهند أن الاحتلال الصينى لهذه المناطق اعتداء عليها؛ واستعملت القوة المسلحة لصد هذا العدوان ولقد طالبت مصر والدول غير المنحازة بوقف الاعمال الحربية وبانسحاب القوات المسلحة إلى مراكزها القديمة .

4-  فى شهر أكتوبر سنة 1963 قامت المملكة المغربية بهجوم على الأراضى الجزائرية بررته برغبتها فى استعادة بعض الاراضى التى تعتبرها جزءاً من اقليمها . ولقد أمكن لمجلس منظمة الوحدة الافريقية وقف هذا الاشتباك .

5-  وفى شهر سبتمبر سنة 1965 قامت اشتباكات مسلحة بين الهند والباكستان بسبب خلافها على وضع كشمير، ولقد أدت هذه الاشتباكات إلى دخول القوات المسلحة للدولتين فى أراضى الدولة الاخرى باضافة إلى غارات جوية متبادلة . ولقد أمكن لمجلس الأمن وقف هذه الاشتباكات .

6-  فى 5 يونيو سنة 1967 قامت اسرائيل بعدوان مسلح على أراضى ثلاثة دول عربية واحتلت بالقوة المسلحة أجزاء من أراضى كل من الأردن وسوريا والجهورية العربية المتحدة، ولقد قاومت الدول العربية هذا العدوان . كما أصدر مجلس الأمن القرار رقم 242 فى 22 نوفمبر سنة 1967 رفض فيه مبدأ احتلال الاراضى بالقوة، وأكد فيه على انسحاب القوات الاسرائيلية واقامة سلام عادل ودائم فى الشرق الاوسط .

7-  فى 4 ديسمبر سنة 1971 قامت القوات الهندية بالتدخل عسكرياً فى باكستان الغربية لتأييد انفصال بنجلاديش . ولما عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار بوقف القتال أحال الموضوع على الجمعية العامة فى 6ديسمبر سنة 1971 وقررت الجمعية فى ديسمبر وقف القتال ولم يتم ذلك الا بعد استسلام القوات الباكستانية .

 

2- تقييد حق الدولة فى التسلح :

 

تنبه الرأى العام العالمى منذ بداية القرن العشرين إلى اطلاق حرية الدول فى التسليح وتسابقها فى هذا المضمار ينطوى على خطرين وهما :

( أ ) ازدياد حدة التوتر فى العلاقات الدولية وازدياد احتمالات الحروب نتيجة لتكدس الأسلحة لدى الدول .

( ب ) أن التسابق على التسليح يلقى أثقل الأعباء على ميزانية كل دولة، ويعطل تنميتها الاقتصادية وسيرها فى طريق الرخاء .

وطالب الرأى العام العالمى بضرورة نزع السلاح وتخفيضه . ويدل التاريخ على أن اختلاف مصالح الدول واتجاهاتها السياسية وفقدان الثقة بينها أدى اخفاق المحاولات التى بذلت فى هذا الميدان .

( أ ) مجهودات عصبة الامم :

 

كان لمجلس الأمم اختصاص العمل على تخفيض التسليح إلى أقل حد يتفق مع أمن كل دولة .

ولقد فشلت مجهودات عصبة الامم فى هذا الشأن، ويرجع ذلك لسببين :

1-  احساس الدول بأنه من الضرورى انشاء نظام فعال للأمن الجماعى قبل الموافقة على تخفيض التسليح حتى لا يكون من شأن ذلك تهديد أمن الدول وسلامتها . ولقد تزعمت فرنسا هذا الاتجاه .

2-  احساس ألمانيا بأنها الدولة الوحيدة التى فرضت القيود على تسحيلها فى معاهدة فرسايل ومطالبتها بالمساواة مع باقى الدول .

ومع ذلك فلقد تم فى حياة عصبة الأمم ابرام بروتوكول جنيف فى 17 يونيو سنة 1925 الذى حرم استخدام الغازات الخانقة والسامة فى الحروب، كما منع البروتوكول استخدام الحرب البكتريولوجية .

( ب ) مجهودات الامم المتحدة فى ميدان خفض التسليح ونزع السلاح :

أهتم ميثاق الأمم المتحدة بموضوع تنظيم التسليح ونزع السلاح نظراً لان ميلاد الامم المتحدة عاصر استعمال القنابل الذرية لاول مرة .

 

1-  فقد نصت المادة الحادية عشر على اختصاص الجمعية العامة بالنظر فى المبادئ العامة للتعاون فى حفظ السلم والأمن الدولى، ويدخل فى ذلك المبادئ المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسليح .

كما نصت المادة السادسة والعشرون على أنه رغبة فى أقامة السلم والأمن الدوليين وتوطيدههما بأقل تحويل لموارد العالم الانسانية والاقتصادية إلى ناحية التسليح . يكون الأمن مسئول عن وضع خطط تعرض على أعضاء الأمم المتحدة لوضع منهاج لتنظيم التسليح .

2-  ونشطت الجمعية العامة لوضع مبادئ نزع السلاح وتخفيضة منذ دورتها الأولى سنة 1946، فقد شكلت فى تلك الدورة لجنة الطاقة الذرية لكى تضع مبادئ نزع الاسلحة الذرية، كما أنشات فى سنة 1947 لجنة الاسلحة العادية وهى تختص بالعمل على تخفيض حجم القوات المسلحة والاسلحة العادية . وحينما وجدت الجمعية العامة أن هناك ارتباط وثيقاً بين نزع السلاح الذرى وخفض الاسلحة العادية قررت فى سنة 1952 ادماج اللجنتين فى لجنة واحدة هى لجنة نزع السلاح التى تعدل تشكيلها فى سنة 1959 لكى تضم كل أعضاء الأمم المتحدة .

واستمر الجدل قائماً فى الجمعية العامة ولجان نزع السلاح حوالى خمسة عشر عاماً دون أية نتيجة أيجابية تقرب من هدف نزع السلاح، بل على العكس من ذلك ازداد سباق التسليح وانتشار الأسلحة الذرية فى تلك المرحلة .

3-  ولقد حدث تطور ايجابى فى نشاط الأمم المتحدة فى مجال نزع السلاح ابتداء من سنة 1960 نتيجة لتلاقى وجهات نظر الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الامريكية حول خطورة التسلح الذرى بدون ضوابط .

ولقد ترتب على ذلك أن وافقت الجمعية العامة فى 20سبتمبر سنة 1961 بالاجماع على تصريح مشترك سوفيتى أمريكى يتضمن الاتفاق على المبادئ العامة التى تتخذ أساسا للمفاوضات المستقلة المتعلقة بنزع السلاح الشامل الكامل تحت رقابة دولية فعالة، كما يتضمن قرار الجمعية العامة الموافقة على الاقتراح السوفيتى الامريكى بتشكيل لجنة جديدة لنزع السلاح تضم ممثلين لحلف الأطلنطى وممثلين لحلف وارسو وممثلين للدول غير المنحازة .

ولقد كان عدد أعضاء اللجنة فى بداية الامر 18 دولة ثم أصبح منذ سنة 1969: 26دولة وأصبح مؤتمر لجنة نزع السلاح .

ترتب على هذا التطور الايجابى ابرام معاهدات نزع السلاح الآتية التى دخلت جميعها فى دور التنفيذ :

اولاً – معاهدة الحظر الجزئى للتجارب الذرية: تم فى 5أغسطس سنة 1963 ابرام معاهدات تقرر منع اجراء تجارب ذرية فى الهواء وفى الفضاء الخارجى وتحت البحر. ولقد لاقت هذه المعاهدة ترحيباً كبيراً من الرأى العام الدولى وانضمت لها أكثر من مائة دولة من بينها مصر . على أنه يعاب عليها أنها تسمح باجراء التجارب الذرية تحت الارض مما يعطى ميزة للدول الكبرى التى تستطيع الاستمرار فى تطوير أسلحتها الذرية، كما أن فرنسا والصين لم تنضما للمعاهدة

 

ثانياً – معاهدة اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجى بما فيه القمر والاجرام السماوية الاخرى : تم اقرار هذه المعاهدة فى 14 ديسمبر سنة 1966، وقد ورد بها تحريم وضع الأسلحة الذرية وأسلحة الدمار الجماعى الأخرى فى الفضاء الخارجى كما نصت على نزع سلاح الاجرام السماوية .

 

ثالثاً : معاهدات تلاتلوكو : تم أبرام هذه المعاهدة فى 14 فبراير سنة 1967 وهى تنشئ منطقة مجردة من السلاح الذرى فى أمريكا اللاتينية .

 

رابعاً – معاهدة منع انتشار الأسلحة الذرية : تم اقرار هذه المعاهدة فى 12 يوليو سنة 1968 وهى تنص على تعهد الدول التى لا تملك أسلحة ذرية بعدم الحصول على هذه الاسلحة وعلى تعهد الدول الذرية بعدم تقديم مثل هذه الاسلحة للدول غير الذرية أو مساعدتها فى انتاجها . وأقامت المعاهدة نظاماً للرقابة الفنية الدائمة على منع انتشار الاسلحة الذرية تتولاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولقد قامت الوكالة باعداد اتفاقيات للضمانات تتمشى مع متطلبات تطبيق معاهدة منع الانتشار، ويتضمن نظام الضمانات نوعين من الرقابة وهما :

( أ ) رقابة مسبقة على أقامة المنشأت الذرية وعلى النووية وهى تتضمن أن تقوم الدول بأرسال التصميمات والبيانات للوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من الطابع السلمى للمشروع .

( ب ) رقابة لاحقة وهى تتم عن طريق التفتيش على المنشأت والمواد النووية بواسطة مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من عدم تحويل النشاط الذرى السلمى إلى نشاط عسكرى .

خامساً – معاهدة تحريم وضع الأسلحة الذرية وغيرها من أسلحة التدمير الجماعى فى قاع البحار: تم ابرام هذه المعاهدة فى سنة 1971، وهى تحرم وضع الاسلحة الذرية واسلحة التدمير الجماعى الأخرى فى قاع البحار والمحيطات وما تحت القاع . وأقامت المعاهدة نظاماً للتحقيق من تنفيذ أحكامها يتضمن اجراء مشاورات وتعاون الأطراف إذا ما خولفت هذه الأحكام .

سادساً – معاهدة منع الأسلحة البيولوجية : تم ابرام هذه المعاهدة سنة 1972 وهى تتضمن التزام الأطراف بعدم انتاج أو حيازة الاسلحة البكتريولوجية وأسلحة الجراثيم بمختلف أنواعها ( الاسلحة البيولوجية )، كما تحظر المعاهدة حيازة الوسائل والمعدات المخصصة لنقل هذه الأسلحة لاستخدامها فى الحرب .

 

ويتعهد أطراف الاتفاق بتدمير كافة ما لديهم من أسلحة بكتريولوجية وجرثومية خلال تسعة أشهر من نفاذ الاتفاقية . كما نصت على أن يقوم مجلس الأمن بالنظر فى الشكاوى التى تتعلق بمخافة أحكام المعاهدة .

4-  بالاضافة إلى ما تقدم قررت الجمعية العامة سنة 1970 أن يكون العقد القادم للأمم المتحدة هو عقد لنزع السلاح ويتم خلاله العمل أفقياً على منع انتشار الأسلحة الذرية ورأسياً على تحديد حجم الأسلحة الاستراتيجية النووية التى تملكها الدول .

ويقوم مؤتمر لجنة نزع السلاح فى الوقت الحالى بدراسة موضوع الحظر الشامل للتجارب الذرية، وابرام معاهدة لنزع السلاح الشامل الكامل بالعمل على ضم الصين وفرنسا إلى اتفاقيات نزع السلاح .

 

                                 ** المطلب الثانى **

                             الاختصاصات الداخلية للدولة 

ومن الأمور المقررة فى القانون الدولى أن الدول تملك فى داخل اقليمها اختصاصاً عاماً، ومعنى ذلك أنها تنظيم كافة مظاهر الحياة الانسانية فى داخل اقليمها، وذلك على النحو الآتى :

تنظيم الحكم :

لكل دولة أن تختار بحرية نظام الحكم الداخلى الذى يحقق لها الأمن والرخاء والذى يلائم ظروفها ويرضى عنه شعبها .

وتختلف أنظمة الحكم الداخلية، وتأخذ غالبية الدول فى الوقت الحالى بالنظام الجمهورى وأن كان جانب منها يحتفظ بأنظمة ملكية، وتميل الدول إلى الأخذ بأنظمة حكم ديمقراطية وأن اختلف أنواع الديمقراطيات وأشكالها اختلافاً كبيراً، على أن بعضها يحكم حكماً دكتاتورياً . ومن الشائع أن يقوم الحكم على أساس اقتصاد رأسمالى أو اقتصاد اشتراكى أو أقتصاد مختلط .

ولا يتدخل القانون الدولى لكى يفرض شكلا أو نظرية معينة للحكم على اعتبار أن هذا الأمر يتعلق بالاختصاص الداخلى للدولة، ومع ذلك فمن المتصور أن تتدخل الأمم المتحدة فى هذا الشأن إذا كان نظام الحكم المتبع فى دولة من الدول يخالف الالتزامات المقررة فى ميثاق الأمم المتحدة كما لو كان يعتبر العدوان وسيلة مشروعة لتنفيذ السياسة الوطنية، أو كان يهدر حقوق الانسان، ولقد سبق أن أشرنا إلى تدخل الأمم المتحدة لمناقشة أنظمة الحكم فى أسبانيا وفى تشيكوسلوفاكيا، وفى المجر، وفى روديسيا فى جنوب أفريقيا .

 

ومن الممكن أن يتغير نظام الحكم السائد فى دولة ما بالطريق الدستورى أو نتيجة لثورة أو انقلاب . وهذا الأمر يبرر تدخل الدول الاجنبية طالما أن نظام الحكم الجديد يستطيع تحمل التزاماته الدولية . ونشير فى هذا الشأن إلى أنه كان من المعتاد فى الماضى أن تتدخل الدول لحماية الانظمة القائمة من الانقلابات والثورات الداخلية ومن أمثلة ذلك ما كان يقوم به الملوك المشتركون فى التحالف الأوربى المقدس منذ سنة 1815 .         كما تدخلت الدول الاوربية فى سنة 1917 لمقاومة الحكم الشيوعى فى روسيا . غير أنه من الملاحظ أن الدول المتقاربة يهتم كل منها بنوع نظام الحكم القائم فى الدول الاخرى .

 

السيادة على الموارد الاقتصادية وتنظيم الاقتصاد القومى :

 

للدولة السيادة على ثرواتها الطبيعية ومواردها الاقتصادية . ولقد أكدت المادة الأولى من ميثاق حقوق الانسان سنة 1966 حق كل شعب فى التصرف فى موارده الطبيعية والاقتصادية بدون اخلال بالالتزامات الدولية المبينة على المصلحة المشتركة، وأنه لا يجوز حرمان شعب من موارده الطبيعية .

 

وتختص كل دولة بتنظيم اقتصادها القومى وفقاً لما تؤمن به من مبادئ سياسية واقتصادية واجتماعية . وللدولة أن تتخذ كل الاجراءات الكفيلة بحسن استغلال ثرواتها ومواردها الاقتصادية وبتحقيق ما يتفق مع الصالح العام لشعبها، وذلك مع مراعاتها لالتزاماتها الدولية فى هذا الشأن فى مواجهة الدول الاجنبية ورعايا تلك الدول . ولقد أكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر سنة 1962 بشأن السيادة الدائمة للشعوب على مواردها الطبيعية الآتية :

1-  وجوب ممارسة الشعوب لحق السيادة على مواردها لمصلحتها .

2-  أن يكون اكتشاف واستغلال الموارد الطبيعية واستيراد رؤوس الاموال الأجنبية وفقاً للشروط تضعها الشعوب بحرية .

3-  خضوع أرباح رؤوس الاموال الاجنبية للتشريع الوطنى والقانون الدولى .

4-  أن يتم التأميم ونزع الملكية مع مراعاة المصلحة القومية والأمن القومى ومع دفع تعويض مناسب وفقاً للقانون الوطنى وللقانون الدولى .

5-  أن يتم التعاون الدولى من أجل تنمية الدول الناميةعلى أساس احترام سيادتها على مواردها وثرواتها .

6-  وجوب احترام الاتفاقات الخاصة باستثمار الأموال الاجنبية والتى يتم ابرامها بالارادة الحرة وتكون متفقة مع ميثاق الأمم المتحدة وهذا القرار.

وتقوم الدولة بادارة المرافق الوطنية، فاذا ما قصرت فى ذلك مما أدى إلى الحاق أضرار بحقوق الأجانب، فانها تعد مسئولة دولياً، وذكر بعض الفقهاء أنه إذا ما تكرر تقصير الدولة فى تنظيم المرافق العامة مما سبب أخلالها المتكرر بقواعد القانون الدولى، فأنه من الجائز فى هذه الحالة أن تتدخل الدولة أو الدول التى أصيبت حقوقها لكى تدير مباشرة هذه المرافق، وأن التدخل فى هذه الحالة يعد حقاً بل هو واجب انسانى على الدول .

ونحن لا نقر هذا الرأى، ونعتقد أنه تكفى فى مثل هذه الأحوال المسئولية الدولية، لان التدخل المباشر يتضمن اعتداء واضحاً على فكرة الاختصاص الاقليمى وعلى اختصاص الأمم المتحدة بحماية حقوق الانسان. ويمكن للأجانب بطبيعة الحال أن يغادروا اقليم الدولة التى تسوء فيها الادارة العامة .

 

التشريع :

تقوم الدولة بالتشريع فى داخل اقليمها، ويمتد اختصاصها التشريعى كقاعدة عامة فى مواجهة كافة الاشياء التى توجد فى هذا الاقليم، والاعمال التى تتم فيه .

وتتقيد الدولة حينما تقوم بالتشريع فى المسائل المختلفة من مدنية وجنائية وادارية بضرورة احترام القواعد العامة للقانون الدولى والقواعد الواردة فى اتفاقات دولية ملزمة، كما أن عليها أن تراعى أحكام ميثاق الأمم المتحدة الذى يتمتع بالصدارة والسمو على سائر الالتزامات الدولية .

ولا يمكن للدولة أن تستند إلى تشريعها أو دستورها لكى تتحلل من الالتزامات الدولية المفروضة عليها. فلا يجوز للدولة مثلاً أصدار تشريع يترتب عليه انكار العدالة فى مواجهة الأجانب كما لو حرمتهم من حق اللجوء للقضاء، كما لايجوز لها أن تصادر بدون مبرر قانونى أموال الاجانب. ولا يمكنها بواسطة التشريع أن تمنع الاجانب بصفة عامة سواء أكانوا مقيمين فى اقليم الدولة أو خارجها من كل تعامل مع الدولة أو أفراد شعبها .

 

القضاء :

تباشر الدولة سلطة القضاء وحق استعمال وسائل القهر العادل الذى يتفق مع قواعد الضمير العالمى. ويطبق القضاء القوانين الوطنية، ويجب أن تكون هذه القوانين متفقة مع قواعد القانون الدولى .

ولقد أخذ التشريع فى جمهورية مصر العربية بقاعدة اقليمية القضاء، فتختص المحاكم الجنائية بكافة الجرائم التى تقع فى مصر من مصريين أو أجانب ( راجع المادة الأولى من قانون العقوبات المصرى ). وتختص المحاكم المدنية المصرية بالدعاوى المرفوعة على المصريين، وكذلك بالدعاوى المرفوعة على الأجانب الموجودين فى مصر . كما تختص المحاكم المصرية وفقاً للمادة الثالثة من قانون المرافعات المصرى بالدعاوى المرفوعة على أجانب غير موجودين بأشخاصهم فى مصر وذلك فى بعض الاحوال التى يتوافر فيها عنصر أقليمى آخر وهذه الاحوال هى :

 

1-  إذا كان للاجنبى موطن مختار فى مصر .

2-  إذا كانت الدعوى متعلقة بعقار أو بمنقول موجود فى مصر، أو كانت ناشئة عن عقد أبرم أو نفذ أو كان مشروطاً تنفيذه فى مصر، أو كانت الدوعوى ناشئة عن واقعة حثت فيه .

3-  إذا كانت الدعوى متعلقة بتركة افتتحت فى أو تفليس أشهر فيها .

4-  إذل كان لأحد المختصمين موطن فى مصر .

ويقرر فقهاء قانون المرافعات فى مصر اختصاص المحاكم المدنية إذا كان المدعى عليه مصرياً حتى ولو لم يكن موجوداً فى مصر، وسواء كانت الدعوى متعلقة بمال موجود فى مصر أم كانت متعلقة بمال موجود فى الخارج أم كانت ناشئة عن واقعة حدثت فيه . وواضح أن فى هذا خروجاً على قاعدة الاختصاص الاقليمى ليس له ما يبرره، فالمادة الثالثة من قانون المرافعات وهى التى تتكلم على اختصاص المبنى على الولاء الشخصى. ويستند الفقهاء فى تبرير رأيهم على أن القانون المدنى المختلط كان يقرر هذه القاعدة فى مادته الثالثة عشر، كما أنها مقررة فى القانون المدنى الفرنسى فى المادة الرابعة عشرة.

ونعتقد أنه من الأفضل – التمسك بقاعدةالاختصاص الاقليمى الافى الاحوال التى يخرج فيها المشرع صراحة على هذه القاعدة خصوصاً وان الفقه والقضاء فى فرنسا يقيدان اختصاص المحاكم الفرنسية فى الدعاوى المرفوعة على الفرنسيين ( حتى لو كان المدعى فرنسياً ) وذلك فى الدعاوى العينية العقاريةإذا كان العقار فى الخارج، وبالنسبة لاجراءات الحجز والتنفيذ إذا تمت فى الخارج .

 

أحوال الخروج على الاختصاص الاقليمى للدولة :

 

ويدخل على قاعدة الاختصاص الاقليمى للدولة عدد من الاستثناءات أهمها الاعفاءات التشريعية والقضائية، وغيرها من الاعفاءات المقررة لروساء الدول الاجنبية، وللممثلين الدبلوماسين والقناصل، وللمنظمات الدولية، وللموظفين الدوليين والدول الاجنبية ذاتها. ومقتضى هذه الاعفاءات أن الدولة لا تستطيع أن تباشر- فى مواجهة بعض الاشخاص الطبيعية والمعنوية – بعض مظاهر اختصاصها الايجابى، وسوف نقوم فى الجزء الثالث من هذا المؤلف بشرح مضمون الاعفاءات الدبلوماسية والقنصلية .

 

وتلزم الاشارة أيضاً إلى أن العرف الدولى جرى على استثناء القوات الحربية الاجنبية – أثناء وجودها فى اقليم الدولة بتصريح منها أو أثناء مرورها فيه – من الخضوع للقضاء الاقليمى بالنسبة لما يقع من أفراد هذه القوات من أفعال مخالفة للقانون فى الأماكن التى سمح لهم بالاقامة فيها أو فى خارج هذه الاماكن إذا وقع الفعل أثناء قيام لأفراد هذه القوات بعملهم الرسمى . ويسرى هذا الاعفاء سواء وجدت القوات الأجنبية فى اقليم الدولة فى زمن السلم أو فى زمن الحرب ما دام أن اقامة هذه القوات ومرورها ينتج عن تصريح من الدولة صاحبة الاقليم . كما أن الاعفاء يشمل أيضاً القوات البحرية الأجنبية فى أثناء وجودها فى المياه الاقليمية للدولة فلا تخضع السفن الحربية والسفن العامة للقضاء الاقليمى بالنسبة لكل ما يقع فوق ظهرها، كما أن بحارتها يعفون من القضاء الاقليمى إذا ما نزلوا إلى الأرض بتصريح من الدولة لاداء مهمة رسمية .

ويشمل الاعفاء كذلك الطائرات الحربية الاجنبية ورجالها بنفس الشروط المتطلبة فى حالة السفن الحربية .

ولقد طبق مبدأ أعفاء القوات الحربية الاجنبية من القضاء الاقليمى فى المعاهدة المصرية سنة 1936، وفى اتفاق الجلاء عن مصر سنة 1954، وفى المكتب المتبادلة بين وزير خارجية مصر وسكرتير عام الأمم المتحدة فى سنة 1957 وفى سنة 1973 بشأن وضع قوات الطوارئ الدولية .

 

أنفراد الدولة بممارسة الاختصاصات الاقليمية :

تنفرد الدولة بممارسة سائر مظاهر السلطة العامة فى اقليمها. وهى تحتكر استعمال وسائل القهر والتنفيذ وكذلك أقامة القضاء . ولا يجوز للدولة ممارسة مثل هذا النشاط فى أقاليم الدول الاخرى الا برضاء تلك الدول .

 

وتطبيقاً لذلك يمتنع على الدولة أن تقبض على أفراد مقيمين على اقليم دولة أخرى . وقررت المحاكم الفرنسية بطلان اجراءات القبض التى تمت بواسطة رجال بوليس فرنسى فى الاقليم البلجيكى، وذكرت أن " الدول لا تستطيع أتخاذ أعمال القوة فى دولة اجنبية " . ويترتب على ذلك أنه إذا ارتكب فرد جريمة فى اقليم دولته ثم فر إلى أقليم دولة أخرى فلا يجوز مطارته هناك بواسطة سلطات الأمن فى دولته . وهكذا يمكن القول أنه من الممكن للمجرم أن يجد الملجأ فى أقليم الدولة الاخرى ولكن العادة جرت على أن لدولة التى يفر إليها المجرم تقوم بالقبض عليه وتسلمة لسلطات الدولة صاحبة الاختصاص الاقليمى كما سنبين عند الكلام على تسليم المجرمين .

ويتمتع على الدولة أيضاً أن تباشر القضاء خارج اقليمها أو أن تمد اختصاص محاكمها الوطنية إلى أفعال لم تتم على اقليمها ولا تتصل به بصورة من الصور الا بالنسبة لمراكبها الموجودة فى عرض البحار، على أن العرف الدولى أباح للدول فى بعض الأحوال، أن تخضع لاختصاصها رعاياها الموجودين فى اقليم أجنبى، وكذلك الاجانب الموجودين خارج اقليمها ببعض الشروط .

 

1- بالنسبة لرعايا الدولة الموجودين فى أقليم دولى أخرى :

استقر العرف الدولى على السماح للدولة فى بعض الاحوال بممارسة اختصاص شخصى فى مواجهة رعاياها الموجودين فى الخارج . ومن ذلك اخضاعهم لتشريعاتها وبصفة خاصة مجال الاهلية وحقوق الاسرة والخدمة العسكرية والضرائب .

كما يجوز للدولة أن تباشر قضاءها على رعاياها المقيمين فى اقليم أجنبى وذلك عند عودتهم لاقليم دولتهم . وهذه الحالة نصت عليها القوانين العقابية للدولة المختلفة، وتفصيلها أن يرتكب أحد رعايا الدولة جريمة فى اقليم دولة أخرى أو على سفينة أجنبية ثم يفر إلى اقليم دولته .و لما كانت القاعدة هى عدم جواز تسليم الرعايا فقد يترتب على ذلك بقاء بعض الجرائم بلا عقاب إذا لم تعط الدولة التابع لها المتهم الحق فى محاكمته عند عودته أليها . ومن الجلى أن أساس الاختصاص هنا الرابطة الشخصية بين الدول ورعاياها .

 

2- بالنسبة للاجانب الموجودين خارج اقليم الدولة :

 

ذهب الفقة الأنجلو سكسونى إلى أنه لا يجوز لدولة ما أن تحاكم أشخاصاً من غير رعاياها على جريمة ارتكبوها فى الخارج مهما كان نوع الجريمة لانه فى هذه الحالة لا توجد علاقة اقليمية أو شخصية بين الدولة والمتهم . أما الفقه فى البلاد الاوربية فأخذ بامكان محاكمة الاجانب على جرائم ارتكبوها فى خارج الاقليم فى حالات خاصة . وأهمها حالة ما إذا كانت الجرائم موجهة ضد أمن الدولة أو اقتصادها أو الثقة فيها، وبهذا أخذ القانون الفرنسى وتبعة فى ذلك القانون المصرى، ومن هذه الحالات أيضاً ما تنص عليه قوانين بعض الدول من حق الدولة فى المعاقبة على جرائم ارتكبها أجانب فى الخارج متى كان المجنى عليه من رعاياها .

 

                                 ** الفصل الثالث **

                                          اقــــليـم الدولـــة

 

يشتمل اقليم الدولة عادة على مساحة من الأرض, وعلى ما يوجد فى تلك المساحة من أنهار ومياه داخلية, وعلى مساحات من البحار, وعلى مساحة من الجو .

 

طبيعة علاقة الدولة بأقليمها :

الاقليم ركن من أركان الدولة, ولا يتصور وجود الدولة ما لم يستقر شعبها على وجه الدوام فى اقليم محدد لكى يستغل ثروات الاقليم الطبيعية ومواردة الاقتصادية, ولكى يوفر الشعب لنفسه الظروف المعيشية الملائمة لبقائه ولتطوره .

ونظر لأن الرابطة الى تربط الدولة باقليمها رابطة وثيقة السيادة التى تتمتع بها الدولة بأنها سيادة اقليمية بمعنى أن تباشر فى اقليم معين .

 

ولقد اختلف الفقهاء فيما يتعلق بتحديد طبيعة علاقة الدولة باقليمها :

1-  نظرية الملكية :

كان هناك ميل فى الماضى للاستعانة بأحكام القانون المدنى لتفسير علاقة الدولة باقليمها, وكان الفقهاء يصفون حق الدولة على اقليمها بأنه حق ملكية . ويرجع ذلك الى أنه حينما نشأت القواعد التقليدية للقانون الدولى فى القرنين السادس عشر والسابع عشر كان الاقليم يعتبر جزءا من أملاك الملك أو الامير يحق له أن يتصرف فيه كما يتصرف فى سائر أملاكه .

فلما استقرت نظرية السيادة فى الفقه القانونى, تقرر اعتبار الاقليم خاضعا لسيادة الدولة وليس مملوكا للحاكم ومع ذلك وجد الفقهاء تشابها بين سيادة الدولة على اقليمها وبين الملكية, فالحق فى كليهما مقصور على صاحبه ويخول له سلطة التصرف فى موضوع الحق . ولهذا فقد طبقوا بعض القواعد الخاصة بالملكية على سيادة الدولة على اقليمها وبصفة خاصة فيما يتعلق بطرق اكتساب السيادة وفقدها, وبالقيود التى ترد عليها, ومن هنا نجد أن كثيرا من اصطلاحات القانون المدنى شائعة فى هذا الموضوع كوضع اليد والتقادم والارتفاق .

ولقد تعرضت هذه النظرية لنقد شديد لأنها تخلط بين الملكية وبين السيادة . ومن الواضح أن لسيادة الدولة مدلول قانونى وسياسى ينبعث عن فكرة المجتمع الدولى المقسم الى دول ينفرد كل منها بحكم اقليم معين, وعن اعتبار أن الدولة اعلى سلطة داخل اقليمها . ولا يمكن تشبيه سلطات الدولة السياسية واختصاصاتها فى ميادين الحكم والتشريع والقضاء بالملكية الخاصة لفرد من الأفراد . ولقد ساهم القضاء الدولى فى تأصيل فكرة السيادة الاقليمية مما جعل هذا الموضوع يتميز بأحكامه الدولية المستقلة عن أحكام الملكية .

 

2-  نظرية الاندماج :

تقرر هذه النظرية أن الدولة تندمج فى أقليمها وأن العلاقة بينهما تبلغ من القوة حدا يجعل من غير الممكن التمييز بينهما بحيث أصبح لهما بنفس المدلول .

ويعاب على هذه النظرية ان فكرة الاقليم سابقة على ظهور الدولة بمعناها الحديث, كما أن اقليم الدولة قد يزيد أو ينقص دون أن يؤثر ذلك فى شخصيتها القانونية .

 

3-  نظرية النطاق :

نقطة البداية فى هذه النظرية هى فكرة سيادة الدولة, ويعتبر اقليم الدولة النطاق التى تمارس داخله الدولة سيادتها . ولا ريب فى أن نظرية النطاق تفضل نظرية الملكية ونظرية الاندماج , لأنها تخلو من عيوب هاتين النظريتين .

ومع ذلك نلفت النظر الى أن مشتملات اقليم الدولة من أراض ومياه وهواء تكون قيما فى ذاتها, ولذا يقوم القانون الداخلى بحمايتها وتنظيم استغلالها . فينظم القانون المدنى الملكية الخاصة, وينظم القانون الادارى الملكية العامة للدولة . ومن الممكن أن تتملك الدولة بعض الأموال الموجودة فى اقليم يتبع دولة أخرى كما لو اشترت لنفسها مقرا لبعثتها . الدبلوماسية .

 

                                 المبحث الأول

                         أسباب اكتساب الدولة للاقليم

 

يعتبر البحث فى أسباب اكتساب الدولة للاقليم أمرا جوهريا لأن مباشرة الدولة لسيادتها الاقليمية تعتبر حجر الزاوية فى القانون الدولى .

ويتضح من مراجعة العرف الدولى وجود أسباب مختلفة لاكتساب الاقليم . ويمكن التمييز بين الأسباب الاصلية لاكتساب الاقليم, وبين أسباب اكتساب الاقليم نقلا عن الغير .

 

                           أولا : الاسباب الاصلية لاكتساب الاقليم

تكتب السيادة بصفة أصلية على اقليم معين اذا لم يكن هذا الاقليم خاضعا من قبل لسيادة دولة من الدول . ويوجد سببان أصليان لاكتساب الاقليم, هما . الاستيلاء والاضافة .

 

الاستيلاء :

هو مباشرة الدولة لمظاهر سيادتها على اقليم لا يتبع دولة ما بقصد ادخاله فى سيادتها . ولقد كان الاستيلاء أهم سبب لاكتساب الأقاليم القانون الدولى التقليدى, وعن طريقه استطاعت الدول الاوربية اكتشاف واستعمار الاقاليم المتختلفة فى قارات أمريكا وآسيا وافريقيا . وذلك لأنها اعتبرت هذه الاقاليم مباحة لانها غير مسكونة أو مسكنة بشعوب لاتكون دولا تعترف الدول الأوربية بسيادتها وبعضويتها فى المجتمع الدولى .

على أن أهمية الاستيلاء قد قلت بعد الانتهاء من اكتشاف ووضع اليد على مناطق العالم المختلفة, وتنحصر أهميته فى الوقت الحالى بالنسبة للمناطق القطبية الشمالية والجنوبية .

 

تطور القواعد الخاصة بالاستيلاء :

(أ‌)         الافكار الدينية :

أعطى البابا الكاثوليكى لنفسه سلطة توزيع الأراضى التى اكتشفتها الدول الاوربية منذ أواخر القرن الخامس عشر خارج أوربا باعتباره ممثلا للارادة الالهية . ولقد صدرت من الباب عدة قرارات منحت ملوك اسبانيا والبرتغال ملكية مساحة من البحار ومن الأراضى التى اكتشفت فيما وراء رأس الرجاء الصالح وفى امريكا . ومن أهم ما صدر فى هذا الشأن, قرار البابا اسكندر السادس فى 4 مايو 1493 الذى قسمت بمقتضاه الأراضى المكتشفة فى أمريكا بين أسبانيا والبرتغال وبواسطة خط طول وهمى يفصل بين أملاك الدولتين . ويلاحظ أن البابا كان يمنح الدول السلطة على الاقاليم حتى قبل أن يتم اكتشافها أو يحصل وضع يد رمزى أو فعلى عليها .

 

(ب‌)   اشتراط الاكتشاف المصحوب بوضع اليد الرمزى :

عارض كثير من الدول التى اشتركت فى حركة التوسع الأوربى كفرنسا وانجلترا وهولندة فى شرعية قرارات البابا وأنكرت حقه فى توزيع الأراضى التى يتم اكتشافها وبصفة خاصة الاراضى الامريكية . وبدأت هذه الدول ترسل الاشخاص والبعثات والحملات لاكتشاف الاراضى الجديدة والاستيلاء عليها .

 

واستقر العرف فى القرنين السابع عشر والثامن عشر على أن من حق أية دولة أوربية أن تقوم بالاستيلاء على الاقاليم غير الأوربية, وأنه يشترط لاستيلاء الدولة على اقليم ما أمران :

1-  ألا يكون الاقليم تابعا لدولة معترف بوجودها وبسيادتها, حتى ولو كان الاقليم مسكونا بشعب من الشعوب له تنظيمه السياسى الخاص .

2-  أن تقوم الدولة باكتشاف الاقليم, وأن يقترن الاكتشاف بعمل يدل على الحيازة المعنوية كرفع علم أو اقامة بناء أو قلعة أو تلاوة اعلان وقد تقوم سلطات الدولة بعملية الاكتشاف, أو يقوم بها أفراد او شركات بتصريح من الدولة أو باذن منها . ولا يعتد بأعمال الاستيلاء التى يقوم بها الأفراد العاديون الا كدليل على استغلال اقليم معين بواسطة دولة من الدول .

 

( جـ ) اشتراط وضع اليد الفعلى :

بدأت القواعد الخاصة بالاستيلاء تتطور منذ أواخر القرن الثامن عشر, و أصبح من المقرر فى القرن التاسع عشر أنه يشترط لاكتساب الاقليم عن طريق الاستيلاء أن يتم وضع اليد الرمزى عليه لا يعتبر استيلاء ؛ اذ أنه يلزم لاكتساب السيادة على الاقليم أن تقوم الدولة بمباشرة السلطة الفعلية بواسطة عمالها وموظفيها, وأن تقيم ادارة منظمة تشرف على الاقليم .

ولقد تأيد هذا المبدأ فى مؤتمر برلين سنة 1885 الخاص بالكونجو والشئون الافريقية . ولقد عقد ها المؤتمر بناء على دعوة بسمارك لتنظيم استعمار افريقيا والاستيلاء عليها بواسطة الدول الأوربية . وكانت افريقيا فى ذلك الوقت ميدانا للتنافس الاستعمارى وعلى الخصوص بين فرنسا وانجلترا وألمانيا وبلجيكا والبرتغال التى تسابقت على اكتشاف المناطق الافريقية والاستيلاء عليها .

 واشترط مؤتمر برلين وضع اليد الفعلى؛ كما أشترط أن تقوم الدولة واضعة اليد بالاعلان الدول الأخرى بوضع يدها على الاقليم. والحكمة من الاعلان، تنظيم عملية الاسيتلاء بطريقة علنية تمنع الاحتكاك الاستعمارى، بحيث لاتضع دولة يدها على أقليم سبق أن وضع دولة أخرى يدها عليه وقد تقوم الدولة التى اكتشفت الاقليم بوضع اليد الفعلى عليه مباشرة، وقد يتم ذلك على مراحل عن طريق ممارسة السلطة تدريجياً على أجزاء الاقليم المختلفة واستغلالها .

وقد أكدت المحاكم الدولية فى عدة مناسبات أهمية وضع اليد الفعلى، وأن الممارسة المستمرة للسلطة بشكل غير متنازع فيه شرط لاكتساب الاقليم بطريق الاستيلاء. ومن الاحكام الهامة فى هذا الشان حكم أحدى محاكم التحكيم التابعة لمحكمة التحكيم الدولية الدائمة فى قضية " بالماز " فى سنة 1918 . ولقد كان النزاع يدور حول السيادة على جزيرة بالماز بين الولايات النتحدة وهولندة . وكانت الولايات المتحدة تستند فى دعواها على أساس أنها ورثت حقوق أسبانيا على هذه الجزيرة بموجب معاهدة صلح باريس سنة 1856 التى نقلت للولايات المتحدة كافة حقوق أسبانيا على برزخ الفلبين . وذكرت الولايات المتحدة أن لأسبانيا السيادة على الجزيرة، لانها قامت باكتشافها فى القرن السادس عشر . ولقد رفضت هولندة أدعاء الولايات المتحدة على أساس أنها قامت بوضع يدها فعلاً على الجزيرة وباشرت سلطتها عليها مما يبرر اكتسابها للسيادة عليها، ولا يمنع من ذلك اكتشاف أسبانيا للجزيرة طالما أنها لم تتبع ذلك بوضع يدها فعلاً عليها. ولقد أيد قرار التحكيم وجهة نظر هولندة، وبين أن الاكتشاف لا يعتبر سنداً كاملاً للسيادة، فهو سند ناقص يجب أن يكمل بوضع اليد الفعلى . وهذا ما لم تقم به أسبانيا مورثة الولايات المتحدة، ومن ثم يجب الاعتراف بسيادة هولندة على جزيرة بالماز، لأنها باشرت عليها سيادتها بشكل مستمر وبدون منازعة .

امتداد السند الخاص بالاسيلاء إلى المناطق الجاورة :

بينما فيما تقدم أن وضع اليد الفعلى أصبح شرطاً لاكتساب الاقليم عن طريق الاستيلاء. على أن الدول الاستعمارية ذهبت إلى أن الاستيلاء على بعض المناطق الساحلية فى أمريكا أو اسيا أو أفريقيا يستتبع بالضرور.ة الاعتراف للدولة التى قامت بالاستيلاء بحقها فى الاستيلاء كذلك على المناطق الداخلية التى تعتبر من الناحية الجغرافية امتداد طبيعياً للمناطق الساحلية حيث أنه من المتوقع عادة أن تقوم الدولة مستقبلاً بممارسة وضع اليد الفعلى عليها .

ولقد تطور هذا الاتجاه فى القرن التاسع عشر. فظهرت نظرية مناطق النفوذ ومقتضاها أن تحتفظ كل دولة استعمارية بحقها فى المطالبة مستقبلاً بممارسة السلطة على مناطق واسعة تجاور المناطق التابعة لها . ولقد جرت عادة الدول الاستعمارية على تبادل الاعتراف بمناطق النفوذ .

ضرورة مراعاة ظروف الاقليم :

اتجهت المحاكم الدولية الى ضرورة مراعاة ظروف الاقليم المستولى عليه وطبيعته, فاذا كانت بعض مناطق هذا الاقليم شديدة البرودة تتعذر الاقامة فيها بصفة مستمرة ويصعب اقامة سلطة منظمة فيها, كان من الواجب التخفيف من معنى وضع اليد الفعلى فيما يتعلق بالاستيلاء على هذه المناطق .

وأهم حكم صدر فى هذا الموضوع حكم محكمة العدل الدولية الدائمة بتاريخ 5 أبريل سنة 1935 فى النزاع بين الدانمرك والنرويج حول جرينلاند الشرقية . ويتلخص موضوع النزاع فى أن الدانمارك كانت تضع يدها مساحات من جرينلاند منذ زمن طويل . وفى سنة سنة 1931 أعلنت النرويج عزمها على الاستيلاء على بعض مناطق جرينلاند, فاحتجت الدانمارك ورفعت الأمر لمحكمة العدل الدولية الدائمة التى أصدرت حكمها فى صالحها . ويبين من مراجعة هذا الحكم أن المحكمة تشترط لاكتساب السيادة بطريق الاستيلاء حصول وضع اليد الفعلى على الاقليم, وان كانت توسعت فى معنى وضع اليد الفعلى بالنسبة للنزاع المعروض نظرا لأنه يتعلق بمساحات هائلة فى مناطق شديدة البرودة وغير مأهولة فى الغالب, فعرفت وضع اليد الفعلى بأنه : " المباشرة المستمرة للسلطة ". وبينت أنه يستلزم ترافر ثلاثة شروط :

(أ‌)         مباشرة الدولة واضعة اليد لاختصاصات تشريعية معينة, كمنح ترخيص للصيد أو امتيازات للمناجم, أو تحديد المياه الاقليمية, أو تنظيم الملاحة, ولم تشترط المحكمة أن تقوم الدولة بانشاء محاكم أو بوليس .

(ب‌)   يجب أن تكون هذه الاختصاصات من النوع الذى تقوم به الدول عادة فلا يكفى أن تباشر الدولة واضحة اليد اختصاصا لا يقصد منه وضع نظام أو تحقيق أمن .

(جـ) يجب أن تباشر الاختصاصات المذكورة فى أثناء فترة معينة, وقد توسعت المحكمة فى شرط المدة بالنسبة للنزاع المعروض . فلم يشترط أن تكون الدانمارك باشرت هذه الاختصاصات فى أثناء فترة طويلة بل يكفى ان يثبت أنها باشرتها فى أثناء الفترة الحرجة التى سبقت النزاع .

 

الاستيلاء على الاقاليم القطبية :

أثار الاستيلاء على الاقاليم القطبية الشمالية والجنوبية بعض الصعوبات نظرا لان اشتراط وضع اليد الفعلى فى هذه الاحوال يكاد يكون مستحيلا . وتتنافس الدول على الاستيلاء على هذه المناطق نظرا لاهميتها للملاحة الجوية, وللأمن الدولى, ولكثرة الثروات الموجودة فيها .

( أ ) القطب الشمالى :

نشأت بالنسبة للاستيلاء على أقاليم القطب الشمالى نظرية تعرف باسم نظرية المناطق القضبية ومقتضاها اعتبار مناطق القطب الشمالى امتدادا طبيعيا لأقاليم الدول الواقعة حوله . وتقرر النظرية, أن كل دولة تتملك أراضى القطب الشمالى الموجودة فى منطقتها القطبية وهى على شكل مثلث تقع قاعدته فى الحدود الشمالية للدول المجاورة للقطب الشمالى, ورأسه فى القطب الشمالى .

وأول من نادى بهذه النظرية وطبقها كندا, وكان ذلك فى سنة 1907.

ثم اعتنقها الاتحاد السوفيتى وطبقها بمقتضى مرسوم سنة 1926 على المنطقة القضبية المجاورة لاقليمه . ويلاحظ أن نظرية المناطق لا تعترف بالاستيلاء كوسيلة للتملك فى المنطقة القطبية فلا يجوز لدولة ما أن تضع يدها على أقاليم واقعة فى المنطقة القضبية التابعة لدولة أخرى حتى ولو كانت هذه الاقاليم لم تكتشف بعد .

ولقد أوضح العالم الروسى لاكتين هذه النظرية وقرر زيادة على ذلك أن تملك المنطقة القطبية يتضمن أن تمتد سيادة الدولة على ما يوجد فى هذه المنطقة من أرض وبحار اقليمية وبحار عامة وثلاجات كذلك على الأجواء التى تمتد فوق كل هذه الاشياء .

 

ولبعض الدول الاخرى حقوق ومطالبات فى القطب الشمالى ؛ فالولايات المتحدة الامريكية تمارس السيادة على الاسكا؛ وتمارس الدانمارك سيادتها على جرينلاند, وتطالب النرويج بالسيادة على سبيتزبرجن . ولكن هذه الحقوق والمطالبات مبناها الاكتشاف ووضع اليد بالمعنى الواسع وليس تطبيق نظرية المناطق القطبية .

 

(ب) القطب الجنوبى :

تم تطبيق نظرية المناطق القطبية على نحو مختلف بالنسبة للقطب الجنوبى نظرا لبعده عن كافة القارات المعروفة, وانفصاله عن المناطق المأهولة بالسكان . وتشترط النظرية بالنسبة للاستيلاء على مناطق القطب الجنوبى ضرورة اكتشاف هذه المناطق بواسطة دولة ما, ووضع اليد الرمزى عليها أو على أجزاء تحيط بالمنطقة المكتشفة من الشرق ومن الغرب ومن الشمال . ولقد طبقت انجلترا هذه النظرية بقرار بتاريخ 14 فبراير سنة 1923 أعلنت فيه سيادتها على منطقة كبيرة من القطب الجنوبى تمتد حتى خط عرض 60 بين خطى طول 45 شرقا, 160 غربا باستثناء منطقة ( اديليا ) التى تركت لفرنسا . وكذلك طبقتها فرنسا بقانون 15 يناير سنة 1924 فيما يتعلق بالمنطقة الواقعة فى جنوب خط عرض 70 بين خطى طول 136 شرقا و 142 غربا واسمها منطقة اديليا. كما طبقتها شيلى بالنسبة لمنطقة تقع بين خطى طول 53 شرقا و 90 غربا, والأرجنتين بالنسبة لمنطقة تقع بين خطى طول 25و76 .

ولقد نازعت النرويج فى أول الامر فى شريعة هذه القاعدة, ولكنها عدلت عن معارضتها وطبقتها بقانون 14 يناير سنة 1938 بالنسبة لمنطقة خاصة بها .

وترتب على تطبيق نظرية المناطق بواسطة بعض الدول فى القطب الجنوبى نشوء تضارب فى ادعاءاتها, فلقد قام خلاف بين انجلترا وبين شيلى والارجنتين بشأن السيادة على بعض أقاليم المنطقة القطبية الجنوبية, واقترحت انجلترا فى 4 مايو سنة 1955 احالة هذا الخلاف على محكمة العدل الدولية, ولكن شيلى والارجنتين رفضتا اختصاص المحكمة .

 

ولم تقبل الولايات المتحدة الادعاءات المختلفة بالنسبة لمناطق القطب الجنوبى اذ أنها رفضت نظرية المناطق القطبية, واشترطت على الدوام لاكتساب السيادة على اقليم ما أن يعقب الاكتشاف الاستيلاء والاقامة فى المنطقة المكتشفة . كما رأت الولايات المتحدة ضرورة عقد مؤتمر لتحديد النظام القانونى للقطب الجنوبى وعلى الخصوص بالنسبة للصيد ولاقامة مراكز للمراقبة الجوية . ولقد تلقت الولايات المتحدة فى 7 يونيو سنة 1950 مذكرة سوفيتية جاء فيها أن الاتحاد السوفيتى لن يقبل أى وضع يتم الاتفاق عليه بالنسبة لمناطق القطب الجنوبى بدون اشتراكه وسائر الدول المهتمة بتلك المنطة ذات الأهمية الدولية .

 

وتم الاتفاق على تجميد مؤقت للخلافات المتعلقة بالقطب الجنوبى فى اتفاقية سنة 1959 بين الارجنتين وبلجيكا وشيلى وفرنسا واليابان والنرويج وجنوب افريقيا والاتحاد السوفيتى والمملكة المتحدة والويات المتحدة . وقررت الاتفاقية عدم تأييد أو نفى المطالبات القائمة بالنسبة للقطب الجنوبى وأنه لا يمكن لدولة أن تستند الى عمل يتم أثناء نفاذ هذه الاتفاقية لكى تقرر لنفسها حقوقها جديدة فى القطب الجنوبى أو لكى تزيد من حقوقها فى تلك المنطقة . كما نصت الاتفاقية على قصر استخدام القطب الجنوبى على الاغراض السليمة, وعلى تعاون أعضائها فى اكتشافه, وعلى حرية دخول المراقبين من الدول الاعضاء لكل أجزائه .

ومن الواضح أن موضوع الاستيلاء على القطب الجنوبى لايزال يفتقر الى قواعد قانونية مقبولة من الدول . ولقد طالب البعض بفرض اشراف دولى على هذه المناطق أو وضعها تحت الوصاية الدولية .

 

الاضافة :

يتم اكتساب الدولة للملحقات التى تضيفها الطبيعة لاقيمها وذلك دون حاجة الى أن تقوم بعمل أو اجراء خاص لادخالها فى اختصاصها, ومن أمثلة هذه الملحقات, الجزر التى تتكون تدريجيا فى البحار الاقليمية أو الانهار, والزيادات التدريجية أو الفجائية التى تتكون عند شاطئ الدولة, والدلتا التى تتكون عند مصب الأنهار .

وتتملك الدولة أيضا الاضافات الصناعية التى تتم فى اقليمها, كما لو بنت حاجزا للأمواج فى بحرها الاقليمى أو أقامت فيه منشآت لموانيها .

 

                            ثانيا : أسباب اكتساب الاقليم نقلا عن الغير

 

تكتسب الدولة اقليما ما نقلا عن الغير اذا كان الاقليم تابعا فى الأصل لدولة معينة ثم انتقل اليها بالتنازل أو الفتح .

 

التنازل :

(أ‌)         معنى التنازل :

يقصد بالتنازل تخلى دولة عن جزء من اقليمها لدولة أخرى ويكون هذا عادة نتيجة لمعاهدة أو لتصريح صادر من الدولة صاحبة الشأن . وتملك الدولة كاملة السيادة أن تتنازل عن أجزاء من أقليمها, وقد يكون التنازل بمقابل أو بغير مقابل . ومن الشائع أن تحتوى معاهدات الصلح على نصوص تتعلق بالتنازل الاقليمى, ومن أمثلة ذلك : تنازل ايطاليا فى المادة 23 من معاهدة الصلح سنة 1947 عن أجزاء من اقليمها لصالح فرنسا, وتنازلها عن مستعمراتها الافريقية ( ليبيا وأريتريا والصومال ) .

 

ويجب أن يفهم التنازل بأوسع معاونه بحيث لا يشمل فقط الاتفاق الصريح على انتقال اقليم من سيادة دولة الى دولة أخرى, بل ينصرف زيادة على ذلك الى التنازل الضمنى الذى يستفاد من تصرفات الدولة التى تقطع بأنها قد تخلت عن سيادتها اقليم معين .

 

ولقد ثار البحث عما اذا كان سكوت الدولة على وضع اقليمى معين دون أن تحتج عليه يعتبر قبولا منها لهذا الوضع, والراجح أن هذا السكوت اذا ما طال أمده يعتبر من قبيل الرضا الضمنى وخصوصا اذا ما كان الوضع محل قد تم استقراره بطريقة علنية .

 

( ب )التنازل والحيازة المفترضة :

وقد لا ينصب التنازل على الاقليم مباشرة وانما يتعلق بتخلى الدولة عن سبب من أسباب اكتساب الاقليم كالاستيلاء مثلا . ومن أمثلة ذلك القاعدة المتبعة فى بعض دول أمريكا الاتينية والمسماة بمبدأ الحيازة المفترضة .

وتقرر هذه القاعدة ان دول أمريكا الاتينية – التى كانت فى الماضى مستعمرات اسبانية – يتم تحديد حدودها الدولية على أساس الحدود الادارية الاستعمارية السابقة . ويفترض أن كل دولة من هذه الدول قد حازت فعلا الاقليم الذى كان يدخل فى هذه الحدود ولو لم تقم بذلك فعلا, وحتى فى حالة ما اذا كانت أسبانيا نفسها لم تضع يدها على هذه المناطق فى الماضى . ويترتب على هذا المبدأ تنازل الدولة الامريكية عن الاستيلاء أو عن الفتح كوسيلة من وسائل اكتساب الاقليم بالنسبة لهذه المناطق .

 

التقادم :

1-  معنى التقادم وشروطة :

 يقصد بالتقادم أكتساب الاقليم عن طريق مباشرة السيادة عليه على نحو مستمر وغير متنازع فيه خلال فترة من الزمن تكفى لتوليد الشعوب بأن الوضع القائم يتفق مع الحكم القانونى . ولقد عارض بعض الفقهاء فى أدخال مثل هذا النظام فى القانون الدولى، وقرروا أن قواعد القانون الدولى لا تنظم شروط التقادم ولا تحدد مدة له . ولكن أغلبية الفقهاء تأخذ بالتقادم على اعتبار أنه من المبادئ المستقرة فى كل الانظمة القانونية، فضلاً عن أنه يؤدى إلى استقرار الاوضاع الدولية . ويؤيدون رأيهم بأن معظم الحدود القائمة بين الدول تستند إلى مضى المدة الطويلة، وأنه مع الزمن تعجز الدول عن اثبات السند الأصلى لاكتسابها لاقليمها، ومن ثم يجب الاعتراف بالتقادم كسبب لاكتساب الاقليم

 

ويشترط فى التقادم وفقاً للعرف الدولى ما يلى :

( أ ) أن تضع الدولة يدها على الاقليم باعتبارها صاحبة السيادة، وأن تنبعث تصرفاتها على هذا الاقليم عن هذا الأساس .

وعلى ذلك فأن الدولة التى تتولى ادارة اقليم معين نيابة عن دولة أخرى – كما هو الحال فى ظل نظام الايجار وحوالة الادارة – لا يمكنها أن تكتسب السيادة عليه مهما طالت مدة الايجار أو حوالة الادارة . كما أن الدولة التى تدير الأقاليم الموضوعة تحت الوصاية لا يمكنها أن تكتسب هذه الاقاليم مهما طالت مدة الوصاية .

 

( ب ) أن يكون وضع اليد غير المتنازع فيه، فمن الضرورى أن يتم ذلك بطريقة علنية وألا يثير منازعة أو احتجاج من الدولة صاحبة الاقليم .

( جـ ) أن تمضى فترة من الزمن على مباشرة الدولة لوضع يدها على الاقليم . ولا توجد قاعدة زمنية موحدة فى هذا الشأن، وانما يترك الأمر لظروف كل نزاع، والحكمة من أشتراط مضى المدة أن يستقر الوضع الجديد ويصبح وضعاً مألوفاً لدى الدول الأخرى .

2-  الحقوق التاريخية :

يقصد بالحقوق التاريخية، الحقوق أو الاختصاصات التى تكسبها الدولة على خلاف القواعد العامة للقانون الدولى، ويكون ذلك عن طريق ممارسة هذه الحقوق او الاختصاصات على مر التاريخ بدون أعتراض من جانب الدول. ومع أنه يصعب التمييز بين أحكام التقادم والاحكام المتصلة بالحقوق التاريخية الا أن العرف الدولى والمحاكم الدولية يطبق نظرية الحقوق التاريخية فى مجالات معينة كأوضاع الخلجان التاريخية، وحقوق الصيد فى أجزاء من أعلى البحار والحقوق المتصلة بالامتداد القارى .

 

الفتح :

كان الفتح من أهم الوسائل التقليدية لاكتساب الاقاليم، ومعناه الاستيلاء عنوة على أقليم تابع لدولة أخرى واعلان ضمة للدولة الفاتحة، ولا يتوقف ذلك على موافقة دول ألاصل أو على اعتراف الدول الاخرى .

ولقد تشكك الفقهاء فى مشروعية الفتح منذ سنة 1919، وذلك على اعتبار أن عهد الامم منع الحرب التى يقصد منها الاعتداء على استقلال الدول أو سلامة أقاليمها، كما أن ميثاق بريان كيلوج سنة 1928 نص على استبعاد الحرب كوسيلة لتنفيذ السياسة القومية .

ولقد جاء ميثاق الأمم المتحدة قاطعاً فى تقرير عدم مشروعية الفتح وكذلك كافة الحقوق  التى يكون مبناها النصر العسكرى واستعمال القوة. اذ نصت الفقرة الرابعة من المادة الثانية على أن " يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً فى علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لاية دولة" . ولقد تم تطبيق هذا المبدأ فى قرار مجلس الامن رقم 242 سنة 1967 الذى صدر بعد الحرب العربية الاسرائيلية 1967 والذى نص على عدم جواز اكتساب الأراضى بالقوة .

 

ضرورة مراجعة القواعد الخاصة باكتساب الاقاليم :

تحتاج القواعد التقليدية المتعلقة بأسباب اكتساب الاقاليم إلى مراجعة شاملة على هدى المبادئ الجديدة التى دخلت فى ميدان العلاقات الدولية وتقترح ما يلى بالاضافة إلى تقرير عدم مشروعية الفتح .

 

( أ ) تنظيم الاستيلاء على الاقاليم المباحة لصالح المجتمع الدولى :

 

ومن الضرورى تنظيم عملية اكتشاف وتعمير الاقاليم المباحة – وهى تنحصر فى الوقت الحالى فى بعض المناطق القطبية وفى قاع البحار وفى القضاء الخارجى والاجرام السماوية – بطريقة تمنع التنافس بين الدول وتحقق مصلحة المجتمع الدولى . واذا ما وجد سكان فى هذه الاقاليم فيجب تأمين مستقبلهم ومصالحهم وحقهم فى تقرير مصيرهم . ومن الطبيعى أن تكون الامم المتحدة الجهاز الطبيعى لتنظيم هذه العملية تحت اشراف دولى، لأن هذه المناطق تهم المجتع الدولى بأسره .

 

( ب ) توفير بعض الضمانات عند انتقال الاقاليم من دولة لاخرى :

 

ومن الضرورى عدم الاعتراف بمشروعية انتقال الاقليم من سيادة إلى أخرى الا إذا ما تحقق أمران وهما :

( أ ) أن يكون التنازل عن الاقليم قد تم بالتراضى دون استعمال القوة أو التهديد باستعماها .

( ب ) أن يتم استفتاء سكان الاقليم بحرية فى مستقبلهم السياسى وذلك تطبيقاً لحق الشعوب فى تقرير المصير .

 

                                 ** المبحث الثانى **

                             الاقليم الارضى

مشتملات الاقليم الارضى :

( أ ) الأراضى وما فوقها :

الأرض هى العنصر الاول من أقليم كل دولة، وتمارس الدولة سيادتها على الأرض التى تقع فى داخل حدودها وكذلك على ما يوجد على الارض من معالم طبيعية كالتلال والجبال والبحيرات .

ولا يشترط القانون الدولى أتساعاً معيناً للاقليم الأرض، فقد تكون مساحة الاقليم ضئيلة كما هو الحال فى موناكو وسافادور؛ وقد تكون هذه المساحة شاسعة كما هو الحال فى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى والصين .

ولا يهم فى هذا الصدد أن يكون اقليم الدولة الأرضى وحدة قائمة بذاتها لا تنفصل بين أجزائها أراضى تابعة لدولة أخرى، أو يكون مكوناً من وحدات منفصلة يعتبر مجموعة أقليم الدولة الأرضى .

( ب ) ما تحت الأرض من مناجم وطبقات بترولية :

 

ويشمل اقليم الدولة أيضاً ما فى باطن الارض من محتويات ومن مناطق سفلى إلى   مالا نهاية . على ذلك يكون حق كل دولة استغلال المناجم والثروات الطبيعية الموجودة فى باطن الأرض الخاضعة لسيادتها . ولا يجوز للدولة أن تمد استغلالها إلى ما هو موجود فى باطن أراضى الدولة الأخرى .

ولا يثير هذا الأمر صعوبة فى حالة المناجم، إذ يمتنع على الدولة فى حالة المناجم الموجودة على الحدود أن يمتد حفرها تحت الارض إلى باطن أراضى الدولة المجاورة . أما فى حالة استغلال ما فى باطن الارض من بترول أو ماء أو غازات طبيعية فقد يؤدى قيام الدولة بسحب البترول أو المياة من أراضيها إلى الانتقاض من كميات البترول أو المياة الموجود فى أراضى الدول المجاورة . ومن الضرورى فى مثل هذه الاحوال اتفاق الدول المتجاورة على اقتسام المخزون من البترول ومن المياه بنسبة ما يوجد تحت أرض كل منها من الطبقات المحملة بالبترول أو المياة أو الغازات الطبيعية .

 

 الحدود الدولية :

لكل دولة حدود تعين نطاق اقليمها الأرضى، وللحدود الولية أهمية سياسية وقانونية كبرى لان الدولة تمارس سيادتها داخل حدودها، وعند الحدود تنتهى سيادة دولة وتبدأ عادة سيادة دولة أخرى .

والحدود قد تكون طبيعية كما لو وجدت حواجز طبيعية تحد اقليم الدولة كجبل أو نهر أو بحر. وقد تكون صناعية كما لو لجأت الدولة إلى وضع علامات ظاهرة عند حدودها كأعمدة أو ابراج أو أسوار أو أسلاك شائكة . وقد تكون الحدود عبارة عن خطوط وهمية كخط طول أو خط عرض كما الحال بالنسبة للحدود بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية .

ولقد استقرت الدول فى داخل حدودها الحالية نتيجة لأمور متعددة تداخلت فيها العوامل الجغرافية والاقتصادية مع العوامل الجنسية والسياسية والاجتماعية والحربية .

ولقد تغلبت الاعتبارات المتعلقة بالجنس على الحدود التى رسمتها معاهدات الصلح التى أعقبت الحلاب العالمية الأولى، ومع ذلك فلقد روعيت بعض الاعتبار الحربية والتاريخية .

أما الحدود التى رسمت بعد الحرب العالمية الثانية فلقد تغلبت بشأنها الاعتبارات السياسية والعسكرية دون الاهتمام بالاعتبارات الجنسية . ومن ذلك أن حدود بولونيا اتسعت نحو الغرب إلى مناطق ماهولة بسكان من أصل ألمانى، كما أن مؤتمر جنيف سنة 1945 قسم فيتنام إلى شطرين يفصل بينها خط عرض 17.

ونود أن نلفت النظر إلى ظاهرة بالغة الأهمية بالنسبة للحدود فى أمريكا وفى آسيا وأفريقيا، وهى ظاهرة تحول الحدود الادارية السابقة التى رسمتها الدول الاستعمارية بناء على اعتبارات تتعلق بالادارة، وبالرغبة فى التجزئة، وبظروف التنافس الاستعمارى – إلى حدود سياسية، وذلك بعد تحرير المستعمرات . وهذه الظاهرة واضحة تماماً بالنسبة للحدود بين الدول العربية، وللحدود بين دول أمريكا اللاتينية، ولحدود بعض الدول الافريقية الأخرى .

 وترجع أهمية هذه الظاهرة بصفة خاصة إلى ما تتسم به هذه الحدود فى الوطن العربى وفى أفريقيا من عدم الاعتداد بروابط الجنس أو اللغة أو الدين أو بالظروف الاقتصادية والاجتماعية . وعلى الرغم من كل ذلك فلقد بذلت الشعوب العربية والافريقية رغم خضوعها للسيطرة الاجنبية جهوداً جبارة لكى تكون فى داخل الحدود التحكيمية التى فرضها الاستعمار دولاً جديرة بالحصول على الاستقلال . بيد أن هذا لا ينفى أن مثل هذه الأوضاع قد تكون عرضة لتطورات مختلفة، فضلاً عما تثير من مشاكل وتعقيدات .

 

تعيين الحدود :

بيما فيما تقدم أنه من الضرورى أن تكون للدولة حدود معروفة، ومن الجائز أن تكون بعض حدود الدولة غير معينة أو محل نزاع. وهذا هو الوضع بالنسبة للحدود بين الهند والصين، وبين الهند والباكستان، والحدود بين المملكة العربية السعودية وبين اليمن، والحدود بين نيكاراجوا وهندوراس، والحدود بين ايران والعراق .

وإذا ما قام خلاف على حدود بين دولتين وجب على كل منهما أن تثبت سند اكتسابها للاقليم. ومن الملاحظ أن معظم الحدود القائمة ترتكز فى سندها القانونى إلى ممارسة السيادة بصورة مستمرة منذ قديم الزمان بدون اعتراض من جانب الدول الأخرى، أو إلى معاهدة تعين حدود الدول المتجاورة. وقد تشترك بعض الدول الأخرى أو منظمة دولية فى المعاهدة على اعتبار أنها اشتراكت فى المفاوضات بابرامها، أو أنها تضمن الدود التى عينتها المعاهدة .

ولقد سبق أن أشرنا إلى أن الغزو لا يعتبرسنداً لاكتساب الاقليم . كما أن المطالبات التاريخية التى لا تستند إلى ممارسة فعلية للسيادة على الاقليم بدون اعتراض فى الفترة السابقة على نشوء النزاع لا تصلح سنداً لاكتساب الاقليم .

 

وعند عدم وجود اتفاق يبين الحدود بين دولتين – يرشدنا العرف الدولى إلى مجموعة من القواعد تتبع فى تحديد النقط التى يبدأ أو ينتهى عندها أقليماً دولتين متجاورتين بينهما حد طبيعى . وأهم هذه القواعد ما يلى :

1-  إذا كانت الحدود عبارة عن سلسلة جبال كان خط الحدود بين الاقليمين عبارة أما عن الخط الممتد بين أعلا قمم هذه الجبال، أو عن خط تقسيم المياه .

2-  إذا كانت الحدود عبارة عن نهر يجرى بين الدولتين وجبت التفرقة بين حالتين :

( أ ) إذا كان نهر الحدود صالحاً للملاحة، كان خط الحدود عبارة عن منتصف مجرى النهر وهو الخط الممتد فى وسط أعمق جزء فى النهر، ويسمى بخط الثلوج .

( ب ) إذا لم يكن نهر الحدود صالحاً للملاحة، اعتبر وسط النهر حداً بين الدولتين .

وإذا كان هناك جسر أو كوبرى فوق نهر الحدود أو نفق يجرى تحتة كان الحد فى منتصف الكوبرى أو النفق .

3-  إذا ما وجدت بحيرة تفصل بين أراضى دولتين أو أكثر فانها تقسم عادلاً فيما بينها .

ويجوز طبعاً الاتفاق على ما يخالف القواعد العرفية السابقة، فقد يتم الاتفاق على أن يدخل مجرى النهر بأكمله فى اقليم دولة من الدول، أو قد يتم الاتفاق على مراعاة عمق البحيرة وأوضاعها الجغرافية والتاريخية، عند تقسيمها بين الدول المجاورة .

 

حل منازعات الحدود :

أن منازعات الحدود تكون لها أهمية خاصة، الأمر الذى يخشى منه تطورها إلى اشتباكات مسلحة، كما حدث مثلاً فى أكتوبر سنة 1961 حينما قامت الصين باحتلال بعض مناطق الحدود بينها وبين الهند وقاومتها الهند بالقوة المسلحة، وكما حدث فى سنة 1963حينما حاول المغرب غزو بعض الاراضى الجزائرية المتاخمة له، وفى سنة 1965 حينما قام نزاع مسلح بين الهند والباكستان حول كشمير. وكما حدث فى سنة 1969 حينما ألغت ايران معاهدة الحدود المبرمة بينها وبين العراق سنة 1937.

ولقد ظهر اتجاه منذ أوائل القرن العشرين مبناه ضرورة العمل على تسوية منازعات الحدود بالطرق السلمية من مفاوضات ووساطة وتحكيم. ومن منازعات الحدود الشهيرة التى تم تسويتها عن طريق التحكيم – النزاع بين الولايات المتحدة وبريطانيا باعتبارها ممثلة لكندا الذى سوى فى سنة 1903 . ومن ذلك أيضاً أن معاهدات الصلح التى أعقبت الحرب العالمية الاولى أنشأت لجاناً مختلطة للتحكيم، للفصل فى المنازعات المتعلقة بالحدود التى رسمتها هذه المعاهدات .

ولما كان ميثاق الأمم المتحدة يمنع استعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية ويفرض التزاماً بحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ولهذا فأن منازعات الحدود يجب تسويتها فى الوقت الحالى عن طريق: المفاوضات أو التحقيق، أو الوساطة، أو التوفيق، أو التحكيم، أو التسوية القضائية، أو العرض على المنظمات الاقليمية، أو العرض على مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة . ولقد أيدت قرارات منظمة الوحدة الافريقية هذا الاتجاه الدولى بالنسبة للحدود الافريقية .

 

الحدود الجمركية والادارية :

يجب التمييز بين الحدود الدولية – وهى التى تكلمنا عنها فيما سبق – وبين أنواع أخرى من الحدود .

 

( أ ) الحدود الجمركية ( المناطق الحرة والاتحادات الجمركية )

الحدود الجمركية عبارة عن خط عبارة  من المكاتب ومن نقط التفتيش، الغرض منه مراقبة دخول البضائع والاموال وخروجها من اقليم الدولة . والحدود الجمركية قد لا تتفق مع الحدود الدولية؛ فقد تكون أضيق اتساعاً منها كما هو الحال إذا ما اتبعت دولة نظام المناطق الجمركية والتجارية الحرة بالنسبة لمدينة أو لجزء من اقليمها . وقد تكون أوسع منها كما لو ضمت دولة اقليماً لا يتبعها سياسياً لرقابتها الاقتصادية والجمركية، ومن أمثلة ذلك ما ذهبت إليه فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية من ضم اقليم السار اقتصادياً وجمركياً لاقليمها، وذلك تقرير ضمة سياسياً إلى فرنسا .

كما يظهر التباين بين الحدود السياسية وبين الحدود الجمركية فى الاتحادات الجمركية، حيث يقوم أعضاء الاتحاد بالغاء الفواصل الجمركية فيما بينهم مع ابقاء الحدود السياسية . ومن امثلة الاتحادات الجمركية اتخاذ البنلوكس الذى يجمع بين بلجيكا وهولنده ولوكسمبرج منذ أكتوبر سنة 1947، والسوق الأوربية المشتركة .

 

( ب ) الحدود الادارية :

وقد تحيل الدولة ادارة جزء من اقليمها إلى دولة أخرى بمقابل أو بغير مقابل . وفى هذه الحالة لا يكون هناك تطابق بين الحدود الدولية وبين الحدود الادارية . ومن أمثلة ذلك أن الحدود الدولية بين الاقليم المصرى وبين السودان تعينت فى وفاق سنة 1899 بخط عرض22. ومع ذلك فقد نص وفاق سنة 1899 على أن يتولى السودان ادارة منطقة حلفا . ثم جاء قرار وزير الداخلية المصرى فى سنة 1899، فحدد مناطق وادى حلفا التى تدار بواسطة السودان، كما أن قرار وزير الداخلية المصرى فى سنة 1902 قد أحال ادارة منطقة حلايب المصرية إلى السودان .

 

القيود التى ترد على الاقليم الأرضى وفكرة حقوق الارتفاق :

تمارس الدولة حقوق سيادتها على الأرض التى تقع داخل حدودها .

ولا تتقيد الدولة فى ممارستها لحقوقها واختصاصاتها الا بوجوب احترام قواعد القانون الدولى كالقواعد الخاصة بحصانات الدول الأجنبية ومبعوثيها, والقواعد الخاصة بمركز الاجانب .

 وسوف نبين عند الكلام على المسئولية الدولية أنه لا يجوز للدولة أن تمارس حقوقها بطريقة تعسفية, وأن عليها فى حالة قيامها بنشاط يتسم بخطورة غير عادية أن تتحمل المسئولية عن الاضرار التى تمتد الى خارج اقليمها .

وبالاضافة الى ما تقدم قد تتقيد الدولة باتفاق صريح أو ضمنى بالامتناع عن استعمال جزء من اقليمها على نحو معين, أو بالسماح لدولة أجنبية بأن تستعمل جانبا من اقليمها . ويطلق الفقهاء على هذه القيود الاتفاقية التى تنصب مباشرة على الاقليم لصالح دولة أجنبية اسم حقوق الارتفاق .

ومن أمثلة هذه الحقوق على الاقليم الأرضى ما تعهدت به ايطاليا فى مواجهة مبنى الفاتيكان فى معاهدة سنة 1929 بعدم اقامة منشآت فى مواجهة مبنى الفاتيكان تعلو عليه, وما تعهدت به ألمانيا والنمسا فى معاهدة فرسايل سنة 1919 بالسماح بمرور الأشخاص والبضائع التابعة لاطراف المعاهدة فى أراضيها .

 

                                   المبحث الثالث

                                    الأنهار

النهر الوطنى والنهر الدولى :

يشمل النهر فى القانون الدولى المجرى الرئيس وكافة المجارى الفرعية والبحيرات التى تتصل فيما بينها وتسير فى منطقة تكون حوضا طبيعيا .

ويدخل فى حوض النهر كذلك مجارى المياه التى تسير تحت الأرض وتكون متصلة بالنهر.

 

واذا كان حوض النهر واقعا بأكمله فى اقليم دولة واحدة فهو يخضع لسيادة تلك الدولة, ويكون النهر فى هذه الحالة نهرا وطنيا . ولكل دولة الحق فى تنظيم استغلال موارد نهرها الوطنى, وفى أن تقصر الملاحة فيه على بواخرها وحدها, ومن أمثلة الأنهار الوطنية نهر التايمز فى بريطانيا .

أما اذا كان النهر دوليا أى كان حوضه يمر فى أقليم دول مختلفة أو يفصل بين اقليمى دولتين, أصبح له حكم مختلف . فكل دولة تباشر سيادتها على ما يمر فى اقليمها من النهر أو ما يجاوره من مجراه, ولكنها تتقيد بأن تراعى مصالح الدول الأخرى التى يمر بها حوض النهر وبصفة خاصة فيما يتعلق بالانتفاع المشترك بمياه النهر لاغراض الزراعة والصناعة, وبالملاحة النهرية الدولية . ومن أمثلة الانهار من هذا النوع : نهر النيل ونهر الكونجو ونهر الدانوب .

 

الاستغلال الزراعى والصناعى للأنهار الدولية :

 

( أ ) تطور الفقة الدولى :

ازداد الاهتمام ببحث مدى حقوق الدول المشتركة فى نهر دولى فى استغلاله للأغراض الزراعية والصناعية منذ أن وضع العلم الحديث تحت يد الدول امكانيات هائلة فى هذا الشأن ؛ فقد تؤدى مشروعات استغلال النهر بواسطة دولة من الدول الى الاضرار بحقوق الدول الاخرى المشتركة فى النهر . ومن ذلك أن تقوم دولة بتحويل مجرى نهر دول أو أن تقوم ببناء سدود تنقص من كمية المياه التى تصل للدول الأخرى .

ولقد كان الاتجاه القديم يميل إلى تقرير سيادة الدولة الكاملة على ما يمر فى اقليمها من مجرى النهر وإلى تأكيد حريتها فى أستغلال مجرى النهر بالطريقة التى تراها مناسبة . وكان هذا الرأى يلائم مصالح الدول التى تقع فيها منابع النهر . ثم ظهرت نظريات أخرى يقرر بعضها أن النهر الدولى يخضع للسيادة المشتركة للدول التى يمر فى أقليمها، وعلى ذلك لا يجوز لدولة أن تقوم بمشروع فى النهر الدولى يمس حقوق الدول الاخرى دون موافقتها . ويقرر البعض الآخر أن سيادة الدولة على مجرى النهر مقيدة بالاوضاع الطبيعية والتاريخية وبضرورة أحترام حق كل دولة مشتركة فى النهر الحصول على ما كانت تحصل عليه دائماً من انتفاع بمياه النهر. ويقرر الرأى الراجح ضرورة توزيع مياه بطريقة عادلة بين الدول المشتركة فيه .

 

( ب ) العرف الدولى :

استقر العرف الدولى على الاعتراف للدولة بالسيادة على ذلك الجزء من النهر الدولى الذى يمر فى اقليمها، ومع ذلك تلتزم الدولة عند ممارستها لسيادتها بعدم المساس بالاوضاع الطبيعية والجغرافية للنهر بالحقوق المكتسبة للدولة الاخرى . كما تلتزم كل دولة بالاعتراف بحقوق الدول المشتركة فى النهر فى الاستفادة منه بالقدر العادل والمعقول .

وتسأول الدولة عن الاعمال التى تصدر عنها أو عن رعاياها التى يترتب عليها أحداث تعديلات فى مجرى نهر معين أو اعاقة اندفاع مياهه، أو استغلال مياهه بطريقة تعسفية مما يؤدى إلى الاضرار بدولة مجاورة أو الحيلولة دون انتفاعها بمياه النهر بشكل ملائم .

ومن المعتاد أن تدخل الدول فى اتفاقات تنظم طريقة استغلال الانهار الدولية كما هو الحال بالنسبة لنهر النيل ولنهر الهندوس ولنهر كولومبيا.

وكثيراً ما تنشئ الاتفاقات ما يسمى باللجان المشتركة للاشراف على استغلال نهر معين .

 

وبمراجعة هذه الاتفاقات يكمننا القول أن الدول تراعى عادة المبادئ الآتية فى تنظيم استغلال مياه الانهار الدولية . ولقد تاكدت هذه المبادئ أيضا فى أعمال جماعة القانون الدولى وفى مؤتمراتها المختلفة، وبصفة خاصة فى نيورك سنة 1958، وفى هامبورج سنة 1960.

( أ ) يلزم الاعتداد بالقواعد التى اتفقت عليها من قبل الدول المشتركة فى نهر دولى .

( ب ) يجب مراعاة الحقوق الكتسبة أى كميات المياه التى كانت تحصل عليها كل دولة فى الماضى .

( جـ ) يجب مراعاة التوزيع العادل لمياه النهر، ويتم ذلك عن طريق تقدير حاجة الدولة للنهر ومدى اعتمادها عليه والفوائد التى تعود عليها وعلى الدول المشتركة فى النهر من المشروعات الجديدة .

( د ) على الدولة التى ترغب فى أدخل تعديلات فى طريقة الانتفاع بنهر معين كانشاء سد أو تحويل مجرى النهر، الدخول فى مفاوضات مع الدول المشتركة فى النهر للحصول على موافقتها، فاذا لم يتم الاتفاق يحسن عرض الأمر على التحكيم .

وإذا ما قامت الدولة بمثل هذه الاعمال بدون موافقة الدول الاخري . وبدون عرض النزاع على التحكيم فانها تكون مسئولة عن الاضرار التى تصيب تلك الدول .

 

استغلال مياه الانهار العربية :

( أ ) الدجلة والفرات واليرموك :

ومن الاتفاقات الدولية التى عقدت بشأن تنظيم الانتفاع بالانهار العربية: معاهدة الصداقة والجوار بين العراق وتركيا المبرمة فى 29/2/1946 التى نظمت انتفاع الدولتين بمياه نهر الفرات بقصد ادامة مورد منتظم من المياه، وازالة خطر الفيضانات، وتحديد أكثر الاماكن ملائمة لانشاء الخزانات، ولجعل الانشاءات المتعلقة بالرى وتوليد القوى الكهربائية المائية ملائمة لمصلحة الدولتين . ونشير كذلك إلى اتفاقية 4 يونيو سنة 1953بين الاردن وسوريا بقصد تنظيم الانتفاع المشترك بنهر اليرموك .

( ب ) الاردن :

ومن المشاكل الجديدة المتعلقة باستغلال الانهار العربية محاولات اسرائيل لاستغلال نهر الاردن الذى تنبع روافدة البانياس والحصبانى من سوريا ولبنان ثم يمد مجراه بين الاردن واسرائيل . وترى الدول العربية أن اسرائيل لا تملك أية سيادة على الاراضى التى يمر فيها نهر الاردن فى فلسطين لأن وجود اسرائيل فى هذه المناطق يستند إلى الغصب .

كما أن المشروعات التى تنفذها اسرائيل لا ستغلال مياه نهر الاردن تلحق أضرار اقتصادية وسياسية واسعة النطاق بالدولة العربية المجاورة .

 وزيادة على ذلك فأن اسرائيل باستغلال نهر الاردن لمصلحتها تخالف القواعد المتعلقة باستعمال الأنهار الدولية لانه يترتب عليه تغيير الاوضاع التاريخية للنهر، وحرمان الدول المشتركة فى النهر، وبصفة خاصة الاردن، من الاستفادة من مياه النهر بطريقة سليمة . فضلاً عن أن المشروعات الاسرائيلية تخالف اتفاق سنة 1932 بين فرنسا وانجلترا الذى اعترف بالحقوق المشتركة لسوريا ولبنان وفلسطين والاردن فى مياه نهر الاردن .

ويوجد مشروع أمريكى يسمى مشروع جونسون لتنظيم الانتفاع المشترك بنهر الاردن . ولكن الدول العربية رفضت ذلك المشروع، لانه يمكن اسرائيل من الحصول على كميات كبيرة من مياه الاردن على حساب مصالح الدول العربية . وقامت الدول العربية بتنفيذ مشروعات عربية مضادة للمشروع الاسرائيلى، ولقد توقفت هذه المشروعات نتيجة لعدوان سنة 1967 .

 

( جـ ) النيل :

أما تنظيم الانتفاع بمياه نهر النيل الذى يقع حوضه فى أقليم زائير ورواندا وبورندى وتنزانيا وكينيا وأوغندا والحبشة والسودان ومصر فهو مقرر فى عدد من الاتفاقات . فلقد قررت معاهدة 1902 التى أبرمت بين انجلترا باعتبارها ممثلة للسودان وبين الحبشة تعهد الحبشة بعدم القيام بأعمال على النيل الازرق أو بحيرة تانا أو السوباط يكون من شأنها التأثير على مياه النيل . كما قررت معاهدة سنة 1906 بين انجلترا والكونجو عدم قيام الكونجو بأعمال على النهر سمليكى تؤثر فى حجم مياه بحيرة ألبرت بدون موافقة السودان .

 

وكانت اتفاقية سنة 1929 بين انجلترا ومصر تنظم كيفية توزيع مياه النهر بين مصر والسودان . وفى 8 نوفمبر سنة 1959 أبرمت اتفاقية جديدة بين مصر والسودان لتنظيم انتفاع الدولتين بمياه نهر النيل . وسنتولى شرح أحكامها فيما يلى :

 

اولاً : أهمية اتفاق سنة 1959 :

يمكن أعتبار جمهورية مصر والسودان الدولتين اللتين تعتمدان أساساً على مياه نهر النيل.

ويعتبر الاتفاق الذى تم بين الدولتين فى سنة 1959 مثلاً صالحاً للاتفاقيات التى تعقد بين الدول المشتركة فى نهر دولى لتطبيق الاستغلال الزراعى والصناعى لهذا النهر . والاحكام التى وردت فيها تعتبر سابقة هامة فيما يتعلق بالعرف الدولى فى هذا الشأن .

ولقد بينت مقدمة الاتفاق أن نهر النيل فى حاجة إلى مشروعات لضبطه ضبطاً كاملاً، ولزيادة ايراده للانتفاع التام بمياهه لصالح جمهورية السودان ومصر على غير النظم الفنية المعمول بها الآن . كما بينت أن هذه الاعمال تحتاج فى أنشائها وادراتها إلى اتفاق وتعاون كامل بين الجمهورتين لتنظيم الافادة منها لاستخدام مياه النهر مما يضمن مطالبهما الحاضرة والمستقبلة .

كما ذكرت المقدمة أن اتفاقيات مياه النيل المفقودة فى سنة 1929 قد نظمت بعض قواعد الاستفادة بمياه النيل ولم يشمل مداها ضبطاً كاملاً لمياه النهر. وأنه لهذا السبب أبرمت الاتفاقيات الجديدة . وفيما يلى أهم المبادئ التى تضمنتها :

 

ثانياً : الحقوق المكتسبة الحاضرة لكل من جمهورية مصر والسودان :

 

اعترفت الاتفاقية بالحقوق المكتسبة لكل من جمهورية مصر والسودان فى مياه النيل وفقاً لاتفاقية سنة 1929، وقررت أن يكون ما تستخدمة جمهورية مصر من مياه النيل حتى توقيع هذا الاتفاق هو الحق المكتسب لها قبل الحصول على الفوائد التى ستحققها المشروعات الجديدة لضبط النهر وزيادة ايراده . ومقدار هذا الحق 48 ملياراً من الامتار المكعبة مقدرة سنوياً عند أسوان .

 

كما قررت أن يكون ما تستخدمه جمهورية السودان فى الوقت الحاضر هو حقها المكتسب قبل الحصول على فائدة المشروعات المشار إليها .

ومقدار هذا الحق أربعة مليارات من الأمتار المكعبة مقدرة عند أسوان سنوياً

 

ثالثاً : مشروعات ضبط مياه نهر النيل وتوزيع فوائدها بين الجمهورتين :

 

ولضبط مياه النيل والتحكم فى منع انسياب مياهه إلى البحر، وافقت الجمهوريتان على تنشئ مصر خزان السد العالى عند أسوان كأول حلقة من سلسلة مشروعات التخزين المستمر لمياه النيل

ولتمكن السودان من استغلال نصيبه وافقت الجمهوريتان على أن تنشئ جمهورية خزان الروصيرص على النيل الازرق وأى أعمال أخرى تراها جمهورية السودان لازمة لاستغلال نصيبها .

 

رابعاً : الانتفاع المشترك بالسد العالى :

قررت الاتفاقية مبدأ اشتراك جمهورية مصر والسودان فى الفوائد التى تترتب على بناء السد العالى

ويحسب صاغفى الفائدة من السد العالى على أساس متوسط ايراد النهر الطبيعى عند أسوان فى سنوات القران الحالى المقدر بنحو 48ملياراً سنوياً من الانتار المكعبة. ويستبعد من هذه الكمية الحقوق المكتسبة للجمهوريتين مقدرة عند أسوان، كما يستبعد منها متوسط فاقد التخزين المستمر فى السد العالى فينتج من ذلك صافى الفائدة التى توزع بين الجمهوريتين .

ويوزع صافى فائدة السد العالى بين الجمهوريتين بنسبة 14 للسودان إلى 7لجمهورية مصر متى ظل متوسط الايرادفى المستقبل فى حدود متوسط الايراد المنوه عنه . وهذا يعنى أن متوسط الايراد إذا ظل مساوياً لمتوسط السنوات الماضية من القرن الحاضر المقدار بــ 48ملياراً، وإذا ظلت فوائد التخزين المستمر على تقديرها الحالى بعشرة مليارات فان صافى فائدة السد العالى يصبح فى هذه الحالة 22ملياراً، ويكون نصيب جمهورية السودان منها 14ملياراً ونصيب جمهورية مصر 7ملياراً، وبضم هذين النصيبين إلى حقهما الكتسب فان نصيبهما من صافى ايراد النيل بعد تشغيل السد العالى الكامل يصبح 18 ملياراً لجمهورية السودان و55ملياراً لمصر .

فاذا زاد المتوسط فان الزيادة فى صافى الفائدة الناتجة عن زيادة الايراد تقسم مناصفة بين الجمهوريتين .

 

ولما كان صافى فائدة السد العالى يستخرج من متوسط ايراد النهر الطبيعى عند أسوان  فى سنوات القرن الحالى مستبعداً من هذه الكمية الحقوق المكتسبة للبلدين وفوائد التخزين المستمر فى السد العالى، فانه من المسلم به من الدولتين أن هذه الكمية ستكون محل مراجعة الطرفين بعد فترات كافية يتفقان عليها من بدء تشغيل خزان السد العالى الكامل .

كما قررت الاتفاقية مبدأ تعاون الدولتين فى سبيل ترحيل سكان المناطق التى سيغمرها السد وتعويضهم .

فوافقت حكومة مصر على أن تدفع لحكومة جمهورية السودان مبلغ خمسة عشر مليوناً من الجنيهات المصرية تعويضاً شاملاً عن الاضرار التى تلحق بالممتلكات السودانية الحاضرة نتيجة التخزين فى السد العالى لمنسوب 82 ( مساحة )

 

كما تعهدت حكومة جمهورية السودان بأن تتخذ أجراءت ترحيل سكان حلفا وغيرهم من السكان السودانيين الذين ستغمر أراضيهم بمياه التخزين بحيث يتم نزوجهم نهائياً قبل يوليو سنة 1963 .

وبينت الدولتان أن تشغيل السد العالى الكامل سوف ينتج عنه أستغناء مصر عن التخزين فى جبل الاولياء .

 

خامساً : مشروعات استغلال المياه الضائعة فى حوض النيل :

 

 قررت الاتفاقية مبدأ تعاون الدولتين فى استغلال المياه الضائعة فى حوض النيل واشتراكهما فى الفوائد والنفقات التى يتطلبها هذا الاستغلال .

وذكرت أنه نظرا لأنه تضيع الآن كميات من مياه حوض النيل فى مستنقعات بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال ونهر السوباط يكون من المحتم العمل على عدم ضياعها بقصد زيادة ايراد النهر الصالح للتوسع الزراعى فى البلدين . ولقد وافقت الدولتين على ما يأتى:

1- تتولى جمهورية السودان – بالاتفاق مع جمهورية مصر – انشاء مشروعات زيادة ايراد النيل بمنع الضائع من مياه حوض النيل فى مستنقعات الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال زفروعه ونهر السوباط وفروعة وحوض النيل الابيض . ويكون صافى فائدة هذه المشروعات من نصيب الجمهوريتين بحيث يوزع بينهما مناصفة ويساهم كل منهم فى جملة التكاليف بهذه النسبة ايضاً .

وتتولى جمهورية السودان الاتفاق على المشروعات المنوة عنها من مالها، وتدفع مصر نصيبها فى التكاليف بنفس نسبة النصف المقرر لها فى فائدة هذه المشروعات . وتطبيقاً لهذا النص بدأت السودان حفر قناة جونجلى فى جنوب السودان .

2-إذا دعت حاجة جمهورية مصر – بناء على تقدم برامج التوسع الزراعى الموضوعة – إلى البدء فى أحد مشروعات زيادة ايراد النيل المنوه عنها فى الفقرة السابقة بعد أقراره من الحكومتين فى وقت لا تكون حاجة جمهورية السودان قد دعت إلى ذلك، فان جمهورية مصر تخطر جمهورية السودان بالميعاد الذى يناسبها للبدء فى المشروع. وفى خلال سنتين من تاريخ هذا الاخطار تتقدم كل من الجمهوريتين ببرامج للانتفاع بنصيبها فى المياه التى يدبرها المشروع فى التواريخ التى يحددها لهذا الانتفاع . ويكون هذا االبرنامج ملزماً للطرفين . وعند انتهاء السنتين فان مصر تبدأ فى التنفيذ بتكاليف من عندها . وعندما تتهيأ جمهورية السودان لاستغلال نصيبها طبقاً للبرامج المتفق عليها فانها تدفع لمصر نسبة من التكاليف تتفق مع النسبة التى حصلت عليها صافى فائدة مشروع على ألا تتجاوز حصة أى من الجمهوريتين نصف الفائدة الكامل للمشروع .

 

سادساً : التعاون الفنى بين الجمهوريتين :

لتحقيق التعاون الفنى بين حكومتى الجمهوريتين، وللسير فى البحوث والدراسات اللازمة لمشروعات ضبط النهر وزيادة ايراده، وكذلك لاستمرار الأرصاد المائية على النهر فى أحباسه العليا وافقت الجمهوريتان على أن تنشأ هيئة فنية دائمة من جمهورية السودان ومن مصر، بعدد متساو من كل منهما وتحدد أختصاصها كالآتى :

( أ ) تعمل على رسم الخطوط الاساسية للمشروعات التى تهدف إلى زيادة ايراد النيل والاشراف على البحوث اللازمة لوضع المشروعات فى صورة كاملة تتقدم بها إلى حكومتى الجمهوريتين لاقرارها .

( ب ) تقوم بالاشراف على تنفيذ المشروعات التى تقررها الحكومتان .

( جـ ) تضع نظم تشغيل الاعمال التى تقام على النيل داخل حدود السودان، كما تضع نظم التشغيل للأعمال التى تقام خارج حدود السودان بالاتفاق مع المختصين فى البلاد التى تقام فيها هذه المشروعات .

( د ) تراقب تنفيذ جميع نظم التشغيل المشار إليها بواسطة المهندسين الذين يناط بهم هذا العمل من موظفى الجمهوريتين فيما يتعلق بالاعمال المقامة داخل حدود السودان، وكذلك خزان السد العالى وسد أسوان، وطبقاً لما يبرم من اتفاقات مع البلاد الاخرى عن مشروعات أعالى النيل المقامة داخل حدودها .

سابعاً : علاقة الجمهوريتين مع الدول الاخرى الواقعة على النيل :

قررت الاتفاقية أنه عندما تدعو الحاجة إلى اجراء أى بحث فى شئون مياه النيل مع أى بلد من البلاد الواقعة على النيل خارج حدود الجمهوريتين،فان حكومتى جمهورية السودان ومصر يتفقان على رأى موحد بشأنه بعد دراسته بمعرفة الهيئة الفنية المشار إليها، ويكون هذا الرأى هو الذى تجرى الهيئة الاتصال بشأنه مع البلاد المشار إليها .

 

إذا أسفر البحث عن الاتفاق على تنفيذ أعمال على النهر خارج حدود الجمهوريتين فانه يكون من عمل الهيئة الفنية المشتركة أن تضع – بالاتصال بالمختصين فى حكومات البلاد ذات الشأن – كل التفاصيل الفنية الخاصة بالتنفيذ ونظم التشغيل وما يلزم لصيانة هذه الاعمال، وبعد اقرار هذه التفاصيل واعتمادها من الحكومات المختصة يكون من عمل هذه الهيئة الاشراف على تنفيذ ما تنص عليه هذه الاتفاقات الفنية .

 

ونظراً إلى أن البلاد التى تقع على النيل غير الجمهوريتين المتعاقدتين تطالب بنصيب فى مياه النيل، فقد اتفقت الجمهوريتان على أن يبحثا سوياً مطالب هذه البلاد ويتفقان على رأى موحد بشأنها . وإذا أسفر البحث عن امكان قبول أية كمية من ايراد النهر تخصص لبلد منها أو لآخر، فان هذا القدر محسوباً عند أسوان، يخصم مناصفة بينهما .

وتنظم الهيئة الفنية المشتركة مع المختص فى البلاد الأخرى مراقبة عدم تجاوز هذه البلاد للكميات المتفق عليها .

 

استعمال الانهار الدولية فى الملاحة :

( أ ) ظهور مبدأ حرية الملاحة :

كانت الدولة التى يمر بها نهر دولى لا تسمح لغيرها من الدول المشتركة معها فى النهر بالملاحة فى الجزء التابع لها من النهر الا بناء على اتفاقات خاصة أو مقابل دفع رسوم.

وابتداء من أوخر القرن الثامن عشر بدأت الدول الاوربية تنظم الملاحة فى الانهار الاوربية على أساس الاعتراف بحرية الملاحة فيها للدول المشتركة فى مجرى النهر.

ولقد طبقت معاهدة باريس سنة 1856 مبدأ حرية الملاحة بالنسبة لنهر الدانوب، كما  طبقته اتفاقية مانهايم سنة 1866 بالنسبة لنهر الرين، واتفاقية برلين سنة 1885 بالنسبة لنهرى الكونجو والنيجر فى أفريقيا .

وأقرت بعض دول أمريكا اللاتينية مبدأ حرية الملاحة فى الانهار الدولية، فقررت البرازيل والارجنيتين فتح نهرى الامازون ولابلاتا للملاحة الدولية .

وخصصت معاهدات الصلح التى أعقبت الحرب العالمية الاولى بنوداً خاصة بالملاحة النهرية، وقررت أعتبار كلا من الرين والالب والاودر والنيمين والدانوب وفروع هذه الانهار القابلة للملاحة والتى تصل أكثر من دول بالبحر- أنهاراً دولية تكون الملاحة فيها حرة لمراكب جميع الدول سواء كانت هذه الدول تجاور مجرى النهر أو لا تجاوره، كما أوجبت المساواة فى المعاملة بين مراكب جميع الدول، وأوصت بوجوب عقد اتفاقية دولية عامة لتنظيم الملاحة فى الانهار .

 

( ب ) اتفاقية برشلونة سنة 1921 :

وفى سنة 1921 دعت عصبة الامم إلى عقد مؤتمر للمواصلات وللنقل واجتمع المؤتمر فى برشلونة سنة 1921، وحضره ممثلون لاربعين دولة أوربية وأمريكية وآسيوية . ولقد أسفر المؤتمر عن ابرام اتفاقية برشلونة التى وضعت نظام " مجارى المياه القابلة للملاحة ذات الاهمية الدولية "

وبينت المادة الاولى من الاتفاقية أنها تسرى على جميع المجارى ذات الاهمية الدولية . وهى ثلاثة أنواع :

1-  مجارى المياه الصالحة بطبيعتها للملاحة والتى تجرى فى أراضى أكثر من دولة أو تفصل بينها .

2-  مجارى المياه التى تعتبر ذات أهمية دولية بموجب قرارات فردية من الدول التى تجرى فيها، أو بمقتضى اتفاق دولى بين الدول أصحاب الشأن .

3-  مجارى المياه التى تشرف على الملاحة فيها لجان تحتوى على ممثلين لا تملك أجزاء من المجرى .

وقررت اتفاقية برشلونة حرية الملاحة فى المجارى السابقة لجميع السفن التابعة للدول الموقعة عليها والتى تنضم إليها فيما بعد . وعلى الدول التى يقع المجرى فى أقليمها أن تسوى فى المعاملة بين السفن التابعة للدول المختلفة . كما عليها أن تقوم بالاعمال اللازمة لصيانة مجرى النهر وبقائه صالحاً للملاحة، وليس للدول التى يمر بها النهر أن تفرض رسوماً على المرور أكثر مما يقابل نفقات صيانة وتحسين المجرى؛ أو الخدمات الفعلية التى تؤديها السلطات المحلية للسفن المارة . للدولة أن تخضع الملاحة فى الجزء الذى يمر فيها من مجرى النهر للوائح البوليس والجمارك والصحة الخاصة بها .

 

هل يوجد قاعدة قانونية تقرر حرية الملاحة فى الأنهار الدولية :

ذهب فريق من الشراح إلى القول بأن حرية الملاحة فى الانهار الدولية للمراكب التابعة لكل دول العالم - أصبحت قاعدة من قواعد العرف الدولى المقبول بصفة عامة من الدول، وأن هذه القاعدة قد تأيدت بمجموعة من الاتفاقيات الدولية .

ويذهب الرأى الراجح – إلى أن مبدأ حرية الملاحة فى الانهار الدولية الذى قررته بعض المعاهدات الدولية يعتبر استثناء من قواعد القانون الدولى التى تقرر السيادة الاقليمية للدول على ما يمر فى اقليمها من مجرى النهر. وعلى ذلك فاذا لم توجد معاهدة تفرض التزاما على الدولة بأن تفتح ذلك الجزء من مجرى النهر الذى يمر فى أقليمها – تكون الدولة حرة فى منع السفن الاجنبية من استعمال للملاحة .

 

                                 ** المبحث الرابع **

                                    *المياه الداخلية *

تعريف المياه الداخلية :

يقصد بالمياه الداخلية المياه التى تخترق أو تتغلغل فى أراضى دولة معينة، ولقد عرفتها المادة الرابعة من اتفاقية جنيف سنة 1958 لقانون البحار بأنها " المياه التى تقع داخل الخط الذى يقاس ابتداء منه البحر الاقليمى " . وينطبق هذا التعريف على كل أنواع المياه العذبة والمالحة . التى تقع داخل الخط المشار إليه مثل الانهار والبحيرات و القنوات والموانى والخلجان المضايق .

وتمارس الدولة سيادتها على المياه الداخلية، فلها أن تمنع دخول السفن الاجنبية فيها، كما أنها تمارس سيادتها على ما يوجد فى هذه المياه من سفن وأشخاص ومع ذلك فقد ترد بعض القيود على سيادة الدولة مصدرها العرف والاتفاقات الدولية، كما سنوضح ذلك بالنسبة لكل نوع من أنواع المياه الداخلية .

 

ونشير بصفة مبدئية إلى النظام القانونى للمياه الداخلية يختلف عن النظام القانونى للبحر الاقليمى :

ولم يتعرض مؤتمر جنيف سنة 1958 للنظام القانونى للمياه الداخلية، ومع ذلك فقد نصت المادة الخامسة من اتفاقية البحر الاقليمى على أنه إذا ترتب على اتباع طريقة الخطوط المستقيمة لقياس البحر الاقليمى اعتبار بعض مناطق البحر الاقليمى أو أعالى البحار من المياه الداخلية للدولة، ففى هذه الحالة تلتزم الدولة الساحلية بالاعتراف بحق المرور البرئ فى تلك المياه إذا كانت تستعمل بصفة عادية للمرور الدولى .

 

وسنتولى فيما يلى عرض اختصاص الدولة على كل نوع من أنواع المياه الداخلية .

 

                           اولاً : البحيرات والبحار المغلقة

تعريفات :

يقصد بها البحار والبحيرات التى تحيط بها أراضى دولة أو أكثر ولا يكون لها اتصال بالبحار العامة، أو يكون أتصالها بها عن طريق مضيق أو غاز . وإذا كان البحر أو البحيرة، يقع بأكمله فى أراضى دولة واحدة فهو يعتبر جزءاً من اقليمها ويخضع لاختصاصها شأنه فى ذلك شان اقليم الدولة الارضى .

أما إذا كان البحر أو البحيرة، واقعاً فى اقليم أكثر من دولة، فهناك خلاف بين الفقهاء، فالاكثرية ترى اعتبار البحر هنا داخلاً فى سيادة الدول المحيطة به . وتذهب أقلية الشراح إلى اعتبار البحر فى هذه الحالة جزءا من أعالى البحار، ولا يمتد اختصاص الدولة الا على ما يعد داخلاً فى مياهها الاقليمية .

ويؤيد العرف الدولى رأى الاغلبية لان المعاهدات التى أبرمتها الدول المشتركة فى بحيرات أو بحار مغلقة أخذت بمبدأ اقتسام السيادة وتولت تحديد ما يدخل فى اقليم كل منها من هذه البحيرات . ومن أمثلة ذلك بحيرة كونستانس وهى مقسمة بين ألمانيا والنمسا وسويسرا، وبحيرة جنيف وهى مقسمة بين سويسرا وفرنسا . كما أن كندا والولايات المتحدة يمارس سيادته على ما يدخل فى حدوده من البحيرات الامريكية الكبرى كسوبيرور وأونتاريو . كما تمارس كل من تنزانيا وكينيا وأوغندا سيادتها على ما يدخل فى حدودها من بحيرة فكتوريا فى أفريقيا .

ولا تكون الملاحة فى البحيرات والبحار المغلقة حرة لسفن جميع الدول الا إذا كانت تقع فى أقليم أكثر من دولة، وكانت متصلة بأعالى البحار ومستعملة للملاحة الدولية كالبحر الاسود الذى سنتولى عرض نظامه فيما يلى :

 

البحر الأسود :

البحرالاسود بحر مغلق – كان واقعاً برمته فى اقليم تركيا، وبالتالى كان جزءاً من اقليمها . وكانت تركيا لا تسمح بالملاحة فيه لمراكب السفن الاجنبية الا بتصريح منها . ولكن الامور تغيرت بعد أن تملكت روسيا ورومانيا وبلغاريا مساحة من شواطئ البحر الاسود فأصبح من الازم تقرير مبدأ حرية الملاحقة لسفن جميع الدول .

 

وقررت معاهدة باريس سنة 1856 أن الملاحة فى البحر الاسود حرة للسفن التجارية للدول جميعاً، مع تحريمة على السفن الحربية. كما نصت المعاهدة على وضع البحر الاسود فى حالة حياد، وعلى منع الدول المجاورة له من أقامة تحصينات أو ترسانات على شواطئه أو ايجاد سفن حربية فيه .

ولقد ظل حياد البحر الاسود محترما حتى سنة 1870 حين نشبت الحرب بين ألمانيا وفرنسا, فأعلنت روسيا فى ذلك الوقت عزمها على عدم التقيد بما ورد فى صلح باريس سنة 1856 بشأن البحر الاسود, وتم الاتفاق فى معاهدة لندن سنة 1871 على الغاء حياد البحر الاسود, وبالتالى على ازالة القيود الخاصة بالسفن الحربية والتحصينات, ولكن هذه المعاهدة أكدت حق تركيا فى قفل مضيقى البوسفور والدردنيل فى وجه السفن الحربية الاجنبية, كما قررت مبدأ حرية الملاحة بما فى ذلك المرور فى المضيقين للمراكب التجارية .

وقد أكدت معاهدة مونتريه سنة 1936 مبدأ حرية الملاحة فى البحر الاسود ووضعت نظاما للمرور فى مضايق البوسفور والدردنيل سنتكلم عنه عند الكلام على نظام المضايق.

 

                                 ثانيا : الموانى البحرية

تعريف الموانى :

الموانى البحرية عبارة عن مواقع بحرية تعدها الدولة على شواطئها وتجهزها بالمنشآت لاستقبال السفن البحرية. وتعتبر الموانى جزءا من اقليم الدولة, وبالتالى تخضع لسيادتها ولقد حددت اتفاقية جنيف الموقع عليها فى 9 ديسمبر سنة 1923 النظام الخاص بالموانى البحرية والمقصود منه تأييد العرف الدولى الخاص بحماية وتشجيع الملاحة البحرية عن طريق فتح الموانى للسفن الاجنبية. وتجب التفرقة فيما يتعلق باستعمال موانى الدولة بواسطة السفن البحرية الاجنبية بين السفن الخاصة والسفن العامة .

 

حق السفن الخاصة الاجنبية فى دخول موانى الدولة :

كانت القاعدة المستقرة هى أن الدولة لا تلتزم بفتح موانيها للسفن التابعة للدول الاخرى مالم تكن قد التزمت بذلك بموجب معاهدة . ولقد اتجه العرف الدولى منذ أوائل القرن العشرين الى السماح, كقاعدة عامة, للسفن الخاصة الاجنبية بالتردد على موانى الدولة, وذلك سواء كانت تجارية أم سفن صيد أم سفن نزهة ( يخوت) . ولكن الدولة تستطيع أن تغلق بعض موانيها بصفة دائمة, أو بصفة دائمة ويكون الاغلاق الدائم فى حالة ما اذا كان الميناء مخصصا فقط للأغراض الحربية .

 

ولقد أيدت اتفاقية جنيف لسنة 1923 وجوب فتح الموانى أمام السفن التجارية الاجنبية, ووجوب المساواة فى المعاملة بينها, وبينت أنه اذا قررت دولة ما اغلاق ميناء بصفة دائمة فيجب أن يطبق هذا القرار على السفن الاجنبية وعلى سفن الدولة الوطنية التى تقوم بالتجارة الخارجية .

وينكر عدد من الفقهاء وبصفة خاصة فى الولايات المتحدة الامريكية وجود التزام بالسماح للسفن الاجنبية باستعمال موانى الدولة الا بالنسبة للسفن التى تتعرض لمحنة تهديدها بالغرق .

 

وضع السفن الخاصة الاجنبية الموجودة فى موانى الدولة :

تخضع السفن الخاصة الاجنبية الموجودة فى موانى الدولة للاختصاص الاقليمى . ومع ذلك جرى العرف الدولى على ألا تتمسك الدولة بمباشرة كافة مظاهر سيادتها على السفن الاجنبية الموجودة فى موانيها على اعتبار ان وجود هذه السفن مؤقت ومن مستلزمات التجارة الدولية .

ويمكن تلخيص العرف الدولى الخاص بمعاملة السفن الخاصة الاجنبية الموجودة فى موانى الدولة على الوجه الآتى :

1-  تطبق عليها جميع اللوائح الخاصة بالملاحة والجمارك والبوليس, وذلك محافظة على أمن الدولة وسلامتها .

2-  أما عن خضوع السفن الخاصة الاجنبية لقضاء الدولة المدنى, فهو أمر مقرر متى كان النزاع يهم شخصا من غير رجال طاقم السفن, أما اذا انحصر النزاع المدنى داخل رجال طاقم السفينة كما لو تعلق بأجر بحار مثلا, فلا تختص الدولة صاحبة الميناء بنظر مثل هذا النزاع .

ومما هو جدير بالذكر أن التشريعات البحرية لبعض الدول تضع أحكاما خاصة بالحجز على السفن الاجنبية مراعاة لطبيعتها ومنعا لتعطيل السفن المتأهبة للسفر . ولقد أيدت معاهدة بروكسل المبرمة فى 10 مايو سنة 1952 جواز الحجز التحفظى على السفن لكل من يتمسك بدين بحرى ولو كانت السفينة على أهبة السفر, ولا يجوز توقيع الحجز التحفظى بسبب الديون غير البحرية .

3-  أما بالنسبة للقضاء الجنائى فالقاعدة العامة أن الاختصاص هنا اقليمى, فللدولة أن تتعقب أية جريمة تقع فى موانيها وأن توقع العقوبة على مرتكبها . ولقد تأيدت هذه القاعدة فى معاهدة بروكسيل سنة 1952 الخاصة بالاختصاص الجنائى فى حالة التصادم وحوادث الملاحة الاخرى .

ولكن العرف الدولى جرى على ألا تباشر الدولة كامل اختصاصها العقابى بالنسبة للسفن الموجود فى موانيها, فهى تتنازل عن بعض هذا الاختصاص لسلطات الدولة التى ترفع السفينة  علمها . على أنه فى تطبيق هذا العرف يوجد مذهبان :

(أ‌)         المذهب الفرنسى : وهو يوجد توزيعها محددا للاختصاص بين دولة الاقليم ودولة العلم, فتختص دولة علم السفينة بالمحاكمة على الجرائم التى ترتكب على ظهر السفينة الاجنبية من أحد أفراد طاقمها ضد فرد آخر من الطاقم, مالم يترتب على هذه الجرائم اخلال بالأمن فى الميناء فتختص دولة الاقليم فى الحالة الاخيرة . وتختص دولة الاقليم أيضا بالمحاكمة فى حالة الجرائم التى تقع على ظهر السفينة من أحد طاقمها اذا كان المجنى عليه من غير افراد الطاقم, وكذلك الحال اذا استغاث قبطان السفينة بسلطات الميناء .

على أن المحاكم الفرنسية توسعت بعد ذلك فى تفسير ما يعتبر اخلالا بأمن الميناء؛ فقررت اختصاصها بالمحاكمة على الجرائم المتصلة بمخالفة لوائح الميناء, وعلى بيع الخمور بواسطة بحارة فرنسيين على ظهر السفن الاجنبية, وعلى أعمال العنف وجرائم القتل حتى لو كان المجنى عليه أحد أفراد طاقم السفينة .

والمذهب الفرنسى متبع كذلك فى كثير من الدول كايطاليا وبلجيكا واليونان والنرويج والبرتغال ويوجوسلافيا والمكسيك والبرازيل .

 

(ب)المذهب الأنجلو أمريكى : وهو يخضع للقضاء الاقليمى بصفة مطلقة جميع السفن الاجنبية الموجودة فى موانى الدولة . الا أن القضاء فى انجلترا جرى على عدم النظر فى الاعمال التى تقع على السفينة اذا كانت متعلقة باجراءات تأديبية أو بنظام السفينة مادام أنه لم تقع أية مخالفة لقواعد القانون الانجليزى . ولقد كثر خروج القضاء الانجليزى على قاعدة الاقليمية مما قرب النظام الانجليزى فى العمل من النظام الفرنسى وجعله أكثر مرونة من الوضع فى الولايات المتحدة الامريكية . ولا أدل على ذلك من أنه ورد فى رد الحكومة الانجليزية على استفسار مؤتمر لاهاى سنة 1930 " أن انجلترا لن تستعمل اختصاصها الاقليمى بالنسبة للسفن الاجنبية الموجودة فى موانيها الا اذا طلب ذلك الممثل المحلى لدولة العلم أو كان هناك تهديد للأمن " .

كما نلاحظ أن النظام الانجلو أمريكى يقرر اختصاص المحاكم الاقليمية بنظر الجرائم التى ترتكب على سفينة انجليزية ولو كانت فى المياه الانجليزية لدولة أجنبية . ولقد فسر هذا النص على أنه لا يمنح المحاكم الانجليزية اختصاصا ألزاميا بنظر هذه الجرائم ولكنه

يمنحها اختصاصا احتياطيا فى حالة عدم قيام المحاكم الاقليمية بالمحاكم على هذه الجرائم .

 

 ويجرى العمل فى مصر على خضوع السفن الخاصة الاجنبية للاختصاص الاقليمى, وعلى أنه من الجائز القاء القبض على أشخاص موجودين على ظهر هذه السفن, وعلى اختصاص المحاكم المصرية بالنسبة لكل الجرائم التى تتضمن مخالفة لنظام الموانى أو تهدد أمن الميناء أو تتعدى آثارها طاقم السفينة .

 

أما بالنسبة للسفن المصرية الموجودة فى موانى أجنبية فنجد المادة 25 من القانون رقم 67 لسنة 1961 تنص على أن الجنايات والجنح التى تقع على ظهر باخرة ترفع علم مصر تعد أنها ارتكبت فى أراضى تلك الجمهورية .

وينبغى أن يفسر هذه النص على ضوء النص المشابه فى القانون الانجليزى بمعنى أن يفهم على أنه يعطى القضاء المصرى اختصاصا احتياطيا فى حالة عدم قيام القضاء الاقليمى بالمعاقبة على الجنايات والجنح التى ارتكبت على ظهر السفينة المصرية .

 

حصانات السفن العامة الاجنبية فى الموانى :

من المقرر أن السفن العامة تشمل السفن الحربية وسفن الدولة المخصصة لخدمة عامة . أما السفن المملوكة لدولة أجنبية والمخصصة لاغراض تجارية فتأخذ كقاعدة عامة حكم السفن الخاصة . ولكل دولة الحق فى تنظيم دخول السفن العامة الاجنبية وعلى الخصوص السفن الحربية الاجنبية فى موانيها . فلها أن تمنع دخولها, أو تقيد مدة بقائها فى الموانى. والمعتاد أن تسمح الدول للسفن الحربية الاجنبية بالدخول فى موانيها اذا ما طلبت ذلك الدولة التابعة لها السفينة بالطريق الدبلوماسى كما تسمح بدخول السفن التى تضطرها الظروف الى دخول الميناء .

 

وعلى خلاف السفن التجارية لا تخضع السفن العامة الاجنبية للاختصاص الاقليمى . ويترتب على ذلك أنه لا يصح التعرض لسفينة عامة أجنبية أو تفتيشها أو اخضاعها لقضاء غير قضاء الدولة التى ترفع علمها سواء المسائل المدنية أو الجنائية .

والواقع أن هذه القاعدة على اطلاقها تؤدى الى مضايقات كثيرة وعلى الخصوص فيما يتعلق بالعلاقات التى تقوم بين هذه السفن وبين التجار والموردين من سكان الموانى الاجنبية . ولهذا نصت معاهدة بروكسيل سنة 1936 الخاصة باعفاءات السفن العامة على أنه من اللازم نظرا لعدم جواز الحجز على السفن العامة أو التنفيذ عليها بواسطة قضاء أجنبى أن تسهل الدول التجاء ذوى المصالح الى قضاء الدولة التى ترفع السفينة العامة علمها للمطالبة بحقوقهم .

ويفسر بعض الفقهاء قاعدة عدم خضوع السفن العامة الاجنبية للقضاء الاقليمى واستمرار خضوعها لقضاء دولتا – بأنها تعتبر جزءا من اقليم الدولة التابعة لها, فكل تعرض لها بعد اعتداء على الدولة نفسها. ونحن لا نقر فكرة امتداد الاقليم كأساس الاعفاء بالنسبة للسفن العامة . ونعتقد أن أساس الاعفاء هو الصفة الرسمية, وأن العرف الدولى قد جرى على اعفاء القوات الرسمية .

ويثور البحث عن الحكم اذا ارتكب شخص جريمة ثم لجأ الى سفينة عامة أجنبية ترسو فى ميناء الدولة . وهنا ايضا نجد أنه على خلاف ما هو مقرر بالنسبة للسفن التجارية الاجنبية التى يجوز دخولها وتفتيشها والقبض على من يكون قد لجأ من مجرمين, لا يجوز للسلطات الاقليمية أن تدخل السفن العامة الاجنبية الموجودة فى موانيها أو أن تفتشها ان هى آوت مجرما . وانما تملك هذه السلطات مطالبة ربان السفينة بتسليم المجرمين العادين الفارين . ويلتزم الربان باجابة الطلب والا فان دولته تكون مسئولة دوليا فى مواجهة الدولة صاحبة الميناء . ولكن العرف الدولى جرى على امكان لجوء المجرمين السياسيين للسفن العامة الاجنبية ولا يوجد التزام دولى بتسليمهم فى هذه الحالة .

 

                              ثالثا – الخلجان 

تعريف الخليج :

الخليج عبارة عن مساحة من البحر تتغلغل فى اقليم الدولة, وينتج عن عمق هذا التغلغل بالنسبة لاتساع فتحته وجود مساحة مائية تكاد تكون محاطة بالارض .

ولا تعتبر من قبيل الخلجان – تعرجات الشاطئ أو انحناءته العامة, بل يلزم لاعتبار تعرج ما خليجا أن تكون مساحته مساوية أو تزيد عن نصف دائرة ترسم فى مدخل ذلك التعرج ( راجع المادة السابعة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة سنة 1958 ).

 

 وتنقسم الخلجان الى خلجان وطنية وخلجان دولية :

(أ‌)         الخلجان الوطنية :

الخليج الوطنى هو الذى يقع كله فى اقليم دولة واحدة وتكون الفتحة التى تصله بأعالى البحار لا تزيد عن اتساع معين. ولقد حدد البعض اتساع فتحة الخليج الوطنى بما لا يزيد عن ضعف عرض البحر الاقليمى, وذلك على أساس أن أتساع البحر الاقليمى فى هذا الرأى هو ثلاثة أميال بحرية .

وحدد الرأى الغالب فتحة الخليج الوطنى بعشرة أميال بحرية على أن بعض الدول توسعت فى تحديد معنى الخليج الوطنى بناء على اعتبارات جغرافية أو اقتصادية أو اعتبارات تتعلق بالأمن مما حدا بمحكمة العدل الدولية الى أن تقرر فى حكمها فى قضية المصايد بين النرويج وانجلترا فى سنة 1951 أن قاعدة العشرة أميال لا يمكن اعتبارها قاعدة مستقرة من قواعد القانون الدولى .

 

ولقد توسعت اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة سنة 1958 فى تحديد الخلجان الوطنية . وكان رأى الدول الانجلوسكسونية أن الخليج الوطنى يجب ألا تزيد فتحته عن عشرة أميال لأن هناك اعتبارات بحرية تحكم الموضوع ومبناها ضرورة تمكن السفينة التى تقف فى منتصف الخليج من رؤية جانبية . على أن تلك النزعة عورضت بشدة من جانب دول الكتلة الشرقية وبعض الدول اللاتينية التى أصرت على أن تكون هذه الفتحة أربعة وعشرين ميلا . ولقد أخذت الاتفاقية بوجهة النظر الاخيرة, فقررت المادة 7/4 أن الفتحة الخليج الوطنى هى أربعة وعشرون ميلا وأن المياه داخل هذه الفتحة تعتبر مياها داخلية .

وإذا كان للخليج عدة فتحات بسبب وجود جزيرة أو جزر فى مدخله تكون العبرة بمجموع اتساع فتحات الخليج الذى يجب الا يزيد عن أربعة وعشرين ميلاً .

والخليج الوطنى يعد جزءاً من المياه الداخلية للدول الساحلية، فلها أن تمنع السفن الاجنبية من المرورفيه، كما أن لها أن تقصر الصيد فيه على مواطنيها وهى تمارس اختصاصها الاقليمى كاملاً على ما يدخل فيه من سفن وأشخاص .

 

( ب ) الخلجان الدولية :

وهى تشمل الخلجان التى تقع فى أراضى دولة واحدة ولكن تزيد فتحتها الموصلة بالبحر العام عن أربعة وعشرين ميلاً

وأما بالنسبة للخلجان التى تقع فى أراضى أكثر من دولة فلا توجد قاعدة مستقرة .

ولقد عجزت لجنة القانون الدولى عن ايراد أحكام تتعلق بهذا النوع من الخلجان، كما أن المادة السابعة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة نصت على أن أحكامها تنصرف فقط إلى الخلجان التى توجد فى أراضى دولة واحدة .

ويقرر البعض أن الخليج هنا يعتبر دولياً . ويستحسن عدم ايراد قواعد عامة بصدد هذا النوع من الخلجان، والنظر إلى ظروف كل خليج وأهميته للملاحة الدولية . ويدل العرف الدولى على امكان خضوع بعض الخلجان التى تقع فى أقاليم أكثر من دولة للسيادة المشتركة للدول المحيطة بها كما هو الحال بالنسبة لخليج فونسكا فى أمريكا الوسطى .

والخلجان الدولية تلحق بأعالى البحار، فيما عدا المساحة التى تخضع للاختصاص الاقليمى للدول المجاورة لها باعتبارها مياهاً اقليمية .

 

( جـ ) الخلجان التاريخية :

جرى العرف الدولى على الاعتراف بسيادة الدولة على بعض الخلجان التى تزيد الفتحة التى تصلها بالبحار العامة عن أربعة وعشرين ميلاً، وهذه هى الخلجان التاريخية أو الحيوية . وهى عبارة عن خلجان استمر وضع يد الدولة الساحلية عليها واختصاصها بها مدة طويلة دون أعتراض من جانب الدول الاخرى . ويتجة العرف الدولى إلى اطلاق وصف الخليج التاريخى كذلك على بعض الخلجان التى تقرر الدولة الساحلية اخضاعها لسيادتها إذا ما كانت هناك مصالح حيوية اقتصادية أو دفاعية تدعو إلى ذلك .

ومن أمثلة الخلجان التاريخية التى تخضع للسيادة الاقليمية: خليج كانكال فى فرنسا، وخليج ميراميتشى فى كندا، وخليج دولاوار فى الولايات المتحدة الامريكية، وخليج بريستو فى انجلترا .

ومع أن المادة السابعة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة أخذت بفكرة الخلجان التاريخية وأخرجتها من نطاق الخلجان الوطنية الا  أنها لم تورد تعريفاً لمثل هذه الخلجان.

 

الخلجان فى جمهورية مصر العربية :

ورد النص على نظام الخلجان فى المرسوم الذى صدر فى 15 يناير سنة 1951 لينظم الاقليمية المصرية . ولقد جاء نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من المرسوم المذكور متسماً بالغموض حين تكلم عن الخلجان . ويفهم منه أن الخليج يعتبر وطنياً ما دام أن راسية يقعان فى الاراضى المصرية، ومهما كان اتساع الفتحة التى تصلة بالبحر العام، ويجب أن يفسر هذا النص على ضوء قواعد القانون الدولى المعمول بها

 

ومن المعمول أن الشواطئ المصرية تحتوى على كثير من الخلجان يقع بعضها على البحر الابيض المتوسط كخلجان السلام ورأس الحكمة والعرب وابو قير وتينا، ويقع بعضها على البحر الاحمر كخلجان السويس والعقبة والغردقة والفول ورأس بناس .

وبعض هذه الخلجان كخليج السلام وخليج تينا وخليج الفول وتزيد فتحتها عن أربعة وعشرين ميلاً . ومع أنه من الممكن اعتبارها خلجاناً وطنية على أساس عمومية نص المادة السادسة من مرسوم سنة 1951 الا أنه من الافضل أن تصدر الحكومة المصرية قرارات تفيد اعتبارها خلجاناً تاريخية تخضع للسيادة المصرية منعاً لأى لبس .

 

خليج العقبة :

تتوسط شبة جزيرة سيناء الذراعين الشماليين للبحر الاحمر، ويكون خليج العقبة الذراع الشرقى، وأما الذراع الغربى فهو خليج السويس الذى يصل إلى قناة السويس . وتحيط ثلاث دول عربية بخليج العقبة وهى مصر فى الغرب، والمملكة العربية السعودية فى الشرق، والاردن فى رأس الخليج . أما اسرائيل فقد تمكنت فى 10مارس سنة 1959 من الاستيلاء على مساحة فى شمال خليج العقبة طولها خمسة أميال أنشأت بها ميناء أيلات الذى كان يعرف من قبل باسم ميناء رشرش . ولم تعترف الدول العربية بشرعية الوجود الاسرائيلى على خليج العقبة .

ويبلغ طول خليج العقبة حوالى مائة ميل . ويختلف اتساعه ما بين 3 أميال فى أضيق مناطقه فى الشمال الــ 18 ميلاً فى أوسع مناطقه . ويبلغ اتساع مدخل الخليج بين شبة الجزيرة العربية وبين للاقليم المصرى حوالى تسعة أميال، ولكن بعض الجزر والصخور فى مدخل الخليج وتجعل المساحة البحرية الصالحة للملاحة أقل من ذلك بكثير . فتقع جزيرة تيران فى المدخل وهى بهذا تجعل للخليج فتحتين : والفتحة الاساسية تقع بين تيران وبين الاقليم المصرى ويبلغ اتساعها حوالى أربعة أميال، وبهذه الفتحة ممران صالحان للملاحة تفصل بينها مجموعة من الصخور، والممر القريب من ألاقليم المصرى وهو الممر الرئيسى الذى يمكن للسفن الكبيرة الملاحة فيه . وتقع جزيرة صنافير فى مدخل الخليج على بعد ميلين شرق جزيرة تيران، والمنطقة الواقعة بين الجزيرتين قليلة الاستعمال . ويصدق هذا أيضاً على المنطقة الواقعة بين تيران والساحل السعودى بسبب وجود بعض الصخور التى تعوق الملاحة .

 

ولقد طالبت الدول العربية باعتبار خليج العقبة خليجاً عربياً يخضع للسيادة المشتركة لمصر والسعودية والاردن التى تستند إلى حجج تاريخية مبناها أن الدول العربية قد باشرت سيادتها على الخليج بدون منازعة لمدة أكثر من ألف عام . فلقد باشر العرب سيادتهم على الخليج حتى القرن السادس عشر وهو تاريخ خضوعها للدولة العثمانية . ثم باشرت الدولة العثمانية بصفتها صاحبة السيادة على البلاد العربية سيادتها عليه حتى نهاية الحرب العالمية الاولى، ثم ورثت الدول العربية بعد انفصالها عن الدولة العثمانية السيادة على الخليج ومارستها بصفة مستمرة .

 

وفضلاً عن ذلك فلخليج العقبة أهمية حربية واستراتيجية للعالم العربى، وهو زيادة على ذلك يعتبر ممراً له أهميتة الكبرى للعالم الاسلامى لأنه الطريق التاريخى للحج إلى بيت الله الحرام . ولكل هذه الاسباب كان خليج العقبة فى العصور المختلفة بحراً مغلقاً .

 

ادعاءات اسرائيل :

تعارض اسرائيل والدول البحرية الكبرى وجهة نظر الدول العربية. وتقرر أن خليج العقبة يعتبر من أعالى البحار نظراً لوجود أكثر من دولة على شواطئه ولان حرية الملاحة فيه صوب ميناء ايلات أمر يهم الاقتصاد الاسرائيلى . ولقد حدث بعد العدوان الاسرائيلى على مصر فى سنة 1956 أن رفضت اسرائيل الانسحاب من شبة جزيرة سيناء ومن شرم الشيخ تنفيذاً لقرارات الامم المتحدة فى 7نوفمبر سنة 1956 قبل أن تحصل على وعد بأن تقوم قوات الطوارئ الدولية بضمان حرية الملاحة فى خليج العقبة .

ولقد أصدرت الولايات المتحدة وكذلك فرنسا تصريحات تفيد حرية الملاحة فى خليج العقبة، ثم انسحب القوات الاسرائيلية .

كما استندت اسرائيل على مطالبة الخاصه بحماية الملاحة البحرية حينما أعادت احتلالها لسيناء فى سنة 1967.

ومن الواضح أن المشكلة الرئيسية فيما يتعلق بخليج العقبة لا تتعلق بحرية الملاحة الدولية، بل تتصل بطبيعة الصراع العربى الاسرائيلى الذىاستمر منذ انشاء اسرائيل سنة 1948. ومن مظاهر هذا الصراع ممارسة الدول العربية لحقوق المحاربين فى البحار فى مواجهة اسرائيل .

ولقد نص قرار مجلس الامن رقم 242 لسنة 1967 على مبدأ حرية الملاحة فى الممرات المائية الدولية كأحد بنود تسوية مشكلة الحرب العربية الاسرائيلية .

 

                              ** رابعاً – القنوات البحرية **

القناة البحرية هى ممر مائى يحفر فى أرض دولة ليصل بين بحرين حرين .

والثابت أن القناة البحرية تعد جزءاً من أقليم الدولة التى تخترق أرضها وبالتالى تخضع لكافة مظاهر اختصاصها الاقليمى . ولكن لما كانت هذه القنوات فى العادة من طرق المواصلات الدولية التى تؤدى إلى تسهيل الملاحة الدولية وتخفيض تكاليفها، وكانت منفعتها لا تعود على الدولة التى تمر فى أراضها فحسب بل على التجارة الدولية بأسرها، فقد عقدت معاهدات دولية بخصوص أهم هذه القنوات البحرية الغرض منها ضمان حرية الملاحة فيها .

وتخضع الملاحة فى ثلاث قنوات بحرية وهى قناة السويس وقناة بناما وقناة كييل لأنظمة مقررة فى اتفاقات دولية . وتتشابه هذه الاتفاقات فى تقريرها لمبدأ حرية الملاحة فى القناة البحرية للسفن التجارية التابعة لكل دول لعالم وذلك فى وقت السلم، أما فى وقت الحرب فيجوز اغلاق القناة فى مواجهة سفن العدو . وتحتفظ الدول التى تمر القنوات فى أراضيها بكل مظاهر سيادتها التى لا تتعارض مع حرية الملاحة . وعلى ذلك يكون من حق هذه الدول تطبيق تشريعاتها . وممارسة اختصاصاتها التنفيذية والقضائية فى مواجهة السفن الاجنبية الموجودة فى القناة بنفس الطريقة التى تتبعها بالنسبة للسفن الاجنبية الموجودة فى موانيها . كما تعتبر القناة وما يوجد فيها من مياه جزءا من أقليم الدولة التى تمر فيها .

 

وسنتولى فيما يلى بحث الوضع المقرر لكل من هذه القنوات الثلاث :

قناة السويس :

تقع قناة السويس بأكمالها فى أرض مصر، وهى تصل البحر الابيض المتوسط بالبحر الاحمر .

وتم حفر قناة السويس بمقتضى فرمان خديوى صدر فى 30نوفمبر سنة 1854 . ومنح الفرمان امتياز حفر القناة واستغلالها لشركة مساهمة على رأسها المنهدس الفرنسى فرديناند دلسبس . ونص الفرمان على أن تكون الملاحة فى القناة حرة لجميع السفن بلا استثناء أو تمييز، وعلى أن تقوم الشركة بفرض رسوم على مرور السفن بالاتفاق مع الحكومة المصرية وعلى أن مدة الامتياز 99عاماً .

ولما كانت مصر تابعة للباب العالى فى ذلك الوقت، فقد استدعى الأمر أن يصدر الباب العالى فى 19 مارس سنة 1866 فرماناً يقر فيه الامتياز الممنوح من الحكومة المصرية لشركة قناة السويس . ولقد أكد هذا الفرمان سيادة مصر على القناة مع كونها للملاحة الدولية لسفن جميع الدول . واعترف للحكومة المصرية بصفتها صاحبة السيادة على القناة بحق تنظيم الملاحة فيها وفى ملحقاتها بشرط أحترام مبدأ الحرية، وبحقها فى استيراد القناة بعد انتهاء مدة امتياز الشركة، وفى الحصول على نسبة معينة من الارباح أثناء فترة الامتياز . كما أكد الفرمان حق الشركة فى فرض الرسوم على السفن المارة بالقناة دون تمييز .

ولما احتلت انجلترا مصر عام 1882 فى اعقاب الثورة العربية واستعملت القناة لخدمة أغراضها العسكرية، ومرت أساطيلها دون دفع الرسوم احتج دى لسبس لدى الدول مبيناً أن انجلترا قد اعتدت على النظام الموضوع للقناة مطالباً بوضع نظام دولى لحمايته .

 

ثم صدر بعد ذلك تصريح بريطانى فى سنة 1883يؤكد مبدأ حرية المرور فى قناة السويس للسفن بجميع أنواعها مع المساواة فى المعاملة بين جميع الدول .

وأعقب ذلك صدور تصريح فى لندن فى 17مارس سنة 1885 الذى وقعت عليه كل من ألمانيا، والنمسا، وأسبانيا، وبريطانيا، وايطاليا، وروسيا، وتركيا وورد فيه أن هذه الدول " متفقة على ضرورة التفاوض لتقرير النظام النهائى الذى يضمن حرية استخدام قناة السويس فى كل وقت لجميع الدول بمقتضى اتفاق دولى .

 

ولقد انتهى الأمر بعد مفاوضات طويلة وشاقة بين الدول الكبرى إلى ابرام اتفاقية القسطنطينية فى 29أكتوبر سنة 1888بين كل من تركيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والنمسا وايطاليا وروسيا وهولنده، وهى الاتفاقية التى وضعت نظام الملاحة فى قناة السويس .

 

النظام القانونى لقناة السويس وفقاً لاتفاقية سنة 1888:

 

تحكم اتفاقية القسطنطينية سنة 1888 نظام قناة السويس، ولم تكن مصر من بين الدول الموقعة على اتفاقية القسطنطينية حيث أنها كانت فى ذلك الوقت تابعة للسيادة العثمانية .

ولقد ترتب على زوال السيادة العثمانية عن مصر باستقلالها وبتنازل تركيا عن هذه السيادة فى معاهدة لوزان سنة 1923 ( المادة السابعة عشرة ) أن انتقلت لمصر سائر الحقوق والالتزامات التى كانت مقررة لتركيا فى  اتفاقية القسطنطينية . كما ترتب على تركيا والجمهورية العربية المتحدة فى سنة 1958 انتقال تلك الحقوق والالتزامات إليها . ولا شك فى أن جمهورية مصر العربية لازالت تتمسك حتى الآن بحقوقها والتزاماتها فى هذه الاتفاقية كما سنوضح ذلك فيما بعد .

ويمكن تلخيص النظام القانونى الذى وضعته اتفاقية القسطنطينية على النحو الآتى :

 

1-  حرية الملاحة فى قناة السويس :

الملاحة فى قناة السويس حرة لسفن جميع الدول بلا تمييز . فيجب أن تفتح القناة لمرور السفن التجارية والسفن الحربية أيا كانت الدولة التى ترفع السفينة علمها وسواء وقت السلم أو فى وقت الحرب، ولا يجوز التمييز فى المعاملة بين السفن التابعة للدول المختلفة، كما يمتنع على أى من الدول المتعاقدة أن تسعى للحصول على أمتياز فيما يتعلق باستعمال القناة .

2-  حياد القناة :

وضعت الاتفاقية ضمانات القصد منها تحقيق مبدأ حرية المرور فى القناة للسفن التجارية والحربية فى وقت السلم ووقت الحرب . فنصت على أن يمتنع على الدول المتعاقدة اتيان أى عمل من شأنه عرقلة حرية استعمال القناة . وتعهدت الدول المتعاقدة بعدم اجراء حصر ضد القناة ( المادة الاولى )، وبألا تتعرض بسوء للمهمات أو المبانى أو المنشأت أو سائر متعلقات القناة ( المادة الثالثة ). وفى وقت الحرب لا يجوز للدول المحاربة القيام بأعمال حربية أو عدوانية فى القناة أو ضدها، أو اتيان أعمال من شأنها عرقلة الملاحة فيها أو احدى فتحتيها حتى مسافة ثلاثة أميال بحرية ( أنظر المادة الرابعة ) . ويحرم على الدول المحاربة أخذ أو انزال أى ذخائر أو مهمات حربية أو جنود فى القناة أو أحد موانيها .

وكذلك منعت الاتفاقية الدول فى وقت السلم وفى وقت الحرب من ايجاد سفن حربية داخل مياه القناة بما فيها بحيرة التمساح والبحيرات المرة وأن أعطتها باستثناء الدول المحاربة، الحق فى ايجاد سفينتين حربيتين على الاكثر فى مينائى بور سعيد والسويس ( أنظر المادة السابعة ). وفى وقت الحرب لا يجوز للسفن الحربية التابعة للدول المحاربة أخذ تموين من القناة الا إلى الحد الضرورى . ويكون مرورها فى أقصر وقت ممكن وليس لها أن تمكث فى مينائى بورسعيد أو السويس أكثر من 21ساعة الا فى حالة الضرورة الملحة، ويراعى مرور 24ساعة بين خروج سفينة حربية تابعة لدولة محاربة وخروج سفينة حربية معادية .

 

3-  القناة جزء من جمهورية مصر العربية :

تمر قناة السويس بأكملها فى ألاراضى المصرية، والالتزامات الواردة فى اتفاقية القسطنطينية الخاصة بحرية مرور السفن فى القناة لا تؤثر فى قواعد الاختصاص الاقليمى . كما أن منح امتياز استغلال القناة للشركة العالمية لقناة السويس – التى كانت تستمد وجودها من التشريع الداخلى ومن ثم كانت شركة مصرية – لا يؤثر فى سيادة مصر على القناة أو فى اعتبارها مرفقاً عاماً مصرياً .

 

ولقد نصت على ذلك المادة الثالثة عشرة من الاتفاقية حيث ورد فيها " وفيما عدا الالتزامات الموضحة صراحة فى الاتفاق، لا تمس حقوق السلطان ( سلطان تركيا ) و لا الحقوق والحصانات والضمانات التى للخديو ( خديو مصر ) بمقتضى الفرمانات " .

 

واعترفت بهذه القاعدة معاهدة سنة 1936 بين مصر وبريطانيا إذ ورد فى مادتها الثامنة " بما أن قناة السويس – الذى هو جزء لا يتجزأ من مصر .. "، كما ورد النص على ذلك أيضاً فى المادة الثامنة من اتفاق القاهرة فى 19أكتوبر سنة 1954 .

ويترتب على ما تقدم أن السيادة الاقليمية تباشر فى القناة وفى الاراضى المحيطة بها بواسطة جمهورية مصر . ويهمنا أن نبرز فيما يلى أمرين يتعلق أولهما بطبيعة القناة، أما الثانى فيرتبط باختصاص الدفاع عنها .

 

( أ ) مياه قناة السويس داخلية :

قناة السويس تقع برمتها فى أرض مصر، وتعتبر جزءاً منها، ومياهها مياه داخلية وليست مياه اقليمية .

 

وأفتى مجلس الدولة المصرى فى 10مايو سنة 1953 بأن " قناة السويس قناة اقليمها صرفة تقع برمتها فى ارض مصرية وتعتبر جزءاً منها، وهى باعتبارها وحدة مستقلة وقائمة بذاتها عن البحرين اللذين تربط كلا منهما بالآخر لايمكن اعتبارها بحراً . فالملاحة فيها ملاحة داخلية فى مياه داخلية مادامت المراكب التى تقوم بالملاحة لا تخرج منها إلى البحر أو إلى خليج السويس .

وقد رتب مجلس الدولة على هذه المقدمة أن السفن التى تعمل فى قناة السويس فقط، أو فى القناة والبحيرات المتصلة بها دون الخروج إلى البحار لا تقوم بملاحة بحرية . ومن ثم لاتخضع لأحكام القانونين فى 21لسنة 1940 الخاصة بسلامة السفن و84لسنة 1949 بشأن تسجيل السفن التجارية، بل تخضع لاحكام القانون رقم 71لسنة 1941 الخاص بالملاحة الداخلية " .

 

( ب ) اختصاص الدفاع عن قناة السويس :

تختص جمهورية مصر العربية وفقاً لاتفاقية القسطنطينية باتخاذ الوسائل اللازمة للدفاع عن الأمن العام، أو للدفاع عن مصر بما فى ذلك الأراضى الواقعة شرقى قناة السويس، على شرط ألا يؤدىذلك إلى عرقلة الملاحة فى القناة . كما أن الاتفاقية ألقت على عاتق حكومة مصر أن تتخذ فى حدود سلطاتها التدابير اللازمة لاحترام تنفيذ نصوصها . وفى حالة ما إذا لم يكن لدى تلك الحكومة الوسائل الكافية فعليها أن تطلب معاونة الحكومة العثمانية التى عليها أن تتخذ الوسائل الكفيلة وأن تخبر بذلك الدول الموقعة على تصريح لندن 1885.

ولقد أدت ظروف الاحتلال البريطانى لمصر منذ سنة 1882 إلى ادعاء انجلترا أن القناة

طريق حيوى لمواصلاتها الامبراطورية، وإلى مباشرتها بالفعل اقامة تحصينات واسكان جنود بجواد القناة . ولم يترتب على انهاء الحماية البريطانية على مصر فى تصريح 28فبراير سنة 1922 أى تغيير فى الوضع الفعلى، إذ احتفظت انجلترا بحق حماية المواصلات البريطانية وحماية المواصلات الاجنبية . ولقد نصت المعاهدة المصرية البريطانية سنة 1936 التى عقدت فى ظل الاحتلال البريطانى على الترخيص لانجلترا بأن تضع بجوار القناة قوات بريطانية قوامها عشرة الاف جندى كى تتعاون مع قوات الجيش المصرى فى الدفاع عنها، كما نصت المعاهدة على الا يكون لوجود تلك القوات صفة الاحتلال وأنها لا تخل بوجه من الوجوه بحقوق السيادة المصرية على قناة السويس .

هذا الوضع الممتاز الذى كان لبريطانيا فى قناة السويس كان يتضمن مخالفة صريحة للنظام الموضوع للقناة فى سنة 1888 لما يأتى :

1-  تمنع المادة 7فقرة أ من اتفاقية القسطنطينية الدول المتعاقدة والدول الاخرى من ابقاء سفينة حربية فى القناة بما فى ذلك بحيرة التمساح والبحيرات المرة، ولكن الحكومة البريطانية كانت تصر على ابقاء عدد من السفن الحربية وليس فقط فى مينائى دخول القناة – بورسعيد والسويس بل فى مياه القناة ذاتها والبحيرات المذكورة .

2-  تنص المادة 12 من اتفاقية القسطنطينية على تعهد الدول المتعاقدة بأن لا يسعى أى منها للحصول لنفسه فيما يتعلق بالقناة على مزايا اقليمية أو على أمتياز أخرى، ولكن انجلترا انتهزت فرصة احتلالها لمصر لكى تحشد قوات بريطانية فى منطقة القناة وعلى طول هذا الطريق البحرى للمواصلات، وفى هذا خرق فى المبنى والمعنى لاتفاقية القسطنطينية .

والواقع أن قناة السويس وهى طريق للملاحة ذو أهمية دولية كان خاضعاً فى ظل      الاحتلال البريطانى للسيطرة الكاملة لدولة اجنبية واحدة هى انجلترا التى كانت تستطيع بحكم ما لها من قوات زيدت زيادة عظيمة أن تغلق القناة كما نشاء فى وجه أية دولة وفى أية ظروف .

وقد خلا اتفاق القاهرة فى 19أكتوبر سنة 1954 من النص على ادعاء بريطانيا الخاص بأن قناة السويس طريق حيوى لمواصلاتها ( راجع المادة الثامنة ) . وقد ورد به " أن قناة السويس طريق مائى له أهميتة الدولية من النواحى الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية " . وأعربت مصر وبريطانيا عن تصميمهما على احترام الاتفاقية التى تكفل حرية الملاحة فى القناة الموقع عليها فى القسطنطينية فى التاسع والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1888. كما نص الاتفاق على جلاء القوات البريطانية جلاء تاماًً. وبجلاء القوات البريطانية عن منطقة القناة أصبحت مصر هى الدولة المسئولة عن الدفاع عن القناة وهى تتحمل وحدها مسئولية المحافظة على سلامتها .

 

تطبيق مبدأ حرية الملاحة فى قناة السويس :

 

أكدت مصر فى فرمان 1854 مبدأ حرية الملاحة فى قناة السويس لجميع السفن بلا استثناء أو تمييز، ثم جاءت اتفاقية القسطنطينية سنة 1888فأكدت هذا المبدأ بطريقة دولية . ووضعت ضمانات لكفالة استمرار الملاحة فى القناة وحيادها . ومع أن الاصل أن اتفاقية القسطنطينية بما أوردته من حقوق والتزامات بين أطرافها لا تنطلق فى مواجهة غير أعضائها الا أنه من المفهوم أن مبدأ حرية الملاحة الواردة فيها مقرر لمصلحة كل دول العالم وفقاً لفرمان سنة 1854 ولما جرى عليه العمل قبل سنة 1888 وبعدها .

ولم تثير الملاحة فى قناة السويس مشكلات دولية فى الماضى الا فيما يتعلق بوضعها فى أثناء الحرب .

فحينما نشبت الحرب العالميى الاولى أصدرت مصر فى 5أغسطس سنة 1914 أعلاناً قررت فيه استمرار الملاحة الحرة فى قناة السويس للسفن التابعة لكل دول العالم، وبين الاعلان أن السفن الحربية البريطانية لن تعوق حرية الملاحة . على أن هذا الاعلان لم يكن محل احترام بريطانيا التى استطاعت – بفضل احتلالها لمصر – اغلاق القناة فى مواجهة ألمانيا وحلفائها .

ولما قامت الحرب العالمية الثانية فى سنة 1939 أقامت مصر، وكانت تلتزم حالة الحياد، نظاماً لتفتيش السفن التى تعبر قناة السويس، وقامت السلطات البريطانية باغلاق القناة فى مواجهة دول المحور، كما أن السفن الحربية البريطانية استعملت القناة وموانيها للتزويد بالمياه والتموين ولانزال وأخذ الجنود، كما أن الطائرات الألمانية والايطالية هاجمت القوات البريطانية الموجودة فى منطقة القناة .

واتخذت الحكومة المصرية ابتداء من حرب فلسطين سنة 1948 التدابير اللازمة للدفاع عن مصر وعن الاراضى الواقعة شرق قناة السويس، فباشرت فى القناة حقوق الدولة المحاربة من زيادة التفتيش . ومنعت مرور السفن الاسرائيلية والسفن الاخرى لها . كما أنها تصادر البضائع الصادرة من اسرائيل أو التى تكون متجهة إليها مهما كانت جنسية السفن التى تحملها .

 

واستمرت مصر فى مباشرة هذه الحقوق بعد توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر واسرائيل فى سنة 1949. ولقد عارضت دول متعددة من بينهما اسرائيل وانجلترا وفرنسا وأمريكا هذا التصرف .

وفى سنة 1951 لجأت اسرائيل إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتشكو مصر للقيود التى تفرضها على الملاحة فى قناة السويس، وبصفة خاصة لمنعها السفن الاسرائيلية من المرور . ولممارستها حق الزيارة والتفتيش للتأكد من عدم قيام السفن المحايدة بالتهريب الحربى لاسرائيل .

وكانت وجهة نظر اسرائيل أن اتفاقيات الهدنة بين الدول العربية واسرائيل قد أنهت من الناحية الواقعية حالة الحرب، أما وجهة نظر مصر فتتلخص فى أن الهدنة لا تنهى حالة الحرب، وأن القيود التى تفرضها لها أساسها القانونى المترتب على حالة الحرب، وعلى حق مصر فى الدفاع عن نفسها وفقاً للمواد 10،11 من اتفاقية القسطنطينية .

 

وفى أول سبتمبر سنة 1951 صدر قرار من مجلس الأمن أعلن فيه أن استمرار أعمال منع السفن المتوجهة إلى اسرائيل عبر قناة السويس يتنافى مع ما ورد فى اتفاقية الهدنة مع وضع نظام لسلام دائم فى فلسطين .

ودعا مجلس الأمن إلى رفع قيود الملاحة التى فرضتها مصر ضد اسرائيل عبر قناة السويس .

 

ولم تقم مصر بتنفيذ القرار المذكور، وأكدت أن الغرض من قرار مجلس الأمن وهو سلطة سياسية مكلفة بحفظ اللأمن – كان ملافاة حالة واقعية تهدد الأمن الدولى، ولم يقصد منه تغيير قاعدة مستقرة من قواعد القانون الدولى العام، وهى قاعدة أن الهدنة لاتنتهى حالة الحرب، ومن ثم تحتفظ مصر بحقها فى ممارسة حقوق المحاربين طالما لم تتم تسوية سلمية للنزاع العربى الاسرائيلى .

 

ولقد نتج عن ظروف الصراع العربى الاسرائيلى أغلاق قناة السويس مرتين احداهما لفترة قصيرة نتيجة لحرب سنة 1956 والاخرى لمدة ثمانية سنوات فى أعقاب حرب 1967.

ولقد أصدر مجلس الأمن فى 22نوفمبر سنة 1967 قراره رقم 242 لتسوية مشكلة الشرق الاوسط . ويتضمن القرار ما يلى :

اولاً : أكد المجلس أن مبادئ ميثاق الامم المتحدة تتطلب إقامة سلام عادل ودائم فى الشرق الاوسط ينطوى على تطبيق المبدأين التاليين :

( أ ) انسحاب القوات الاسرائيلية المسلحة من الاراضى التى احتلتها فى الصراع الاخير .

( ب ) انهاء جميع أدعاءات أو حالات الحرب، واحترام السيادة والتسليم بها وبسلامة الاراضى والاستقلال السياسى لكل دول المنطقة . وبحقها فى الحياة فى سلام داخل حدود أمنة معترف بها خالية من التهديد أو ةأعمال القوة

 

ثانياً : أكد المجلس ضرورة ما يلى :

( أ ) ضمان حرية الملاحة فى الممرات الدولية فى المنطقة .

( ب ) تحقيق حل عادل لمشكلة الاجئين .

( جـ ) ضمان عدم المساس بالاراضى أو بالاستقلال السياسى لكل دولة فى المنطقة عن طريق اجراءات تشمل انشاء منطقة منزوعة السلاح .

 

وتحتفظ مصر بحقها فى أن تتخذ فى قناة السويس الوسائل اللازمة للدفاع عن الأمن العام وللدفاع عن مصر بالتطبيق للمادة العاشرة من اتفاقية القسطنطينية سنة 1888 . ويجوز لمصر اللجوء لهذه الوسائل فى حالة الحرب أو السلم .

 

النظام القانونى لقناة السويس بعد تاميمها :

( أ ) الادارة المصرية لمرفق الملاحة فى قناة السويس :

فى 26يوليو 1956 صدر القانون رقم 285 لسنة 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس على أن تتولى ادارة مرفق المرور فيها هيئة مصرية مستقلة، كما يتم تعويض أصحاب الاسهم وحصص التأسيس فى الشركة المؤممة . ولقد عارضت بعض الدول وعلى رأسها فرنسا وانجلترا فى حق مصر فى تأميم شركة قناة السويس مدعين أن قرار التأميم الصادر من جانب واحد يجعل القناة تحت سلطة الحكومة المصرية مما يهدد حرية الملاحة فيها، وأن ذلك يخالف أحكام اتفاقية القسطنطينية وعقد الامتياز الممنوح للشركة، وهذه الادعاءات لا سند لها من القانون نظراً لان الحكومة المصرية لها السيادةعلى ثرواتها الطبيعية ومرافقها الاقتصادية وهى قد قامت بعملية التأميم لتحقيق مصلحة قومية عامة ومقابل تعويض.  فضلاً أن تأميم شركة قناة السويس لا يتعارض مع الالتزامات الواردة فى اتفاقية القسطنطينية فيما يتعلق بحرية الملاحة فى قناة السويس، لأن الحكومة المصرية سوف تكفل هذه الحرية وتطبق أحكام الاتفاقية المذكورة .

وقام نزاع دولى بين مصر وانجلترا وفرنسا بصفة خاصة، فقد اقترحت الدولتان المذكورتان انشاء مجلس دولى لادارة القناة . ولقد رفضت مصر هذه الاقتراحات لمساسها بسيادتها . وأعقب ذلك العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956 الذى بدأ بهجوم اسرائيل فى 29أكتوبر سنة 1956 الذى تبعة هجوم انجلترا وفرنسا فى 31أكتوبر . ولما فشل مجلس الأمن فى وقف العدوان تم عرض الموضوع على الجمعية العامة للأمم المتحدة فى جلسة طوارئ مستعجلة، ولقد أصدرت الجمعية العامة فى 2نوفمبر سنة 1956 قراراً بوقف القتال وانسحاب المعتدين، كما أصدرت فى 5 نوفمبر قراراً بتشكيل قوة طوارئ دولية للعمل على تنفيذ القرار المذكور .

 

( ب ) تصريح الحكومة المصرية فى 24 أبريل سنة 1957 بشأن النظام القانونى لقناة السويس :

حينما انتهى العدوان الثلاثى بالفشل، وزالت آثاره بمعاونة الامم المتحدة فى تطهير القناة أصدرت الحكومة المصرية تصريحاً فى 24أبريل سنة 1957 كتعبير غن رغبتها الحرة فى احترام اتفاقية القسطنطينية سنة 1888، وعن عزمها أن تجعل من قناة السويس ممراً مائياً صالحاً يربط شعوب العالم ويخدم قضية السلام والرخاء.

 

ولقد أبلغت الحكومة المصرية تصريحها هذا إلى السكرتير العام للأمم المتحدة . وطلبت منه أن يقوم بتسجيلة فى الامم المتحدة باعتباره وثيقة دولية . ولا جدال فى أن القواعد الواردة فى هذا التصريح وان كانت قد صدرت عن الارادة المنفردة للدولة صاحبة السيادة على قناة السويس الا أن لها طبيعة ملزمة لانها وهت إلى الامم المتحدة وقبلها أعضاؤها بدون منازعة باعتباره القواعد التى ستحكم الملاحة فى قناة السويس .

ويمكن تلخيص القواعد الواردة فى التصريح على النحو الآتى :

1-    احترام اتفاقية القسطنطينية سنة 1888فيما يتعلق بحرية الملاحة فى قناة السويس .

2-    تستمر رسوم المرور فى قناة السويس على ما كانت عليه فى سنة 1936. وإذا حدثت زيادة فى الرسوم فلن تتجاوز هذه الزيادة 1% خلال اثنى عشر شهراً . أما أية زيادة أكثر من ذلك فتتم بطريق المفاوضات، زإذا تعذر الوصول إلى اتفاق يلجأ الاطراف إلى التحكم .

3-    تتعهد الحكومة المصرية بصيانة القناة وتطويرها وفقاً لمقتضيات الملاحة الحديثة .

4-    تدار القناة بواسطة هيئة قناة السويس المستقلة التى أنشاتها الحكومة المصرية فى 26يوليو سنة 1956، وترحب الحكومة المصرية بالتعاون بين الهيئة وممثلى شركات الملاحة والتجارة . وتدفع رسوم المرور مقدماً لحساب هيئة قناة السويس . وتقوم الهيئة بدفع 5% من مجموع الايرادات كاتاوه للحكومة . ولقد جمعت القواعد التى تحكم القناة بما فيها من تفصيلات ادارتها فى لائحة وقواعد المرور .

 

    ولا تستطيع الهيئة أن تمنح أية سفينة أو شركة أو جماعة أى امتياز أو رعاية لا      يمنح للسفن أو الشركات أو الجماعات الاخرى فى الظروف ذاتها

 

5-    ترفع الشكاوى المتعلقة بالتفرقة فى المعاملة أو بلائحة القناة إلى هيئة قناة السويس، وفى حالة عدم الوصول إلى تسوية للشكوى يمكن عرض المسألة حسب رغبة الطرف الشاكى أو هيئة قناة السويس على محكمة للتحكيم . وتؤلف هذه من عضو يعينة الشاكى وعضو تعينة الهيئة وعضو ثالث يختارة الاثنان . وفى حالة عدم الاتفاق على العضو الثالث ويقوم رئيس محكمة العدل الدولية باختيار هذا العضو بناء على طلب أى من الطرفين، وتصدر قرارات محكمة التحكيم بأغلبية أعضائها وتكون ملزمة للأطراف .

6-    تسوى المنازعات والخلافات التى تنشأ بخصوص اتفاقية القسطنطينة سنة 1888أو تصريح سنة 1957 طبقاً لميثاق الامم المتحدة وتعرض الخلافات التى تنشأ حول تفسير أو تطبيق نصوص اتفاقية سنة 1878 على محكمة العدل الدولية اذا لم تحل بطريقة آخر . وقد قبلت الحكومة المصرية اختصاص محكمة العدل الدولية الالزامى فى هذا الشأن, فأصدرت فى 18يوليو سنة 1957 تصريحا وفقا للمادة 36فقرة 2 من نظام محكمة العدل الدولية قبلت بمقتضاه الولاية الالزامية لمحكمة العدل الدولية فى كل المنازعات القانونية التى تنشأ عن تطبيق الفقرة ( ب) من تصريح 24 ابريل سنة 1957 بشرط المعاملة بالمثل ودون حاجة لاتفاق خاص .

 

قناة بناما :

تصل قناة بناما المحيط الاطلسى بالمحيط الهادى, وتفصل أمريكا الشمالية عن أمريكا الجنوبية, وقد افتتحت للملاحة سنة 1941 . وتمر قناة بناما فى أراضى جمهورية بناما التى أعلنت انفصالها عن كولومبيا فى سنة 1903 .

ولقد تحدد نظام الملاحة فى قناة بناما فى معاهدتين : الاولى بين الولايات المتحدة وانجلترا وتاريخها 18 نوفمبر سنة 1901 وهى معاهدة هاى بونسفوت . والثانية بين الولايات المتحدة وبناما وتاريخها 18 نوفمبر سنة 1903 وهى معاهدة هاى فاريلا .

 

ونصت معاهدة هاى بونسفوت على أن تقوم الولايات المتحدة بانشاء القناة وبالاشراف عليها على أن تكون الملاحة فيها حرة للسفن الحربية والتجارية لجميع الدول, وعلى عدم جواز القيام بأعمال حربية فى قناة أو فى المياة الاقليمية المجاورة لها .

 

ونصت معاهدة هاى فاريلا على أن تمنح بناما الولايات المتحدة شقة من الارض تفتح فيها القناة مقابل عشرة ملايين دولارا مضافا اليها ايجار سنوى قدره ربع مليون دولار . وعلى أن تكون القناة وفتحتاها فى حالة حياد, وعلى أن الملاحة فيها حرة .

 

وتخضع منطقة قناة بناما لنظام قانونى خاص مقتضاه أن تؤجر بناما الشقة الضيقة من الارض التى تمر بها القناة الى الولايات المتحدة لمدة مائة عام . وفى الواقع كانت الولايات المتحدة تباشر جميع اختصاصات الدولة على هذه المنطقة .

 

ولقد قامت بناما فى 10 يناير سنة 1946 باعلان الغاء تأجير قناة بناما للولايات المتحدة, ولقد عارضت الاخيرة فى مشروعية هذا الاجراء وجرت مفاوضات بين الدولتين انتهت بتوقيع معاهدة جديدة فى سنة 1978 حلت محل معاهدة هاى فاريلا . وتعترف المعاهدة الجديدية بسيادة بناما على القناة, مع استمرار وجود قوات أمريكية لحماية القناة لمدة خمسين عاما .

 

قناة كييل :

تصل بحر البلطيق ببحر الشمال, وتقع برمتها فى اقليم ألمانيا, وافتتحت للملاحة فى سنة 1896, ولقد ظلت حتى انتهاء الحرب العالمية الاولى خاضعة للاختصاصا المطلق لالمانيا دون أى قيد دولى, ولم تكن المانيا تسمح بالمرور فيها للسفن الاجنبية الا بترخيص خاص.

 

ولقد وضعت المادة 380 من معاهدة فرسايل سنة 1939 نظاما دوليا لقناة كييل مقتضاه وجوب فتحها للملاحة, للسفن التجارية والسفن الحربية لجميع الدول التى فى حالة سلام مع ألمانيا, مع وجوب المساواة فى المعاملة بين سفن الدول المختلفة, وعدم اخضاعها للوائح تعرقل الملاحة الا ما كان ضروريا لاغراض بوليسية أو جمركية أو صحية . وتعهدت ألمانيا بالعمل على صيانة الملاحة فى القناة وبأن لا تفرض من الرسوم الا ما يكون لازما لدفع مصاريف صيانة الملاحة .

 

ولقد فسرت نصوص معاهدة فرسايل الخاصة بقناة كييل فى حكم صدر لمحكمة العدل الدولية الدائمة فى قضية السفينة ويميلدن . وتتلخص وقائع القضية فى أن الحكومة الالمانية منعت سفينة انجلتزية مؤجرة لشركة فرنسية من المرور فى القناة أثناء الحرب الروسية البولونية سنة 1920 بدعوى أن السفينة تحمل شحنة من الذخيرة لبولونيا . وقد عارضت فرنسا وبريطانيا فى هذا الاجراء ورفعنا النزاع لمحكمة العدل الدولية الدائمة فى سنة 1923. واحتجت ألمانيا أمام المحكمة بأن قناة كييل جزء من اقليمها وبأنها كانت فى حالة حياد بالنسبة للحرب الروسية البولونية فلم يكن من الممكن أن تسمح لسفينة تحمل مهربات حربية لاحدى الدول المتحاربة بالمرور دون أن تخرق قواعد الحياد . وقررت المحكمة عدم وجاهة حجج الحكومة الالمانية, وذكرت أن ألمانيا تتقيد لقناة كييل بنصوص معاهدة فرسايل هذه لا تبيح لها أن تمنع مرور السفن الاجنبية الا فى حالتين : وهما أن تكون السفينة تابعة لدول مشتبكة فى حرب مع ألمانيا نفسها, أو أن يكون المنع لضرورة بوليسية أو جمركية أو صحية . وحكمت المحكمة على ألمانيا بالتعويض .

 

ولقد قامت المانيا فى سنة 1936 بنقض المادة 380 من معاهدة فرسايل, ولما انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة ألمانيا عاد ذلك النظام مرة أخرى .

 

                             خامسا – المضايق

 

المضايق عبارة عن فتحات طبيعية ضيقة تصل بين بحرين, ويشترط لاعتبار الفتحة مضيقا, ألا يتجاوز اتساعها ضعف عرض البحر الاقليمى .

واذا كان المضيق واقعا برمته فى اقليم دولة واحدة. وكان لا يصل بين جزئين من أعالى البحار, عدت مياهه مياها داخلية وباشرت الدولة الساحلية عليه سائر مظاهر اختصاصها العام . واذا كان المضيق الذى لا يصل بين جزئين من أعالى البحار واقعا فى اراضى اكثر من دولة باشرت الدولة الساحلية اختصاصها الاقليمى على ما يدخل فى مياهها الاقليمية من مياه المضايق .

 

أما بالنسبة للمضيق الذى يصل بين جزئين من أعالى البحار, فلقد استقر العرف الدولى على ايراد تنظيم خاص لاستعماله ولو كان واقعا فى اقليم دولة واحدة, فأوجب تشجيعا للتجارة الدولية أن يفتح للملاحة الدولية. ولقد أكدت محكمة العدل الدولية فى حكم مضيق كورفو سنة 1949, أنه من المقرر بصفة عامة ومن الموافق للعرف الدولى, أن الدول تملك فى وقت السلم حق تمرير سفنها الحربية فى المضايق المخصصة للملاحة الدولية والتى تربط بين جزئين من البحار العامة دون حاجة للحصول على موافقة من الدول المجاورة للمضيق مادام المرور بريئا . ومن الملاحظ أن المحكمة جعلت الاعتبار الاساسى لاعتبار المضيق دوليا هو المعيار الجغرافى وهو أن المضيق يصل بين جزئين من أعالى البحار .

 

نظام المضايق فى اتفاقية جنيف 1958 :

ولقد أقرت المادة 16 من اتفاقية جنيف 1958 للبحر الاقليمى والمنطقة المجاورة, حرية الملاحة فى المضايق, وأوردت بعض القواعد الهامة التى ذهب بعضها الى مما استقر عليه العرف الدولى  ومما أوضحته محكمة العدل الدولية فى قضية مضيق كورفو . فطبقا للمادة المذكروة لا يقتصر استعمال حق المرور البرئ فى المضايق على تلك التى تصل بين جزئين من أعالى البحار, بل يشمل ايضا تلك التى تصل بين أعالى البحار وبين المياه الاقليمية لدولة من الدول .

ويبدو أن هذا الموقف من جانب مؤتمر جنيف قصد منه معارضة موقف الدول العربية من فرض سيادتها على مضايق تيران وصنافير وذلك لأن الدول العربية كانت لا تعتبر هذه المضايق دولية على أساس أنها تصل بين جزئين من أعالى البحار للدول العربية .

ومن الشائع أن تعقد اتفاقات دولية لتنظيم الملاحة فى المضايق, وأهم ما عقد منها كان خاصا بجبل طارق, وبالمضايق التركية, ومضيق ما جلان.

 

( أ ) جبل طارق :

تقرر مبدأ حرية المرور فى مضيق طارق بموجب اتفاقات عقدت بين فرنسا وانجلترا وأسبانيا . فقد اتفقت انجلترا - التى احتلت صخرة جبل طارق منذ سنة 1704 –  مع فرنسا فى الوفاق الذى عقد فى لندن فى 8 أبريل سنة 1904 والخاص بمصر ومراكش على ضمان الدولتين لحرية المرور فى مضيق جبل طارق . وأقرت أسبانيا هذا الوضع فى اتفاقها الذى عقد مع فرنسا سنة 1912 الخاص بمركز الدولتين فى مراكش . كما أكدت اتفاقية تدويل طنجة سنة 1923 هذا الوضع وجعلت طنجة فى حياد دائم .

 

(ب) البوسفور والدردنيل :

سبق أن أشرنا الى نظام المضايق التركية عند الكلام على البحر الاسود ورأينا أنه منذ الحظة التى أصبح فيها البحر الاسود بحرا حرا أصبح من اللازم تقرير مبدأ حرية الملاحة فى البوسفور والدردنيل . وهذا ما تأيد فى معاهدة باريس سنة 1956 وفى بعض المعاهدات اللاحقة وعلى الخصوص معاهدة لوزان سنة 1923 التى أقرت مبدأ حرية المرور فى المضايق التركية للسفن التجارية والحربية للدول المختلفة وذلك فى وقت السلم ووقت الحرب اذا كانت تركيا فى حالة حياد . كما منعت المعاهدة تركيا من تسليح المضايق مقابل تعهد الدول بضمان سلامتها من كل اعتداء . وشكلت معاهدة لوزان لجنة دولية سميت لجنة المضايق لمراقبة تنفيذ أحكامها وتبليغ المخالفات لعصبة الامم .

 

وفى سنة 1936 طلبت تركيا اعادة النظر فى معاهدة لوزان لتغير الظروف التى عقدت فى ظلها, وبالذات لتخرج الحالة الدولية فى البحر الابيض واحتمال نشوب حرب, فعقدت معاهدة مونترية فى 26 يوليو سنة 1936 التى أعادت لتركيا كثيرا من حقوقها على المضايق, ولقد قررت معاهدة مونتريه ابقاء مبدأ حرية الملاحة للسفن التجارية كما كان عليه فى معاهدة لوزان . أما بالنسبة للسفن الحربية, فقد تقرر قصر مرور السفن الحربية التابعة لغير دول البحر الاسود على السفن الخفيفة غير الغواصات وبشرط أن يكون المرور نهارا وبعد اخطار سابق وذلك فى وقت الحرب اذا لم تكن تركيا طرفا فيها . أما اذا كانت تركيا دولة محاربة أو كانت مهددة بالحرب, توقف مرور المراكب المحاربة على ارادة الحكومة التركية . كما أباحت معاهدة مونترية لتركيا تحصين المضايق, وألغت لجنة المضايق التركية وأعطت اختصاصها للحكومة التركية .

 

ولقد طبقت تركيا هذا النظام فى أثناء الحرب العالمية الثانية. فمنعت مرور السفن الحربية التابعة للدول المحاربة ومنها روسيا. ولما انتهت الحرب طالبت روسيا منذ 1945 باعادة النظر فى معاهدة مونتريه بما يصون لها مصالحها العسكرية, وبما يحقق اشرافا مشتركا لروسيا وتركيا على البوسفور والدردنيل, ولقد رفضت تركيا ما ذهبت اليه روسيا وأيدتها فى ذلك الدول الغربية .

( جـ ) مضيق ماجلان :

يقع هذا المضيق فى أمريكا الوسطى ويصل بين المحيطين الهادى والاطلسى . ولقد قررت اتفاقية 1881 المبرمة بين الارجنتين وشيلى حرية المرور فى المضيق ومنعت اقامة تحصينات عليه, على أن هذا النظام لم تحترمه الدول الكبرى فى الحربين العالمتين الاولى والثانية . وتشعر الولايات المتحدة بصفى خاصة بأهمية هذا المضيق باعتباره بديلا لقناة بناما فى حين أغلاقها .

 

                                        المبحث الخامس

                                          البحــــــــــار

                             أولا : البحر الاقليمى

تباشر الدولة سيادتها على بحرها الاقليمى أو كما يسميه البعض بحرها الساحلى . وهو عبارة عن مساحة من البحر ملاصقة لشواطئها وممتدة نحو أعالى البحار . ويطلق البعض على هذه المساحة اصطلاح المياه الاقليمية يبد أن التسمية الاخيرة قد توقع فى الخلط ؛ لأن البعض يستعملها بمعنى يشمل فى نفس الوقت المياه الداخلية والبحر الاقليمى, مع أن المياه الداخلية يختلف نظامها القانونى عن نظام البحر الاقليمى .

ولا يزال بعض الغموض يكتنف موضوع البحر الاقليمى, وذلك لأن الآراء لم تتفق حول مدى اتساعه . ومما زاد فى صعوبة البحث أن العرف الدولى فيما يتعلق بالبحر الاقليمى غير واضح, وأن التشريعات الداخلية تأخذ بحلول مختلفة ومتعارضة فى كثير من الاحوال, هذا فضلا عن فشل مؤتمرى جنيف 1958, 1960 فى تحديد اتساع البحر الاقليمى .

 

اتساع البحر الاقليمى :

1- تطور العرف الدولى :

لا توجد فى الوقت الحالى قاعدة من قواعد القانون الدولى العام تحدد بدقة اتساع البحر الاقليمى لكل دولة, وقد اختلفت الآراء فى هذا الشأن .

 

ولقد ذهب الفقيه الهولندى بنكر شكوك فى أوائل القرن الثامن عشر الى قصره على ذلك الجزء من البحار العامة الذى تستطيع الدولة الساحلية حمايته بواسطة المدافع التى تقيمها على شواطئها . ولما كان أقصى مرمى للمدافع فى ذلك الوقت ثلاثة أميال بحرية, فقد رأى العالم جاليانى فى سنة 1783 تحديد اتساع البحر الاقليمى بهذا القدر .

وقد استقرت قاعدة الاميال الثلاثة على ممر الزمن وأخذت بها التشريعات الداخلية لدول مختلفة, وأيدتها بعض الاتفاقات الدولية كاتفاقية القسطنطينية الخاصة بقناة السويس 1888, وكالاتفاقيات التى أبرمتها أمريكا مع انجلترا وهولندا وألمانيا سنة 1924, ومع الصين سنة 1926, ومع اليابان سنة 1928 .

ولقد رأى كثير من الدول فى العصر الحديث أن هذا التحديد ليس كافيا لتحقيق مصالحها الاقتصادية ولحماية أمنها وعلى الخصوص بعد زيادة مرمى المدافع وبعد ما طرأ من تقدم علمى وصناعى, فقامت بتوسيع بحرها الاقليمى .

 

وبمراجعة تشريعات الدول فى هذا الشأن حتى سنة 1972 يتضح الآتى :

( أ ) هناك دول لا تزال تتمسك بقاعدة الثلاثة اميال وهى :

استراليا والبحرين وباربادوس وبلجيكا والبرازيل والدانمراك وفرسنا وألمانيا الشرقية والغربية وايرلندة واليابان والاردن وهولنده ونيوزيلاند وعمان والفلبين وقطر وسنغافورة واتحاد الامارات العربيبة المملكة المتحدة والولايات المتحدة الامريكية .

 

(ب) وتحدد بعض الدول بحرها الاقليمى بأربعة أميال وهى :

فنلندة, السيلان, والنرويج, السويد .

 

( جـ ) وتحدد دول أخرى بحرها الاقليمى بسته أميال وهى :

كوبا, دومنكان, هايتى, اسرائيل, ايطاليا, ساحل العاج, مالطة, جنوب افريقيا, أسبانيا, تونس, تركيا .

 

( د ) وتحدد يوجوسلافيا بحرها الاقليمى بعشرة أميال .

 

(هـ) وتحدد الدول الآتية بحرها الاقليمى باثنى عشر ميلا : بلغاريا, بورما, كامبوديا, سيلان, الكونجو, قبرس, داهومى, مصر, غينيا, اثيوبيا, غانا, جواتيمالا, هندوارس, الهند, أندونيسيا, ايران, العراق, كينيا, كوريا, الكويت, ليبريا, ليبيا, مدغشقر, ماليزا, موريتانيا, موريشيوش, المكسيك, المغرب, الباكستان, رومانيا, السعودية, السنجال, الصومال, الاتحاد السوفيتى والسودان, سوريا, تانزانيا, تايلاند, توجو, الشارقة, فنزويلا, اليمن .

 

( و ) وتحدد دول أخرى بحرها الاقليمى بأكثر من اثنى عشر ميلا وذلك على النحو الآتى :

الكامرون 18ميلا, جابون 25ميلا, جامبيا 50 ميلا, غينيا 130 ميلا, نيجيريا 30 ميلا .

أما الدول الآتية فتحدد بحرها الاقليمى بمائتى ميل : الارجنتين, البرازيل, شيلى, أكوادور, سلفادور, بناما, بيرو, سيراليون, أوروجواى .

 

2- اتساع البحر الاقليمى المصرى :

كانت المادة الاولى من المرسوم الصادر فى 15 يناير سنة 1951 تحدد اتساع البحر الاقليمى المصرى بستة أميال بحرية فى اتجاه البحر وحددت المادة الاولى الميل البحرى بـ 1850 مترا .

ولقد احتجت بعض الدول على التحديد الوارد فى مرسوم المياه الاقليمية المصرى, وبصفة خاصة رفضت كل من انجلترا والولايات المتحدة الاعتراف بما ذهب اليه المرسوم المصرى من تحديد اتساع البحر الاقليمى بستة أميال بحرية .

وفى سنة 1958 واستجابة للاعتبارات الاقتصادية ولاعتبارات الأمن وسعت مصر مرة أخرى اتساع بحرها الاقليمى . فلقد صدر قرار رئيس الجمهورية فى 17 فبراير سنة 1958 الذى حدد اتساع البحر الاقليمى باثنى عشر بحريا .

 

3- اتفاقية جنيف 1958 لا تحدد اتساع البحر الاقليمى :

يعتبر تحديد اتساع البحر الاقليمى أهم عقبة صادفت مؤتمر جنيف سنة 1958 لقانون البحار . ولقد كان مشروع لجنة القانون الدولى المعروض على المؤتمر يخلو من مثل هذا التحديد, وان اكتفت المادة الثالثة منه بالنص على  أن لكل دولة أن تحدد بحرها الاقليمى بما لايزيد عن اثنى عشر ميلا بحريا. ويمكن تلخيص الاتجاهات التى ظهرت فى مؤتمر جنيف على النحو الآتى :

( أ ) كانت الدول البحرية الكبرى, وعلى رأسها الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا واليابان وبلجيكا, ترغب فى التمسك بالنزعة التقليدية ومقتضاها اعتبار اتساع البحر الاقليمى ثلاثة أميال , ومن هذا الفريق أيضا بعض الدول الاسكندنافية التى تحدد بحرها الاقليمى بأربعة أميال .

ومن الواضح أن القاعدة التقليدية تخدم مصالح الدول البحرية الكبرى الحربية والتجارية؛ لأن المحاولات التى تبذل لزيادة اتساع البحر الاقليمى أو المياة الداخلية للدول الساحلية تؤدى الى تقييد حرية الاساطيل الحربية لهذه الدول فى التحرك, كما تؤدى الى تضييق مساحات أعالى البحار التى تقوم سفنها التجارية وطائراتها بالملاحة الحرة فيها, فضلا عن أنها تقيد حريتها فى مد الاسلاك التليفونية والتلغرافية فى مناطق كانت تعتبر أصلا من أعالى البحار .

   

(ب‌)   أما بعض دول أمريكا اللاتينية فقد تبنت نزعة مبناها التوسع فى البحر الاقليمى حتى 200ميلا بحريا . وكان من بين هذه الدول بيرو التى اقترحت أن يكون لكل دولة مطلق الحرية فى تحديد بحرها الاقليمى بدون قيود . ووجهة نظر هذه الدول تتلخص فى ضرورة حماية أمن الدولة الساحلية ومصالحها فى الصيد وفى استغلال الثروات الطبيعية .

   (جـ) كما ظهرت نزعة توفيقية رفض أصحابها الاعتراف بقاعدة الثلاثة أميال, وطالبوا بأن يكون اتساع البحر الاقليمى اثنى عشر ميلا فقط .

ومن هذه الدول الاتحاد السوفيتى والدول العربية .

 

وقد فشل المؤتمر فى الوصول الى أى اتفاق فى هذا الشأن وجاءت اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة خالية من تحديد لاتساع البحر الاقليمى .

ومع ذلك يمكن القول , على ضوء مناقشات المؤتمر وتشريعات الدول المختلفة, أن قاعدة الثلاثة أميال أصبحت فى ذمة التاريخ كقاعدة ملزمة, وأن الاتجاهين الغالبين هما : الستة أميال والاثنى عشر ميلا . وعلى الدول وهى تحدد بحرها الاقليمى ألا تغالى فى هذا الشأن مما يؤدى الى المساس بمبدأ حرية الملاحة الدولية فى أعالى البحار والا كان من حق الدول الاخرى الاعتراض عليها وعدم الاعتراف بما قد يكون فيه تعسف .

ولما انعقد مؤتمر جنيف الثانى لقانون البحار فى ابريل سنة 1960 لبحث موضوع اتساع البحر الاقليمى لم تتفق الدول الاعضاء على قاعدة تحدد هذا الاتساع . ولقد تقدمت الولايات المتحدة وكندا باقتراح مقتضاه أن يكون اتساع البحر الاقليمى ستة أميال, وأن تكون للدولة حقوق الصيد فى ستة أميال تالية, وذلك اذا كانت سفن الدولة قد جرت على الصيد باستمرار فى تلك المنطقة. ولكن هذا الاقتراح لم يحصل على اغلبية ثلثى الاصوات.

 

طريقة قياس البحر الاقليمى :

من المهم أن نحدد بدقة الخط الذى يقاس ابتداء منه البحر الاقليمى لأن مايقع داخل هذا الخط يعتبر ضمن المياه الداخلية وما يقع خارجه يدخل فى البحر الاقليمى حتى نهاية اتساع هذا البحر.

 

1-  خط مياه الجذر الذى يتبع تعرجات الساحل :

استقر العرف الدولى على أن يقاس البحر الاقليمى من أدنى حد لانحسار الماء من الساحل . وأكدت هذه القاعدة المادة الثالثة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة، التى نصت على أن القاعدة التى يقاس منها عادة البحر الاقليمى هى خط مياه الجذر الممتد على طول الساحل والذى يتبع تعرجات كما هو موضوح بالخرائط ذات المقياس الكبير المعترف بها رسمياً من دولة الساحل.

 

2- الخطوط المستقيمة :

من الامور المعقدة والتى أثارت كثير من الخلافات الاتجاه الذى اتبعة بعض الدول ومقتضاه أنه من اللازم دائماً أن يقاس البحر الاقليمى من خط مياه الجذر الممتد على طول الساحل والذى يتبع تعرجات وانحناءاته، بل يجوز فى بعض الظروف أن تكون القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى عبارة عن خطوط مستقيمة ترسم من نقط على الساحل أو مجاورة له إلى نقطة أخرى توجد على ساحل أو بجواره .

ولقد أقرت محكمة العدل الدولية هذا الاتجاه فى قضية المصايد بين انجلترا والنرويج فى سنة 1951. وتتلخص وقائع النزاع فى أن النرويج صادرت سفينة صيد بريطانية فى منطقة بحرية تقع شمال النرويج تدعى السيادة عليها على اعتبار أنها تدخل فى بحرها الاقليمى . وكانت المياه محل النزاع تبعد عن شاطئ النرويج بأكثر من أربعة أميال ( وهو أتساع البحر الاقليمى وفقاً للتشريع النرويجى ) ومن ثم اعتبرتها بريطانيا من أعالى البحار، أما النرويج فدافعت عن وجهة نظرها بأنها تقيس بحرها الاقليمى فى هذه المنطقة من خطوط مستقيمة تبعد عن الشاطئ نظراً لكثرت تعرجات الشاطئ ومنحنيات العميقة، وأن المنطقة المتنازع عليها تدخل فى بحرها الاقليمى وفقاً لهذا القياس .

 

وأخذت المحكمة بوجهة نظر النرويج، وقررت أنه إذا كان الشاطئ كثير التعارج كشاطئ فينمارك فى شمال النرويج، أو محفوفاً بأخييل كشاطئ سكار جارد فى غرب النرويج، تكون القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى مستقلة عن خط مياه الجذر، ويصبح ومن غير الضرورى أن تتبع هذه القاعدة الشاطئ فى كل منحنياته وتعرجاته .

 

ومن الواضح أن المبادئ التى أقرتها المحكمة تمثل تحولا عن القواعد التقليدية لقياس البحر الاقليمى . ومن شأن هذا التحول امكانية الخروج على القاعدة التى كانت تقرر قياس البحر الاقليمى من خط يتبع تعرجات الشاطئ، كما أن شأنه القضاء نهائياً على القاعدة التى كانت تقرر أن فتحة الخليج لا تزيد على عشرة أميال

 

وقد أخذت المادة الرابعة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة بفكرة الخطوط المستقيمة، وأباحت للدولة الساحلية فى حالة ما إذا كان الشاطئ تكثر به التعرجات العميقة أو تحف به مجموعات من الجزر أن تجعل القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى عبارة عن خطوط مستقيمة ترسم نقط على الساحل أو مجاورة له نقط أخرى تقع على الساحل أو تكون مجاورة له .

 

كما يجوز أتباع طريقة الخطوط المستقيمة إذا وجد لذلك مبرر اقتصادى يؤيده الاستعمال الطويل، كما لو رغبت الدولة الساحلية فى أن تدخل فى بحرها الاقليمى منطقة من البحر تكون لها أهمية خاصة للصيادين على أعتبار أنهم كانوا ينفردون بالصيد فيها بصفة دائمة .

 

ولقد اشترطت المادة الرابعة ألا تبعد الخطوط المستقيمة بدرجة كبيرة عن الاتجاه العام للشاطئ، كما منعت رسم الخطوط المستقيمة من وإلى الضحاضيح التى تظهر فقط فى وقت الجذر الا إذا ما وجدت منارات أو منشآت ثابتة على هذه الضحاضيح تكون ظاهرة فوق سطح البحر .

 

واتباع طريقة الخطوط المستقيمة يخدم مصالح الدولة الساحلية إذ يترتب عليه ضم أجزاء من أعالى البحار إلى بحرها الاقليمى، كما يترتب عليه اعتبار بعض مناطق البحر الاقليمى التى توجد داخل الخطوط المستقيمة ضمن المياه الداخلية للدولة الساحلية .

وإذا ترتب على اتباع طريقة الخطوط المستقيمة، وفقاً للمادة الرابعة اعتبار بعض مناطق من أعالى البحار أو من البحر الاقليمى ضمن المياه الداخلية للدولة الساحلية، فأنه يجب فى هذه الحالة احترام حق المرور البرئ فى هذه المناطق ( المادة الخامسة ) .

 

3- قياس البحر الاقليمى فى حالة وجود الخليج :

على أنه فى حالة وجود خليج لاتزيد اتساع فتحته على أربعة وعشرين ميلاً، تكون القاعدة عبارة عن خط يرسم عبر فتحتة الخليج، أما إذا زادت فتحة الخليج عن أربعة وعشرين ميلاً تكون قاعدة البحر الاقليمى خطاً يرسم داخل الخليج حيث يضيق الاتساع إلى أربعة وعشرين ميلاً .

 

بعض قواعد القياس الأخرى :

وفى حالة وجود ميناء، تعتبر أبعد الاجزاء فى منشآته الدائمة جزءا من الساحل، وتعتبر الاحواض المخصصة للتحميل ولتفريغ السفن أو لرسوها التى توجد بأكمالها أو يوجد جزء منها خارج البحر الاقليمى للدولة الساحلية جزءا من بحرها الاقليمى .

وإذا وجدت ضحاضيح داخل البحر الاقليمى المقاس من الارض الرئيسية أو جزيرة تابعة لها، يقاس البحر الاقليمى من الحافة الخارجية للضحضاح .

ويقاس البحر الاقليمى لجزيرة ما بنفس الطرق التى يقاس بها البحر الاقليمى للأرض الرئيسية . وفى حالة وجود مجموعة من الجزر تكون أرخبيلا بحيث لا تزيد المسافة بين الجزر عن ضعف اتساع البحر الاقليمى – فان مياه الارخبيل تعتبر مياها داخلية، ويقاس البحر الاقليمى من الشاطئ الخارجى للجزر. على أن بعض الدول تعتبر مياه الارخبيل مياها داخلية فى جميع الاحوال، ومن أن اندونيسيا قررت اعتبار كل المياه الواقعة فى أرجبيل أندونيسيا مياها داخلية، كما قررت الفلبين اعتبار مياه خليج الفلبين مياها داخلية .

 

ويكون حد البحر الاقليمى بين دولتين، يقع شاطئ أحداهما فى مواجهة شاطئ الأخرى هو خط الوسط الذى تقع كل نقطة منه على أبعاد متساوية من أقرب النقط للقاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى لكل من الدولتين، ويجوز بالاتفاق تعيين حد آخر، كما يجوز مراعاة للحقوق التاريخية أو لظروف خاصة أخرى، تعيين الحد على نحو آخر .

 

طريقة قياس البحر الاقليمى لجمهورية مصر العربية :

حدد مرسوم 15يناير 1951 المعد بقرار رئيس الجمهورية فى 18فبراير سنة 1958اتساع البحر الاقليمى المصرى بأثنى عشر ميلاً بحرياً.

وبينت المادة السادسة من المرسوم المذكور، القاعدة التى يقاس منها اتساع البحر الاقليمى، وأقرت القاعدة الاساسية ومقتضاها أن البحر الاقليمى يقاس من أدنى حد لانحسار المياه على الساحل وذلك إذا كان البر أو شاطئ جزيرة ما مكشوفاً بأكمله للبحر .

ومع ذلك فقد أتبع مرسوم سنة 1951 طريقة الخطوط المستقيمة وبعض القواعد الاخرى لتحديد القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى وذلك على النحو الآتى :

1-  فى حالة وجود خليج مواجه البحر المفتوح، خطوط ترسم من أحد طرفى الارض من مدخل الخليج إلى الطرف الآخر .

2-  فى حالة وجود ميناء أو مرفأ فى مواجهة البحر المفتوحة، خطوط ترسم على طول الجانب المواجه للبحر من المنشآت الاكثر بروزاً من منشلآت الميناء أو المرفأ، وخطوط ترسم كذلك فيما بين أطراف تلك المنشآت .

3-  فى حالة وجود جزيرة لا تبعد عن البر بأكثر من أثنى عشر ميلاً بحرياً، خطوط ترسم من البر على الشواطئ الخارجية للجزيرة .

4-  فى حالة وجود مجموعة من الجزر يمكن وصلها ببعضها بخطوط لا يزيد طول الواحد منها على أثنى عشر ميلاً بحرياً، خطوط ترسم على طول الشواطئ الخارجية لجميع جزر المجموعة إذا كانت الجزر على هيئة سلسلة، أو ترسم على طول الشواطئ الخارجية للجزر الاكثر بروزاً من المجموعة إذا لم تكن الجزر على هيئة سلاسل .

5-  فى حالة وجود ضحضاح لا يبعد بأكثر من أثنى عشر ميلاً بحرياً عن البر أو عن جزيرة مصرية، خطوط ترسم من اليابس أو من الجزيرة على طول الحافة الخارجية للضحضاح .

 

كما نص المرسوم فى مادته السابعة على أنه إذا ترتب على قياس المياه الاقليمية عملاً بأحكامه أن تخلف حيز مما يعتبر من مياه أعالى البحار تحيط به المياه الاقليمية من جميع الجهات لا يتجاوز امتداده فى أى اتجاه عن أثنى عشر ميلاً بحرياً، فأن ذلك الحيز يكون جزءاً من المياه الاقليمية .

وينطبق الحكم نفسه على أى جيب متميز بوضوح من أعالى البحار يمكن أن تتم الاحاطة به برسم خط مستقيم واحد لا يزيد طوله على أثنى عشر ميلاً بحرياً . كما ذكر المرسوم المصرى فى المادة الثامنة أنه إذا حدث أن تداخلت مياه دولة أخرى فى المياه الاقليمية للدولة المصرية المحددة وفقاً لهذا المرسوم فتقوم الحكومة المصرية بتعيين الحدود بالاتفاق مع الدولة صاحبة الشأن وفقاً لمبادئ القانون الدولى العام .

 

النظام القانونى للبحر الاقليمى :

تثور هنا مشكلة أولية تتعلق بطبيعة حق الدول على بحرها الاقليمى، وتقرر أغلبية الشراح أن البحر الاقليمى يخضع لسيادة الدولة شأنه فى ذلك شأن الاقليم الارض . ويعاض آخرون هذا الرأى ويقررون أن البحر الاقليمى جزء من أعالى البحار تباشر الدولة عليه بعض الاختصاصات تحقيقاً لاغراض خاصة دفاعية وصحية واقتصادية . وقد جرى العرف الدولى على الاخذ بالرأى الاول .

وجاءت اتفاقية الطيران المدنى الدولى الموقعة بشيكاجو فى 7 ديسمبر سنة 1944مؤيدة للعرف الدولى فنصت مادتها الثامنة على أن يشمل أقليم الدولة الاراضى والمياه الاقليمية .

 

كما أكدت المادة الاولى من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة سنة 1958 سيادة الدولة على بحرها الاقليمى على أن تباشر هذه السيادة فى الحدود الواردة فى الاتفاقية وفى القانون الدولى . وبينت المادة الثانية من نفس الاتفاقية أن سيادة الدولة على بحرها الاقليمى تتضمن سيادتها على الفضاء الهوائى الذى يعلوه وعلى قاعة وما تحت القاع .

 

وبهذه القاعدة أخذ مرسوم سنة 1951، فنص فى مادته الثانية على أن " المياه الاقليمية المصرية وكذا الفضاء الجوى الذى فوقها والارض التى تحتها، وما تحتها من باطن الارض خاضعة لسيادة الدولة المصرية مع احترام أحكام القانون الدولى الخاصة بالمرور السلمى لسفن الدول الأخرى ".

ويترتب على خضوع البحر الاقليمى لسيادة الدولة الساحلية أنها تباشر كقاعدة عامة، كافة مظاهر اختصاصها الاقليمى فيه، فهى تقوم بوضع التشريعات واللوائح لتنظيم الملاحة والصيد والشئون الصحية والأمن الساحلية والصيد فى البحر الاقليمى على رعاياها .

ويخضع الفضاء الهوائى الواقع فوق البحر الاقليمى لسيادة الدولة الساحلية، ولا يجوز للطائرات الاجنبية أن تحلق فيه الا بترخيص من الدولة الساحلية .

وتحتكر الدولة الساحلية استغلال الثروات الطبيعية الموجودة فى قاع البحر الاقليمى وتحت قاعة .

 

حق المرور البرئ :

 

إذا كانت القاعدة هى أن البحر الاقليمى يخضع لسيادة الدولة الساحلية، فانه من المقرر أن مباشرة تلك الدولة لاختصاصها فى البحر الاقليمى يخضع لبعض القيود التى تقررت لصالح الملاحة الدولية وأهم قيد فى هذا الشأن هو حق المرور لبرئ .

فمن المتفق عليه أن السفن التابعة لجميع الدول تتمتع بحق المرور البرئ فى البحر الاقليمى دون أن يتوقف ذلك على موافقة الدولة الساحلية .

ويقصد بالمرور البرئ الملاحة عبر البحر الاقليمى بقصد اختراق ذلك البحر دون الوصول إلى المياه الداخلية، أو بقصد الوصول إلى المياه الداخلية، أو بقصد الخروج من هذه المياه إلى أعالى البحار .

ويتضمن المرور وقوف السفن الاجنبية أو رسوها بقدر ما يكون ذلك متصلاً بالملاحة العادية أو إذا كان ذلك ضرورياً بسبب ظروف قاهرة أو محنة تعرضت لها السفن .

ويكون المرور بريئاً إذا كان لا يضر بسلامة أو أمن أو أنظمة الدولة الساحلية . كما يجب أن يتم هذا المرور وفقاً للأوضاع والقيود المقررة فى القانون الدولى . كما لا يكون المرور بريئاً إذا خالفت السفينة اللوائح التى تضعها الدولة الساحلية بقصد تنظيم الصيد فى بحرها الاقليمى .

ويجب على الدولة الساحلية ألا تعوق المرور البرئ فى بحرها الاقليمى وعليها أن تعلن عن الاخطار الملاحية التى تصل إلى عملها .

ولقد حددت اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة، حقوق الدول الساحلية بالنسبة لاستعمال حق المرور البرئ على النحو الآتى :

( أ ) للدولة الساحلية أن تتخذ فى بحرها الاقليمى الاجراءات اللازمة لمنع المرور غير البرئ، وبعبارة أخرى يكون لها أن تتخذ الاجراءات اللازمة لحماية نفسها من أى عمل يضر بسلامتها أو بمصالحها وفقاً للقانون الدولى .

( ب )  يكون للدولة الساحلية بالنسبة للسفن التى تعبر بحرها الاقليمى لدخول مياهها الداخلية الحق فى أتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع الاخلال بالشروط التى يخضع لها دخول هذه السفن .

( ج ) للدولة الساحلية أن توقف مؤقتاً فى مساحات محدودة من بحرها الاقليمى ممارسة حق المرور البرئ إذا كان ذلك ضرورياً لمنع الاضرار بسلامتها، وبشرط لأن تعلن عن ذلك من قبل . ويجب ألا يكون هناك ايقاف للمرور البرئ فى المضايق التى تستعمل للملاحة الدولية بين جزئين من أعالى البحار أو بين أعالى البحر والمياه الاقليمية لدول أخرى .

( د ) تتمتع السفن التجارية بحق المرور البرئ، وكذلك السفن العامة من حربية وغيرها. ولقد عارض بعض الشراح فى تمتع السفن الحربية بحق المرور البرئ ولكن الرأى الراجح يؤيد تمتعها بهذا الحق بشرط مراعاة بعض القيود كاخطار سلفاً .

ولقد اعترفت اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة للسفن الحربية بحق المرور البرئ وأن كانت قد اشترطت أن يكون مرور الغواصات فوق سطح الماء، وأن تظهر عملها، وأن تغادر هذه السفن البحر الاقليمى متى طلبت منها ذلك الدولة الساحلية فى حالة مخالفة قواعد المرور .

 

ويعد التزام الدولة الساحلية بقبول المرور البرئ قيداً هاماً على اختصاصها الاقليمى لا يوجد له نظير فى حالة الاقليم الارض .

 

المركز القانونى للسفينة الاجنبية الموجودة فى البحر الاقليمى :

رأينا أن القاعدة تقضى باعتبار البحر الاقليمى جزءا من اقليم الدولة الساحلية يخضع لاختصاصها التشريعى والقضائى والتنفيذى . ولكن هذه القاعدة لاتطبق على اطلاقها مراعاة لمبدأ المرور البرئ للسفن الاجنبية، خصوصاً وأنه كثير من الاحوال لا يكون للدولة مصلحة ظاهرة فى مباشرة اختصاصها على السفن المارة فى بحرها الاقليمى، بل وكثيرا مالا يكون فى استطاعتها العلم بما يتم فى هذه السفن من أعمال وتصرفات .

 

ومن الواضح أنه يجب على السفن الاجنبية التى تمارس حق المرور البرئ أن تراعى القوانين والانظمة التى تسنها الدولة الساحلية لتنظيم النقل والملاحة .

ولا يجوز تحصيل رسوم على السفن الاجنبية لمجرد مرورها فقط فى البحر الاقليمى، وانما يجوز تحصيل الرسوم التى تكون مقابل خدمات خاصة تؤدة للسفينة على أن يكون ذلك بدون تمييز .

أما فيما يتعلق بالاختصاص الجنائى والمدنى للدولة الساحلية على السفن الاجنبية التى تمر فى بحرها الاقليمى فتجب التفرقة بين السفن العامة والسفن الخاصة .

فالسفن العامة الاجنبية – وهى السفن المملوكة لحكومة أجنبية ومخصصة لخدمة عامة كالسفن الحربية وسفن البريد والمستشفيات – لاتخضع للاختصاص الاقليمى، وإذا ما خالفت القواعد التى وضعتها الدولة الساحلية لمرورها البرئ جاز تكليفها بمغادرة اقليم الدولة .

أما بالنسبة للسفن الخاصة الاجنبية وهى السفن المملوكة لافراد أو لحكومة وتكون مخصصة لاغراض تجارية أو لاغراض خاصة أخرى، فتجب التفرقة بين الاختصاص الجنائى وبين الاختصاص المدنى .

( أ ) الاختصاص الجنائى : على الرغم من خضوع البحر الاقليمى لسيادة الدولة الساحلية استقر العرف الدولى على أنه لا يجوز للدولة الساحلية أن تتخذ أية اجراءات على ظهر سفينة أجنبية تمر فى بحرها الاقليمى بقصد القاء القبض على أى شخص أو القيام بتحريات بسبب أية جريمة ارتكبت على ظهر السفينة أثناء مرورها الا إذا امتدت آثار الجريمة إلى الدولة الساحلية أو كانت الجريمة من نوع يخل بأمن أو بنظام المرور فى البحر الاقليمى، أو إذا طلب ربان السفينة أو ممثل الدولة التى ترفع السفينة علمها مساعدة السطات المحلية، أو كان ضروريا لمكافحة المخدرات .

 

وللدولة الساحلية أن تتخذ الاجراءات التى يخولها لها قانونى بقصد القاء القبض أو القيام بتحريات على ظهر سفينة تمر فى بحرها الاقليمى إذا كانت هذه السفينة قادمة من المياه الداخلية وتم ارتكاب الجريمة فى تلك المياه . وعلى الدولة الساحلية بصفة عامة عند اتخاذ اجراءات القبض أن تراعى صالح الملاحة .

( ب ) الاختصاص المدنى : لا يجوز للدولة الساحلية أن تحجز أو تحول مجرى سفينة أجنبية تمر فى بحرها الاقليمى بقصد ممارسة ولايتها المدنية تجاه شخص موجود على ظهر السفينة كما لا يجوز للدولة الساحلية أن تباشر اجراءات التنفيذ ضد السفن الاجنبية، أو أن تحجزها بغرض مباشرة اجراءات مدنية الا فيما يتعلق بالتزامات التى ارتبطت بها السفينة وبالمسئوليات التى تحملتها أثناء أو بسبب مرورها فى البحر الاقليمى .

ولا يؤثر ذلك أيضاً فى حق الدولة فى أن تحتجز أو توقف السفينة الاجنبية لاتخاذ اجراءات مدنية ضدها إذا كانت هذه السفينة قادمة من مياه الدولة الساحلية، أو إذا كانت السفينة قد رست فى البحر الاقليمى .

 

                           ** ثانياً – المنطقة المجاورة **

هى منطقة من أعالى البحار تجاور مباشرة البحر الاقليمى، وتباشر الدولة الساحلية عليها بعض الاختصاصات فى الشئون الاقتصادية والمالية والجمركية والصحية، وفى مجال المحافظة على أمن الدولة، وعلى حيادها فى حالة الحرب .

 

اتساع المنطقة المجاورة :

عارضت بعض الدول فى حق الدولة الساحلية فى فرض نوع من الاشراف على منطقة مجاورة لبحرها الاقليمى . ولكن أغلبها جرى على الاعتراف بحق الدولة الساحلية فى مباشرة بعض الاختصاصات المتصلة بحماية ووقاية مصالحها المشروعة فى مسافة تتراوح بين 6أميال أو 12ميلاً تضاف للبحر الاقليمى .

 

ولقد حددت المادة التاسعة من المرسوم المصرى سنة 1951 الخاص بالمياه الاقليمية، اتساع المنطقة المجاورة بستة أميال بحرية أخرى تضاف إلى البحر الاقليمى .

وحددت المادة الرابعة من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة اتساع المنطقة المجاورة بأنه يجب الا يتعدى أثنى عشر ميلاً من القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى، ومعنى هذا أن الاتفاقية أقرت فكرة المنطقة المجاورة، وأن كانت قد اشترطت ألا يزيد مجموع اتساع البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة عن أثنى عشر ميلاً .

ومن الواضح أن هذا التحديد ليس كافياً بالنظر إلى المطالبات المختلفة التى تقدمها الدول الساحلية بشان فرض اشرافها على المناطق التى تلى بحرها الاقليمى لمسافات تختلف بحسب الغرض من الاشراف

ونلاحظ أنه بعد  تعديل مرسوم سنة 1951 بالقرار الجمهورى الصادر فى17فبراير سنة 1958 أصبح اتساع البحر الاقليمى لجمهورية مصر العربية 12ميلاً، ولهذا السبب أمتنعت جمهورية مصر العربية عن التصويت على هذه المادة من الاتفاقية .

ويكون حد المنطقة المجاورة بين دولتين يقع شاطئ أحداهما فى مواجهة شاطئ الاخرى وعلى مقربة منه عبارة عن الخط المتوسط الذى يقع على أبعاد متساوية من القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى لكل منهما الا إذا وجد اتفاق على غير ذلك .

النظام القانونى للمنطقة المجاورة :

تعتبر المنطقة المجاورة جزءاً من أعالى البحار، فهى لا تخضع لسيادة الدولة الساحلية، ومع ذلك استقر العرف الدولى على أن تباشر تلك الدولة بعض الاختصاصات فى المنطقة المجاورة . ولقد حددت المادة 24من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة اختصاص الدولة الساحلية فى المنطقة المجاورة بصورة ضيقة، فقررت أن هذا الاختصاص يشمل ما يلى :

( أ ) العمل على منع الاخلال بالقوانين الجمركية والمالية والصحية وقوانين الهجرة فى اقليمها أو بحرها الاقليمى، ولم تشر الاتفاقية إلى الاختصاصات المتعلقة بالأمن أو الحياد فى حالة الحرب .

( ب ) المعاقبة على الأخلال بالقوانين المتقدمة إذا ما وقع هذا الاخلال فى اقليمها أو بحرها الاقليمى .

ولقد حددت المادة التاسعة من مرسوم سنة 1951 المعدل فى سنة 1958 اختصاصات مصر فى المنطقة المجاورة بأنه يتناول الاشراف البحرى لتنفيذ القوانين واللوائح الخاصة بالأمن والملاحة والاغراض المالية والصحية . ونلاحظ أن المادة المذكرة منحت مصر حق اتخاذ الاجراءات اللازمة للمحافظة على أمنها فى المنطقة المجاورة، وفى حين أن المادة 24من اتفاقية البحر الاقليمى والمنطقة المجاورة استبعدت الأمن من بين المصالح التى يجوز حمايتها فى المنطقة المجاورة .

 

                           ** ثالثاً – الامتداد القارى

يقصد بالامتداد القارى الطبقات الارضية المنحدرة الواقعة فى قاع أعالى البحار بجوار مياه الدولة الاقليمية . ويرجع اهتمام الدول بالامتداد القارى إلى رغبتها فى استغلال الثروات الطبيعية كالبترول مثلاً – الموجودة فى قاع البحر الممتد خارج البحر الاقليمى، ولا جدال فى أن تقدم وسائل العلم الحديث جعل هذه الموارد أمراً ممكنا .

ولقد بدأت الدول تهتم بالامتداد القارى منذ سنة 1945 حينما حينما أعلنت الولايات المتحدة عزمها على أعتبار الموارد الطبيعية الموجودة تحت قاع البحر فى الامتداد القارى لشواطئ الولايات المتحدة، مملوكة لها وخاضعة لولايتها ورقابتها. وصدرت تصريحات مماثلة من المكسيك سنة 1945 ومن الارجنتين سنة 1946 وشيلى سنة 1947 وايران والسعودية والبحرين سنة 1949 .

كما أصدرت جمهورية مصر العربية تشريعاً يحفظ حقوق سيادتها على الامتداد القارى سنة 1958.

تحديد الامتداد القارى :

اتجهت غالبية الدول إلى تحديد الامتداد القارى على أساس عمق المياه الموجودة فوقة، واتجه البعض الآخر إلى تحديده على أساس مسافة تمتد خارج شواطئ الدولة فى اتجاه البحر .

وحددت المادة الاولى من اتفاقية جنيف للامتداد القارى سنة 1958 بأنه " قاع البحر تحته فى المناطق البحرية المجاورة للشاطئ الكائنة خارج منطقة البحر الاقليمى إلى حيث يصل عمق المياه إلى مائتى متر، أو إلى ما يجاوز هذا العمق إلى الخط الذى يمكن فى حدوده استغلال الموارد الطبيعية الموجودة فى القاع . ويحدد الامتداد القارى للجزر بنفس الطريقة السابقة ".

وحدد قرار رئيس الجمهورية رقم 1501لسنة 1958 الامتداد القارى لمصر بنفس الطريقة التى قررتها الاتفاقية .

 

ويحيط بعض الغموض بتعريف الامتداد القارى وفقاً لاتفاقية جنيف، فيرى البعض أن الاتفاقية لاتسمح بالامتداد الافقى للامتداد القارى تحت أعالى البحار إلى مالا نهاية؛ وذلك لانها أشارت إلى أن الامتداد القارى يوجد فى المناطق البحرية المجاورة للشاطئ . وقد قررت محكمة العدل الدولية فى قضية الامتداد القارى لبحر الشمال سنة 1969 أن كلمة المجاورة تقيد القرب بالمعنى الواسع .

ويترتب على ذلك أن التعريف يشير الى قرب الامتداد القارى من الدول الساحلية ولكنة لا يضع تحديا لامتداده الافقى تحت أعالى البحار, بل يقوم التحديد على أساس العمق فقط . ولقد كان هذا الموضوع محل دراسة المؤتمر الثالث لقانون البحار الذى بدأ أعماله سنة 1974 كما سنبين ذلك فيما بعد .

ويتم تعيين الحدود فى الامتداد القارى بين الدول المتقابلة أو المتجاورة بالاتفاق فيما بينها, فاذا لم يتم التوصل الى اتفاق فقد وضعت المادة السادسة من اتفاقية جنيف للامتداد القارى معيارا مزدوجا يتم تطبيقه, الا اذا وجدت ظروف خاصة تبرر تطبيق حد آخر .

( أ ) فاذا كان الامتداد القارى يتصل باقليمين تابعين لدولتين يقع شاطئ احداهما فى مواجهة شاطئ الدولة الاخرى, كان خط الحدود هو خط الوسط الذى تقع كل نقطة منه على أبعاد متساوية من أقرب النقط للقاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى لكل من الدولتين .

( ب ) واذا كان الامتداد القارى يتصل باقليمين تابعين لدولتين متجاورتين, فان خط الحدود يقع على مسافات متساوية من أقرب النقط على القاعدة التى يقاس منها البحر الاقليمى .

ولقد بينت محكمة العدل الدولية فى قضية الامتداد القارى فى بحر الشمال أن ألمانيا الاتحادية ليست ملزمة باتباع قاعدة المسافات المتساوية فى رسم الحدود مع الدنمرك وهولندة فى الامتداد القارى فى بحر الشمال . وذكرت المحكمة أن تطبيق هذه القاعدة يؤدى الى مخالفة العدالة فى بعض الظروف الجغرافية كما لو كان شاطئ احدى الدولتين مسحوبا وشاطئ الدولة الاخرى مقعرا أو مستقيما . ورأت المحكمة أن من بين الاعتبارات التى يجب مراعاتها عند الاتفاق على الحدود فى الامتداد القارى فى مثل هذه الاحوال الاتجاه العام لشاطئ كل دولة وملامحه, وتكوين الامتداد القارى, وايجاد تناسق بين الحدود فى الامتداد القارى وبين طول شاطئ كل دولة .

 

النظام القانونى للامتداد القارى :

كان كثير من الغموض والابهام يكتنف هذا الموضوع, وكان هناك اتجاهان :

( أ ) الاتجاه الذى ظهر فى تصريح ترومان سنة 1945 وفى التصريحات العربية ومبناه, أن الامتداد القارى لا يعد جزءا من اقليم الدولة, وانما تباشر الدولة الساحلية عليه حق ملكية ورقابة . فهى تتملك الثروات الطبيعية الموجودة فيه وتقوم باستغلاله دون أن يؤثر ذلك فى وصف المياه التى تعلوه من حيث كونها من أعالى البحار. وقد تأيد هذا الاتجاه أحكام التحكيم بشأن قطر وابى ظبى .

( ب ) اتجاه بعض الدول الاخرى كما ظهر فى تصريح الارجنتين سنة 1946, وفى تصريح شيلى سنة 1947 ومبناه اخضاع الامتداد القارى والمياه التى تعلوه لسيادة الدولة الساحلية . ولقد كان هذا الاتجاه محل معارضة من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة .

ولقد قررت اتفاقية الامتداد القارى 1958 أن الدولة الساحلية تمارس حقوق السيادة على قاع البحر وما تحته فى الامتداد القارى, وأن هذه الحقوق تقتصر فقط على اكتشاف واستغلال الموارد الطبيعية . ولا يؤثر ذلك فى الوضع القانونى للمياه التى تعلو الامتداد القارى من حيث كونها من أعالى البحار, ولا فى الوضع القانونى للقضاء الهوائى الذى يعلو تلك المياه .

 

كما حددت الاتفاقية المواد الطبيعية التى تنفرد الدولة الساحلية باستغلالها فى الامتداد القارى بأنها الموارد الطبيعية المعدنية وغيرها من الموارد غير الحية, وكذلك الكائنات الحية التى تكون فى طور حصادها اما غير متحركة على قاع البحر واما غير قابلة للتحرك الا بطريق الاتصال الجسمانى المستمر بالقاع أو بما تحته . ويترتب على ذلك أن صيد الاسماك مثلا فى الامتداد القارى لا يكون مقصورا على الدولة الساحلية .

ويجب ألا يؤدى اكتشاف الامتداد القارى أو استغلاله الى عرقلة الملاحة أو الصيد أو المحافظة على الموارد الحية للبحر, ولا يتوقف ثبوت حقوق الدولة على الامتداد القارى أو ممارستها تلك الحقوق – على وضع اليد الفعلى أو الرمزى على هذه المناطق أو على صدور تصريحات خاصة .

وللدولة الساحلية الحق فى اقامة المنشآت اللازمة لاستغلال الامتداد القارى وصيانتها وتشغيلها, ولها أن تقيم حول هذه المنشآت – لمسافة خمسمائة متر – مناطق أمن تتخذ فيها الاجراءات الكفيلة بحمايتها .

 

ولقد أكد القرار الجمهورى رقم 1951 لسنة 1958 حقوق مصر على الامتداد القارى طبقا للأحكام الواردة فى اتفاقية جنيف . وجعل القرار من غير الجائز لأى شخص طبيعى أو اعتبارى أجنبى أن يقوم باستغلال الموارد الطبيعية فى الامتداد القارى الا بقرار من رئيس الجمهورية .

 

                           رابعا – أعالى البحار

يقصد بأعالى البحار كل أجزاء البحار والمحيطات التى لا تدخل فى البحر الاقليمى أو فى المياه الداخلية لدولة من الدول, والتى يكون لكل الدول الحق فى استعمالها على قدم المساواة .

 

حرية
أعالى البحار :

أعالى البحار حرة, ومعنى ذلك أن يكون لكافة الدول أن تنتفع بها على قدم المساواة, فهى مفتوحة للدول جميعا بدون تمييز, ولا يجوز لدولة من الدول أن تخضع جزءا من أعالى البحار لسيادتها . على أن مباشرة مبدأ حرية أعالى البحار يتم وفقا للقواعد المقررة فى القانون الدولى التى سنبينها فيما بعد .

وحرية أعالى البحار مبدأ حديث اذ أنه لم يستقر الا فى القرن الثامن عشر . وقبل هذا التاريخ كانت بعض الدول تفرض سيادتها الاقليمية على أجزاء واسعة من البحار . فادعت البندقية السيادة على بحر الادرياتيك, وطالبت الدنمرك والسويد بالسيادة على بحر البلطيق وادعت البرتغال السيادة على المحيط الهندى بصفة خاصة, كما طالبت أسبانيا بالسيادة على جنوب المحيط الاطلسى, وفرضت انجلترا سيطرتها على شمال المحيط الاطلسى وعلى بحر الشمال .

 

ولقد ازدادت أهمية هذه الادعاءات منذ اكتشاف أمريكا, ولكن الادعاءات المتضاربة كانت تبدو غير مشروعة فى نظر الدول الاخرى لما تؤدى اليه من عرقلة للتجارة الدولية, مما أسفر عن حصول مصادمات سياسية نتج عنها تخفيف هذه الادعاءات تدريجيا .

لقد صاحبت هذه المنازعات السياسية مناقشات فقهية بين أساتذة القانون الدولى . فطالب فتوريا منذ القرن الخامس عشر بحرية أعالى البحار كنتيجة لحق طبيعية لحق البشر فى الاتصال فيما بينهم .

وكتب جروسيوس كتابه الشهير عن ( حق الغنيمة ) الذى خصص فيه فصلا للكلام عن حرية أعالى البحار أسماه البحر الحر. وذكر جروسيوس أن كل أمة لها الحق فى أن تتصل بالأمم الاخرى وفى أن تتاجر معها, وأن المحيطات قد خلقتها الطبيعة وسيلة للاتصال التجارى . فحرية استعمالها يفرضها القانون السماوى, ولا يمكن للقوانين البشرية أن تخالف الطبيعة . واضاف جروسيوس الى ذلك قوله أنه يستجيل ماديا الاستيلاء الفعلى على المحيطات, وأن انتفاع أمة بها لا يمكن أن يعوق انتفاع الأمم الاخرى .

 

وقد انبرى فقهاء آخرون للرد على جروسيوس, وأهمهم الانجليزى سيلدن الذى نشر فى سنة 1825 كتابه المسمى " البحر المغلق " الذى دافع فيه عن فكرة تملك البحار العامة, كما أكد المبدأ المسلم به وهو سيادة الدولة على مياهما الاقليمية . ثم استند سلندن الى الوقائع التاريخية لكى يثبت أن دولا مختلفة باشرت حقوقا فعلية على مناطق أوسع من البحار, وبصفة خاصة, أن انجلترا باشرت على الدوام سيادتها على المياه المجاورة لها حتى الشواطئ الشرقية لاسبانيا, وأن الاسطول البريطانى جرى على القيام بمهمة البوليس فى هذه المياه باعتراف الدول الاخرى, ورتب على ذلك أن العرف الدولى يسمح بتملك مناطق من البحار العامة .

 

ولكن آراء جروسيوس هى التى انتصرت وكان لها أكبر الأثر فى أن الدول سلمت ابتداء من القرن الثامن عشر بمبدأ حرية الملاحة فى أعالى البحار, وبأنها لا يمكن أن تخضع لرقابة دولة أو مجموعة عن الدول .

 

ولقد تأكد هذا المبدأ فى مجموعة من الوثائق الدولية الحديثة . فقد اعترف تصريح برشلونه سنة 1921 لجميع الدول بحق الملاحة فى أعالى البحار. كما نص ميثاق الاطلسى الذى وقعه روزفلت وتشرشل فى أغسطس سنة 1941 على أن من بين المبادئ التى تحارب من أجلها الولايات المتحدة الامريكية وانجلترا أن يكون لكل الناس الحق فى أن يعبروا بأمان البحار والمحيطات .

كما نصت المادة الثانية من اتفاقية جنيف لاعالى البحار سنة 1958 على أن " أعالى البحار مفتوحة لجميع الامم ولا يجوز لأية دولة أن تسعى لاخضاع جزء منها لسيادتها " .

 

النتائج المترتبة على حرية أعالى البحار :

يترتب على الاعتراف بمبدأ حرية أعالى البحار مجموعة من النتائج القانونية مبناها حق كافة الدول فى الانتفاع بأعالى البحار على قدم المساواة .

وفيما يلى أهم هذه النتائج

1-  حرية الملاحة فى أعالى البحار .

2-  حرية الصيد فى أعالى البحار.

3-  حرية مد الاسلاك والانابيب البحرية فى أعالى البحار .

4-  حرية الطير فوق أعالى البحار .

وهذه الحريات الاساسية المقررة بمقتضى القانون الدولى فى أعالى البحار يلزم مباشرتها فى حدود القيود والقواعد المقررة فى العرف الدولى, وفى الاتفاقيات الدولية والتى تهدف الى المحافظة على المصالح المشتركة وعلى أمن الملاحة البحرية .

ولا جدال فى ان من مصلحة المجتمع الدولى تأييد قاعدة حرية أعالى البحار, لأن للملاحة البحرية دور هام فى حياة بنى الانسان, ولان الطيران فوق أعالى البحار أصبح من أهم وسائل الاتصال بين الامم .

 

ويترتب على ذلك أنه مما يتفق مع صالح المجتمع الدولى عدم خضوع أعالى البحار لسيادة دولة أو مجموعة من الدول . ويمتنع على الدول أن تباشر فى أعالى البحار أعمالا من شأنها عرقلة استعمال الدول الاخرى لحقوقها المقررة فى القانون الدولى أو الاضرار بالدول الاخرى .

ومما يتصل بهذا الامر ضرورة الحرص على عدم تلويث البحار بالمواد الضارة بصورة تهدد الصيد أو تعرقل استعمالها للملاحة أو تضر بالدول الساحلية . وتشمل هذه المواد المخلفات الصناعية والزراعية للدول الساحلية, ومخلفات وقود السفن, والمخلفات الاشعاعية . وتبذل الدول جهدها لفرض اشراف دولى الهدف منه منع تلوث البحار, ولقد أبرمت فى لندن فى سنة 1954 اتفاقية خاصة بالقاء المواد الضارة وبصفة خاصة الزيت فى البحار . وتطالب الدول ومؤتمر البيئة الذى عقد فى سنة 1972 تحت رعاية الامم المتحدة بابرام اتفاقيات عالمية لمنع تلوث البحار .

 

وقد حرمت اتفاقية موسكو 1963 اجراء التجارب الذرية فى أعالى البحار, ومنعت اتفاقية سنة 1971 وضع الاسلحة الذرية وغيرها من أسلحة الدمار الجماعى فى قاع البحار .

كما يعارض البعض أيضا العرف الذى جرت عليه بعض الدول من اقامة مناطق خطر فى أعالى البحار لاجراء التمرينات الحربية كالتجارب على الصواريخ .

 

حرية أعالى البحار على ضوء أعمال المؤتمر الثالث لقانون البحار 1974 -1978.

كان من آثار التقدم العلمى والتكنولوجى أن استطاعت الدول القيام بالصيد وباستغلال الثروات الطبيعية الموجودة فى قاع البحار خارج المناطق البحرية التى تخضع للسيادة الوطنية . وقد اهتمت الجمعية العامة منذ سنة 1969 بموضوع قاع البحار والمحيطات وشكلت لجنة فرعية لدراسته .

وكان من ثمرة اعمال هذه اللجنة أن صدرت الجمعية العامة فى سنة 1970 " اعلان المبادئ التى تسرى على قاع البحار والمحيطات والتربة التحتية خارج حدود السلطة القومية " وينص الاعلان على أن هذه المناطق تعتبر ملكا مشتركا للانسانية .

كما تمت الدعوة الى عقد المؤتمر الثالث لقانون البحار الذى بدأ أعماله فى سنة 1974 فى كاراكاس, كما عقد المؤتمر دورات أخرى فى جنيف سنة 1975, وفى نيويورك عامى 1976, 1977 وفى جنيف سنة 1978.

 

وانتهت دورات المؤتمر بالاتفاق على عدد من الاتجاهات القانونية وهى :

1-  ان يكون الحد الاقصى لاتساع البحر الاقليمى 12 ميلا .

2-  حق جميع الدول فى العبور فى المضايق التى تستخدم فى الملاحة الدولية .

3-  يكون للدول الساحلية حقوق الصيد واستغلال موارد البحر الحية فى المنطقة الاقتصادية الخالصة التى تمتد الى مسافة مائتى ميل فى اتجاه البحر من الخطوط الاساسية التى يقاس منها البحر الاقليمى .

4-  يتكون الامتداد القارى لاية دولة ساحلية من قاع البحر وما تحته والمناطق المغمورة التى تمتد فى جميع انحاء الامتداد الطبيعى لاقليم الدولة البرى حتى الحد الخارجى للحافة القارية أو الى مسافة مائتى ميل بحرى من الخطوط الاساسية التى يقاس منها البحر الاقليمى .

5-  انشاء هيئة دولية لضمان أن ثروات قاع أعالى البحار تستخدم كتراث مشترك للانسانية بحيث لا يجوز لاية دولة أو فرد أن يتملك هذه المساحات التى يجب استخدامها للاغراض السليمة ولصالح البشر جميعا .

 

حق الدول الحبيسة فى أستعمال أعالى البحار :

لا يقتصر الحق فى استعمال أعالى البحار على الدول التى تملك شواطئ, بل يكون أيضا الحبيسة التى لا تقع على البحر الحق فى أن تستعمل أعالى البحار على قدم المساواة مع الدول الاخرى .

ويترتب على ذلك الاعتراف للدول الحبيسة بحقها فى الوصول بحرية الى البحر .

 

ولقد أقرت هذه القاعدة اتفاقية جنيف لاعالى البحار سنة 1958, وقررت أن على الدول التى تقع بين البحر, ودولة لاتملك شواطئ, أن كسهل اتصال الدولة الاخيرة بالبحر وذلك عن طريق الاتفاقات التى تبرم بين الدول فى هذا الشأن, وتتضمن الاتفاقات عادة ما يلى :

 

( أ ) منح الدول الحبيسة على أساس التبادل حق العبور فى أقاليم الدول التى تفصل بينها وبين البحر .

( ب ) معاملة السفن التى تحمل جنسية دولة حبيسة معاملة مماثلة للمعاملة التى تمنحها الدول البحرية لسفنها أو لسفن الدول الاخرى البحرية فيما يتعلق بدخول الموانى واستعمالها .

وفى حالة عدم وجود اتفاقات تربط بين الدول المعنية, تقوم هذه الدول بمعاملة المسائل المتعلقة بحرية عبور الدول الحبيسة وبحقها فى التمتع بمعاملة متماثلة مع الدول الاخرى فيما يتعلق باستعمال الموانى – وذلك عن طريق التفاهم فيما بينها .

 

النظام القانونى للسفينة فى أعالى البحار :

بينا من حق كل دولة أن تسير السفن التى تحمل علمها فى أعالى البحار وذلك سواء أكانت هذه الدول تملك شواطئ أم كانت دولا حبيسة .

ويتولى القانون الداخلى لكل دولة تحديد الشروط التى تلزم لمنح جنسيتها للسفن ولتسجيل هذه السفن فى اقليمها . ولكل سفينة علم يدل على جنسيتها .

 

وتختلف شروط منح الجنسية للسفن باختلاف الدول, ومن الواضح أن لهذا الموضوع أهمية كبرى نظرا لأن جنسية السفينة هى الاساس المقرر فى القانون الدولى لمعرفة الاختصاص التشريعى والقضائى بالنسبة لما يتم عليها من أعمال . وهى التى تحدد نظامها القانونى فى وقت السلم وفى الحرب وما اذا كانت وطنية أم أجنبية, من سفن الاعداء أم من السفن المحايدة, كما تبين مدى ما تتمتع به السفينة من حقوق بموجب التشريع الوطنى والاتفاقيات الدولية والعرف الدولى .

 

ومن المعتاد أن تتطلب تشريعات الدول المختلفة لمنح جنسسيتها للسفينة بعض الشروط المتعلقة بملكية كل او جانب من السفينة لمواطنى الدولة, وبأن تكون السفينة مبنية فى الدولة, وأن تكون مسجلة فيها, وبأن يعمل عليها طاقم وطنى . وقد لا تتطلب دولة من الدول بعض هذه الشروط أو تخفف منها . ويمكن القول ان الشرط الاساسى المطلوب فى كافة الدول هو أن تكون السفينة مسجلة فى الدولة التى تحمل جنسيتها .

ولقد كان القانون الدولى لا يتدخل فيما يتعلق بشروط منح الدولة لجنسيتها للسفن . ولكن اتفاقية جنيف سنة 1958 لأعالى البحار أدخلت قاعدة جديدة مقتضاها وجوب وجود صلة حقيقية بين السفينة وبين الدولة التى تحمل جنسيتها .

 

وأساس هذه القاعدة الجديدة، الرغبة فى مقاومة العرف الذى سارت عليه بعض الدول، ومقتضاه تسهيل منح جنسيتها لسفن مملوكة لاجانب أو يعمل عليها طاقم أجنبى وذلك لاسباب متعددة ترجع أساساً إلى الرغبة فى تعديل القانون الذى كان من الواجب أن تخضع له أصلاً السفينة .

ولقد لاقى تقرير هذه القاعدة بعض الاعتراضات من جانب بعض الدول كبناما، ولكن هذه الاعتراضات باءت بالفشل . وقررت المادة الخامسة من اتفاقية جنيف لأعالى البحار أنه من الضرورى وجود صلة حقيقية بين السفينة وبين الدولة التى تحمل السفينة جنسيتها . ومعنى ذلك اشترط وجود حد أدنى من الصالح الوطنى فى السفينة، كما أشترطت المادة المذكورة أن تباشر الدولة بصورة فعلية اختصاصها وسلطتها على المسائل الادارية والفنية والاجتماعية المتعلقة بالسفن التى ترفع علمها .

ونأمل أن تؤدى هذه القاعدة الجديدة الى القضاء على أحوال التحايل على القانون الذى تخضع له السفينة .

ويعتبر علم السفينة قرينة على جنسيتها، وهو قرينة ظاهرة لانه عبارة عن علامة مرفوعة يمكن ملاحظتها بواسطة الغير . وقد يسجل العلم لاغراض أخرى كاعطاء أشارة الاستغاثة أو أداء التحية .

وإذا رفعت سفينة علماً لاحق لها فى رفعة فانها تعاقب بمقتضى قوانين دولتها وكذلك قوانين الدول التى رفعت السفينة علمها بدون وجه حق .

وقد تخصص الدولة علماً تحمله سفنها التجارية ولعماً آخر تحمله السفن الحربية، ومع ذلك فمن الجائز وجود علم واحد لكافة السفن التابعة للدولة .

ولا تثبت جنسيتة السفينة الا بمقتضى الاوراق التى تحملها والتى تدل على تسجيلها فى ميناء تابع لدولة معينة .

ومن المقرر أن المحاكم المختصة بالفصل فى جنسية السفينة هى محاكم الدولة التى تدعى السفينة جنسيتها .

وتسافر السفينة تحت علم دولة واحدة فقط، ولايجوز لها أن تغير علمها أثناء الرحلة أو فى أحد الموانى الا فى حالة حصول نقل فعلى للملكية أو تغيير التسجيل .

وإذا سافرت السفينة تحت علمين لدولتين مختلفتين، تستعملها وفقاً لمشيئتها، فلا يجوز أن تدعى تبعيتها لجنسية دولة ما، وتعامل السفينة معاملة السفينة عديمة الجنسية .

ولقد أجازت المادة السابعة من اتفاقية جنيف لأعالى البحار أن ترفع السفينة علم منظمة دولية حكومية، وذلك إذا كانت تعمل فى خدمة أغراض هذه المنظمة، وفى هذه الحالة تتمتع السفينة بالحصانات المقررة للمنظمات الدولية . ولا ريب فى أنه قد تنشأ بعض الصعوبات فى حالة تبعية السفن لمنظمة دولية وبصفة خاصة فيما يتعلق بمعرفة القانون الواجب التطبيق بالنسبة للعلاقات القانونية المتعلقة بالسفينة . ولتلافى هذه الصعوبات يجوز بالاتفاق أن ترفع علم دولة معينة إلى جانب علم المنظمة الدولية .

 ومن الامثلة على ذلك أن الاتفاقية المبرمة فى 8يناير سنة1957 بين الحكومة المصرية وبين الامم المتحدة منحت السفن المستخدمة فى عملية تطهير قناة السويس عقب العدوان الثلاثى حق رفع علم الامم المتحدة وليس علم الدولة التى تتبعها، وأن كان العمل قد جرى على أن ترفع السفينة علمها إلى جانب علم الامم المتحدة .

ومن المقرر فى العرف الدولى أن كل سفينة تحمل مستندات معينة وهى : أوراق التسجيل، وسند الملكية، ودفتر أسماء الملاحين، ودفتر سندات الشحن، وتذكرة الصحة، وترخيص الملاحة .

 

قانون العلم يحدد الاختصاص التشريعى والفضائى فى أعالى البحار :

أن المبدأ الاساسى المقرر فى القانون الدولى وهو أن السفينة الموجودة فى أعالى البحار لا تخضع كقاعدة عامة الا لاختصاص الدولة التى ترفع السفينة علمها . ومقتضى ذلك أن الاختصاص فى اعالى البحار يكون وطنياً تباشر كل دولة على السفن التى تتبعها .

ويستثنى من هذا المبدأ العام بعض الاحوال التى تخضع فيها السفينة لاختصاص دولة غير دولة العلم وذلك بناء على اعتبارات تتعلق بوجود صالح دولى يبرر تدخل دول أخرى غير دولة العلم .

وفى غير هذه الاحوال الاستثنائية يكون الاختصاص لقانون العلم ولمحاكم دولة العلم بالنسبة لكل ما يتم على ظهر السفينة . وفى حالة الدول الاتحادية يكون المقصود بقانون العلم قانون الولاية التى سجلت السفينة فيها الا إذا كانت المسألة منظمة بقانون اتحادى .

ومجال تطبيق قانون العلم واسع؛ فهو الذى يرجع إليه فى مسائل الجنسية، ولحكم سائر العلاقات التى تتم على السفينة سواء أكانت هذه العلاقات تدخل فى نطاق القانون الخاص أو القانون الادارى .

ولما كان أعالى البحار لا يخضع لسيادة دولة من الدول، فقد كان من الضرورى البحث عن الاساس القانون لتطبيق قانون العلم .

ويلجأ بعض الفقهاء لتبرير تطبيق قانون العلم إلى افتراض قانونى مبناه :

اعتبار السفينة جزءا من اقليم دولتها، ومن ثم ينطبق قانون العلم باعتباره القانون الاقليمى . ولكن هذا الافتراض فضلاً عن كونه لا ينطبق على الواقع، فهو لاينسجم مع ما سبق أن قلناه من أن السفينة إذا ما اخترقت المياه الاقليمية لدولة أجنبية خضعت للقوانين الاقليمية لتلك الدولة .

والافضل أن يؤسس الاختصاص بالنسبة للسفن فى أعالى البحار على اعتبارات الاختصاص الشخصى؛ لأن السفينة شخص قانونى يشمل مجموعة من الاشخاص والاموال وهو ملحق بدولة معينة . فقانون تلك الدولة هو الذى ينطبق على السفينة كقاعدة عامة على أساس أنه القانون الشخصى .

 

وفيما يلى بيان بأهم مظاهر تطبيق قانون العلم :

1- فى المسائل الادارية :

تمنح قوانين غالبية الدول لربان السفينة سلطة حفظ النظام عليها وحماية أرواح وأموال من يكون عليها من أشخاص . وله فى سبيل تحقيق هذا الغرض أن يأمر بحجز الاشخاص المتهمين بارتكاب جرائم وباجراء التحقيق معهم، كما يوقع العقاب على من يخالف النظام . وعليه أن يقيد فى دفتر السفينة كل الوقائع التى استلزمت مباشرته لسلطاته الادارية وأن يقدم تقريراً عن هذه الوقائع للبعثات القنصليه التابعة لدولته الموجودة فى أقرب ميناء يرسو فيه، أو للسلطات المختصة فى دولته.

ولقد حددت المادة الثانية من القانون رقم 167لسنة 1960، بشأن الأمن والنظام والتأديب فى سفن جمهورية مصر العربية، المخالفات التى ترتكب ضد النظام . وقررت المادة الثالثة من القانون المذكور أن الذى يختص بتوقيع الجزاءات المقررة لهذه المخالفات هو مدير أدارة التفتيش البحرى إذا كانت السفينة رأسية فى بعض موانى الجمهورية، أو القنصل المصرى إذا كانت السفينة فى ميناء أجنبى، أو الربان إذا كانت السفينة فى عرض البحر أو فى ميناء أجنبى ليس فيه قنصل مصرى.

وعلى الربان أن يقوم بتسجيل المواليد والوفيات وبتوثيق عقود الزواج والعقود الرسمية الاخرى، وعليه أن يقدم صوراً من هذه المحررات إلى السلطات المختصة فى دولته .

ويعتبر الربان فى مباشرته لهذه الاختصاصات مفوضاً لسلطة عامة، ويتمتع بحماية خاصة تقررها التشريعات الوطنية .

2- فى المسائل الجنائية : 

 يطبق قانون العلم على كافة الجرائم التى تتم على ظهر السفينة، ويجب على كافة الاشخاص الموجودين على ظهر السفينة احترام القانون الجنائى لدولة العلم .

ولا تثور صعوبة ما إذا كان الجانى من رعايا دولة العلم السفينة، أما إذا كان الجانى أجنبياً فمن الطبيعى أن يكون الاختصاص مشتركاً بين قانون العلم وقانون جنسية الجانى .

فاذا ما ارتكب أحد رعايا جمهورية مصر العربية جريمة فوق ظهر سفينة تحمل جنسية جمهورية مصر العربية ومسجلة فى الاقليم المصرى وكان ذلك فى أعالى البحار، يكون الاختصاص التشريعى والقضائى للقانون المصرى. أما إذا كان الجانى فى هذه الحالة غير مصرى فان الاختصاص يكون مشتركاً بين القانون المصرى وبين قانون دولة الجانى .

ومن الواضح أن الجانى إذا كان أجنبياً وارتكب جريمة فى أعالى البحار فوق ظهر سفينة أجنبية فلا يمكن أن ينشأ اختصاص جنائى لسلطات الدولة . فاذا ما تضمنت العلاقة عنصراً أجنبياً كما لو أحد أطرافها من غير رعايا دولة العلم وجب الرجوع إلى أحكام القانون الدولى الخاص لدولة العلم، وقد تأمر هذه بتطبيق قانون أجنبى . ومع ذلك فمن المسلم به أن قانون العلم يحكم كقاعدة عامة شكل التصرفات التى تتم على ظهر السفينة فى أعالى البحار؛ وذلك لأن الشكل يخضع كقاعدة عامة لقانون البلد الذى تم فيه .

 

ويحكم قانون العلم كذلك المسئولية المدنية عن الافعال الضارة التى تقع على ظهر السفينة، وذلك على اعتبار أن المسئولية المدنية تخضع للقانون الاقليمى وهو قانون علم السفينة .

وإذا ما ولد شخص على ظهر سفينة فى أعالى البحار يعتبر كأنه ولد فى دولة علم السفينة وكذلك الحال ما توفى أحد الاشخاص على ظهر السفينة .

 

الاختصاص التشريعى والقضائى فى التصادم البحرى :

( أ ) الاختصاص الجنائى والتأديبى :

 

وفى حالة التصادم البحرى أو حادثة بحرية أخرى تستوجب المسئولية الجنائية أو التاديبية يكون الاختصاص القضائى أو التاديبى لمحاكم وسلطات الدولة التى يتبعها الشخص المسئول . ونلاحظ أن هذه القاعدة كانت محل خلاف فى الماضى . ولم يترتب على حكم محكمة العدل الدولية الدائمة فى قضية اللوتس فى سبتمبرسنة 1928 فض هذا الخلاف؛ إذ أن المحكمة قررت فى الحكم المذكور أن القانون الدولى يخلو من قاعدة تحدد الاختصاص الجنائى فى حالة التصادم البحرى، ومن ثم يكون من حق كل دولة أن تقرر ما تشاء من قواعد فى هذا الشأن .

وقد اثار هذا الحكم جدلاً كبيراً فى الفقة الدولى، كما أن شركات الملاحة لم تقابله بارتياح؛ لأن المبدأ الوارد فيه يعرض سفنها للخضوع إلى القضاء الاجنبى بالنسبة لاعمال تمت فى أعالى البحار مما يؤدى إلى حدوث أشكالات فى نطاق الملاحة البحرية .

ولما أنعقد مؤتمر بروكسل فى الفترة من 2إلى 10مايو سنة 1952وافق على معاهدة تتعلق بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بالاختصاص الجنائى فى مادة التصادم وحوادث الملاحة الاخرى، وعلى معاهدة أخرى تتعلق بتوحيد بعض القواعد الخاصة بالاختصاص المدنى فى مسائل التصادم .

وتنص المادة الاولى من المعاهدة المتعلقة بالاختصاص الجنائى على أن يكون الاختصاص الجنائى والتأديبى لمحاكم دولة علم السفينة التى يتبعها الربان أو الضباط أو أى شخص آخر يكون فى خدمة السفينة فى ألاحوال التى فيها مسئولية هؤلاء الجنائية أو التاديبية . كما قررت الاتفاقية أنه لا يجوز فى هذه الاحوال القبض على أشخاص أو حجز السفينة ولو كاجراء من اجراءت التحقيق الا بواسطة سلطات الدولة التى ترفع علم السفينة التى يكون عليها الجانى علمها، ومع ذلك يجوز لكل دولة أن تحاكم رعاياها عن الجرائم التى ارتكبوا على ظهر سفينة تحمل علم دولة أخرى، كما يجوز لها أن تقوم باتخاذ الاجراءت لسحب التراخيص والشهادات التى منحت بواسطتها إذا ما ارتكب حامل هذا الترخيص جريمة فوق ظهر سفينة أجنبية .

أما اتفاقية جنيف لأعالى البحار فقد نصت فى المادة 11على أنه فى حالة التصادم البحرى لايجوز اتخاذ اجراءات جنائية أو تاديبية ضد الربان أو أى شخص آخر فى خدمة السفينة الا أمام السلطات القضائية الادارية لدولة علم السفينة أو للدولة التى يحمل الشخص المسئول جنسيتها . وهذا النص يفيد فى حالة وجود أجانب يعملون على ظهر سفينة تابعة لدولة أخرى، فيجوز محاكمة هؤلاء أما أمام محاكم الدولة التى ترفع السفينة علمها أو أمام محاكم الدولة التى يتبعها هؤلاء بجنسيتهم .

ولا يجوز لأية سلطة غير سلطات دولة العلم أن تأمر بالقاء القبض، أو أن تحجز السفينة حتى ولو كان ذلك جزءاً من اجراءت التحقيق .

كما قررت المادة 11من اتفاقية أعالى البحار أنه فى المسائل التأديبية تختص فقط الدولة التى منحت براءة القيادة أو شهادة الاهلية للعمل بسحبها أو وقفها حتى ولو كان من يحمل هذه الشهادة من غير رعاياها .

( ب ) الاختصاص المدنى : ٍ

أما بالنسبة للاختصاص المدنى فلقد منحت اتفاقية بروكسل – الخاصة بتوحيد الاختصاص المدنى فى مسائل التصادم – للمدعى الحق فى أن يرفع الدعوى الناشئة عن تصادم تم فى أعالى البحار أمام محكمتين بحسب اختياره وهما :

1-  المحكمة التى يقع فى دائرتها محل اقامة المدعى عليه المعتاد أو أحد مراكز اعماله .

2-  المحكمة التى أوقع فى دائرتها الحجز على السفينة المدعى عليها أو على أيه سفينة أخرى مملوكة لنفس المدعى عليه فى حالة الاذن بهذا الحجز، أو التى كان يمكن توقع الحجز فى دائرتها والتى قدم المدعى فى دائرتها كفالة أو أى ضمان آخر .

اما فيما يتعلق بمعرفة القانون الواجب التطبيق فيما يتعلق بالمسئولية المدنية عن حوادث التصادم فالامر يحتاج إلى بعض التفصيل . فاذا كانت السفينتان من جنسية واحدة طبق قانون العلم المشترك، أما فى حالة اختلاف جنسية السفينتين فيكون هناك مجال لتنازع القوانين . ولقد ذهب البعض إلى تطبيق قانون علم السفينة المسئولة، أما البعض الاخر فيرى تطبيق قانون القاضى .

 

ولقد اتجهت الدول إلى توحيد القواعد القانونية التى تحكم المسئولية المدنية فأبرمت اتفاقية بروكسل سنة1910 التى وافقت عليها مصر وأصدرتها فى سنة1944، وهى تحتوى على تحديد موضوعى للقواعد التى تحكم المسئولية المدنية فى حالة التصادم البحرى بين سفن مختلفة الجنسية .

كما احتوت اتفاقية بروكسل سنة1962على تنظيم موضوعى لقواعد المسئولية المدنية عن السفن الذرية .

ويظل حطام السفينة فى حماية دولة العلم ويخضع لما تقرره تشريعاتها .

 

مباشرة بعض الاختصاصات فى أعالى البحار بواسطة دولة غير دولة العلم :

يتضمن القانون الدولى النص على بعض الاحوال الاستثنائية التى يجوز فيها لغير دولة العلم مباشرة الاختصاصات فى أعالى البحار، وفيما يلى بيان بهذه الاحوال :

( أ ) المطاردة المستمرة :

تتم المطاردة المستمرة إذا كان لدى السلطات المختصة للدولة الساحلية سبب معقول للاعتقاد بأن سفينة أجنبية خرقت قوانين وأنظمة هذه الدولة .

ويجب أن تبدأ المطاردة عندما تكون السفينة الاجنبية فى المياه الداخلية أو فى البحر الاقليمى أو فى المنطقة المجاورة للدولة المطاردة . ولا يجوز الاستمرار فى المطاردة إلى خارج البحر الاقليمى الا إذا كانت المطاردة متصلة .

وإذا كانت السفينة المطاردة موجودة فى المنطقة المجاورة فتجوز المطاردة فقط فى حالة الاعتداء على المصالح التى أنشئت المنطقة المجاورة لحمايتها .

ولا تبدأ المطاردة الا إذا اقتنعت الدولة بالوسائل التى لديها بأن السفينة المطاردة أو أحد الزوراق الملحقة بها واقعة فعلاً فى بحرها الاقليمى أو فى المنطقة المجاورة . ويجب أن تتم المطاردة بواسطة السفن الحربية أو الطائرات الحربية أو السفن والطائرات الحكومية التى يؤذن لها بذلك .

وفى حالة المطاردة بواسطة طائرة يجب أن تستمر الطائرة فى المطاردة حتى تصل سفينة تابعة للدولة الساحلية لمتابعة المطاردة مالم تكن الطائرة قادرة بنفسها على ايقاف السفينة، ولا يجوز ايقاف السفينة فى أعالى البحار بواسطة طائرة بدعوى ارتكابها لمخالفة ما لم تكن قد أمرت بالوقوف من قبل بواسطة الطائرات وتمت مطاردتها .

ويقف الحق فى المطاردة بمجرد دخول السفينة فى المياه الاقليمية لدولتها أو لدولة أخرى .

ويعقب المطاردة ضبط السفينة المخالفة وافتيادها لموانى الدولة الساحلية لمحاكمتها .

( ب ) القرصنة :

يقصد بالقرصنة اعتداء مسلح تقوم به سفينة فى أعالى البحار، دون أن تكون مصرحا لها بذلك من جانب دولة من الدول، ويكون الغرض منه الحصول على مكسب باغتصاب السفن أو البضائع أو الاشخاص .

ولقد حددت المادة15من اتفاقية جنيف لأعالى البحار أعمال القرصنة .

وقررت أنها تتكون من الافعال الاتية :

1-  أى عمل من أعمال العنف غير المشروع أو الاستيلاء أو النهب إذا ارتكب العمل لاغراض خاصة بواسطة طاقم أو ركاب سفينة خاصة، أو طائرة خاصة وكان موجهاً ضد سفينة أخرى أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهرها، وذلك إذا كان العمل واقعاً فى أعالى البحار أو فى مكان لا يخضع لاختصاص دولة من الدول .

2-  أى اشتراك اختيارى فى تيسيير سفينة أو طائرة مع العلم بوقائع القرصنة .

3-  أى عمل من أعمال التحريض أو المساعدة فى أرتكاب أفعال القرصنة .    

وقررت المادة 16من اتفاقية اعالى البحار أنه إذا وقعت أعمال القرصنة من سفينة عامة أو طائرة عامة، تمرد بحارتها واستولوا على السفينة أو الطائرة، فان هذه الأعمال تعتبر مماثلة للأعمال التى ترتكبها سفينة خاصة .

ولما كانت القرصنة تهدد الملاحة تهديداً خطيراً فقد وضع العرف الدولى مجموعة  من القواعد، الغرض منها تحقيق التعاون بين الدول لقمع القرصنة، ومن ثم اعتبرت جريمة دولية. ويجوز لأية دولة أن تقبض على سفينة أو طائرة تعمل بالقرصنة بغض النظر عن جنسيتها، وأن تقبض على ألاشخاص الموجودين عليها بشرط أن يتم ذلك فى أعالى البحار أو فى أى مكان آخر يخضع لاختصاص دولة من الدول . ويجب أن يتم القبض والاستيلاء بواسطة السفن الحربية أو الطائرات الحربية، أو بواسطة السفن والطائرات الحكومية المخصصة لذلك .

ويكون لمحاكم الدولة التى قامت باستيلاء اختصاص المعاقبة على أفعال القرصنة والأمر بالاجراءات التى تتخذ بالنسبة إلى السفن أو الطائرات او الممتلكات بدون أجحاف بحقوق الغير . وحين يكون الاستيلاء على سفينة أو طائرة مشكوك فى قرصنتها قد أجرى دون توفر الاسباب الكافية، تلتزم الدولة التى قامت بالاستيلاء بتعويض الدولة التى تنتمى إليها السفينة أو الطائرة عن أى ضرر ترتب عليه .

 

( جـ ) مكافحة الرق :

على كل دولة أن تتخذ الاجراءات الفعالة لمنع نقل الرقيق فى السفن التى ترفع علمها وللمعاقبة على ذلك .

وقد جرى العرف الدولى منذ أوائل القرن التاسع عشر على محاربة الاتجاز بالرقيق وعلى اعتبار السفن المشتغلة به مرتكبة لجريمة دولية تختص السفن الحربية لكل الدول بضبطها . ولقد تأيد هذا العرف فى اتفاقية عقدت سنة 1841أعطت السفن الحربية لكل من الدول المتعاقدة، الحق فى تفتيش وضبط أية سفينة تشتغل بالرقيق . ومنحت الاتفاقية اختصاص المحاكمه على جريمة الاتجار بالرقيق لسلطات الدولة التى ترفع السفينة المتهمة علمها . ولكن بعض الدول، وعلى الخصوص انجلترا، تمادت فى تفتيش السفن وضبطها بحجة الاشتباه فى اشتغالها بتجارة الرقيق؛ مما أدى إلى امتناع بعض الدول كفرنسا عن التصديق على اتفاقية سنة 1841 ومطالبتها بتعديل أحكامها . وقد تم ذلك فى معاهدة بروكسل سنة 1890التى نصت على عدم جواز وقف وتفتيش وضبط أية سفينة على أساس الاتجار بالرقيق الا إذا كانت حمولتها لا تتجاوز خمسمائة طن ووجدت فى منطقة من المناطق المشتبه فيها .

وحددت الاتفاقية الاخيرة، المناطق المشتبة فيها بمساحة من المحيط الهندى تمتد من مدغشقر شرقى افريقيا إلى بلوخستان، كما اتفق على أن يكون اختصاص المحاكمة على الاتجار بالرقيق لسلطات الدولة التى تتبعها السفينة المتهمة . وقد عدلت هذه المعاهدة بمقتضى اتفاقية سان جرمان سنة 1919 التى اكتفت بالنص على التزام الدولة التى تباشر السيادة على بعض الاقاليم الافريقية بالعمل على منع تجارة الرقيق فى البر والبحر، ,اهملت تقرير الحق الذى كانت مخولاً لسائر السفن الحربية والخاص بتفيش وضبط السفن المتعاملة بالرق .

ولقد أعادت اتفاقية جنيف لأعالى البحار سنة 1958 احياء أحكام معاهدة بروكسل سنة 1890؛ فقررت أباحة زيارة السفن التجارية الاجنبية فى أعالى البحار إذا ما كان هناك مبرر قوى يدعو إلى الاعتقاد بأنها تقوم بممارسة تجارة الرقيق فى المناطق البحرية المشتبة فيها طبقاً لاتفاقية بروكسل سنة 1890. على أن تكون المحاكمة على هذا الفعل من اختصاص سلطات الدولة التى  ترفع السفينة علمها .

 

ويلاحظ أن اباحة الزيارة للتحقق من عدم الاتجار بالرقيق يمكن أن يؤدى فى العمل إلى اساءة استعمال هذا الحق فى عصر أصبح من النادر فيه وجود تجارة الرقيق يتم تنظيمها عبر أعالى البحار، كما يؤدى إلى تحكم الدول البحرية الكبرى فى تجارة الدول الاخرى، ولذلك أعترضت بعض الدول على ايراد حكم للاتجار بالرقيق فى اتفاقية أعالى البحار .

 

ولما كانت جمهورية مصر العربية فى سبيل انشاء أسطول تجارى يساعد على تنمية مواردها الاقتصادية، ولما كانت لها علاقات طيبة ومصالح فى كثير من المناطق الافريقية وبصفة خاصة فى شمال أفريقيا وشرقها، لذلك كان من الطبيعى أن تعترض على هذا النص؛ لأنه يتيح للغير اعتراض طريق السفن التابعة لها تحت ستار محاربة الاتجار بالرقيق، ولأنه مشوب بروح التفريق فى المعاملة بين مناطق العالم المختلفة .

 

( د ) حق الزيارة :

 

يعطى العرف الدولى للسفن الحربية فى أعالى البحار، الحق فى أن توقف السفن التجارية الاجنبية للتحقق من العلم ومن المستندات . وذلك فى بعض الاحوال الاستثنائية .

ولقد قررت المادة 23 من اتفاقية جنيف سنة 1958 أنه يجوز ممارسة حق الزيارة إذا كان هناك مبرر قوى يدعو إلى الاعتقاد بأن السفينة فى حالة من الحالات الآتية :

1-  تمارس القرصنة .

2-  تقوم بتجارة الرقيق فى المناطق البحرية المشتبة فيها طبقاً لاتفاقية بروكسل سنة 1890 الخاصة بمنع تجارة الرقيق .

3-  أن تكون السفينة فى الحقيقة من جنسية السفينة الحربية ولو أنها ترفع علماً أجنبياً أو ترفض اظهار علمها .

وفى الحالات السابقة يمكن للسفينة الحربية أن تتخذ الاجراءات للتأكد من حق السفينة فى رفع العلم، ولهذا الغرض يمكنها ارسال زورق تحت قيادة ضابط من السفينة إلى السفينة المشتبة فيها، وإذا استمر الاشتباه بعد مراجعة المستندات فيمكن للسفن الحربية أن تباشر الفحص على ظهر السفينة  الذى يجب أن يتم مع مراعاة جميع الاعتبارات المناسبة .

أما إذا ثبت أن السفينة التى فتشت لم ترتكب أى عمل من الاعمال السابقة فيجب أن تعوض عن أى خسارة تلحق بها .

التنظيم المشترك المبنى على الصالح العام :

سبق أن أشرنا إلى أن الدول أبرمت اتفاقيات متعددة تتضمن تنظيماً مشتركاً ينفذ فى أعالى البحار لصالح الملاحة الدولية، ولكفالة الاستعمال المشترك لأعالى البحار على أكمل وجة .

ويتم الاشراف على احترام هذه الاحكام المشتركة، كقاعدة عامة . بواسطة سلطات الدولة التى ترفع السفينة علمها، وذلك فى مياهها الداخلية أو فى بحرها الاقليمى أو فى أعالى البحار .

ونعرض فيما يلى لأهم الموضوعات التى كانت محل تنظيم مشترك :

1- سلامة الملاحة :

توجد عدة اتفاقيات دولية تنظم سلامة الملاحة البحرية، وذلك بقصد منع حصول الحوادث البحرية، وهى حوادث كبيرة الاخطار يترتب عليها فقد ثروات كبيرة وارواح متعددة . وبصفة خاصة بعد أن زاداد حجم الملاحة البحرية، وتضاعفت حمولة السفن مما يترتب عليه أن يعتبر غرق سفينة فى أعالى البخار كارثة كبيرة .

ومنذ زمن طويل انضمت الدول إلى مجموعة من القواعد الاختيارية لتنظيم مرور السفن فى البحار، ولاستعمال الاشارات البحرية، ولحماية النفس الانسانية فى البحار، ولم تكن لهذه القواعد صفة الالزام فى أول الأمر . كما أبرمت اتفاقيات دولية فى هذا الشأن منها : اتفاقية لندن سنة 1947 بشأن سلامة الارواح فى البحار، وقواعد لندن سنة 1948 المتفرعة عنها والخاصة بتلافى حوادث التصادم البحرى، وفى سنة 1960انعقد فى لندن مؤتمر دولى آخر لسلامة الارواح فى البحار قرر تعديل الاتفاقية المذكورة والقواعد المتفرعة عنها . ولقد انضمت جمهورية مصر العربية فى سنة 1963 للقواعد الخاصة بمنع التصادم فى البحار التى أقرها المؤتمر المذكور .

وخط الدفاع الاول لمنع الحوادث البحرية هو السفينة والطاقم الذى يعمل عليها . فيجب أن يحاط بناء السفن بضمانات للتحقق من صلاحية السفن للملاحة . كما يلزم أن يعمل على السفينة طاقم مدرب يحمل التراخيص اللازمة لممارسة المهنة.

أما خط الدفاع الثانى إذا ما حصلت الكارثة البحرية فهو استعمال اشارات الاستغاثة واستخدام قوارب النجاة وادوات اطفاء الحرائق .

ولقد تناول اتفاقية لندن سنة 1948 و 1960 هذه المسائل بالتنظيم، واحتوت على قواعد تتعلق ببناء السفن، وبالتراخيص البحرية، وبالاجهزة الكهربائية، وبوسائل الوقاية ضد الحريق، وبوسائل الانقاذ، وبالراديو، وبالتلغراف، وبحمل البضائع الخطرة .

أما اتفاقية جنيف سنة 1948 لأعالى البحار فقد نصت على أنه يجب على كل دولة أن تتخذ الاجراءات فيما يتعلق بالسفن التى ترفع علمها لضمان السلامة فى البحر فيما يتصل بالشئون الآتية :

( أ ) استعمال الاشارات وتامين المواصلات ومنع المصادمات .

( ب ) اختيار طاقم السفينة وتحديد شروط العمل عليها مع مراعاة اتفاقات العمل الدولية .

( جـ ) بناء السفن واعدادها وصلاحيتها للملاحة .

وعلى الدولة أن تراعى فى وضعها لهذه الاجراءت، القواعد والمعايير المتفق عليها دولياً، وأن تتخذ الاجراءات والخطوات الضرورية لتاكد احترامها .

 

2- المساعدة البحرية :

تفرض التشريعات الوطنية للدول المختلفة، التزام تقديم المساعدة البحرية على ربابنة السفن التى تحمل علمها فى حالة اصطدام سفينة بسفينة أخرى، أو فى حالة وجود أشخاص فى البحر، متى كان هؤلاء الاشخاص معرضين للهلاك .

وأصبح واجب تقديم المساعدة البحرية، التزاماً دولياً حينما أبرمت الدول أتفاقية بروكسل الخاصة بتوحيد القواعد المتعلقة بالمساعدات والانقاذ فى 23سبتمبر سنة 1910. ولقد فرضت الاتفاقية المذكورة على ربانية سفن الدول المتعاقدة، تقديم المساعدة لكل شخص يوجد بالبحر تحت خطر الهلاك ولو كان من الاعداء . ولم تجعل اتفاقية بروكسل سنة 1910 المساعدة الزامية الا فى حالة وجود شخص فى البحر تحت خطر الهلاك .

وهى تكون اختيار بالنسبة للاموال التى تكون عرضة للهلاك فى البحر .

كما أنها اشترطت لوجود التزامات بتقديم المساعدة للشخص الذى يوجد فى البحر تحت خطر الهلاك، أن يكون ذلك فى استطاعة الربان بدون أن يعرض سفينته أو طاقمها أو ركابها لخطر جدى .

ولقد توسعت اتفاقية جنيف لأعالى البحار فى الالتزام بالمساعدة البحرية، وقررت أنه يجب على كل دولة أن تطلب من ربان كل سفينة ترفع علمها – بالقدر الذى تسمح به أمكانياته ودون أن يكون فى ذلك خطر جدى على السفينة أو الطاقم أو الركاب – أن يقدم المساعدة البحرية وهى تشمل :

( أ ) مساعدة أى شخص يعثر عليه فى البحر ويكون عرضة للغرق .

( ب ) أن يبادر الربان بأقصى سرعة إلى انقاذ أشخاص فى محنة إذا ما أبلغ بحاجتهم إلى المساعدة، وذلك بالقدر المعقول المتوقع منه .

( جـ ) وفى حالة التصادم يجب على الربان تقديم المساعدة للسفينة الأخرى ولطاقمها وركابها وأن يخطر السفينة الاخرى باسم سفينته وميناء تسجيلها وبأقرب ميناء سيتجه إليه .

وعلى الدول الساحلية أن تنظيم خدمات مختصة بالبحث والانقاذ لضمان السلامة فى البحر، وعليها أن تتعاون مع الدول المجاورة لها فى هذا الخصوص .

وتطبق القواعد الخاصة بالمساعدة البحرية أيضاً على تقديم المساعدة إلى ركاب طائرة تسقط فى البحر .

ويوجد التزام مسائل على عاتق ربان طائرة تطير فوق البحر بالنسبة للاشخاص الذين يوجدون فى البحر فى حالة هلاك .

 

( جـ ) جماية الاسلاك والانابيب البحرية :

لكل دولة الحق فى فى أن تضع فوق قاع أعالى البحار، والاسلاك البحرية أو الانابيب . ومع الاحتفاظ بحق كل دولة ساحلية فى اتخاذ التدابير المعقولة لاكتشاف امتداد القارى ولاستغلال، فلا يجوز لها أن تعوق وضع أو صيانة تلك الاسلاك أو الانابيب بواسطة الغير .

وحينما تقوم الدولة بمد الاسلاك والانابيب فى قاع أعالى البحار يجب عليها أحترام ما يكون مملوكاً للدول الاخرى بالفعل من هذه الاسلاك أو الانابيب .

وعلى كل دولة أن تتخذ التدابير التشريعية اللازمة لجعل قطع أو اتلاف هذه الاسلاك أو الانابيب عمداً أو بأهمال جرائم معاقباً عليها، وعليها أيضاً أن تتخذ التدابير التشريعية لتحميل الاشخاص التابعين لها مصاريف أصلاح الاسلاك والانابيب التابعة لاشخاص آخرين إذا ما تسببوا فى أتلافها أثناء وضعهم الاسلاك أو الانابيب التى يملكونها، ولالزام ملاك الاسلاك أو الانابيب بتعويض أصحاب السفن الذين يقيمون الدليل على أنهم ضحوا بمرساة أو شبكة أو ببعض معدات الصيد لتفادى الاضرار بالاسلاك أو الانابيب بشرط أن يكونوا قد اتخذوا الاحتياطات المعقولة .

ولقد أبرمت اتفاقية خاصة بحماية الاسلاك التلغرافية فى باريس سنة1884 وأعطت الاتفاقية المذكور سلطة بوليسية للسفن الحربية للدول المتعاقدة بقصد التحقق من جنسية السفن التى ترتكب مخالفة لاحكامها، وعلى أن يكون الاختصاص بالمعاقبة على الاعتداء على الاسلاك التلغرافية البحرية للسلطات التى تتبعها السفينة المتهمة .

( د ) حماية مصايد أعالى البحار :

عقدت الدول المتهمة بالصيد مجموعة من الاتفاقات بغرض تنظيم الصيد فى مناطق معينة من البحار، ومن أمثلة ذلك الاتفاقية التى عقدت فى سنة 1911بين الولايات المتحدة وانجلترا وروسيا واليابان لتنظيم صيد سبع البحر فى بحر بهرنج، واتفاقية سنة 1953 الخاصة بصيد أسماك الهاليبوت فى شمال المحيط الاطلنطى .

كما عقدت اتفاقات خاصة بتنظيم بعض أعمال البوليس فى مناطق الصيد أهمها اتفاقية لاهاى سنة 1882 الخاصة بالمعاقبة على الملاهى العائمة فى بحر الشمال، ويقصد بهذه الملاهى بعض السفن التى توجد فى مواقع الصيد لبيع الكحول للصيادين . وأعطت اتفاقية لاهاى لسفن الدولة المجاورة لبحر الشمال بعض الحقوق الخاصة للتحقق من شخصية هذه السفن وتفتيشها، مع الاحتفاظ باختصاص المحاكمة لسلطات الدولة التى ترفع السفينة علمها .

وبالاضافة إلى الاتفاقات الدولية، أعلنت بعض الدول كأيسلندة والدول الامريكية عن حقها فى اتخاذ تدابير فردية للمحافظة على مصادر الثروة الحية فى أعالى البحار .

ولما كانت القواعد الخاصة بحماية المصايد غير كافية إذا ما وضعنا فى الاعتبار تقدم وسائل صيد السمك، فقد تم ابرام اتفاقية جنيف سنة 1958 للصيد وللمحافظة على الموارد الحية فى أعالى البحار .

واعترفت الاتفاقية لكل دولة بالحق فى أن يقوم رعاياها بالصيد فى أعالى البحار مع مراعاة التزامات التعاقدية، والقواعد المتعلقة بالمحافظة على الموارد الحية فى أعالى البحار . وعلى الدول أن تتعاون فيما بينها لتحقيق هذا الغرض حتى يمكن الحصول على أقصى انتاج ممكن من هذه الموارد . ولقد نظمت الاتفاقية التعاون على النحو الآتى :

1-  إذا كان رعايا دولة معينة يعملون بالصيد فى منطقة من اعالى البحار لا يعمل فيها رعايا دولة أخرى، فيجب على هذه الدولة أن تتخذ التدابير للمحافظة على الموارد الحية فى هذه المنطقة .

2-  أما إذا عمل رعايا دولتين أو أكثر فى صيد نفس الموارد من السمك أو من الانواع البحرية الاخرى، فعلى تلك الدول بناء على طلب احدها أن تدخل فى مفاوضات تستهدف الاتفاق على تحديد التدابير اللازمة للمحافظة على موارد البحر وفى حالة عدم الوصول إلى اتفاقية بينها يعرض الامر على التحكيم .

3-  إذا حدث بعد اتخاذ التدابير المشار إليها أن عمل رعايا دول أخرى بصيد نفس الموارد من السمك أو من الانواع البحرية الاخرى فى نفس المنطقة من أعالى البحار فان التدابير التى سبق اتخاذها تسرى فى حق هذه الدول، وإذا لم توافق هذه الدول الاخرى على التدابير المتبعة ولن يمكن الوصول إلى اتفاق يعرض الامر على التحكيم .

4-  لكل دولة ساحلية مصلحة خاصة فى المحافظة على انتاج الموارد الحية فى أية منطقة متاخمة لبحرها الاقليمى . ومن ثم يكون من حقها أن تشترك على قدم المساواة فى أية طريقة للبحث أو التنظيم فى تلك المنطقة حتى ولو كان رعاياها لا يمارسون الصيد فيها . وإذا لم تصل الدول المعنية إلى اتفاق يعرض الامر على التحكيم . كما أنه يجوز فى حالة عدم الاتفاق حتى صدور قرار التحكيم أن تنفرد الدولة الساحلية باتخاذ التدابير الملائمة لحفظ الموارد البحرية المجاورة لبحرها الاقليمى .

5-  لكل دولة – حتى ولو لم يكن رعاياها يعملون بالصيد فى منطقة من أعالى البحار غير متاخمة لاقليمها – إذا ما كان لها مع ذلك مصلحة خاصة فى المحافظة على الموارد الحية للبحار فى تلك المنطقة أن تطالب الدول التى يعمل رعاياها بالصيد فى تلك المنطقة باتخاذ التدابير الملائمة للمحافظة على الموارد الحية، وإذا لم يتم الاتفاق بين هذه الدول يعرض الأمر على التحكيم .

6-                   نظمت الاتفاقية التحكم بشأن الخلافات المتعلقة بالصيد وبالمحافظة على الموارد البحرية . وقررت أن أى خلاف فى هذا النوع يعرض بقصد تسوية على لجنة تحيك مشكلة من 7 أعضاء, وذلك اذا لم يتفق الاطراف على ايجاد حل للنزاع بطريقة أخرى من الطريق السليمة .

 

ويقوم كل طرف من أطراف النزاع ( سواء كان هذا الطرف دولة أو أكثر بتعيين عضوين من أعضاء اللجنة, ويختار الثلاثة الباقون بالاتفاق بين أطراف النزاع) . وفى حالة عدم الاتفاق يكون تعيينهم بواسطة السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة بعد التشاور مع رئيس محكمة العدل الدولية ومدير منظمة التغذية والزراعة التابعة الامم المتحدة, وفى حالة وجود أكثر من طرف فى النزاع يتم تعيين لجنة التحيكم بواسطة السكرتير العام لهيئة الامم المتحدة .

 

حصانات السفن العامة فى أعالى البحار :

تتمتع السفينة الحربية الحصانة الكاملة فى أعالى البحار تجاه اختصاص أية دولة عدا دولة العلم الذى ترفعه السفينة .

 

والسفينة الحربية هى السفينة التى تتبع القوات البحرية لدولة ما, وهى تحمل العلامات المميزة الخارجية للسفن الحربية من ذات جنسيتها, وتكون تحت قيادة ضابط مفوض من حكومته يدرج اسمه فى سجل البحرية . ويكون بحارتها خاضعين لنظام القوات البحرية .

كما تتمتع السفن الحكومية المملوكة لدولة والمختصصة لاغراض غير تجارية بالحصانة الكاملة فى أعالى البحار . ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية بروكسيل سنة 1962 الخاصة بمسئولية مستغلى السفن الذرية نصت على عدم تمتع السفن العامة بالحصانة لتطبيق تلك الاتفاقية مما أدى الى امتناع الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة عن الانضمام للاتفاقية المذكورة .

أما السفن التجارية المملوكة للدولة فلا تتمتع بالحصانات .

 

                             المبحث السادس

                             الهواء والفضاء

 

ذكرنا أن اقليم الدولة يشمل الطبقات الهوائية التى تعلو اقليمها الأراضى والمائى .

ولقد قفزت المشاكل المتعلقة بالهواء الى مقدمة مشاكل القانون الدولى العام ابتداء من الحرب العالمية الاولى حينما زاد استعمال الطائرات كوسيلة لنقل الاشخاص والبضائع وكسلاح مقاتل وقت الحرب . وقد اطردت هذه الزيادة عقب الحرب العالمية الثانية فأصبحت الطائرات عنصرا أساسيا فى الحياة الانسانية .

وأدى اكتشاف الاقمار الصناعية والصواريخ بعيدة المدى الى امكان الوصول والتحليق فى مناطق لا يوجد فيها هواء ولا تخضع للجاذبية الارضية, ومن ثم بدأ الاهتمام بتحديد النظام القانونى للقضاء الخارجى وللأجرام السماوية .

 

النظام القانونى للهواء :

تباينت آراء الفقهاء حول النظام القانونى الذى يقع فوق اقليم الدولة ومن الممكن التمييز بين ثلاث نظريات فى هذا الموضوع :

1-  تنفى النظرية الاولى سيادة الدولة على الهواء الذى يعلو اقليمها, وتقرر أن الهواء حر لا يخضع لسيادة من الدول, ومن ثم تكون الملاحة الجوية حرة لطائرات جميع الدول. ويؤيد أصحاب هذه النظرية رايهم بالقول بأن الدولة لا يمكنها ممارسةالسيادة على الهواء نظراً لاستحالة ممارستها لسيطرة فعلية عليه، فضلاً عن أن مبدأ الحرية قد طبقته الدول بالنسبة لآعالى البحار تشجيعاً للملاحة البحرية، وأن تطبيقه على الهواء يؤدى إلى تشجيع الملاحة الجوية .

ولقد قرر كثيرون من أنصار نظرية حرية الهواء أن هذه الحرية لايمكن أن تكون مطلقة، وأن الدولة تستطيع تنظيم المرور فى الطبقات الهوائية بما يتفق مع حقها فى الدفاع عن نفسها ومصالحها .

ولكن هذه النظرية لاقت نقداً مريراً على اعتبار أن الاخذ بها يهدد سلامة الدول التى تفقد كل رقابة على الطائرات التى تمر بأنه يكون على الدوام لصالح الملاحة الجوية، لأنه من الثابت أنه من اللازم حفظاً للأمن وللسلامة، وضع قواعد وأنظمة خاصة بالهواء .

2-  أما النظرية الثابتة فتقرر أن سيادة الدولة تمتد إلى طبقات الهواء الواقعة حتى ارتفاع معين من اقليمها وأن ما عدا ذلك يعد حراً لجميع الدول .

وهذا الاتجاه يسترشد بنظام البحر حيث تمارس الدولة سيادتها على المنطقة البحرية المجاورة لاقليمها .

3-  وتقرر النظرية الثالثة أن سيادة الدولة تمتد على طبقات الهواء التى تعلو اقليمها . ويترتب على ذلك أنها تستطيع أن تسمح بالطيران فوق اقليمها أو تمنعة حسبما يتراءى لها . وترفض هذه النظرية قياس الهواء على البحار، لان الامتداد الافقى فى البحر يعتبر أقل خطورة بالنسبة لصالح الدولة من الامتداد الرأسى فوق اقليمها، فضلاً عن أنه لا يشترط لمارسة السيادة السيطرة الفعلية على الهواء بل تكفى امكانية السيطرة عليه بواسطة المدافع والطائرات .

وتستند هذه النظرية على العرف الدولى الذى استقر على أن للدولة سيادة كاملة على المنطقة الهوائية التى تعلو اقليمها . وينصرف معنى الاقليم هنا الى اقليم الدولة الاصلى والى المياة الاقليمية . ويترتب على ذلك أنه لا يجوز مرور الطائرات الاجنبية فوق الدولة أو هبوطها فى أراضيها بغير الحصول على ترخيص بذلك .

 

ولهذا كان من اللازم لجعل الملاحة الجوية الدولية ممكنة عقد اتفاقات ثنائية أو جماعية تنظم شروط مرور الطائرات فى الفضاء الهوائى التابع لدولة أجنبية . وقد عقدت مجموعة كبيرة من هذه الاتفاقات, وسنكتفى بالاشارة الى أهم الاتفاقيات الجماعية .

 

الاتفاقيات الدولية المتصلة بالسيادة على الهواء وتنظيم الملاحة الهوائية :

1- اتفاقية شيكاجو سنة 1944 الخاصة بالطيران الدولى :

أثرت الحرب العالمية تأثيرا كبيرا فى تقدم الطيران كوسيلة لنقل الاشخاص والاشياء . ولقد فكرت الولايات المتحدة الأمريكية فى ضرورة وضع تنظيم جديد فدعت الى مؤتمر عقد فى شيكاغو فى سنة 1944, ومثلت فيه خمسون دولة تقريبا . وأدت أعمال المؤتمر الى وضع اتفاقية جماعية انضمت اليها أكثر من مائة دولة من بينها مصر . والمبدأ الاساسى الذى تقوم عليه هو الاعتراف بسيادة الدولة الكاملة على طبقات الهواء الواقعة فوق اقليمها .

 

واعترفت الاتفاقية لطائرات الدول المتعاقدة – غير الطائرات المستعملة فى خطوط جوية دولية منظمة – بمجموعة من الحريات, فقد وافقت كل من الدول المتعاقدة بأن لهذه الطائرات أن تطير فوق اقليمها سواء لدخوله, أو لعبوره بغير هبوط أو للهبوط عليه لأغراض غير تجارية – دون حاجة الى الحصول على ترخيص مقدما . ولهذه الطائرات – اذا كانت تستعمل فى نقل الركاب أو البريد أو البضائع بمقابل فى غير خطوط جوية دولية منتظمة – الحق فى أخذ أو انزال ركاب أو بريد أو بضائع, ويكون من حق الدولة أن تقيد ذلك بما تراه من شروط ( المادة الخامسة ) .

 

وقد اعترفت اتفاقية شيكاجو بأن للدولة أن تخضع الملاحة الجوية لكل تنظيم لا يتنافى مع هذه الحقوق, فلما أن تمنع التحليق فى بعض المناطق, ولها أن تكلف بعض الطائرات بالهبوط بقصد الرقابة الجمركية, ولها أن تحتفظ بالملاحة الجوية الداخلية لطائراتها فقط ( المادة السابعة ) .

وتجب ملاحظة أن هذه الاتفاقية خاصة بالطائرات المدنية. أما بالنسبة للطائرات العامة – وقد عرفتها الاتفاقية بأنها الطائرات الحربية وطائرات الجمارك والبوليس – فمن اللازم حصولها على تصريح للتحليق فى جو الدولة أو الهبوط فى أراضيها .

 

كما أن الحريات المبينة بالاتفاقية تسرى فى مواجهة الدول الاطراف فيها فقط, أما بالنسبة للدول غير الاطراف, فيشترط حصول الطائرات على تصريح خاص للتحلق فوق أراضيها .

كما أنه – بالنسبة للخطوط الجوية المنتظمة – فلا يجوز لأى خط جوى دولى منتظم أن يطير فوق اقليم دولة متعاقدة أو يهبط فى داخلة الا اذا كان يحمل اذنا أو ترخيصا من تلك الدولة وبشرط مراعاة أحكام الاذن أو الترخيص, وتدخل الدول عادة فى اتفاقات ثنائية أو جماعية تنظم النقل الجوى الدولى المنتظم بين الدول الاطراف فيها.

2- اتفاقية عبور الطائرات المستعملة فى خطوط جوية دولية منتظمة ( اتفاقية الترانزيت ) :

أسفر مؤتمر شيكاجو سنة 1944 عن ابرام اتفاقية تنظيم عبور الطائرات المستعملة فى خطوط جوية منتظمة, وقد منحت الاتفاقية هذا النوع من الطائرات حريتين وهما : حرية الطيران فوق اقليم الدولة بدون هبوط, وحرية الهبوط فوق الاقليم لاغراض غير تجارية, كما أوردت الاتفاقية بعض القيود على ممارسة هاتين الحريتين . ولقد انضمت مصر الى هذه الاتفاقية بالقانون رقم 16 لسنة 1947 .

 

3- اتفاقية النقل الجوى المنتظم :

أبرمت فى 7 ديسمبر سنة 1944 فى شيكاغو اتفاقية خاصة بالخطوط الجوية الدولية المنتظمة سميت " اتفاق النقل الجوى الدولى " . وانضم اليها عدد محدود من الدول لم يكن من بينها مصر التى رأت بدلا من الانضمام اليها أن تلجأ الى اتفاقات النقل الثنائية .

وقد اعترف الاتفاق للخطوط الجوية الدولية المنتظمة بمجموعة من الحريات سميت حريات الهواء وبيانها كالآتى :

( أ ) حرية التحليق فوق أراضى الدولة دون الهبوط فى اقليمها .

( ب ) حرية الهبوط فى اقليم الدولة لاغراض غير تجارية .

( جـ ) حرية انزال الركاب والبضائع والبريد فى اقليم الدولة, بشرط أن يكون مصدر الاشخاص والاشياء اقليم الدولة التى ترفع الطائرة علمها .

( د ) حرية أخذ الركاب والبضائع والبريد من اقليم الدولة بقصد نقلهم الى اقليم دولة الطائرة .

( هـ ) حرية نقل الركاب والبضائع والبريد بين دولتين أجنبيتين .

ونلاحظ أنه وجدت معارضة فى الاعتراف بهذه الحرية الخامسة من جانب بعض الدول مما أدى الى عدم ادراجها فى الاتفاقية العامة كالتزام على كافة الدول الاعضاء . ولذلك يشترط فيما يتعلق بها الحصول على ترخيص من الدولة .

 

4-  اتفاقية مقاومة خطف الطائرات أو التدخل فى الملاحة الجوية المدنية :

تعددت فى السنوات الاخيرة حوادث خطف الطائرات أو تغيير مسارها بالقوة, ولقد اهتمت الدول والمنظمات الدولية بهذا الموضوع لأنه يفقد الطائرات ميزتها فيما يتعلق بالسرعة والامان .

ولقد تم ابرام اتفاقية طوكيو سنة  1963 التى أصبحت نافذة فى سنة 1969 بناء على مبادرة منظمة الطيران المدنى الدولية, وهى تتعلق بالجرائم والاعمال الاخرى التى تقع على الطائرات, وعرفت اتفاقية طوكيو خطف الطائرات بأنه يتوافر اذا استخدم شخص – على متن طائرة القوة أو هدد باستخدامها بطريقة غير مشروعة لعرقلة استغلال الطائرات أو للاستيلاء عليها أو فرض رقابته عليها أثناء الطيران أو كان مثل هذا العمل على وشك الوقع . ولا تنطبق الاتفاقية على الاعمال الحربية, كما لا تسرى على الطيران الداخلى .

 

ويلزم أطراف الاتفاقية فى حالة خطف الطائرة باتخاذ جميع التدابير الملائمة لاعادة السيطرة على الطائرة لقائدها الشرعى, كما تقوم بالقبض على المتهم وحبسه احتياطيا والتحقيق معه, كما يجوز للدولة التى هبطت فيها الطائرة المخطوفة محاكمة المتهم وفق قرانينها أو تقوم بتسليمه وفقا لقواعد تسليم المجرمين أو بابعاده عن اقليمها .

ولما كانت نصوص اتفاقية طوكيو لا تغطى كل أحوال خطف الطائرات ولا تفرض التزامات على أطرافها بمحاكمة الخاطفين, فقد أعدت منظمة الطيران المدنى الدولية فى سنة 1969 مشروع اتفاقية تغطى القصور الحالى .

كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت فى 25 نوفمبر سنة 1970 قرارا أدانت كافة أعمال خطف الطائرات والاعمال الاخرى التى تعتبر تدخلا فى الملاحة الجوية المدنية, ودعا القرار الدول الاعضاء لاتخاذ كافة الاجراءات لمنع ومقاومة هذه الاعمال وللتمكين من معاقبة المسئولين . كما أدانت الجمعية الحصول على رهائن من بين ركاب أو طاقم الطائرة أثناء الرحلة. وطالبت الجمعية الدول التى تهبط الطائرة المخطوفة فى اقليمها بتقديم الرعاية والمساعدات لركاب وطاقم الطائرة وبتمكينهم من مواصلة رحلتهم وباعادة الطائرة وحمولتها لاصحاب الحق فيها .

 

منظمة الطيران المدنى الدولية :

أنشأت اتفاقية شيكاغو سنة 1944 هيئة دولية هى منظمة الطيران المدنى الدولية والغرض منها العمل على اناء المبادئ والقواعد الفنية الخاصة بالملاحة الهوائية الدولية, وتشجيع ايجاد نقل جوى دولى, والعمل على تخفيف القيود الادارية التى تعطله وعلى تحقيق أمنه وسلامته وعلى وضع نماذج دولية تتعلق بالمسائل الفنية للطيران كشهادات الطيران والملاحين, وشروط صلاحية الطائرات وجنسية الطائرات وتسجيلها, وقواعد الجمارك والهجرة والصحة والأرصاد . كما تقوم المنظمة بتقديم المساعدات الفنية والمالية لخدمات الملاحة الجوية .

 

الفضاء الخارجى :

يتميز العصر الذى نعيش فيه بغزو الفضاء, فقد تمكنت الدول عن طريق اطلاق الاقمار الصناعية والصواريخ من الوصول الى مناطق تعلو الطبقات الهوائية التى تحيط بالكرة الارضية .

واستعمالات الفضاء السليمة والعسكرية متعددة ولا يمكن حصرها من الآن . وتكفى الاشارة الى الاستعمالات السليمة المتعلقة بالراديو والتليفزيون والتصوير والارصاد ونقل الاشخاص والاشياء .

ولقد ثار جدل كبير حول تعيين الحد الفاصل بين الفضاء الهوائى وبين الفضاء الخارجى, وحول النظام القانونى للفضاء الخارجى .

 

الحد الفاصل بين الهواء وبين الفضاء الخارجى :

من المؤسف أنه لم يتم الاتفاق بين الدول حول تحديد الفاصل بين الهواء الخاضع لسيادة الدولة وبين الفضاء الخارجى الذى يذهب الاتجاه الغالب الى تقرير عدم خضوعه للسيادة الوطنية . ومن الواضح أن وضع مثل هذا الحد يحتاج الى معلومات علمية دقيقة؛ ولقد قررت لجنة الفضاء الخارجى منذ سنة 1958 أن هذا الموضوع ليست له صفة الاستعجال, ولم تنته من بحثه حتى الآن .

وهذا الوضع يخدم مصالح الدول الكبرى التى تستطيع مركباتها الفضائية أن تحلق بحرية على ارتفاعات كبيرة فوق أقاليم الدول المختلفة وذلك بادعاء أنها تحلق فى الفضاء الذى لا يخضع للسيادة طالما ظل الحد الفاصل بين الهواء والفضاء غير معروف .

ومما يضاعف فى خطورة الامر أن مركبات الفضاء والاقمار الصناعية والاجهزة الفضائية المختلفة تحلق فعلا على أبعاد قريبة من كوكب الأرض, بل ان بعضها كان يحلق عن ارتفاعات تدخل ضمن الغلاف الهوائى بالمعنى الواسع. ومع التقدم العلمى تزيد قدرة الاجهزة الفضائية على مقاومة الجاذبية الارضية, ومن ثم على الاقتراب من سطح الأرض .

ونشير فيما يلى الى أهم الآراء فيما يتعلق بالحد الفاصل بين الهواء والفضاء .

 

1- معيار معهد دافيد دافيز التذكارى للدراسات الدولية :

أوصى المعهد المذكور فى مشروعة الخاص بتجميع القواعد القانونية الخاصة باكتشاف واستخدام الفضاء الذى أقره سنة  1963 بالاخذ بمعيار مقتضاه أن يمتد الهواء الخاضع للسيادة الى ارتفاع خمسين ميلا فوق سطح البحر, وأن ما يعلو ذلك يعتبر من الفضاء الخارجى. ويتفق هذا الحد مع ما يعرف باسم خط كارمان وهو الخط الذى يفقد فيه الشئ الذى يسير بسرعة 25,000 قدم فى الثانية وزنه نتيجة تعادل القوة الطاردة المركزية مع الجاذبية الارضية .

 

2- معيار الفقيه كوبر :

يقترح الفقية الامريكى كوبر أن تمتد سيادة الدولة إلى ارتفاع 75ميلاً فوق سطح البحر، وفى حدود هذا الارتفاع يميز الفقية بين منطقتين :

( أ ) المطقة الاولى : وهى تمتد حتى ارتفاع 25ميلاً، وتمارس الدولة فيها السيادة المطلقة .

( ب ) المنطقة الثانية : وهى تمتد من أرتفاع 25 ميلاً إلى 75 فوق سطح البحر، وهى تخضع لسيادة الدولة ولكنها سيادة مقيدة بضرورة السماح بعبور الاجهزة الفضائية .

ويعلل كوبر رأيه بأن ارتفاع 25ميلاً يمثل المسافة التى يمكن فيها الطيران بقوة رد فعل الهواء، وأما ما علا ذلك من ارتفاع حتى 75ميلاً فهل يمثل طبقات هوائية عليا يصعب الطيران فيها ولهذا يمكن تقييد سيادة الدولة عليها .

 

3- معيار الفقية كوادرى :

ينكر البعض فكرة تنظيم استخدام الفضاء على أساس وجود حد يفصل بين الهواء الخاضع للسيادة الوطنية وبين الفضاء الحر . فيقرر الفقية الايطالى كواردى أن العبرة هى بطبيعة النشاط بغض النظر عن النطاق الذى يمارس فيه، والنشاط الفضائى حر منذ بدايته على سطح الارض وهو حر كذلك فى الطبقات الهوائية وما يعلوها من الفضاء .

ونلاحظ أن كل هذه الآراء تمثل اتجاهات فقهية ولا تعبر عن أى اتفاق دولى، ونعتقد أن أى اتفاق دولى سوف يتأثر حتماً باعتبارات سياسية إلى جانب اعتمادات العلمية، ومن أهم الاعتبارات السياسية فى هذا الشأن المحافظة على أمن الدول وسلامتها، وتحقيق التوازن بين مصالح مستخدمى الفضاء ومن يتعرضون لاخطار ذلك الاستخدام .

ويمكن أن أشير إلى أمرين على سبيل الاسترشاد عند وضع اتفاق دولى فى هذا الشأن :

1-  تمتد سيادة الدولة بلا جدال فى الهواء حتى أقصى ارتفاع يمكن للطائرات التحليق فيه معتمد على قوة رد فعل الهواء .

2-  من مصلحة الدول الوسطى والصغرى – التى تتعرض لاخطار استعمال الفضاء دون المشاركة فى استخدامه – أن تمتد سيادتها إلى حيث توجد أية كميات من الهواء تساعد بصفة ما على التحليق أو تعرقل اتخاذ مركبات الفضاء لمدار حول الارض .

النظام القانونى للفضاء الخارجى فى الفقه الدولى :

( أ ) ذهب البعض إلى أن الدولة تباشر سيادتها على كل ما يعلو أقليمها من فضاء هوائى أو فضاء خارجى، وذلك بالتطبيق لاحكام اتفاقية شيكاغو سنة 1944. وقرر هؤلاء أنه مع التسليم بأن نصوص هذه الاتفاقية تؤكد فقط سيادة الدولة على الفضاء الهوائى الا أنه يجب أن نتوسع فى تفسيرها حتى تشمل الفضاء الخارجى؛ لأنه من الواضح أن الاتفاقية لم تجد مبرراً للنص على الفضاء الخارجى وذلك لأنه فى الوقت ابرام الاتفاقية لم تكن ظهرت الحاجة إلى تنظيم هذا الفضاء .

ولا يمكن القول بأن عدم اعتراض الدول على تحليق الاقمار الصناعية السوفيتية والامريكية فوق أقليمها يكون عرفاً دولياً يؤيد حرية الفضاء الخارجى؛ وذلك لأنه من الواضح أن كافة الدول كانت لها مصلحة فى استكشاف أسرار الفضاء فكانت تسمح بذلك العبور مساعدة منها فى هذا العمل العلمى .

وينتهىهذا الرأى إلى لا يمكن القول بأن الفضاء الخارجى أصبح حراً، ولا يخضع لسيادة الدول التى تقع أقاليمها تحته؛ لأن مثل هذه القاعدة لايمكن تقريرها إلا بموجب اتفاقية دولية توافق بمقتضاها الدول على حرية تحليق القذائف والمركبات والاقمار الصناعية فى الفضاء الخارجى فوق أقليمها .

( ب ) وذهب عدد أكبر من الفقهاء إلى أن النصوص الخاصة بالهواء لا تنطبق على الفضاء الخارجى حيث لا يوجد هواء أو حيث يقل الهواء أوبحيث لا يمكن للطائرة الطيران برد فعل الهواء . وحجة هؤلاء أن اتفاقية شيكاجو سنة 1944 عرفت الطائرة بأنها كل ألة تطير بموجب رد فعل الهواء، ولا ينطبق هذا التعريف على الاقمار الصناعية أو مركبات الفضاء .

ويضاف إلى ذلك أن المادة 18 من اتفاقية شيكاجو قررت عدم تمتع الطائرات التى تطير بدون طيارين بالحقوق الواردة فيها .

ويضيف البعض مبررات أخرى مبناها أن الاقمار الصناعية لا تطير فى أقاليم الدول، بل أن الكرة الارضية تبدو كما لو كانت تمر تحتها، كما أن الدولة لا يمكنها أن تمارس اشرافاً فعلياً على الفضاء الذى يعلو اقليمها.

ويخلص هذا الرأى إلى أن المنطقة الخاضعة لسيادة الدول هى المنطقة المقاربة للأرض التى يوجد فيها الهواء بكمية كافية تسمح للطائرات أو للبالونات بالتحليق . ومن ثم لا تنطبق القواعد الخاصة بالطائرات على الاقمار الصناعية أو القذائف، ويصبح استعمال الفضاء الخارجى حراً لجميع الدول . ويضيف أصحاب هذا الرأى أن الدولة لم تعترض على تحليق الاقمار الصناعية فوق أقاليمها مما يؤدى حرية هذه المناطق .

الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالفضاء الخارجى :

شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجى . ولقد أسفرت أعمال هذه اللجنة وقررات الجمعية عن الموافقة على الاتفاقيات التالية :

1-  معاهدة الاستخدام السلمى للفضاء الخارجى :

 وافقت الجمعية العامة بالاجماع على هذه المعاهدة فى 19ديسمبر سنة 1966، وتم توقيعها فى نفس الوقت فى كل من موسكو ولندن وواشنطن فى 27 يناير سنة 1967. وتتضمن الاتفاقية الاحكام الآتية التى تحكم نشاط الدول فى مجال اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجى .

( أ ) يكون اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجى لصالح الانسانية .

( ب ) تكون جميع الدول حرة فى اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجى على أساس من المساواة .

( جـ ) لا يجوز أدعاء امتساب السيادة الوطنية على الفضاء الخارجى .

( د ) تقوم الدولة بنشاطها الخاص باكتشاف الفضاء الخارجى طبقاً لأحكام القانون الدولى بما فى ذلك ميثاق الأمم المتحدة .

( هـ ) تحتفظ الدولة بسلطتها ورقابتها على الاجهزة الفضائية التى تطلقها وعلى الاشخاص الموجودين فيها طالما أنها مسجلة فيها ولا تتاثر ملكية الدول لها نتيجة لاطلاقها فى الفضاء .

( و ) يعتبر رواد الفضاء مبعوثين للانسانية، وتجب مساعدتمهم بكل الوسائل .

ونلاحظ أن بعض الغموض يحيط بأحكام الاتفاقية وبصفة خاصة فيما يتعلق بتحديد معنى الاستخدام السلمى للفضاء واستخدامه لصالح الانسانية .

ويرى الاتحاد السوفيتى أن الاستخدام السلمى هو الاستخدام غير العسكرى بينما ترى الدول العربية أن الاستخدام العسكرى يكون سلمياً إذا كان غير عدوانى أى للدفاع عن النفس . ومن ناحية أخرى نجد أن بعض الاستخدامات غير العسكرية تخدم الأغراض العسكرية ومن ذلك أن أقمار الارصاد الجوية وأقمار الاستكشاف قد تستخدم للتجسس على الاهداف العسكرية للدول الأجنبية . وأخيراً فاننا نعتقد أنه من الضرورى تقرير مبدأ نزاع السلاح فى الفضاء .

 

2-  اتفاقية مساعدة واعادة رواد الفضاء ومركبات الفضاء إلى دولهم :

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الاتفاق فى 22أبريل سنة 1968 وينص الاتفاق على ما يلى :

( أ ) تتعاون الدول لانقاذ رواد الفضاء، ففى حالة هبوط رائد الفضاء خارج حدود الدولة التى أطلقت مركبة الفضاء، وتقوم تلك الدولة بأخطار الدول الآخرى . كما تلتزم الدولة التى هبط فيها الرائد بأخطار دولته بذلك . أما إذا هبط الرائد فى أعالى البحار فان الالتزام بالاخطار يقع على عاتق كافة أطراف الاتفاقية :

( ب ) تنطبق نفس الاحكام فى حالة هبوط أجسام فضائية إلى الارض .

( جـ ) يلتزم أطراف الاتفاقية بتقديم كل المساعدة إلى رواد الفضاء فى حالة الحوادث أو المخاطر أو الهبوط الاضطرارى، وتجب أعادة رواد الفضاء الذين يقومون بمثل هذا الهبوط سالمين بسرعة إلى الدولة التى تم تسجيل المركبة الفضائية فيها .

3-  اتفاقية المسئولية الدولة عن الاضرار التى تحدثها الاجهزة الفضائية :

وافقت الجمعية العامة على هذه الاتفاقية فة 29نوفمبر سنة 1971.

وهى تتضمن الاحكام الآتية :

( أ ) تتحمل الدولة مسئولية دولة مطلقة للتعويض عن الاضرار التى يحدثها جهاز فضائى تابع لها على سطح الارض أو لطائرة فى الجو – ولا تحتاج المسئولية المطلقة لاثبات وقوع خطأ ما .

( ب ) يشترط اثبات ألخطاء لتحمل الدولة المسئولية عن الاضرارالتى يحدثها جهاز فضائى تابع لها لجهاز فضائى آخر أو لاشياء أو أشخاص فى هذا الجهاز .

( جـ ) فى حالة أشتراك أكثر من دولة فى أطلاق جهاز فضائى، فانها تتحمل المسئولية بطريقة مشتركة كما يتحمل كل منها المسئولية .

( د ) لا تنطبق أحكام الاتفاقية على الاضرار التى تصيب مواطنى الدولة التى أطلقت الجهاز أو الأجانب الذين أشتركوا فى عملية الاطلاق .

( هـ ) تتقدم الدولة التى أصابها الضرر أو التى يتمتع الاشخاص المضارون بجنسيتها بطلب تعويض إلى الدولة التى أطلقت الجهاز الفضائى بالوسائل الدبلوماسية وفى خلال سنة على الاكثر من وقوع الضرر أو من علمها بوقوع الضرر . ولا يشترط أن يسبق ذلك استنفاذ طرق التقاضى الداخلية .

( و ) يتم تحديد التعويض وفقاً لاحكام القانون الدولى ومع مراعاة العدل والانصاف بحيث تعود حالة من أصابة الضرر إلى نفس الحالة التى يكون عليها لو لم يقع الضرر .

( ز ) إذا لم تتم تسوية مطالبات الدولة التى أصابها الضرر خلال سنة من تقديم المطالبة يتم تشكيل لجنة مختلطة . ويختار كل طرف عضو فيها، ويتم اختيار رئيسها باتفاق الطرفين فأذا لم لم يتفق الطرفان فى خلال أربعة شهور يقوم الأمين العام للأمم المتحدة باختيار الرئيس .وإذا امتنع عضو عن اختيار ممثلة فى اللجنة عملت بعضو واحد هو رئيسها .

وتقوم اللجنة بالبت فى موضوع النزاع وتحدد التعويض المستحق ويكون قرراها نهائياً وملزم .

4-  اتفاقية تسجيل الاجسام الفضائية :

أقرت الجمعية العامة هذه الاتفاقية سنة 1974 وهى تتضمن التزام الدول التى تطلق أجسامها فى الفضاء بأن تحتفظ بسجلات لهذه الاجسام وأن تقدم للأمم المتحدة المعلومات اللازمة عنها لادراجها فى سجل خاص، وتتضمن هذه المعلومات اسم الدولة أو الدول التى أطلقت الجسم الفضائى واسم ورقم تسجيل هذا الجسم، وتاريخ وموضع الاطلاق، وأطوال المحيط المدارى، ومهمة الجسم الفضائى .

تنظيم الاتصالات اللاسلكية فى الهواء والفضاء :

تتولى اتفاقية المواصلات اللاسلكية المبرمة سنة 1947 فى أتلانتك سيتى تنظيم الاتصالات اللاسلكية بين الدول .

وتقرر الاتفاقية أن لكل دولة الحق فى تنظيم اتصالاتها اللاسلكية ومع ذلك تهدف الاتفاقية إلى تنظيم توزيع الموجات الصوتية بين الاعضاء عن طريق منظمة تختص بتحقيق التعاون الدولى فى مجال المواصلات اللاسلكية وهى الاتحاد الدولى للمواصلات اللاسلكية الذى تم انشاؤة بموجب اتفاقية مدريد سنة 1932.

 

وتلتزم الدول الاعضاء بأخطار مكتب تسجيل الموجات التابع للاتحاد المشار إليه بالموجات التى تستخدمها . وللمكتب أن يشير على الدول الاعضاء فى هذا الشأن حتى يمكن لكافة الدول تشغيل أكبر عدد من الموجات دون تتداخل فيما بينها بطريقة ضارة . وللمكتب أن يقترح على الدولة استخدام موجة بديلة، على أن تقرير استخدام موجة معينة هو الحق للدولة صاحبة الاقليم التى تصدر عنه الموجة .

ومن غير المعقول أن يترتب على مبدأ سيادة الدولة على الهواء أن تمنع الدولة مرور الموجات الاذاعية الصادرة من الدول الأخرى فى الهواء الخاضع لسيادتها؛ لأن ذلك الامر ليس ممكناً . على أنه يجوز للدولة التشويش على هذه الموجات إذا كان من شأنها الاضرار باستعمالها الهواء الأغراض الاتصال أو الاساءة إليها بأية صورة .

وتنمع لوائح الاتحاد الدولى للمواصلات اللاسلكية اقامة أو استخدام محطات للبث الاذاعى فى السفن أو طائرات توجد خارج اقليم الدولة . ويجوز للدولة أن ترسل موجات اذاعية من اقليمها موجهة من الفضاء وأن تستقيل هذه الموجات الموجهة إليها من محطات فضائية .

 

 

                                 ** الباب الثانى ***

                           أشخاص القانون الدولى غير الدولة

تمهيد :

ذكرنا أن الدولة هى أهم الشخصيات الدولية وأوسعها اختصاص .

ولقد اسغرقت دراستها الجزء الاكبر من البحث فى أشخاص القانون الدولى؛ لأن قواعد القانون الدولى العام قد وضعت أصلاً لتحكم نشاط الدول فى ميدان العلاقات الدولية .

وإلى جانب الدول يخضع بابا الكاثوليكى وكذلك المنظمات الدولية لقواعد قانونية دولية مبناها العرف أو المعاهدات . ويعترف القانون الدولى للبابا الكاثوليكى وللمنظمات الدولية بالحق فى ممارسة بعض الاختصاصات الدولية فى المجتمع الدولى وفى مواجهة الدول ذاتها، ومن ثم يمكن اعتبارهم من أشخاص القانون الدولى العام .

ومن ناحية أخرى يثير مركز الفرد فى القانون الدولى اهتماماً واسع النطاق منذ اتجه ذلك القانون إلى تقرير حقوق للانسان، وإلى العمل على ضمان تلك الحقوق بطريقة دولية .

 

                           ** الفصل الاول **

                                  البابا والفاتيكان

تطور وضع البابا الكاثوليكى فى القانون الدولى :

كان البابا الكاثوليكى يباشر فى الماضى نوعين من السيادة : سيادة روحية على العالم الكاثوليكى وسيادة زمنية مبناها أنه كان يحكم بصفته ملكاً لمدينة روما وبعض المقاطعات الاخرى .

وفى سنة 1870 دخلت الجيوش الايطالية روما ونزعت عن البابا مملكته الصغيرة، ,ان كانت قد أبقت له صفته كرئيس للكنيسة الكاثوليكية، ولقد ظل بهذه الصفة الاخيرة يعتبر من أشخاص القانون الدولى

ولم تحاول ايطاليا عرقلة مباشرة البابا لاختصاصه الروحى، فأصدرت قانون الضمان فى سنة1871 الذى نص على اعتبار أن ذات البابا مصونة ولا تمس، واعترف بحقة فى تبادل المبعوثين الدبلوماسيين مع الدول الاجنبية، وبوجوب تمتع هؤلاء المبعوثين الحصانات الدبلوماسية .

ومن الواضح أن شخصية البابا الدولية لم تكن تستمد مصدرها من قانون الضمان الذى أصدرته الحكومة الايطالية، وانما كانت تستند على العرف الدولى الذى أعطاه بصفته رئيساً للكنيسة الكاثوليكية بعض الاختصاصات الدولية المحددة كتبادل المبعوثين أو عقد المعاهدات . وهويباشر هذه الاختصاصات بقصد رعايه المصالح الدينية الكاثوليكية، ومن ثم لم يملك البابا الاشتراك فى المؤتمرات التى تناقش فيها المصالح المادية فقط لأنه ليس رئيساً لدولة .

ولم يتغير هذا الوضع حتى بعد معاهدة لاتزان التى عقدت بين البابا وبين الحكومة الايطالية فى 11فبراير1929 والتى بمقتضاها تنازلت إيطاليا عن مدينة الفاتيكان وأخضعها لسلطانه .

 

وضع الفاتيكان فى القانون الدولى :

اعتقد بعض الفقهاء أن البابا قد استعاد بعد سنة 1929صفته كرئيس لدولة الفاتيكان. ولكن هذا الرأى لا يمكن التسليم به، فمدينة الفاتيكان لا يمكن اعتبارها دولة حيث ينقصها عناصرها . فمساحة اقليمها لا يتجاوز نصف كيلو متر. كما أنه ليس لها رعايا بالمعنى الصحيح ، فرعايها عباره عن موظفى الفاتيكان الرسميين الذين يفقدون رعويتهم ويعودون لجنسيتهم القديمة بمجرد تركهم لوظائفهم، وبالتالى تلزم مغادرتهم لمدينة الفاتيكان . ويبلغ عدد هؤلاء وأفرادها عائلاتهم 1000شخص

وزيادة على ذلك فأن الفاتيكان لا يباشر الاختصاص العام المعترف به للدول والذى يعد معيارها فيجب عليه التزام الحياد فى المنازعات السياسية، وهو لا يختص بالمعاقبة على الجرائم التى ترتكب فى مدينة الفاتيكان، وانما تتولى ذلك الحكومة الايطالية بناء على طلب من الفاتيكان . كما تباشر الحكومة الايطالية ادارة المرافق الخاصة بالفاتيكان من سكك حديدية وبريد وتلغراف وتليفون ومياه وكهرباء .

ويخلص مما تقدم أن السيادة الاقليمية التى تقررت للبابا على مدينة الفاتيكان بمقتضى معاهدات لاتزان، يقصد منها فقط تمكينه من مباشرة اختصاص كرئيس الكاثوليكية، ولا يترتب عليها اعتبار هذه المدينة دولة مستقلة .

والواقع أن شخصية البابا الدولية كانت ولا تزال تستمد مصدرها من صفته كرئيس دينى يملك السلطة الروحية على الكاثوليك فى العالم، وأنه خلافاً لأشخاص القانون الدولى من الدول لا يتمتع البابا باختصاصات عامة بل بأنواع معينة من الاختصاصات قصد منها المحافظة على مصالح الكنيسة الكاثوليكية التى يعتبر ممثلها فى المجتمع الدول .

ولم يتغير وضع البابا الدولى بعد الحرب العالمية الثانية، فقد أقره دستور الجمهورية الايطالية سنة 1948 الذى نص على وجوب احترام معاهدة لاتزان . ولم يشترك الفاتيكان فى مؤتمرات الصلح التى أعقبت تلك الحروب، ولا فى الأمم المتحدة؛ وذلك لأن المصالح التى تناقش فى هذه المؤتمرات وفى الأمم المتحدة مصالح دنيوية تخرج عن النطاق الذى يباشر فيه البابا شخصيتة الدولية .

ويتمتع مبعوثو الفاتيكان لدى الدول بالحصانات الدبلوماسية، ولقد جرى العرف الدولى على أن يتقدم مبعوثو البابا فى البلاد الكاثوليكية على مبعوثى الدول الكاثوليكية .

 

                                 ** الفــصل الثــانـــى **

                                     المنظمات الدوليــة

الاعتراف بالشخصية القانونية للمنظمات الدولية :

يقصد بالمنظمات الدولية هيئات تنشئها مجموعة من الدول بارادتها للاشراف على شأن من شئونها المشتركة، وتمنحها اختصاصات ذاتية تباشرها هذه الهيئات فى المجتمع الدولى، وفى مواجهة الاعضاء أنفسهم .

ولم يتم الاعتراف بالشخصية الدولية للاتحادات وللهيئات الدولية الا بعد مناقشات فقهية طويلة أدت إلى تطور الآراء الخاصة بالشخصية الدولية، وقد أنكر الفقهاء الاولون كيلنيك ولاباند، وبوريل شخصية الاتحادات الدولية . وذكروا أن الدولة هى شخص القانون الدولى الوحيد، أما الاتحاد الدولى فانه يعد فى نظرهم مجرد " علاقة قانونية " وليس شخصاً قانونياً .

ومنذ نهاية القرن التاسع عشر بدأ الفقهاء يعترفون بأن هناك جماعات وهيئات غير الدول تتمتع بالشخصية الدولية وتخضع للقانون الدولى العام. فقد بين ليفير أن فكرة الدولة وفكرة الشخصية الدولية فكرتان منفصلتان، واعترف بشخصية الاتحادات الدولية التى تباشر اختصاصاً ذاتياً، وذكر أنه من المستحيل انكار أن الدول تستطيع بدون أن تفقد سيادتها، أن تتنازل عن بعض حقوقها لهيئات تنشئها بأختيارها، فتمنحها بذلك الشخصية الدولية .

وقرر جيدل أن الاشخاص الدولية نوعان : أشخاص عادية وهى الدول، وأشخاص صناعية وهى كافة الوحدات الدولية التى تتولد عن ارادة الدول . وبين كافلجييرى أن نطاق القانون الدولى العام لا يقتصر على علاقات الدول فيما بينها بل يمتد أيضاً إلى العلاقات مع الهيئات .

ويخلص مما تقدم أن التطور الجديد فى القانون الدولى العام يميل إلى تأكيد شخصية المنظمات الدولية، وهذه المنظمات تستمد وجودها واختصاصاتها من أرادة الدول . ومن أمثلتها المنظمات الدولية العامة كعصبة الامم فى الماضى والامم المتحدة فى الوقت الحالى، والمنظمات الدولية الاقليمية كمنظمة الدول الأمريكية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الافريقية، والمنظمات المتخصصة كمنظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الطيران المدنى، كالوكالات المتخصصة التى أنشئت فى نطاق جامعة الدول العربية كمنظمة العمل العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم .

 

شروط تمتع المنظمات الدولية بالشخصية :

تنشأ شخصية المنظمات الدولية نتيجة لتنازل الدول لها اختيار عن بعض الاختصاصات، وهى لا تتعدى نطاق الغرض الذى وجدت المنظمة من أجله، وتستطيع المنظمة فى سبيل مباشرة الاختصاصات المعترف لها بها أن تدخل فى علاقات مع الدول ومع المنظمات الدولية الاخرى فتتبادل معها المبعوثين أو تعقد معها الاتفاقات .

وكيان هذه المنظمات متوقف على ارادة الدول التى أنشأتها، إذ أن هذه تملك على الدوام تعديل اختصاصها أو الغائها كلية .

على أنه يلزم لتمتع المنظمات الدولية بالشخصية الدولية توافر ثلاث شروط :

( أ ) أن يكون للمنظمة حق تكون ارادة ذاتية مستقلة عن ارادة الدول التى تدخل فى تكوينها، ويكون ذلك عن طريق مجالسها وجمعياتها التى تصدر قرارات بالاغلبية أو بالاجماع . ويرى البعض أنه يشترط لتمتع هذه المنظمات بالارادة الذاتية أن يكون لمجلسها حق اصدار القرارات بالاغلبية؛ لأنه إذا كان الاجماع لازماً ترتب على ذلك أن الارادة المنوبة للمنظمة تكون فى الحقيقة عبارة عن مجموع ارادت الدول الاعضاء،

والراجح أن تمتع المنظمة الدولية بالادارة الذاتية ليست بالحقيقة الواقعية وانما هو مجرد افتراض قصد منه أن ينسب للدول الاعضاء تصرفات تصدر من المنظمة نفسها، سواء صدرت بالاغلبية أو بالاجماع .

( ب ) أن يكون للمنظمة اختصاصات محددة لاتظهر شخصيتها الدولية الا فى حدودها . فليس معنى تمتع هيئة ما بالشخصية الدولية أن يكون لها حق مباشرة جميع ما للدولة من اختصاصات، وانما هى تباشر فقط الاختصاصات الى منحت لها فى الميثاق المنثئ لها وهى اختصاصات تقتصر فى العادة على بعض الأمور وبقصد تحقيق بعض الوظائف .

( جـ ) أن يحصل الاعتراف بشخصيتها من جانب الدول صراحة او ضمناً ويكون ذلك بقبول الدخول مع المنظمة فى علاقات دولية باعتبارها شخصية دولية مستقلة .

 

القانون الدولى يقر شخصية المنظمات الدولية :

يقر القانون الدولى فى الوقت الحالى تمتع المنظمات الدولية بالشخصية الدولية، وتنص المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية عادة على تمتعها بالشخصية القانونية . كما أنه قد تم ابرام عدة اتفاقيات دولية لتنظيم ممارسة هذه المنظمات الظاهرة شخصيتها، ولتحديد الحصانات التى يتمتع بها ممثلو الدولة لديها والموظفون الذين يعملون بها . ونشير فى هذا الصدد إلى الاتفاقات التى عقدت بشأن الامم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والوكالات الدولية المتخصصة .

 

نتائج الاعتراف بالشخصية القانونية :

يترتب على الاعتراف بالشخصية القانونية للمنظمات الدولية أن يكون لها وضع مستقل عن دولة المقر وعن الدول الاعضاء فيها، على أن تمتع المنظمات الدولية بالشخصية الدولية لا يترتب عليه الاعتراف لها بكل الحقوق التى يخولها القانون الدولى للدول ذات السيادة . وانما يترتب عليه تمتعها فقط بمظاهر الشخصية الدولية التى تتلاءم مع وظائفها وأهدافها كما تحددت فى الميثاق المنشئ لها .

ومن المقرر أن شخصية المنظمات الدولية تنتج آثارها فى مواجهة الدول الاعضاء، ولا تنتج هذه الآثار فى مواجهة الدول الآخرى الا إذا اعترفت بها . والسبب فى ذلك أن الدول غير الاعضاء تعتبر من الغير بالنسبة للاتفاقية المنشئة للمنظمة الدولية، ومن ثم لا تلتزم بأحكامها . كما أن سريان آثار الشخصية الدولية المنظمة فى غير حق أعضائها قد يضر بمصالح هذا الغير الذى قد يجد نفسه مضطراً لقبول ممارسة المنظمة لنشاط معين كان قاصرأ على الدول . وزيادة على ذلك ففى حالة أصابة الغير بأضرار نتيجة ممارسة المنظمة لنشاطها فانه قد يجد نفسه مضطراً لمساءلة المنظمة نفسها بدلا من الدول الاعضاء علماً بأن المنظمة قد تعجز عن تعويضه لضألة ميزانياتها. كما أنه يصعب اتخاذ اجراءات ثأرية فى مواجهة المنظمات الدولية، بينما يمكن اتخاذ مثل هذه الاجراءات فى مواجهة ممتلكات ورعايا الدول .

على أنه يستثنى مما تقدم الامم المتحدة التى استقر الرأى على تمتعها بالشخصية الدولية فى مواحهة كل دول العالم بما فى ذلك الدول غير الاعضاء . وهذا ماقررته محكمة العدل الدولية فى رأيها الخاص بالتعويض عن الأضرار التى تصيب شخصاً يعمل فى خدمة الامم المتحدة الصادر سنة 1949.

 

ولقد ذهب كثير من الفقهاء إلى القول بأن الوكالات المتخصصة العالمية المرتبطة بالامم المتحدة تعامل من حيث الشخصية القانون معاملة الامم المتحدة فتسرى شخصياتها القانونية فى مواجهة كل دول العالم دون حاجة إلى صدور اعتراف بها .

أما المنظمات المتخصصة الاقليمية فلا تتمتع بالشخصية القانونية فى مواجهة غير أعضائها الا إذا اعترفوا للمنظمة بذلك .

وتظهر الشخصية القانونية للمنظمات الدولية بصفة خاصة فى النواحى الآتية .

 

1-  الاهلية القانونية واهلية ابرام المعاهدات :

تملك المنظمات الدولية أهلية التعاقد والتملك . كما تستطيع ابرام الاتفاقيات الدولية . ولقد قرر بعض الفقهاء أن أهلية المنظمة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بميثاقها بمعنى أنها لا تمارس الا الأعمال والحقوق ولا تبرم الا الاتفاقات التى نص الميثاق المنشئ للمنظمة عليها ومنحها بذلك أهلية ممارستها . على أن الراجح هو الاعتراف للمنظمات الدولية بأهلية ممارسة كل عمل أو حق يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوظائف الممنوحة للمنظمة . وذلك على أساس أن المنظمات الدولية لها الحق فى ممارسة السلطات الممنوحة لها وكذلك السلطات اللصيقة بوظائفها .

 

2-  حق التقدم بمطالبات دولية :

يجوز للمنظمات الدولية أن تدخل فى علاقات مع الدول مع المنظمات الدولية الاخرى، وهى تملك الحق فى التقدم بمطالبات دولية . ومن أهم أمثلتها المطالبات المتصلة بالتعويضات عن الأضرار التى تصيب المنظمة أو تلحق بموظفيها .

 

3-  المسئولية الدولية :

يجوز مساءلة المنظمة الدولية عن الاضرار التى تصيب الغير نتيجة للمارسة المنظمة لنشاطها . ولقد سبق أن أوضحنا أن الغير الذى لم يعترف بالمنظمة قد يجد من مصلحته مساءلة الدول الاعضاء فى المنظمة بدلاً من مساءلة المنظمة نفسها .

 

4-  الحصانات والمزايا :

تتمتع المنظمة الدولية، ويتمتع ممثلو الدول الاعضاء فيها، كما يتمتع موظفوها بمجموعة من الحصانات والامتيازات القصد منها تسهيل ممارسة المنظمة لأعمالها، ويتم تحديد هذه الحصانات والامتيازات فى اتفاقيات تبرم مع دولة المقر ومع الدول الاعضاء فى المنظمة ومع الدول الاخرى التى تمارس المنظمة نشاطها فيها .

 

                                 ** الفصل الثالث **

                                 الـــفــــرد

تمهيد :

تقصد بالفرد فى هذا الفصل الانسان، وكذلك الاشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون الداخلى كالشركات والمؤسسات .

ومن اهم المشاكل القانونية فى الوقت الحالى المشكلة الخاصة بعلاقة الفرد بالقانون الدولى العام وبالمنظمات الدولية . ولايخفى أن القانون الدولى وأن كان يهدف مباشرة إلى تنظيم العلاقات بين الدول وإلى ايجاد حياة مشبعة بالأمن والرخاء فى كافة أرجاء الارض، فان الغرض والهدف الاخير من ذلك كله هو اسعاد بنى الانسان وتسهيل الحياة لهم فى اقامتهم وفى انتقالهم .

 

حقوق الافراد فى القانون الداخلى :

من الثابت أن الحقوق التى يتمتع بها الفرد الآن فى المجتمعات المتمدنة استخلصتها الشعوب من أيدى حكامها نتيجة لكفاح مرير، وتطور سياسى واجتماعى طويل المدى انتهى إلى الاعتراف للفرد بحقوق سياسية ومدنية واقتصادية تزيد أو تنقص وفقاً لمدى تطور كل مجتمع وظروفه الخاصة .

 

ولقد كان من نتائج سيادة المبادئ الديمقراطية أن نصت دساتير الدول المتمدنة على الاعتراف بحقوق أساسية للفرد تلتزم الدولة باحترامها .

ومع اختلاف فقهاء القانون الدستورى فى بيان أساس الحقوق الفردية، فقد اتفقوا على أنها سابقة على الدولة ومقيدة لها، وأنها تشمل الحقوق فى المساواة، والحريات العامة، والحقوق المدنية، وأنها حقوق سلبية؛ بمعنى أن الدولة تلتزم فقط بأحترامها وبأن تقوم بحمايتها وبمنع التعرض لها .

 

وابتداء من سنة 1919 حدث تطور فى مجال حقوق الانسان تحت تأثير تغير النظرة لوظيفة الدولة ولحقوق الافراد . وأصبحت الدول تلتزم بأن توفر لرعاياها، وعلى الخصوص للطبقات الضعيفة من السكان، مباشرة بعض الحقوق ذات الطابع الاقتصادى والاجتماعى كحق العمل، والحق فى الضمان الاجتماعى، والحق فى العلاج، مما يستتبع تدخل الدولة فى الميدان الاقتصادى والاجتماعى .

 

ويظهر هذا التطور واضحاً فى أحكام الدستور المصرى سنة 1971 الذى حدد فى المواد من 7إلى 72 حقوق المواطنين المصريين بما يجعلها تشتمل على حقوق اجتماعية وخلقية، وحقوق اقتصادية وحريات وحقوق عامة، وحقوق مدنية . وتتفق أحكام الدستور المصرى فى جملتها مع الاعلان العالمى لحقوق الانسان .

 

مركز الفرد فى القانون الدولى :

يثير مركز الفرد فى القانون الدولى جدلاً كبيراً، وسنعرض فيما يلى للآراء الفقهية ولاتجاهات العرف الدولى :

1-  موقف الفقة الدولى :

انقسم الفقة الدولى فيما يتعلق بهذا الموضوع وذلك على النحو الآتى :

( أ ) الفرد لا يعتبر من أشخاص القانون الدولى : يذهب الفقة التقليدى كما عبرت عنه المدرسة الوضعية إلى أن الدول هى أشخاص القانون الدولى، وأنها تتمتع بالسيادة، وهى تخلق قواعد القانون الدولى برضاها، وأن الفرد لا يتمتع بالشخصية الدولية . كما تقرر المدرسة الوضعية أن الفرد لايستطيع الاشتراك بطريقة ما فى العلاقات الدولية، وأن قواعد القانون الدولى العام لا يمكن أن تنطبق عليه مباشرة . وتنهى هذه المدرسة الى القول بأن الفرد يمكن اعتباره موضوعاً للقانون الدولى ولكنه لا يعتبر شخصاً من أشخاص ذلك القانون .

 

( ب ) الفرد هو الشخص الوحيد للقانون الدولى : تذهب بعض الاراء التى قال بها بعض أنصار المدرسة الاجتماعية والمدرسة الواقعية إلى انكار شخصية الدولة والى رفض نظرية السيادة الوطنية، وتقرر أن الأفراد هم الاشخاص الوحيدون للقانون الدولى، وأن الدولة ما هى الا وسيلة قانونية لادارة المصالح الجماعية لشعب معين . وعلى ذلك فكما تتكون الدولة من الافراد المنتمين لمجتمع وطنى، يتكون المجتمع الدولى من الافراد المنتمين للمجتمعات الوطنية المختلفة. وتخاطب قواعد القانون الدولى الافراد مباشرة سواء أكانوا حكاماً للدولة وهذا هو الوضع الشائع، كما أنها قد تخاطب المحكومين إذا ما تعلق الامر بحقوقهم ومصالحهم . ولقد لاقت هذه الاتجاهات تأييداً من محكمة نور مبرج حينما أكدت فى 1946 أن الجرائم التى ترتكب ضد القانون الدولى يرتكبها الافراد وليس الكيانات الاعتبارية .

 

( جـ ) الفرد له وضع خاص فيما يتعلق بالشخصية الدولية :

ذهب بعض الكتاب إلى الأخذ بموقف متوسط، ومن ذلك القول بأن الفرد ليس موضوعاً للقانون الدولى، وليس شخصاً من أشخاصه ولكنه يعتبر المستفيد النهائى من أحكامه . ومن ذلك أيضاً القول أن للفرد وضع الشخص الدولى، على أن أهلية لاكتساب الحقوق محددة، كما أنه لا يمارس هذه الحقوق بنفسه الا فى بعض الاحوال الاستثنائية .

 

2-  اتجاهات العرف الدولى :

لايزال القانون الدولى بعيدأ عن الاخذ باتجاهات المدارس الحديثة فيما يتعلق بمركز الفرد، فهو ينكر الشخصية الدولية للفرد، ومع ذلك فهو لا يستبعد تماماً من ميدان العلاقات الدولية . ويترتب على ذلك ما يلى :

1-  أن العلاقات الدولية علاقات بين الدول، وأن الفرد لا يمكنه أن يساهم فيها بصفته فرداً فهو لا يمكن أن يكون طرفاً فى معاهدة دولية، وهو لايساهم فى انشاء العرف الدولى، كما أن حماية حقوقة تتم عن طريق تبنى الدولة لمطالبات . وأخيراً فان الافراد لا يتحملون المسئولية الدولية ولا يشتركون فى المنظمات الدولية .

ولقد أكدت محكمة العدل الدولية الدائمة فى قضية مافروماتس أن مطالبات     الأفراد لا يمكن أن تدخل فى نطاق القانون الدولى الا حينما تتبناها دولة من الدول . وهذا الامر يعكس اتجاه المحكمة إلى الاخذ بالمدرسة التقليدية .

2-  على أن هذا لا يعنى أن القانون الدولى يستبعد الفرد نهائياً من ميدان العلاقات الدولية .

والسبب فى ذلك أنه على الرغم من عدم ظهور الفرد كطرف أصيل فى العلاقات الدولية، وعدم اشتراكه فى تكوين العرف الدولى وفى ابرام المعاهدات، فانه من المحتم أن تقوم علاقات متعددة ومتشعبة بين الافراد وبين أشخاص القانون الدولى . هذا فضلاً عن أن آثار العلاقات الدولية سواء فى وقت السلم أم فى الحرب تمس بطريقة غير مباشرة حقوق ومصالح الأفراد . ويترتب على ذلك أن الفرد كان محل اهتمام القانون الدولى، وأن اهتمام ذلك القانون به يتزايد فى كل يوم .

فقد أبرمت معاهدات دولية متعددة نصت على الأعتراف بحقوق معينة للفرد وللأقليات، ونشأ عرف دولى يحدد مركز الاجانب، وتعمل الامم المتحدة على ضمان حقوق الانسان، كما أصبح من المقرر جواز ارتكاب الفرد لجرائم دولية .

وسنتولى فيما يلى الكلام على مظاهر اهتمام القانون الدولى بالفرد .

 

                        اولاً : اكتساب الافراد للحقوق بمقتضى

                 اتفاقات الاقامة والاتفاقات الانسانية

 

من الشائع أن تبرم الدول فيما بينها ما يسمى باتفاقات الاقامة وهى تنظيم حقوق رعاياها فى الاقامة والعمل وفى ممارسة النشاط الاقتصادى فى أقاليم الدول الاطراف .

ومن ناحية أخرى تم ابرام العديد من الاتفاقيات ذات الطابع الانسانى, كالاتفاقات الخاصة بمنع الرق ومكافحة المخدرات, وبمنع الدعارة, والاتفاقات الخاصة بحماية العمال والمحافظة على حقوقهم المختلفة, والاتفاقيات الخاصة بحماية الانسانية فى البحار, ونصوص ميثاق الامم المتحدة التى فرضت التزامات لصالح الاقليم غير المستقلة بصفة عامة وشعوب الاقاليم الموضوعة تحت الوصاية .

 

ومن الواضح أن الاتفاقيات الدولية التى تقرر حقوقها للأفراد أو تضع أنظمة لحمايتهم لا تخلق عادة حقوقا مباشرة للافراد, وانما هى ترتب حقوقا والتزامات على الاطراف فيها, ويترتب على ذلك أن الافراد وان كانوا يستفيدون من الحقوق المقررة فى هذه الاتفاقيات, فانهم لا يمكنهم كفالة حماية هذه الحقوق لأنها لا تكون نافذة فى القانون الداخلى الا وفقا للقواعد المتعلقة بنفاذ المعاهدات فى داخل الدولة . وهذا ما قررته محكمة العدل الدولية الدائمة فى القضية باختصاص محاكم دانتزج حيث ذكرت " أنه وفقا لقاعدة مستقرة من قواعد القانون الدولى, لا تكون الاتفاقات الدولية بذاتها مصدرا لحقوق مباشرة للأفراد أو الالتزامات تقع على عاتقهم على أنه من الممكن أن تكون نية أطراف المعاهدة هى انشاء مثل هذه الحقوق أو الالتزامات بالنسبة للأفراد ونفاذها أمام المحاكم الداخلية " .

 

                       ثانيا : حماية الاقليات فى القانون الدولى

 

من الجائز أن يكون من بين رعايا الدولة جماعات تنتمى بجنسها أو بلغتها أو بدينها الى غير ما ينتمى اليه غالبية الرعايا, ومن هنا تنشأ مشكلة حماية الاقليات فى حالة تعرضها لاضطهاد من قبل الاغلبية .

 

وتقضى قواعد القانون الدولى العام التقليدى بأن الجماعة الدولية لا تستطيع التدخل فى العلاقة بين الدولة وبين فئة من رعاياها, الا اذا كان هناك التزام صريح على الدولة بمقتضى معاهدة دولية بأن تعامل فئة من رعاياها معاملة خاصة, وحالفت ذلك الالتزام .

ولقد نصت مجموعة من المعاهدات التى عقدتها الدول وبصفة خاصة منذ القرن الثامن عشر على بعض حقوق تتمتع بها الاقليات .

ومن ذلك أن الباب العالى التزام فى معاهدة باريس سنة 1856 وفى معاهدة برلين سنة 1878 بالمساواة فى المعاملة بين سائر رعاياه, وبحماية رعاياه المسيحيين من كل اعتداء . وعممت اتفاقية برلين الالتزامات الخاصة بالأقليات على الدول التى انفصلت عن تركيا فى ذلك الوقت وهى : رومانيا والصرب والجبل الاسود .

 

وقد وضع نظام خاص بحماية الاقليات فى معاهدات الصلح التى عقدت بعد الحرب العالمية الاولى مع كل من النمسا والمجر وبلغاريا وتركيا, وفى معاهدات الاقليات التى عقدت مع الدول التى نشأت حديثا كبولونيا وتشيكوسلوفاكيا ويوجوسلافيا ورومانيا واليونان, وفى تصريحات خاصة أبداها أمام مجلس عصبة الامم دول أخرى هى فنلندة والبانيا وليتوانيا واستونيا .

 

ويشمل النظام الخاص بحماية الاقليات الذى وضع بعد الحرب العالمية الاولى مجموعة من الالتزامات التى ألقيت على الدول المشتركة فى النظام لصالح الأقليات, كما كان يتضمن منح مجلس عصبة الامم سلطة الرقابة على تنفيذ هذه الالتزامات . ولقد اثار تطبيق النظام الخاص بالاقليات صعوبات كثيرة نظرا لتدخل الاعتبارات السياسية فى هذا الشأن, ولضعف سلطات عصبة الأمم . 

وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية, لم يوضع نظام خاص بحماية الاقليات فى معاهدات الصلح التى عقدت فى 10 فبراير سنة 1947 مع ايطاليا ومع غيرها من حلفاء ألمانيا. ومع ذلك نجد أنه قد نص فى هذه المعاهدات على التزام الدول التى كانت أعداء بأن تضمن لجميع الافراد الخاضعين لاختصاصها, بلا تمييز بسبب الاصل أو اللغة أو الدين أو الجنس – التمتع بحقوق الانسان وبالحريات الاساسية .

 

ولم يعط ميثاق الامم المتحدة اختصاصات معينة للأمم المتحدة فيما يتعلق بحماية الاقليات, وان وردت به نصوص أخرى تتعلق بحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية بصفة عامة كما سنشير لذلك فيما بعد . وهذه النصوص تستفيد منها الاقليات شأنها فى ذلك شأن باقى المواطنين .

 

                        ثالثا : مركز الاجانب فى القانون الدولى

 

الاجنبى هو كل شخص طبيعى أو اعتبارى لا يعتبره القانون المطبق فى الدولة من مواطنى الدولة أو من رعاياها .

والاجانب الموجودون فى اقليم الدولة يخضعون لسيادتها ولاختصاصها الاقليمى. ويحدد التشريع الداخلى لكل دولة النظام القانونى الذى يخضع له الاجانب . وحرية الدول فى هذا الشأن ليست مطلقة؛ اذ يجب عليها أن تراعى أحكام القانون الدولى الذى يلزم الدول بأن تعترف للأجنبى بمجموعة من الحقوق كما سنبين فيما بعد .

 

ولقد كان للأجانب وضع ممتاز فى الدول الشرقية التى خضعت لنظام الامتيازات الاجنبية كالدولة العثمانية والصين .  ولقد عاشت مصر زمنا طويلا تخضع للامتيازات الاجنبية, محرومة من ممارسة اختصاصها التشريعى والقضائى فى مواجهة الاجانب مما أدى الى تمتع الاجانب فى مصر بحقوق لا تتمشى مع المبادئ المقررة فى القانون الدولى لمعاملة الأجانب, واستردت مصر سيادتها فى مواجهة الاجانب بموجب اتفاقية مونتريه سنة 1937 التى حددت فترة انتقال انتهت فى 14 أكتوبر سنة 1949 . وينظم القانون رقم 26 لسنة 1975 الجنسية المصرية, من طريق تحديد المصريين الاصليين وأسباب اكتساب الجنسية المصرية . ويعتبر أجنبيا كل من لا يتمتع بالجنسية المصرية .

 

وابتداء من ذلك التاريخ بدأت مصر تصدر التشريعات التى تنظم مركز الأجانب وفقا لاحكام القانون الدولى .

 

دخول الاجانب الى الدولة :

( أ ) الجدل الفقهى :

اختلفت الآراء الفقهية حول حق الاجانب فى دخول اقليم الدولة والهجرة اليها .

ويقرر الرأى الأول ويتزعمه فيتوريا أن الدول لها الحق فى أن يتصل بعضها بالبعض الآخر؛ لانها تعيش فى المجتمع الدولى فى حالة تبعية متبادلة, يعتمد كل منها على الآخر . كما يقرر هذا الرأى أن الافراد لهم الحق فى التمتع بحرياتهم الشخصية بما فيما حرية الانتقال من مكان الى آخر .

ويترتب على ذلك أن يكون للأفراد الحق فى التنقل من دولة الى أخرى, وأن يوجد التزام على الدولة بعدم منع الهجرة الى اقليمها .

 

وعارض شراح آخرون وعلى رأسهم فانل هذا الرأى وقرروا أن الدولة تستطيع بما لها من سيادة اقليمية أن تمنع دخول الاجانب وهجرتهم الى اقليمها .

 

وذهبت بعض الآراء التوفيقية الى القول بأن الدولة لا تملك أن تمنع دخول الاجانب الى اقليمها منعا نهائيا, وأن هذا الأمر لا يمكن السماح به لانه يتعتبر مخالفا لميثاق الامم المتحدة وللاعلان العالمى لحقوق الانسان ( المادة 13/2 ) . ومع ذلك فان الدولة تملك بما لها من حق فى البقاء وفى الدفاع عن النفس أن تقيد الهجرة لاقليمها بما يتفق مع مصالحها, وأن تمنع دخول الاجانب غير المرغوب فيهم .

 

(ب) العرف الدولى :

من المقرر فى العرف الدولى أن الدولة – بما لها من سيادة – تستطيع تنظيم دخول الاجانب واقامتهم فى اقليمها . وترحب الدول عادة بقدوم الاجانب لاقليمها للسياحة أو بقصد عبوره الى دولة أخرى . وتختلف سياسة الدول فيما يتعلق بقبول هجرة الاجانب للتوطن فيها وفقا لظروفها السكانية ومدى احتياجها للعنصر الانسانى. وترحب بعض الدول غير المزدحمة بالسكان كالدول الامريكية واستراليا بهجرة الاجانب, على أنها تعمل على تنظيم هذه الهجرة عن طريق تحديد حجمها ووضع حصص مختلفة لطوائف المهاجرين .

وتمنع الدول دخول الاجانب غير المرغوب فى وجودهم على الاقليم.

وتعتبر الدول عادة من الاشخاص غير المرغوب فى دخولهم الافراد الذين يثيرون المتاعب ضدها, وكذلك المحكوم عليهم بعقوبات والمتشردين والعاطلين والمصابين بأمراض معدية . كما تتشدد الدول فى دخول الاجانب فى بلادها اذا كان دخولهم بقصد العمل أو الاشتغال بمهنة حرة وذلك حماية لمواطنيها .

 

وتشرط الدول عند السماح للأجانب بالدخول فى اقليمها اعطاء المعلومات الكافية عن أنفسهم, وتلزمهم عادة بالحصول على جواز سفر صادر من دولتهم, وعلى تأشيرة دخول صادرة منها, وتكلفهم بابلاغ السلطات المحلية عن محال اقامتهم, وكل تغيير يحصل فيها, وأن تمنعهم من الاقامة فى جهات معينة كالمناطق العسكرية وما أشبه ذلك .

وتمنح الدولة للأجنبى الحق فى الاقامة فى اقليمها خلال فترة معينة قد تطول أو تقصر بحسب مدى ارتباطه بها .

وينظم القانون رقم 89 لسنة 1960 دخول الاجانب واقامتهم فى مصر, وتعتبر أحكامه تطبيقا للقاعدة العامة بأن للدولة سلطة تقديرية فى قبول الاجانب فى اقليمها, وفى منحهم حق الاقامة المؤقتة أو العادية أو الدائمة .

 

حقوق الاجانب الموجودين فى اقليم الدولة :

كانت الدول فى العصور القديمة والوسطى تحتقر الاجانب كقاعدة عامة وتعاملهم وفق هواها. ولكن الوضع تغير بعد ذلك؛ اذ تبين أنه من الضرورى الاعتراف للأجانب بحقوق متنوعة, وذلك على اعتبار أن الاجنبى يدخل فى تكوين المجتمع الانسانى الذى يخضع لسيادة الدولة وأنه قد يساهم بعمله أو بماله فى نشاط ذلكح المجتمع .

( أ ) الحد الادنى لحقوق الاجانب :

استقر العرف الدولى على أن الاجانب يتمتعون فى مواجهة الدولة التى يوجدون فى اقليمها بحد أدنى من الحقوق لا يجوز حرمانهم منه, ويجوز للدولة أن تزيد من حقوقهم بموجب اتفاقات دولية أو تشريع داخلى .

ويميل بعض الفقهاء – وبصفة خاصة من أمريكا اللاتينية – إلى رفض مبدأ الحد الادنى ويطالبون بضرورة اقرار مبدأ المساواة فى المعاملة بين الاجانب وبين المواطنين . ويؤكدون أن مبدأ المساواة يمكن استنتاجه بمراجعة عدد كبير من المعاهدات الدولية الخاصة بالاجانب ومن أحكام القضاء الدولى، كما أنه قد تأيد فى الاعلان العالمى لحقوق الانسان .

وبمقتضى المبدأ السابق نجد أن الدولة تلتزم بحماية الاجنبى الموجود على اقليمها، وأن المركز القانونى للأجنبى يجب أن يكون مساوياً كقاعدة عامة للمركز القانونى الذى يتمتع به الوطنى، كما أن الاجنبى يجب ألا تزيد حقوقه على حقوق الوطنى .

ويعارض أنصار الحد الادنى لحقوق الاجانب مبدأ المساواة بين المواطنين والاجانب، ويقرون أنه من المتصور أن مواطنى دولة من الدول يكونون محرومين من التمتع بالحقوق المقررة للأفراد فى العالم المتمدن، ومن ثم يكون من الضرورى الاعتراف للأجانب الموجودين فى تلك الدولة بالحد الادنى من الحقوق المقررة لهم فى القانون الدولى . ومن ناحية أخرى نجد كثيراً من الدول تحرم الاجانب من التمتع ببعض الحقوق التى تجعلها قاصرة على المواطنين ولا تمنحهم الا الحد الادنى لحقوق الاجانب الموجودين فى تلك الدول يحتوى على حقوق أقل من حقوق المواطنين .

 

( ب ) حقوق الاجانب التى تدخل فى نطاق الحد الادنى :

اختلفت الفقهاء فى تحديد الحقوق التى تدخل فى نطاق الحد الأدنى لحقوق الاجانب وذلك بسبب غموض العرف الدولى وعدم تحديده بصفة قاطعة وتميل الدول المستقلة حديثاً إلى تحديد التزاماتها قبل الاجانب فى أضيق الحدود، لأن الاجانب كانوا يتمتعون فى ظل الحكم الاستعمارى بحقوق واسعة النطاق، وكانت هذه الحقوق تزيد أحياناً عن حقوق المواطنين .

ويمكننا على ضوء العرف الدولى المقبول بصفة عامة تحديد حقوق الاجانب على النحو الآنى :

 

1- تمتع الاجانب بالحقوق العامة :

يتمتع الاجنبى بالحقوق العامة كحقه فى احترام حريته وشخصيته، وكحرية الفكرية والعقيدة، كما أن له حق التمتع والانتفاع بالمرافق العامة الموجودة فى الدولة . للأجنبى كذلك الحق فى اللجوء إلى المحاكم وفى التمتع بحماية سلطات الدولة التى يقيم فيها، ولكن لا يجوز له أن يطالب بحماية أكثر من الحماية المقررة للوطنيين، وعلى الخصوص إذا ما ذهب إلى دولة يكثر فيها، بسبب بعض الظروف، والتعرض للمخاطر .

 

2- للأجنبى الحق فى أكتساب الاموال وفقاً للقوانين الداخلية، ويثير حق الملكية واستثمار الاموال الاجنبية بعض الصعوبات فى مجال تحديد الحد الادنى لحقوق الاجانب نظراً لارتباط هذا الموضوع بسيادة الدولة الدائمة على ثرواتها الطبيعية ومواردها الاقتصادية، ولاختلاف السياسات الوطنية والاجتماعية فيما يتعلق بحق الملكية .

ومن المقرر فى العرف الدولى أن للدولة أن تقيد ملكية الاجانب لبعض الاموال، ويظهر ذلك فى مجال الملكية العقارية وبصفة خاصة ملكية الأراضى الزراعية، وفى مجال ملكية الشركات التجارية والصناعية وملكية السفن والطائرات .

3- الاستثمار الاجنبية :

 ولكل دولة الحق فى تنظيم استثمار الاجانب لأموالهم بدون تمييز مجحف، فلها أن تحدد المجالات المفتوحة للاستثمار الاجنبى وأن تخضعه للأنظمة المحلية، ولها أن تفرض التزامات معينة لصالح الاقتصاد القومى كتشغيل المواطنين والاحتفاظ بجانب من الارباح فى الدولة التى يقوم فيها الاستثمار .

وتلتزم الدولة باحترام العقود التى تبرمها مع المستثمرين الاجانب والا تعرضت للمسئولية الدولية .

وتتجه الدول التى تحتاج لأموال أجنبية لاغراض التنمية إلى توضيح مضمون الحقوق التى تتمتع بها الاستثمارات الاجنبية، وقد تزيد عن الحد الادنى الدولى تشجيعاً للاستثمارات الاجنبية فى بعض المجالات التى تحتاج لمعدات وخبرات خارجية .

وينظم القانون رقم 43لسنة 1974المعدل بالقانون رقم 32لسنة 1977 فى شأن استثمار المال العربى والمناطق الحرة – الاستثمارات الاجنبية فى مصر . وتنطبق أحكامه على الاموال العربية والأجنبية التى توافق " الهيئة العامة لاستثمار المال العربى والمناطق " على استثمار فى مصر فى مجالات النشاط الاقتصادى التى حددها القانون .

وقد تضمن القانون الاحكام التالية :

1-  تعتبر المشروعات المنتفعة بأحكام هذا القانون من شركات القطاع الخاص بغض النظر عن طبيعة الاموال الوطنية المساهمة فيها، واستثناء من أحكام قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام سنة 1971.

2-  تعفى الارباح الناجمة عن حصة رأس المال الاجنبى من الضريبة على الارباح التجارية والصناعية لمدة خمس سنوات

3-  لاتخضع المبانى السكنية المنشأة بالاموال المستثمرة لتحديد القيمة الايجارية المنصوص عليه فى قانون ايجار المساكن 1969 أو فى أية قوانين لاحقة .

4-  يجوز تحويل صافى الربح إلى الخارج بذات العملة التى ورد بها بسعر السوق وقت التحويل، على أنه فيما يتعلق بايرادات المساكن يحدد مجلس الوزراء شروط ونسب التحويل . ويجوز تحويل حصة من أجور العاملين الاجانب إلى الخارج على ألا تتجاوز 50% من مجموع المرتبات والاجور التى يتقاضونها .

5-  يجوز بموافقة مجلس ادارة هيئة استثمار المال العربى والمناطق الحرة أعادة تصدير رأس المال الاجنبى الذى تم استثمار وفقاً لاحكام القانون .

6-  تتمتع الاموال المستثمرة فى المنطقة الحرة باعفاء ضريبى كامل، وباعفاء من قوانين الشركات المساهمة والنقد .

 

4- حقوق الاجانب فى حالة تأميم أموالهم :

للدولة السيادة الدائمة على مواردها الاقتصادية، وهى تملك أن تنزع ملكية الاموال المملوكة للأجانب للمنفعة العامة أو أن تقوم بتأميمها للصالح القومى .

ولقد قرر البعض أن للدولة مطلق التصرف فى هذا الشأن، على أن العرف الدولى يشترط لنزع ملكية الاموال الاجنبية أو تأميمها أن يكون ذلك تحقيقاً لمنفعة عامة أو لصالح قومى ومقابل دفع تعويض عادل .

ولقد استقر حق الدولة فى التأميم فى العرف الدولى وأقرته الجميعة العامة للأمم المتحدة، وذلك رغم الادعاءات القديمة التى كانت تقرر أن التزام الدولة بأحترام ملكية الاجانب للأموال التى يكتسبونها بالتطبيق للتشريع المحلى أو لعقد أبرمته الدولة مع الاجانب يجعل من غير المشروع الاستيلاء على هذه الاموال بدون موافقتهم .

وتتولى الدولة تقدير اعتبارات المصلحة العامة أو المنفعة العامة, ولا يجوز لها أن تلجأ لنزع الملكية أو لتأميم بدون وجود هذه المنفعة أو المصلحة العامة. ويجب أن يتم نزع الملكية أو التأميم وفقا للاجراءات القانونية السليمة التى يتطلبها التشريع المحلى وبدون تمييز بين الاجانب وفق جنسيتهم .

 

ويختلف الرأى حول معنى التعويض العادل فبينما تطالب الدول الغربية بأن يكون هذا التعويض كاملا وفوريا وقابلا للتحويل للخارج يبين العرف الدولى أن عدالة التعويض تتطلب مراعاة امكانيات الدولة التى قامت بالتأميم ومدى ما حصل عليه الاجانب من أرباح فى الماضى . ولقد قامت بعض الدول النامية على هذا الاساس بدفع تعويضات جزئية تدفع على اقساط وبالعملة المحلية كما اعتبر بعضها من قبيل التعويض العادل اعطاء المستثمر سندات بفائدة ثابتة . وعلى أن بعض الدول النامية كاندونيسيا رفضت فكرة التعويض أساس .

 

ولقد نصت المادة 35 من دستور جمهورية مصر العربية سنة 1971 على أنه " لا يجوز التأميم الا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض " .

كما وضع قانون الاستثمار العربى والمناطق الحرة سنة 1971 بعض الضمانات فيما يتعلق بتأميم الاستثمارات التى تم بمقتضاه . فلقد أعفت المادة 45 الاموال المستثمرة فى المناطق الحرة من أحكام قوانين التأميم وقررت المادة الثانية بالنسبة للأموال المستثمرة خارج المنطقة الحرة عدم جواز فرض الحراسة عليها أو تأميمها أو نزع ملكيتها الا لمصلحة عامة ومقابل تعويض عادل وبناء على القوانين السارية . ويراعى فى تقدير التعويض قيمة الاموال وقت الاستيلاء عليها, ويجب أن يتم التقويم خلال ستة أشهر, كما يتم تحويل التعويض بنفس العملة أو العملات التى ورد بها .

وفى حالة قيام نزاع على تقدير قيمة التعويض, يكون من حق المستثمر طلب عرض النزاع على لجنة تحكيم تشكل من عضو عن المستثمر, وعضو عن هيئة الاستثمار وعضو آخر تكون له الرئاسه ويختاره العضوان الآخران من بين المستشارين بالهيئات القضائية العليا فى مصر .

وتتشابة الاحكام الواردة فى القانون المصرى مع ما تجرى عليه التشريعات فى العراق وسوريا والسودان والجزائر, ومع الاحكام الواردة فى المادة السادسة من اتفاقية استثمار رؤوس الاموال وانتقالها بين الدول العربية الموافقة فى 29/8/1970 بين الدول الاعضاء فى اتفاقية الوحدة الاقتصادية العريبة .

 

5- العمل :

للأجنبى حق العمل فى اقليم الدولة التى يوجد فيها, على أن العرف الدولى وكذلك التشريع المصرى يجرى على أن من حق الدولة تقييد حرية مزاولة الاجانب لبعض الاعمال وذلك لاعتبارات خاصة كحماية عمالها مثلا . كما أن لها أن تقتصر بعض المهن – لما لها من خطورة اجتماعية أو اقتصادية على رعاياها كمهنة الطب أو المحاماة أو الصيدلة أو استغلال المناجم أو بناء السفن والطائرات أو التجارة أو أعمال البنوك أو التأمين او الاستيراد, أو المهن الضرورية لمعيشة فئات خاصة من السكان كالصيد الساحلى أو الملاحة الساحلية . كما قررت لائحة العاملين بالقطاع العام الصادرة بالقرار الجمهورى رقم 159سنة 1966أنه يشترط لتعيين الاجنبى أن تكون الدولة التى ينتمى إليها تقبل تعيين الرعايا المصريين بالمثل .

ولقد نص القانون رقم 89لسنة 1960 الخاص بأقامة الاجانب على التزام من يستخدم أجنبياً للعمل فى مصر بأن يقدم إلى مقر البوليس الذى يقع محل العمل فى دائرته أخطاراً بذلك .

ومن المعتاد أن تطلب الدولة من الاجنبى أن يحصل على ترخيص بالعمل قبل أن يتمكن من ممارسة أية عمل، وأن يكون مصرحاً له بالاقامة فى الدولة .

 

6- تمتع الاجانب بالحقوق الخاص أو المدنية :

يتمتع الاجانب بالحقوق الخاصة أو المدنية كالحقوق العائلية وكمباشرة العقود .

 

الالتزامات التى يتحملها الاجانب والقيود التى ترد على حقوقهم

يمكن تلخيص الالتزامات والقيود التى يتحملها الاجانب المقيمون فى أقليم الدولة على النحو الآتى :

1-  يلتزم الاجانب بأحترام كافة القوانين واللوائح المطبقة فى اقليم الدولة ويجب عليهم دفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة . ولا يلتزم الاجنبى بالالتزامات المبنية على الولاء كالخدمة العسكرية . على أنه يجوز تكليف الاجانب فى حالة الطوارىء أو الخطر الداهم بأداء بعض خدمات البوليس أو المطافىء لمقاومة الكوارث من حريق أو فيضان .

2-  للدولة أن تمنع الاجانب من مباشرة بعض الحريات كحرية الاجتماع، ويفسر ذلك بمقتضيات دفاع الدولة عن نفسها، كما يجوز لها أن تمنعهم من ممارسة بعض الشعائر الدينية علناً، أو من انشاء مؤسسات تعليمية أجنبية .

3-  ليس للأجانب حق مباشرة الحقوق السياسية لأنها تنبنى على علاقة وثيقة بين الوطنى ودولته، كما لايجوز للأجانب كقاعدة عامة تولى الوظائف العامة، أو الحصول على التزام بادارة مرفق عام، أو ممارسة أى حق يكون مقصوراً وفقاً للقانون المحلى على مواطنى الدولة .

4-  للدولة أن تحرم الاجانب من الانتفاع ببعض المرافق العامة التى تكون موجهة أساساً للوطنين كالتعليم مثلاً .

5-  يجوز أتخاذ اجراءات أمن خاصة فى مواجهة الاجانب مثل اشتراط أن يسجلوا أسماءهم فى مراكز الشرطة .

 

مغادرة الاجانب لاقليم الدولة :

للاجنبى الحق فى مغادرة اقليم الدولة طالما أنه ليس مدنياً لها بالتزامات وطالما أن حريته ليست مقيدة نتيجة لارتكابه لجريمة تستدعى توقيع العقاب عليه .

ويجوز للدولة تنظيم عملية خروج الاجانب من اقليمها، ومن هذا القبيل أن المادة السادسة من قانون سنة 1960تقرر أنه يجوز لوزير الداخلية أن يتطلب حصول الاجانب على تأشيرة خروج . ولقد صدر قرار وزير الداخلية رقم 29لسنة 1960 الذى اشترط حصول الاجنبى على تأشيرة خروج قبل مغادرة لاقليم الدولة الا إذا كانت اقامته لم تزد على ستة شهور أو كان من السائحين الذين حصلوا على تأشيرة دخول سياحية .

 

ابعاد الاجانب :

للدولة السيادة على اقليمها، وعليها واجب المحافظة على كيانها وهى تملك ابعاد أى أجنبى موجود على اقليمها إذا ظهرت خطورته على الأمن أو النظام أو الآداب أو الصحة العامة، أو الاقتصاد القومى، أو لغير ذلك من الاسباب التى تبرر استعمال هذا الحق دون مغالاة أو تحكم . أما رعايا الدولة فلهم بهذه الصفة حق الوجود على أرضها، فلا يمكن ابعادهم، وكذلك يستحسن عدم ابعاد عديمى الجنسية إذا لم توجد دولة أخرى تقبلهم على اقليمها . ويجب ألا يؤدى الابعاد إلى تسليم مستتر للمطاردين السياسيين للدولة التى تريد محاكمتهم .

ولقد قررت المادة 13 من الميثاق الدولى للحقوق المدنية والسياسية حق الاجنبى فى التظلم من قرار الابعاد ما لم تتطلب ذلك أسباب اضطرارية متعلقة بالأمن القومىغير ذلك .

ويقوم الاجنبى المبعد باختيار الدولة التى يريد الذهاب اليها, والا تولت الدولة التى أمرت بابعاده نقله الى دولته أو الى اية دولة تقبل دخوله اقليمها .

وينظم القانون رقم 89 لسنة 1960  ابعاد الاجانب من مصر .

ويقضى القانون المذكور بأن لوزير الداخلية بقرار منه ابعاد الاجانب ولا يجوز ابعاد الاجانب ذوى الاقامة الخاصة الا بشرطين :

 

أولا : أن يكون فى وجودهم ما يهدد أمن الدولة أو سلامتها فى الداخل أو الخارج, أو اقتصادها القومى, او الصحة العامة, او الآداب العامة, أو السكنية العامة, أو ان يكون الاجنبى عالة على الدولة .

 

ثانيا : أن يأخذ رأى لجنة نص عليها القانون للنظر فى الابعاد .

أما الاجانب ذوو الاقامة العادية أو المؤقتة فتترخص الادارة فى ابعادهم حيث أن القانون لم يضع قيودا تتعلق بابعادهم .

وسلطة الادارة فيما يتعلق بالابعاد, تخضع لرقابة القضاء الادارى شأنها فى ذلك شأن كافة القرارات الادارية . ولقد حكم مجلس الدولة المصرى بأنه " وان كانت الدولة هى التى تقدر ما يصلح أو لا يصلح لأن يكون سببا لابعاد الاجنبى الا أنه يجب ألا نتعسف فى استعمال هذا الحق" . كما حكم المجلس بأن عدم أخذ رأى لجنة الابعاد يؤدى لبطلان قرار الابعاد .

ولقد تضمن القانون رقم 79 لسنة 1960 بيان بعض الاجراءات الخاصة بتنفيذ قرار الابعاد, فقد أجاز لوزير الداخلية أن يأمر بحجز يرى ابعاده (م 28 ) .

كما أنه يجوز لمدير مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية أن يفرض على الاجنبى – الذى صدر قرارا بابعاده وثبت استحالة تنفيذه – الاقامة فى جهة معينة والتقدم الى مقر الشرطة المختص فى المواعيد التى يعينها القرار وذلك الى حين امكان ابعاده ( المادة 17 ) .

ولا يسمح للأجنبى الذى سبق ابعاده بالعودة الى مصر الا بقرار من وزير الداخلية ( المادة 18 ) .

ويعاقب من امتنع عن تنفيذ قرار الابعاد أو خالفه بالحبس مع الشغل مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن سنتين, وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا يزيد عن مائتى جنيه .

 

تسليم المجرمين :

هو قيام الدولة التى يقيم فيها أجنبى – متهم بارتكاب جريمة أو محكوم عليه بعقوبة – بتسليمة الى الدولة صاحبة الاختصاص القضائى, لمحاكمته أو لتنفيذ العقوبة عليه .

1-  هل يوجد التزام بقبول طلب التسليم ؟ :

أقرت الدول فى تشريعاتها الداخلية وفى معاهداتها نظام تسليم المجرمين كما جرت على الأخذ به ولو لم توجد معاهدة, وذلك لانه يقوم على مبدأ التعاون الدولى فى ألا تبقى بعض الجرائم بدون عقاب نتيجة لهرب الحانى من اقليم الدولة صاحبة الاختصاص .

ولكن هل يفرض القانون الدولى التزاما على الدولة التى فر اليها المجرم الاجنبى بقبول طلب تسليمه الى الدولة صاحبة الاختصاص حتى اذا لم تكن هناك معاهدة بين الدولتين تقضى بذلك؟ ذهب البعض الى وجود التزاما من النوع يبنى على التضامن الدولى واعتبارات العدالة, وقال آخرون ان كل دولة تستطيع استنادا الى سيادتهم رفض طلب التسليم طالما أنها لا تربط بمعاهدة تسليم مجرمين مع الدولة طالبة التسليم . وهذا الرأى  الثانى هو الذى يتفق مع الوضع الراهن للقانون الدولى العام ومع ما تجرى عليه الدول .

 

2- شروط تسليم المجرمين :

(أ) تشترط الدول عادة لقبول طلب التسليم أن تكون الجريمة معاقبا عليها بمقتضى قوانين الدولة المطلوب اليها التسليم, وأن تكون على درجة من الجسامة, وأن تكون هناك أدلة كافية لمحاكمة المتهم أو لتبرير الحكم الصادر عليه . ويجب قبل اجابة طلب التسليم اجراء تحقيق للتأكيد من توافر شروط التسليم ومن أن الشخص المطلوب تسليمه قد ارتكب الجريمة أو اشتراك فيها, وأن هذه الجريمة تدخل فى الاختصاص القضائى للدولة طالبة التسليم .

 

(ب) وترفض بعض الدول وبصفة خاصة الدول الاوربية تسليم رعاياها, بينما يقبل البعض الآخر كالولايات المتحدة الامريكية وانجلترا تسليم الرعايا احتراما الاختصاص الاقليمى .

(جـ) ولا يجوز التسليم اذا كانت الجريمة عسكرية بحتة بحيث لا تعتبر من جرائم القانون العام .

( د ) ويقرر العرف الدولى عدم جواز تسليم المجرمين السياسيين, ومن الصعب وضع تعريف جامع للجريمة السياسية, فالقوانين والمعاهدات لم تحددها تحديدا واضحا . والمحاكم تكتفى فى أغلب الاحيان بافصل فيما اذا كانت الجريمة موضوع الاتهام سياسية أو غير سياسية دون أن تضع تعريفا للجريمة السياسية. وكذلك لم يتفق الشراح على تعريفها وان كانوا أجتمعوا على اعتبار بعض الجرائم المعينة سياسية كالجرائم التى تقع ضد سلامة الدولة أو أمن الحكومة فى الداخل أو الخارج ويتوسع البعض فيقرر أن الجريمة السياسية هى التى يكون الباعث على ارتكابها سياسيا ولو كانت تتكون من أفعال تعتبر فى الاصل جرائم عادية . وتأخذ البلاد الانجلوسكسونية بنظرية مؤداها أن الجريمة ذات الصفة السياسية هى التى تكون مرتبطة باضطراب سياسى وترتكب فى سبيل تحقيق الغابة منه . ويكون الفصل فيما اذا كانت الجريمة  سياسية أو غير سياسية للدولة المطلوب منها التسليم .

 

وأوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13 فبراير سنة 1946 باتخاذ كافة التدابير التى تؤدى للقبض على المسئولين عن جرائم الحرب والجرائم الموجهة ضد السلام وضد الانسانية, وتسليمهم للدول التى ارتكبوا فيها أعمالهم حتى يتسنى محاكمتهم ومعاقبتهم طبقا لقوانين هذه البلاد . ومعنى ذلك أن جرائم الحرب قد أخرجت من عدد الجرائم السياسية فيجوز فيها طلب التسليم استثناء من قواعد القانون الدولى العام . ولقد أفتى مجلس الدولة المصرى بتاريخ 11 يونيو سنة 1947, وكان ذلك بمناسبة طلبات قدمت للحكومة المصرية لتسليم المجرمين من هذا النوع, بأن توصية الجمعية العامة, لا تلزم الحكومة المصرية, لانها تولد التزاما لابد من عرضه على البرلمان للموافقة عليه حتى يمكن للحكومة المصرية تنفيذه, فضلا عن أن مصر لم تنضم الى الاتفاق الخاص بمحاكمة كبار مجرمى الحرب المبرم فى 7 أغسطس سنة 1945 .

 

(هـ) ونشير أخيرا الى أن العرف الدولى جرى على عدم جواز تسليم الاشخاص المتمتعين بالاعفاءات القضائية كرؤساء الدول ورجال السلك الدبلوماسى, فاذا ارتكب أحد هؤلاء جريمة فى اقليم دولة لا يخضع لقضائها ثم لجأ الى دولة أخرى فلا يجوز تسليمه للدولة التى ارتكب الجريمة على اقليمها . واذا ما زالت صفة هؤلاء الرسمية فيجوز تسليمهم, وانما يشترط حسب الرأى الراجح ان يكون طلب التسليم عن جرائم ارتكبوها بعد زوال صفتهم فلا يجوز تسليمهم عن جرائم أتوها فى أثناء تمتعهم بالاعفاءات .

 

أحكام تسليم المجرمين فى جمهورية مصر العربية : 

تنص المادة 52 من دستور جمهورية مصر العربية 1971 على أن " تسليم اللاجئين السياسيين محظور " .

ولا يحتوى نظامنا القانونى على تشريع خاص يبين أحكام تسليم المجرمين, ومع ذلك فقد ارتبطت جمهورية مصر العربية مع الحكومات العربية بمعاهدات لتسليم المجرمين , فضلا عن أنها تتبع قواعد العرف الدولى فيما يتعلق تسليم المجرمين التى تصل اليها من الدول التى لا ترتبط معها بمعاهدات من هذا النوع .

 

1- تسليم المجرمين فى علاقات جمهورية مصر العربية بدول الجامعة العربية :

دخلت دول الجامعة العربية فى اتفاقية لتسليم المجرمين أبرمت فى 9 يوينو سنة 1953 . وقبل هذا التاريخ أبرمت مصر الوفاق المصرى السودانى سنة 1902 , كما عقدت اتفاقا مع العراق فى سنة 1931 .

وقد تضمنت اتفاقية الجامعة العربية لتسليم المجرمين التزام الدول الموقعة على الاتفاقية بتسليم المجرمين الذين تطلب اليها احدى هذه الدول, ولا يكون التسليم واجبا الا اذا توافر شرطان :

 

1-  أن تكون الجريمة المطلوب التسليم من أجلها جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة سنة أو بعقوبة أشد فى قوانين كلتا الدولتين ( طالبة التسليم والمطلوب اليها التسليم ), أو يكون المطلوب تسليمه عن مثل هذه الجريمة محكوما عليه بالحبس لمدة شهرين على الاقل .

أما اذا كان الفعل غير معاقب عليه فى قوانين الدولة المطلوب اليها التسليم أو كانت العقوبة المقررة للجريمة فى الدولة طالبة التسليم لا نظير لها فى الدولة المطلوبة اليها التسليم – فلا يكون التسليم واجبا الا اذا كان الشخص المطلوب من رعايا الدولة طالبة التسليم أو من رعايا دولة أخرى تقرر نفس العقوبة .

2-  أن تكون الجريمة المطلوب التسليم من اجلها قد ارتكبت فى أرض الدولة طالبة التسليم . أما اذا كانت قد ارتكبت خارج أرض الدولتين – طالبة التسليم والمطلوب اليها – فلا يكون التسليم واجبا الا اذا كانت قوانين الدولتين تعاقب على ذات الفعل اذا وقع خارج أرضها .

كما قررت الاتفاقية بعض الاحكام العامة المتعلقة بتسليم المجرمين, ويمكن تلخيصها على النحو الآتى :

( أ ) لا يجوز التسليم اذا كان الشخص المطلوب تسليمه قد سبقت محاكمته عن الجريمة التى يطلب تسليمه من أجلها فبرئ أو استوفى العقاب أو كان قيد التحقيق أو المحاكمة عن ذات الجريمة المطلوب تسليمه من أجلها فى الدولة المطلوب اليها التسليم .

واذا كان الشخص المطلوب تسليمه قيد التحقيق أو المحاكمة عن جريمة أخرى فى الدولة المطلوبة اليها التسليم فان تسليمه يؤجل حتى ينتهى محاكمة وتنفيذ فيه العقوبة المحكوم بها .

(ب) لا يجرى التسليم اذا كانت الجريمة أو العقوبة قد سقطت بالتقادم وفقا لقانون احدى الدولتين طالبة التسليم أو المطلوب اليها التسليم الا اذا كانت الدولة طالبة التسيلم لا تأخذ بمبدأ السقوط بالتقادم, وكان الشخص المطلوب تسليمه من رعاياها أو من رعايا دولة أخرى لا تأخذ بهذا المبدأ .

(جـ) لايجرى التسليم فى الجرائم السياسية, وتقدير كون الجريمة سياسية متروك للدولة المطلوب اليها التسليم, على أن التسليم يكون واجبا فى الجرائم الآتية التى لا تعتبر جرائم سايسية فى حكم الاتفاقية :

1-  جرائم الاعتداء على الملوك ورؤساء الدول أو زوجاتهم أو أصولهم وفرعهم.

2-  جرائم الاعتداء على أولياء العهد .

3-  جرائم القتل العمد .

4-  الجرائم الارهابية .

( د ) لا يجوز تسليم الرعايا : يجوز للدولة المطلوب اليها التسليم الامتناع عنه اذا كان الشخص المطلوب تسليمه من رعاياها على أن تتولى هى محاكمته .

(هـ) واذا تقدمت للدولة المطلوب اليها التسليم عدة طلبات مختلفة بشأن متهم بذاته من أجل نفس الجريمة فتكون الاولوية فى التسليم للدولة التى أضرت الجريمة بمصالحها, ثم للدولة التى ارتكبت الجريمة فى أرضها, ثم للدولة التى يتمنى اليها المطلوب تسليمه .

أما اذا كانت طلبات لتسيلم خاصة بجرائم مختلفة فيكون الاولوية للدولة التى طلبت التسليم قبل غيرها .

( و ) لا يحاكم الشخص فى الدولة طالبة التسليم الا عن الجريمة التى قدم طلب تسليمه من أجلها, والافعال المرتبطة بها, والجرائم التى ارتكبها بعد تسليمه . على أنه اذا كان قد أتيحت له وسائل الخروج من أراضى الدولة المسلم اليها ولم يستفيد منه خلال ثلاثين يوما فانه تصبح محاكمته عن الجرائم الاخرى .

 

واذا تعارضت أحكام اتفاقية تسليم المجرمين لدول الجامعة العربية مع أحكام احدى الاتفاقات الثنائية التى ترتبط بها دولتان من الدول المتعاقدة تطبق هاتان الدولتان الاحكام الاكثر تيسرا لتسليم المجرم ( المادة 18 ).

 

3-  تسليم المجرمين فى علاقات مصر بباقى دول العالم :

تتبع مصر العرف الدولى فيما يتعلق بتسليم المجرمين وذلك فى علاقاتها بغير دول الجامعة العريبة المنضمة لاتفاقية تسليم المجرمين وتجرى الحكومة على أن تقبل طلبات تسليم المجرمين التى ترد من الحكومات الاجنبية بشرط ألا تتعارض هذه الطلبات مع قواعد القانون الدولى العام, وبشرط معاملة المثل بالمثل . ولقد أفتى مجلس الدولة المصرى بأن عدم وجود معاهدات لتبادل تسليم المجرمين بين مصر وبعض الدول لا يمنعها من اجراء تسليم الاجانب الى الدول التى تطالب بهذا التسليم وفقا للقواعد العامة فى هذا الشأن وعلى اساس المعاملة بالمثل . ولا تسلم حكومة جمهورية مصر العربية الأجنبى فى الجرائم التافهة, كما أنها لا تسلم رعاياها, ولا تسلم المجرمين السياسيين .

 

رابعا : مجهودات الامم المتحدة لاعلان حقوق الانسان وضمانها

تمهيد :

شهد العالم قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية أبشع الاعتداءات على الحقوق الاساسية للفرد, فلما انتهت الحرب طالب الرأى العام العالمى بمعاقبة المسئولين عن ذلك, وبالعمل على ايجاد الضمانات الدولية الكفيلة بحماية حقوق الانسان .

 

وقد نص ميثاق الأمم المتحدة فى ديباجته على " أن شعوب الامم المتحدة تؤكد ايمانها بالحقوق الاساسية للانسان وبكرامة الفرد" . ونص فى مادته الاولى على أن تعمل الامم المتحدة على احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس جميعا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين وبلا تفريق بين الرجال والنساء. ثم تكرر بعد ذلك النص على ضرورة احترام حقوق الانسان عند الكلام على المجلس الاقتصادى والاجتماعى, وعلى الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتى, وعلى نظام الوصاية .

ووفقا لنصوص ميثاق الامم المتحدة يختص المجلس الاقتصادى والاجتماعى, وكذلك الجمعية العامة بتقديم التوصيات المتصلة بحماية حقوق الانسان, الا اذا ما كان هناك اخلال بالسلم والأمن الدولى أو تهديد له ففى هذه الحالة يختص مجلس الامن . ولقد أنشئت لجنة خاصة تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة تعمل فى ميدان حماية حقوق الانسان .

وكان من نتيجة هذه النصوص أن أصبح من المقرر أن المسائل المتصلة بحماية حقوق الانسان تخرج عن نطاق الامور المتصلة بصميم الاختصاص الداخلى وتخضع لاشراف دولى. ولقد مارست الأمم المتحدة نشاطا واسع النطاق لتحقيق هذا الاشراف .

ففى الميدان السياسى ناقشت العديد من المسائل المتصلة بحماية حقوق الانسان. وأدانت الجمعية العامة ومجلس الأمن فى مرات متعددة المخالفات التى ارتكبتها الحكومات ضد حقوق الانسان وبصفة خاصة فيما يتعلق بسياسة التفرقة العنصرية التى تمارسها حكومة جنوب افريقيا .

أما فى الميدان القانونى فلقد أقرت الجمعية العامة مجموعة من الوثائق المتصلة بحماية حقوق الانسان ومن بينها الاعلان العالمى لحقوق الانسان سنة 1948, واعلان حقوق الطفل سنة 1959, والاعلان الخاص بالقضاء على كل صورة التمييز العنصرى سنة 1963, والاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على التمييز العنصرى سنة 1965, واتفاقية الحقوق المدنية والسياسية سنة 1966واتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية سنة 1966, واعلان القضاء على التمييز ضد المرأة سنة 1967, واعلان حق اللجوء الاقليمى سنة 1967, واتفاقية جنسية المرأة المتزوجة سنة 1967.

على ان ميثاق الامم المتحدة لم يعط الانسان حقاً مباشراً فى أن يتولى بنفسه وعن غير طريق دولة من الدول حماية حقوق بطريقة دولية . فلقد حرمه الميثاق من أن يكون بذاته طرفاً فى شكوى معروضة على الامم المتحدة، كما حرمه من اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ولم ينشئ محكمة خاصة بحماية حقوق الانسان . وعلى هذا فقد استمرت حماية حقوق الانسان تتم فى الوقت الحالى عن طريق تبنى دولة من الدول لمطالبات الافراد، وبهذا تنتقل المطالبات إلى النطاق الدولى بالشروط التى سنوضحها عند الكلام على المسئولية الدولية .

و-نظراً لأهمية الاعلان العالمى لحقوق الانسان ومواثيق حقوق الانسان، فسنتكلم عنها فيما يلى :

 

الاعلان العالمى لحقوق الانسان :

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعلان العالمى لحقوق الانسان فى 10ديسمبرسنة 1948، ويشمل على ثلاثين مادة .

1-  وذكرت الجمعية بأنها تنادى بهذا الاعلان العالمى لحقوق الانسان على أعتبار أنه المثل الأعلى المشترك الذى ينبغى أن تصل إليه كافة الشعوب والامم حتى يسعى كل فرد وهيئة فى المجتمع فى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية، وأتخاذ اجراءات مطردة قومية وعالمية لضمان الاعتراف بها، ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الاعضاء نفسها وشعوب البلاد الخاضعة لسلطانها .

 وذكر الاعلان فى مادته الثانية أن لكل أنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة فيه . دون أى تمييز، من حيث الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو الراى السياسى أو أى رأى آخر، دون أى تفرقة بين الرجال والنساء، وفضلاً عن ذلك، يجب ألا يكون هناك تمييز أساسه الوضع السياسى أو القانونى أو الدولى للبلد الذى ينتمى إليه الفرد سواء كان هذا البلد مستقلاً، أو تحت الوصاية، أو غير متمتع بالحكم الذاتى أو كانت سيادته خاضعة لقيد ما .

وحدد الاعلان مضمون الحقوق المعترف بها للانسان، ولم يتبع منهج الاعلانات والدساتير التقليدية التى اعترفت للانسان بالحقوق السياسية فقط بل أضاف إليها حقوقاً اقتصادية واجتاعية وثقافية .

 

2-  وذهب البعض كالأستاذ برينيه إلى أن الاعلان العالمى لحقوق الانسان ملزم قانوناً لكافة الدول أعضاء الامم المتحدة باعتبار أنه مكمل لميثاق هذه الهيئة الذى فرض كما بينا احترام حقوق الانسان، وبهذا أخذت بعض المحاكم الأمريكية كمحكمة استئناف كاليفورنيا التى رفضت فى حكمها فى قضية ( شاى فيجى ) بتاريخ 24ابريل سنة 1950تطبيق قانون الولاية الخاص بملكية الاجانب للأراضى على اعتبار أنه يحرم اليابانيين من الملكية العقارية، وأن هذا التمييز فى المعاملة بين الاجانب مخالف للاعلان العالمى لحقوق الانسان .

ونحن لا نعتقد أن الاعلان العالمى لحقوق الانسان يكمل ميثاق الأمم المتحدة وذلك لانه لم تتبع بالنسبة لاصداره الاجراءات اللازمة لتعديل الميثاق, بل صدر على هيئة قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمعلوم أن قرارات الجمعية العامة تعتبر توصيات غير ملزمة . ولكن هذا لا ينفى أن لاعلان حقوق الانسان قيمة أدبية كبيرة باعتباره المثل الأعلى الذى يجب أن تصل إليه كافة الشعوب .

وبهذا الرأى أخذت المحكمة الدستورية النمسوية بتاريخ 5أكتوبر سنة 1950حين قررت أن الاعلان غير ملزم قانوناً .

 

الميثاق الدولى للحقوق المدنية والسياسية :

أقرت الجمعية العامة فى 16ديسمبر سنة 1966 الميثاق الدولى للحقوق المدنية والسياسية الذى دخل فى حيز التنفيذ سنة 1976.

 

ولم يفرض الميثاق حقوقاً أكثر من تلك التى استقرت فى الدساتير الحديثة كحق الفرد فى الحياة، وحقه فى الحرية وسلامة شخصه، وحقه فى الفكر والاعتقاد والدين، وحقه فى حرية التعبير، وحرية الاجتماع، وحقه فى الانتقال وحقه فى المساواة وحقه فى اللجوء إلى القضاء، وحقه فى تشكيل النقابات، وفى الزواج وتكوين الاسرة، وفى المشاركة فى الحياة العامة، وفى أن ينتخب ويرشح نفسه للانتخاب . كما نص الميثاق على حق الشعوب فى تقدير مصيرها .

 

وتلتزم الدولة التى تصدق على الميثاق بتنفيذ كافة أحكامه فور تصديقها عليه . ولقد أقام الميثاق نظاماً يختص بالاشراف على تطبيق نصوصه . فنص على انشاء لجنة تسمى " لجنة حقوق الانسان " مؤلفة من 18عضواً يختارون بناء على مستواهم الخلقى الرفيع وكفايتهم فى ميدان حقوق الانسان، كما يؤخذ فى الاعتبار أشراك بعض الاشخاص ذوى الخبرة القانونية . ويختار هؤلاء الأشخاص من بين مرشحى الدول الاطراف فى اجتماع عام لاطراف الميثاق . وتقوم الدول الاطراف فى الميثاق بتقديم تقرير إلى اللجنة فى خلال عام من نفاذ الاتفاقية عن الاجراءات التى اتخذتها لتنفيذ ما ورد بها . كما تقدم اللجنة ما تطلبه من تقاير .

ويجوز لاطراف الميثاق قبول اختصاص اللجنة بنظر المنازعات المتصلة باحترام أحكامها، وفى هذه الحالة يمكن للدولة التى قبلت اختصاص اللجنة إذا رأت أن دولة من الدول التى تقبل اختصاص اللجنة فى نظر المنازعات خالفت نصاً من نصوص الميثاق أن تلفت نظرها وتطلب منها احترام الميثاق .

فان لم يسو الأمر فى خلال ستة أشهر يكون لاى من الدولتين احالة الموضوع إلى لجنة حقوق الانسان . وتختص اللجنة بأن تتحرى عناصر النزاع وتتقدم بمساعيها الحميدة بغرض الوصول إلى حل ودى على أساس احترام حقوق الانسان، ويجب عليها أن تتأكد اولا من استنفاد جميع الحلول المحلية، فان لم تنجح مساعى اللجنة جاز لها أن تشكل لجنة توفيق خاصة، فاذا عجزت لجنة التوفيق عن الوصول إلى حل فى خلال سنة، قدمت تقريراً بالوقائع وبوجهة نظرها . وتقدم اللجنة تقريراً سنوياً للجمعية العامة بواسطة المجلس الاقتصادى والاجتماعى .

ميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية :

وافقت الجمعية العامة على الميثاق الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى 16ديسمبر سنة 1966الذى دخل فى حيز التنفيذ سنة 1976.

ويضمن الميثاق عددا من الحقوق للانسان بدون تمييز بسبب الاصل أو اللون أو الجنس أو الدين وهى الحق فى العمل وفى الاجر وفى الضمان الاجتماعى, وفى مستوى معيشى مناسب, وفى الصحة البدنية والعقلية, وفى الثقافة, وفى التعليم على أن يكون التعليم الابتدائى مجانيا والزاميا. ونص الميثاق على أن يتم ضمان هذه الحقوق تدريجيا وبدون تمييز .

ويلاحظ أن الميثاق لم ينشئ جهازا للرقابة على تنفيذ الدول الالتزاماتها فى ميدان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وانما اكتفى بالنص على أن تقدم الدول المنضمة للميثاق تقارير دورية عن مدى احترامها للحقوق الواردة فى الميثاق  للأمين العام للأمم المتحدة الذى يرسل نسخة منه للمجلس الاقتصادى والاجتماعى . ويجوز للمجلس الاقتصادى والاجتماعى أن يرسل هذه التقارير للجنة حقوق الانسان، كما يجوز له أن يقدم توصيات للجمعية العامة .

 

حق الملجا للاقليمى :

يقصد باللاجئين الاشخاص الذين يقيمون خارج أوطانهم الاصليه نتيجة الخوف من الاضطهاد بسبب الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو القومية أو لمقاومتهم للاستعمار .

ويهتم الرأى العام العالمى بوضع اللاجئين بناء على الاعتبارات الانسانية والاجتماعية، ولما قد يثيره وجود اللاجئين من مشاكل سياسية قد تؤدى إلى اضطراب الأمن الدولى .

ولقد ازداد الاهتمام بوضع اللاجئين منذ أن قرر ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمى لحقوق الانسان حق الاشخاص المضطهدين فى الحصول على ملجأ .

وأهم الاتفاقيات الدولية التى تنظم وضع اللاجئين الاتفاقية التى أبرمت سنة1952، ولقد حددت هذه الاتفاقية الحد الادنى للحقوق والتى يجب أن يتمتع بها اللاجئون بما فى ذلك الحق فى المحاكمة العادلة وفى العمل والتعليم والضمان الاجتماعى وحرية العقيدة . كما نظمت اكراههم على العودة إلى البلد الذى فروا منه، وأوصت بتسهيل تجنسهم .

كما انشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة هيئات للاشراف على شئون اللاجئين وأهمها مكتب المندوب السامى لشئون اللاجئين، ووكالة الأمم المتحدة لاغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم .

ولمواجهة المشكلات التى تواجهها الدولة مانحة الملجأ نتيجة لاعتراض الدولة التى يتبعها اللاجئ بجنسيته أو للنفقات المالية التى يستلزمها استيعاب عدد كبير من اللاجئين فقد أصدرت الجمعية العامة الاعلان الخاص باللجوء الاقليمى فى 14ديسمبر 1967. وهو يقرر وجوب احترام الملجأ الذى تمنحه احدى الدول للمضطهدين السياسيين، وضرورة التعاون لتخفيف أعباء الدولة مانحة الملجأ . كما قررت المادة53 من الدستور المصرى سنة 1971منح حق الالتجاء السياسى لكل أجنبى اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الانسان أو السلام أو العدالة .

 

خامساً : مساءلة الافراد جنائياً عن مخالفة أحكان القانون الدولى

 

أصبح من المقرر فى العرف الدولى أن الافراد يجوز محاكمتهم جنائياً عن الاخلال ببعض قواعد القانون الدولى . وأن هذه المحاكمة قد تتم أمام محاكم دولية يمثل أمامها الافراد بصفتهم الشخصية . ومن أمثلة الجرائم الدولية، جرائم الحرب، وجرائم القرصنة، والجرائم المرتكبة ضد أمن الانسانية كابادة الاجناس البشرية .

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق