الوجيز في
القانون الدولي
أ.د. محمد
حافظ غانم
استاذ
القانون الدولى بجامعه عين شمس
https://prabook.com/web/mohamed_hafez.ghanem/1346620
الجزء الثالث
العلاقات الدولية
------------
يحتوى هذا
الجزء على أربعة ابواب :
الباب
الاول : العلاقات الدبلوماسية والقنصلية.
الباب
الثانى : المعاهدات .
الباب
الثالث : المسئولية الدولية .
الباب
الرابع : المنازعات الدولية .
مقدمة :
تتناول
بالدراسة فيما يلى العلاقات الدولية بالمعنى الضيق أى العلاقات التى تقوم بين
الدولة باعتبارها من أشخاص القانون الدولى العام وبين الدول الاخرى والمنظمات
الدولية . ومن الطبيعى ألا تشمل دراستنا العلاقات التى تخرج بطبيعتها عن نطاق القانون
الدولى لاتصالها بعلوم أخرى كالسياسة والاقتصاد مثلاً . وعلى ذلك فسوف تنحصر
الدراسة أساساً فى الاشكال القانونية والدبلوماسية التى تتم فى أطارها العلاقات
الدولية .
وسوف نبدأ
بدراسة العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وذلك على أعتبار أن البعثات الدبلوماسية
والقنصلية هى الاجهزة التى تقوم عادة بادارة العلاقات الدولية . وننتقل بعد ذلك
إلى دراسة المعاهدات وهى تعبر عن اتفاقات تتم بين الدول لتنظيم علاقات دولية معينة
. ثم نتقل لدراسة المسئولية الدولية التى تمثل صورة غير اتفاقية للعلاقات الدولية
. ولما كان قيام المنازعات والخلافات أمر طبيعى فى ميدان العلاقات الدولية . فلهذا
سوف ينتهى هذا الجزء بدراسة المنازعات الدولية ووسائل تسويتها بالطرق السليمة .
**
الباب الاول **
العلاقات
الدبلوماسية والقنصلية
ادارة
علاقات الدولة مع الدول الاجنبية ومع المنظمات الدولية :
بينا أن كل
دولة تجد نفسها مضطرة للاتصال بصفة مستمرة بالدول الاخرى وبالمنظمات الدولية بقصد
حماية وتدعيم مصالحها القومية من سياسية و اقتصادية وثقافية، وحماية حقوق رعاياها،
والمساهمة فى تحقيق السلام والرخاء فى العالم .
ومهما كان
شكل الدولة أو نظام الحكم فيها فهى لا تستطيع بوصفها جماعة تتمتع بالشخصية
القانونية الاتصال بغيرها من الدول وبالمنظمات الدولية الا عن طريق أفراد يملكون
اختصاص تمثيلها والتحدث باسمها .
ولقد أوضحت
محكمة العدل الدولية الدائمة فى رأيها الاستشارى بخصوص المستوطنين الألمان فى
بولندة فى سنة 1923هذا المعنى حيث قررت ما يأتى : " ولا تستطيع الدول التصرف الا عن طريق
عمالها وممثليها " .
ويتولى
القانون الداخلى لكل دولة تحديد الاشخاص الذين يملكون اختصاص تمثيل الدولة فى
علاقاتها الدولية وبيان اختصاصاتهم . وفضلاً عن ذلك يحتوى القانون الدولى على مجموعة
من القواعد تنظم طريقة الاتصال السلمى بين الدول، وتحدد وسائل التعامل بين ممثلى
الدول المختلفة .
وينقسم
الجهاز الذى يتولى تمثيل الدولة وادارة علاقاتها الخارجية إلى فرعين :
فرع مركزى
يقيم فى الدولة ويهيمن على علاقاتها الدولية، وفرع خارجى وهو عبارة عن البعثات
الدبلوماسية التى ترسلها الدولة إلى الدول الآخرى وإلى المنظمات الدولية لتمثيلها
والتعبير عن رأيها فى كافة الشئون .
وإلى جانب
البعثات الدبلوماسية تنشئ الدولة بعثات قنصلية تقيم فى الدولة الاجنبية، وتعهد
إليها باختصاصات معينة تغلب عليها الصفة التجارية والادارية .
**
الفصل الأول **
الجهاز
الداخلى المختص بادارة العلاقات الدولية
يحدد
دستور الدولة وتشريعها الجهاز الداخلى المختص بتمثيلها فى علاقاتها مع الدول
الآخرى ومع المنظمات الدولية . ويحتوى القانون الدولى على بعض القواعد التى تحكم نشاط
هذا الجهاز . ويوجد على رأس الجهاز الداخلى رئيس الدولة وبجانبه وزير الخارجية .
**
المبحث الأول **
رئيس الدولة
الرئيس
الاعلى للدولة :
لكل دولة
رئيس أعلى يحددة دستورها الداخلى، وتختلف تسميات الرئيس الأعلى وأوصافه وألقابه فى
الدول المختلفة فهو أحياناً ملك أو سلطان أو أمير أو شيخ أو رئيس جمهورية، وقد
يكون الرئيس فرداً واحداً أو هيئة جماعية كالمجلس الاتحادى السويسرى .
ويشترط
القانون الدولى أن تخطر الدولة الدول الاخرى باسم رئيس الدولة وألقابه، وأن يتم
الاعتراف به كممثل أعلى للدولة . ولا يثير الاعتراف برئيس الدولة صعوبة الا فى
حالتين وهما :
1- إذا كان الاعتراف
بألقاب رئيس الدولة يتضمن الاعتداء على حقوق دولة أخرى، ومثال ذلك أن ملك ايطاليا
اتخذ بعد فتح الحبشة فى سنة 1926 لقب امبراطور الحبشة . ومن حق الدول الاخرى أن
ترفض الاعتراف بلقب رئيس الدولة إذا لم يكن له سند مشروع .
2- إذا تولى رئيس الدولة منصبة عقب ثورة أو انقلاب،
وفى هذه الحالة يرتبط الاعتراف برئيس الدولة بالاعتراف بتغيير نظام الحكم .
وتقوم الدولة بأخطار الدول الاخرى بأى تعديل يطرأ على
رئاسة الدولة، ويقوم رؤساء البعثات الدبلوماسية بتقديم أوراق اعتماد باسم رئيس
الدولة الجديدة .
الاختصاصات الخارجية لرئيس الدولة :
يقرر
القانون الدولى أن رئيس الدولة الأعلى, بغض النظر عن النظام السياسى السائد فى
الدولة, له سلطات واسعة فى ميدان العلاقات الدولية, فهو الذى يرسل ويستقبل البعثات
الدبلوماسية والقنصلية, ويبرم المعاهدات والاتفاقيات الدولية, وجميع التصرفات التى
يأتيها رئيس الدولة باسم دولته تنسب اليها وتلتزم بها .
ويتقيد
اختصاص رئيس الدولة فى ميدان العلاقات الدولية بالحدود الواردة فى دستور دولته .
وفى الأنظمة الرئاسية يعتبر رئيس الدولة السلطة المختصة يتكوين ارادة الدولة فى
ميدان العلاقات الدولية وباعلان هذه الارادة بنفسه أو بمن ينوب عنه . أما فى
الانظمة البرلمانية فيقتص دور رئيس الدولة على اعلان ارادة الدولة التى تم تكوينها
بمعرفة رئيس الحكومة والاجهزة الاخرى المختصة . وفى كافة البلاد الديمقراطية تشترط
السلطات التشريعية مع رئيس الحكومة فى اقرار بعض التصرفات فى ميدان العلاقات
الدولية كالموافقة على المعاهدات واعلان الحرب .
ويثور
البحث عن الحكم فى حالة تخطى رئيس الدولة للقيود المفروضة على سلطته؟ كما لو كان
دستور الدولة يشترط اقرار البرلمان لبعض أنواع العلاقات الدولية قبل موافقة رئيس
الدولة ثم قام رئيس الدولة بالتصرف دون الحصول على موافقة البرلمان .
ويرى فوشى
أن النصوص الدستورية تقيد اختصاص رئيس الدولة فى الميدان الدولى, وأن ما يأتيه
مخالفا للدستور لا يكون ملزما لدولته .
وتذهب
أكثرية الشراح الى أن تجاوز النصوص الدستورية الداخلية لا يترتب عليه بطلان تصرفات
رئيس الدولة, ويعللون رأيهم بأنه من العسير على الدول الاخرى التحقق من هذه
النصوص, فضلا عن أن محاولة البحث فى مدى سلطات رئيس الدولة, يعد تدخلا فى الشئون
الداخلية للدولة .
ونعتقد أنه
يجب التمييز بين المخالفات الصريحة للدستور, والمخالفات التى تكون محلا لنزاع
يتعلق بتفسير النصوص .
فبالنسبة
للنوع الاول من المخالفات , لا تنتج تصرفات رئيس الدولة المخالفة صراحة للدستور
آثارها فى حق الدولة, اما بالنسبة للنوع الثانى فلا تجوز المناقشة فى صحة تصرفات
رئيس الدولة التى لا تتضمن مخالفة واضحة للدستور؛ لأن المناقشة فى تفسير النصوص
الدستورية تكون من صميم اختصاصات السلطات الوطنية .
أختصاص
رئيس جمهورية مصر العربية فى ميدان العلاقات الدولية :
تنص المادة
73من دستور جمهورية مصر العربية سنة 1971" على أن رئيس الدولة هو رئيس
الجمهورية " .
ولرئيس
الجمهورية بوصفة رئيساً للدولة حق تكوين وأعلان ارادة جمهورية مصر العربية فى
ميدان العلاقات الدولية مع مراعاة القيود التى أدخلت على أختصاصاته فى الدستور
فيما يتعلق بابرام المعاهدات وأعلان الحرب .
وينتج عن
ذلك اعتبار رئيس جمهورية مصر العربية الممثل الأعلى للدولة فى الميدان الخارجى فهو
الذى يضع، باشتراك مع الحكومة، السياسة العامة للدولة ( المادة 137 من الدستور ) . ويعين
المبعوثين الدبلوماسيين، ويعتمد رجال السلك الدبلوماسى والقنصلى الاجنبى ( المادة
143 من الدستور)، وهو الذى يجرى المفاوضات مع الدول الاجنبية بنفسه أو بمن يختاره
لذلك، وهو الذى يعلن الحرب ( المادة
150من الدستور )، ويبرم المعاهدات ( المادة 151) .
على أن
المادة 150من الدستور اشترطت موافقة مجلس الشعب على أعلان الحرب.
كما أن
المادة 151من الدستور اشترطت موافقة مجلس الشعب على معاهدات الصلح والتحالف
والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو
التى تتعلق بحقوق السيادة أو التى تحمل خزانة الدولة شيئاً من النفقات غير الواردة
فى الموازنة .
حصانات
رئيس الدولة :
لرئيس
الدولة وضع قانونى ينتج عن كونه رمز الدولة وممثلها الأعلى فى ميدان العلاقات
الخارجية . ورئيس الدولة ذات السيادة لا يخضع لاية سلطة أجنبية هذا فضلاً عن تمتعه
بكثير من الامتيازات . فاذا وجد فى اقليم دولة أجنبية فهو يتمتع بالحصانات
الشخصية، فلا يجوز القبض عليه، وتجب حمايته من كل اعتداء، وهو يتمتع كذلك بالحصانة
القضائية فى المسائل المدنية والجنائية . ويستثنى من هذه القاعدة الدعاوى العقارية
الخاصة بعقارات مملوكة لرئيس الدولة فى الخارج فهذه يجوز رفعها عليه اللهم الا إذا
كان مقيماً بالعقار محل النزاع . ويعفى رئيس الدولة الاجنبية من جميع الضرائب
الشخصية، وأنما يدفع الضرائب العقارية، كما يعفى من دفع الرسوم الجمركية ويتمتع
مسكنه خارج الاقليم باعفاء قضائى كامل، فلا يجوز التعرض له بأية صورة .
ولرئيس
الدولة حينما يوجد فى خارج دولته الحرية التامة فى الاتصال بكافة الوسائل باقليم
دولته، كما أن له أن يباشر ادارة شئون دولته طالما أنه لا يعتدى على سيادة الدولة
التى يوجد فيها .
ولا يتمتع
رئيس الدولة بهذه الحصانات إذا كان مسافراً تحت اسم مستعار .
وينتهى
تمتع رئيس الدولة بالحصانات بزوال صفته كرئيس للدولة سواء بتنازله أو بعزله أو
بانتهاء مدة رئاسته، على أن الدول جرت على الاحتفاظ له بعد ذلك ببعض الامتيازات
على أساس المجاملة .
**
المبحــث الثانى **
وزير الخارجية
مركز وزير
الخارجية فى الدول المختلفة :
لما كان
رئيس الدولة لا يتمكن عملاً من ادارة الشئون الخارجية بنفسه فقد وجد إلى جانبه
وزير الخارجية الذى يرأس وزارة الخارجية، وهى تحتوى على الادارات الخاصة بمباشرة
علاقات الدولة مع الدول الاخرى ومع المنظمات الدولية . ودور وزيرالخارجية تظهر أهميته من الناحية السياسية
فى الدول البرلمانية، فمهمة وزير الخارجية فى تلك البلاد اشراك البرلمان فى ادارة
السياسة الخارجية للدولة لأنه يكون مسئولاً أمام البرلمان عن تصرفات وزارته .
أما فى
الدول ذات الانظمة الرئاسية فيكون وزير الخارجية مسئولا أمام رئيس الدولة ومنفذاً
لسياسته .
ووزير
الخارجية هو الناطق بلسان الدولة فى الميدان الخارجى، ويصدر تعليمات إلى البعثات
الدبلوماسية والقنصلية التى توفدها الدولة إلى البلاد الاخرى . وهو يتصل بوزارات
خارجية الدول الاخرى وبرؤساء بعثاتها الدبلوماسية . ويدخل معهم فى مفاوضات لحماية
مصالح دولته ولحل ما قد يطرأ من مشكلات . ولقد أصبح من المألوف عقب الحرب العالمية
الاخيرة حصول اجتماعات بين وزارة خارجية الدول المختلفة، وفضلاً عن ذلك فان جامعة
الدول العربية، ومنظمة الوحدة الافريقية، وجامعة الدول الامريكية، وحلف الاطلنطى،
ومجلس أوربا تجعل من بين هيئاتها مجالس مكونة من وزارء خارجية الدول الاعضاء .
ولوزير
الخارجية سلطة التوقيع على المعاهدات والاتفاقات الدولية .
ويقوم وزير
الخارجية أيضاً بالاتصال بالمنظمات الدولية باصدار التعليمات إلى مبعوثى دولته
لديها، كما يعتبر وزير الخارجية المسئول الاول عن تمتع رجال البعثات الدبلوماسية
والقنصلية الموجودين فى دولته بالحصانات المقررة لهم .
ولقد جرى
القضاء فى كثير من الدول على الاعتراف بحجية اقرارات وزير الخارجية أمام المحاكم
أمام المحاكم بالنسبة للمسائل الآتية :
( أ )
الاعتراف بالدولة وبالحكومات الاجنبية . فاذا قرر وزير الخارجية أن دولة ما أو
حكومة ما أصبحت حكومة معترف بها التزمت المحاكم الداخلية برأيه .
( ب )
الاعتراف بالتغيرات الاقليمية التى تتم فى الدولة الاجنبية .
( جـ ) بدء
وانتهاء حالة الحرب مع دولة أجنبية .
( د )
تحديد الاشخاص الذين يتمتعون بالحصانات الدبلوماسية .
( هـ )
تحديد نطاق اختصاص القضاء الانجليزى فى الدولة الاجنبية .
كما ذهب
مجلس الدولة الفرنسى الى أن تفسير المعاهدات يجب أن يترك لوزير الخارجية وأن
المحاكم تلتزم بالتفسير الذى يقرره .
ولا تأخذ
المحاكم فى دول أخرى بهذا الاتجاه فلا تعتبر اقرارات وزير الخارجية فى المسائل
السابقة ملزمة للمحاكم. وهذا ماجرى عليه العمل أمام مجلس الغنائم وأمام المحاكم
العادية فى مصر التى قامت بالبت فى بعض هذه المسائل ذات الطابع الدولى, مثل حالة
الحرب, والحصانات الدبلوماسية, وتفسير المعاهدات . على أننا نعتقد أنه من الافضل
أن يترك للقضاء الفصل فى بعض المسائل الدولية التى تغلب عليها الاعتبارات السياسية
لوزير الخارجية و أهمها المسائل المتصلة بتحديد موقف الدولة بالنسبة للاعتراف
بالدول والحكومات وبحالة الحرب .
مركز وزير
الخارجية فى جمهورية مصر العربية :
يأخذ دستور
جمهورية مصر العربية لسنة 1971بنظام يجمع بين بعض خصائص النظام الرئاسى وبين بعض
خصائص النظام البرلمانى، فرئيس جمهورية مصر العربية هو منتخب بواسطة الشعب يتولى
مسئولية رسم سياسة الدولة بالاشتراك مع الحكومة, وهو يعين وزير الخارجية ليساعده
فى ادارة العلاقات الخارجية . ومع ذلك قرر الدستور مسئولية الوزراء من بينهم وزير
الخارجية عن أعمال وزاراتهم أمام مجلس الشعب ( م 84 ) .
ويرأس وزير
الخارجية المصرية جميع المبعوثين الدبلوماسيين والقناصل, ويشرف على أعمالهم, وله
أن يتصل بالدول الاجنبية وبالمنظمات الدولية اما بنفسه أو عن طريق من يعينه لذلك .
ويتولى تنظيم اشتراك الدولة فى المؤتمرات الدولية تمهيدا لعرضها على رئيس الدول
للتصديق عليها .
وهو الذى
يأمر بنشرها ويراقب تنفيذها . كما يختص بمراقبة احترام دولته للقواعد الخاصة
بالحصانات وبالمراسم, كما يقوم باصدار بعض انواع جوازات السفر وتأشيرات الدخول
والخروج .
وتتبع وزير
الخارجية المصرية مجموعة من الادارات التى تعمل تحت اشرافه وتسمى وزارة الخارجية .
ولقد أنشئت وزارة الخارجية المصرية عقب استقلال مصر فى مارس 1922, ونظمت بعدة
قوانين صدار أولها سنة 1925, وتم تعديل عدة مرات أهمها بالقانون رقم 453 لسنة 1955
.
كما صدر
القانون رقم 166 لسنة 1954 لنظام السلكين الدبلوماسى والقنصلى, وفى سنة 1958 صدر
القرار الجمهورى رقم 146 لسنة 1958 بشأن لائحة شروط الخدمة فى وظائف السلكين
الدبلوماسى والقنصلى, ثم صدر القانون رقم 103 لسنة 1959 بشأن شروط التعيين فى
وظائف الملحق بوزارة الخارجية .
وتأخذ
وزارة الخارجية بالنظام المتبع فى أغلب الدول وهو نظام التماثل بين وظائف الديوان
العام للوزارة بين وظائف البعثات الدبلوماسية والقنصلية, وتعمل على اجراء تنقلات
بين من يعملون فى الديوان العام ومن يعملون فى البعثات الدبلوماسية والقنصلية .
الفصل الثانى
البعثات
الدبلوماسية
المبحث الأول
تاريخ التمثيل
الدبلوماسى
ظهور
البعثات الدبلوماسية الدائمة :
عرف
التمثيل الدبلوماسى منذ أقدام العصور كما يتبين ذلك من مراجعة تاريخ دولة الصين
القديمة, والدولة المصرية القديمة, وتاريخ الامبراطوريتين اليونانية والرومانية,
وتاريخ العصور الوسطى. وكان الاتصال بين الدول يتم عن طريق بعثات مؤقتة تكلف
بمهمات خاصة تؤديها لدى الدول الاجنبية وكان يعترف لافراد هذه البعثات, وعلى
الخصوص منذ العصور الوسطى, وبتكريم خاص وبحصانات وامتيازات متعددة .
ولكن
التمثيل الدبلوماسى الدائم بشكلة المعروف لم يظهر الا منذ ظهور القانون الدولى
العام بشكله الحديث ابتداء من القرن السابع عشر . فالثابت أنه منذ انهيار النظام
الاقطاعى وتكوين الدول الوطنية الحديثة التى اعترف لها بالاستقلال والسيادة
وبالمشاركة فى تكوين القانون الدولى, جرت عادة هذه الدول على أن تتبادل فيما بينها
التمثيل الدبلوماسى عن طريق بعثات دبلوماسية دائمة. والسبب فى نشوء التمثيل
الدبلوماسى الدائم أن الدول أحست بعد نمو العلاقات الدولية وتشعبها بضرورة وجود
اتصال دائم فيما بينها للتفاوض ولتبادل الرأى بصفة منتظمة .
اتساع نطاق
التمثيل الدبلوماسى بعد الحرب العالمية الثانية :
استع نطاق
التمثيل الدبلوماسى بعد الحرب العالمية الثانية للأسباب الآتية :
1- ازدياد عدد الدول
المستقلة التى تملك تبادل البعثات الدبلوماسية؛ وذلك نتيجة لاستقلال عدد كبير من
الدول الآسيوية والافريقية :
2- ازدياد الارتباط
الاقتصادى والاجتماعى والثقافى بين الدول مما أدى الى أن تقوم كل دولة بتدعيم
بعثاتها الدبلوماسية بعناصر فنية وبزيادة حجمها حتى تستطيع أن تباشر الوظائف
الجديدة ذات الطابع غير السياسى .
3- وجود الامم المتحدة
وعدد كبير من المنظمات الاقليمية ومن الوكالات المتخصصة مما أدى الى نشاط
الدبلوماسية الجماعية التى تتم عن طريق تمثيل الدول فى المنظمات الدولية وفى
المؤتمرات الدولية .
خصائص
الدبلوماسية الجماعية :
تتميز الدبلوماسية
بالخصائص الآتية :
1- دبلوماسية برلمانية :
تتم الدبلوماسية الجماعية عن طريق ارسال وفود لحضور اجتماعات المؤتمرات الدولية
ولتمثيل الدولة فى المنظمات الدولية. وينتج عن ذلك أن الدبلوماسية الجماعية تتم
بطريقة برلمانية, أى فى اجتماعات كبيرة تضم عددا من الدول وتدور فيها مناقشات
رسمية أو غير رسمية عن المشاكل التى تهم
هذه الدول. ومن الواضح أن هذا الطابع البرلمانى يؤدى الى اهتمام وفود الدول بابرام
الصالح العام الدولى فى مناقشاتها وقراراتها, وهى فى هذا تختلف عن الدبلوماسية
الثنائية التى تسعى لتحقيق المصالح الذاتية لدولتين تتبادلا بينهما بعثات دائمة أو
مؤقتة .
2- دبلوماسية علنية : تتم
الدبلوماسية الجماعية عادة بطريقة علنية عن طريق الاجتماعات الرسمية للمؤتمرات
وللمنظمات الدولية . ويؤدى ذلك إلى اعتماد الدبلوماسية الجماعية فى كثير من
الاحوال على الدعاية ومحاولة كسب الرأى العام العالمى عن طريق الباس مصالحها
القومية ثياب الصالح العام وعن طريق اتهام خصومها بالانانية والجشع .
3- دور الدولة الكبرى :
يكون للدولة الكبرى مركز واقعى ممتاز فى المؤتمرات والمنظمات الدولية ويرجع ذلك
إلى ما تملكه من قوة عسكرية واقتصادية تجعلها تستطيع أن تؤثر على عدد من الدول مما
يؤدى إلى حدوث تكتلات دولية فى داخل هذه الاجتماعات الدولية تحت زعامات دولية
معينة .
ولقد أحست الجعية العامة للأمم المتحدة بأهمية موضوع
التمثيل الدبلوماسى فأصدرت فى سنة 1952 قراراً تطلب فيه من اللجنة القانونية
استعجال معالجة هذا الموضوع باعتبار أن له الافضلية . ولقد انتهت اللجنة من وضع
مشرع اتفاقية دولية فى هذا الشأن عرضت على مؤتمر الامم المتحدة للعلاقات والحصانات
الدبلوماسية الذى اجتمع فى فينا من 2مارس إلى 14أبريل سنة1961 والذى انتهت أعماله
إلى ابرام اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية، وقد وافقت عليها مصر بالقرار
الجمهورى رقم 369لسنة 1964.
** المبحث الثانى **
تبادل البعثات الدبلوماسية
انشاء العلاقات الدبلوماسية :
ذهب بعض الفقهاء إلى أن تبادل البعثات الدبلوماسية
التزام دولى لأن لكل دولة الحق فى أن تتصل بالدول الاخرى .
وينفى آخرون وجود ما يسمى بحق الاتصال؛ لأن الدولة بما
لها من استقلال وسيادة على اقليمها تستطيع أن تمنع أى اتصال بينها وبين الدول
الاخرى، أو أن تسمح به .
والراجح أن حق الاتصال الدبلوماسى يقتصر معناه على حق
دولتين أو أكثر فى الدخول فى علاقات دبلوماسية، دون أن يكون للدول الاخرى أن تعترض
على ذلك، فالقانون الدولى لا يفرض على الدول، فى الوقت
الحاضر، التزام قبول البعثات الدبلوماسية، كما لا يفرض عليها قبول التجارة
الاجنبية . ولكن هذا ينفى أن الدولة التى تقطع صلاتها بسائر الدول تخرج عن المجتمع
الدولى .
ولقد أكدت اتفاقية فينا سنة 1961 أن تبادل البعثات
الدبلوماسية بين الدول يجب أن يتم بالرضاء المتبادل، أى أن يكون نتيجة اتفاق يتم
بين دولتين على انشاء علاقات دبلوماسية .
وأشارت ديباجة اتفاقية فينا إلى أهمية قيام العلاقات
الدبلوماسية بين الدول على اختلاف أنظمتها السياسية والاجتماعية، ولقد جاء ذلك
نتيجة للمحاولات التى بذلها الاتحاد السوفيتى لادخال فكرة التعايش السلمى حتى يمنع
مقاطعة دولة ما دبلوماسياً بسبب نظامها السياسى .
والدول هى التى تملك عادة حق تبادل التمثيل الدبلوماسى
ايجابياً كان أو سلبياً، أى أنها تملك ارسال وتلقى البعثات الدبلوماسية . ولكن لما
كان حق التمثيل الدبلوماسى من خصائص الشخصية الدولية، فأن أشخاص القانون الدولى
العام من غير الدول كالبابا والمنظمات الدولية، يملكون أيضاً ارسال وتلقى
المبعوثين الدبلوماسين .
والدول غير كاملة السياد تملك أو لا تملك هذا الحق، حسب
وضعها القانونى وما تتركه لها علاقة التبعية من حقوق، وإذا كانت لاتملك حق التمثيل
الدبلوماسى كالبلاد المحمية أو الموضوعة تحت الوصاية، فتتولى الدولة الحامية، أو
الدولة القائمة بالادارة تمثيلها فى الخارج .
ويملك أعضاء الاتحادات الدولية – التى تبقى على الشخصية
الدولية لأعضائها – حق التمثيل الدبلوماسى .
وظائف البعثة الدبلوماسية :
تعتبر الدبلوماسية همزة الوصل بين الدولة التى اعتمدتها
( الدولة الموفدة )
والدولة التى اعتمدت لديها ( الدولة الموفد إليها ) .
وهى تقوم بالوظائف الآتية :
1- تمثيل الدولة الموفدة
لدى المفد إليها .
2- حماية مصالح الدولة
الموفدة وكذلك رعايا تلك الدولة فى اقليم الدولة الموفد إليها فى الحدود التى
يقرها القانون الدولى . هذه الوظيفة تثير البحث فيما إذا كان من حق البعثة
الدبلوماسية أن تباشر كذلك الوظائف القنصلية فى الدولة الموفد إليها . ويتضح من
مراجعة أعمال مؤتمر فينا وجود انقسام فى الرأى، فالدول الشيوعية طالبت بأعطاء
البعثات الدبلوماسية هذا الحق، أما الدول الاخرى فقد اشترطت موافقة الدولة الموفد
إليها لا مكان قيام البعثة الدبلوماسية بالوظائف القنصلية .
ولقد نصت المادة 3/2 على أنه يوجد ما يمنع البعثة
الدبلوماسية من مباشرة الوظائف القنصلية .
3- القيام بالتفاوض مع
حكمة الدولة التى أوفدت إليها البعثة .
4- مراقبة الحوادث
والتطورات فى الدولة الموفد إليها بشرط أن يكون ذلك بوسائل مشروعة، وتقوم البعثة
باطلاع الدولة التابعة لها على كل ما يهمها فى سائر الميادين من سياسية واقتصادية
وثقافية .
5- تنمية العلاقات الودية
بين الدولة الموفدة وبين الدولة الموفد إليها، والعمل على تعزيز علاقات الدولتين
الاقتصادية والثقافية والعلمية .
واجبات أعضاء البعثة الدبلوماسية :
يجب على
أعضاء البعثات الدبلوماسية ومراعاة ما يأتى :
1- احترام تشريعات ولوائح
الدولة التى يقيمون فيها، وذلك مع عدم الاخلال بحصاناتهم التى سنتكلم عنها فيما
بعد .
2- الامتناع عن التدخل فى الشئون الداخلية للدولة
التى يقيمون فيها .
3- يجب أن تكون كافة
اتصالاتهم الرسمية بالدولة التى يقيمون فيها عن طريق وزارة خارجية تلك الدولة الا
إذا كان هناك اتفاق بين الدولتين يبيح لهم الاتصال بجهات أخرى .
4- يجب عدم استعمال مقر
البعثة الدبلوماسية فى اغراض لا تتفق مع وظائف البعثة وفقاً للقانون الدولى أو
لأية اتفاقات خاصة .
5- لا يجوز للمبعوث
الدبلوماسى أن يمارس فى الدولة الموفد إليها أى نشاط مهنى أو تجارى لمصلحته
الشخصية ( م42) .
تكون
البعثة الدبلوماسية وحجمها :
يرجع إلى
القانون الداخلى لكل دولة فى تحديد بعثات التمثيل الدبلوماسى الخاصه بها، وفى
ترتيب درجات أعضائها، وفى تعيينهم وتحديد أقدمياتهم وترقياتهم، وفى نقلهم وندبهم
وتحديد مرتباتهم واجازاتهم وطرق تاديبهم .
وتقوم
الدولة الموفدة بأختيار عدد من الأشخاص يؤلفون البعثة الدبلوماسية التى تمثلها لدى
دولى معينة . على أن حرية الدولة الموفدة ليست مطلقة، فمن المسلم به أن الدولة
الموفد إليها لها الحق فى بعض الاحوال فى التدخل فى هذا الشأن .
ففى حالة
عدم وجود اتفاق خاص بين الدولتين بشأن عدد أعضاء البعثة يجوز للدولة الموفد إليها
أن ترفض قبول عدد يزيد على الحد المعقول والمعتاد بالنسبة للظروف والاوضاع فى
الدولة الموفد إليها واحتياجات البعثة الخاصة . ومعنى هذا أن حجم البعثة
الدبلوماسية الاجنبية مسألة قد تتدخل فيها الدولة الموفد إليها .
كما يجوز
للدولة الموفد إليها وبشرط عدم التمييز أن ترفض قبول موظفين من فئة معينة .
وعلى الدول
الموفدة أن تتأكد من موافقة الدولة الموفد إليها على قبول الشخص الذى ترشحه كرئيس
لبعثتها الدبلوماسية . وللدول الموفدة كامل الحرية فى تعيين باقى أعضاء البعثة،
ومع ذلك فيجوز للدولة الموفد إليها أن ترفض قبول أى شخص كملحق عسكرى أو جوى أو
بحرى بدون موافقتها السابقة عليه .
ويجوز
تعيين أعضاء البعثة من بين رعايا الدولة الموفد إليها بشرط موافقة تلك الدولة
الصريحة، وذلك بالنسبة لمن يشغل منهم وظيفة دبلوماسية . ومن المفهوم أنه إذا كان
عضو البعثة يحمل جنسية الدولة الموفدة وجنسية الدولة الموفد إليها فى نفس الوقت –
فانه يعامل على اعتبار انه يحمل جنسية الدولة الاخيرة .
ويجب أخطار
وزارة خارجية الدولة الموفد إليها بتعيين أعضاء البعثة، كما يلزم اخطارها بوصولهم
اقليمها أو بمغادرتهم له، وكذلك بالنسبة لوصول ومغادرة عائلاتهم وخدمهم الخصوصيين
.
كما يجب
اخطار وزارة خارجية الدولة الموفد إليها فى حالة تعيين موظفين محليين أو خدم
محليين وكذلك فى حالة فصلهم .
وتتكون
البعثة الدبلوماسية عادة من مجموعة من الاشخاص على النحى الآتى :
1- رئيس البعثة : وهو
الشخص الذى تختاره دولة معينة ليرأس بعثتها الدبلوماسية لدى أى دولة أخرى وسنخصص
له دراسة مفصلة فيما بعد .
2- موظفو البعثة : وهم
عبارة عن الاشخاص الذين تعينهم الدولة للعمل فى بعثتها الدبلوماسية الموفدة لدولة
معينة، وينضم هؤلاء إلى عدة طوائف :
( أ ) الموظفون الدبلوماسيون : وهم الموطفون ذوو الصفة الدبلوماسية
أى الذين يشغلون درجة دبلوماسية كدرجة المستشار أو السكرتير أو الملحق ويعملون تحت
رئاسة رئيس البعثة . ويطلق عليهم ومعهم رئيس البعثة اصطلاح السلك الدبلوماسى .
ومن المعتاد أن تشغل الدولة بعض الوظائف الدبلوماسية
بأفراد متخصصين فى شئون الاقتصاد أو الثقافة أو الشئون العسكرية كالملحقين
والمستشارين التجاريين أو العسكريين .
( ب ) الموظفون الاداريون والفنيون : وهؤلاء يقومون
بالاعمال الادارية والفنية اللازمة للبعثة كأمناء المحفوظات والكتبة والصيارفة .
( جـ ) مستخدمو البعثة : وهم عبارة عن الاشخاص الذين
يعملون فى خدمة البعثة الدبلوماسية كخدم السفارات وحراسها .
( د ) الخدم الخصوصيون : وهم الذين يعملون فى الخدمة
المنزلية لرئيس البعثة أو لموظفيها ولا يكونون من مستخدمى الدولة الموفدة .
رئيس البعثة الدبلوماسية :
نظراً لأهمية منصب رئيس البعثة نعالجه بصفة مستقلة فيما
يلى :
رئيس البعثة الدبلوماسية هو المسئول الاول عنها، ومن
اللازم أن تحصل الدولة الموفدة على موافقة الدول الموفد إليها على شخص رئيس البعثة
.
ولقد قررت اتفاقية فينا أنه يجوز أن تعين الدولة شخصاً
واحد لكى يرأس أكثر من بعثة دبلوماسية أو لكى يمثلها لدى أكثر من دولة إلا إذا
اعترضت على ذلك احدى الدول الموفد إليها، كما يجوز لعدة دول أن تعين نفس الشخص
كرئيس لبعثة لدى دولة أخرى ( المادتان 6،5) . والحكمة من ذلك مراعاة ظروف الدول
المستقلة حديثاً وتسهيل تمثيلها دبلوماسياً لدى أكبر عدد من الدول .
ويحمل رئيس البعثة أوراق اعتماد صادرة من دولته وموجهة
إلى الدولة الموفد إليها ليثبت صفته التمثيلية، وعليه أن يخطر وزارة الخارجية فور
وصوله بصورة منها، وأن يطلب تحديد ميعاد لتقديمها إلى رئيس الدولة إلا إذا كان
رئيس البعثة من درجة قائم بالاعمال فانه يقدم أوراق اعتماده لوزير الخارجية .
ويعتبر أن رئيس البعثة قد تسلم منصبه فى الدولة الموفد
إليها أما من تاريخ الاخطار بوصوله وتقديم صورة رسيمة من أوراق اعتماده إلى وزارة
الخارجية بالدولة الموفد إليها، وأما من تاريخ تقديمة أوراق اعتماده وذلك وفقاً
للعرف المتبع فى الدولة الموفد إليها . ويجب ان يتبع هذا العرف بدون تمييز ما بين
البعثات الاجنبية ( م13) .
ويكون ترتيب تقديم أوراق الاعتماد أو تقديم نسخة من
أوراق الاعتماد وفقاً للتاريخ ولساعة وصول رئيس البعثة (م 16) .
وإذا خلا منصب رئيس البعثة أو إذا تعذر على رئيس البعثة
القيام بمهام منصبه يقوم بأعمال البعثة قائم بالاعمال بالنيابة تعينه الدولة الموفدة
وتبلغ أسمه إلى الدولة الموفد إليها . وفى حالة عدم الابلاغ يكون من المفوض أن
يقوم بالاعمال عضو البعثة الذى يلى رئيس البعثة مباشرة فى المرتبة حسب جدول البعثة
الدبلوماسى .
ولقد حددت المادة 14من اتفاقية فينا سنة 1961 فئات رؤساء
البعثات الدبلوماسية فأوردت لهم تقسيماً ثلاثياً على النحو الآتى :
( أ ) السفراء ومندبوا البابا من درجة قاصد رسولى
المعتدون لدى رؤساء الدول:
وهم أعلى الممثلين الدبلوماسيين درجة لأنهم معتمدون
شخصيون وتصدر أوراق اعتمادهم موجهة من رئيس دولة إلى رئيس دولة أخرى، ويملك هؤلاء
الممثلون حق الاتصال المباشر برئيس الدولة المبعوثين إليه .
ويجب على الاخير استقبالهم فور طلبهم ويتمتعون بمزايا
وتكريم خاص لأنهم يمثلون شخصياً رئيس الدولة التى أرسلتهم .
وتسمى البعثة الدبلوماسية التى يرأسها سفير بالسفارة .
( ب ) المندبون والوزراء المفوضون ومندبوا البابا من
درجة وكيل قاصد رسولى المعتمدون لدى رؤساء الدول .
وهؤلاء ترسلهم الدولة، أو يبعث بهم البابا ولا يختلف
وضعهم عن وضع السفراء من حيث اعتبارهم معتمدين من رئيس دولة لدى رئيس دولة أخرى،
ولكن البروتوكول يضعهم فقط فى مرتبة تالية لمرتبة السفراء، فيكون للأولين التقدم
والصدارة فى الحفلات والمناسبات .
وتسمى البعثة التى يرأسها شخص من هذه الفئة بالمفوضية .
( جـ ) القائمون بالاعمال المعتمدون لدى وزارة الخارجية
:
خلافاً للفئات السابقة، يعتبر القائمون بالاعمال مبعوثين
من وزير خارجية دولة إلى وزير خارجية دولة أخرى، فتصدر أوراق اعتمادهم موجهة من
وزير خارجية دولة الى وزير خارجية دولة اخرى . ولا يملك هؤلاء حق الاتصال المباشر
برئيس الدولة الموجودين فيها, ويعتبون فى مركز أدنى وأقل أهمية من مركز الدرجات
السابقة .
ولا يجوز
التمييز بين رؤساء البعثات الدبلوماسية بسبب فئاتهم الا فيما يتعلق بحق التقدم و
" الاتيكيت " ( المادة 14 من اتفاقية فينا ) .
وتضع
الدولة طريقة موحدة لاستقبال رؤساء البعثات من كل فئة .
المبعوثين
فى مهمة خاصة :
قد ترسل
الدول بعض الافراد للقيام بمهمات خاصة يكون لأصحابها الصفة الدبلوماسية كاجراء
مفاوضات, أو توقيع معاهدة أو حضور مناسبة هامة كتتويج ملك أو عقد زواج . ومن
المقرر أن المبعوثين فى مهمة خاصة لا تتبع بشأنهم قواعد خاصة بالصدارة, بل يندرجون
فى فئاتهم العادية تبعا لما اذا كانوا سفراء أو وزراء مفوضين, أو قائمين بالاعمال
. ولكن يحصل أحيانا أن يجامل المبعوثيون الدائمون المبعوثين فى مهمات خاصة من
درجتهم فيقدمونهم على أنفسهم .
تحديد فئة
المبعوث وقواعد الاقدمية :
يتم تحديد
الفئة التى ينتمى اليها رئيس البعثة بواسطة اتفاق يتم بين الدولة الموفدة والدولة
الموفد اليها ( المادة 15 ) .
وحددت
المادة 16من اتفاقية فينا سنة 1961 قواعد الاسبقية أو التقد .
بين رؤساء
البعثات الدبلوماسية على اساس فئاتهم وفقا للترتيب الثلاثى الذى بيناه فيما تقدم .
أما فى
داخل كل فئة فقد تحددت الاسبقية بأقدمية كل مبعوث فى وظيفته فلا تمييز بين ممثلى
الدول الكبرى وممثلى الدول الصغرى .
وتكون
أقدمية رؤساء البعثات كل بحسب فئة من تاريخ وساعة تسلمه لوظيفته. ويتحدد ذلك
التاريخ اما من تاريخ الاخطار الرسمى بوصوله وتقديم نسخة من أوراق اعتماده لوزارة
الخارجية واما من تاريخ تقديمه لاوراق اعتماده؛ وذلك وفقا للعرف المتبع فى الدولة
الموفد اليها على أن يطبق ذلك بدون تمييز ( المادة 13 ).
ولا يؤثر
تغيير أوراق اعتماد رئيس البعثة بدون تغيير فئته فى أقدميته, ونلاحظ أن بعض الدول
الكاثوليكية تعطى أسبقية خاصة لمبعوثى البابا ( المادة 13 ) . ويقوم رئيس البعثة
الاجنبية باخطار وزارة الخارجية فى الدولة الموفد اليها بترتيب تقدم الموظفين
الدبلوماسيين فى البعثة التى يرأسها .
هيئة السلك
الدبلوماسي الاجنبى :
يعتبر
مجموع الممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى حكومة ما على اختلاف درجاتهم لها – بحسب
العرف الدولى كيانها وعميدها, ويكون عميد الهيئة أعلاهم درجة, وعند تساوى الدرجة,
أقدمهم لدى دولة الاقامة .
ولعميد هيئة
الممثلين الدبلوماسيين فى دولة ما, أن يجتمع مع زملائه للتشاور فيما بينهم, كما أن
له حق تمثيلهم والكلام باسمهم جميعا عند الاقتضاء وبعد الحصول على موافقتهم على
ذلك . كما يحرص رؤساء البعثات بمجرد استلامهم لعملهم على مقابلته للتعرف عليه وعلى
المراسم فى الدولة التى يقيمون فيها .
ويتجلى
تضامن هذه الهيئة وتماسكها فى الحفلات والمناسبات القومية للدولة المعتمدين لديها,
كما يتجلى أحيانا عند اصدار تصريح جماعى أو تقديم احتجاج اذا أخلت دولة الاقامة
ببعض امتيازاتهم أو أتت عملا منافيا للقانون الدولى . وهناك أمثلة عديدة على تضامن
رجال السلك الدبلوماسى فى العمل والمسعى بمناسبة تصرف لدولة الاقامة قبل أحدهم,
وكان تشاور رجال السلك الدبلوماسى مألوفا فى البلاد الشرقية وبلاد أمريكا
اللاتينية .
ونلاحظ أن
بعض الحكومات لا تقر قيام الممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لديها بمسعى مشترك .
المبحث الثالث
الحصانات والامتيازات
الدبلوماسية
الاساس
القانونى للحصانات الدبلوماسية :
يتمتع
الممثلون الدبلوماسيون بحصانات واعفاءات متنوعة فى الدول التى يباشرون فيها
وظائفهم, وقد تضارب النظريات حول المبنى القانونى للحصانات والاعفاءات .
1- نظرية امتداد الاقليم :
وهى تقرر
أن رجل السلك الدبلوماسى حينما يوجد فى اقليم دولة أخرى يعتبر كأنه لا يزال فى
اقليم دولته, ومن ثم لا يكون خاضعا لما يسرى فى اقليم الدولة التى تعمل فيها من
قوانين, ويعيب هذه النظرية أنها قائمة على أفتراض لا ظل له من الحقيقة ويؤدى الى
نتائج غير مقبولة .
2- نظرية النيابة :
ومقتضاها
أن الممثل الدبلوماسى حينما يباشر وظيفتة انما ينوب عن وئيس دولة صاحب السيادة .
ويؤخذ على هذه النظرية أنها تضيق عن تفسير ما يتمتع به الممثل الدبلوماسى من
حصانات خارج نطاق عمله .
3- نظرية الوظيفة :
والرأى
الذى تؤيده يربط الحصانات وبين وظيفة الممثل الدبلوماسى, ويقرر أن أساس الحصانة هو
تمكين الممثل الدبلوماسى من مباشرة وظيفته التمثيلية وأداء عمله بدون عائق, وأن
الحصانات مقررة للوظيفة ذاتها وليست لفائدة الممثل الشخصية .
تنظيم
الحصانات والامتيازات الدبلوماسية :
يعد العرف
الدولى المرجع الاساسى فى الحصانات والامتيازات الدبلوماسية, ويمكن استخلاص العرف
الدولى مما تجرى عليه سلطات الدول المختلفة ومحاكمها فى هذا الشأن . ولقد أفتى
مجلس الدولة المصرى سنة 1961 بأن قواعد العرف الدولى تسد النفص الذى قد يكون قائما
فى التشريع المصرى فيما يتعلق بالحصانات الدبلوماسية وتعتبر اتفاقية فينا سنة 1961
الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية أهم وثيقة دولية تحتوى على تدوين للعرف
الدولىالمتعلق بالحصانات الدبلوماسية . وزيادة على ذلك فلقد فصلت الاتفاقية, كما
سنبين فيما يعد, فى بعض الامور الخلافية كما استحدثت بعض القواعد الجديدة . ويرجع
الى العرف الدولى فى المسائل التى لم تنظمها تلك الاتفاقية صراحة .
أولا : حصانات مقر البعثة ومستنداتها الرسمية :
لكل بعثة
دبلوماسية الحق فى أن تخصص لنفسها مقرا تباشر فيه وظيفتها, ويجب على الدولة الموفد
اليها أن تسهل حصول الدولة الموفدة على المقر اللازم لبعثتها الدبلوماسية, وقد
أفتى مجلس الدولة المصرى سنة 1972 بأن مكاتب التمثيل التجارى تعتبر جزءا من البعثة
الدبلوماسية .
كما افتى
مجلس الدولة المصرى سنة 1947 بأن المراكز الثقافية والمعاهد والمؤسسات الخيرية لا
تعتبر جزءا من السفارات أو المفوضيات الاجنبية .
ويتمتع مقر
البعثة الدبلوماسية بالحصانات التالية :
(أ) حرمة
مقر البعثة :
تظهر حرمة مقر البعثة الدبلوماسية فى عدم جواز اقتحامه
أو تفتيشه أو التنفيذ عليه بواسطة الموظفين الرسميين لدولة الاقليم الا بموافقة
رئيس البعثة ( المادة 22 ). ولقد كان من المسلم به أنه يستثنى من ذلك حالة
الضرورة, كما لو شب حريق فى دار السفارة يتطلب تدخل رجال الاطفاء وحالة الهياج
الشديد التى لا يسمح الوقت فيها بالحصول على مثل هذه الموافقة, ولكن اتفاقية فينا
لن تنص على هذه الاستثناءات حرصا منها على ضمان حرمة المقر .
وتلتزم الدولة بحراسة المقر وبمنع أى اعتداء عليه أو
اضرار به, أو تهديد لأمن البعثة أو كرامتها .
(ب) حق
الملجأ الدبلوماسي :
لايجوز منح
الملجأ الدبلوماسي للمجرمين العاديين فى مقر البعثة . فان تم ذلك لم يجز لسلطات
الدولة دخول المقر حسب الرأى الراجح, وتكتفى بحصارها وبالمطالبة باخراج المجرم
الفار .
أما
بالنسبة للمجرمين السياسيين فالمسألة محل خلاف . ويرى البعض جواز ايوائهم فى مقر
البعثة فى بعض الاحوال كما لو خيف على حياة المجرم السياسى, ويسمى هذا بحق الملجأ
الدبلوماسى .
ولقد بحثت
محكمة العدل الدولية مسألة الملجأ الدبلوماسى. وكان ذلك بمناسبة النزاع الذى ثار
بين كولومبيا وبيرو بصدد التجاء شخص يدعى هايادى لاتورى الى سفارة كولومبيا بليما
( عاصمة بيرو) واعتراض بيرو على منح السفارة الكولومبية الملجأ الدبلوماسى له,
لأنه كان مطاردا لجرائم سياسية ارتكبها فى حقها.
وقررت
محكمة العدل بتاريخ 20 نوفمبر سنة 1950 ما يأتى :
" ان
منح الملجأ الدبلوماسى يتضمن خروجا على قاعدة السيادة الاقليمية, وأنه يجب ألا
يمنح الا اذا وجد له أساس انسانى كما لو خيف على المجرم السياسى من اعتداء وهمجية
بعض العناصر غير المسئولة من السكان " .
وبينت
المحكمة أن منح الملجأ لا يؤدى الى منع تطبيق الاختصاص القضائى أو القواعد
القانونية المحلية .
(جـ)
الاعفاء من الضرائب :
يجب اعفاء
الدولة الموفدة ورئيس البعثة بالنسبة لمقر البعثة من كافة أنواع الضرائب والرسوم
الا تلك التى تكون مقابل خدمات فعلية كالمياه والكهرباء .
( د ) حرمة
المحفوظات :
ولا يجوز
المساس بمحفوظات ومستندات البعثة بأية صورة من الصور ( المادة 24 ) .
(هـ)
استعمال العلم والشعار :
ويكون
للدولة الموفدة الحق فى أن ترفع علمها وشعارها على مقر البعثة ومسكن رئيسها ووسائل
انتقاله .
ثانيا : التسهيلات
المقررة لعمل البعثة
تقدم
الدولة الموفدة اليها كافة التسهيلات اللازمة لأداء البعثة التمثيلية لوظائفها,
وبيانها كما يلى .
(أ)حرية
الانتقال :
توفر الدولة الموفدة اليها حرية الانتقال والسفر لجميع
أعضاء البعثة فى داخل اقليمها. ومع ذلك فللدولة أن تمنع دخول بعض المناطق أو تنظم
دخولها لأسباب تتعلق بأمنها الوطنى (م 36 ).
(ب) حرية
الاتصال :
تحمى الدولة الموفد اليها حق البعثة الدبلوماسية فى
الاتصال بكافة الوسائل بحكومة الدولة الموفدة وببعثاتها وقنصلياتها الاخرى أينما
وجدت .
ولا يجوز للبعثة الدبلوماسية تركيب أو استخدام جهاز
ارسال لاسلكى بدون موافقة الدولة الموفد اليها .
وللبعثة
الدبلوماسية أن تستخدم فى اتصالاتها حقيبة دبلوماسية. ولقد نظم العرف الدولى
استعمال الحقيبة الدبلوماسية . وأجاز للبعثة الدبلوماسية أن ترسل الى دولتها وأن
تتلقى منها طرودا مغلقة ومختومة دون أن تفتحها السلطات المحلية . ويحتوى الحقيبة
الدبلوماسية فقط على الاوراق والمستندات والاشياء المعدة للأعمال الرسمية . ويجب
أن تحمل الحقيبة علامات خارجية تدل على صفتها ( م 27) . وهى تتمتع بالحصانة فلا
يجوز فتحها أو حجزها (م 27/3 ).
ولا يجوز
استعمال الحقيبة فى غير الاعمال الرسمية, وقد يحصل فى بعض الاحوال أن تستعمل
الحقيبة فى أغراض غير مشروعة كالتهريب مثلا .
وعند اساءة
استعمال الحقيبة الدبلوماسية يجوز للدولة الموفد اليها أن تحتج أو تطالب بسحب
المبعوث الدبلوماسي , كما أن لها أن تقطع علاقاتها مع دولة المبعوث أو تأمره
بمغادرة اقليمها على اعتبار أنه شخص غير مرغوب فيه .
(جـ)
التسهيلات المالية :
اذا كانت
البعثة الدبلوماسية تتقاضى بعض الرسوم نظير أدائها لبعض أعمالها الرسمية, فمن المقرر
اعفاء هذه الرسوم من كافة أنواع الضرائب .
ثالثا : حصانات أعضاء
البعثات الدبلوماسية
(أ)
الحصانة الشخصية :
تعتبر الحصانة الشخصية من أقدم امتيازات رجال
السلك الدبلوماسى بحيث يمكن القول ان سائر الحصانات الدبلوماسية تفرعت عن فكرة
الحصانة الشخصية . فشخص رجل السلك الدبلوماسى مصون, ويتعين على الدولة الموفد
اليها أن تعامله بالاحترام اللأئق, وأن تتخذ كافة الاجراءات لمنع أى اعتداء على
شخصه أو حريته أو كرمته, ولمعاقبة كل من يصدر عنه مثل هذا الاعتداء .
ويترتب على
الحصانة الشخصية ايضا عدم جواز القبض على رجل السلك الدبلوماسى أو حجزه أو اعتقاله
اداريا او قضائيا .
(ب) حصانة المسكن
والممتلكات :
يتمتع
المسكن الشخصى لرجل السلك الدبلوماسى بنفس الحرمة والحماية التى يتمتع بها مقر
البعثة الدبلوماسية. وتكون أملاكه وأوراقه ومراسلاته مصونة كذلك.
(جـ)
الحصانة القضائية :
1- المسائل الجنائية :
لا يخضع رجال السلك الدبلوماسى للولاية المحاكم فى
الدولة الموفد اليها بالنسبة لما يرتكبونه من جرائم على اختلاف أنواعها ( جنايات,
جنح, مخالفات ) . ففى هذه الاحوال لا يجوز اتخاذ أى اجراء قضائى من قبض وتحقيق
وتوجيه اتهام ومحاكمة ضد أحد رجال السلك الدبلوماسى.
وتقوم الدولة الموفد اليها بتبليغ الامر الى الدولة
الموفدة, كما أن لها أن تعتبره شخصا غير مرغوب فيه وأن تطلب استدعاءه . وقد أفتى
مجلس الدولة المصرى سنة 1949 بأن عدم خضوع الممثل الدبلوماسى للقضاء الاقليمى
يستتبع عدم جواز التحقيق معه .
وللدولة الموفد اليها بالنسبة للجرائم الخطيرة أن تطرد
رجل السلك الدبلوماسى فورا من اقليمها, ولكنها فى جميع الاحوال لا تستطيع محاكمته
بل عليها أن تقوم بتسليمه لدولته التى تتولى هى المحاكمة .
2- المسائل المدنية
والادارية :
قررت اتفاقية فينا سنة 1961 أن رجال السلك الدبلوماسى
يتمتعون بالحصانة القضائية فى المسائل المدنية والادارية فيما عدا الاحوال الآتية
(م 31) .
(أ)
الدعاوى العينية المتعلقة بالاموال العقارية الخاصة
الكائنة فى أرض الدولة الموفد اليها اذا كانت هذه العقارات غير مخصصة لأغراض
البعثة الرسمية.
(ب) الدعاوى الخاصة
بالميراث التى تتصل بالممثل الدبلوماسى نفسه باعتباره منفذا أو مديرا أو وارثا أو
موصى له .
(جـ) الدعاوى المتعلقة بنشاط مهنى أو تجارى يقوم به الممثل
الدبلوماسى فى الدولة الموفد اليها خارج نطاق عمله الرسمى .
ويجوز رفع الحصانة القضائية عن رجال السلك الدبلوماسى
والاشخاص الآخرين المتمتعين بالحصانات الدبلوماسية بواسطة الدولة الموفدة، ويجب أن
يتم ذلك صراحة فى جميع الاحوال ( م32/2).
على أنه فى حالة قيام الشخص المتمتع بالحصانة برفع دعوى
أمام محاكم الدولة الموفدة، فانه لا يجوز له بعد ذلك الاحتجاج بالحصانة بالنسبة
لأية طلب عارض يتصل بالطلب الاصلى .
ومن المتفق عليه أنه يترتب على تمتع الممثل الدبلوماسى
بالحصانة عدم جواز اكراهه على الحضور أمام القضاء لأداء الشهادة على واقعة مدنية
أو جنائية .
( هـ) الاعفاءات المالية :
قررت المادة34من أتفاقية فينا سنة 1961أن رجال السلك
الدبلوماسى يعفون من جميع الضرائب والرسوم شخصية كانت أم عينية، قومية كانت أم
محلية وذلك باستثناء الضرائب والرسوم الآتية التى يلتزمون بدفعها :
1- الضرائب غير المباشرة
المندمجة فى أثمان السلع والخدمات .
2- الضرائب والرسوم على ما
يمتلكه رجل السلك الدبلوماسى من عقارات بصفته الشخصية، أما العقارات المخصصة
لاعمال البعثة الرسمية فتعفى من الضرائب .
3- ضرائب التركات
والايلولة التى تفرضها الدولة الموفد إليها .
4- الضرائب والرسوم على
الدخل الخاص الذى يكون مصدره فى الدولة الموفد إليها وعلى رؤوس الاموال المستثمرة
فى المشروعات التجارية فى الدولة الموفد إليها .
5-
الرسوم التى تكون مقابل خدمات معينة كاىنارة والمياه .
6- رسوم القيد والتسجيل
والرهن والدمغة بالنسبة للعقارات عدا ما يستخدم منها لمقر البعثة .
كما نصت المادة 36من اتفاقية فينا سنة 1961على اعفاء
رجال السلك الدبلوماسى من الرسوم الجمركية بالنسبة للأصناف المستعملة فى أغراض
البعثة وبالنسبة للأصناف التى يستعملها هؤلاء استعمالاً شخصياً بما فى ذلك الاثاث
. وتعفى أمتعة رجال السلك الدبلوماسى من التفتيش، الا إذا كانت هناك شبهات قوية فى
أن الامتعة الشخصية تحتوى على أشياء لا يتناولها الاعفاء أو يمنع القانون الداخلى
استيرادها، وفى هذه الاحوال يجب أن يتم التفتيش فى حضور رجل السلك الدبلوماسى أو
من يمثله .
لأعضاء البعثة الذين يتمتعون بالحصانات والانتيازات
الدبلوماسية :
1- الأعضاء الدبلوماسيون :
يتمتع أعضاء البعثات الدبلوماسية الذين يشغلون درجات
دبلوماسية كرئيس البعثة والمستشارين والسكرتيرين بكل الحصانات والامتيازات
الدبلوماسية . وكذلك يتمتع أفراد عائلاتهم من أهل بيتهم أى الذين يقيمون معهم أو
يعتمدون فى معيشتهم عليهم بالحصانات الشخصية المنصوص عليها فى المواد 29-36 من
اتفاقية فينا، وذلك بشرط ألا يكونوا من مواطنى الدولة الموفد إليها (37/10) .
وإذا كانت الدولة الموفد إليها قد سمحت لأحد رعاياها بأن
يشغل وظيفة دبلوماسية فى احدى البعثات الدبلوموسية الموجودة فى اقليمها، فان مثل
هذا الشخص لا يتمتع بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية كاملة بل يتمتع فقط
بالحصانة القضائية بالنسبة للأعمال الرسمية التى يقوم بها بمناسبة تأدية وظيفته،
كما يتمتع بغير ذلك من الحصانات التى قد توافق عليها الدولة الموفد إليها .
2- الموظفون الاداريون
والخدم :
نظمت اتفاقية فينا سنة 1961حصانات الاداريين والمستخدمين
والخدم على النحو الآتى ( المادتان 38،37) :
( أ ) يتمتع الموظفون الاداريون والفنيون وعائلاتهم من
أهل بيتهم بالحصانات الشخصية والقضائية والاعفاءات المالية المنصوص عليها فى
المواد من 29إلى 35 من اتفاقية فينا إذا لم يكونوا من رعايا الدولة الموفد إليها
أو من الاشخاص الذين يقيمون فيها أقامة دائمة، على أنه بالنسبة للحصانة القضائية
فى المسائل المدنية والادارية لا تمتد هذه الحصانه على الأفعال التى تقع خارج نطاق
وظائفهم .
كما أنه بالنسبة للاعفاءات الجمركية المنصوص عليها فى
المادة 36/1 من اتفاقية فينا يستفيد الموظفون الاداريون والفنيون من هذه الاعفاءات
بالنسبة للأشياء التى ترد لهم فى بدء أقامتهم فقط .
ونلاحظ هنا اتجاه اتفاقية فينا إلى ترجيح القول بتمتع
الموظفين الأداريين بالحصانات، وهو الأمر الذى عارضته بعض الدول ومن بينها جمهورية
مصر العربية على اعتبار أنه غير مستقر فى العرف الدولى . ولقد تحفظت حكومة جمهورية
مصر العربية على نص المادة 37/2 من اتفاقية فينا المتعلق بحصانات الموظفين
الاداريين والفنيين .
( ب ) يتمتع مستخدمو البعثة بالحصانة القضائية فيما
يتعلق بالاعمال التى يقومون بها أثناء تأدية خدمتهم، كما يعفون من الضرائب والرسوم
على الاجور التى يتقاضونها نظير عملهم . وكل هذا بشرط ألا يكونوا من رعايا الدولة
الوفد إليها أو من يقيمون فيها أقامة دائمة .
( جـ ) يتمتع الخدم الخصوصيون لرئيس وأعضاء البعثة ان لم
يكونوا من رعايا الدولة الموفد ايها الاعفاء من الضرئاب والرسوم على ما يتقاضونه
من أجور, وبالحصانات الاخرى قد تسمح بها الدولة الموفد اليها .
( د ) لا
يتمتع الموظفون الاداريون والفنيون والمستخدمون والخدم الذين يكونون من رعايا
الدولة الموفد اليها أو الذين يقيمون فيها
اقامة دائمة الا بالحصانات التى قد تسمح بها تلك الدولة, ومع ذلك فعند ممارسة
الدولة الموفد اليها لاختصاصها الاقليمى بالنسبة لهؤلاء الاشخاص, يتعين عليها أن
تتجنب التدخل فى شئون البعثة (م 28/2 ) .
عدم
التمييز فى المعاملة :
تلتزم
الدولة الموفد اليها بأن تمنح الحصانات الدبلوماسية لاعضاء البعثات الدبلوماسية
الاجنبية بدون تمييز, وذلك احتراما لقاعدة المساواة بين الدول .
ومن المقرر
مع ذلك أن الدولة الموفد اليها تستطيع أن تميز فى المعاملة فى الاحوال الآتية :
1- الاعمال الثأرية :
اذا ما خرجت الدولة
الموفدة على قاعدة معينة من قواعد الحصانات أو
فسرتها تفسيرا ضيقا جاز للدولة الموفد اليها الخروج على هذه القاعدة أو
اتباع التفسير ويكون عملها هنا من قبيل الثأر .
2- المعاملة بالمثل :
يجوز للدولة
الموفد اليها أن تمنح لبعثة دبلوماسية امتيازات تزيد على الحصانات التى قررها
العرف الدولى وأن تطلب أن يكون ذلك على أساس المعاملة بالمثل .
ولم تعتبر المادة 47 من اتفاقية فينا الاعمال الثأرية
والمعاملة بالمثل من قبيل التمييز غير المشروع .
البعثات الخاصة وحصانتها :
يقصد بالعثة الخاصة, البعثة التى توفدها دولة الى دولة
أخرى بموافقتها بقصد أداء مهمة أو معالجة موضوع محدد, ويتم تبادل هذه البعثات بين
الدول بغض النظر عن وجود بعثات دبلوماسية أو عدم وجودها . ويتم تحديد مهمتها
بالاتفاق بين أعضائها . ولقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 7 ديسمبر سنة
1969 اتفاقية لتنظيم البعثات الخاصة ويتمتع أعضاء هذه البعثات ورؤساؤها بالحصانات
على النحو الآتى :
(أ)
يتمتع رئيس البعثة اذا كان رئيس دولة أو رئيس حكومة أو
وزير خارجية بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية المقررة لهم فى العرف الدولى .
(ب) أما بالنسبة لغير هؤلاء
من رؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسية الموفدة فى مهمة سياسية كابرام معاهدة أو
حضور مؤتمر دولى, فقد قام الشك حول تمتع أعضائها بالحصانات الدبلوماسية كاملة نظرا
لأنهم قد يكونون من رجال السلك الدبلوماسى وقد لا يحملون أوراق اعتماد لدولة المقر
بل يحملون فقط أوراق تفويض لحضور المؤتمر, وان كان الفقهاء يقررون وجوب تمتعهم
بالحصانات الدبلوماسية . ولقد أقرت اتفاقية البعثات الخاصة سنة 1969 تمتعهم بحصانة
المقر والحصانة الشخصية والقضائية والاعفاء من الضرائب .
(جـ) لا يتمتع الاشخاص الذين توفدهم الدولة لأداء مأمورية غير
سياسية لدى دولة أجنبية دون أن يكونوا أعضاء فى بعثة دبلوماسية بالحصانات
الدبلوماسية, ومن أمثلة هؤلاء الاشخاص ممثلو الدول فى المعارض وأعضاء البعثات
الموفدة لعقد صفقات تجارية . وتقوم الدولة الموفد اليها عادة بمنحهم بعض الحصانات
والتسهيلات وهى تملك سلطة تقديرية فى هذا الشأن كما أنه قد يتم تقرير بعض الحصانات
بالتفاقات ثنائية .
انتهاء مهمة أعضاء البعثة الدبلوماسية :
تنتهى مهمة رجال السلك الدبلوماسى فى أحوال معينة نظمهاً
العرف الدولى . وسنعرض لهذه الاحوال فيما يلى على ضوء اتفاقية فينا سنة 1961(
المواد 43-44) .
1- قيام الدولة الموفدة
بأنهاء مهمة مبعوثها ( الاستدعاء ) :
تنتهى مهمة رجل السلك الدبلوماسى باستدعائه بواسطة
الدولة الموفدة ويكون الاستدعاء لاسباب مختلفة من بينها تعيينه فى منصب آخر أو
احالته على المعاش، أو استقالته أو فصله . وقد يكون الاستدعاء بناء على طلب الدولة
الموفد إليها، وذلك فى حالة ما إذا أساء عضو بعثة دبلوماسية التصرف بحيث أصبح
خطراً على أمنها وسلامتها .
ويجب على الدول الموفدة فى حالة الاستدعاء أن تعلن
الدولة الموفد إليها بانتهاء مهمة المبعوث الدبلوماسى .
2- قيام الدولة الموفد
إليها باعتبار أحد أعضاء البعثة غير مرغوب فيه :
يجوز للدولة الموفد إليها أن تبلغ الدولة الموفدة فى أى
وقت وبدون ابداء أسباب قرارها بأن رئيس البعثة أو أى عضو فيها شخص غير مرغوب فيه.
وفى هذه الحالة تلتزم الدولة الموفدة حسب الظروف
باستدعائه أو بانهاء خدمته فى البعثة، وإذا امتنعت الدولة الموفدة عن ذلك فى فترة
مناسبة يجوز للدولة الموفد إليها أن ترفض الاعتراف بعضو البعثة، وأن تقوم بطرده .
3- موت رئيس الدولة أو
تغييره :
يؤثر موت رئيس الدولة الموفدة أو الموفد إليها، أو عزل
أحدهما، أو تنازله عن العرش فى خدمة رجل السلك الدبلوماسى من درجة السفير أو
الوزير المفوض، ففى هذه الاحوال لا تنتهى المهمة الدبلوماسية، أنما يلزم تقديم
أوراق أعتماد جديدة دون أن يؤثر ذلك فى أسبقية المبعوثين .
والراجح أنه يلزم تقديم أوراق اعتماد جديدة فى حالة وفاة
رئيس الجمهورية أو استقالته أو انتهاء مدة خدمته، وانما يشترط هذا فقط إذا كان،
رئيس الدولة من طبقة الملوك .
4- تغيير نظام الحكم فى
أحدى الدولتين نتيجة لثورة أو انقلاب :
وهنا أيضاً لا ينتهى مهمة المبعوثين الدبلوماسيين، وفقاً
للرأى الراجح، وان كان يلزم تقديم أوراق اعتماد جديدة باسم رئيس الدولة الجديد،
ويرتبط تقديم أوراق الاعتماد بمسالة الاعتراف بالحكومة الجديدة .
ويعتبر عدم تقديم الممثل الدبلوماسى لأوراق الاعتماد فى
فترة معقولة بمثابة عدم اعتراف من جانب دولته بالحكومة الجديدة .
5- قطع العلاقات
الدبلوماسية :
وهو عمل خطير قد يقع حينما تتوتر العلاقات بين دولتين
فتقوم احداهما بقطع علاقاتها الدبلوماسية .
6- الحرب :
يقضى القانون الدولى بأن التمثيل الدبلوماسى ينقطع بين
الدول المتحاربة نتيجة لانتهاء حالة السلام .
رعاية المصالح فى حالة قطع العلاقات الدبلوماسية :
يجرى العرف الدولى على أنه فى حالة قطع العلاقات
الدبلوماسية بين دولتين أو الاستدعاء المؤقت أو الدائم لاحدى البعثات الدبلوماسية
يكون من الضرورى حماية مقر البعثة وأموالها ومحفوظاتها . كما يجوز تكليف دولة
ثالثة، وذلك بشرط موافقة الدولة الموفدة إليها، بحماية مصالح الدولة الموفدة
ومصالح رعاياها وذلك بصفة مؤقتة وفى خلال فترة انقطاع العلاقات الدبلوماسية .
وتتلخص وظائف الدولة التى ترعى مصالح دولة أخرى فيما يلى :
1- الاشراف على المفاوضات
المتعلقة بترحيل الممثلين الدبلوماسيين والقنصليين وتبادلهم .
2- حماية أشخاص رعايا
الدولة الموجودين فى الدولة الموفد إليها والمحافظة على ممتلكاتهم وأموالهم .
3- الاشراف فى حالة النزاع
المسلح بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أسرى الحرب التابعين للدولة
الموفدة، ومن قبيل ذلك التحقيق من شخصياتهم وتزويدهم بالاسعافات العاجلة وتنظيم
تبادلهم .
4- الاشراف على أموال
وممتلكات الدولة الموفدة فى الدولة الوفد إليها .
** الفصـــل الــثــالـــث
**
البعثات القنصلية
تاريخ النظام
القنصلى ومصدر قواعده :
نشأ النظام القنصلى فى العصور الوسطى، فقد جرى العرف فى
الدول الاوربية التجارية، وعلى الخصوص فى دول البحر الابيض المتوسط، على أن يجتمع
التجار الذين ينتمون لدولة واحدة، ليتشاوروا فيما بينهم ولينتخبوا شخصاً منهم يقوم
برعاية مصالحهم وبالحكم فيما يحدث بينهم من منازعات . وكان الشخص المنتخب يسمى
بالقاضى القنصلى، أو القنصل التاجر .
وترتب على أهمية الدور الذى لعبه القناصل فى تنمية
وحماية تجارة بلادهم أن عنيت الدول فى العصر الحديث بالنظام القنصلى وأصبحت تقوم
بتعيين القناصل وتحديد دائرة عملهم واختصاصاتهم .
وينظم العرف الدولى القواعد الخاصة بتبادل البعثات
القنصلية، وزيارة على ذلك فقد دخلت الدول فى اتفاقات تنظيم تبادل القناصل فيما
بينها .
وفى 24ابريل سنة 1963 تم ابرام اتفاقية فينا للعلاقات
القنصلية .
وقد اشارت الاتفاقية فى مقدمتهم إلى أن قواعد القانون
الدولى سيستمر تطبيقها على المسائل التى لم تفصل فيها الاتفاقية صراحة .
وقامت مصر بالانضمام إلى الاتفاقية المذكورة فى 31ديسمبر
1964، وانضمت كذلك إلى البرتوكول الاختيارى المتعلق باكتساب الجنسية .
ولقد أوردت مصر
تحفظات على المواد 46/1، 65،62،49 من الاتفاقية،كما تحفظت بشأن عدم اعترافها
باسرائيل وعدم دخولها معها فى علاقات مما تنظمه الاتفاقية، وتحفظت بشأن مفهوم أسرة
العضو القنصلى .
تبادل البعثات القنصلية :
للدول
كاملة السيادة الحق فى تبادل البعثات القنصلية, أما بالنسبة للدول ناقصة السيادة
فيتوقف هذا الحق على مدى علاقة التبعية بينها وبين الدولة صاحبة السيادة عليها,
ويكون الأمر كذلك بالنسبة للدول الداخلة فى اتحاد دولى .
ويتم تبادل
البعثات القنصلية بالاتفاق بين الدولتين أصحاب الشأن, والاتفاق على انشاء علاقات
دبلوماسية بين دولتين يتضمن الموافقة على انشاء علاقات قنصلية ما لم ينص على خلاف
ذلك .
انشاء
البعثة القنصلية :
يتم
الاتفاق على عدد البعثات القنصلية المسموح بانشائها فى نفس الاتفاق المنشئ
للعلاقات القنصلية, وقد تصدر موافقة الدولة الموفد اليها فيما بعد. ولا يجوز
للدولة أن تنشئ بعثة قنصلية معينة فى أراضى الدولة الموفد اليها الا بموافقة تلك
الدولة احتراما لمبدأ السيادة الوطنية .
وتتولى
الدولة الموفدة تعيين رؤساء البعثات القنصلية وأعضائها التابعين لها, وتكلفهم
بالاقامة فى المدن التابعة للدولة الموفد اليها, ويجب أن يكون هؤلاء من جنسية
الدولة الموفدة. ولا يجوز اختيارهم من بين رعايا الدولة الموفد اليها الا بموافقة
صريحة منها .
ويحمل رئيس
البعثة القنصلية خطاب تعيين أو تفويض صادر وئيس الدولة الموفدة ويتضمن اسمه
ودرجته, ومقر القنصلية ودائرة اختصاصها, وتقوم الدولة الموفدة بتبليغ تعيين رئيس
البعثة الى الدولة الموفد اليها بالطريق الدبلوماسى .
أما
بالنسبة لباقى الاعضاء القنصليين فيجب على الدولة الموفدة أن تقوم بأخطار الدولة
الموفدة إليها باسم كل منهم ودرجته قبل وصوله بوقت كاف وذلك حتى يمكنها الاعتراض
عليه أن شاءت .
قبول رئيس
البعثة القنصلية فى الدولة الموفد إليها :
ويتم قبول
رئيس البعثة القنصلية فى الدولة الموفد إليها إذا منح الأجازة القنصلية أى اجازة
ممارسة الاعمال القنصلية الصادر من رئيس الدولة الموفد إليها أو من السلطة المختصة
فيها وفقاً للقانون الداخلى .
ويجوز
للدولة الموفد إليها أن ترفض منح الاجازة القنصلية لأسباب سياسية أو شخصية تتعلق
بشخص رئيس البعثة، ويجوز أيضاً السماح لرئيس البعثة بمباشرة وظيفته مؤقتاً
انتظاراً للحصول على الاجازة القنصلية .
تشكيل
البعثة القنصلية وحجمها :
تشكيل
البعثة القنصلية التى تباشر العمل فى قنصلية معينة من عدد من الاشخاص على النحو
الآتى :
1- رئيس البعثة :
وهو الشخص
الذى تختاره الدولة الموفدة لرئاسة البعثة القنصلية وتمنحة خطاب تفويض، ويجب عليه
الحصول على الاجازات القنصلية، ويجوز أن يكون رئيس البعثة من درجة قنصل عام أو
نائب أو وكيل قنصل .
وتتحدد
أسبقية رؤساء البعثات الدبلوماسية بحسب درجاتهم، أما فى داخل كل درجة فتكون
الاسبقية تبعاً لتاريخ منحهم الاجازة القنصلية أو الاذن المؤقت . فاذا اتحد ذلك
التاريخ بالنسبة لشخصين تكون العبرة بتاريخ اخطار الدولة الموفد إليها بأوراق
التعيين . وتكون أسبقية رؤساء البعثات بالنيابة بعد جميع رؤساء البعثات وفقاً
لتاريخ تسلمهم الاعمال .
ويكون
رؤساء البعثات الفخريون بعد الرؤساء العاملين فى كل درجة .
2- الأعضاء
القنصليون :
وهم يشغلون
أحدى الدرجات القنصلية ويملكون مباشرة الاختصاصات القنصلية، ويقوموا بمعاونة رئيس
البعثة القنصلية فى عملة . وتختلف درجات الموظفين القنصليين فى الدول المختلفة .
فهناك درجات متفاوتة من مساعدى ونواب القناصل والملحقين بالقنصليات . وفى حالة
غياب رئيس البعثة القنصلية مؤقتاً يحل محله أقدم الاعضاء القنصليين أو أى شخص آخر
تختاره الدولة الموفدة .
3- الاعضاء
القنصليون الفخريون :
وهم الذين
تختارهم الدولة الموفدة من بين الاشخاص المقيمين فى الجهة التى ترغب فى أن يكون
لها فيها بعثة قنصلية، ويجوز أختيارهم بغض النظر عن جنسيتهم، ولاتدفع لهم مرتبات
لأنه يجوز لهم الاشتغال بمهنة أخرى ولا يملك الأعضاء القنصليون الفخريون كافة
اختصاصات القناصل وانما يقومون ببعض الاعمال القنصلية التى يكلفون بها، كما لا
يتمتعون كقاعدة عامة بالحصانات القنصلية .
4-
الموظفون :
وهم الكتبة
و المترجمون وأمناء المحفوظات والعهد والحرس والمراسلات . ولا يملك هؤلاء مباشرة
الوظائف القنصلية، وان جاز تكليفهم بمباشرة بعضها تحت أشراف أعضاء البعثة القنصلية
.
وما لم يكن
هناك اتفاق صريح على حجم البعثة القنصلية، فاللدولة الموفد إليها أن تطلب أن يبقى
هذا الحجم فى حدود ما تعتبره هى معقولاً وعادياً بالنظر إلى الظروف والاحوال
السائدة فى دائرة اختصاص القنصلية أو إلى احتياجات البعثة القنصلية .
الوظائف
القنصلية :
تغلب الصفة
التجارية والادارية على اختصاصات البعثات القنصلية . وهى تقوم بصفة عامة بحماية المصالح
التجارية والصناعية لدولتها ولمواطنيها، كما تؤدى بعض الاعمال الادارية بتكليف من
دولتها .
وتنقسم
الوظائف القنصلية على النحو الآتى :
1- حماية مصالح الدولة
الموفدة ومصالح رعايا تلك الدولة من أفراد وهيئات وذلك فى حدود التى يسمح بها
القانون الدولى .
2- تنمية العلاقات
التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة الموفدة والدولة الموفد
إليها، وتوثيق علاقات الصداقة بينهما .
3- التعرف بجميع الطرق
المشروعة عن الاحوال الاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية فى الدولة الموفد
إليها وتقديم التقارير المتعلقة بهذه المسائل للدولة الموفدة، وتقديم المعلومات
اللازمة لمن يطلبها من الاشخاص.
4- أصدار الجوازات ووثائق
السفر لرعايا الدولة الموفدة واصدار تأشيرات الدخول للأشخاص الراغبين فى السفر
للدولة الموفدة .
5- مساعدة ومعاونة رعايا
الدولة الموفدة .
6- العمل كموثق للعقود
ومسجل للأحوال المدنية وممارسة بعض الاختصاصات ذات الطبيعة الادارية، ما لم يتعارض
ذلك مع قوانين الدولة الموفد إليها .
7- حماية مصالح رعايا
دولته من أفراد وهيئات فى مسائل الميراث .
8- حماية مصالح القصر
وناقصى الاهلية من رعايا الدولة الموفدة، وبصفة خاصة حينما تكون الولاية على هؤلاء
الأشخاص واجبة .
9- تمثيل رعايا الدولة
الموفدة أمام المحاكم والسلطات الأخرى فى الدولة الموفد إليها فى حالة ما إذا كان
غياب هؤلاء الاشخاص يجعلهم غير قادرين على الدفاع عن مصالحهم فى الوقت النماسب .
ويتم هذا التمثيل وفقاً لقوانين الدولة الموفد إليها وبقصد اتخاذ اجراءات وقتية
للمحافظة على حقو ق ومصالح الرعايا وذلك مع مراعاة التقاليد والاجراءات المتبعة فى
الدولة الموفد إليها .
10-
تقديم المستندات القضائية أو التنفيذية والقيام بانابات
القضائية وذلك بالتطبيق للاتفاقات السارية المفعول . وفى حالة عدم وجود اتفاقات من
هذا النوع يتم تقديم المستندات وفقاً لقوانين الدولة الموفد إليها .
11-
ممارسة الحق والتفتيش المقرر للقناصل فى قوانين الدولة
الموفدة بالنسبة للسفن المستخدمة فى الملاحة البحرية والنهرية التابعة للدولة
الموفدة، وكذلك بالنسبة لطائرات تلك الدولة ولطاقم هذه السفن والطائرات .
12-
تقديم المساعدات للسفن والطائرات التابعة للدولة الموفدة
ولطاقم هذه السفن والطائرات، وتلقى التقارير المتعلقة بالرحلات وفحص أوراقها
والتفتيش عليها، واجراء التحقيق بشأن الاحداث التى تطرأ أثناء رحلتها وذلك دون
أخلال بحقوق وسلطات الدولة الموفد إليها، وتسوية الخلافات بين الربان والطاقم بقدر
ما تسمح به قوانين الدولة الموفدة .
13-
ممارسة جميع الاعمال الاخرى التى تكلف الدولة الموفدة
بعثاتها القنصلية بأدائها بشرط ألا تتعارض مع قوانين الدولة الموفدة إليها وألا
تعترض عليها تلك الدولة، ومباشرة كل الاعمال التى ورد الاتفاق عليها فى أية
اتفاقية تربط الدولة الموفدة بالدولة المفد اليها .
وعلى القنصل فى ممارسته لهذه الوظائف ألا يتصل الا
بالسلطات المحلية فى الجهة التى تقيم فيها .
التسهيلات والمزايا والحصانات الخاصة بالبعثات القنصلية
:
لاتقوم البعثات القنصلية بتمثيل الدولة الموفدة لدى
الدولة المفد إليها ولذلك فهى لا تملك التحدث باسمها، وانما تقوم فقط بالاعمال
القنصلية بتكليف من دولتها، وهذا ما يميز عن البعثات الدبلوماسية .
ويترتب على عدم تمتع البعثات القنصلية بالصفة التمثلية
عدم تمتعها بالحصانات الدبلوماسية .
ومع ذلك جرى العرف الدولى على الاعتراف لها ببعض
الحصانات والامتيازات بقصد تأمين أدائها لاعمالها على أفضل وجه نيابة عن دولتها .
ولقد أقرت اتفاقية فينا 1963ما جرى عليه العرف الدولى،
وأن كانت قد مالت إلى التوسع فى مضمون هذه الحصانات والامتيازات .
التسهيلات والمزايا والحصانات الخاصة بالبعثة نفسها :
1- التسهيلات والمزايا :
للبعثات القنصلية الحق فى الحصول على التسهيلات اللازمة لتأدية أعمالها، ولها الحق
فى استعمال عملها الوطنى وشعارها القومى، ويجب على الدولة الموفد إليها فى حدود
قوانينها أن تيسر للدولة الموفدة حيازة المبانى اللازمة للبعثة القنصلية وأن تساعد
أعضاءها على الحصول على مساكن ملائمة .
2- حرمة المقر : على
الدولة الموفدة أن تتخذ التدابر المناسبة لحماية مقر البعثة القنصلية من أى أعتداء
. وتكون لمبانى القنصلية حرمة ولكنها حرمة محدودة، فهى قاصرة وفقاً لاحكام اتفاقية
فينا على ذلك الجزء المخصص للأعمال القنصلية الذى يمتنع على سلطات الدولة الموفد
إليها دخوله الا باذن من رئيس البعثة القنصلية أو من ينيبة، أو باذن من رئيس
البعثة الدبلوماسية . كما أجازت اتفاقية فينا دخول ذلك الجزء الذى يتمتع بالحرمة
بدون أذن فى حالة الحريق أو أية كارثة أخرى تستدعى أتخاذ تدابير وقائية فورية .
3- حرمة الاتصال : على
الدولة الموفد إليها أن تسمح وتؤمن حرية الاتصال للبعثة القنصلية فى كل ما يتعلق
بأعمالها الرسمية بكل وسائل الاتصال . غير أنه لا يجوز للبعثة القنصلية استعمال
محطة لا سلكية الا بموافقة الدولة الموفد إليها .
4- الحقيبة القنصلية :
وللبعثة القنصلية استعمال حقيبة قنصلية لأغراض الاتصال، ويجب أن تحمل الطرود
المكونة للحقيبة علامات خارجية ظاهرة تدل على طبيعتها، ولا يجوز أن تحتوى على غير
المراسلات الرسمية والوثائق والاشياء المخصصة للاستعمال الرسمى . ويجب أن يزود
حامل الحقيبة بمستند رسمى يثبت صفته وعدد الطرود المكونة للحقيبة . ولا يجوز
موافقة الدولة الموفد إليها أن يكون حامل الحقيبة من رعاياها هذه الدولة أو ممن
يقيمون فيها اقامة دائمة مالم يكن من رعايا الدولة الموفدة .
ولا يجوز فتح الحقيبة القنصلية أو حجزها، ومع ذلك فان
هذه الحصانه ليست مطلقة، فاذا كان لدى سلطات الدولة الموفد إليها أسباب جدية
للاعتقاد بأن الحقيبة تحتوى على أشياء أخرى غير المراسلات أو الوثائق أو الاشياء
المتعلقة بعمل البعثة، فانه يجوز لتلك السلطات أن تطلب فتح الحقيبة فى حضورها
بمعرفة مندوب مفوض من الدولة الموفدة . فاذا رفضت سلطات الدولة الموفدة ذلك تعاد
الحقيبة إلى مصدرها .
كما يتمتع حامل الحقيبة فى أثناء قيامه بمهمته بالحرمة
الشخصية ولا يمكن عرضة لأى نوع من أنواع القبض أو الحجز .
5- الاتصال برعايا الدولة
الموفدة : يجب أن يتمكن أعضاء البعثات القنصلية من الاتصال بحرية بدولتهم . وعلى
السلطات المختصة فى الدولة الموفد إليها اخطار البعثة القنصلية للدولة الموفدة
بدون تأخير فى حالة القبض على أحد رعايا هذه الدولة أو حجزه فى نطاق دائرة
القنصلية إذا ما طلب هو ذلك . كما يجب على هذه السلطات أخطار البعثة القنصلية بأى
اتصال يوجه إليها من الشخص المقبوض عليه أو المحجوز . ويكون لأعضاء البعثة
القنصلية الحق فى زيارة رعايا الدولة الموفدة الموجودين فى السجن أو الحجز وفى
التحدث والتراسل معهم وفى ترتيب من ينوب عنهم قانونا . ويجب مع ذلك امتناع
القنصلية عن أتخاذ أى اجراء نيابة عن أحد الرعايا الموجودين فى السجن أو الحجز إذا
ما أبدى رغبته صراحة فى معارضة هذا الاجراء .
6- الاتصال بسلطات الدولة
الموفد إليها : يجوز للأعضاء القنصلين عند ممارستها لمهام وظائفهم الاتصال
بالسلطات المحلية فى دائرة اختصاص القنصلية، وكذلك بالسلطات المركزية المختصة فى
الدولة الموفد إليها إذا كان فى حدود ما تسمح به قوانين الدولة الموفد إليها .
7- الرسوم والمتحصلات
القنصلية : يجوز للبعثة القنصلية أن تحصل الرسوم والمتحصلات التى تفرضها قوانين
ولوائح الدولة الموفدة على الاعمال القنصلية . وتعفى المبالغ المحصلة من كافة
الضرائب والرسوم فى الدولة الموفد إليها .
التسهيلات والمزايا والحصانات الخاصة بأعضاء البعثة
القنصلية :
( أ ) الحصانة الشخصية : على الدولة الموفد إليها أن
تعامل أعضاء البعثات القنصلية بالاحترام اللازم، وأن تتخذ التدابير لمنع أى اعتداء
على أشخاصهم أو حرياتهم أو كرامتهم ولا يجوز القبض عليهم أو اعتقالهم أو حبسهم
احتياطياً الا إذا ارتكبوا جناية خطيرة وبعد صدور قرار من السلطة القضائية المختصة
.
( ب ) الحصانة القضائية : يخضع أعضاء البعثة القنصلية
للقضاء الجنائى للدولة الموفد إليها ومن ثم تجوز محاكمتهم عن الجرائم التى
يرتكبونها وتنفيذ الاحكام الجنائية النهائية ضدهم، ويجب ابلاغ رئيس البعثة
القنصلية فى حالة القبض على أحد أعضاء بعثته أو حجزة أو اتخاذ اجراءت جنائية ضده،
واما إذا كانت الاجراءات موجهة ضد رئيس البعثة نفسه فيجب أخطار الدولة الموفدة .
ويخضع أعضاء البعثات القنصلية والموظفون القنصليون
للقضاء المدنى للدولة الموفد اليها فيما يتعلق بالاعمال التى يأتونها أثناء
وظائفهم, ومع ذلك فهم يخضعون للقضاء المدنى بالنسبة لهذه الاعمال فى حالتين وهما :
1- بالنسبة لعقد أبرمه عضو
البعثة القنصلية, ولم يكن التعاقد صراحة أو ضمنا بوصفه وكيلا عن الدولة الموفدة .
2- بالنسبة للدعاوى
المرفوعة من الطرف الثالث عن ضرر نتج فى الدولة الموفد اليها بسبب مركب أو سفينة
أو طائرة تابعة للدولة الموفدة .
ويجوز
تكليف أعضاء البعثات بأداء الشهادة أمام الجهات الادارية والقضائية الا اذا كانت
الشهادة عن وقائع تتصل بمباشرة أعمالهم . ولا يجوز تكليفهم بتقديم المكاتبات
والمستندات الرسمية الخاصة بها, كما لا يجوز تكليفهم بأداء الشهادة بوصفهم خبراء
فى القانون الوطنى للدولة الموفدة .
(جـ)
الاعفاء من بعض القيود الخاصة بالاجانب :
قررت
اتفاقية اعفاء أعضاء البعثة والموظفين القنصليون وكذلك أعضاء أسرهم الذين يعيشون
فى كنفهم من جميع القيود التى تفرضها قوانين الدولة الموفدة اليها بشأن تسجيل
الاجانب وتراخيص الاقامة .
ويعفى
أعضاء البعثة القنصلية من تراخيص العمل بالنسبة للخدمات التى يؤدونها للدولة
الموفدة, ويعفى من هذه التراخيص كذلك الخدم الخصوصيون لأعضاء البعثة اذا كانوا لا
يقومون بأية مهنة أخرى بقصد الكسب فى الدولة الموفد اليها .
( د )
الاعفاء من التأمين الاجتماعى :
يعفى أعضاء
البعثة القنصلية بالنسبة للخدمات التى يؤدونها للدولة الموفدة وكذلك أعضاء أسرهم
الذين يقيمون فى كنفهم من أحكام التأمين الاجتماعى المقررة فى الدولة الموفد اليها
. ويسرى الاعفاء كذلك على الخدم الخصوصيين لأعضاء البعثة بشرط ألا يكونوا من رعايا
الدولة الموفد اليها أو من المقيمين فيها اقامة دائمة, وبشرط أن يكونوا خاضعين
لأحكام التأمين الاجتماعى المقررة فى الدولة الموفدة أو فى دولة ثالثة . واذا ما
استخدم أعضاء البعثة القنصلية أشخاصا لا يسرى عليهم هذا الاعفاء, وفقا لما تقدم,
فيجب عليهم اتباع أحكام التأمين الاجتماعى المقررة فى الدولة الموفد اليها على
أصحاب الاعمال .
(هـ)
الاعفاء من الضرائب :
يعفى أعضاء
البعثة القنصلية والموظفون القنصليون وكذلك أفراد أسرهم الذين يقيمون فى كنفهم من
كافة الضرائب والرسوم الشخصية والعينية والقومية والمحلية والبلدية مع استثناء
الضرائب غير المباشرة, والضرائب والرسوم العقارية, وضرائب التركات والأيلولة
والارث, وكذلك الضرائب والرسوم المفروضة على الدخل الخاص الذى يكون مصدره فى
الدولة الموفد اليها, والضرائب والرسوم التى تكون مقابل تأدية خدمات خاصة, والرسوم
القضائية ورسوم التسجيل والرهن والدمغة .
ويجب على
أعضاء البعثة القنصلية الذين يستخدمون أشخاصاً تخضع مرتباتهم أو أجورهم لضريبة
الدخل فى الدولة الموفد إليها أن يحترموا الالتزامات التى تفرضها قوانين ولوائح
هذه الدولة على أصحاب الاعمال فيما يختص بتحصيل ضريبة الدخل.
( و)
الاعفاء من الرسوم الجمركية والتفتيش الجمركى : على الدولة الموفد إليها أن تسمح
بادخال الاشياء التالية مع اعفائها من كافة الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم
الأضافية الاخرى ما عدا رسوم التخزين والنقل والخدمات المماثلة :
1- الاشياء المخصصة
للاستعمال الرسمى للبعثة القنصلية .
2- الاشياء المخصصة
للاستعمال الشخصى لأعضاء البعثات القنصلية وأعضاء أسرهم الذين يعيشون فى كنفهم بما
فى ذلك الاشياء المعدة لاقامتهم .
على أنه لا يجوز أن تتعدى المواد الاستهلاكية الكميات
الضرورية للاستعمال المباشر لأعضائها، كما يعفى أعضاء البعثة القنصلية وأفراد
عائلاتهم من التفتيش الجمركى على أمتعتهم الشخصية التى يصحبونها معهم . على أنه
إذا كانت هناك أسباب جدية للاعتقاد بأن هذه الأمتعة تحتوى على أشياء
محظوراستيرادها أو تصديرها فيجوز اجراء التفتيش على أن يكون ذلك فى حضور العضو أو
صاحب الشأن من عائلته .
(ز) تركة
عضو البعثة القنصلية وأفراد عائلته :
تلتزم
الدولة الموفد اليها بالسماح بتصدير منقولات المتوفى عدا تلك التى حازها فى الدولة
الموفد اليها والتى يكون قانون تلك الدولة يمنع تصديرها. كما لا يجوز تحصيل الرسوم
القومية المحلية والبلدية على التركة أو على نقل ملكية المنقولات التى ارتبط
وجودها فى الدولة الموفد اليها بوجود المتوفى بوصفة عضوا فى البعثة القنصلية أو
فردا من أسرة المتوفى .
(ح)الاعفاء
من الخدمات الشخصية :
يجب اعفاء
أعضاء البعثة القنصلية وأفراد عائلتهم الذين يعيشون فى كنفهم من كافة الخدمات
الشخصية والعامة أيا كانت طبيعتها, ومن الالتزامات العسكرية كتلك التى تتعلق
بالاستيلاء وبالمساهمة فى الجهود العسكرية وبايواء الجنود .
ويبدأ
تمتعهم بالحصانات من تاريخ دخولهم اقليم الدولة أو من التاريخ الذى أصبحوا فيه
أعضاء فى أسرة العضو أو دخلوا فى خدمته . وينتهى تمتعهم بالحصانات من تاريخ انتهاء
تمتع عضو البعثة بالحصانة أو بانتهاء انتمائهم الى أسرة العضو أو خروجهم من خدمته
.
واجبات
أعضاء البعثات القنصلية :
ان تمتع
أعضاء البعثات القنصلية بالحصانات لا يعفيهم من ضرورة احترام الالتزامات التالية :
1- ضرورة احترام قوانين
ولوائح الدولة الموفد اليها .
2- عدم التدخل فى الشئون
الداخلية للدولة الموفد اليها .
3- عدم استعمال مقر
القنصلية على أى نحو لا يتفق مع ممارسة الاعمال القنصلية . ولقد أجازت المادة (55)
من اتفاقية فينا سنة 1963 اقامة مكاتب ومؤسسات أخرى فى جزء من مبانى القنصلية بشرط
أن تكون الاماكن المخصصة لهذه المكاتب لا تعتبر جزءا من مقر القنصلية فيما يتعلق
بالحصانات .
4- يجب على أعضاء البعثة
القنصلية أن يقوموا بجميع الالتزامات التى تفرضها قوانين الدولة الموفد اليها
بالنسبة للتأمين عن المسئولية المدنية المترتبة على استعمال أية سيارة أو سفينة أو
طائرة .
5- لا يجوز لأعضاء البعثة
القنصلية العاملين ( غير الفخريين ) أن يقوموا فى الدولة اليها بمزاولة أى نشاط
مهنى أو تجارى بقصد الكسب الشخصى .
أما
بالنسبة لموظفى البعثة القنصلية والخدم فانهم لا يتمتعون بالحصانات القنصلية هم
وأفراد أسرهم اذا ما زاولوا أية مهنة تدر دخلا خاصا فى الدولة الموفد اليها, كما
لايتمتع بالحصانات القنصلية كل فرد من عائلة عضو بعثة قنصلية يقوم بمزاولة مهنة
تدر دخلا خاصا فى الدولة الموفد اليها .
حصانات
وأمتيازات الاعضاء القنصليين الفخريين :
لكل دولة
الحق فى تعيين أو قبول أعضاء قنصليين فخريين . ومن المقرر بصفة عامة أن الحصانات
القنصلية مقررة للقناصل العاملين دون الفخريين . ومع ذلك قررت اتفاقية فينا سنة
1963 منح القنصليات الفخرية وأعضاء البعثات القنصلية الفخريين بعض الحصانات
والامتيازات . ومن ذلك أن الدولة الموفد اليها تلتزم بتسهيل حصول القنصلية الفخرية
على مقر وبتأمين حريتها فى الاتصال بدولتها وبرعايا دولتها, وباعفائها من الضرائب
عن رسوم ومتحصلات القنصلية .
ولا يتمتع
الأعضاء القنصليون والفخريون بالحصانة الجنائية وان كان يجب اخطار الدولة الموفدة
فى أحوال القبض عليهم, وهم يتمتعون بالحصانة المدنية بالنسبة لاعمال وظائفهم .
ويجب حماية القنصل الفخرى من أى اعتداء, كما يعفى من القيود الخاصة بتسجيل الاجانب
واقامتهم باستثناء من يقوم بأداء نشاط مهنى او تجارى بقصد الربح الخاص . ويجب
اعفاؤه من الضرائب والرسوم على المكافآت والمرتبات التى يتقاضاها من الدولة
الموفدة نظير القيام بأعماله القنصلية, كما يعفى من الرسوم الجمركية بشأن ما
يستورده للاستعمال الرسمى للبعثة القنصلية كالأختام والاعلام والاثاث والمكاتب .
حصانات من
يعملون فى البعثات القنصلية من رعايا الدولة الموفد اليها أو من المقيمين فيها :
لا يتمتع
أعضاء البعثات القنصلية من رعايا الدولة الموفد اليها أو من المقيمين فيها اقامة
دائمة الا بالحصانة القضائية وبالحصانة الشخصية عن الاعمال الرسمية التى يقومون
بها فى تأدية أعمالهم . ومع ذلك يجب اخطار الدولة الموفدة فى أحوال القبض عليهم
وأن تتم الاجراءات الجنائية فى مواجهتهم بطريقة لا تعوق ممارسة الاعمال القنصلية .
انتهاء
أعمال عضو البعثة القنصلية :
تنتهى
أعمال عضو البعثة القنصلية بوفاته أو استقالته, أو بقيام الدولة الموفدة بابلاغ
الدولة الموفد اليها بانتهاء أعماله, أو بسحب اجازته القنصلية, أو باخطار من
الدولة الموفد اليها الى الدولة الموفدة بأنها أصبحت لا تعتبره شخصا معينا ضمن
موظفى البعثة القنصلية . كما تنتهى مهمته بانعدام الشخصية الدولية لدولته أو
للدولة المبعوث لديها نتيجة لضمها لدولة أخرى مثلا .
ولما كان
القنصل لا يتمتع بالصفة التمثيلية فان مهمته لا تنتهى فى حالة وفاة أو تغيير رئيس
دولته أو رئيس الدولة الموفد اليها . كما لا تنتهى المهمة القنصلية فى حالة تغير
نظام الحكم فى الدولة الموفدة أو فى الدولة الموفد اليها أو فى حالة انقطاع
العلاقات الدبلوماسية بينهما . ولا تؤدى قيام حالة الحرب الى انتهاء مأمورية
القنصل لأنه لا يتمتع بصفة سياسية, وانما يحصل عادة أن يستدعى بواسطة دولته
لاستحالة قيامه بمهمته لما يترتب على الحرب من قطع للعلاقات السلمية بين الدولتين
.
**
الباب الثانى **
المعاهدات
مقدمة :
------
تعريف
المعاهدات :
المعاهدات
اتفاق يكون أطرافه الدولة أو غيرها من أشخاص القانون الدولى ممن يملكون أهلية
ابرام المعاهدات، ويتضمن الاتفاق انشاء حقوق والتزامات قانونية على عاتق أطرافه، كما
يجب أن يكون موضوعة تنظيم علاقة من العلاقات التى تحكمها القانون الدولى :
ومن الثابت
أن المعاهدات يجب أن يتم أبرامها كتابة . على أن هذا لا ينفى أن الاتفاق غير المكتوب – الذى يتم بطريقة شفوية بين ممثلى
الدول ممن تكون لهم سلطة الزام الدولة – يكون ملزماً وواجب الاحترام ولقد قررت
محكمة العدل الدولية الدائمة ذلك فى عدد من القضايا، وأهمها قضية جرينلند الشرقية
1933 التى ورد فيها أن البيان الذى أدلى به وزير خارجية النرويج لوزير الدانمارك
المفوض فى أثناء مقابلة رسمية يعتبر ملزماً للحكومة النرويجية .
ومع
الاعتراف بالقيمة القانونية للاتفاق غير المكتوب، يجب أن تأخذ المعاهدات بالمعنى
الصحيح شكل وثيقة كتابية، لأنه من الضرورى لتحقيق الاستقرار فى العلاقات الدولية
أن تتم الاتفاقات الدولية عن طريق الكتابه .
فضلاً عن
أن المادة102 من ميثاق الأمم المتحدة التى تشترط تسجيل المعاهدات ونشرها نفترض أن
تكون المعاهدات قد تم ابرامها كتابة .
وبهذا
الاتجاه أخذت المادة الأولى من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات .
وليس من
الضرورى أن يتم اثبات المعاهدات فى وثيقة واحدة، بل أنه من الجائز أن تتكون
المعاهدة من عدة وثائق متكاملة يستفاد من مجموعها اتفاق الاطراف بشأن تنظيم علاقة
معينة، ومن هذا القبيل أن تبادل المذكرات يعتبر من قبيل المعاهدات .
ولا تعتبر
من قبيل المعاهدات الاتفاقات التى يكون من
بين أطرافها أشخاص قانونية غير الدولة أو المنظمات الدولية أو البابا
الكاثوليكى .
كما لا
يعتبر من قبيل المعاهدات الاتفاقات التى تنظيم مسائل لا يحكمها القانون الدولى،
والتى لم يكن فى نية أطرافها أخضاعها لاحكام القانون الدولى . فمن الجائز أن تبرم
الدول فيما بينها اتفاقات تسمى عادة بالعقود الدولية أو بالعقود العامة، وهى تتصل
بأمور مختلفة كعمليات بيع أو شراء أو أيجار أو مقاولة، أو غير ذلك من المسائل التى
ينظمها القانون الداخلى . وتنصرف نية أطراف هذه العقود عادة إلى اخضاعها للقانون
الداخلى لدولة من الدول أو لبعض المبادئ القانونية المقبولة منها .
ويتولى
القانون الدولى الخاص تحديد القانون الواجب التطبيق والمحاكم المختصة بالنسبة لهذا
النوع من العقود .
كما لا
يعتبر من قبيل المعاهدات التصريحات التى تصدر عن رؤساء الدول أو الحكومات والتى
تتضمن تحديداً لسياسة مشتركة بشأن بعض المسائل الدولية، وذلك إذا ما كان واضحاً أن
هذه التصريحات لم يكن القصد منها انشاء حقوق والتزامات قانونية .
**
الفصل الاول **
شروط صحة المعاهدات وعناصرها
يشترط لصحة
انعقاد المعاهدات توافر مجموعة من العناصر القانونية الأساسية من أطراف ذوى أهلية،
وموضوع مشروع، وارادة صحيحة، وشكل سليم . كما أن المعاهدات قد تحتوى على عناصر
أخرى تبعية كالأجل والشرط والتحفظات .
**
المبحث الاول **
شروط صحة المعاهدات
أولا :
أهلية ابرام المعاهدة :
يسلك أشخاص
القانون الدولى العام أى الدول والبابا والمنظمات الدولية حق ابرام المعاهدات . وعلى
ذلك لاتعتبر معاهدة دولية الاعمال التى يأتيها أشخاص القانون الداخلى كالهيئات
العامة أو المحليات حتى لو اتخذت فى بعض الظروف شكل الاتفاق الدولى .
ويشترط لتمتع
الدولة بأهلية ابرام المعاهدات أن تكون كاملة السيادة, فاذا كانت ناقصة السيادة
فهى تملك أو لاتملك أهلية عقد المعاهدات وفقا لعلاقة التبعية التى تربطها بالدولة
صاحبة الولاية عليها. وتتوقف أهلية الدول التى تكون عضوا فى اتحاد بابرام
المعاهدات على القواعد المبينة فى وثيقة الاتحاد سواء أخذت شكل دستورا أو اتفاق
دولى .
وقد سبق أن
ذكرنا أن الدول الموضوعة فى حالة حياد دائم لا يجوز لها أن تبرم من المعاهدات ما
يتنافى مع تلك الحالة كمعاهدات التحالف والضمان .
أما
بالنسبة لاشخاص القانون الدولى عدا الدول كالبابا والمنظمات الدولية, فهم يملكون
أهلية عقد المعاهدات التى تتفق مع الاختصاص المحدود المعترف به لهم ولا يملكون أهلية
ابرام غير ذلك من المعاهدات .
موضوع
المعاهدة :
يجب أن
يكون موضوع المعاهدة مشروعا, ويكون الموضوع مشروعا اذا كان لايخالف قاعدة آمرة من
قواعد القانون الدولى . ولقد أكدت المادة 53 من اتفاقية قانون المعاهدات بطلان
المعاهدات التى تكون وقت ابرامها مخالفة لقاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون
الدولى . وعرفت الاتفاقية القواعد الآمرة بأنها القواعد المقبولة والمعترف بها من
المجتمع الدولى بأكمله كقواعد لا تجوز مخالفتها ولا يمكن تعديلها الا بقواعد لاحقة
لها نفس الطبيعة, ومن أمثلتها القواعد الخاصة بحرية الملاحة فى أعالى البحار .
ثانيا :
الارادة :
الارادة
المعبر عنها فى المعاهدة يجب أن يكون منسوبة الى الدولة وصحيحة .
( أ ) نسبة
الارادة الى الدولة :
تكون
الارادة منسوبة الى الدولة اذا كانت صادرة من أحد ممثلى الدولة الذين يملكون سلطة
ابرام المعاهدات . ولا يمكن الاحتجاج وبمخالفة هؤلاء الاشخاص لاختصاصهم المحدد حسب
قواعد القانون الداخلى الا اذا كانت هذه المخالفة صريحة وتتصل بقاعدة من قواعد
القانون الداخلى لها أهمية جوهرية . وتعتبر المخالفة صريحة اذا كان من الممكن لأية
دولة اكتشافها فى الظروف العادية للتعامل الدولى ومع توافر حسن النية .
على أن
الدولة اذا ما اكتشفت بعد ابرام المعاهداة أنها كانت ضحية لتدليس كان لها أن تطعن
بعدم صحة رضاها بأحكام المعاهدة أو بأحكام نص فى تلك المعاهدة . كما يجوز للدولة
أن تطعن بعدم صحة الرضا اذا كانت وقد وقعت فى غلط يتصل بواقعة معينة كانت من العوامل
الاساسية فى ابرام المعاهدة ( م 48, 49 من الاتفاقية ) .
( ب ) عيب
الاكراه :
يقضى
القانون الدولى التقيدى بأنه يمكن الاحتجاج بالاكراه كعيب مبطل للمعاهدة بشروط
معينة .
فاذا كان
الاكراه واقعا على أشخاص ممثلى الدولة فانه يبطل المعاهدة .
أما
الاكراه الواقع على الدولة نفسها- سواء أكان أكراها ماديا نتج عن حرب أعلنتها دولة
على أخرى أو اكراها معنويا نتج عن ضغط سياسى أو اقتصادى باشرته دولة تجاه أخرى –
فقد كان لايبطل المعاهدة وفقا للقانون الدولى التقليدى .
ويعلل
الشراح التقليديون هذه القاعدة الغريبة التى تتنافى مع مبادئ القانون العامة
بمجموعة من الاسباب . فيذكر أوبنهيم أنها نتيجة منطقية للاعتراف بالحرب كوسيلة
مشروعة من وسائل تغيير القانون, ويضيف أغلبية الشراح انه من اللازم احترام
المعاهدات التى تفرض بالقوة على دولة ما, والا لاستمرت الحروب ولما أمكن وضع نهاية
لها .
ولا يمكننا
التسليم بقاعدة جواز الاحتجاج بالاكراه الواقع على الدولة لابطال المعاهدات لما
يلى :
1- تتنافى هذه القاعدة مع
المبادئ المسلم بها فى كافة الانظمة القانونية من أن التعبير عن الارادة يجب أن
يكون حرا والا كان فاسدا .
2- لا يمكن القول ان هذه
القاعدة تحقق استقرار التعامل الدولى لأن الاستقرار المبنى على تثبيت أوضاع ظالمة
لا يعد استقرارا؛ اذ أن الدول سوف تسعى دائما لاسترداد حقوقها المهضومة مهما طال
الضغط عليها وحرمانها منها .
3-
أصبحت القاعدة وفقاً
لميثاق الأمم المتحدة سنة 1955تحريم الالتجاء للحرب أو استعمال القوة لتحقيق أغراض
تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة، فالدولة التى تلجأ للحرب أو استعمال القوة مخافة
بذلك هذه الالتزامات لا يمكنها أن تستند إلى أعمالها غير المشروعة فى فرض معاهدة
على دولة من الدول .
ولقد وضعت اتفاقية قانون المعاهدات بعض الحجج المتقدمة
فى اعتبارها فنصت فى المادة 52على بطلان المعاهدة إذا كان ابرامها قد تم نتيجة
لاستعمال القوة أو للتهديد باستعمالها بالطريقة تخالف مبادئ ميثاق الأمم المتحدة .
ثالثاً – شكل المعاهدة :
( أ ) سلطة ابرام المعاهدة :
من المقرر أن رؤساء الدول وكذلك رؤساء الحكومات ووزراء
الخارجية يستطيعون اجراء المفاوضات، وتحرير نص المعاهدة واعتماده والتوقيع على
المعاهدة دون حاجة إلى تفويض خاص من دولهم . ويملك رؤساء البعثات الدبلوماسية، فى
الدول الموفدين إليها، اجراء المفاوضات لابرام المعاهدة ولتحرير نصها واعتماده دون
حاجة إلى تفويض خاص، ولكنهم يحتاجون إلى تفويض كتابى للتوقيع عليها . أما غير
هؤلاء من الاشخاص فيحتاجون إلى أوراق اعتماد خاصة سواء بالنسبة لأجراء المفاوضات
أو التحرير نص المعاهدة، كما يحتاجون إلى تفويض كتابى بالتوقيع عليها، ويصدر
التفويض بالتوقيع على المعاهدة فى جمهورية مصر العربية من وزير الخارجية وذلك بعد
موافقته على مشروعها .
على أنه فى المعاهدات التى تأخذ شكلاً مبسطاً لا يشترط
تقديم وثيقة تفويض بالتوقيع الا إذا طلب ذلك الطرف الآخر .
( ب ) المفاوضات وتحرير نص المعاهدة واعتماده :
تتم المفاوضات المتصلة بابرام المعاهدة أما عن طريق البعثات
الدبلوماسية الدائمة أو بعثات خاصة أو فى اجتماعات لمؤتمرات دولية أو لفروع
لمنظمات دولية . وحينما تتم المفاوضات، ويجرى تحرير نص المعاهدة بواسطة المفاوضين،
يتم اعتماد النص باعتباره معبرا عما تم الاتفاق عليه . ويتم الاعتماد عادة
بالتأشير على المعاهدة بالأحرف الأولى لاسماء المفاوضين أو بصدور قرار من مؤتمر
دولى أو من منظمة دولية باعتماد النص .
(جـ ) قبول الالتزام بالمعاهدة :
يتم تعبير الدولة عن ارادتها فى الالتزام ة بأحكام
المعاهدة بعدة وسائل وذلك على النحو الآتى :
1- التوقيع :
يوضع التوقيع فى أسفل نصوص المعاهدة بواسطة المندوبين
المفوضين لذلك والتوقيع يفيد الاتفاق بين
دولتين أو أكثر على الاحكام الواردة فى المعاهدة، ولكنه لا يكفى عادة لقبول
الالتزام بالمعاهدة رسمياً حتى ولو كان الموقعون لديهم التفويض الكافى لالزام
الدولة؛ إذ أن المعاهدة لا تتم فى كثير من الاحوال الا بالتصديق عليها من السلطات
المختصة فى كل دولة ولكن هل ينبنى على ذلك
أن التوقيع – حينما يكون التصديق عليها متطلباً – لا ينتج أى أثر قانونى ؟ يرى
البعض أن التوقيع على معاهدة يفيد التزام الدولة التى وقع مندوبها بعدم رفض
التصديق الا لأسباب وجيهة وخطيرة وفى غير
هذه الاحوال يكون من الممكن مساءلة الدولة التى رفضت التصديق على معاهدة وقعتها.
ولم ترتب اتفاقية قانون المعاهدات أثراً قانونياً على
التوقيع على المعاهدات حينما يكون التصديق عليها متطلباً سوى اعطاء الدولة الموقعة
الحق فى التصديق على المعاهدة، والتزامات بالامتناع عن اتيان أعمال القصد منها
المساس بموضوع المعاهدة أو الغرض منها الا إذا كانت قد أعلنت عزمها التصديق ( م18)
.
ويعتبر التوقيع على المعاهدة بمثابة قبول للالتزام
بأحكامها فى الاحوال الآتية
( أ ) إذا نصت المعاهدة على أن يكون للتوقيع هذا الأثر .
( ب ) إذاثبت بطريقة أخرى أن ارادة الدول المتفاوضة قد
انصرفت إلى أعطاء التوقيع هذا الأثر .
( جـ ) إذا أعلنت الدولة أنها تعطى التوقيع هذا الأثر فى
وثيقة التفويض بالتوقيع .
ونلاحظ ان العرف الدبلوماسى اوجد عدة طرق للتخلف من آثار
التوقيع، فأحياناً يكتفى بتذييل المعاهدة بالاحرف الاولى من الأسماء، وأحياناً
أخرى يتم توقيع المعاهدة تحت شرط الرجوع للسلطات المختصة .
ولا ينتج التوقيغ بالاحرف الاولى آثاره الا إذا أعقبه
التوقيع بالاسم كاملاً أو اتفق الاطراف على أن يكون له اثر التوقيع . كما أن
التوقيع بشرط الرجوع للسلطات المختصة لا يعتبر توقيعاً نهائياً الا بعد اقراره
بواسطة هذه السلطات .
2- تبادل وثائق المعاهدة :
قد يتم التعبير عن ارادة الدولة فى الالتزام بالمعاهدة
عن طريق تبادل الوثائق الخاصة بالمعاهدة وذلك إذا ما نصت هذه الوثائق على أن
تبادلها ينتج هذا الأثر أو تبين أن أطراف المعاهدة اتفقوا على ذلك .
وتتبع الدول هذا الاسلوب فيما يتعلق بقبول المعاهدات ذات
الشكل المبسط كتلك التى عن طريق تبادل الخطابات أو المذكرات .
3- التصديق :
التصديق هو قبول المعاهدة رسميا من السلطة التى تملك عقد
نيابة عن الدولة, ولا يعتبر التصديق حينما يكون ضروريا مجرد اجازة للمعاهدة بل هو
الاعلان الحقيقى لارادة الدولة فى الالتزام, وهو الذى يحدد اللحظة التى تصبح فيها
المعاهدة ملزمة . ولقد كانت الحكمة من التصديق فى القديم أن يتأكد الملك من أن
مندوبيه لم يتجاوزوا التعليمات الصادرة اليهم . أما الآن فالغرض منه اعطاء الفرصة
لحكومة كل دولة وللسلطات النيابية فيها لاعادة النظر فى المعاهدة حتى تتأكد من
أنها لاتحتوى على ما يتعارض مع مصالح الدولة .
والاصل أن كل معاهدة لابد أن يتم التصديق عليها الا اذا
تنازلت الدولة عن حقها فى التصديق صراحة أو ضمنا . وعلى ذلك لا يكون التصديق متطلبا
اذا كانت نصوص المعاهدة تفيد التزام أطرافها بها بمجرد التوقيع عليها, أو اذا كانت
وثائق التفويض بالتوقيع تنص على الالتزام بالتوقيع دون حاجة الى التصديق؛ أو اذا
كانت من النوع المبسط الذى يتم عن طريق تبادل الخطابات أو المذكرات أو غير ذلك من
الاشكال المبسطة . على أنه حتى فى هذه الاحوال الاستثنائية – يكون التصديق متطلبا
اذا ما نصت على ذلك المعاهدة, أو اذا ما كانت وثائق التوقيع المقدمة بطريقة سليمة
لممثلى الاطراف الآخرين تشترط التصديق, أو كان ذلك واضحا من تصريحات أطراف
المعاهدة فى مرحلة ابرامها ( م 14 من اتفاقية قانون المعاهدات ).
( د ) تبادل التصديقات أو أيداعها :
ولكى ينتج التصديق آثاره يجب أن تعلم به الدول الاخرى
الموقعة على المعاهدة, وهذا يتحقق عن طريق تبادل الوثائق التى تفيد التصديق
بالنسبة للمعاهدات الثنائية, أو ايداعها لدى حكومة دولة معينة فى حالة المعاهدات
الجماعية .
واذا ما تم تبادل التصديقات أو ايداعها العدد المتبقى
عليه فى المعاهدة منها, أصبح للمعاهدة كيان قانونى وتقيدت بها الدول التى صدقت
عليها .
( هـ ) التسجيل :
نصت المادة الثانية بعد المائة من ميثاق الأمم المتحدة
على وجوب تسجيل المعاهدات والاتفاقات التى يعقدها أعضاء الهيئة لدى الامانة
العامة، وأن على هذه أن تقوم بنشرها بأسراع ما يمكن . وجزاء عدم تسجيل المعاهدة
وفقاً لميثاق الأمم المتحدة هو عدم جواز التمسك بها أمام الامم المتحدة أو أى فرع
من فروعها، وهذا لا ينفى أن المعاهدة غير المسجلة معاهدة صحيحة ونافذة .
** المبحث الثانى **
العناصر التبعية للمعاهدات
اولاً – الأجل :
يحدد الأجل بدء أو انتهاء العمل بالمعاهدات أو ببعض
أحكامها، وتحتوى المعاهدات عادة على نصوص من هذا القبيل . ومثالها أن تنص المعاهدة
على أن تسرى أحكامها بعد مضى فترة من الزمن بعد ايداع التصديقات، أو على أن ينتهى
العمل بأحكامها بعد زمن معين من دخولها فى دور التنفيذ .
ثانياً : الشرط :
الشرط عبارة عن حادثة مستقلة وغير مؤكدة تحدد بدء أو
انتهاء العمل بالمعاهدة أو ببعض أحكامها .
ثالثاً : التحفظات :
يحدث أحياناً أن الدولة مع قبولها للمعاهدة تصرح برفضها
لبعض النصوص أو تعطى لها تحديداً معيناً .
والتحفظات أما أن ترد وقت التوقيع على
المعاهدة وفى هذه الحالة يمكن مناقشتها بواسطة الاطراف قبل اتمام المعاهدة . أو
ترد وقت التصديق عليها أو الانضمام إليها، وهنا يجب قبولها من الدول الاخرى الا إذا
نصت المعاهدة على امكان أصدار مثل هذه التحفظات . ( المادة 19 من اتفاقية فينا )
على أنه
لمعرفة الآثار القانونية المترتبة على التحفظات تجب التفرقة التالية :
( أ ) فى
المعاهدات الثنائية أو محدودة العضوية : يجب قبول التحفظ بواسطة الطرف أو الاطراف
الآخرى فى المعاهدة وذلك لكى ينفذ مفعوله .
( ب ) فى
المعاهدات الجماعية : من المتصور فى هذه الحالة أن تقبل بعض الدول الاطراف التحفظ
وأن ترفضه دول اخرى، فيسرى التحفظ فى حق من قبله ولا يسرى فى حق باقى أطراف
المعاهدة .
ولكن هل
تعدد الدول التى أبدت تحفظات على المعاهدات طرفاً فيها ؟
وقد ذكرت
محكمة العدل الدولية فى رايها الذى اصدرته فى 28مايو سنة 1951أن الدولة التى تضع
تحفظات أعترفت بها بعض الدول المنضمة للمعاهدة دون البعض الآخر يجب اعتبارها عضواً
فى المعاهدة إذا كانت التحفظات تتمشى مع موضوع وغرض المعاهدة ولا تخالفه، وأن كان
لا يمكن الاحتجاج بهذه التحفظات على الدول التى لم تقبلها لأن الدول لا تلتزم بغير
ارادتها .
ولقد قررت
المادة العشرون من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات أنه إذا أبدت دولة تحفظاً على
معاهدة وتم قبوله بواسطة طرف من أطراف المعاهدة على الاقل فان الدولة التى أبدت
التحفظ تعتبر طرفاً فى المعاهدة بالنسبة للدولة التى قبلت التحفظ . ويسرى التحفظ
فقط فى علاقات الدولة التى أبدت التحفظ مع الدولة التى قبلته، وعلى أن أعتراض طرف
من أطراف المعاهدة على التحفظ لا يحول دون نفاذ المعاهدة فى علاقة الدولة المعترضة
والدولة المتحفظة وذلك بالنسبة للنصوص التى لم يتم التحفظ عليها، الا إذا اتضحت
نية مغايرة للدولة المتحفظة .
**
الفصل الثانى **
الاثار القانونية للمعاهدات
يبدأ تنفيذ
المعاهدة بالطريقة التى حددتها المعاهدة, وفى التاريخ المتفق عليه بين أطرافها.
وفى حالة عدم وجود نص أو اتفاق فى هذا الشأن, يبدأ نفاذ المعاهدة حينما يتم قبول جميع
الدول المتفاوضة الالتزام بالمعاهدة, واذا تم قبول المعاهدة بواسطة احدى الدول فى
تاريخ لاحق على نفاذها, فان المعاهدة تعتبر نافذة فى موجهتها من هذا التاريخ.
ويجوز الاتفاق على نفاذ الممعاهدة أو أى جزء منها مؤقتا لحين دخولها فى دور النفاذ
.
وسنعالج
فيما يلى آثار المعاهدات فيما بين أطرافها وبالنسبة للغير, وطرق تفسير المعاهدات .
المبحث الأول
آثار المعاهدة
فيما بين الاطراف
:
للمعاهدة -
أثناء نفاذها – قوة القانون بين أطرافها, فهى تلزم جميع الدول التى صدقت عليها أو
انضمت لها تطبيقا لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين, وعلى أطراف المعاهدة أن
يتخذوا الاجراءات الكفيلة بتنفيذها, فان قصروا فى القيام بهذا الالتزام ترتبت
مسئوليتهم الدولية .
ومن المقرر
أن احكام المعاهدة لا تسرى على الماضى بالنسبة للأعمال أو الوقائع التى تمت قبل
نفاذها .
ومن المقرر
كذلك أن المعاهدة تنطبق على كافة أجزاء الاقاليم التابعة لأطرافها الا اذا اتضح
غير ذلك من نصوص المعاهدة ( المادة 29 من اتفاقية فينا ) .
واذا عقدت
الدولة معاهدة فان سائر سلطاتها العامة وكافة رعاياها يلتزمون بتطبيق أحكامها,
ولقد سبق أن بينا الحلول التى أخذت بها الدول المختلفة فيما يتعلق بنفاذ المعاهدات
فى اقليمها .
بالنسبة
للغير :
المبدأ
العام أن أثر المعاهدات لا ينصرف الى من لم يشترك فيها من الدول فهى لا ترتب لهم
حقوقا أو تفرض عليهم التزامات .
وينتج عن
هذا أنه لا يجوز لدولة أن تطالب بتنفيذ معاهدة لا تكون طرفا فيها أو تستند لمثل
هذه المعاهدة للمطالبة بحق من الحقوق . وهذا لا ينفى بداهة أنه من المتصور أن
تستفيد دولة من أحكام معاهدة ليست طرفا فيه, وذلك اذا كان تنفيذ الالتزامات
الواردة فى المعاهدة يحقق نفعا لها . ومثال ذلك أن تتفق دولتان فى معاهدة على ضمان
سلامة اقليم دولة ليست طرفا فى المعاهدة . والراجح أن الدولة ( الغير ) لا تستطيع
فى مثل هذه الاحوال أن تطالب بحق مباشر أن تطلب من أطراف المعاهدة تنفيذ
الالتزامات الواردة بها . ولقد أيدت محكمة العدل الدولية الدائمة هذا الرأى فى
حكمها الصادر فى سنة 1926 فى النزاع الألمانى البولونى بشأن " المصالح
الالمانية فى سيليزيا العليا البولندية ", وذكرت المحكمة أنه لا يجوز لبولندة
أن تستند الى اتفاقات الهدنة التى أعقبت الحرب الحرب العالمية لأنها لم تكن طرفا
فيها .
ووفقا
للقاعدة المتقدمة لا يمكن أن تنشئ المعاهدات التزمات أو حقوقا للدول غير الاطراف
بدون موافقتها وذلك احتراما لقاعدة سيادة الدول .
ومع ذلك قد
يمتد اثر المعاهدات الى غير أطرافها على سبيل الاستثناء وذلك فى الاحوال الآتية :
1- المعاهدت المرتبة
لاوضاع تستقر فى العرف الدولى :
تلتزم كافة الدول باحترام المبادئ الواردة فى المعاهدات
الجماعية المنظمة لا مور تهم المجتمع الدولى اذا ما استقرت هذه المبادئ فى العرف
الدولى .
ومن أهم أمثلة هذه المعاهدات ما وضع نظاما قانونيا
لاقليم معين, كمعاهدة القسطنطينية سنة 1888 التى قررت نظام قناة السويس, ومعاهدة
سنة 1815 التى فرضت حياد سويسرا الدائم, فهذه المعاهدات ينصرف أثرها للغير باعتبار
أنها استقرت فى العرف الدولى .
2- شرط الدولة الاكثر رعاية :
من الدول من يرتبط مع بعض الدول الاخرى بمعاهدات تقرر
معاملة أطرافها معاملة الدولة الاكثر رعاية. ومعنى ذلك السماح للأطراف بالاستفادة
من كل امتياز يمنحه طرف فى المستقبل لدولة ما بالنسبة لأمر من الامور التى تم
الاتفاق عليها فى المعاهدة . ويعد هذا الشرط وسيلة انضمام غير مباشرة واحتمالية,
وقد ظهر أولا فى المعاهدات التجارية والاقتصادية, ولكن تطبيقه أوسع من ذلك لأنه
كثيرا ما يشمل كافة المسائل المتصلة بمركز الاجانب أو بتنازع القوانين .
3- الاشتراط لمصلحة الغير :
قد ينشأ حق لدولة ليست طرفا فى المعاهدة نتيجة
لنص وارد فيها وذلك اذا قصد أطراف المعاهدة بهذا النص منح هذا الحق لدولة معينة أو
مجموعة من الدول أو للدول جميعا, ووافقت الدول الغير على ذلك صراحة أو ضمنا . وتلتزم
الدولة التى تمارس حقا نتيجة لنص من هذا النوع بمراعاة شروط هذا الحق المنصوص
عليها فى المعاهدة . ولا يجوز لاطراف المعاهدة الغاء أو تغيير حق تم النص عليه
لمصلحة الغير اذا ثبت أن أطراف المعاهدة قد قصدوا ألا يتم تعديل أو ألغاء الحق
الممنوح للغير بدون موافقته .
الانضمام
للمعاهدات أو قبولها :
تجب
التفرقة بين المعاهدات المقفلة والمعاهدات المفتوحة .
والمعاهدات
المقفلة هى التى لا تحتوى على نص يبيح انضمام الدول الاخرى اليها, ومن ثم يكون من
اللازم لانضمام الغير حصول مفاوضات مع أطراف المعاهدات الاصليين وقبولهم لهذا
الانضمام . أما المعاهدة المفتوحة فهى التى تحتوى نصا يبيح انضمام الغير اليها أو
قبولهم لها, ويكون هذا النص فى العادة بمثابة دعوة موجهة الى الدول غير الاطراف
لكى تقبل الانضمام الى المعاهدة . والانضمام الى معاهدة مفتوحة جائز مع مراعاة بعض
الشروط وبعد اتباع الاجراءات المنصوص عليها . ويتبع فى الانضمام أو القبول عادة
نفس اجراءات التصديق على المعاهدة, ويجب أعلانه الى بقية الدول الاعضاء فى المعاهدة
.
ويكون من
حق كافة الدول الانضمام للمعاهدات الجماعية العامة الا اذا نصت المعاهدات على خلاف
ذلك. أما بالنسبة لغير ذلك من المعاهدات فيكون الانضمام حقا للدول التى اشتركت فى
تحرير نص المعاهدة أو ساهمت فى المفاوضات المتعلقة بابرام المعاهدة, وكذلك الدول
التى تسمح المعاهدة بانضمامها اليها. ومن الجائز أن تقرر نصوص المعاهدة أن من حق
بعض الدول قبول المعاهدة ومن ثم يصبحون أطرافا فيها سواء أكانت المعاهدة تشترط
توقيع المعاهدة قبل قبولها أو تكتفى بالقبول بدون توقيع .
المبحث
الثانى
تفسير
المعاهدات
يقصد
بتفسير المعاهدة تحديد معنى النصوص التى أتت بها ونطاقها تحديدا دقيقا, وهى عملية
هامة لأن المعاهدات تحتوى أحيانا على نصوص غامضة أو متناقضة مع نصوص أخرى . وسنبحث
فيما يلى اختصاص التفسير ووسائله .
اختصاص
التفسير :
لما كانت
المعاهدات تؤسس على الرضا, وكان المجتمع الدولى ناقص التنظيم تغيب فيه السلطات
المشروعة والقضائية بالمعنى المفهوم فى القانون الداخلى ترتب على ذلك أن الدول
أطراف المعاهدة تملك دون غيرها اختصاص تفسير ما يكون غامضا أو مشكوكا فى معناه من
نصوصها . فان لم يتم الاتفاق حول تفسير نصوص المعاهدة, ملكت كل دولة حق تفسير
المعاهدة وان كان التفسير لا يلزم غيرها من الاطراف . واذا ما لم يتم الاتفاق بين
الاطراف على معنى النص كان مؤدى ذلك نشوء نزاع دولى يمكن تسويته بكافة وسائل فض
المنازعات الدولية, وبصفة خاصة بالوسائل القضائية لأن النزاع يتعلق بمسائلة
قانونية . فيجوز للدول المتنازعة عرض الامر على محاكم التحكيم أو على محكمة العدل
الدولية, وهى تلتزم بذلك اذا كانت قد قبلته مقدما .
ولقد أصبح من الشائع فى الوقت الحالى أن تحتوى
المعاهدات على نصوص تفرض على أطرافها التزام اللجوء الى التحكيم أو الى محكمة
العدل الدولية فى حالة وجود خلاف على تفسير المعاهدة .
ويقوم
التساؤل عما اذا كان القضاء الوطنى يملك تفسير أحكام معاهدة دولية بتطبيقها فى
داخل اقليم الدولة .
ولقد ذهب
مجلس الدولة الفرنسى الى أن المحاكم الوطنية لا تختص بتفسير المعاهدات, وأنها
تلتزم فى جميع الاحوال بأن تحترم التفسير الذى تصدره الحكومة سواء أكان هذا
التفسير قد صدر من الحكومة بمفردها أو بناء على اتفاقها مع الدول الاخرى .
وذهبت
الدوائر المجتمعة لمحكمة النقض الفرنسية فى 27 أبريل 1952 الى التمييز بين فرضين
فيما يتعلق بالتفسير القضائى للمعاهدات :
(أ)
أن يثير تفسير المعاهدات مسائل متعلقة بالنظام الدولى
العام, وفى هذه الحالة لا تختص المحكمة بالتفسير, وتتقيد بالتفسير الذى تصدره
الحكومة .
(ب) أن لا يتعلق تفسير
المعاهدة بمسائل تمس النظام الدولى العام وفى الحالة تختص المحكمة بالتفسير .
ولقد جرت المحاكم المصرية على أن تتعرض لتفسير المعاهدات
غير السياسية التى تتصل بمسائل مالية أو بحقوق الافراد, ومما يدعم وجهة النظر هذه
أن المعاهدات كانت لاتسرى فى داخل الدولة الا بمقتضى تشريع داخلى, ومن ثم جرت
المحاكم على تفسير هذا التشريع كما هو الحال بالنسبة للتشريعات الاخرى .
وسائل التفسير :
من الممكن
تصور طريقتين مختلفتين لتفسير المعاهدة :
1- طريقة شخصية : مقتضاها
تفسير المعاهدة حسب نية الاطراف, وهى الطريقة التى تتفق مع مبدأ سيادة الدولة. وفى
حالة حصول شك حول هذه النية المشتركة يجب اتباع التفسير الضيق الذى يؤدى الى تقييد
التزامات الدول الاعضاء, لأن ذلك يتفق مع نية الدولة الملتزمة .
2- طريقة موضوعية :
مقتضاها تفسير المعاهدة حسب الغرض منها وحسب ما يقتضيه موضوعها ويجعلها تنسجم مع
الاحتياجات الاجتماعية .
ويمكننا أن نقرر أن العرف الدولى يعترف بصفة عامة
بالمبادئ الآتية للتفسير, وقد أقرتها المادة 31 من اتفاقية قانون المعاهدات :
1- يتم تفسير المعاهدة مع
مراعاة مبدأ حسن النية .
2- يتم تفسير نصوص
المعاهدة حسب المعنى الطبيعى لكل كلمة وفى اطار باقى نصوص المعاهدة بما فى ذلك
نصوص الديباجة والملاحق والوثائق الاخرى التى تم الاتفاق عليها بمناسبة تحرير
المعاهدة . كما يمكن الاستعانة فى التفسير بأنة اتفاقات لاحقة يتم ابرامها بين
أطراف المعاهدة اذا كانت تتعلق بتفسيرها أو تطبيقها.
3- يدخل المفسر فى اعتباره
ضرورة النظر فى موضوع المعاهدة التى تشمل على النص الغامض, وروحها العامة,
والاغراض التى تهدف اليها .
4- يجوز للمفسر أن يلجأ فى
سبيل استيضاح معنى النص, الى معرفة كيفية تطبيقه بواسطة الاطراف, ففى الرأى الذى
أصدرته محكمة العدل الدولية فى 28 مايو سنة 1948 بمناسبة قبول الاعضاء الجدد بهيئة
الامم المتحدة لجأت المحكمة فى تفسيرها لميثاق الامم المتحدة الى الاستعانة
باللائحة الداخلية لمجلس الأمن, على اعتبار أن هذه اللائحة الداخلية التى ارتضاها
مجلس الأمن تعبر عن موافقته على تفسير نصوص الميثاق على وجه معين .
5- يجوز الاستعانة فى
التفسير بقواعد القانون الدولى المرتبطة بالموضوع .
6- ويجوز اللجوء الى وسائل
أخرى للتفسير كالاعمال التحضيرية للمعاهدة وظروف ابرامها وذلك لتأكيد التفسير الذى
يتم وفقا للقواعد السابقة أو للقيام بعملية التفسير نفسها اذا كان تطبيق قواعد
التفسير قد أدى الى نتيجة غير منطقية أو لم يؤد الى توضيح معنى النص .
7- يتم تفسير مواثيق المنظمات
الدولية تفسيرا واسعا بحيث تستطيع المنظمات ممارسة كل اختصاص يكون ضروريا لأدائها
لوظائفها أو لتحقيق أهدافها .
الفصل
الثالث
انقضاء
المعاهدات
التفرقة
بين انقضاء المعاهدات وبين بطلانها :
يثير
انقضاء المعاهدات وانهاء العمل بأحكامها بعض الاضطراب فى العلاقات الدولية لما
يترتب على ذلك من تغيير فى القواعد التى تحكم تلك العلاقات . ومن الواضح أن الدولة
التى تكون قد ارتبطت بالتزامات بمقتضى معاهدة ما تكون غير ملائمة لمصالحها قد تجد من
مصلحتها التخلص منها, بينما يسعى الطرف الآخر الى التمسك بها أطول وقت ممكن .
1- بطلان المعاهدت :
وحينما تتكلم عن الانقضاء, فنحن نفترض وجود معاهدة
صحيحة, أما بطلان المعاهدة فهو يتحقق عندما تفقد المعاهدة شرط من شروط صحتها,
فتفقد بذلك قيمتها القانونية على أساس أن ابرامها لم يتم بطريقة سليمة .
ولقد سبقت
الاشارة الى شروط صحة المعاهدات ويتبين من مراجعتها أن أسباب بطلان المعاهدات هى :
(أ)
بطلان المعاهدات بسبب عدم تمتع أطرافها بأهلية ابرام
المعاهدات .
(ب) بطلان المعاهدة بسبب
نقص سلطة ممثلى الدولة الذين قاموا بابرامها .
(جـ) بطلان المعاهدة بسبب الغلط أو التدليس أو الاكراه .
( د ) بطلان المعاهدة بسبب تعارضها مع
القواعد الآمرة للقانون الدولى وسوف تتكلم فى نهاية هذا الفصل عن اجراءات ابطال
المعاهدات .
2- انقضاء المعاهدات :
يحتوى
القانون الدولى على قواعد تحدد أسباب وطرق انهاء العمل بمعاهدة صحيحة, أو انهاء
العمل ببعض أحكامها, أو تعديلها أو وقفها. كما يحدد القانون الدولى أسباب وطرق
الانسحاب من المعاهدات أو نقضها . ويقوم فقهاء القانون الدولى بشرح هذه القواعد
تحت عنوان انقضاء المعاهدات .
وسوف نتكلم
فيما يلى عن انقضاء المعاهدات, ومن الممكن انقضاء المعاهدة بالاتفاق بين أطرافها,
وقد تنقضى المعاهدة بغير اتفاق أطرافها .
المبحث
الأول
انقضاء المعاهدات
بالاتفاق
يستطيع
أطراف المعاهدة باتفاقهم أنهاء العمل بها ويكون ذلك على النحو الآتى :
انقضاء
المعاهدة أو تعديلها بمقتضي نص وارد فيها :
1- فقد تنص المعاهدة على
أنها تسرى لأجل محدد, وقد تحتوى على شرطا فاسخ فتنقضى المعاهدة بحلول الاجل أو
بتحقق الشرط. واذا كانت المعاهدة متعددة الاطراف وتتطلب لنفاذها انضمام عدد معين
من الدول اليها وحدث بعد نفاذها أن هبط عدد أطرافها عن الحد الأدنى الذى قررته
المعاهدة, فان ذلك لا يؤدى الى انقضاء المعاهدة الا اذا نصت على خلاف ذلك .
2- وقد تبيح المعاهدة
انسحاب أحد الاطراف بعد اعلان غيره من الاطراف قبل فترة من الزمن تحدد فى المعاهدة
. ويترتب على الانسحاب انقضاء المعاهدة الثانئية, أما فى المعاهدات الجماعية فتظل
المعاهدة نافذة فى حق باقى أطرافها .
3- يجوز وقف تنفيذ
المعاهدات فى الاحوال التى تنص عليها أو باتفاق أطرافها . ويجوز لبعض الاطراف فى
معاهدة جماعية الاتفاق على وقف تنفيذ أحكامها فيما بينهم اذا ما كانت المعاهدة لا
تمنع ذلك وبشرط ألا يترتب على هذه الايقاف الاخلال بهدف المعاهدة وموضوعها, وأن
يتم أخطار الاطراف الآخرين .
4- وقد تحدد المعاهدة
وسيلة معينة لتعديل نصوصها, وهذا ما يحصل عادة فى المعاهدات الجماعية, وبصفة خاصة
فى المعاهدات التى تنشئ منظمات دولية, فهى كثيرا ما تجيز تعديل نصوصها بواسطة
قرارات تتخذها أجهزة المنظمة بأغلبية خاصة وتصدق عليها الدول الاطراف. ومثال ذلك
أن ميثاق الأمم المتحدة ينص فى المادة 108 على أن التعديلات التى تدخل عليه تسرى
على جميع أعضاء الامم المتحدة اذا صدرت بموافقة ثلثى أعضاء الجمعية العامة وصدق
عليها ثلثا أعضاء الامم المتحدة, ومن بينهم أعضاء مجلس الأمن الدائمين وفقا
للأوضاع الدستورية فى كل دولة .
واذا كانت المعاهدة خالية من أى نص يحدد طريقة انهائها
أو يعطى لاطرافها الحق فى الانسحاب منها فانها تظل نافذة طالما لم يطرأ سبب آخر
لانقضائها .
انقضاء المعاهدة أو تعديلها باتفاق لاحق :
تنقضى المعاهدة أو يتم تعديلها باتفاق الدول الاطراف
فيما صراحة على انهائها أو تعديلها . وهذا الاتفاق قد يكون ضمنيا باستبدال معاهدة
جديدة بها أو بعقد معاهدة جديدة بين أطراف المعاهدة الاول تحتوى على نصوص تتعارض
مع نصوص المعاهدة الاولى.
واذا كانت المعاهدة الجماعية لا تبين أسلوب تعديلها, فان
لأى من أطرافها أن يطلب تعديلها وأن يخطر بذلك باقى الاطراف الذين يكون لهم الحق
فى مناقشة التعديل وفى المشاركة فى المفاوضات المتصلة بابرام اتفاقية تتضمن
التعديل . واذا لم يتم قبول التعديل بواسطة جميع أطراف المعاهدة فانه ينفذ فى
علاقات من وافق عليه, ويستمر نفاذ المعاهدة الاصلية فى مواجهة الدول التى لم توافق
على التعديل ( المادة 49من اتفاقية فينا ) .
ويثور البحث عن الحكم إذا ارتبطت احدى الدول الاطراف
معاهدة بمعاهدة جديدة مع دول من الغير تحتوى على التزامات مخالفة لالتزامات بمقتضى
المعاهدة الاولى .
ويوجد هنا رأيان : ويقضى الرأى الاول، بنفاذ المعاهدتين
وانحصار المسألة بعد ذلك فى تعويض الطرف الذى يضار فعلاً من جراء عدم تنفيذ بعض
الالتزامات التعاقدية . أم الرأى الثانى فيشير بنفاذ المعاهدة الاولى دون الثانية
على اعتبار أن ارتباط الدولة بمعاهدة، يحرمها من أختصاص عقد معاهدة مخالفة مع
الغير طالما أن المعاهدة الاولى نافذة المفعول .
ومع ميلنا لتأييد هذا الرأى الا أننا نستثنى بالضرورة
حالة ما إذا كانت المعاهدة اللاحقة أعلى فى المرتبة من المعاهدة الاولى كما لو
كانت من معاهدات التنظيم الدولى، ولا أدل على ذلك من النصوص الصريحة الواردة فى
ميثاق عصبة الامم وفى ميثاق الامم المتحدة التى تقضى بأن الالتزامات الواردة فى
هذه المواثيق الدولية تلغى ما عداها من التزامات مخالفة سبق ان ارتبطت بها الدول
الاعضاء .
ولقد أقرت اتفاقية فينا لقانون المعاهدات هذا الاتجاه
فأكدت أن المعاهدة اللاحقة تسرى فى علاقات أطرافها فقط ولا تمس حقوق أطراف
المعاهدة الاولى الذين لم يوافقوا عليها ( المادة 30) .
** المبحث
الثانى **
انقضاء المعاهدات
بغير الاتفاق
الفسخ :
يجوز لدولة تكون طرفاً فى معاهدة أن تعلن عدم التزامها
بما ورد فيها أو وقف تنفيذ أحكام كلياً أو جزئياً وذلك إذا ما أخل الطرف الآخر
بالتزاماته المقررة فى المعاهدة . وينازع كثير من الفقهاء فى شرعية فسخ المعاهدة
بالارادة المنفردة لاحدى الدول الاطراف على اعتبار أن الفسخ يهدد القوة الالزامية
للمعاهدات ويؤدى إلى عدم استقرار المعاملات الدولية . ويقرر هؤلاء الفقهاء أن فسخ
المعاهدة يجب أن يتم باتفاق أطرافها .
ولكن هناك رأى آخر يجيز فسخ المعاهدة بالارادة المنفردة
. والواقع أن الفسخ بالارادة المنفردة يثير دائماً بعض المنازعات نظراً لأنه يلزم
وفقاً للرأى الراجح أن يكون الاخلال وارادا على الالتزامات الاساسية فى المعاهدة، وهذا
أمر لا يمكن الاتفاق على حصوله، ويترتب على الفسخ غير المشروع تحمل الدولة الفاسخة
للمسئولية الدولية .
ولقد جرت بعض الدول على جواز فسخ ما عقدته من معاهدات باراداتها
المنفردة، ففى سنة 1951 استندت الحكومة المصرية فى السبب الرابع من أسباب الغائها
للمعاهدة المصرية الانجليزية سنة 1936 إلى تكرار الاخلال بأحكامها من جانب المملكة
المتحدة.
كما أن الحكومة المصرية استندت فى الغائها الاتفاقية
القاهرة سنة 1954 إلى أن انجلترا بتدبيرها الاعتداء وباعتدائها فعلاً على الأراضى
المصرية مشتركة مع فرنسا واسرائيل وبمحاولة غزو قناة السويس وسيناء فى 31أكتوبر
سنة 1956 قد تصرفت على أساس اعتبار أن الاتفاق الذى عقدته مع جمهورية مصر العربية
فى سنة 1954كأن لم يكن .
ولقد أجازت المادة 60من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات
أنهاء المعاهدة الثنائية أو وقف تنفيذها كلياً أو جزئياً بواسطة أحد أطرافها على
أساس قيام الطرف الآخر بمخالفة أحكام المعاهدة . أم فى حالة المعاهدة الجماعية
فانه يجوز لأى من أطرافها وقف تنفيذها كلياً أو جزئياً فى مواجهة الدولة المخالفة،
كما يجوز كذلك فى هذه الحالة لاطراف المعاهدة الجماعية الاتفاق على أنها المعاهدة
أو وقف تنفيذها كلياً أو جزئياً وذلك بالنسبة لجميع الأطراف .
وأوضحت المادة 65 من أتفاقية فينا لقانون المعاهدات أن
الدولة التى ترغب فى انهاء المعاهدة على أساس الفسخ أو غيره من المبررات عليها أن
تخطر الطرف الآخر بذلك، فأذا اعترض هذا الطرف كان عليها أن يصلا إلى حل للمسألة
بطريقة سلمية وفقاً لأحكام المادة 33 ميثاق الامم المتحدة المتعلقة بتسوية
المنازعات الدولية بالوسائل السلمية .
تغير الظروف :
من الثابت أن القواعد القانونية يقصد منها تنظيم الروابط
الاجتماعية، لذلك كان من الطبيعى إذا ما تغيرت هذه الروابط أن يحصل تعديل للقواعد
القانونية المنظمة لها . ولهذا جرى الشراح على القول بأن المعاهدات تعقد تحت شرط
ضمنى هو بقاء الأمور على أحوالها . فاذا ما تغيرت الاحوال كان للدولة أن تطالب الطرف
الآخر بانهاء او تعديل المعاهدة، وكان عملها هذا متفقاً مع قواعد القانون الدولى
العام .
ويجب ان يكون التغير فى الظروف أساسياً، وهذا ما يجعل من
الصعب الاتفاق على حصوله .
ويرى بعض الفقهاء أنه من الجائز انهاء المعاهدة بالارادة
المنفردة لاحدى الدول الاطراف عند تغيير ظروف عقدها تغيراً جوهرياً، وذلك بدون
حاجة إلى حصول اتفاق بين أطراف المعاهدة على الغائها أو تعديلها وذلك على اعتبار
أن المعاهدة تحتوى على شرط ضمنى فاسخ هو بقاء الأمور على ماهى عليه، فاذا ما تغيرت
الظروف تغيراً جوهرياً تحقق الشرط الفاسخ وجاز انهاء المعاهدة بالارادة المنفردة .
ولقد أقرت المادة 62من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات
جواز انهاء المعاهدة أو الانسحاب منها بناء على حدوث تغيير أساسى بالنسبة لواقعة
أو حالة كانت موجودة وقت ابرام المعاهدة إذا كانت هذه الواقعة أو الحالة من
العوامل الاساسية لقبول المعاهدة وإذا كان من شأن تغيير الظروف التأثير فى طبيعة
التزامات الأطراف .
على أن تغير الظروف لا يمكن الاستناد عليه بالنسبة
لمعاهدات الحدود، وكذلك بالنسبة للمعاهدات التى تضمنت نصوصاً لمواجهة التغيير
المحتمل فى الظروف .
ولا يجوز الاستناد إلى تغير الظروف كذلك إذا كان التغيير
الجوهرى قد نشأ نتيجة لاخلال الدولة بالتزام تقرره المعاهدة أو بالتزام دولى آخر .
كما أن الدفع بتغير الظروف يجب أستعماله وفقاً لأحكام
المادة 65من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات وهى تنص على أنه إذا لم يصل الطرفان
إلى اتفاق فيما بينهما على انهاء المعاهدة أو تعديلها فانه يجب تسوية النزاع وفقاً
لأحكام المادة 33من ميثاق الامم المتحدة المتعلقة بفض المنازعات بالطرق السلمية .
الحرب :
لما كانت الحرب تؤدى إلى انقطاع العلاقات السلمية بين
الدول المتحاربة فانه من الطبيعى أن تؤثر فى المعاهدات التى تربط بين المتحاربين .
ومع ذلك فمن الضرورى التمييز بين المعاهدات فىهذا الشأن :
( أ ) فهناك معاهدات لا تتأثر بقيام حالة الحرب، بل
تستمر نافذة المفعول، فالحرب لا تؤثر فى المعاهدات التى يكون الغرض منها تنظيم
حالة الحرب نفسها ( كمعاهدات لاهاى سنة1899 وسنة 1907، ومعاهدات جنيف سنة 1949 )؛
لأن مجال تطبيق هذه المعاهدات هو حالة الحرب نفسها .
وكذلك لا تؤثر الحرب فى المعاهدات التى يكون الغرض منها
تنظيم حالة دائمة كنظام الملاحة فى نهر دولى، أو معاهدات الحدود، فتظل هذه
المعاهدات ملزمة لأطرافها .
( ب ) وهناك معاهدات يوقف نفاذها بالنسبة للدول
المتحاربة حتى انتهاء الحرب . وهذه هى المعاهدات الجماعية التى تعقد بين أكثر من
دولتين حينما تقوم الحرب بين بعض الأطراف فقط . ولا تؤثر حالة الحرب فى علاقات
الدول المتحاربة مع الدول المحايدة ولا فى علاقات الدول المحايدة فيما بينها، فتظل
هذه العلاقات خاضعة لاحكام المعاهدة الجماعية .
( جـ ) وهناك معاهدات تنقضى بقيام حالة الحرب وهى
المعاهدات الثنائية التى تربط بين الدول المتحاربة كمعاهدات الصداقة والتحالف
والمعاهدات التجارية .
اجراءت انقضاء المعاهدات أو وقفهاً أوبطلانها :
فرضت اتفاقية فينا لقانون المعاهدات الاجراءات والقواعد
التالية بشأن انقضاء المعاهدات أو وقفها أو بطلانها ( المواد 65-72) :
1- لايجوز لدولة أن تتمسك
بسبب من أسباب بطلان المعاهدة أو انهائها أو وقفها أو الانسحاب منها إذا كانت قد
وافقت – بعد عملها بالوقائع – على أن تبقى المعاهدة صحيحة أو نافذة سواء أكانت
الموافقة صريحة أو ضمنية .
2- وفى حالة تمسك طرف بسبب
من أسباب انقضاء المعاهدة أو بطلانها فان عليه أن يعلن أطراف المعاهدة الآخرين
بموقفه، فان لم يعترضوا خلال ثلاثة شهور من تاريخ اعلانهم أصبح من حقه أن يتحلل من
المعاهدة بالطريقة التى اقترحها .
3- أما فى حالة اعتراض الاطراف الآخرين فان على
الاطراف أن يلجاوا لوسيلة سلمية لحل المنازعات بالتطبيق للمادة 33من ميثاق الامم
المتحدة .
4- إذا لم يتم التوصل إلى
حل خلال سنة من الاعتراض على سبب الانقضاء أو البطلان يكون لكل طرف فى المعاهدة أن
يتقدم بطلب للأمين العام للأمم المتحدة لكى يحيل النزاع على لجنة توفيق الا إذا
كان سبب الانقضاء هو مخالفة المعاهدة آمرة من قواعد القانون الدولى فيكون الاختصاص
لمحكمة العدل الدولية بناء على طلب كتابى يرفعة إليها أحد أطراف النزاع .
الالتزامات
بالارادة المنفردة فى القانون الدولى :
من المفيد
بعد أن تعرفنا على المعاهدات كمصدر لالتزامات دولية تعاقدية أن تدرس القيمة
القانونية للتصرفات الدولية التى تصدر عن الارادة المنفردة لدولة من الدول .
ومن الثابت
أن الأعمال القانونية المنبعثة عن الارادة المنفردة للدولة لا تعتبر تعبيراً عن
ارادة تلزم الغير فى ميدان العلاقات الدولية، ولكنها مجرد افصاح عن رأى أو ارادة
للدولة، أو تقرير لحالة معينة لاحظت الدولة وجودها . ولقد سبق أن أشرنا إلى بعض
هذه الاعمال كالاعتراف بمختلف صوره : اعتراف بالدولة الجديدة، بالحكومة، بحالة
الحرب، بصفة الثوار ونشير هنا إلى بعض الصور لهذه الاعمال .
( أ
)الاحتجاج : تصدر الدولة الاحتجاج حينما يرتكب فى مواجهتها تصرفاً أو عملاً
مخالفاً للقانون الدولى لاثبات اعتراضها عليه، وعدم اعترافها بما يترتب عليه من
نتائج .
( ب )
الأعلان : ويتضمن من جانب الدولة اخطار الدول الأخرى بنشوء حالة قانونية جديدة
كتغيير اقليمى أو تغيير فى نظام الحكم .
( جـ )
التصريح الفردى : ونعنى به التصريح الصادر عن دولة واحدة والذى تقرر بمقتضاه
الدولة التزامها لموقف معين أو اتباعها لسياسة معينه .
( د )
الوعد : ونعنى به التصرف القانونى الصادر عن دولة معينة والذى يتضمن وعدها بانشاء
التزام جديد تتحمله فى مواجهة دولة أو أكثر .
ويقرر
البعض أن الوعد هنا غير ملزم لأنه لا يمكن أن تلتزم الدولة فى ميدان القانون
الدولى بالارادة المنفردة .
ويذهب
الرأى الراجح إلى أن الوعد يعتبر ملزماً متى كان موجها لدولة أو أكثر وقامت الدولة
أو الدول بقبوله . ويؤيدون رأيهم ببعض السوابق الدولية وأهمها التصريحات التى صدرت
أمام عصبة الامم من جانب بعض الدول والتى تتلعق بمعاملة الاقليات والتى كانت لها
صفة الالزام، كما يشيرون إلى حكم محكمة العدل الدولية الدائمة فى قضية المناطق
الحرة فى سافوى العليا بتاريخ 25مايو سنة 1926 وقد ورد فيه الاعتراف بالتزام
سويسرا بتصريح صدر عنها، وإلى المادة السادسة من اتفاقية لندن المبرمة فى 8مايو
سنة1945والمتعلقة بمحاكمة كبار مجرمى الحرب العالمية الثانية وهى تعاقب على مخالفة
الوعود المقررة .
ولهذا
الموضوع أهمية خاصة وذلك لأن الحكومة المصرية أصدرت كما سبق أن بينا تصريحا فى
24ابريل سنة1957 حول النظام القانونى لقناة السويس وأوعته فى الامم المتحدة .
** الباب الثالث **
المسئولية الدولية
تنظيم
المسئولية الدولية :
من المبادئ
القانونية المستقرة فى القانون الدولى أن كل عمل غير مشروع أى كل عمل أو امتناع عن
عمل ينسب لشخص دولى ويكون مخالفاً لالتزام القانونى – ولد التزاماً آخر هو
الالتزام بالمسئولية الدولية .
ومقتضى
المسئولية الدولية قيام الشخص الدولى المنسوب إليه العمل غير المشروع بالتعويض عما
ترتب على عمله من نتائج .
ويقرر
القانون الدولى مسئولية الدولة وباقى أشخاص القانون الدولى فى حالة اخلالهم
بالتزام يفرضه القانون الدولى عليهم فى مواجهة دولة أخرى أو شخص آخر من أشخاص
القانون الدولى .
ويتحمل
كافة أشخاص القانون الدولى المسئولية الدولية، وعلى هذا فانه بالاضافة إلى الدول –
قد تنشا مسئولية المنظمات الدولية فى حالة مخالفتها لالتزامها، كما لو أخلت بأحكام
اتفاق يربط بينها وبين دولة أو منظمة دولية أخرى .
والعرف
الدولى هو الذى يقوم بتنظيم المسئولية الدولية، ونجد عناصر هذا التنظيم فى كثير من
أحكام القضاء الدولى . وتقوم لجنة القانون الدولى فى الوقت الحالى بتدوين قواعد
القانون الدولى المتعلقة بالمسئولية الدولية .
**
المبحث الاول **
شروط
المسئولية الدولية
من الضرورى
لنشوء المسئولية الدولية أن يكون هناك فعل – أى عمل أو أمتناع عن عمل – منسوب من
أشخاص القانون الدولى، وأن يكون فعلاً غير مشروع، وأن يلحق ضرراً بدولة أخرى أو
بشخص من أشخاص القانون الدولى .
يجب أن
يكون الفعل منسوباً للدولة :
يعتبر
القانون الدولى العام أن الفعل منسوب للدولة إذا كان صادراً عن سلطاتها العامة .
ويقصد
بسلطات الدولة العامة كل فرد أو هيئة يمارس اختصاصاً معيناً وفقاً لأحكام القانون
الداخلى . وتنشأ المسئولية الدولية نتيجة لتصرف يصدر من هؤلاء الافراد أو هذه
الهيئات سواء كان تصرفاً ايجابياً أو سلبياً طالما أنه قد صدر منهم بوصفهم سلطات
للدولة .
ولا توجد
تفرقة بين سلطات الدولة العامة فى موضوع المسئولية الدولية، فقد يكون التصرف
المنسوب للدولة صادراً عن سلطاتها التشريعية أو القضائية أو التنفيذية .
1- مسئولية
الدولة عن تصرفات السلطة التشريعية :
قد يكون
التصرف المنسوب للدولة صادراً عن سلطاتها التشريعية الأساسية أو سلطاتها التشريعية
العادية . ولقد سبق أن أوضحنا عند الكلام على اختصاص الدولة الاقليمى وعن العلاقة
بين القانون الدولى والقانون الوطنى أن الدولة وأن كانت تختص وبوضع القواعد
الدستورية وكذلك بالتشريع فى داخل اقليمها، فانها تفعل ذلك فى حدود الخضوع للقانون
الدولى العام، وأنه لا يجوز لها أن تستند على دستورها أو على تشريعها الوطنى لكى
تتحلل من التزام دولى .
ومسئولية
الدولة قد تظهر فى صورتين : صورة ايجابية فى حالة أصدارها لتشريع يخالف التزاماتها
الدولية . وصورة سلبية فى حالة اهمالها أصدار تشريعات ضرورية لمحافظة الدولة على
التزاماتها الدولية ولقد سبق أن أشرنا إلى الاحكام الدولية المؤيدة لهذا المبدأ .
2- مسئولية
الدولة عن تصرفات السلطة القضائية :
والتصرف
المنسوب للدولة قد يصدر عن سلطاتها القضائية . والمعلوم أن الاجنبى يظهر أمام
محاكم الدولة فى احدى ثلاث صور : أن يكون مدعياً أو مدعى عليه أو متهماً . وفى هذه
الصورة تسأل الدولة إذا كان فى احكام محاكمها أخلال بالتزام دولى ملقى على الدولة،
كما لو أخضعت لقضائها ممثلاً دبلوماسياً، أو كما لو كان اختصاص الدولة محدداً فى
اتفاقات دولية وخرجت المحاكم على هذه الاتفاقات، أو أهملت المحاكم فى تطبيق
القانون الدولى أو طبقتا خاطئاً .
وتعتبر
الدولة مسئولة عن أعمال محاكماً حتى لو كانت المحاكم تطبق تطبيقاً سليماً قانونها
الوطنى متى كان هذا القانون مخالفاً للقانون الدولى .
كما تسأل
الدولة فى حالة انكار العدالة بالنسبة لأجنبى، ويظهر انكار العدالة فى الصورة
الآتية :
( أ ) حرمان
الاجانب من حق الالتجاء لمحاكم الدولة أو من الدفاع عن حقوقهم أمامها، وهذا هو
انكار العدالة بالمعنى الضيق .
( ب ) وجود
نقص واضح فى اجراءات التقاضى أو ضماناته: كما إذا رفضت المحكمة الفصل فى دعوى
الاجنبى، أو كان هناك تأخير مغالى فيه فى سير القضاء، أو على العكس من ذلك إذا ما
حوكم الاجنبى بسرعة تخل بحقه فى الدفاع، أو حوكم بواسطة محكمة أنشئت خصيصاً لذلك
إذا كان لا يتوفرأمامها ضمانات الدفاع، أو إذا لم ينفذ الحكم الذى صدر لمصلحة
الاجنبى .
( جـ )
اتسام حكم المحكمة بالظلم الفاحش كما لو كانت أحكام المحاكم الوطنية مدفوعة بروح
كراهية الاجانب والرغبة فى الاساءة لهم .
( د ) ويعد
من قبيل انكار العدالة أيضاً بعض التصرفات التى وأن لم تصدر من محاكم الدولة الا
أنها مرتبطة بتوزيع العدالة كتوقيع العقوبة على أجنبى بدون محاكمة، أو عدم محاكمة
المسئولين عن جريمة ارتكبت ضد اجنبى؛ أو تسهيل فرارهم من العقاب .
وعلى خلاف
حالة انكار العدالة لا تسأل الدولة عن الاحكام الخاطئة التى تصدر من محاكمها, كما
لو احتوى الحكم على خطأ فى الوقائع أو فى التقدير أو فى تطبيق القانون الوطنى متى
تم ذلك بحسن نية . ولقد تأكدت هذه القاهدة فى الاحكام الدولية كحكم العدل الدولية
الدائمة فى سنة 1927 فى قضية اللوتس بين فرنسا وتركيا حيث ورد " ان خطأ
المحكمة فى اختيار القاعدة القانونية الوطنية الواجبة التطبيق والتى تتعارض مع
قواعد القانون الدولى مسألة تتعلق بالقانون الداخلى ولا تهم القانون الدولى الا فى
حالة انكار العدالة أو الاخلال بالتزام اتفاقى " .
كما تأكد
هذا أيضا فى حكم محكمة التحكيم التى اختارتها مصر والولايات المتحدة للفصل فى
النزاع المتعلق بجورج سالم بتاريخ 8 يونيو سنة 1922, وقد بين هذا الحكم " أنه
من اللازم الاعتراف بصحة الاحكام التى تصدرها المحاكم الوطنية فى حدود اختصاصها
مادام لم يحصل انكار العدالة أو القانون الدولى, ولا يدخل فى مدلول هذه العبارة
سوى الحالات التى يحصل فيها ظلم قضائى صارخ " .
3- مسئولية
الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية :
تترتب مسئولية الدولة عن الاعمال الايجابية
والسلبية التى تصدر عن سلطتها التنفيذية, سواء كانت هذه الاعمال قد صدرت من
السلطات المركزية أو المحلية, أو قد أتاها كبار موظفى الدولة أو صغارهم . ويشترط
بالطبع أن يقع العمل من موظفى الدولة بتصريح منها أو على الاقل بصفتهم الرسمية أى
أثناء مباشرة اختصاصهم المعترف لهم بها فى القانون الوطنى . ويذهب الرأى الراجح
الى أن الدولة تسأل حتى ولو جاوز الموظف حدود اختصاصه ما دام أن العمل قد وقع
أثناء أو بمناسبة تأدية الموظف لوظيفته .
ومن صور
مسئولية الدولة عن تصرفات موظفيها أحوال القبض التعسفى على الاجانب ( راجع حكم
محكمة التحكيم الدولية بتاريخ 9 يوليو سنة 1931 فى النزاع بين فرنسا وانجلترا بصدد
اعتقال المواطن الفرنسى شفرو ), وكذلك التمييز المجحف فى معاملة الاجانب ( راجع
حكم محكمة العدل الدولية الدائمة فى 12 ديسمبر سنة 1934 فى النزاع البلجيكى
البريطانى بخصوص أوسكاتشين ) .
4- مسئولية الدولة عن التصرفات التى تصدر عن
رعاياها :
القاعدة أن
الدولة لا تسأل عن الاعمال التى تصدر عن الأفراد العاديين الذين لايعملون باسمها
أو لحسابها الا اذا ثبت أنها لم تقم ببذل العناية اللازمة فى هذه الاحوال, كما لو
كان هناك قصور فى أنظمتها أو لم تقم بالحبث عن الجناة ومعاقبتهم . ولقد جاء فى
قرار مجمع القانون الدولى فى اجتماع لوزان سنة 1937 أن " لا تسأل الدولة عن
الاعمال الضارة التى تقع من الافراد الا اذا كان الضرر ناشئا عن تقصيرها فى اتخاذ
الوسائل المناسبة التى يلجأ اليها عادة فى
الظروف الماثلة لمنع مثل هذه الافعال أو للعقاب عليها " .
ولا تسأل
الدولة فى حالة الاضطرابات الداخلية التى تسبب أضرارا للأجانب طالما أنها قامت
ببذل العناية اللازمة, فاذا كان وقوع الاضطرابات فجائيا وقاومتها الدولة, فلا يمكن
أن تترتب مسئوليتها عن الافعال التى وقعت أثناءها سواء من الافراد أو من سلطات
الأمن . الا اذا كان هناك تقصير من الدولة كما لو لم تقم سلطات الأمن بواجبها فى
حماية أشخاص وأموال الاجانب فتسأل الدولة .
ورغم عدم
مسئولية الدولة عما يقع أثناء الاضطرابات اذا كانت قد قامت ببذل العناية اللازمة؛
فانها كثيرا ما تقوم مدفوعة بالشفقة بمساعدة من يلحقهم لضرر عن طريق تعويضهم
تعويضا كليا أو جزئيا .
5- مسئولية الدولة فى حالة الحرب الاهلية :
من المهم
تحديد مسئولية الدولة عن الأضرار التى تصيب الاجانب فى أثناء الحرب الاهلية. ويجب
التمييز بين ثلاثة أحوال :
(أ)
الأضرار التى تصيب الاجانب بسبب القتال : لا تسأل الدولة
عما يصيب الاجانب نتيجة لاعمال القتال التى تدور بين قوات الحكومة وقوات الثوار
وذلك بناء على فكرة القوة القاهرة .
(ب) الأضرار التى تصيب
الاجانب بسبب أعمال الحكومة خارج نطاق القتال : تسأل الدولة عن الاضرار التى تصيب
الاجانب بسبب الاعمال التى تتخذها خارج نطاق القتال كما لو استولت على أموال
الاجانب, أو دمرت ممتلكاتهم بدون أن تكون هناك ضرورة حربية .
(جـ) الأضرار التى تصيب الاجانب بسبب أعمال الثوار وهنا نميز بين
وضعين :
1- نجاح الثورة : اذا نجحت
الثورة وتسلم الثوار مقاليد الحكم فان الثورة تعد مسئولة عن الاضرار التى أصابت
الاجانب نتيجة لاعمال الثورة باعتبار أن الشعب رضى عن الثورة وأقرها فتنسب أعمالها
للدولة منذ قيام الثورة .
2- فشل الثورة : إذا ما
فشلت الثورة لا تسأل الدولة عن أعمال الثوار، وذلك على اعتبار أنها لم تكن تمارس
سيطرة فعلية دائمة عليهم وأنه لم يكن بوسعها منع هذه الاعمال .
يجب أن
يكون الفعل غير مشروع :
1- اشتراط
الخطأ :
يجب أن يكون الفعل المنسوب للدولة غير مشروع من وجهة نظر
القانون الدولى العام . ويكون الفعل غير مشروع اذا كان يتضمن مخالفة لقواعد
القانون الدولى العام الاتفاقية أو العرفية أو لمبادئ القانون العامة .
ولكن هل يشترط زيادة على ذلك لاعتبار الفعل غير مشروع أن
يقع من الدولة خطأ ما ؟ تتطلب أكثر الانظمة القانونية الداخلية لتوفر المسئولية
وقوع خطأ عمدى أو عن طريق الاهمال أو التقصير .
ولا يتطلب القانون الدولى لترتيب المسئولية الدولية وقوع
خطأ معين أكثر من مخالفة الدولة لالتزاماتها الدولاية اللهم فى الاحوال التى لا
يضع فيها هذا القانون التزاما صريحا على الدولة بعمل أو بامتناع عن عمل بل يكتفى
بأن يطلب منها بذل العناية والاهتمام اللازمين, كما فى حالة التزام الدولة بمنع
رعاياها من الاعتداء على أرواح وأموال الاجانب المقيمين فى اقليمها . ويجب أن يفهم
الخطأ هنا بالمعنى الواسع الذى أخذ به القضاء الادارى الفرنسى فى نظرية الخطأ
المصلحى بحيث لا يشترط فيه عمد أو اهمال معين يقع من أحد موظفى الدولة فى أثناء
مباشرة عمله أو بمناسبته, بل يكفى وجود نقص فى تنظيم المرفق العام أو فى سيره .
2- المسئولية الدولية بدون خطأ :
من الاتجاهات الحديثة فى القانون الدولى تقرير امكانية
مساءلة الدولة فى بعض الاحوال دون أن تكون قد ارتكبت خطأ معينا, وعلى الرغم من
أنها بذلت كل عنايتها لعدم الاضرار بالغير . ولقد تم ذلك عن طريق الاستعانة ببعض
مبادئ القانون العامة وبصفة خاصة بمبدأ عدم التعسف فى استعمال الحق, بمبدأ
المسئولية المطلقة أو المسئولية عن المخاطر . ولما كان المبدآن من المبادئ
المستقرة فى الأنظمة الداخلية للدولة المتمدنة فانه من الممكن الاستعانة بهما
لتكملة مصادر القانون الدولى فى حالة عدم وجود معاهدة أو عرف دول وذلك بالتطبيق
لأحكام المادة 38 من النظام الاساسى لمحكمة العدل الدولية .
(أ)
المسئولية الدولية عن التعسف فى أستعمال الحق :
قرر الفقهاء أن الدولة تسأل عن مباشرتها لحقوقها بطريقة
تعسفية كما لو كان ذلك بقصد الاضرار بالدول الاجنبية أو الاجانب أو كانت الفائدة
المطلقة التى تعود عليها من استعمال الحق لا يمكن مقارنتها بالأضرار التى تلحق
الغير .
ولقد طبقت محكمة العدل الدولية الدائمة هذه النظرية فى
قضية المصايد الألمانية 1926, وفى قضية المناطق الحرة 1932, كما طبقتها محكمة
العدل الدولية فى قضية المصايد سنة 1951 .
كما طبقتها محاكم التحكيم الدولية لتقرير مسئولية الدولة
عن الاضرار التى تنشأ عن أعمال تتم داخل اقليمها اذا ما كان هناك تعسف فى استعمال
الحق ترتب عليه مثلا الحاق أضرار بالمواشى وبالزراعة الموجودة فى دولة معينة نتيجة
للغازات المتصاعدة من مصنع فى دولة أخرى .
(ب) المسئولية المطلقة :
قرر الفقهاء أن الدولة تسأل فى نطاق القانون
الدولى مسئولية بمجردة من الخطأ فى الاحوال التى تمارس فيها نشاطا يتسم بطابع
الخطر غير المألوف؛ اذ أن عليها أن تتحمل فى هذه الحالة المخاطر التى تنجم عن هذا
النشاط المتسم بالخطورة الشديدة. ولقد طبقت هذه النظرية فى اتفاقية روما سنة 1952
المتعلقة بالمسئولية عن الأضرار التى تصيب الغير على سطح الارض من الطائرات التى
تحلق فى الجو, كما طبقت كذلك فى اتفاقية بروكسل سنة 1962 الخاصة بالمسئولية عن
الأضرار عن السفن النووية, وفى اتفاقية فينا سنة 1963 الخاصة بالمسئولية عن
الاضرار النووية, وفى اتفاقية المسئولية عن الأضرار التى تحدثها الاجهزة القضائية
التى وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 29 نوفمبر سنة 1970 .
ان يترتب
على الفعل ضرر :
يشترط
لتحقيق المسئولية الدولية أن ينتج عن الفعل غير المشروع ضرر يصيب دولة من الدول أو
منظمة دولية. ويقصد بالضرر المساس بحق أو بمصلحة مشروعة لأحد أشخاص القانون
الدولى. ويختلف معنى الضرر فى العلاقات الدولية عن معناه فى القانون الداخلى لان
القانون الدولى العام يحمى غالبا مصالح سياسية يترتب على الاعتداء عليها التزاما
بالمسئولية حتى ولو لم ينتج عن الفعل غير المشروع ضرر مادى, ولهذا كانت لنظرية
الضرر المعنوى أهمية فائقة فى القانون الدولى العام .
لحماية
الدبلوماسية :
من الشائع
أن يترتب على الفعل غير المشروع المنسوب للدولة المسئولة حدوث أضرار لرعايا دولة
أخرى وليس لذات الدولة التابع لها الرعايا .
وفى مثل
هذه الاحوال تستطيع الدولة اذا ما عجز رعاياها عن الحصول على تعويض من سلطات
الدولة الملتزمة بالمسئولية أن تتدخل لحمايتهم دبلوماسيا وللمطالبة بحقوقهم .
وتبدأ
الحماية عادة بأن تتدخل الدولة التى ينتمى اليها الأفراد الذين لحقتهم الاضرار لدى
الدولة المسئولة لكى تحصل على تعويض مناسب, ويتم هذا الاتصال بالطريق الدبلوماسى.
واذا تبين
أن هناك خلافا فى وجهات نظر الدولتين حول مبدأ المسئولية أو حول تقدير التعويض,
كان للدولة التى يتبعها من أضير من الافراد أن تتبنى مطالباتهم, وبهذا تتحول طبيعة
النزاع من نزاع داخلى بين دولة وأفراد من الاجانب الى نزاع دولى .
ولقد بينت
محكمة العدل الدولية الدائمة فى حكمها الصادر سنة 1924 فى النزاع اليونانى
البريطانى بشأن عقود الالتزام الممنوحة لما فروماتس فى فلسطين أن من قواعد القانون
الدولى " ان لكل دولة الحق فى أن تحمى رعاياها اذا لحقهم ضرر نتج عن أعمال
مخالفة للقانون الدولى صدرت من دولة أخرى, وذلك فى حالة اذا لم يستطيع الرعايا
الحصول على حقهم بالوسائل القضائية, وأن الدولة حينما تتبنى دعاوى رعاياها بالطريق
الدبلوماسى أو أمام القضاء الدولى تؤكد حقها فى أن يعامل رعاياها وفقا لقواعد
القانون الدولى العام .
شروط
مباشرة الحماية الدبلوماسية وتبنى الدولة لمطالبات رعاياها :
يشترط لكى
تمارس الدولة حقها فى حماية رعاياها ثلاثة شروط :
أولا : أن
يتمتع الشخص المضار بجنسية الدولة التى تباشر الحماية الدبلوماسية . ويجب أن يثبت
أن الشخص الطبيعى, أو الشركة والاشخاص المعنوية بصفة عامة كانوا يتمتعون بجنسية
الدولة المدعية وقت حصول الفعل المرتب للمسئولية, وأن يظلوا محتفظين بتلك الجنسية
الى حين البت فى موضوع التعويض .
وتثور عدة
مسائل فيما يتعلق بشرط الجنسية أهمها ما يلى :
(أ)
يجيز القانون الدولى أن تباشر الدولة حماية أهالى
مستعمراتها, وكذلك حماية رعايا الدول التى تكون تحت حمايتها, وكذلك رعايا الاقاليم
التى تكون تحت وصايتها. ويرجع ذلك الى أن هذه الدول والاقاليم لا تملك ممارسة
علاقاتها الخارجية, وأن الاشراف على هذه العلاقات موكول للدول صاحبة الولاية عليها
.
(ب) يثير ازدواج جنسية
الشخص المضار بعض الاشكالات, والثابت أنه بالنسبة للحالة التى يتمتع فيها نفس
الشخض بجنسية الدولة المسئولة وبجنسية الدولة المدعية على السواء فانه لا تجوز
مباشرة الحماية الدبلوماسية .
أما فى الحالة التى يتمتع فيها الشخص المضار بجنسية
دولتين لا تكون من بينهما الدولة المسئولة, فتختلف الآراء حول تحديد الدولة التى
يجوز لها أن تباشر الحماية الدبلوماسية . وذهب البعض الى أنه يترك الخيار للشخص
المضار, وذهب رأى آخر الى أن الدولة المسئولة هى التى تبت فى هذا الشأن . والرأى
الراجح فى القضاء الدولى ان يكون تفضيل احدى الدولتين متوقفا على اعتبارات توضح
الجنسية الفعلية للشخص المضار ومن هذه الاعتبارات أداء الخدمة العسكرية لدى احدى
الدولتين, أو تولى وظيفة عامة فيها, أو الاقامة فيها؟ ولقد أكدت محكمة العدل
الدولية فى قضية نوتنبوهم سنة 1955 أن العبرة فى مجال الحماية الدبلوماسية هى
بالجنسية الفعلية للشخص المضار .
(جـ) ومن الصعوبات التى تتعلق بهذا الموضوع حالة اذا ما
تدخلت دولة لحماية شركة من الشركات, وكان المتبع فى الماضى الاعتداد بجنسية الشخص
المعنوى, وهى تتحدد عادة بالاقليم الذى يوجد فيه مركز ادارة الشركة ولكن العرف
الدولى والمحاكم اتجهت الى الاخذ بفكرة الرقابة أى بأن تكون العبرة فى تجديد جنسية
الشركة بجنسية الاشخاص الذين يشرفون فعلا على ادارة الشركة والذين يحملون أسهمها .
وتطبيقا لهذه الفكرة تدخلت الولايات المتحدة لحماية مصالح شركات موجودة فى دول
أمريكا اللاتينية وتتمتع بجنسية هذه الدول على أساس أن الأصحاب الحقيقيين لهذه
الشركات من رعايا الولايات المتحدة .
ولقد ثار البحث حول ما اذا كان من حق الدول التى يتبعها
بعض حملة الاسهم بجنسيتهم التدخل لحمايتهم دبلوماسيا اذا امتنعت دولة جنسية الشركة
عن ممارسة الحماية الدبلوماسية للشركة . ولقد حكمت محكمة العدل الدولية فى قضية
برشلونة للقوى المحركة سنة 1970 أن الحماية الدبلوماسية حق للدولة التى تتبعها
الشركة بجنسيتها وأنه لا يجوز للدول التى يتبعها حملة الاسهم بجنسيتهم التدخل
لحماية مواطنيها .
ولقد اختلفت الآراء فى هذا الشأن, ويعتد البعض بجنسية
الشخص وقت وقوع الضرر فلا يجيز أن تتدخل الدولة لحماية من اكتسب جنسيتها بعد وقوع
الضرر, ويرى البعض الآخر أن للدولة أن تباشر حماية الاشخاص الذين اكتسبوا جنسيتها
بعد وقوع الفعل الضار . ويرجع الخلاف بين الرأيين الى خلاف حول الأسس الذى تبنى
عليها الحماية الدبلوماسية .
فاذا كان الاساس هو حصول اعتداء على الدولة مبناه انتهاك
حق لاحد رعاياها كان من اللازم لتدخل الدولة أن يكون المضار متمتعا بجنسيتها وقت
وقوع الضرر, أما اذا كان أساس الحماية هو مساعدة الدولة لرعاياها وتأييد حقوقهم
لدى الدول الاخرى, فانه من اللازم أن تتمكن الدولة من مساعدة من يكون متمتعا
بجنسيتها وقت تدخلها حتى ولو كان قد اكتسب جنسيتها بعد وقوع الضرر .
ولكن هل يشترط أن يظل الشخص المضار متمتعا بجنسية الدولة
حتى الفصل فى دعوى المسئولية؟ يذهب الرأى الى اشتراط استمرار تمتعه بالجنسية حتى
الفصل فى النزاع, فاذا ما غير جنسيته بعد تدخل دولته فقد حقه فى حمايتها . ويعتقد
البعض ان تغيير الجنسية اللاحق لمباشرة الاجراءات لا يمنع من استمرارها طالما أنها
بدأت وقت أن كان الشخص المضار متمتعا بجنسية الدولة المدعية .
ثانيا : ويشترط أيضا لكى تمارس الدولة حقها فى حماية
رعاياها وفى تبنى مطالباتهم أن يكونوا قد استنفدوا كافة وسائل التقاضى الداخلية.
ويترتب على ذلك أن الاجنبى الذى يطالب بحق من الحقوق
عليه أن يلجأ أولا الى سلطات ومحاكم الدولة التى يقيم فيها قبل أن يطلب حماية
دولته .
والغرض من هذا الشرط اعطاء سلطات الدولة المسئولة الفرصة
لكى تعوض الضرر الذى أصاب الاجنبى, واذا لجأ الاجنبى الى محاكم الدولة المسئولة
فلم تنصفه كان عليه أن يستأنف أحكام هذه المحاكم وأن يطعن فيها بالنقض ان كان ذلك
ممكنا . أما اذا تعذر اللجوء للمحاكم, وان لم تكن هناك محاكم مختصة, أو كان الحكم
الذى صدر فى شكواه مشوبا بانكار العدالة كان لدوته أن تتدخل للمطالبة بحقوقه
بطريقة دولية .
ثالثا : يشترط أخيرا ألا يكون قد صدر من الشخص المضار ما
يعتبر مخالفة للقانون الدولى. ويعبر الفقهاء عن ذلك عادة بأنه يشترط أن تكون يداه
نظيفتين – فاذا كانت مصادرة أموال الاجنبى ترجع مثلا لمخالفته للالتزامات الملقاة
على عاتق رعايا المحايدين لصالح دولة محاربة, أو لاشتراكه فى ثورة داخلية أو فى
مؤامرة لقلب نظام الحكم فانه من غير المقبول أن تتدخل الدولة التى يتبعها الاجنبى
لحمايته فى هذه الاحوال .
المبحث الثانى
الالتزام
بالتعويض
موضوع
الالتزام بالمسئولية الدولية تعويض الضرر الذى نشأ عن الفعل غير المشروع.
التعويض :
يتخذ التعويض فى المسئولية الدولية الصور الآتية :
( أ ) الترضية :
وهذه تكون حينما لا يترتب على العمل المتسبب
للسئولية أى ضرر مادى. ومقتضاها قيام الدولة المسئولة بعدم اقرار التصرفات الصادرة
من موظفيها أو سلطاتها, ومن صورها تقديم اعتذار دبلوماسى أو فصل الموظف المسئول أو
تقدمه للمحاكمة .
(ب)التعويض العينى :
ومعناه اعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل وقوع العمل
غير المشروع ومثاله اعادة الاموال التى تكون صودرت بدون وجه حق من الاجانب .
(جـ) التعويض المالى :
ويتحصل فى دفع مبلغ من المال لتعويض الضرر الناتج عن
الفعل غير المشروع .
الاعفاء من المسئولية وشروط كالفور :
يمكن للدولة أن تطالب باعفائها من المسئولية اذا أثبتت
القوة القاهرة أو حالة الدفاع الشرعى .
ولقد جرت عادة بعض الدول على أن تضمن العقود العامة التى
تعقدها مع الاجانب شرطا يسمى شرط كالفور, وبمقتضاه يتنازل الاجانب المتعاقدون مع
الدولة عن حقهم فى الحصول على حماية دولتهم فيما يتعلق بتنفيذ العقد. والثابت أن
مثل هذا الشرط الذى يرد فى عقد من عقود القانون العام الداخلى لا يمكن أن يحتج به
على الدولة التابع لها الاجنبى وذلك لسببين :
(أ)
أولهما أن هذا الشرط يرد فى عقد بين الدولة والاجنبى فلا
يمتد أثره الى الدولة التى ينتمى اليها الاجنبى بجنسيته على اعتبار أنها لم تكن
طرفا فى هذا العقد .
(ب) ان على الدولة واجب
حماية رعاياها, ولا يخليها من هذا الواجب تنازل رعاياها عن حقهم فى الحماية .
تسوية المنازعات المتصلة بالتعويض :
من المبادئ الحديثة فى القانون الدولى منع استعمال القوة
فى ميدان العلاقات الدولية, وتطبيق هذا المبدأ يجعل من غير المشروع اللجوء الى
القوة لكى تستوفى الدولة ما تستحقه من تعويض قبل الدولة المسئولة .
وتلتزم الدول بتسوية منازعاتها المتصلة بالمسئولية
الدولية بالوسائل السليمة التى حددتها المادة 33 من ميثاق الامم المتحدة. ولقد جرت
عادتها على أنشاء هيئات للتوفيق أو للتحكيم قبل أو بعد نشوء النزاع المتعلق
بالمسئولية الدولية .
ومن الاتجاهات الجديدة فى هذا الشأن السماح للأفراد
باللجوء الى هيئات التوفيق أو التحكيم بشأن مطالباتهم قبل دولة أجنبية . ولقد بدأ
هذا الاتجاه يظهر بشكل اختيارى بحت, ومن أمثلته ما ورد فى اتفاقية البنك الدولى
لتسوية المنازعات الاستثمارية بين الدول ومواطنى الدول الاخرى فى 18 مارس سنة 1965
بشأن تقديم تسهيلات للتوفيق والتحكيم فى المنازعات المتعلقة بالاستثمار التى تنشأ
بين مواطنى الدول المتعاقدة ودولة متعاقدة .
الباب الرابع
المنازعات
الدولية
متى يكون
النزاع دوليا ؟
يقصد
بالمنازعات الدولية التى يكون أطرافها الدول أو أشخاص القانون الدولى العام من غير
الدول . والمنازعات التى تثور بين أفراد تابعين لدول مختلفة تخرج عن نطاق هذا
الباب وتخضع للقانون الدولى الخاص؛ اذ أنها تعتبر من قبيل المنازعات الفردية .
أما المنازعات التى تقوم بين دولة وبين مواطنى
دولة أجنبية فانها تعتبر من قبيل المنازعات الداخلية الا اذا ما تبنت الدولة
الاجنبية مطالبات مواطنيها, ففى هذه الحالة يصبح النزاع دوليا بالتطبيق للقواعد
الخاصة بالحماية الدبلوماسية .
ولقد أصبح
من الضرورى بعد تحريم استعمال القوة فى ميدان العلاقات الدولية الاهتمام ببيان
وتحديد الوسائل الكفيلة بحل المنازعات الدولية بالطرق السليمة . ويرشدنا القانون الدولى الى نوعين من وسائل حل
المنازعات الدولية وهى: الوسائل القضائية والوسائل غير القضائية . ونلاحظ أن
الوسائل الاولى هى أنسب وسائل حل المنازعات القانونية, أما الوسائل الثانية فهى
التى تلائم المنازعات السياسية .
المنازعات
القانونية والمنازعات السياسية :
اختلف
الشراح حول معيار التفرقة بين المنازعات القانونية والمنازعات السايسية . ويمكن أن
نقسمهم الى ثلاثة مذاهب :
1- المذهب الأول : يرى أن
المنازعات القانونية هى المنازعات التى يكون من الممكن تسويتها وفقا لنصوص القانون
الدولى المقبولة حاليا من الدول . وعلى العكس من ذلك يكون النزاع سياسيا اذا كان
من غير الممكن تسويته وفقا لنصوص القانون الدولى الحالية .
2- المذهب الثانى : يرى أن
المنازعات القانونية هى المنازعات قليلة الأهمية التى تتصل بمسائل ثانوية أو صغيرة
ولا تمس مصالح الدولة العليا, أما النزاع السياسى فهو الذى يمس مصالح الدولة العليا
.
3- المذهب الثالث : يرى أن
المنازعات القانونية هى التى تكون الخصومة فيها على وجود حقوق معينة ولا يطلب
الاطراف فيها تعديل المبدأ القانونى, فى حين أن النزاع السياسى يتصل بالمطالبة
بتعديل القانون القائم .
المبحث
الأول
الوسائل
القضائية
معنى التسوية القضائية :
معنى
التسوية القضائية أن يتولى شخص من غير أطراف النزاع سلطة الفصل فيه على أساس
القانون القائم وبقرار ملزم من الناحية القانونية .
واذا كان
القضاء قد استقر فى داخل الدولة وأخضع لسلطانه كافة أشخاص القانون الداخلى
والسلطات العامة الوطنية, فهو لا يزال يحبو فى مرحلة الأولى فى المجتمع الدولى,
يعجز عن فرض سلطانه على الدول فى علاقاتها الدولية .
وتتم
مباشرة الوظيفة القضائية فى المجتمع الدولى باحدى صورتين وهما التحكيم أو القضاء .
أولا : التحكيم الدولى
الفكرة
الأساسية فى التحكيم هى الفصل فى المنازعات الدولية, بقرار ملزم, يصدره محكمون,
اختارهم أطراف النزاع للحكم فيه وفقا للقانون . والتحكيم يكون ابجاريا اذا كان
الاتفاق على التحكيم سابقا على نشوء النزاع, ويكون اختياريا اذا كان الاتفاق لاحقا
للنزاع ونتيجة له .
التحكيم الاختيارى :
(أ)
كان التحكيم فى العصور القديمة يتم بالتجاء الدول
المتنازعة الى شخصية كبيرة أو الى رئيس دينى لكى يفصل فى النزاع على أساس القانون
أو العدالة أو المصلحة, وهو يقترب بهذا المعنى من الوساطة, ولذلك سمى بالتحكيم
الدبلوماسى. ولقد ظل هذا المعنى سائدا طوال العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر .
(ب)وبعد ذلك حدث تطور أساسى, فأخذت قواعد التحكيم تستقر
وبرزت صفته القضائية, فأصبح المحكم فى مركز القاضى يصدر حكما يستمده من
القانون الدولى, سواء كان هذا القانون
معاهدة ام كان عرفا. وأكثر من ذلك, أصبح حكم المحكم وسيلة من وسائل اكتشاف القانون
الدولى ومصدرا من مصادره الاحتياطية . وبدأت الدول تميل الى عرض منازعاتها على
محكمة من المحكمين تتكون من قضاة مشهود لهم بالتفقه فى القانون وعلى الخصوص من
كبار فقهاء القانون الدولى العام .
(جـ) وللدول المتنازعة مطلق الحرية فى انتخاب المحكمين
فلها أن تختار فردا أو مجموعة من الأفراد أو أن تعرض النزاع على دولة ما. وفى هذه
الحالة تنتخب الدولة الاخيرة المحكمين الفعليين .
ويكون للدولة المتنازعة الحرية فى تعيين القواعد التى
يطبقها المحكمون فلها أن تنص عليها صراحة فى اتفاق التحكيم كما هو الحال بالنسبة
لمبادئ واشنطن الثلاثة فى النزاع الالباما. كما أنه من الممكن أن تكتفى الدول
بالاحالة الى مبادئ القانون الدولى العام . وفى حالة عدم وجود نص على القواعد
الواجبة التطبيق يقوم المحكمون بتطبيق قواعد القانون الدولى .
وننبه هنا الى التحكيم أسلوب قضائى أى أنه يقوم على حل
المنازعات على أساس قواعد القانون, والمحكم لا يراعى أية اعتبارات لا تمت الى
القانون بصلة .
وللدولة التى تلجأ الى التحكيم وحرية اختيار قواعد
الاجراءات الواجب على المحكمين أتباعها فى نظر النزاع. فاذا أغفلت ذلك قام
المحكمون أنفسهم بتقرير قواعد الاجراءات التى سيقومون باتباعها .
وحكم المحكمين ملزم لاطراف النزاع وهذا ما يعطيه الصفة
القضائية, ويميزه عن أعمال الوساطة والتوفيق ؛ غير أنه من الجائز الطعن فى الحكم
لنقض أو خطأ جسيم أو غش أو اكراه واقع على المحكم .
(د) ولقد كان التحكيم من المسائل التى عنيت بها اتفاقيات
لاهاى سنة 1899وسنة 1907, وانجازت هذه الاتفاقيات الى الصفة القضائية للتحكيم
مبعدة اياه عن الناحية السياسية. ولقد ذكرت اتفاقية لاهاى سنة 1899 الخاصة بفض
المنازعات بالطرق السليمة التحكيم من بين وسائل فض المنازعات, وأنشأت له محكمة
وقلم كتاب هما : محكمة التحكيم الدولى الدائمة والمكتب الدولى الملحق بها, كما
جمعت المبادئ المتعلقة به . وفى سنة 1907 أقرت الدول هذا النظام وأدخلت عليه بعض
التحسينات .
(هـ) محكمة التحكيم الدولى الدائمة :
أنشئت هذه المحكمة بمقتضى اتفاقية لاهاى سنة 1899, ثم
أعيد تشكيلها فى اتفاقية لاهاى الثانية سنة 1907. وليس لهذه المحكمة الشكل العادى
المعروف للمحاكم ؛ فهى لا تتكون من عدد معين من القضاة يوجد باستمرا فى مقر المحكمة
للفصل فيما يعرض عليها من المنازعات .
وانما ينتخب قضاة
هذه المحكمة من كشف مودع فى قلم الكتاب الملحق بالمحكمة كلما دعت الظروف الى
تكوينها . ويتم اختيار القضاة باتفاق الطرفين المتنازعين, فاذا فشلا فى الاتفاق
تكونت المحكمة وفقا لنظام خاص منصوص عليه فى الاتفاقية .
ومقر المحكمة لاهاى, ويلحق بها قلم كتاب يختص بالشئون
الادارية. وتختص بنظر المنازعات التى تعرضها عليها الدول الاطراف فى الاتفاقية؛
كما يدخل فى اختصاصها نظرالمنازعات بين دولة طرف ودولة غير طرف اذا تم الاتفاق على
الالتجاء اليها. وعند قيام النزاع تبرم الدولتان المتنازعتان ما يسمى باتفاقية
الاحالة على التحكيم, وفيها تنص الدولتان المتنازعتان على أوجه النزاع المراد
الفصل فيها وأسماء القضاة المختاريين, والاجراءات التى تتبع فى نظر النزاع,
والقواعد القانونية التى تطبق.
واختصاص محكمة التحكيم اختصاص اختيارى, وان كانت اتفاقية
لاهاى الأولى قد نصت على أن التحكيم هو أعدل وأنجح وسيلة لفض المنازعات ذات الصبغة
القانونية التى لم تفض بالطرق الدبلوماسية. وأضافت الاتفاقية الثانية أنه من
المرغوب فيه أن تلجأ الدول عند قيام نزاع فى هذه المسائل الى التحكيم, وذلك بقدر
ما تسمح به الظروف.
والمرافعات أمام المحكمة كتابية وشفوية. ويجوز للمحكمة أن
تطلب من أطراف النزاع تقديم أوراق أو مستندات اذا رأت لزوما لذلك .
وقرار المحكمة نهائى لا يجوز الطعن فيه وان كان من
الجائز الرجوع للمحكمة لتفسير ما غمض منه. وهو قرار ملزم للدول التى هى أطراف فى
النزاع دون سواها وهذا مفهوم من طبيعة التحكيم .
التحكيم الاجبارى :
القاعدة العامة أنه لا يوجد التزام على الدول بعرض
منازعاتها على التحكيم . ومع ذلك فمن الممكن فى بعض الاحوال وجود مثل هذا الالتزام
فيصبح التحكيم اجباريا .
ويكون التحكيم اجباريا فى صورتين :
1- أن يضاف نص خاص الى
معاهدة, تربط بين دولتين أو مجموعة من الدول أو تربط بين دولة ومنظمة دولية, يقضى
بالتزام الدول الاطراف بأن تعرض على التحكيم كل نزاع ينشأ بينها بخصوص تفسير أو
تطبيق هذه المعاهدة, اذا لم تفلح الطرق الدبلوماسية فى حل النزاع. ويسمى هذا بشرط
الاحالة على التحكيم, وهذا الشرط شائع فى المعاهدات الدولية التى تبرمها الدول فى
الوقت الحالى .
2- أن توقع الدول فيما
بينهما اتفاقية تحكيم ينص فيها على قبول الدول المتعاقدة مقدما عرض كافة المنازعات
التى يمكن أن تنشأ فيما بينها على التحكيم . بل لقد وافقت بعض الدول على ابرام
اتفاقيات تحكيم لتسوية المنازعات التى بينها وبين مواطنى دولة أخرى .
ولم
يفرض ميثاق الامم المتحدة التحكيم الاجبارى, فلقد حرص واضعو الميثاق على ترك أكبر
مقدار من السلطة ومن حرية التقدير لمجلس الامن التابع للأمم المتحدة .
والتزمت الدول أطراف أى نزاع من شأن استمراره أن يعرض
حفظ السلم والأمن الدولى للخطر أن يلتمسوا حله أولا بطريقة سليمة من توفيق أو
تحكيم أو قضاء . فاذا فشل أطراف النزاع فى حله بالوسائل السليمة وكان من شأن
استمراره تعريض السلم أو الأمن الدولى للخطر, وجب عليها أن تعرضه على مجلس الامن,
ويختص المجلس بتقرير ما يراه ملائما لحل النزاع وفقا لمقتضيات الاحوال . وعلى مجلس
الأمن أن يراعى أن المنازعات القانونية من الواجب حلها عن طريق عرضها على محكمة
العدل الدولية وفقا لاحكام النظام الاساسى لهذه المحكمة .
ثانيا : فى المحاكم
القضائية الدولية
الفارق بين
التحكيم وبين القضاء :
من المهم أن تعرف الفارق بين التحكيم وبين القضاء
بالمعنى الضيق, ففى الواقع ونظرا لظروف المجتمع الدولى, وضعف تنظيمه, لا يوجد بين
الأمرين فارق فى الطبيعة, ولكن ينحصر الفارق فى طريقة التنظيم .
فمن الخطأ أن نؤسس التفرقة بين التحكيم الدولى وبين
القضاء الدولى على طبيعة السلطات الممنوحة لكل من الحكم والقاضى فنقول ان القاضى يفصل
فى النزاع محترما قواعد القانون السارية, أما المحكم فلسلطانه أوسع فله أن يلجأ
الى قواعد العدالة والقواعد الملائمة بحسب كل حالة . ويرجع خطأ هذا القول الى أنه
قد اصبح من المقرر أن المحكم يكون مقيدا بالفصل فى النزاع على أساس القانون شأنه
فى ذلك شأن القاضى . فالمادة السابعة والثلاثون من اتفاقية لاهاى سنة 1908 الخاصة
بفض المنازعات بالطرق السليمة تعرف التحكيم بأنه " الفصل فى المنازعات
الدولية على أساس القانون بواسطة قضاة يختارهم أطراف النزاع ".
ولقد جاءت أعمال لجنة القانون الدولى التابعة للجمعية
العامة للأمم المتحدة مؤيدة لوجهة النظر هذه, فقد عرفت التحكيم الدولى فى تقرير
لها نشرته فى أغسطس سنة 1953 بأنه " وسيلة لفض المنازعات الدولية على أساس
القانون ونتيجة لقبول اختيارى من الدول " .
كما أنه من
الصعب أن يوجد فى العلاقات الدولية تمييز بين التحكيم والقضاء على أساس طبيعة
اختصاص كل من المحكم والقاضى, فالاختصاص فى الحالتين اختيارى كقاعدة عامة .
وعلى ذلك فالفارق الأساسى بين التحكيم وبين القضاء فى
العلاقات الدولية ينحصر فى الوقت الحالى فى أن التحكيم يتم عن طريق قضاة يختارهم
أطراف النزاع فى حين أن القضاء يتم بواسطة قضاة معينين سلفا .
والمحاكم القضائية الدولية محدودة العدد وان كان أهمها
فى الوقت الحالى وأوسعها اختصاصا محكمة العدل الدولية بلاهاى .
محكمة العدل الدولية :
لم تسد محكمة التحكيم الدولية الفراغ المحسوس فى باب
تنظيم السلطات القضائية الدولية لأنها كما سبق بينا ليست محكمة قضائية بالمعنى
الصحيح . وكذلك أثبتت التجارب أن قضاة محكمة التحكيم يميلون الى اعتبار أنفسهم, فى
أغلب الاحيان, محكمين تنحص مهمتهم الأساسية فى التوفيق بين الطرفين مما أبعدهم عن
معنى السلطة القضائية .
ولهذا نادى المفكرون, وعلى الخصوص الهيئات العلمية التى
تختص بدراسة مسائل القانون الدولى العام بوجوب انشاء محكمة قضائية دولية. ولقد
تولى ميثاق عصبة الأمم, وميثاق الامم المتحدة من بعده, هذه الرغبة بالعناية عن
طريق انشاء محكمة العدل الدولية التى تباشر أعمالها فى الوقت الحالى باعتبارها
فرعا من فروع الامم المتحدة مقره لاهاى .
وبالاضافة الى ذلك توجد فى لوكسمبورج محكمة العدل
للمنظمات الاقتصادية الأوربية التى أنشئت أصلا سنة 1951 وعدل اختصاصها سنة 1957,
وهى تختص بالفصل فى المنازعات المتصلة بالجماعة الاوربية. للصلب والفحم, وبالسوق
الاوربية المشتركة, وبالمنظمة الذرية الاوربية. كما توجد محكمة أوربية أخرى هى
المحكمة الاوربية لحقوق الانسان, وهى تختص بنظر المنازعات المتصلة بتطبيق
الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان سنة 1950 .
المبحث الثانى
الوسائل غير القضائية
( التسوية السياسية )
قد يمكن حل المنازعات الدولية بالوسائل السياسية وذلك
اذا أمكن التقريب بين وجهات نظر الدول المتنازعة .
التسوية السياسية فى القانون التقليدى :
عرف القانون الدولى العام التقليدى أربع وسائل للتسوية
السياسية للمنازعات الدولية :
( أ ) المساعى الحميدة :
يقصد بها قيام دولة بمحاولة التقريب بين دولتين
متنازعتين, وحثها اياهما على الدخول فى مفاوضات لحل النزاع القائم بينهما. كل هذا
دون أن تشترك الدولة مقدمة المساعى الحميدة فى المفاوضات بأية وسيلة مباشرة .
(ب) الوساطة :
يقصد بها سعى دولة لايجاد حل لنزاع قائم بين دولتين عن
طريق اشتراكها فى مفاوضات تقوم بها الدولتان المتنازعتان للتقريب بين وجهات النظر
.
( جـ ) التحقيق :
من الممكن أن تفشل المفاوضات الخاصة بحل نزاع دولى وذلك
بسبب الاختلاف حول تحديد وقائع النزاع. ومقتضى نظام التحقيق أن تعين الدولتان
المتنازعتان لجنة يوكل اليها حصر الوقائع وفحصها وتقديم تقرير عنها .
( د ) التوفيق :
ويقصد به تسوية النزاع عن طريق احالته لهيئة محايدة
تتولى تحديد الوقائع واقتراح التسوية الملائمة على أطراف النزاع. ويكون قرار هيئة
التوفيق غير ملزم لأطراف النزاع وهذا ما يميزه عن قرار هيئة التحكيم .
ونلاحظ أن الطرق المختلفة التى عرفها القانون التقليدى
كانت عبارة عن وسائل اختيارية لا تلجأ اليها الدول الا بارادتها, واذا اختارت
اللجوء اليها فانها تبقى حرة فى قبول أو رفض اقتراحات الوسيط أو تقرير لجنة
التحقيق .
ومع أن اتفاقيتى لاهاى سنة 1889, 1907 قد شجعتا الدول
على الالتجاء لاحدى طرق التسوية السياسية فانهما لم تفرضا ذلك كالتزام دولى،
واكتفتا بالتصريح بأن الدول المتعاقدة لن تلجأ للحرب قبل أن تلجا إلى المساعى
الحميدة والوساطة وذلك بقدر ما تسمح به الظروف . ووجب الانتظار حتى ميثاق عصبة امم
ثم ميثاق الأمم المتحدة لكى نرى تنظيماً مبنياً على التزام الدول بالالتجاء لاحدى
طرق التسوية السياسية .
التسوية السياسية فى النظام الحالى :
لم يعد التدخل بين الدول المتنازعة لحل النزاع حلاً سلمياً
قاصراً على مجهودات دولية فردية، بل أصبح يدخل فى اختصاص المنظمات الدولية التى
تشرف على شئون المجتمع الدولى فيعرض عليها النزاع لتبحثه وتقترح له حلاً .
ولقد فرضت المادة الثالثة والثلاثون من ميثاق الامم
المتحدة على الدول أطراف أى نزاع من شأن استمراره أن يعرض السلم والأمن الدولى
للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذى بدء عن طريق سلمى كالمفاوضات والتحقيق والوساطة
والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية واللجوء إلى المنظمات الاقليمية أو غير ذلك
من الوسائل السلمية التى يختارها أطراف النزاع .
والى جانب هذا الالتزام المفروض على الدول باللجوء إلى
الوسائل السلمية لفض المنازعات، وضع ميثاق الامم المتحدة نظاماً محكماً لحل
المنازعات بأسلوب سياسى يتعاون على تنفيذه كل من الجمعية العامة للأمم المتحدة
ومجلس الأمن .
كما وضعت المنظمات الاقليمية كالجامعة العربية، ومنظمة
الوحدة الافريقية ومنظمة الدول الامريكية، أنظمة مختلفة لحل المنازعات بين أعضائها
.
والالتزامات اللمقى على عاتق أطراف النزاع باللجوء إلى
الوسائل السلمية يقتصر على المنازعات التى يكون من شأن استمراها تعريض السلم
والأمن الدولى للخطر .
والواقع أنه من الصعب الجزم بأن نزاعا ما يكون من ِشأن
استمراره تعريض السلم والأمن الدولى للخطر؛ وذلك لان أعضاء الامم المتحدة قد
تعهدوا فى الثانية ( فقرة4) من الميثاق بعدم استعمال القوة أو التهديد باستعمالها
. ومن ثم كان من الصعب من الناحية القانونية تصور أن يؤدى نزاع ينشأ بينهم إلى
تعريض الأمن الدولى للخطر .
ومع ذلك فمن الممكن القول أنه من المحتمل أن يتفاقم
النزاع ويشتد الخلاف فى وجهات النظر؛ بحيث يتسمم جو العلاقات الدولية وتتوتر
العلاقات بين الدول مما يجعل من المحتمل أن تلجأ دولة محبة للسلام لاستعمال القوة
أو تتورط فى أعمال يكون من نتيجتها أستعمال القوة، وفى مثل هذه الاحوال يوجد
التزام باللجوء إلى وسيلة سلمية لحل النزاع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق